القيم الأسرية

التصنيفات: غير مصنف

القيم الأسرية

إعداد:

الوحدة البحثية بالمركز الإقليمي للحقوق والحريات

أولاً: الملخص التنفيذي

يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في مصر ٤٠,٩ مليون مستخدم بنسبة انتشار تصل إلى ٤٨%1، أي ما يقرب من تعداد السكان البالغ عددهم 101.168مليون مواطن. وهو الأمر الذي يصعب معه وضع معايير ثابتة للمحتوى الذي يبث عبر الإنترنت، حيث يتسم المجتمع المصري بالتنوع الثقافي والاجتماعي والعرقي كما يتسم بعدم التجانس والذي يودي بالضرورة إلى اختلاف عاداته وتقاليده وقيمه، فتصبح نسبية ومتغيرة من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر.

تسلط هذه الورقة الضوء على تعريف القاعدة الأخلاقية وخصائصها والفرق بينها وبين القواعد القانونية. كما تضع مجموعة من التعريفات للقيم والمبادئ الأسرية التي تستند عليها المادة ٢٥ من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات2.

كم تتطرق الدراسة الى مدى دستورية ومشروعية الفقرة الخاصة بالتعدي على المبادئ الأسرية في المادة ٢٥ من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. وهي المادة التي يقع تحت طائلتها كل محتوى ينشر على الإنترنت. وبموجبها قد توقع عقوبة على كل صانع محتوى يفسر على أنه اعتدى على القيم والمبادئ الأسريةدونما الالتفات الى حرية الرأي والتعبير والابداع.

أيضًا, تحلل الدراسة الحكم الصادر ضد فتيات مؤثرات على تطبيق تيك توك, وهي القضية المعروفة إعلاميًا بـفتيات التيك التوك، وذلك عن طريق دراسة حالة هي الحكم الصادر ضد الطالبة حنين حسام للخروج بتوصيات تضمن حقوق الأفراد في حرية الرأي والتعبير.

وتكمن أهمية هذه الورقة في:

1- توضيح الضرر الذي يعانيه المواطنين جراء صياغة قواعد قانونية فضفاضة.

2- الفصل بين حقوق المجتمع وحقوق الأفراد والموازنة بينهما.

يمكن تعريف القاعدة اﻷخلاقية بأنها مجموعة القيم والمبادئ التي تبرز المثل العليا التي يجب أن يتحلى بها الأفراد في سلوكهم. ومن أمثلتها القواعد التي تحض على فعل الخير كمساعدة المحتاجين والصدق في القول والوفاء بالعهد والقواعد التي تنهى عن الشر كالكذب والتعرض لحقوق الغير.

أما القاعدة القانونية فهي الخلية الأولية التي يتكون منها القانون، فهي مبدأ قانوني غائي يستهدف تنظيم السلوك الإنساني داخل المجتمع. كما يهدف الى توجيهه توجيها عامًا وملزمًا وفق نظام اجتماعي يتوافق مع الغايات والأهداف المترسبة في الضمير الجمعي العام لمجتمع معين.

قد تنبسق القاعدة القانونية من القاعدة الأخلاقية إذا تحولت الأخيرة الى عرف، وهو أحد مصادر القاعدة القانونية في هذه الحالة، يقر المجتمع أن قاعدة أخلاقية ما مستحبة إلى الدرجة التي تضع من يخالفها تحت طائلة الجزاء وذلك لإلزام الأفراد بها.

مفهوم الأخلاق نسبي يتطور وفق تطور المراحل التاريخية، فالتطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي يودي إلى تحولات في البنية الاخلاقية للمجتمع3. وبالتالي فإن القواعد الأخلاقية ليست ثابتة ولا مطلقة ولكنها متغيرة بتغير السياقات والطبقات الاجتماعية التي يتم تبنيها فيها. كما انها ليست مكتوبة أو محفوظة ولكنها معروفة ومتداولة بين الناس، وتهتم بالمقاصد والنوايا التي يضمرها الانسان وبالتالي فإن جزاء التحيد عنها يكون في صورة تأنيب الضمير أو النبذ المجتمعي دون تدخل من السلطات العامة.

أما القاعدة القانونية، ولكونها غائية، فهي تهتم بسلوك الأفراد وأنشطتهم الظاهرة دون النظر إلى ما يبطنون4. حيث أنها تنظم العلاقات التي تنشأ بين الأفراد لمراعاة مبدأ المصلحة والنفع العام. ولذلك ينص الدستور في المادة رقم ٩٥ من دستور ۲۰۱٤ 5. على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص للتأكيد على أن القاعدة القانونية ثابتة ويتم تطبيقها على مختلف أفراد المجتمع بواسطة السلطة العامة المتمثلة في الدولة.

ولأن القوانين التي يصدرها البرلمان هي أحد دعائم الدولة المدنية الحديثة، وجب فصل القاعدة القانونية ذات الطبيعة الثابتة عن القاعدة الأخلاقية ذات الطبيعة المتغيرة. فلا يجوز توقيع عقوبة قانونية على مخالفة أخلاقية ما لم تتحول القاعدة الأخلاقية الى تشريع، حيث الجريمة لها أركان محددة تتعامل معها جهات التحقيق وليست مجرد ألفاظ ومصطلحات مطاطه وفضفاضة يستحيل وضع تعريف جامع مانع لها.

يمكن تعريف القيم الأسرية، بحسب قاموس كامبريدج، بأنها الأسس والمعتقدات التي تبنى عليها الأسرة التقليدية والمكونة من أب وأم وأطفال يعيشون معًا، يمكن أيضًا، تعريف القيم الأسرية بأنها التمسك بالمبادىئ الأخلاقية والأدبية والتي هي الصدق, والإخلاص، والمثابرة، والايمان ونقلهم داخل الأسرة“, و الآداء السليم للقيم ولا سيما النوع التقليدي أو المحافظ منها تقام لتعزيز الأسرة وتعزيز نسيج المجتمع“.

فيما يعرف المفكر الأمريكي ميلتون روكيشالقيم بأنها تصورات من شأنها أن تقضي إلى سلوك تفضيلي، كما أنها تعتبر بمثابة معايير للاختيار من بين البدائل السلوكية المتاحة للفرد في موقف ما، ومن ثم فإن احتضان الفرد لقيم معينة يعني توقع ممارسته لأنشطة سلوكية تتسق مع تلك القيم“.

للقيم مجموعة من الخصائص، فهي اجتماعية مجردة ذاتية وشخصية رمزية، تجريدية، ونسبية، أي أنها تتغير بتغير المكان والزمان، وتختلف من وقت لآخر ومن ثقافة لأخرى ومن شخص إلى آخر، وبالتالي يصعب وضع معايير لقياسها.

ويدخل في تشكيل القيم العديد من العوامل والمؤثرات والتي منها: الإطار الحضاري، العوامل النفسية والبيولوجية، المؤسسات الدينية، وسائل الإعلام, قادة الرأي، وأخيرًا العوامل البيئية والاجتماعية، والتي تتمثل في المستوى الاجتماعي والاقتصادي والدين والجنس والمهنة والتعليم، وهي عناصر تتسم بالتنوع الشديد داخل المجتمع المصري.

هذا، وقد عرف الحكم الصادر ضد حنين حسام في القضية رقم ٤٧٩ لسنة ۲۰۲۰ المبادىء والقيم الأسرية بأنها الترابط الأسرى والعمل الإيجابي من أجل الأسرة والضوابط والمبادىء التي تحكمها والصدق والأمانة واحترام الوالدين والعفة والعلم والتدين“.

التعريفات السابقة، حتى ذلك الذي ذكره الحكم الصادر ضد حنين حسام تبين أن المبادئ الأسرية هي قاعدة أخلاقية ذات نطاق واسع وليست قاعدة قانونية ثابتة يمكن أن يبنى عليها نص عقابي مثل المادة ٢٥ من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. ولكن القانون المصري الحديث اتسم بسمة أساسية، وهي وضع السلوكيات الفردية المنبسقه عن القيم والمبادئ تحت طائلة المساءلة القانونية في محاولة لمطابقتها مع النسق الأخلاقي الذي تفرضه الدولة.

قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ليس القانون الأول الذي يتعرض لسلوكيات الأفراد، فقد سبقه قانون العقوبات المصري، الذي حرم أفعالاً صنفها بأنها تضر الآداب العامة والمصلحة العامة والنظام العام“. وذلك حتى يتشابك القانون مع منظومة الأخلاق الأوسع والأكثر شمولاً، بهدف خلق نموذج من السلوكيات يجب على المواطن اتباعها، فيصبح هذا النموذج فريضة إن حاد عنها يتعرض للعقاب المجتمعي والقانوني على حد سواء.

صدر الحكم بالسجن والغرامة المالية على عدد من الفتيات المصريات بسبب استخدامهم لتطبيق توك توك ونشر فيديوهات على المنصة المعروفة بموجب نصوص المواد 22/۲5/۲7 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ١٧٥ 6 لسنة ٢٠١٨

جاء مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات حاملاً فلسفة وأهداف تتعلق بالاستخدام غير المشروع للحاسبات وتكنولوجيا المعلومات وما يرتبط بها من جرائم وتتمثل هذه الأهداف في:

۱مكافحة الاستخدام غير المشروع للحاسبات وشبكات المعلومات وتقنيات المعلومات، وما يرتبط بها من جرائم، مع التزام الدقة في تحديد الأفعال المعاقب عليها، وتجنب التعبيرات الغامضة بوضع تعاريف دقيقة لها, وتحديد عناصر الأفعال المجرمة بكثير من العناية، ومع مراعاة الاعتبارات الشخصية للمجنى عليهم.

2- ضبط القواعد والأحكام الخاصة بجمع الأدلة الإلكترونية وتحديد حجيتها في الإثبات.

٣وضع القواعد والأحكام والتدابير اللازم اتباعها من قبل مقدمي الخدمة لتأمين خدمة تزويد المستخدمين بخدمات التواصل بواسطة تقنية المعلومات، وتحديد التزاماتهم في هذا الشأن.

٤حماية البيانات والمعلومات الحكومية، والأنظمة والشبكات المعلوماتية الخاصة بالدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، من الاعتراض أو الاختراق أو العبث بها، أو إتلافها، أو تعطيلها بأي صورة كانت.

٥حماية البيانات والمعلومات الشخصية، من استغلالها استغلال يسيء إلى أصحابها، وخاصة في ظل عدم كفاية النصوص التجريمية التقليدية المتعلقة بحماية خصوصيات الأفراد وحرمة حياتهم الخاصة في مواجهة التهديدات والمخاطر المستحدثة استخدام تقنية المعلومات.

٦ وضع تنظيم إجرائي دقيق ينظم إجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة المتعلقة بالإضافة إلى تحديد حالات التصالح وإجراءاته وتنظيم عمل الخبراء المتخصصين العاملين في مجال جرائم مكافحة تقنية المعلومات, والقرارات والأوامر الجنائية المتعلقة بتنفيذ أحكام القانون.

ومما سبق يتضح أن الهدف الذي سعى إليه المشرع من هذه القانون هو تحديد ومكافحة الجرائم المتعلقة بالحاسبات وتقنية المعلومات. بالإضافة إلى حماية حرمة الحياة الخاصة التي أفرد لها القانون بابًا خاصًا تحت عنوان الفصل الثالث الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع، والذي يندرج تحته المواد ۲5، و ۲٦ التي تتطرق الى الصور المختلفة لأشكال الجريمة التي من شأنها أن تمثل انتهاكًا لحرمة الحياة الخاصة. فبدأ نص المادة بصورة عامة وموسعة للاعتداء على الحياة الخاصة والتي تمثلت في المبادئ والقيم الأسرية وحرمة الحياة الخاصة، ثم أفردها بشكل تفصيلي إلى جرائم أكثر تفصيلاً تمثلت في الإرسال الكثيف للرسائل الالكترونية لشخص معين دون موافقته أو منح بیانات شخص إلى نظام أو موقع الكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته أو القيام بنشر معلومات أو أخبار أو صور تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة.

غموض نص المادة ۲5 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أعطى جهات التحقيق حق مطلق في تفسيرها وربطها بتهمة نشر محتوى مخل بالآداب العامة. وهي تهمة خصصت لها العديد من النصوص العقابية في قانون العقوبات، وبالتالي أدى عدم وضوح المادة القانونية إلى استخدامها في اتهام الأشخاص بتهم لا تقع تحت طائلة هذا القانون.

والغموض الذي يكتنف النص القانوني المذكورة ظهر في صورة عدم وضوح الفعل المؤثم وعدم تحديد دلالته ونطاق تطبيقه، وهو ما تسبب في ربط تفسيره بالتوجهات والمعايير الشخصية للقائمين على تنفيذه، حيث إن المشرع لم يذكر الكيفية التي يمكن أن يقع بها الاعتداء على المبادئ الأسرية كما لم يضع تعريفًا محددًا لتلك القيم والمبادئ.

يذكر أن المحكمة الدستورية العليا قد وضعت في الدعوى رقم ١٠٥ لسنة ١٢ قضائية دستوريةمجموعة من الشروط التي ينبغي أن تتوفر في النصوص العقابية، وتشمل:

أن يصاغ النص العقابي في حدود ضيقة لضمان أن يكون تطبيقها محكمًا.

أن يكون النص العقابي محددًا، حيث ان اتساع قوالبه وعموم عباراته قد يؤدي الى استخدامه في غير محله, كما قد يؤدي الى تقويض حقوق كفلها الدستور أو اتخاذه كذريعة للإخلال بها وفي مقدمتها حرية التعبير وحرية التنقل والحق في تكامل الشخصية وفي أن يؤمن كل فرد ضد القبض أو الاعتقال غير المشروع.

ألا يكون النص العقابي محملاً بأكثر من معنى، أو متعدد التأويلات.

أن يكون في إطار الدائرة التي يكفل الدستور في نطاقها قواعد الحرية المنظمة.

لكن حالة الغموض التي تكتنف نص التعدي على المبادئ والقيم الأسرية يمكن أن تتعارض مع المادة ٦٥ من دستور ۲۰۱٤، والتي تنص على أن حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر، كما تتعارض مع المادة ٦٧ من الدستور، والتي تنص على أن حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك“.

تتعارض المادة المذكورة أيضًا، مع المادة ۱۹ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على أن لكل إنسان الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس وتلقي ونقل المعلومات والأفكار من جميع الأنواع، دونما اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو بالطباعة أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها“.

يذكر أن المحكمة الدستورية العليا كانت قد شددت في القضية رقم ٥٣ لسنة ٣١ قضائية دستورية“[٦] على ضرورة الموازنة بين مصلحة المجتمع حريات الأفراد, كما شددت على ضرورة صياغة النصوص العقابية مثل المادة ٢٥ من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بطريقة واضحة ومحددة لا تسمح بتصيد من يقعون تحتها.

يتعين على المشرع دوما إجراء موازنه دقيقة بين مصلحة المجتمع على أمنه واستقراره من جهة، وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى، ويتعين على المشرع أيضًا أن يقوم بصياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة، محددة، بلا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يقيلها المشرع متصيدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون موقعها. وتلك ضمانات غايتها أن يكون الخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها

في ٢٧ يوليو الماضي، أصدرت المحكمة الاقتصادية بالقاهرة أحكامًا بالسجن والغرامة المالية على خمس فتيات لإدانتهن بـ التعدي على القيم الأسرية، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ فتيات التيك توك“. استندت المحكمة في حكمها على الفتيات على نص المواد ٤٠ الفقرة الثانية و الثالثة و ١44/١٤٥/١87 من قانون العقوبات [۷] والمواد 22/۲5/۲7 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ١٧٥ لسنة۲۰۱٨[8].

دراسة حالة: حنين حسام كمثال

في ٢١ أبريل الماضي تم القبض على حنين حسام من منزلها واقتيادها الى قسم الساحل، ووجهت لها النيابة تهم التعدي على مبادئ والقيم المجتمع المصري (فسق وفجور)، وانشاء حساب على مواقع التواصل الاجتماعي لتسهيل ارتكاب الجرائم، والاتجار بالبشر بتعاملها مع أشخاص طبيعيين واستخدامها لهن بهدف ارتكاب أعمال منافية للآداب.

جاء القبض على حنين حسام والتي يتابع حسابها ٦ مليون شخص بعد ٤٨ ساعة من تعرضها لموجة من الهجوم والانتقادات بسبب فيديو بثته على تطبيق تيك توك“. تعلن فيه إنشاء وكالة على أحد تطبيقات البث الحي المشابهة لـ تيك توك“. ويمكن للفتيات العمل كمذيعات علي التطبيق للحصول على مقابل مادي يتراوح بير ٣٦ و ٣٠٠٠ دولار وذلك حسب عدد الإعجابات التي تحصل عليها الفتاة, الإعلان الذي نشرته حنين هو إعلان لا يختلف كثيرًا عن الإعلانات التي تظهر في عدد كبير من التطبيقات والتي تقوم فيها الشركات المسؤولة عن التطبيق بتحديد الحد الأدني والأقصى من الأرباح التي يحصل عليها المستخدم وفق سياستها.

ووضعت حنين عدد من الشروط التي يجب أن تتوفر في الفتيات الراغبات في العمل على التطبيق، وتشمل أن يتجاوز سن الفتاة ١٨ عامًا وأن تمتلك مكان به إضاءة جيدة وشبكة إنترنت عالية الكفاءة، كما طلبت أن ترتدي الفتيات ملابس لائقة وأن يظهرن لعرض مواهبهن دون تجاوزات.

تعرضت حنين حسام لموجة انتقادات وهجوم واسعة بعد نشر الفيديو، بدأت بنشر وائل الصديقي، مخرج كليب سيب إيدي، فيديو على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوكيتهم فيه الطالبة بكلية الآثار بجامعة القاهرة بالدعارة الالكترونية والإتجار بالبشر ويطالب مباحث الآداب بالقبض على الفتاة. ثم انتقل الهجوم إلى القنوات الفضائية، حيث استضاف بعض الإعلاميين حنين للرد على الاتهامات، بينما تعمد البعض الآخر إلصاق التهم بها سالبين منها حق الرد. كان من بين هولاء الإعلامي نشأت الديهي حاليًا عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذي خرج في برنامجه ورقة وقلمليتهم حنين حسام بالدعارة المقنعة.

عقب التحقيق مع حنين تقرر حبسها احتياطيًا في القضية رقم 4917 لسنة 2020 جنح الساحل، إلى أن صدر عليها حكم بالسجن عامين وغرامة مالية تقدر ب ٣٠٠ الف جنيه، وذلك في ٢٧ يوليو الماضي.

تمثل الركن المادي في جريمة التعدي على القيم الأسرية، والتي أدينت بها حنين حسام في استخدام تقنية المعلومات أو شبكة الإنترنت لبث أو إرسال أو مخاطبة الأفراد بأي من أشكال وطرق التواصل على نحو يهدم الترابط الأسرى أو يقلل من شأن العمل من أجل الأسرة أو الحث على التنافر بين أفرادها أو النيل من الضوابط والمبادئ التي تحكمها، أو الدعوة لعدم الصدق والأمانة واحترام الوالدين والعفة أو ما يدعو لهدم قيمة العلم والتدين سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فهل توافر الركن المادي للجريمة في قضية حنين حسام؟

ذهبت المحكمة إلى تعمد المتهمة وضع عبارات تبرر شرعية ما تقوم به وإنه غير مخالف للآداب العامة إلا أن الأمر لا يتعدى كونها تهدف الى جذب الفتيات وتشغيلهم في شبكة اجتماعية وهمية يتمثل في ظهورهم مباشرة ومن خلال حسابها ووكالتها الوهمية على شبكة الإنترنت للشباب بغرض جذبهم لإنفاق الأموال في مقابل الدخول مع الفتيات فى أحاديث غير سوية تنتهى إلى التحريض الكامل على أعمال البغاء والفسق وعقد لقاءات مؤثمة قانونًا، على الرغم من أن مقطع الفيديو الذي تسبب في القبض على حنين لم يحتوي على دعوة الى نبذ أي من القيم المذكورة أو دعوة الى الفسق والفجور أو ارتكاب أي من الأفعال المخلة بالآداب، بل على العكس، أكدت الفتاة في المقطع أنها ترفض الملابس غير اللائقة والتجاوزات الأخلاقية وهو ما يؤكد غياب الركن المادي للجريمة، وبالتالي فإن حنين حسام قد عوقبت على جُرم لم ترتكبه وكأنما استطاعت المحكمة فحص النوايا.

جدير بالذكر أن المحكمة الدستورية العليا أكدت في الدعوى رقم ١١٤ لسنة ٢١ قضائية المحكمة الدستورية العليا دستوريةعلى أنه لا يوجد جريمة في غياب الركن المادي. فضلاً عن وجوب توافر علامات خارجية ومظاهر واقعية خصائص مادية للفعل المؤثم الذي قام به المتهم. لكن المحكمة في قضية حنين حسام اعتمدت على البرامج الحوارية المذاعة على الفضائيات وكذا صفحات المواطنيين على الفيس بوك ومقطع اليوتيوب المعنون (حنين حسام تدعو البنات لفتح الكاميرات وعمل فيديوهات) والمنشور على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان استغلال الجسد مقابل المال، وهو مقطع تم اقتصاصه من الفيديو الأصلي الذي نشرته الفتاة.

وحيث أن الدستوربنص المادة 66 سالفة الذكرقد دل على أن لكل جريمة ركناً ماديًا لا قوام لها بغيره يتمثل أساسًا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء من زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه إيجابيًا كان هذا الفعل أو سلبيًا، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية، ومظاهرها الواقعية، وخصائها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وهي التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهي التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها، ولا يتصور بالتالي وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه“.

ألصقت يحنين حسام تهم التحريض على الفسق والفجور والدعارة الإلكترونية، وهي تهم لها تعريفات محددة في القانون المصري، ولا تنطبق على حالة حنين حسام. أما جريمة التعدي على القيم الأسريةفهي جريمة تستخدم مصطلح فضفاض يفتقر إلى المعايير التي يمكن من خلالها تحديد صور هذا التعدي. فضلاً عن أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لم يضع تعريفًا جامعًا مانعًا للقيم الأسرية التي تتسم بالنسبية وتختلف باختلاف الزمان والمكان وتتأثر بمجموعة من العوامل طبيعة المجتمعات والأديان والعقائد والثقافات وطبيعة الأشخاص.

وبحسب مذكرة الحكم الصادر بحق حنين حسام، لم يضع القانون الجنائى طريقة أو وسيلة يمكن من خلالها إثبات الجرائم الواردة بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والتي من ضمنها التعدي على القيم الأسرية“,كما أن المذكرة الأيضًاحية للقانون الصادر في أغسطس ۲۰۱۸، والتي من المفترض أن تبين مقصد واضع النص وتبرر الحكم الذي يتضمنه لم تصدر حتى وقتنا هذا.

أيضًا، ذكرت حيثيات الحكم أن حنين قامت باستخدام وإدارة حسابتها الشخصية على شبكة المعلومات بهدف ارتكاب ذات الجرم والمتمثل فى دعوة فتيات المجتمع المصري الى وكالة قامت بتأسيسها عن طريق أحد المواقع التواصل الاجتماعى (لايكى) بهدف إجراء لقاءات بينهم وبين الشباب عبر محادثات مربية مباشرة لقاء أجر مادي يتم تحديده بناء على نسب المشاهدة والمتابعين لهم، وهو ما يعد تربحًا عن طريق الإنترنت، وهو فعل غير مجرم في القانون المصري، كما أن التربح عن طريق الإنترنت لا يقتصر على تطبيقات مثل تيك توكو لايكيبل يمتد إلى تطبيقات مثل فيسبوك، الذي يصل عدد مستخدميه في مصر إلى ٢٨ مليون مستخدم [۹]، وكذا  يوتيوب“.

تمثل المادة ٢٥ من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ١٧٥ لسنة ۲۰۱۸، بصياغتها الحالية، قيد جديد على حرية الرأي والتعبير والإبداع، لما تحتويه من ألفاظ مطاطه وفضفاضة تحتمل الكثير من التأويل وفقًا للنسخة الأخلاقية لسلطات التحقيق، وكذا السلطة التنفيذية والقضائية.

1- توصيات تشريعية:

ينبغي على السلطة التشريعية تعديل المادة ۲5 من القانون ۱۷5 لعام ۲۰۱۸، حيث أنها تقوض, عن طريق المصطلحات التي لم يضع لها تعريفًا محددًا، حرية الأفراد وحقهم في التعبير بأي من وسائل النشر.

2- نص المادة المقترح:

المادة (٢٥) الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع.

“يعاقب بالحبس مدة لا تقل على ستة أشهر، وبغرامة لا تقل على خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه, أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معه دون موافقته، أو منح بيانات إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقة أو القيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات, لمعلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه،سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة “.

1- تقرير موجز عن مؤشرات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات/ أبريل 2020

2- المادة ٢٥ من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات: “يعاقب بالحبس مدى لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع والخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة

3- الموسوعة الفلسفية

4- خصائص القاعدة القانونية

5- المادة رقم ٩٥ من دستور ٢٠١٤ العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون.”

6- المادة ٢٢: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن ٣٠٠ ألف جنيه ولا تجاوز ٥٠٠ ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين كل من حاز أو أحرز أو جلب أو باع و أتاح أو صنع أو أنتج أو استورد أو صدر أو تداول أي جهاز أو معدات أو برامج أو أكواد مرور أو شفرات أو أى بيانات مماثل، بدون تصريح من الجهاز ومسوغ من الواقع أو القانون، وثبت أن ذلك السلوك كان بغرض استخدام أي منها في إرتكاب أية جريمة من المنصوص عليها في هذا القانون أو إخفاء أثرها أو أدلتها أو ثبت ذلك الاستخدام أو التسهيل أو الإخفاء.

المادة ٢٥: يعاقب بالحبس مدى لا تقل عن ستة أشهر, وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه, أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري, أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإليكترونية لشخص معين دون موافقته, أو منح بيانات إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقة أو بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات, معلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه, سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة.

المادة 27: في غير الأحوال المنصوص عليها في هذا القانون يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن 1٠٠ ألف جنيه ولا تزيد عن 300 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعًا أو حسابًا خاصًا على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات