جاءت لتعيد الروح لأيام مضت وتاريخ تم التعتيم عليه، أو تجاهله حتى نسيته أجيال فمن هذه الفنانة التي صارعت النسيان واختطفت من بين براثنه عبق الماضي والتحدى والنجاح، ماريان خورى المنتجة المنفذة والفنية لعديد من الأفلام تعد من أكثر الأفلام التي تفخر بها السينما المصرية” وداعًا بونابرت، إسكندرية كمان وكمان، الآخر، المدينة، عرق البلح،…” وهي أفلام يمكن وصفها بالجادة والهادفة، كما أخرجت ماریان خوری فيلمين تسجيليين هما: “زمن لورا“، عاشقات السينما “والفيلم الأخير تسجيلي روائي اهتم بإبراز دور ست نساء هن: “عزيزة أمير، فاطمة رشدى، بهيجة حافظ، أمينة محمد، آسیا، ماري كويني” في تأسيس صناعة السينما في مصر.
عشق كان هذا هو المفتاح الذي أمسكت به ماریان خوری لتفتح باب لنا لندخل حياة هؤلاء اللاتي ضحين من أجل عشقهن ودافعن عن حقهن في الحياة والسعادة والعشق والنجاح، بل دافعن أيضًا عن حقهن في الشقاء، ذلك الشقاء الذي فتح الباب لهن ليصنعن تاريخًا ويحملن وسام الريادة.
تفتح المخرجة أمامنا بابًا للاندهاش عندما نرى نساء سعين إلى الشهرة لا ليحملنها وسامًا على الصدر بل صليبًا ناءت به ظهورهن ورجمهن الناس لأجله، ولكنهن لم يتوقفن عن السير على الشوك ضحين بكل شيء، منهن من ضحت بالعائلة ومنهن من ضحت بالمال ألقين بكل ما يملكن تحت أقدام العشيق – الفن – فاستحققن وعن جدارة أن يمنحهن ضمة الخلود.
يحكي الفيلم قصة أولائك الرائدات دون كثير من الشعارات المملة بل تصحبنا المخرجة في رحلة شديدة الإمتاع لنتعرف على قلوبهن فنرى مدى ارتباطهن بالفن، فنعجب بتحدى فاطمة رشدي وقوة شخصيتها وتحديها لإبراز شخصيات عصرها ” يوسف بك وهبي” هذا التحدي الذي أثمر مزيدًا من الإبداع، وكان الصراع من أجل الفن والانتصار الأخير له، وصلينا عشقًا من بهيجة حافظ وهي تعزف وهي تمثل فتبكي وتبكينا، ونفخر بامرأة هي أمينة محمد تحدت ظروف فقرها فأنتجت فيلمًا فوق سطوح إحدى العمارات، ونرى “آسيا” بكل إنجازاتها الفنية تخفق قلوبنا للحظات الإصرار التي خاضتها لتغامر بالمال فتنتج “صلاح الدين” الذي تكلف إنتاجه يومئذ ١٢٠ ألف جنيه في حين كان متوسط إنتاج الفيلم في حينها ٢٠ ألف جنيه، وغيرها من الأفلام ضخمة الإنتاج، فقد أنتجت هذه الفنانة أكثر من أربعين فيلمًا روائيًا تعد من علامات السينما المصرية حتى أطلق عليها سيدة الإنتاج الرفيع، وتدمع عيوننا بقوة وهي معلقة بممر استوديوهات جلال بحدائق القبة ونحن نرى بعين خيالنا خطوات ماري كويني عليه وهي تخشى كالأم فقد ابنها الأعز، استديو جلال التي تجعلنا المخرجة نراها وهي تضع حجر الأساس، ثم تحمل لنا خبر تأميمه فتملأ الدموع عيوننا، وتنهى المخرجة فيلمها فتمد أيدينا نربت على ذلك المارد داخلنا مارد التحدي والقوة الذي خرج تضامنًا مع قوة نساء عشقن فنجحن.
نساء رائدات
وهذا الفيلم جزء من سلسلة من الأفلام التي تتبنى قصة حياة وكفاح الرائدات في كل المجالات ينتج هذه الأفلام شركة أفلام مصر العالمية يوسف شاهين وشركاه ضمن مشروع باسم “نساء رائدات” وقد تم عرض فيلمين آخرين هما: “أسطورة روزاليوسف” لمحمد كامل القليوبي، “المرأة شجاعة ” لأمين وأحمد راشدی الجزائريين.
وهذا المشروع يهدف إلى إنصاف المرأة تاريخيًا وإبراز دروها في كل المجالات الفنية والثقافية والسياسية، وفي رأيي أن هذا المشروع أكثر فائدة من وسائل كثيرة لنشر الوعي فليس أقرب للعقل والقلب من فن جميل وصورة صادقة.