مقدمة :
تشكل ظاهرة زواج الأطفال مسلكًا اجتماعيًا خطيرًا مع زيادة معدلاته في السنوات الأخيرة ليس فقط في جمهورية مصر العربية ولكن في العديد من دول العالم خاصة الدول الأفريقية وبعض دول شرق آسيا ، إلا أن وضع هذه الظاهرة في جمهورية مصر العربية وما تمثله من عنف ضد الطفل وإهدار حقوقه الاجتماعية والاقتصادية والأسرية على حد سواء يجعل هذه الظاهرة جديرة بالبحث والمناقشة بل وتستحق التنظيم القانوني بالتجريم والعقاب اذا توفرت فيها أركان الجريمة واشتراطات العقوبة.
ولعل تحرك الارادة السياسية المصرية لحث السلطة التشريعية على دراسة إصدار قانون لتجريم زواج الأطفال هو دعم فعال ومؤثر لمواجهة هذه الظاهرة فضلاً عن جهود المجتمع المدني والتي تعد دائمًا الأقرب والأسرع لمتابعة ومسح هذه الحالات والظواهر ، وتفاعلاً مع هذا الزخم المتنامي حول هذه الظاهرة يمكن عرض النقاط التالية بشأن ضرورة إصدار قانون لتجريم زواج الأطفال.
الأسباب الداعية لإصدار قانون لتجريم زواج الأطفال والعقاب عليه :
تبين الأدلة العملية أن الفقر وانعدام الأمن سبب من الأسباب الجذرية لممارسة تزويج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري. وأنه ما زال تزويج الأطفال شائعًا في المناطق الريفية وفي أوساط المجتمعات المحلية الأشد فقرًا وفي العديد من المجتمعات المحلية، غالبًا ما يُعتبر الزواج وسيلة لضمان الكفاف الاقتصادي للفتيات والنساء اللواتي ليست لديهن إمكانية الوصول بشكل مستقل إلى الموارد المنتجة واللواتي يعشن في حالات فقر مدقع .
وقد يكون لتزويج الأطفال مزايا اقتصادية أيضًا يفضل البعض معها اللجوء إلى هذه الممارسات من قبيل مهر أقل للعرائس الأصغر سنًا. ويمكن أن توافق الأسر على زواج مؤقت لبناتهن مقابل مكسب مالي، وهو ما يعرف أيضا باسم “الزواج التعاقدي” أو زواج الصفقة. وقد يشجع الفقر أيضًا النساء على الزواج من رعايا أجانب بغية الأمن المالي، وهذه ممارسة تزيد من فرص الاتجار بالنساء. وتظهر الأبحاث أنه في عدد محدود من البلدان، تجري ممارسة تزويج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري في الأسر الغنية أيضًا، حيث تُعتبر هذه الممارسة وسيلة للمحافظة على الثروة فيما بين الأسر التي تنتمي إلى الطبقة الاجتماعية والاقتصادية نفسها.
وكذلك ترتبط ممارسة تزويج الأطفال والزواج المبكر ارتباطاً قوياً بالفتيات اللواتي ليس لهن من التعليم النظامي إلا القليل أو أنهن لم يحصلن عليه بالمرة. وتشير منظمة الخطة الدولية في مصر، على سبيل المثال، إلى أن تردي نوعية المدارس, والاكتظاظ, والمدرسين غير المؤهلين، والعنف الجنساني هي أمور غالباً ما تزيد من إمكانية استمرار الزواج المبكر كخيار بديل للعديد من الفتيات.
ومن جانب آخر تبين الردود التي وردت من أجل إعداد هذا التقرير أنه في سياقات عديدة تُشجع الأسر على تزويج أطفالها في سن مبكرة لأن ذلك هو الممارسة الثقافية المقبولة. فإن العديد من حالات الضغط الاجتماعي واتجاهات التأويل الديني المغلوط الذي يشجع قرارات الآباء المتعلقة بتزويج بناتهم في سن مبكرة غالباً ما تكون بدافع الآراء النمطية عن الحياة الجنسية للمرأة وعن دور المرأة في المجتمع والتي غالبًا ما ينظر إليها على أنها الشئ الطبيعي الذي يفعله الجميع. وفي ظل هذه الظروف, يعتبر الزواج وسيلة لحماية الفتيات من خطر العنف الجنسي، أو لمنع العلاقات السابقة للزواج واحتمال المساس بشرف الأسرة، أو لتجنب انتقاد الفتيات الأكبر سنًا وغير المتزوجات بأنهن غير شريفات أو لاستعادة شرف الأسرة في حالات العنف الجنسي أو للتستر على ميل جنسي حقيقي أو متصور.
فضلاً عن أنه تتفاقم أيضًا ممارسة تزويج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري بالنسبة للفتيات عندما تندلع النزاعات والأزمات الإنسانية، حيث يعرض خطر الفقر جراء انعدام الأمن المالي وخطر العنف الجنسي الفتيات لهذه الممارسة بشكل أكبر. لأن الأسر تشعر بأن بناتها سيكن في وضع أكثر أمانًا في حالة الزواج.
نطاق التجريم :
تتوفر لجريمة زواج الأطفال جميع الاشتراطات التي تنص عليها التشريعات العقابية من عناصر التجريم والعقوبة والاستناد للظهير التشريعي الداعم لتجريم هذه الجرائم، حيث يتعين أن يكون للجريمة عنصر قانوني وهو النص المجرم لهذا الفعل وفقًا للمبدأ الدستوري والانساني من أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ومن هنا وجود أي جريمة وفرض العقوبة علها يعود إلى وجود نص قانوني ثم وجود قانون العقوبات الذي يجرم الفعل ويفرض العقوبة المناسبة على الجاني ووجود الركن القانوني مُهم جداً وبصورة كبيرة في أي جريمة وبدونه لا وجود لأي جريمة ولا عقاب على أي جريمة إلا بوجود الركن القانوني أي الشرعي ، وهو ما توفر حتى الآن بشكل واضح في نصوص القانون .
وعلى جانب آخر يتعين أن يكون للجريمة ركن مادي تشكله عدة إجراءات أو أفعال مادية يقوم بها الجاني تظهر للمجتمع حيث إن الجريمة ليست حدثًا يتم بالصدفة أو بحسب مجريات الأمور بشكل طبيعي حيث يقع الركن المادي بحق شيء يحميه القانون ويكون عبارة عن أي اعتدات أو إنتهاك يقع بحق الغير في الأشياء المادية والملموسة مثل إجبار شخص على القيام بشئ أو الامتناع عن شئ أو تجهيز مستندات أو أدوات أو احتجاز أشخاص أو إيذائهم بأي شكل من أشكال الضرر وهو ما يدل على أن ممارسات زواج الأطفال تقوم على أركان مادية لارتكاب جريمة وهي :
-
الفعل : وهو السلوك الجرمي وهو إجراء الزواج بحد ذاته بشأن أشخاص لم تتوفر بعد بشأنهم متطلبات الزوجية بالمفهوم الشرعي أو القانوني بما يشكل لهم العديد من أشكال الضرر.
-
النتيجة : وهي ردت الفعل الناتجة عن الفعل وما يترتب فيما بعد الفعل وهو انعقاد حالة الزواج بالفعل والتي يترتب عليها كل النتائج الضارة بشأن الزواج.
-
العلاقة السببية : وهو وجود الرابطة بين الفعل والنتيجة مثل أنه ضياع حق من حقوق المجني عليه أو إصابته من جراء فعل الجريمة وليس بفعل وجود سبب آخر وعند توفر تلك الأركان جميعها يكون هنا لدينا ركن مادي.
ومن ناحية ثالثة فإنه يجب أن يكون للجريمة ركن معنوي يتمثل في توفر الإرادة الآثمة والقصد الإجرامي لدى الجاني من أجل إحداث نتيجة سيئة مع العلم بماديات الجريمة ونتائج الفعل مع ذلك أقدم الجاني على الفعل من أجل إحداث نتيجة معينة وسيئة وترك أثر قانوني, وجود الركن المعنوي يعني وجود الأصل ويكون خاص بالجريمة بشكل مباشر، ويوجد الركن المعنوي بالجرائم المقصودة لأنه لا يتصور وجود الركن المعنوي فيه الجرائم الغير مقصود دون توافر النية فيه إحداث نتيجة ومن ذلك جرائم زواج الأطفال والتي تؤكد انعقاد إرادة القائمين عليه إلى إحداث أثاره وهو ما يؤكد عليه الاجراءات غير الصحيحة التي يمر بها ذلك الزواج من اخفاء بيانات وتزوير أوراق أو اتخاذ طريق غير قانوني للزواج حيث يعد كل فعل مما سبق جريمة بمفرده تشير إلى سوء إرداة الجاني .
ومما يزيد من خطورة ممارسات تزويج الأطفال أن الجريمة تتوفر فيها كذلك البعد المجتمعي وهو أن يكون الفعل المجرم فعلاً ضارًا بالمجتمع ككل وليس بالمجني عليه فقط فتتعدى آثاره إلى أشخاص آخرين يصيبهم بعضًا من هذا الفعل أو على الأقل آثار الخوف والذعر من ارتكاب هذه الجريمة في حقهم مثل أقارب المجني عليم أو أبنائهم في حالات الحمل والانجاب بجانب ما تتنطوي عليه هذه الممارسات من ارتكاب العنف البدني والنفسي والاقتصادي والجنسي، وقيود على حركة الأطفال. وقد تعاني النساء والفتيات في حالات تزويج الأطفال والزواج القسري ظروفًا زوجية تنطبق عليها تعريفات والاسترقاق الجنسي, واسترقاق الأطفال، والاتجار بالأطفال، والسخرة فضلاً عن أنه من الشائع في حالات تزويج الأطفال حدوث الحمل المبكر والمتكرر والإرغام على إبقاء الحمل. وهذه أمور ترتبط ارتباطاً وثيقاً بارتفاع معدلات مرض ووفيات الأمهات والرضع، ويمكن أن تؤثر تأثيراً ضاراً في صحة الفتيات الجنسية والإنجابية. وفي الواقع، تشكل “المضاعفات المرتبطة بالحمل السبب الرئيسي للوفاة بين الشابات, مع احتمال وفاة الفتيات بضعف نسبة وفاة النساء اللواتي بلغن العشرينات من عمرهن. وفي أغلب الأحيان لا تُمكن الفتيات والنساء اللواتي يتعرضن لممارسة تزويج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري من اتخاذ قرارات بشأن صحتهن الجنسية والإنجابية، أو لا يمتلكن معلومات في هذا الصدد، مما يقوض قدرتهن على التصدي لجملة أمور منها اتخاذ قرارات بشأن عدد أطفالهن والفترات الفاصلة بين الولادات والتفاوض بشأن استخدام موانع الحمل، ويعرضهن بشكل كبير لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً وبفيروس نقص المناعة البشري.
ولعل من أهم جوانب الخطورة التي تنطوي تحت أركان هذه الجريمة هي أن تزويج الأطفال والحمل المبكر هما عقبتان أساسيتان تحولان دون ضمان فرص التعليم والعمل وغيرها من الفرص الاقتصادية للفتيات والشابات. وغالباً ما تثنى الفتيات عن الذهاب إلى المدرسة عندما يتزوجن أو قد يُطردن من المدرسة عندما يصبحن حوامل ويُعاملن كنساء بالغات بغض النظر عن أعمارهن.
إن النظام القانوني والتشريعي المصري يعد من الأنظمة القديمة والراسخة خاصة وأن السلطة التشريعية دأبت منذ زمن طويل على تقديم قانون عقوبات متكامل منذ بدايات القرن الماضي والذي اشتمل على العديد من العقوبات لمواجهة الجرائم الخاصة بالتعدي على الأطفال ومنها تزويج صغار السن أو ما ارتبط بها من أفعال غير قانونية على النحو التالي :
تصدر الدستور المصري قائمة التشريعات المصرية التي حفظت حقوق الأطفال وأكدت عليها حيث نصت المادة ( ٨٠) من دستور عام ٢٠١٤, على التزام الدولة بحماية الطفل دون سن الثامنة عشرة عامًا من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري.
وكذلك كان قانون العقوبات المصري من التشريعات السابقة لتجريم كل أشكال استغلال الأطفال أو تزويجهم أو الادلاء ببيانات غير صحيحة أو تزوير أوراق ثبوتيتهم لاتخاذ أي اجراء المادة ۲۱۱ والتي نصت على أن كل صاحب وظيفة عمومية ارتكب في أثناء تأدية وظيفته تزويراً في أحكام صادرة أو تقارير أو محاضر أو وثائق أو سجلات أو دفاتر أو غيرها من السندات والأوراق الأميرية سواء كان ذلك بوضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو بزيادة كلمات أو بوضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة يعاقب بالسجن المشدد أو السجن.
وكذلك ورد المادة ۲۱۲ أن كل شخص ليس من أرباب الوظائف العمومية ارتكب تزويراً مما هو مبين في المادة السابقة يعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن مدة أكثرها عشر سنين.
ونصت المادة ۲۱۳ على أنه يعاقب أيضا بالسجن المشدد أو بالسجن كل موظف في مصلحة عمومية أو محكمة غير بقصد التزوير موضوع السندات أو أحوالها في حال تحريرها المختص بوظيفته سواء كان ذلك بتغيير إقرار أولي الشأن الذي كان الغرض من تحرير تلك السندات إدراجه بها أو بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها أو يجعله واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها.
وقررت المادة ٢١٤ أنه من إستعمل الأوراق المزورة المذكورة في المواد الثلاث السابقة وهو يعلم تزويرها يعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن من ثلاث سنين إلى عشر.
بجانب ما نصت عليه المادة ٢١٥ من أن كل شخص ارتكب تزويرًا في محررات أحد الناس بواسطة إحدى الطرق السابق بيانها أو استعمل ورقة مزورة وهو عالم بتزويرها يعاقب بالحبس مع الشغل.
وكذلك فان المادة ۲۲۷ نصت على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمائة جنيه كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانوناً لضبط عقد الزواج أقوالاً يعلم أنها غير صحيحة أو حرر أو قدم لها أوراقاً كذلك متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أوالأوراق. ويعاقب بالحبس أو بغرامة لا تزيد على خمسمائة جنيه كل شخص خوله القانون سلطة ضبط عقد الزواج وهو يعلم أن أحد طرفيه لم يبلغ السن المحددة في القانون.
بجانب ما قررته المادة ٢٩١ يحظر كل مساس بحق الطفل في الحماية من الاتجار به أو الاستغلال الجنسي أو التجاري أو الاقتصادي, أو استخدامه في الأبحاث والتجارب العلمية ويكون للطفل الحق في توعيته وتمكينه من مجابهة هذه المخاطر. ومع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها في قانون آخر، يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه كل من باع طفلاً أو اشتراه أو عرضه للبيع، وكذلك من سلمه أو تسلمه أو نقله باعتباره رقيقاً، أو استغله جنسياً أو تجارياً، أو استخدمه في العمل القسري، أو في غير ذلك من الأغراض غير المشروعة، ولو وقعت الجريمة في الخارج. ويعاقب بذات العقوبة من سهل فعلاً من الأفعال المذكورة في الفقرة السابقة أو حرض عليه ولو لم تقع الجريمة بناء على ذلك ومع عدم الإخلال بأحكام المادة (١١٦ مكرراً) من قانون الطفل، تضاعف العقوبة إذا ارتكبت من قبل جماعة إجرامية منظمة عبر الحدود الوطنية. ومع مراعاة حكم المادة (١١٦ مكرراً) من القانون المشار إليه، يعاقب بالسجن المشدد كل من نقل من طفل عضواً من أعضاء جسده أو جزءاً منه، ولا يعتد بموافقة الطفل أو المسئول عنه.
هذا بجانب ما تشكله جريمة تزويج الأطفال من تعريض حياة الأطفال للخطر أو تحريضهم على ممارسات ضارة و غير أخلاقية والتي تتضمنها هذه الجرائم والتي ورد بالفعل نصوص لتجريم هذه الأفعال بقانون العقوبات المصري.
وعلى جانب آخر فإن قانون الطفل رقم ١٢ لسنة ۱۹۹٦ والمعدل بالقانون رقم ١٢٦ لسنة ٢٠٠٨ قد نص على رفع سن الطفل لثمانية عشر سنة وفقًا للدستور المصرى واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.
ومن ناحية أخرى فان المادة رقم ٣١ مكررًا والمضافة عام ٢٠٠٨ للقانون ١٤٣ لسنة ١٩٩٤ بشأن الأحوال المدنية على أنه ” لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة ……. ويعاقب تأديبيًا كل من وثق زواجاً بالمخالفة لأحكام هذه المادة “
أما عن قانون الاتجار في البشر الصادر بالقانون رقم ٤٦ لسنة ٢٠١٠ قد نصت المادة الثانية منه على أن يعد مرتكبًا لجريمة الإتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة فى شخص طبيعي بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم سواء فى داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية – إذا تم ذلك بواسطة استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة، أو الوعد بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على الاتجار بشخص آخر له سيطرة عليه – وذلك كله – إذا كان التعامل بقصد الاستغلال أيًا كانت صوره بما في ذلك الاستغلال في أعمال الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسي، واستغلال الأطفال في ذلك وفى المواد الإباحية أو السخرة أو الخدمة قسرًا أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو التسول أو استئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية، أو جزء منها.
أما عن الجانب التنفيذي فقد أصدر وزير العدل القرار رقم ٦٩٢٧ لسنة ۲۰۰٨ الذي ينص على أنه ” ولا يجوز مباشرة عقد الزواج أو المصادقة على زواج مالم يكن سن الزوجيين ثماني عشر سنة وقت العقد.”
ومن ثم فإن النصوص الدستورية والقانونية قد توافقت على تقديم الحماية القانونية للأطفال وتجريم كل أشكال الاعتداء على الأطفال ومن يساهم في اتخاذ إجراءات تزويجهم أو المصادقة على تلك الإجراءات .
وكان المشرع حريصًا على إيضاح الطبيعة الدولية لهذه النصوص واستجابة النظام القانوني المصري للاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها جمهورية مصر العربية مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمنع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية الأمم المتحد لحقوق الطفل.
يشير التفعيل الجاد لمعايير حقوق الإنسان في ظل القواعد الدستورية الواردة في دستور ٢٠١٤ وكذلك ما التزمت به الدولة من استراتيجيات بشأن حقوق الإنسان ومباردات تنمية الأسرة المصرية وتحقيق الحياة الكريمة للأفراد هو أهم مايدعو الى مواجهة ظاهرة تجريم الأطفال وهو ما يعني في بداية الأمر المساواة في منع هذه الممارسات للأولاد وللبنات على حد سواء وإن كان ما تواجهه البنات في هذه الممارسات يكون على نطاق أوسع إلا أن ذلك لا يمنع حدوث هذه الممارسات في حق الأولاد وهو ما تطالعنا به مواقع التواصل الاجتماعي والصحف يوميًا والتي تنشر في إطار السخرية أو النقد اللاذع والذي يخفي وراءه مقاصد لا تقل خطورة عن حالات القصد الجنائي التي يتعين العقاب عليه .
يقتضي كذلك الحفاظ على المكتسبات التي يمكن توفيرها للأطفال من التعليم والصحة والرعاية الأرية وحق الطفل في التمتع بذلك حتى بلوغ سن الثامنة عشر وانتهاء مرحلة الطفولة وهو ما يتعارض مع ظاهرة زواج الأطفال والتي تلقي بالعديد من المسئوليات التي لم يؤهل لها أطراف ذلك الزواج فيما بعد تطال صحة الأطفال وقدراتهم الانجابية والعقلية وإمكاناتهم العلمية والاقتصادية فضلاً عن أن تجريم زواج الأطفال هو من الطرق العملية التي تدعم تحركات واستراتيجيات الدول التي تسعى الى تحقيق التنمية المستدامة من خلال خطط طويلة الأجل ومنها مصر وكذلك العمل على نشر الأفكار المتعلقة بتنفيذ أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ومن أهمها العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين.
وكذلك فان مكافحة زواج الأطفال يقطع الطريق على المزيد من هذه الممارسات الضارة والتي تتحول فيما بعد إلى جرائم وردت في العديد من القوانين مثل جرائم الاتجار في البشر وجرائم تجارة الأعضاء والرقيق الأبيض والعمالة غير الشرعية وغيرها من الجرائم الوطنية أو العابرة للحدود فضلاً عما يجب أن يتضمنه ذلك القانون من تدابير الحماية للناجين والناجيات من هذه الممارسات وإعادة تأهيلهم نفسيًا واجتماعيًا لتجاوز آثار هذه الحالات من الزواج .
وبجانب ما تقدم فإن إتفاق الوعي المجتمعي على إصدار قانون لتجريم زواج الأطفال إنما هو من قبيل المواجهة القوية لهذه الظاهرة ومنعها حيث يعد ذلك الوعي بخطورة هذه الجرائم هو خط الدفاع الأول والذي يحول دون وقوع مثل هذه الممارسات حتى وإن لم يصدر بها تشريع بشكل مباشر .
ويعتبر كذلك العمل على إصدار قانون لتجريم زواج الأطفال من قبيل العمل التشريعي الفعال والمتطور والمنظم حيث إن صدور قانون لتجريم مثل هذه الظواهر يزيد من إمكانية تطبيقه على نحو فعال بدلاً من مواجهة هذه الظاهرة من خلال عدة تشريعات قد لا يتوفر لأي منها مجال تطبيق يمكن العقاب من خلاله أو لا يكون العقوبات المنصوص عليها في هذه القوانين متناسبة مع خطورة الجريمة وما ينتج عنها من آثار لذلك فمن الضروري مراجعة المشروعات المقدمة لإصدار ذلك القانون ليس فقط لتحديد الجريمة وإنما كذلك لتغليظ العقوبة .
وكذلك فإن إصدار قانون لتجريم زواج الأطفال إنما يعد من أقوى التدابر التي تتخذ لمواجهة هذه الظواهر فليس أدل ولا أقوى من مواجهة هذه الظواهر الضارة إلا من خلال تشريعات مؤثرة وقوية تظهر فيها سيادة الدولة وتراقب وتنظم علاقات الأفراد التي يجب أن تأتي في السياق الدستوري والقانوني الذي يحافظ على النظام العام في المجتمع.