أربعة مشاهد وأنا أقرأ ما فعله يتوجب من هنا وكيف؟

الشركاء: اختيار

كتابة:

أربعة مشاهد وأنا أقرأ ما فعله يتوجب من هنا وكيف؟

المشهد الأول

أقرأ الصفحة التي وصلتني في البريد. الكلمات تلبسني ببطء. تجعلني جلدها. الأسطر الإحدى عشرة الأولى أنا. حياتي في السنة الماضية تكر أمامي ثانية ثانية. أردد جملة لم نتوقف عندها كثيراً أثناء النقاش فالفعل وحده ليس كافيًا، العديدات منا تعلمن الجلوس ساكنات تمامًا، ليحسبوا بحضور الروح والتواصل معها“.

منتصف السنة الماضية، نذرت على نفسي ممارسة الشجاعة، وعدم الخوف من السكون. اعتدت الضوضاء طفلةً، أمي تملأ البيت أصواتاً منذ الصباح الباكر. دون ان أعي تعلمت أن أخلق ضوضاءً حولي أينما ذهبت, بالفعل أو بالقلق.

منتصف السنة الماضية، أُربي السكون حولي وداخلي. أربيه بالصمت, بالتريث, بالجلوس مع الخوف حتى يندحر أحدنا, حتى بدأت أحس بحضور الروح والتواصل معها“. التواصل مع الروح, روحي, أرواحنا, شبيةٌ بالمعجزة. قليلٌ من الإيمان بالوصل، يعطينا أماناً. مواصلة الوصل, يعطينا الحدس المرتجي.

المشهد الثاني

أعيد قراءة النص، أستمع لآراء المجموعة، وأفكر كم ماهرةٌ هذه المرأة غلوريا في جمع العام والخاص معاً. كم ذاتيٌّ هذا النص. وكم يشبهني. كم يشبه الجالسة قبالتي. وفي نفس الوقت كم لا يخلو من الوعي السياسي والنسوي, بل كم يحمله في الصميم دون تكلف أو تنظير.

أفكر في نصوص بدأت بكتابتها مؤخراً بهدف النشر, وأحس بأنها تنقص شيئاً ما, بأنني ولسبب ما أسقطت حساباتي السياسية والنسوية منها, أبدأ بتحريرها داخل جمجمتي, ربما لن تكون بعد التعديلات بسلاسة ما تكتبه غلوريا، لكن علي أن أبدأ من نقطة ما, وعلى غلوريا أن تساعدني في ذلك.

المشهد الثالث

أولاً أود لهذا المشهد أن ينمو فيصبح قصيدة أو مقال

ثانياً هذا المشهد قد لا يشبه ما قصدته غلوريا على وجه التحديد

ثالثاً أحببت الجسور حتى تمثلتها أنا أيضاً

تحدثنا في الحلقة عن فكرة الجسور, كيف نفسر للآخرين حيواتنا, كيف نبسط لهم سبل العيش معنا, كيف نشرح لهم مع الاعتذار أحياناً أو الشفقة أحياناً أخرى كيف نشرح لهم كلماتنا, احتياجاتنا, امتيازاتهم عنا. كيف نقدم لهم معرفتنا, كيف نجمع ما سبق منا, كيف ننتج ما نظن بأنه سيقرب المسافة بيننا, باختصار كيف نمسك بأيديهم كطفلٍ صغير يتعلم المشي للتو, ليعبروا معنا إلى فهمٍ أفضلٍ وممارسةٍ أكثر وعياً. كيف نتحول إلى جسور, بينما نحن أنفسنا لا جسر لنا سوى تجاربنا ومحاولاتنا الدائمة.

على امتداد نفس الخط تذكرت حديثاً جرى مع صديقتي قبل القراءة بأسبوع. تدهشني الحياة كيف تجمع لي صدفاً تكمل بعضها بعضاً، قالت صديقتي معلقةً على طابعٍ مشترك يجمع أحبائي الرجال – السابقين. “ألا يدهشك كم يخرجون من تحت يديك مدفوعين بطاقةٍ أعلى للتفكير؟ ألا يدهشك كيف أنهم بعدك يعرفون بشكل أفضل ما يريدون؟

تحدثنا يومها كيف أنني أدفع من أحبهم للتفكير. وكيف أنتي أدفعهم وأطالبهم كما أطالب نفسي دائماً بالتأمل ومراقبة القول والفعل ومراجعة الذات، وكيف أن هذا متعبٌ لهم لمقاومتهم بادئ الأمر، لكن كيف هو متعبٌ جداً لي أنا الأخرى. لماذا أحمل على عاتقي دفع الآخر للتفكير والمراجعة وإعادة البناء؟ لماذا أكون جسراً يعيرون من عليه إلى فهم أفضل وسعةٍ أعلى للتعامل مع الشريك والعمل والحياة؟

حين قرأت المقطع الأخير من النص، أحسست بالتعب من كوني جسراً بهذا المعنى, تخيلت نفسي أمام میكروفون في صالة كبيرةٍ تجمع كل من أحببت من رجال لأقول لهم بصوتٍ مرتفع أنا لست جسراً, ليس هناك جسور، فنحن نبنيها أثناء سيرنا“, ثم فكرت بأنني في المرة القادمة أريد أن أبني الجسر مع الشريك, لا أن أمد روحي وجسدي جسراً ليعبر من عليه في المرة القادمة أريد أن أتعلم, أريد من يدفعني أنا أيضًا للتفكير ومراقبة القول والفعل ومراجعة النفس. أريد أن نتمشى ونتوقف للحظات سويةً من فوق ذلك الجسر الذي نبنيه معاً أثناء سيرنا.

المشهد الرابع والختامي

ذكرني النص بقصيدة راديكالية للشاعرة البحرينية حمدة خميسبعنوان تنحوا كي تعبر النساء” – من دیوان بهو النساءتغازل تماماً فكرة العبور/ الجسور, أتركها لكن /لكم هنا:

المدى رحبٌ والفضاء يد الله

الأرض غب هزائمٍ وأُفول

وأنتن جالساتٌ خلف الأساور

تُوشوشن الليل بالسكون

ترفعن العتبات في قيامة النهار

تأتي الشمسُ وتلم شرائطها في الأصيل

وأنتن ماضياتٌ في الشراشف

لا تحبُكن فتيلاً، لا ترفعن منارة

ولا تُشعلن عصب الكلام الجميل!

***

تؤسسن السلالات وتتسلكن خلف المدار

وحيداتٌ .. إلا من مجد طفولة

ورنین صلصال لم تهجسن به

لم تبتكرن هيئتهُ ومداه

مثل إناث الكائنات تلدن

لا خيار إلا ما يختارهُ الماء

حين الغيمُ يدفق في ليلة اليم

أهذا مجدكن يا نساء اللدائن

با جواهر الأسرار وكُنه الصبوات؟

أيتها الصباحاتُ المقبلةُ في ديمومة الأكوان؟

***

انهض .. انهضن

يا نساء الخليقة وصفوة الكائنات

انهضن إلى البياض

دورن رغيف القصائد

اشعلن قناديل الحكايا

احبكن الكلام الذي يشفُّ كجوهرة

ويجرحُ كالنصال

اعبرن نهر الكتابة إلى ضفة الوجود

كُلُّ جسد كونٌ .. كل قصيدةٍ أنثى

كلُّ امرأةٍ لغة!

***

النهرُ غوايةٌ والماء لا ينحني

اعبرن النساء والرجال إلى نساءٍ طازجات

وُلدن من بهو الضياء ورعشة الرمان

ابدلن النقش بالنقش والحناء بالحبر

لا خوف إذ تتعثرن

كلُّ سائرٍ منذور للعثرات

وكل راءٍ موعودٌ بالسنابل

***

أيه

يا قصائد الرُّسُل

وكتاب الطبيعة

لكُنَّ أسس الرجالُ ممالك الهوى

وأسسوا من مجدكُنَّ أقانيم الغزل

انسكبن على البياض

أصلحن تربة السماء

واعصفن بتربة الأرض

ماءُ الطمانينة في أرواحكن

إذ يهطل

ابذرن أفكاراً جديدةً طازجة

أفكاراً لا تشبهُ الأفكار

ولغةً لا تشبهُ اللغة

خُذن كلام العصور كلها

التواريخ المخبأة في النسيان

اجدُلنها بالحبر الطالع من عتمة السنين

ابتكرن محابر لم يُغمس فيها قلبٌ بعد

كُلُّ امرأةٍ كتاب .. كلُّ حبرٍ طلق !

***

بعن العطر بالماء

القارورة بالعشب

الزخارف بالبياض

أعدن صياغة الكائنات

الحكمة والأساطير

الغد والتاريخ

أعدن الأرض إلى بهائها الأول

كوِّرنها من سديمٍ كما يشتهي الورد!

***

الأرضُ سائرةٌ نحو غيابها

إذ الهولُ يبذرُ نسله في كل منعطفٍ وقفرٍ

الهولُ والدمُ .. الهولُ والدم

تعبت هذه الأرض

تعب الناسُ والنبات

الماءُ والكائنات

تعبت البيوتُ من الخراب

تعبت الشوارع من ضجة الرصاص

تعب الرجالُ من الرجال

تعب الناسُ من الكهوف

تعبوا من وحشة الدم

من اللغط الكثيف

آن أن ينهض سلامُ الأنوثة في أرواحهم

آن أن يُرتبوا فوضاهم

أن يحفظوا الأرض من فدائح الهتك !!

***

تعبوا وتعبنا

وأنتن سادراتٍ في هَمْسكن

خلف الأساور والستر الكثيفة

أنتن الكونُ, الأرضُ, الأمسُ,

الحلمُ, الوعد !!

***

انهضن .. انهضن

خُذن الرجال إلى حكمة الأنثى

فقد عظُمت رزاياهُم

خُذن الرجال والحكمة

إلى فيء الأنوثة المطمئن

خُذن الأرض إلى رحاب الهدوء

خُذْنَ السلام .. إلى السلام

انهضن .. انهضن

فقد بلغت سيولُ الظلام

التراقي !!

***

طُوبي لهذه الأرض

إذ تنهضُ النساء !

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات