أدلة واضحة ومقنعة: المحكمة البولندية لحقوق الإجهاض

ملخص:

في الخامس والعشرين من شهر يوليو عام ٢٠٠١ نظم الاتحاد البولندي للنساء وتنظيم الأسرة محكمة لحقوق الإجهاض في وارسو، للفت الانتباه إلى النتائج السيئة لتجريم الإجهاض في بولندا. واستمعت لجنة من الخبراء البولنديين والأجانب لشهادات خاصة بتجارب سبع نساء بولنديات بموجبالقانون المناهض للإجهاضلعام ١٩٩٣. و استطاعت اثنتان فقط من النساء السبع رواية قصتيهما بنفسيهما. فقد توفيت واحدة في عام ٢٠٠١ في الحادية والعشرين من عمرها بسبب الإجهاض غير الآمن، وأخرى عمياء من الناحية القانونية بعد أن أكملت حملها حتى نهايته، وواحدة في السجن بتهمة قتل طفلها الرضيع، وإن كان من الأرجح أن صديقها هو الذي ارتكب الجريمة. وحضر المحاكمة صحفيون محليون وأجانب، وكذلك مراقبون من شتى مناحي الحياة. كُتّاب وطلاب وأمهات وناشطون وعضوات في الحركة النسائية وأزواج. وكانت الأدلة واضحة ومقنعة. فقوانين الإجهاض المقيدة تجعل الإجهاض غير آمن بدفعها إياه إلى السرية، مما يعرض صحة النساء للخطر، ويخلق مناخاً تصبح فيه حتى تلك الخدمات التي يسمح بها القانون غير متاحة، وتتعارض مع تلك المعايير التي حددها قانون حقوق الإنسان الدولي. ولم يؤده قانون الإجهاض المقيد في بولندا إلى زيادة أعداد المواليد: بل إنه أدى فحسب إلى معاناة النساء وعائلاتهم. وقد أوصلت المحكمة قضية الإجهاض إلى الإعلام قبل حملة الانتخابات وحثت الجماعات النسائية البولندية وغيرها من الجمعيات النسائية في شرق أوروبا على أن يكن أكثر نشاطًا في الدفاع عن حقوق الإجهاض.

* Clear and Compelling Evidence: The Polish Tribunal on Abortion Rights. François Girard Reproductive Health Matters 2002،

الكلمات المفتاحية:

الإجهاض السري وغير الآمن، قانون وسياسة الإجهاض، جماعات صحة النساء وحقوقهن، بولندا.

في عام ۱۹۹۳ تبنى البرلمان البولندي قانون تنظيم الأسرة وحماية الأجنة البشرية وشروط إنهاء الحمل القانونية في أعقاب حملة مناهضة للإجهاض قامت بها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية تدعمها القوى السياسية المحافظة في حركة تضامن والكثيرون من أعضاء المهن الطبية. استمرت الحركة المناهضة للإجهاض أربع سنوات لجعل القانون يحظى بموافقة البرلمان: وكان البرلمان قد رفض مشروعات قوانين عديدة بسبب المعارضة القوية من بضع منظمات نسائية. وكان معظم المجتمع البولندي (ولا يزال) مؤيدًا للاختيار (٦٥%)(1)، بالرغم من كونه كاثوليكيًا في معظمه (٩٥%)، ولم يكن في تلك الفترة مؤيدًا للقانون المقيّد. ومع ذلك أثبت المجتمع المدني أنه غير قادر على التصدي علنًا للضغط الضخم والمستمر من الكنيسة ورئيسها المحبوب. يوحنا بولس الثاني. وهو الضغط الذي كان يُمارس بشكل يومي في الخدمات الدينية، وتعليم المدارس الدينية والإعلام ومن خلال الزيارات المنتظمة للبابا.

ولم يكن المجتمع الذي عاش في ظل تشريع الإجهاض الحر حوالي أربعين سنة مستعدًا على الإطلاق للمجادلة بشأن الوضع المؤيد للاختيار والدفاع عنه في مواجهة الخطاب المناهض للإجهاض العنيف وغير العادل في الغالب. وإلى جانب ذلك، كان القليل جدًا من الناس يعتقدون في الواقع أن الخطر حقيقي أو أن القانون يمكن تقييده، حيث كان الإجهاض وسيلة شائعة لتحديد النسل. وقد ازداد الوضع سوءًا على نحو لا حد له عندما شارك المجتمع الطبي في الجدل وبدأ يتعاون مع الكنيسة، ووضع المجلس الوطني الطبي غير العادي قيوده الخاصة من خلال ميثاق شرف طبي تبناه حديثًا في عام ۱۹۹۱، بعد عامين من صدور قانون منع الإجهاض. ويدعى ميثاق الشرف أن الإجهاض على أسس اجتماعية أو في حالات التشوهات الجنينية يتنافى مع الأخلاق الطبية (٢).

أكد قانون منع الإجهاض لعام ۱۹۹۳ في ديباجته بأنالحياة منفعة بشرية أساسية، والاهتمام بالحياة والصحة واجبان أساسيان للدولة والمجتمع ومواطنيه. ولذلك تقرر: (مادة ۱) 1. لكل إنسان حق أصيل في الحياة منذ لحظة الحمل به. 2. يحمي القانون حياة الطفل وصحته منذ لحظة الحمل به.”

يسمح القانون بإجراء عمليات الإجهاض بشكل قانوني في ثلاث حالات:

1 – عندما يشكل الحمل تهديدًا لحياة المرأة أو صحتها، وهذا الخطر يؤكده طبيب غير ذلك الذي يقوم بالإجهاض؛ ولا بد من إجراء الإجهاض في مستشفى عام، وهو مجانًا.

2 – عندما يشير الفحص ما قبل الولادة أو أي أدلة طبية أخرى إلى وجود احتمال كبير لوجود عيب شديد لا يمكن إصلاحه في الجنين أو مرض يهدد الحياة غير قابل للشفاء يؤثر على الجنين: ولابد أن يؤكد هذا الاحتمال طبيب آخر غير ذلك الذي سيجري الإجهاض؛ ولا بد من إجراء الإجهاض في مستشفى عام ومجانًا.

3 – حين يكون هناك شك مؤكد في أن الحمل نتيجة لفعل جنائي. ولا بد من تأكيد الظروف الجنائية بواسطة محقق ولا بد أن تكون المرأة حاملاً فيما يقل عن الأسبوع الثاني عشر: ويمكن إجراء الإجهاض مجانًا في مستشفى عام أو بأجر في عيادة خاصة.

وبينما ينص القانون على ضرورة أن يجري طبيب عمليات الإجهاض تلك، فإن اللوائح طبقًا للقانون تقتضي إجراءها بواسطة اختصاصي أمراض نساء وولادة. ولا يشترط القانون شكلاً بعينه لتأكيد الخطر على الصحة أو التشوه الجنيني أو الظروف الجنائية. وفي كل الحالات لا بد من الحصول على موافقة مكتوبة من المرأة (البالغ عمرها ١٣ سنة فأكثر): وحين تكون المرأة قاصرًا. يقتضي القانون كذلك وجود موافقة مكتوبة من وليها الشرعي. ويمكن أن تصدر المحكمة كذلك أمرًا يسمح بإجراء الإجهاض إذا لم يقدم الولي الشرعي الموافقة.

يصل الإنهاء غير القانوني للحمل قبل قابلية الجنين للحياة (القابلية للحياة ليست معرّفة) بالعقوبة إلى السجن ثلاث سنوات للشخص الذي يجري الإجهاض. وفيما بعد القابلية للحياة، أقصى العقوبة هو السجن لمدة ثماني سنوات بحد أقصى. ويخضع الشخص الذي يعين امرأة على الحصول على الإجهاض العقوبة مماثلة: إلا أن القانون لا يفرض عقوبة على النساء اللائي يخضعن العمليات إجهاض غير قانونية.

قام البرلمان اليساري المنتخب عام ١٩٩٤(*) بتحرير الإجهاض لفترة قصيرة عام ١٩٩٦؛ لكن أعيد تقييد الإجهاض مجددًا عام ۱۹۹۷ عندما أعلنت المحكمة الدستورية البولندية أن قانون التحرير غير دستوري(3). وأخضعت القوى المحافظة تنظيم الأسرة والتعليم الجنسي كذلك لضغوط تقييدية مشابهة. وكانت نتيجة ذلك أن ألغى الدعم المالي الذي تقدمه الدولة لمعظم وسائل منع الحمل في عام ١٩٩٧؛ وقد ظلت ثلاثة أنواع فقط من حبوب منع الحمل الهورمونية مدعومة من مشروع التأمين الصحي التابع للدولة. وحل محل التعليم الجنسي في المدارستعليم الحياة الأسريةالذي يحث الشباب على الامتناع عن ممارسة الجنس حتى الزواج، بينما يؤيد الخرافات والمفاهيم المغلوطة المتصلة بالنوع والنشاط الجنسي وتنظيم الأسرة(4).

كان اتحاد النساء وتنظيم الأسرة براقب تنفيذ القانون منذ بدايته، وتبين النتائج(5) ما يلي:

  •  لم يؤد قانون منع الإجهاض إلى القضاء على انتشار عمليات الإجهاض، وربما لم يحد منها.

  •  هناك الآنإجهاض سرى، وغالبية عمليات الإجهاض غير القانونية يجربها أطباء في عياداتهم الخاصة.

  •  بعد تبني القانون أصبحت عمليات الإجهاض غير القانونية باهظة التكلفة إلى حد كبير فهي تكلف الآن ما بين ۲۰۰۰ و٤۰۰۰) زلوتي (٥۰۰ إلى ۱۰۰۰ دولار أمريكي). والمعروف أن متوسط الرواتب في بولندا ۲۰۰۰ زلوتي.

  •  تذهب بعض النساء للخارج لإجراء الإجهاض، وهي ظاهرة معروفة باسمسياحة الإجهاض“. وبينما كان ذلك شائعًا في السنوات التالية مباشرة لتبني القانون، يبدو أنه يتناقص ويتسم حاليًا بطابع فردي وليس منظماً.

  •  أدت التنظيمات المقيدة إلى فرض قيود خطيرة على الحصول على الإجهاض القانوني. وتنهي المستشفيات الحكومية عدداً أقل من الحمل في كل عام. وتلجأ النساء اللاتى لهن الحق في الإجهاض طبقا للقانون غير أنهن لا يمارسن هذا الحق لأسباب مختلفة إلى الإجهاض في السر حلاً للموقف.

  •  مقدمو الخدمات الصحية والجمهور بصفة عامة لديهم معرفة قليلة بمضمون القانون أو الظروف التي يكون فيها الإجهاض قانونيًا.

  •  يؤدي قانون منع الإجهاض إلى أضرار شخصية ويتسبب في مشاكل صحية كبيرة لمئات الآلاف من النساء في بولندا كل عام.

منذ إنشاء الاتحاد البولندي للنساء وتنظيم الأسرة في عام ۱۹۹۲ وهو يحارب للدفاع عن حق النساء في الإجهاض في بولندا، وتشجيع وسائل منع الحمل الحديثة والتثقيف الجنسي الشامل ويضم الاتحاد اليوم تسع منظمات غير حكومية من بين بضع جماعات دعت بنشاط على مر السنين إلى حق النساء في الاختيار بشأن الإجهاض. وكان للاتحاد دور مهم في ضمان تحرير قانون منع الإجهاض (الذي دام لفترة قصيرة) بواسطة البرلمان في عام ١٩٩٦، ونشر بانتظام عددًا من التقارير التي تلقي الضوء على النتائج التمييزية لقانون ۱۹۹۳. وفي عام ۱۹۹۹ قدم الاتحاد تقرير الظل إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بعنوان”التمييز النوعي في بولندا” الذي وصف آثار قانون منع الإجهاض على النساء.

وحين تقرر إجراء الانتخابات الوطنية في سبتمبر ۲۰۰۱ قرر الاتحاد انتهاز الفرصة كي يلفت انتباه جمهور أعرض إلى المآسي الشخصية للنساء اللائي تأثرن سلباً بالقانون. وبمرور السنين اتصل بالاتحاد عدد من النساء اللائي يعانين بشأن الحصول على خدمات الإجهاض التي كان من حقهن الحصول عليها طبقًا للقانون بالاتحاد من أجل النصيحة. وكان العاملون بالاتحاد يساعدون النساء للعمل من خلال النظام للحصول على خدمات الإجهاض حينما يمكنهم ذلك. ولابد من رواية قصصهن الخاصة بالألم والقلق والمهانة، وفي بعض الأحيان الضرر والوفاة.

انعقدت المحكمة في ٢٥ يوليو ۲۰۰۱. وقد كانت على شاكلة المحاكم المشابهة التي تنظمها الجماعات والشبكات النسوية، في الغالب في لقاءات دولية أو مؤتمرات للأمم المتحدة، لتوثيق الانتهاكات وتوفير مشهد على قدر كبير من الأهمية كي يُسمع صوت النساء وتصبح حقوق الإنسان الخاصة بالنساء أكثر وضوحًا. وربما كانت أشهر تلك المحاكم هي المحكمة العالمية لانتهاكات حقوق الإنسان الخاصة بالنساء عام ۱۹۹۳ التي عُقدت في مؤتمر الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان في فيينا والتي أدت إلى اعتراف المجتمع الدولي بأن العنف ضد النساء انتهاك لحقوق الإنسان، وساعدت كذلك على تشجيع الإرادة السياسية لضمان اتخاذ خطوات مثل تبني إعلان الأمم المتحدة الخاص بالقضاء على العنف ضد النساء، وتعيين المقررة الخاصة للعنف ضد النساء. والمثال الآخر هو محكمة النساء الدولية لجرائم الحرب التي نظمتها في طوكيو منظمات حقوق الإنسان الآسيوية في ديسمبر من عام ۲۰۰۰ لإلقاء الضوء على حالات العبودية الجنسية والعنف ضد النساء بواسطة اليابان إبان الحرب العالمية الثانية.

دعيت لجنة من”القضاة” البولنديين والدوليين ذوي الرؤى والخبرة المختلفة إلى سماع الشهادات. والقضاة البولنديون هما ماريك باليسكي، وهو طبيب ووكيل سابق لوزارة الصحة ويعمل حاليًا مديرًا لمستشفى بيلانسكي في وارسو؛ وإليانورا زيلينسكا أستاذة القانون بجامعة وارسو؛ وليزيك كوبيسك أستاذ القانون ووزيرة الصحة السابقة؛ وكريستينا كوفنا الكاتبة والصحفية المعروفة؛ وايفا دابروفسكا زولس الناشطة النسوية وعضو منظمة بروفيمينا. وكان الأعضاء الدوليون ريبيكا جومييرتس الطبيبة والمديرة التنفيذية لمؤسسة نساء على الأمواج من هولندا؛ وأن سنيتو المحاضرة في الفلسفة والدراسات النوعية بالولايات المتحدة ومديرة شبكة نساء من الشرق والغرب؛ وكريستينا زامباس المحامية بمركز القانون والسياسة الإنجابيين بالولايات المتحدة؛ وفرانسواز جيرار المحامية وكبيرة مسئولى البرامج في التحالف الدولي لصحة النساء بالولايات المتحدة.

قُدّمت سبع شهادات على امتداد اليوم؛ وقد انتقيت الشهادات بحيث تبين ما حدث للنساء اللائى كان من حقهن الحصول على الإجهاض طبقًا للقانون وهؤلاء اللائي لم يكن من حقهن ذلك، والنساء اللائي نجحن في الحصول على إجهاض بشكل قانوني أو غير قانوني، وهؤلاء اللائي لم يحصلن. كانت بعض النساء على صلة من قبل بالاتحاد من أجل المساعدة في تأمين إجهاض قانوني. وقد وردت حالات النساء الأخريات في وسائل الإعلام، ووافقن أو وافقت عائلاتهن على المشاركة حين دُعين.

استهل الاتحاد جلسات المحكمة بتقديم بعض البيانات الديموجرافية عن الولادات وعمليات الإجهاض في بولندا للقضاة. وكانت الممارسة في المحاكم السابقة هي أن تقدم بعض النساء على الأقل قصصهن بأنفسهن. وفي هذه الحالة قامت امرأتان هما باربرا وبوزين* بعرض قصتيهما. ونقلت حكاياتهما الشخصيتان اللتان روتاهما بنفسيهما مستوى يكاد يكون غير محتمل من المعاناة والغضب البشريين. وقد حضرت المحاكمة امرأة ثالثة، أليسيا، ولكنها لم تعرض حالتها. ومن بين من لم يحضرن ماجدة التي كانت تخشى من تعرضها لمضايقات لإجرائها إجهاضًا غير قانوني، بينما لم ترغب ماريا في الكشف عن وضعها كحاملة لفيروس نقص المناعة البشرية. وكانت فيولتا في السجن. وقدمت الناشطات النسويات

البولنديات أو العاملات في الاتحاد شهادات أليسيا وماجدة وماريا وفيوليتا، وقد توفيت كاسيا: وقدم شهادتها أحد أفراد أسرتها، علّق القضاة بدورهم على الشهادات حيث تناولوا النتائج الصحية وغيرها مما عانت منه الشاهدات، والأثر السياسي والاجتماعي والدلالات الأخلاقية لقانون منع الإجهاض بالنسبة للمجتمع البولندي. والعلاقة بين القانون البولندي والاتفاقيات الدولية.

وكانت الجلسات مفتوحة للجمهور وسجلها الاعلاميون فى التليفزيون والراديو والصحف حيث كانوا حاضرين طوال اليوم، بطريقة لا تكشف هويات النساء. وأرسلت وكالة أسوشيتد صريس ووكالة الأنباء الفرنسية مقالاً على الخدمة الدولية عن ذلك اليوم، وأجرى التليفزيون والإذاعة البولنديان لقاء مع العديد من القضاة وكذلك المدير التنفيذي لاتحاد تنظيم الأسرة والمرأة البولندي. وأصدر المنظمون نشرات صحفية وبيانًا.

وفي المؤتمر الذى أقيم في أعقاب المحكمة طرح كتاب”جحيم النساء. قصص معاصرة”، يتناول قصص تسع نساء من بينها شهادات النساء السيع في المحكمة. وجاء في إهداء الكتاب:”إلى كل هؤلاء الذين كانوا يظنون أن هناك قضايا أكثر أهمية”. ويشير العنوان إلى الكتاب البولندي الشهير”جحيم النساء” الذي نُشر عام ١٩٢٩. وتنتقد الكنيسة الكاثوليكية المؤلف الدكتور تاديوز بويزيلنسكي حتى يومنا هذا لروايته العامة عن نتائج قيود الإجهاض على حياة النساء وصحتهن في أوائل القرن العشرين؛ فمآسي العديد من النساء اللائي أُجبرن على إجراء الإجهاض غير الآمن في السر موصوفة بتفصيل شديد في كتابه. وحتى عام ۱۹۹۳ كانت تاريخًا قديمًا لمدة ٥٠ عاماً في بولندا. واليوم تصبح من جديد واقعاً خطيرًا لحياة النساء.

  •  أصبح الإجهاض سريًا وغير آمن وباهظ التكلفة

تشير البيانات الديموجرافية إلى أنه يُجرى حاليًا ما بین ۸۰ ألفًا و۲۰۰ ألف إجهاض سري كل عام في بولندا.

حيث تقدر نسبة الولادة إلى الإجهاض ٢: 1 (1). وقُدّمت أدلة كثيرة جدًا على انتعاش الإجهاض السري في بولندا كنتيجة مباشرة للقانون المقيّد. وفي كل أنحاء بولندا تتجه النساء اللائي يسعين إلى الإجهاض ولهن الحق في إجرائه طبقًا للقانون إلى مقدمي خدمة الإجهاض السريين. وتجرى بعض عمليات الإجهاض هذه في ظروف جيدة بواسطة ممارسين مؤهلين: وليس هذا هو حال البعض الآخر.

شهدت ماجدة بأنها أصبحت حاملاً بعد ثلاثة أشهر من العلاقة نتيجة لفشل وسيلة منع الحمل، وسرعان ما حولها طبيب أسرتها إلى مقدم لخدمة الإجهاض وأجريت لها عملية إجهاض آمن تحت مخدر كامل ولم تحدث لها مشاكل صحية ولم تشعر بالندم من ذلك الحين.

وفي المقابل، أصبحت كاسيا حاملاً بعد وقت قصير من ولادة طفلها الأول، ولكنها لم تدرك ذلك إلا بعد مرور أربعة أشهر على الحمل. واتفقت هي وزوجها على السعي لإجراء إجهاض سري، وبالرغم من تقدم الحمل، أجرت الطبيبة الإجهاض في عيادتها؛ وعندما حدثت المضاعفات أخذت الطبيبة كاسيا إلى مستشفى على بعد ۲۰ كيلومترًا وليس إلى عنبر الطوارئ بالمستشفى القريب، كي تحمي نفسها من الفضيحة. وقد تركت زوج كاسيا منتظراً في العيادة دون أن تخبره ماذا يجري. وتوفيت كاسيا بسبب النزيف الناجم عن ثقب في الرحم والأمعاء. وتجري محاكمة الطبيبة لإجرائها عملية إجهاض غير قانوني وليس على الممارسة الخاطئة؛ وما زالت القضية منظورة وتجرى كذلك مقاضاة زوج كاسيا كذلك لمساعدته زوجته على الحصول على إجهاض غير قانوني.

من الواضح أن خدمات الإجهاض السرية متاحة على نطاق واسع، ولكنها باهظة التكلفة بالنسبة للعامل البولندي العادي، ولذلك، فالأثر السلبي للقانون أكبر بكثير جدًا على النساء الفقيرات. وعلى هؤلاء اللائي لا يقمن في مدن كبيرة حيث العثور على الخدمات أسهل كثيرًا. وتحتاج النساء إلى بعض الوقت كي يجدن المال ويحددن مقدم الخدمة المستعد لتقديمها، وبذلك يتأخر الإجهاض مما يجعله أكثر خطورة. وقد أُبلغت المحكمة أنه في حالة ماجدة جمع أصدقاؤها المال لمساعدتها في دفع ۲۰۰۰ زلوتي لإجراء عملية الإجهاض. وعلّق القضاة بأن القانون”خلق أفعالاً جنائية حيث لم يكن ينبغي أن يكون الأمر كذلك” وبأنه”يدمر الدولة”.

  •  أدى القانون إلى عواقب صحية سلبية على النساء

اتضح أن أثر قانون منع الإجهاض على صحة النساء في غاية السلبية، فقد أصبحت أليسيا حاملاً للمرة الثالثة وعمرها 31 عامًا؛ وكانت حالة إبصارها قد تدهورت مع كل حمل من الحملين السابقين. واتفق عدد من أطباء العيون على أن أي حمل آخر يمكن أن يضر إبصارها على نحو لا يمكن إصلاحه، ولكنهم رفضوا كتابة خطاب بهذا المعنى وفي النهاية كتب طبيب خطابًا بهذا الطلب. ولكن أليسيا ابتعدت عن المستشفى العام حيث صنعت للحصول على إجهاض. فقد أخبرها طبيب أمراض النساء والولادة هناك أن الخطاب”غير كاف” ومزقه ليمنعها من استخدامه في مكان آخر. ولأنه لم يكن بمقدورها جمع المال لدفع تكاليف عملية الإجهاض السري فقد أُجبرت على إتمام حملها إلى النهاية. وكانت نتيجة ذلك أنها الآن عمياء من الناحية القانونية وعاجزة عن العمل أو رعاية الطفل رعاية كاملة، علّق القضاة بأن هذه الحالة تكشف عن انعدام مخيف الاحترام النساء، ويبدو أن إذلال النساء اللاتي بحاجة إلى عمليات إجهاض أمر روتيني: والواقع أن الضغط العصبي والقلق الذي مرت بها كل الشاهدات كان مرتفعًا.

  •  أثر القانون على خدمات الإجهاض القانوني

في عام ٢٠٠٠ أُجريت 151 عملية إجهاض قانوني فقط في المستشفيات العامة ببولندا مقابل 105333 في عام ۱۹۸۸(6)، وهو العام السابق لبدء الجدل حول منع الإجهاض لأول مرة. ويُعتقد أن هذا الرقم المأخوذ من الإحصاءات الرسمية يقل ثلاث مرات عن الواقع لأنه لم يكن مطلوباً من العيادات الخاصة، حيث كانت تُجرى معظم عمليات الإجهاض، الإبلاغ عن ذلك. وأظهر مسح أُجري في عام ١٩٩٩ للأطباء البولنديين(5) أنهم مشغولون بشدة بما يحكم عليهم به أقرانهم إن هم أجروا عمليات إجهاض قانوني في المستشفيات العامة. وفي الوقت نفسه كان الكثير منهم يجرون عمليات إجهاض غير قانوني في عياداتهم الخاصة.

بالرغم مما بذلته نساء كثيرات مثل أليسيا من جهد فهن عاجزات عن ممارسة حقهن في الإجهاض القانوني، بالرغم من أنه من حقهن لأن الحمل يمثل خطورة على حياتهن أو صحتهن. والبعض الآخر قادر فقط على تأمين الإجهاض القانوني بصعوبة شديدة، وبعد قدر كبير من الإذلال، ولأن نساء كثيرًا في ظروف حياتية صعبة يعرفن ذلك، فإنهن لا يحاولن مجرد السعي للحصول على الإجهاض.

وهكذا فقد شهدت المتحدثة باسم فيوليتا، وهي أم لطفل، تعرضت للضرب وحامل نتيجة لاغتصابها بواسطة شريكها، بأنها لم تستطع العثور على الوسائل الضرورية لمجرد بدء اتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء حملها الثاني. وقد قُتل الطفل على الأرجح بواسطة شريك فيوليتا بعد دقائق من ولادته في المنزل، وفيوليتا موجودة في السجن حاليًا لقضاء عقوبة مدتها ١٠ سنوات لموت الطفل: وصدر ضد شريكها حكم مع وقف التنفيذ وحضانة الطفل الحي.

جرى تعديل القانون الجنائي في عام ۱۹۹۹ لتغليظ عقوبة قتل الرُضّع (7). ومع ذلك ليس هناك اعتراف بأن قتل الرُضّع يرتبط بشكل ما بقانون تقييد الإجهاض. وكما هو الحال مع الإجهاض، فإن النساء فقط هن اللاتي يقع عليهن اللوم باعتبارهن أمهات”غبيات” و”غير مسئولات” ينبغي معاقبتهن. ولا ينظر إلى الدولة إلى أنها مسئولة ولو بشكل جزئي، مع أنها لا تساعد النساء على تجنب الحمل غير المرغوب ولا تقدم الدعم الكافي للنساء اللائي يقررن مواصلة حملهن (۸).

أشارت شهادات عديدة إلى أن الأطباء لا يعرفون شروط قانون منع الإجهاض. إلا أنه من الواضح أن أطباء آخرين لا يعيرون اهتمامًا لبنوده دون أن ينالوا الجزاء الواجب بالمرة. وغالبًا ما يكون ذلك بدافع أيديولوجي.

اتخذ عدد من المستشفيات موقف الرفض التام لإجراء أى عمليات الإجهاض، أو توفير خدمات مثل تحليل السائل الأمنيوني والتي يمكن أن تشجع النساء على السعى للحصول على الإجهاض القانوني(9). ووضع بعض المستشفيات شروطًا إضافية تعسفية لم ينص عليها القانون. ولا يستجيب أطباء كثيرون لطلبات الإجهاض أو يحولون النساء إلى مقدمي الخدمة الآخرين عندما يرفضون إجراء عمليات الإجهاض بأنفسهم. لتنافيه مع قناعاتهم الضميرية، رغم أن الكثيرين يجرون عمليات الإجهاض غير القانونية مقابل أجر في عياداتهم الخاصة. ويربك هذا النساء بشأن حقوقهن. وعلاوة على ذلك ليست هناك آلية قانونية سريعة تمكن النساء من ممارسة حقوقهن في الحصول على الإجهاض القانوني.

“ماريا” شابة تعاني من مرض متصل بنقص المناعة البشرية، وقد شهدت بأنها حصلت على تأكيد مكتوب من أحد الاختصاصيين بأن الحمل يمثل خطرا على صحتها، وقد ساعدها الاتحاد في الحصول على إجهاض قانوني في أحد المستشفيات العامة من خلال الكتابة إلى ۱۲ مستشفى في وارسو طالبًا إجراء إجهاض عاجل لماريا. لم ترد ست مستشفيات، ورفضت خمس مستشفيات، مقدمةً مجموعة مختلفة من الأعذار، وجاء رد مستشفيان”نحن لا نجري هذا النوع من العمليات”، رغم كونهما مسجلين ضمن مشروع التأمين الصحي التابع للدولة باعتبارهما مستشفيين تتوفر فيهما عمليات الإجهاض. ورد مدير أحد المستشفيات بأن”هذه المرأة ليست مؤهلة” لأن”النساء الحاملات لفيروس نقص المناعة البشرية في كل أنحاء العالم يلدن أطفالاً ومعظم هؤلاء الأطفال أصحاء”، وبذلك تجاهل حقيقة أن صحة ماريا في خطر. وادعى أحد المستشفيات أنه ليست لديه”وحدة التطهير” اللازمة لمنع عدوى فيروس نقص المناعة الطبيعية. واستطاعت ماريا الحصول على إجهاض قانوني في آخر مستشفى رد على الطلب.

وشهدت باريرا بأنها حين سعت للحصول على كشف ما قبل الولادة لمعرفة ما إذا كان الجنين مصاباً بمرض وراثي أصبح طفلها الأول شديد الإعاقة بسبيه، رفض أطباء عديدون عمل الاختبار اللازم. وأخبرها مدير أحد المستشفيات أنه حتى إذا أُجرى الاختبار وتأكد وجود المرض لن يقدم لها المستشفى خدمات الإجهاض لأنه”لا أحد يريد أن تحدث له مشاكل”. وأخبرها طبيب آخر أنها”غير متزنة” وأن العيب”في خيالها”. وأظهر الفحص وجود العيب الخلقي. وعندما سعت للحصول على الإجهاض في مدينة أخرى قيل لها إن الوقت قد فات بالنسبة لإجراء الإجهاض. وباربرا لديها الآن طفل آخر على قدر شديد من الإعاقة.

شهدت بوزينا بأن تحليل السائل الأمنيوسي أظهر أنها تحمل جنينًا مصابًا بعرض داون (طفل مغولي). وقد أدخلت المستشفى بناءً على شهادة طبية مكتوبة تعطيها الحق في الحصول على الإجهاض، كما هو مطلوب. إلا أنه ما إن دخلت بوزينا المستشفى حتى طلب منها الأطباء خطايا طبيًا ثانيًا وثالثًا. وبما أنه لم يمكنها تقديم ذلك فقد أخرجت من المستشفى. وأصرت بوزينا وحصلت على إجهاض قانوني في مستشفى آخر بعد ذلك بفترة قصيرة. وقالت للمحكمة:”لم أكن أرغب في أن أكون قضية سياسية، ولكن النساء في هذا البلد يستغلهن الأيديولوجيون لغايات سياسية.”

أشار القضاة إلى أنه لكون قانون منع الإجهاض لا يجري تنفيذه للسماح للنساء بالحصول على الإجهاض الذي من حقهن الحصول عليه، فإن كلاً من القانون والمهن الطبية يفقدان مصداقيتهما.

أشار قضاة المحكمة إلى أن بولندا أحد الأطراف الموقعة على معاهدات حقوق الإنسان الدولية الكبرى، مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وتضمن هذه المعاهدات معًا (للبشر أو الأشخاص بما في ذلك النساء) الحق في الحياة والحرية والأمن، والخصوصية، وأعلى مستويات الصحة التي يمكن بلوغها. والحصول على خدمات الرعاية الصحية بلا تمييز على أساس الجنس.”وكما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فلا بد أن يكون هذا الشخص قد ولد” وعلاوة على ذلك تضمن المادة ٦٨ من الدستور البولندي نفسه الحق في الصحة بلا تمييز.

حتى تسعينيات القرن العشرين لم يكن لدى وثائق حقوق الإنسان الدولية الكثير الذي تقوله بشأن الحمل، ناهيك عن الإجهاض. وقد تغير ذلك في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عُقد بالقاهرة في عام ١٩٩٤ حيث اعترفت دول العالم، ومن بينها بولندا، صراحةً بأن ضمان حقوق الإنسان الدولية حق لكل الأزواج والأفراد أن يقرروا بحرية وبمسئولية عدد أطفالهم والفواصل الزمنية بين كل طفل وآخر، وأن تكون لديهم المعلومات والوسائل للقيام بذلك. واعترفت الحكومات كذلك بأن حقوق الإنسان الدولية تشمل الحق في اتخاذ القرارات فيما يتعلق بالإنجاب، بلا أي تمييز (الفقرة ٧ – ٢)(10). وفيما يتعلق بالإجهاض، اتفقت الحكومات على أنه لا بد لها من التعامل مع الأثر الصحي للإجهاض غير الآمن باعتباره همًا صحياً عاماً كبيراً، والحد من اللجوء إلى الإجهاض من خلال خدمات تنظيم الأسرة الموسعة والمحسنة، وتيسير الحصول على المعلومات الموثوق بها وتقديم المشورة المتعاطفة للنساء اللاتى لديهن حمل غير مرغوب فيه. وعلاوة على ذلك وافقت الحكومات، بما في ذلك الحكومة البولندية، على أنه”في الظروف التي يكون فيها الإجهاض غير مخالف للقانون، ينبغي أن يكون الإجهاض آمناً (الفقرة ۸ – ۲5)؛ ورغم ذلك استمعت المحكمة لشهادات عن المعاملة المذلة غير الإنسانية للنساء الحوامل، ومحدودية إتاحة عمليات الإجهاض القانوني، وهو ما رأى قضاة المحكمة أنه انتهاك مباشر لالتزامات الحكومة البولندية. وفي عام ۱۹۹۹ في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية + ٥، حددت الحكومات، ومن بينها الحكومة البولندية كذلك، أنه”في الظروف التي لا يكون فيها الإجهاض ضد القانون، ينبغي للأجهزة الصحية تدريب مقدمي الخدمات الصحية وتزويدهم بالمعدات… (1١) لضمان أن هذا الإجهاض ليس آمنًا فحسب، بل ويمكن للنساء الحصول عليه كذلك.

وقدمت لجنتان من هيئات المعاهدات الدولية(*) هما لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالتصريحين التاليين على الترتيب بشأن قانون ممارسة الإجهاض في بولندا في السنوات الأخيرة:

“تلاحظ اللجنة أن الفرض الأخير للقيود القانونية على الإجهاض استبعدت الظروف الاقتصادية والاجتماعية كأساس للإجهاض. وتعبر اللجنة عن قلقها لأن النساء في بولندا يلجأن حاليًا بسبب هذه القيود إلى عمليات الإجهاض غير المتقيدة بالمبادئ الأخلاقية ويعرضن بذلك حياتهن للخطر.”(١٢)

تلاحظ اللجنة بقلق ما يلي: ( أ ) القوانين المتشددة بشأن الإجهاض التي تؤدي إلى أعداد مرتفعة من عمليات الإجهاض السرية مع ما يصاحبها من تهديد لحياة النساء وصحتهن. (ب) محدودية حصول النساء على وسائل تحديد النسل بسبب الأسعار المرتفعة وتقييد الحصول على الوصفات الطبية المناسبة. (ج) إلغاء التعليم الجنسي من المناهج المدرسية. (د) عدم كفاية برامج تنظيم الأسرة. (13)

في عام ۲۰۰۰ أصدرت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تعليقاً عاماً(14) يشير إلى أن حق النساء في الصحة يتطلب إزالة كل الحواجز التي تحول دون الحصول على الخدمات الصحية، بما في ذلك خدمات الصحة الجنسية والإنجابية. وحددت اللجنة أتعاب خدمات الرعاية الصحية المبالغ في ارتفاعها، سواء الخاصة أم العامة، على أنها أحد الحواجز. ومضت اللجنة في قولها إن الإجراءات الارتدادية المتخذة فيما يتعلق بالحق في الصحة غير مسموح بها وأن الدول عليها التزام بأن تضمن أن”الممارسين الطبيين وغيرهم من أعضاء المهن الطبية ملتزمون… بمواثيق الشرف الخاصة بالممارسة الطبية” و”لا بد لها من الامتناع عن فرض الممارسة التمييزية المتعلقة بالوضع الصحي للنساء واحتياجاتهن”.

اعتبر قضاة المحكمة أن أتعاب عمليات الإجهاض السرية المبالغ فيها تشكل أحد تلك الحواجز في بولندا. ووجد قضاة المحكمة أنه من الواضح أن قانون منع الإجهاض يمثل ردة، وأن العديد من الأطباء البولنديين يتجاهلون التزاماتهم الأخلاقية والمهنية نحو النساء اللائي لهن الحق في الإجهاض القانوني، وأن الأفراد فقط، وليس المستشفيات أو أقسام المستشفيات، يمكن أن يستخدموا حجة القناعات الضميرية.

وفي عام ۲۰۰۰ حثت لجنة حقوق الإنسان في اللأمم المتحدة الحكومات على الإبلاغ عن”أي إجراءات تتخذها الدولة المساعدة النساء على منع الحمل غير المرغوب فيه، وضمان عدم اضطرارهن لإجراء عمليات إجهاض سرية تهدد حياتهن(١٥). وأشار قضاة المحكمة إلى أن الحكومة البولندية غير ملتزمة بذلك.

وأخيرًا أشار قضاة المحكمة إلى أن قانون منع الإجهاض يجرم توفير إجراء طبي لا تحتاجه سوى النساء فقط، وهو ما يشكل طبقًا للجنة القضاء على التمييز ضد النساء تمييزًا على أساس الجنس(١٦).

كانت الأدلة المقدمة في المحكمة واضحة ومقنعة. وبعد ثمانى سنوات كان لقانون منع الإجهاض أثار على قدر كبير من السلبية على النساء البولنديات والمجتمع البولندي. وانتهى قضاة المحكمة إلى أن القانون البولندي والممارسة البولندية يتعارضان مع معايير حقوق الإنسان الدولية، وأنه لا بد من تغيير كل من القانون والممارسة بشكل عاجل كي نضمن للنساء البولنديات الحق في الحصول على خدمات الإجهاض الآمنة التي يمكن تحمل نفقاتها.

كانت المحكمة لحظة مهمة في الدفاع عن حقوق الإجهاض في بولندا. وقد ضمن التوقيت، وهو شهران قبل الانتخابات العامة، أن تكون لمسألة الإجهاض أهمية أكبر. واستمر الأثر لبعض الوقت؛ فقد نشرت معظم الصحف اليومية، وثلاث من المجلات الأسبوعية السياسية الخمس وثلاث مجلات نسائية مقالات عن المحكمة، كما غطتها العديد من برامج الإذاعة والتليفزيون. واستخدمت بعض المحطات حالات فردية في المقابلات، والبرامج الجماهيرية والأفلام التسجيلية إلا أن أثرها على الحملة البرلمانية بدا متواضعاً بعض الشيء. ورغم اختلاف الأحزاب بشكل كبير بشأن قضية الإجهاض، فقد بدت متفقة على عدم إثارتها أثناء الانتخابات.

من ناحية أخرى أصبح الإجهاض من جديد قضية على أجندة الحركة النسائية الأعرض بعد سنوات عديدة من الصمت من جانب الجماعات النسائية التي تمثل التيار السائد. ونتيجة لذلك خُصص اليوم العالمي للمرأة في عام ۲۰۰۲ بالكامل لموضوع الحقوق الإنجابية، وهو أمر لم يكن متخيلاً قبل ذلك بعام واحد. وكان الشعار الأساسي هو”نعم لمنع الحمل، نعم للتثقيف الجنسي، نعم للإجهاض القانوني”. وكانت وقائع تلك المناسبة ناجحة جدًا، وكان الحضور كبيرًا، وكانت التغطية الإعلامية جيدة.

بالإضافة إلى ذلك، وعدت جماعة النساء البرلمانيات ورئيس لجنة الصحة في اليوم نفسه ببدء عملية تحرير قانون منع الإجهاض. كما وعد رئيس لجنة الصحة بتنظيم

جلسة استماع شبيهة بمحكمة الإجهاض في مجلس الشيوخ. وكان ذلك إنجازاً كبيراً. ويجري حاليًا دراسة العديد من المبادرات التشريعية الأخرى حيث إن البرلمان الجديد أكثر تحرراً. ومع ذلك فمن غير المرجح أن يكون هناك تغيير جذري في القانون حيث إن أعضاء البرلمان المؤيدين للاختيار ليسوا أغلبية، كما أن غالبية أعضاء المحكمة الدستورية الخمسة عشر، الذين لهم الكلمة الأخيرة بشأن أى قانون يجري إصلاحه، ذو ميول يمينية.

الأمر المهم أن المحكمة لفتت انتباه مجموعة من الناشطات من سلوفاكيا اللائي شكلن من فترة قصيرة تحالفًا”مع الحق فى الاختيار” الذي يضم المجموعات المهمومة بتنامي نشاطات اليمين وجماعات مناهضة الإجهاض في بلدهن. وقد شجعتهن الجلسات وعززت اقتناعهن بالعمل بشكل حاسم كي لا يسرن”في الطريق البولندي”. وقد نظمن منذ ذلك الحين سلسلة من اللقاءات في سلوفاكيا لوضع استراتيجيتهن وسوف ينضممن عما قريب إلى”أسترا”، شبكة نساء وسط وشرق أوروبا للحقوق والصحة الجنسية والإنجابية التي تشكلت في عام ١٩٩٩. وكانت بولندا الدولة الأولى، ونأمل أن تكون الأخيرة، التي تقيد الحصول على الإجهاض القانوني في وسط وشرق أوروبا، ولكن لكي نحافظ على الوضع الحالي على الأقل؛ لا بد من المزيد من النشاط.

( أ ) فرانسواز جیرار: كبيرة مسئولي البرامج, تحالف صحة النساء الدولي، نيويورك, الولايات المتحدة الأمريكية

(ب) فاندا نوفيسك: المديرة التنفيذية, الاتحاد البولندي للنساء وتنظيم الأسرة, وارسو, بولندا, بريد إلكتروني: polfedwo @wow. pdi. Net

المادة 1 من قانون منع الإجهاض لعام ۱۹۹۳ جرى تعديلها في عام ١٩٩٦، عندما حُرّر القانون، لإزالة فكرة أن الحياة تبدأ عند الحمل. ونص المادة 1 – 1 الآن هو: “الحق في الحياة، المتضمن في مرحلة ما قبل الولادة، محمية كما هو منصوص عليه في القانون الحالي”. وقد ألغيت المادة ١ – ٢.

* كل أسماء النساء اللائي أدلين بشهاداتهن أسماء مستعارة.

* هيئات المعاهدات هي لجان الخبراء التي تراقب الالتزام بمعاهدات حقوق الإنسان من جانب الدول الأطراف في تلك المعاهدات.

قائمة المراجع:

1-Centre for Research on Public Opinion . Survey . Warsaw : June 1997 .

2-Medical Code of Ethics , Second Extraordinary Assembly of Physicians , adopted 14 December 1991 .

3-Ruling of the Constitutional Tribunal of 28 May 1997 , sign . Of the records K26 / 96 , regarding an amendment to the Act on Family Planning , Human Embryo Protection and Conditions of Legal Pregnancy Termination .

4-Solik A. Sex education in Poland . Bulletin of Federation for Women and Family Planning Winter 2001 .

5-Federation for Women and Family Planning , the Anti – Abortion Law in Poland : Report 2000 . Warsaw .

6-Implementation of the Act on Family Planning in 2000 , Report of Government of Poland , Paper No. 3276 , 2001 .

7-The Act to Amend the Criminal Code and the Law on the Medical Profession , 20 May 1999 .

8-Federation for Women and Family Planning . Gender Discrimination in Poland , Report to UN Human Rights Committee . Warsaw : 1999 .

9-Federation for Women and Family Planning . Women’s Hell – contemporary stories . Warsaw ;2001 .

10-Report of the International Conference on Population and Development . United Nations , New York : 1994 , Document A / Conf . 171/13 .

11-Report of the Ad Hoc Committee of the Whole of the Twenty – first Special Session of the General 1 Assembly . United Nations , para 63 ( iii ) , July 1 1999 , Document A / S – 21 / 5 / Add.1 .

12-UN Committee on Economic , Social and Cultural Rights . Concluding Observations , 14 May 1998 , E / C12 / 1998 / 26 .

13-UN Human Rights Committee . Concluding Observations , 29 July 1999 , CCPR / C / 79 / Add.110 .

14-UN Committee on Economic , Social and Cultural Rights . General Comment No. 14 , Article 12 , The Right to the Highest Attainable Standard of Health , 2000 .

15-UN Human Rights Committee , General Comment No. s 28 , Equality of Rights between Men and Women ( Article 3 ) , 2000 .

16-UN CEDAW , General Recommendation No. 24 , Health , Article 12 of the Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination against Women , 1999 .

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات