يحظى الإعلان عن أسماء الفائزين بجوائز نوبل في مجالاتها المختلفة باهتمام الرأي العام العالمي بشكل ملحوظ، وتتفوق جائزتا نوبل للسلام ونوبل للآداب على الجوائز الثلاث الباقية، من حيث: اهتمام الرأي العام العالمي بهما لأن جوائز نوبل (للكيمياء والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء والطب) تكاد تكون في الغالب حيادية بالمقارنة إلى جائزتي السلام والآداب، فيثور الجدل الكبير حول الشخص الذي فاز بالجائزة سواء نوبل للسلام أو نوبل للآداب.
هذا الجدل حدث هذا العام (۲۰۰۳) مع جائزة نوبل للسلام، والتي منحت إلى سيدة إيرانية هي شيرين عبادي.
فلقد عكس منح هذه الجائزة إلى عبادي جدلاً داخليًا إيرانيًا ما بين خطي الإصلاح والمحافظين، متزامنًا مع نقاش إيراني داخلي حول الانضمام إلى اتفاقية منع جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وإذا كان هناك انضمام، فما التحفظات التي سوف توضع بهذه الاتفاقية، ومن الطبيعي أن يحفز فوز عبادي بجائزة نوبل هذا النقاش الداخلي، والذي افتتحه الرئيس الإيراني، خاتمي بتصريحات تزيل عنه السمة الإصلاحية، والتي تلاحقه في كل مكان فتصريحه الأساسي أن جائزة نوبل الأخرى، وكذلك رأي أن هناك أغراضًا سياسية وراء منح عابدي للجائزة وأنها يجب أن تراعي في الأساس مصالح بلادها أولاً…
وکرد عملي على تصريحات خاتمي، والتي كانت مخيبة للتوقعات، ودعمها موقف الصحف المحافظة في إيران من هجوم على عبادي.. كانت هناك مواقف أخرى مثل تجمع الآلاف في ساحة استقبال مطار مهراباد في العاصمة الإيرانية طهران حاملين الورود لاستقبال عبادي واللافت أن الاستقبال جاء عفويًا، ورغم مشاركة كبيرة من جماعات حقوق إنسان ومنظمات غير حكومية، إلا أن الفارق كان مع المشاركة الكبيرة لجموع المواطنين للاحتفاء بعبادي وبالجائزة، والتي أضافت رصيدًا معنويًا لدفع الإصلاحيين في إيران.
ولكن من هي شيرين عبادي، وهل سجلها الشخصي يؤهلها لنيل هذه الجائزة؟
إن سجلها الشخصي يقول إنها ولدت عام 1947، لذا فهي تبلغ من العمر 56 عامًا وتشغل الآن منصب أستاذ زائر بجامعة طهران إلى جانب عملها الأساسي كمحامية ومدافعة عن حقوق المرأة والطفل في إيران، يضاف إلى هذا أن لها تاريخًا مشرفًا كامرأة إيرانية، وهي أول امرأة إيرانية تحتل منصب القضاء قبل الثورة في 1979، وأجبرت لاحقًا مع إجراءات الثورة ومجموعة إجراءات، أسلمت المجتمع إلى التخلي عن هذا المنصب، وعرفت دومًا بمواقفها الصلبة في الدفاع عن حقوق فئات مثل المرأة والطفل وناقشت بجراءة قضايا سياسية، كان من المحظور على الجميع مجرد التطرق إليها، وكان نصيبها من العقوبات واضحًا فقد سجنت لمدة ٢١ يومًا لنشرها شريط فيديو، تقدم فيه انتقادًا لاذعًا لسياسيين محافظين في إيران وسوء استخدام نفوذهم وتعرضت أيضًا للسجن لمدة (١٥) شهرًا مع وقف التنفيذ: أي إنها عمليًا تنتمي إلى الخط السياسي الحقيقي المناهض لإجراءات الدول الديمقراطية، والتي تحاول تأميم كل الأفكار من أجل أن تحيا فكرة واحدة واتجاه واحد يدعم النظام القائم.
لقد كانت تصريحات عبادي بعد الفوز بالجائزة وأحاديثها الصحفية تمثل بوضوح حالة من الزهو بإنجازات في الماضي والمستقبل، يحمل أفق التغيير. فأول التصريحات كانت إن الجائزة ليست موجهة لها بل إلى كل طالبي الحرية في العالم، ومن ثم الدعوة إلى إطلاق سراح سجناء الرأي في إيران، ومما يلفت النظر أن شيرين عبادي أنها عبرت في كل تصريحاتها عن مطالب داخلية، مثل: التصريح السابق بإطلاق سراح السجناء السياسيين كافة ولاحقًا صرحت في حملة أشد وطاة وأكثر شجاعة من أنها أعربت عن أملها في إلغاء عقوبة الرجم وقطع اليدين، وذلك لأنها عقوبات لا تتماشي بأي شكل مع النظام الحديث للعقوبات.
وتقدم شيرين عبادي هذا مثلاً رائعًا، فالنظام الإيراني ليس أرحم من النظم العربية، ومع ذلك ارتضت عبادي عقوبات مثل السجن والمنع من ممارسة مهنة المحاماة لمدة (5) سنوات – وهي عقوبة ثم إيقافها لاحقًا – وإن كانت تمارس نشاطها بصدق فهي مع الاحتجاجات السلمية، دومًا ولكن إذا سارت هذه الاحتياجات في طريق آخر – تقدم نفسها على أنها هناك، وذلك حتى تكون موجودة ومدافعة عن الضحايا، وهذا ما حدث تمامًا مع انتفاضات الطلاب الإيرانين في عام 1999، ومع هجوم وحشي للشرطة الإيرانية على المدينة الجامعية للطلاب، فقد قامت شيرين عبادي بالدفاع عن الطلاب المتظاهرين ودافعت بشدة عن أسرة أحد الطلاب، وهذا ما أدى لاحقًا إلى سجنها.
وتبقى هنا ملاحظة أخيرة أن الجائزة منحت إلى شخصية مناضلة، ولعلها تساهم في دفع الأمور مقدمًا فيما يتعلق بالإصلاح في إيران.