أسطورة المرأة
عندما تم تتويج شقراء في السادسة عشرة من العمر ملكة للجمال في عام 1921, كان ذلك إيذانًا ببدء أقدم مسابقات الجمال وأكثرها شعبية في أمريكا. وبعد حوالي نصف قرن من ذلك التاريخ احتشدت المظاهرات في شارع برودووك في مدينة أتلانتيك سيتي, فيما يعتبره الكثيرون الميلاد الشعبي للحركة النسائية الحالية.
فلماذا اختيرت مسابقة ملكة جمال أمريكا موقعاً لأول مظاهرة نسوية معاصرة؟ الإجابة تكمن في أن عدداً من النساء اكتشفن إنهن يشجبن المسابقة في الظاهر، لكنهن في نهاية المطاف يشاهدنها بشكل أو بآخر، فاخترن أن يرشقن المسابقة بنبالهن لأنها فيما يبدو تجسد دور المرأة كقطعة من الزينة السلبية. وكانت الرسالة التي أرسلتها المظاهرة هي أن هذه المسابقات إساءة لكل النساء، في إطار ثقافة تستبدل عبادة جمال المرأة بالاعتراف بإنسانيتها.
وعندما تُسأل المرأة عن معنى الجمال، فإن بعض النساء يقلن إنهن يستمتعن بالتحدى الذي يفرضه عليهن الجمال، بينما ترى أخريات أنهن يمقتن سلطانه. وتجد معظم النساء أنه من الصعب عليهن الاعتراف بمدى تقديرهن للجمال ومدى خوفهن من فقده، لذلك يكتنف الصمت الانتصارات والمآسي التي يعشنها يوماً في بحثهن الدائب عن الجمال.
ويعتبر إصلاح مفهوم الجمال جزءاً لا ينفصل عن الأجندة النسوية. فكيف يؤثر الجمال على تقدير الذات والروح الاستقلالية؟ وهل التزين نعمة أم نقمة في سياق السعى لتحقيق المساواة؟ إن التساؤل عن المساواة في الأجور أو الحقوق يبدو تساؤلاً أوضح وأسلم، أما المساواة في المظهر فأمر عسير التحديد.
وعندما ألقت المتظاهرات بحمالات الصدر في صندوق للقمامة فی أتلانتيك سيتي، ظهر رد الفعل الغاضب بصورة لا تتناسب مع مظهر تلك الصدور العارية المرتخية. فحمالة الصدر في هذا السياق يمكن تعريفها على وجه الدقة بأنها أداة للتعبير عن موضوع اجتماعي واسع، فالمسألة ليست شكل الصدر، ولكنها شكل الأسطورة التي تقول إن المرأة تتمتع بالجمال بوجه خاص. وسرعان ما أصبح شكل الصدر المتحرر بلا قيود أو حمالات ( مثله في ذلك مثل القدم الحافية )، يمثل تهديداً للفكرة الداعية إلى ضرورة العناية بجمال المرأة واستعراضه في أطر محددة.
وأصبح الخطر يتهدد الاعتقاد بأن المرأة أداة للمتعة البصرية، وأن صدرها يجب احتواؤه وإعادة تشكيله، وأن صورتها في حد ذاتها ليست مقبولة وتخلو من الجمال من الناحية الفنية. ومن الملاحظ أننا نولى اهتماماً كبيراً للحفاظ على بعض العادات الاجتماعية مثل فتح الأبواب أمام النساء واستعمال أدوات التجميل وارتداء حمالة الصدر؛ لأن هذه الأفعال البسيطة ترمز إلى قيم مهمة، أما لو انتزعت حمالة الصدر باعتبارها رمزاً، فقد يؤدى ذلك إلى تقويض دور المرأة كدمية جميلة.
الجمال ليس سمة محايدة في علاقتها بالنوع ( بمعنى كون المرء رجلاً أو امرأة )، فلا نجد على شاشات التليفزيون مسابقات يستعرض فيها الرجال أجسامهم، وهم مرتدون لباس البحر بهدف تتويج ملك جمال أمريكا على أساس رشاقة ساقيه وسحر ابتسامته. ونظراً لأن الجمال ينسب للدور النسائي دون أن ينسب بدرجة مماثلة للرجل، فإن المرأة تعرف بناء على مظهرها أكثر من عملها. والمظهر الجميل مطلب أساسي في حالة الأنوثة لكنه أمر عارض في حالة الرجولة، ومن ثم فإن عدم التماثل بين الرجل والمرأة يؤدى إلى توقعات اجتماعية مختلفة ونتائج نفسية مختلفة لكل من الجنسين.
ولا شك أن المظهر أمر مهم، وأنه سيظل كذلك. والجمال ليس مكروهًا في حد ذاته، لكننا جميعاً – رجالاً ونساءً – مقيدون بنظام يشجع على الانشغال بجسد المرأة إلى درجة الاستحواذ. وإذا أخذنا في الحسبان ما للجمال من سلطان على تقوية أواصر العلاقات الإنسانية أو تدميرها.. فعندئذ يمكن أن نكون فكرة تتسم بقدر أكبر من الواقعية عنه، إذ إن رفع مستوى الوعي يمثل بداية الطريق إلى الإصلاح.
وبينما تسعى المرأة إلى التحرر من الأفكار النمطية التي تحدد هويتها ومطامحها، فإنه ينبغي أن يتم تعريف الجمال الأنثوى المثالي في إطار هذا التحدى؛ فالجمال الأنثوى المثالي ليس نوعاً من التسلية والتزين فحسب ؛ لأن الإحساس بالذات يكمن في داخل الجسد، ومن ثم فإن صور الجمال الزائف تولد أجزاء زائفة من الجسم البشرى – كالجذع المشكل بطريقة مصطنعة أو الوجه الذي ترسم أدوات التجميل ملامحه من جديد – وهذه كلها تشكيلات تُرتدى مثلما تُرتدى حلى الزينة التي نبتاعها. وكلما ظلت المرأة مختفية وراء هذه الصور المشوهة، فستظل خاضعة لسيطرتها مهما كان إحساسها بالأمان.
للجمال معان عديدة، فهو الإشراق الخارجي أو الصفاء الداخلى أو الجاذبية الجنسية أو حقيقة من حقائق التفاعل الاجتماعي. وهناك عديد من التعريفات المتضاربة لطبيعة الجمال، الأمر الذي يشير إلى التأرجح الشديد في معناه. فمن ناحية، يرفض البعض الجمال باعتباره واجهة فحسب، أي سمة سطحية غير ذات بال. ومن ناحية أخرى، يرى البعض أن الجمال تتخلله قوة خارقة للطبيعة، فالأميرة التي تأخذ بالألباب وتسحر الأبصار وتتداعى أمامها مقاومة الرجال، يمكنها أن تأسر القلوب وتملك زمام الممالك.
وتتسم مقاييس الجمال بالتغير الدائم مع الأخذ بالمعايير الجديدة وترك القديم منها. فالشعر المموج كان يومًا ما يحظى بمكانة التقديس، ثم ما لبث أن حل محله الشعر المسدل. وتارة ينصب الاهتمام على السيقان وتارة على الصدور، والعكس بالعكس، حسب اتجاه الأزياء إلى التركيز على الأجزاء العلوية أو السفلية من الجسم. وعندما تتغير صورة الجمال فمن المتوقع أن تتغير صورة الجسم أيضًا، لأن الطبيعة لا تضارع المثل المطبوعة ثقافيًا، التي تفرض مثلاً أن تكون الرموش أطول والشعر أكثر نعومة والخدود أكثر توردًا.
والجمال باعتباره تجربة نفسية هو عملية تفاعلية؛ إذ إنه مستمد من معتقدات الناظر وتصوراته بقدر ما هو مستمد من وجه المنظور إليه. وهذا ما يجعل تعريف الجمال أمراً عسيراً، ويصعب تحديد تأثيره بدقة، فلا يمكننا التأكد من المصدر الذي ينبع منه ولا تعرف من يمتلكه. فهل يعتمد الجمال على الأبعاد المادية أم النفسية؟ وهل موطنه الجسد أم أنه فعل من أفعال المخيلة؟ ومن الذي يمتلكه ويتحكم فيه، الناظر أم المنظور إليه؟.
من التصورات الخاطئة الشائعة عن الجمال أن أهميته تكون أشد ما تكون في اللقاءات الأولى، ثم تتضاءل بعد ذلك بحكم التعود، ولكن الدلائل في حقيقة الأمر توحى بالعكس ( برشيد ووالستر، 1974 )، فالمظهر يظل له تأثير مهم حتى على العلاقات التي تدوم أمداً طويلاً. ومن التصورات الخاطئة الشائعة أيضًا أن الجمال موزع توزيعاً” ديمقراطيًا“، بما يجعل أي إنسان ( رجلاً كان أو امرأة ) محط إعجاب إنسان آخر. إلا أن البيانات المتوافرة في هذا الصدد توحى بالعكس من ذلك فبعض الوجوه تنال الإعجاب دومًا أكثر من غيرها، والبعض الآخر منها يثير النفور دائمًا. وهكذا فإن المظهر يحدث فرقاً حقيقياً في مئات من اللقاءات اليومية ( وولي، 1994 )، وهنا يكمن سلطان الجمال وقدرته على التأثير في حياتنا.
من الواضح إذًا أنه ليس من الصواب الاعتقاد بأن الجمال ملمح سطحي فحسب، ومن الملاحظ أن هناك اعتقاداً قوياً بأن كل ما هو جميل لابد أن يكون خيراً، وقد نتشدق بأفواهنا فقط بما يسمى بالقيم الأخلاقية الرفيعة، ونصرُّ بحماس على أن الجمال جمال الروح، وعلى أن الشكل ليس إلا ملمحاً سطحياً فحسب، وأن شخصية الإنسان هي أهم ما يميزه. لكن هذه المقولات التي تنضح بالرياء تغطى على رغبة لا شعورية قوية في عبادة المظاهر، كما أن البحوث التي أجريت في هذا الصدد تشير إلى أن آراء الناس عن الجاذبية الشخصية تنطبق على الجنسين بشكل مختلف لكل منهما؛ فالجمال مهم للجميع، لكنه أكثر أهمية بالنسبة للنساء ( جاردنر، 1997 ).
ومنذ لحظة الميلاد يصبح الجمال مطلوبًا ومُدركاً بصورة ظاهرة في حالة البنات كما يحدث إسقاط للجمال عليهن؛ فعندما طلب من مجموعة من الأزواج والزوجات في غضون 24 ساعة من ميلاد أطفالهم أن يقيموا أول مولود لهم حسب عدة سمات، جاء وصفهم للبنات على أنهن جميلات وناعمات ورقيقات ولطيفات ووديعات وضئيلات الحجم، أما الأولاد فوصفوهم بالشدة والقوة وكبر الملامح والاتساق والصلابة. وقد راعت هذه الدراسة اختيار الأولاد والبنات بحيث يكونون من الطول والوزن ومستوى التجاوب مع الآخرين نفسه. وعلى الرغم من التشابه الشكلي بين هؤلاء الرضع فإن آباءهم وأمهاتهم رأوا أن بناتهم” جميلات” وأبناءهم” أقوياء“. وفي سياق دراسة أخرى وُصف طفل / طفلة في ثياب زرقاء داكنة بالعنفوان والقوة والنشاط، بينما وُصف الطفل / الطفلة نفسها في ثياب أخرى وردية اللون بالرقة والوداعة. وتؤكد الدراسات أن البنات يحظين بمزيد من الاهتمام الموجه للمظهر، أكثر من الأولاد طول مرحلة الطفولة.
وثمة إشارات متزايدة إلى أن الجمال سمة مرتبطة بالنوع، ففي كل مرحلة سنية يحظى الجمال عند الإناث بالاهتمام والتقدير أكثر كثيرًا من الذكور. وتتعرض النساء للنقد أكثر من غيرهن إذا كن يتمتعن بالجاذبية، بينما يتعرضن للرفض بشدة إذا لم يتمتعن بها. والجمال في المرأة دائماً ما يكون أمراً متوقعاً ومطلوبًا، ويحظى بالتشجيع ويكافأ في مجموعة كبيرة من المواقف، ومنها علاقات العشق والغرام (بلاينر وآخرون 1999).
فيتبين مثلاً تحليل الإعلانات الشخصية ( للبحث عن شريك ) أن النساء أكثر ميلاً للظهور بالمظهر الشكلي الجذاب بينما يميل الرجال إلى البحث عن هذه الجاذبية. والعكس صحيح بالنسبة للاستقرار المالي؛ إذ يميل الرجال إلى توفيره بينما تميل النساء إلى البحث عنه. ومن الواضح أن الصلة بين الجمال والأنوثة تؤثر على تفضيلات الجنسين في اللقاءات أو اختيار الشريك، فالجمال إذًا ليس مفهوماً تجريديًا، ولكنه واقع ذو أهمية اجتماعية.
ونظراً لأن الجمال يرتبط بالأنوثة، فإن تأثير صورة الجسد على مفهوم المرء عن ذاته يكون أشد في حالة الإناث عن الذكور؛ فالمرأة تميل أكثر من الرجل إلى أن توازي بين نفسها ومظهرها، أو ما تظن أنه مظهرها، أو ما تعتقد أن الآخرين يرونه فيها. وتبين الدراسات أن تصور النساء عن ذاتهن يتناسب مع تصورهن عن جاذبيتهن، بينما مفهوم الرجال عن ذاتهم أقرب إلى تصوراتهم عن فعاليتهم ولياقتهم الجسمانية ( فريدمان، 1989 ).
تكثر الأساطير المتناقضة التي تتعلق بطبيعة المرأة مثلما تكثر الأساطير المتعلقة بطبيعة الجمال. فالمرأة تعتبر خيراً وشراً مثلها في ذلك مثل الجمال، وكلاهما يعدان مصدراً للخطر والغواية، ولغزاً غامضاً مهيبًا، ولكنه في الوقت نفسه موضع للاستخفاف لعدم جدواه في شيء.
وجدير بالذكر أن الأساطير المتعلقة بالجمال تغير من تأثيره؛ لأنها تستخدم كمعايير لتقييم الذات، فالناس يقيسون أنفسهم على مثال أسطوري، ثم يعيدون تشكيل أنفسهم ليتوافقوا مع هذا النمط، وليصبحوا كما يعتقدون أنه مفروض. فمثلاً إذا درجت المرأة على الاعتقاد بأن الجمال الأنثوى يعني استدارة الثديين ونعومتهما وامتلاءهما، فإنها تحكم على نفسها بالقياس إلى هذا المعيار. وإذا لم تصل إلى الدرجة المناسبة على هذا المقياس فإنها تبدأ في استخدام حمالات الصدر المحشوة أو تجرى عملية تجميل للثديين، وهي بإقدامها على تجميل صدرها المستوى، الذي لا يبرز شكل الثديين.. فإنها تستبدل بالحقيقة الواقعة نسخة أخرى من صنعها، الأمر الذي يؤكد صدق الأسطورة. وهكذا تقوم الأساطير بوظيفة التنبؤ بتحقيق الذات، وتعتبر عاملاً مهماً في إدامة تصورات بعينها عن الذات.
كيف يمكن للأسطورة التي تسوى بين المرأة والجمال أن تبقى إلى جانب الأسطورة التي تنعت المرأة بالقصور؟ كيف يمكن أن تُمجِّد المرأة بوصفها الجنس اللطيف، وفي الوقت نفسه تهان بوصفها” الجنس الآخر“؟ في واقع الحال إن الأساطير المتعلقة بالنوع، مثلها مثل الأساطير المتعلقة بالجمال، غالبًا ما ترتبط معاً في هذا اللون من الثنائيات المتقابلة، وهكذا تحقق معًا توازناً يساعد على بقائها.
إن المرأة تتوج بالجمال لسبب واحد بعينه، وهو أنها تتشح برداء الاختلاف، فالنظرة المثالية إلى مظهر المرأة تخفى وراءها الاعتقاد الكامن في دونيتها. ومثلما نجد جذور النرجسية المفرطة ضاربة في كره الذات، فإن أسطورة جمال المرأة تنبع من أسطورة خروج المرأة عن المألوف؛ أي إن الجمال يساعد على استعادة التوازن للمرأة باعتبارها مخلوقًا معيباً منذ مولدها، ويخبئ جوانب القصور عندها ويبرر وجودها.
وفي الوقت نفسه، يميز الجمال المرأة تمييزاً واضحاً بسبب اختلافها وكونها فرداً من أفراد النصف الآخر من البشرية. ولكن الجمال ليس إلا معادلاً مؤقتاً، لأنه في آخر
الأمر يكشف حقيقة الجنس اللطيف مرة أخرى وهي أنه الجنس الآخر. إن رموز الجمال المصطنع – مثل الأظافر المطلية والشفاء القرمزية – تبالغ في تجسيد الفروق بين النوعين ( الذكر والأنثى )، وهكذا ترفع المرأة إلى منصة عالية كتمثال جميل، بينما يسند إليها دور منفصل بشكل ينطوي على المفارقة. وفي سياق موضوع المساواة، يتحول الجمال إلى أداة مساعدة أو جائزة ليس لها هدف إلا المواساة والتعزية. لكن أدوات التجميل ومنصات التكريم في نهاية المطاف لا تنجح في تحقيق المساواة؛ لأنها ليست بديلاً عن الاعتراف بكيان المرأة كإنسانة كاملة.
إن أسطورة المرأة باعتبارها الجنس اللطيف، تؤدى إلى الإبقاء على مفهوم سحر المرأة الغامض، فالتنورات والأحجبة وحمالات الصدر المحشوة والأجسام المشدودة، وكل ما يبرز اختلاف المرأة يؤكد أنها هي” الآخر“. ويمكن هنا أن نتذكر مشهد وصول سندريللا إلى الحفل الراقص في قصر الأمير، عندما لا تتعرف عليها ابنتا زوجة أبيها؛ لأن شدة جمالها تعمى الناظرين عن حقيقتها. أي أن سندريللا عندما تتخفى في صورة جميلة غامضة لا يستطيع أحد أن يتعرف عليها، ونظراً لأنها غير معروفة ولا يستطيع أحد أن يعرف حقيقتها، فإنها تصبح مرغوبة أكثر وأكثر.. إنها في ذلك مثل ربة الجمال” فينوس“، والكوكب الذي تكتنفه السحب الغائمة، فجوهرها مختف وراء ضباب رومانسي… وهكذا نرى أن الجمال يُبقى على غموض المرأة المثير للاشتهاء عن طريق إخفاء جوهرها الإنساني.
قد يصعب على الإنسان الاعتقاد بأنه يتمتع بالجاذبية، مثلما يصعب عليه الوصول إلى جمال الشكل؛ فبنات الجنس اللطيف يملن إلى النظر إلى أنفسهن على أنهن لسن كذلك، ويخجلن من تكون الأكياس الدهنية على الفخذين أو ضعف الشعر وظهور البقع على البشرة مع تقدم العمر، ويقض مضاجعهن الخجل المفرط وتشوه صورة الجسد في أذهانهن والقلق بشأن المظهر، فيحكمن على أجسامهن بأنها غير جديرة بالحب، والكثيرات منهن يسوين بين الظهر والهوية.
سئلت امرأة في مقابلة أجريت معها” هل يمكن أن تصفى نفسك بطريقة تعطينا فكرة جيدة عنك، أي توضح لنا من أنت وماذا أنت ؟” فجسلت المرأة برهة وهي صامتة
ومرتبكة، ثم قالت في شيء من التردد“من الناحية الجسمانية أم ماذا؟” وعندما قيل لها إنها حرة في الاختيار، بدأت ردها بسرد قائمة من الملامح الجسمانية، فقالت“إننى قصيرة وشقراء، ووزني أكثر قليلاً من المفروض“. وقد أجرت عالمة الاجتماع ليليان روبين عشرات من المقابلات من هذا النوع، فوجدت دائمًا أن النساء يبدأن بوصف أجسامهن. وعلى الرغم أن أكثر من نصف العينة، كانت مكونة من نساء يعملن خارج البيت، بعضهن في وظائف معنية ذات رواتب مجزية، فلم تبدأ أي واحدة منهن بالحديث عن عملها.
وعلى الرغم من شيوع الصورة النمطية عن المرأة منذ وقت طويل، وهي الصورة التي ترى المرأة مأخوذة بصورتها كما في أسطورة نرجس القديمة، فيبدو أن العكس من ذلك هو الصحيح. فعندما طلب إلى بعض النساء أن يقيمن صورهن الفوتوغرافية، كانت نسبة النقد الذاتي عند معظمهن أعلى من نسبة رضائهن عن هذه الصور. أما عالمة النفس مارسيا هاتشينسون (1982) فقد اختارت أكثر من مائة امرأة في سياق مشروع دراسة عن صورة الجسد، وحرصت على اختيار نساء من ذوات الوزن العادي، وممن ليس لهن تاريخ مع اضطرابات التغذية أو الأمراض النفسية. واتضح من تقييم تلك النساء لصورة أجسامهن أن امرأة واحدة فقط من العينة كلها لم” تشن حرباً شعواء على الدهون“. ولم تكن أي من تلك النساء زائدة الوزن بدرجة كبيرة، ولم تكن أي منهن تعانى من اضطرابات نفسية، لكنهن جميعاً كن يتبعن نظاماً غذائياً للتقليل من الوزن، وكلهن يعانين من الإحساس برفض الذات، والاستياء من أجسامهن. فلم يكن أمام هاتشينسون إلا أن تستنتج أن” مقت الجسد موجود بأبعاد مَرَضية عند النساء“.
وتتخذ هذه المشكلة صورة واضحة في مرحلة المراهقة، عندما نجد المراهقات يشعرن بأنهن أقل جاذبية من أترابهن، بدرجة أقل نسبياً مما نسمعه من الفتيان. ونجد أعداد النساء اللاتي يشعرن دائمًا بالدونية الجسدية، أكبر من أعداد الرجال الذين يشعرون بذلك. وتقول واحدة من كل ثلاث نساء إنها تشعر بالقلق والاكتئاب أو النفور، عندما تنظر إلى صورة جسمها العاري في المرآة.
إن العقل لا يبقى صفحة بيضاء لمدة طويلة، فالصورة المثالية عن جمال المرأة سرعان ما تنطبع عليه، وتعتمد هذه الصورة في ثقافتنا على النموذج القوقازي، فعهدنا بالأميرات في الحكايات الخيالية وبملكات الجمال أنهن بيضاوات البشرة. وهذه الصورة الجميلة تثقل كثيرًا كاهل النساء الملونات اللاتي يتحملن عبئاً خاصاً بالجمال، لأنهن بدورهن يُنَشَّأنَّ على أن الجمال ضرورة نسائية.
وحتى النساء اللاتي يتمتعن بالصورة الجسمانية المثالية منذ المولد يكتشفن أن الجمال مثار للمشاكل، فالمتع الإيجابية محفوفة بالمزالق السلبية. والواقع أن أحد الجوانب التي تشكو منها النساء الجميلات هو عدم اهتمام أحد بالمشاكل الناجمة عن جمال المرأة اهتماماً جاداً ؛ فنظراً لأن الجمال مرتبط بالخير في أذهان الناس، فإنهم يفترضون أن مزاياه تفوق مثالبه، لكن هذا ليس ما يحدث في كل الأحوال.
فالنساء الجميلات يجذبن الاهتمام أكثر من غيرهن، لكن بعض هذا الاهتمام قد يكون غير مقبول وبعضه قد يكون مدمراً. وقد يصبحن أكثر من غيرهن هدفاً لغضب الرجال الذين يخشون سلطان جمالهن، فكما كتبت أليكس كيتس شولمان في روايتها مذكرات ملكة حفل التخرج السابقة” يقال إن القبح سبة، ولكنني أعتقد أنه ليس إلا حالة مختلفة فحسب. فإذا كنت جميلة تعرضت لمجموعة ما من الاعتداءات، وإذا كنت عادية تعرضت لمجموعة أخرى منها“.
كما أن نجمات السينما والفائزات في مسابقات الجمال، اللاتي يجسدن الأسطورة يعانين كثيرًا لأنهن معبودات من منظور الآخرين، الأمر الذي يضعهن في موقف الضعف، عندما يحاولن الوصول إلى مستوى دائم من الجمال يستحيل الحفاظ عليه.
وإذا كانت المرأة محرومة من القيام بأدوار كثيرة، فإن دورها كتحفة جميلة دور يحظى بالتشجيع الصريح أو المستتر. فإبراز الأنوثة يعني أن تصبح المرأة مستعرضة لمفاتنها، فتعرض نفسها وكأنها متاع للزينة. ولا نجد من بين النساء إلا قليلات يدركن إدراكاً واعياً أنهن يتعرضن للتشيىء، أما النساء اللاتي يبالين بذلك حقاً فهن أقل عدداً. فالزينة في آخر الأمر شيء مبهج، والتأنق في الملبس والتباهي يمتعان المرء ويمتعان الآخرين، ويبدو أنه من الأسهل على المرأة أن تكون غادة فاتنة على أن تشتغل بالجراحة مثلاً. ومن المؤكد أنه من الأفضل أن ينظر إليها الناس على أن يتجاهلوها، فالاهتمام والإعجاب والإطراء كلها أمور تدخل السرور على النفس.
وعندما ينظر الناس إلى المرأة فإنها تبدأ في الانشغال بأنها محط الأنظار، وكثيرات منهن يستحوذ عليهن التفكير في جزء معين من الجسم ظنا منهن أنه يحتاج إلى تقویم.
وقد خلصت نانسي هينلي في عام 1997 إلى ما يلى:
في المجتمع الذي تصمم فيه ملابس المرأة بطريقة تكشف صراحة عن جسمها وتبرز خطوطه، وتلاحقها فيه النظرات والتصفير ويحاول فيه الرجال التحرش بها وهي في طريقها إلى العمل، وتصور فيه الإعلانات النساء في ملابس كاشفة، وتجعل أجسادهن سهلة اللمس، وكأنها ملكية عامة.. في هذا المجتمع لا عجب أن تشعر المرأة أنها محط الأنظار، وهي فعلا كذلك. (ص167).
إن التصفير على سبيل المعاكسة في ذاته أمر يحدث انفصالاً بين العقل والجسم، لأنه يختزل المرء في شيء غير عاقل. والمعاكسات التي تتعرض لها النساء في الشارع لا يقصد بها دائماً إدخال السرور على نفس النساء، ولكن مضايقتهن. فهؤلاء الذكور الذين يعمدون إلى معاكسة النساء لا تحركهم الرغبة في الإطراء، ولكن التأكيد على حقهم في الحكم على المرأة واقتحام وعيها وإخجالها وإجبارها على أن ترى نفسها على أنها شيء غير عاقل في عيونهم. وهكذا فإن التحديق في الفتيات ومعاكسات الشوارع، تؤدى إلى إدامة الاعتقاد بأن مظهر المرأة ملكية عامة، وأن تشيىء المرأة أمر مشروع.
وجدير بالذكر أن تشيىء المرأة على نحو يومي في الشوارع الرئيسية وفي وسائل الإعلام وفي الأذهان يدعم صناعة المواد الجنسية الإباحية التي تنفق فيها الملايين والملايين من الدولارات، فالمواد الجنسية الإباحية هي مزيج من التشييء والعدوانية الجنسية، مثلها في ذلك مثل أسطورة الجمال النسائي، فهي تتخفى تحت ادعاء الإعجاب، وتعرض المرأة على أنها صورة بينما تخفى المرأة الضحية. وفي كلتا الحالتين تختفى الضحية في الصورة وراء“الماكياج” والابتسامة المغرية.
وفي حالة الصورة التي تحتل الصفحتين المتقابلتين في وسط المجلات، تُعرض المرأة وكأنها فاكهة ناضجة جاهزة للقطف والالتهام، فخدَّاها شهيان، وصدرها مغر، ومنظرها طاغ في جماله الصارخ. وعندما تضفى أسطورة جمال المرأة عنصر الغموض الساحر على جسد المرأة، فإنها تدعم من سلطان صناعة المواد الإباحية الجنسية؛ فدون قناع الجمال لن يكون هناك إلا قدر ضئيل من الغموض الذي يمكن للمرء أن يستجليه؛ أي إن الصورة المنشورة على صفحتى المجلة وملكة جمال أمريكا والمرأة العادية كلهن يشتركن في القيام بدور واحد، لذلك فإن المرأة التي يحدق فيها الرجال في الشارع هي امرأة” ينالونها” على المستوى البصري، وهي لا تختلف في ذلك كثيرًا عن الإعلان التي تعمل في صناعة المطبوعات الجنسية الإباحية، على أساس أنها تنتزع من ذاتها، وتختزل إلى مجرد واجهة وتعتبر أجمل مما هي عليه، ولكنها أقل إنسانية من فتاة هذه الحقيقة.
وهناك خط دقيق يفصل بين العرض المشروع للجمال والعرض غير المشروع الذي نجده في المواد الجنسية الإباحية. وعلى من ترغب في أن يعجب الناس بها على أنها غادة فاتنة، ولكنها تخشى التعرض للاستغلال كأداة للمتعة الجنسية أن تحرص على ألا تتجاوز هذا الخط الفاصل؛ ذلك لأن متطلبات الجمال وتابوهات المواد الجنسية الإباحية تقتضى نوعاً من الموازنة التي كثيرًا ما تفقد المرأة توازنها. فعندما انتخبت فانيسا ويليامز ملكة جمال أمريكا في عام 1984 صفق لها الكثيرون إعجاباً وهي على خشبة المسرح، لكنها قوبلت برفض شديد، عندما اكتشف أحدهم أنها تخطت ذلك الخط الفاصل لتدخل إلى مجال المواد الجنسية الإباحية، أي إن ملكة جمال أمريكا يجب أن تكون مثيرة، ولكنها بعيدة المنال، والرسالة التي ترسلها تقول“للنظر فقط، لكن اللمس ممنوع“.
وقد تبنت الحركة النسوية دعوة نشطة إلى مكافحة المواد الجنسية الإباحية والصور التجارية التي تمتهن المرأة. ولكن من باب المفارقة أن الحركة النسائية ربما أدت إلى رفع مستوي القلق بشأن المظهر في محاولتها للحد من هذا القلق؛ فالنسوية تشجع على إعادة النظر في الهوية، اتباع النهج النشط في حل المشكلات، وتغرس فكرة السيطرة على النفس من خلال السلوك الذي يؤكد الهوية. لكن هذه الرسالة يسهل أن تقع فريسة التفسيرات الخاطئة؛ باعتبارها دعوة جديدة على إعادة تشكيل الجسم من جديد.
وتتطلع بعض النساء بشغف إلى إعادة ترتيب حياتهن من جديد، فيركزن تركيزاً مفرطاً على تغيير شكل أجسامهن، فيقعن في آخر الأمر في مأزق الاستغراق النرجسي في الذات والرفض المرضى للذات. وتنعكس هذه المشكلة في ظهور اضطرابات معينة، مثل: فقد الشهية والانشغال المفرط بالوزن والإسراف في التريض وغيرها من ألوان الاضطرابات التي زاد معدلها في أجواء حركة الإصلاح النسوى. وتقول بعض النساء إنهن يشعرن بأنهن يتأرجحن بين الصور التقليدية للأنوثة، والنماذج النسوية المتحررة. وكما قالت واحدة من تلك النساء“إن كوني امرأة أصبح أمراً مخيفاً في هذه الأيام… لأن الناس مازالوا يريدوننا أن نكون نحيلات وجميلات ورقيقات كل الرقة، بينما ندير الشركات الضخمة بقبضة من حديد. وهذا النوع من الحياة يعنى ازدواج الشخصية“.
النساء في حقيقة الأمر لسن أجمل من الرجال، فجمالهن الخاص ليس فطريّاً ولكنه نوع من التنكر المكتسب. والمعروف أن تجسيد أي أسطورة يعني تقمص شخصية كاريكاتيرية، ولذلك يطلق على حَمَّام النساء مثلاً اسم Powder Room ( أي غرفة وضع البودرة أو مساحيق التجميل عمومًا)، وترتدى النساء الملابس التي تبرز الأنوثة.
وتعتبر أدوات التجميل والألوان لوازم أساسية للقيام بالدور النسائي، وعناصر جوهرية في مجالي الثقافة والاقتصاد على حد سواء. وعلى الرغم من أن المرأة قد تشعر بأنها عديمة الحيلة في نواحٍ عديدة، فإن جسمها يعتبر مجالاً تستطيع أن تحاول السيطرة عليه.. ومن هنا فإن طقوس استعمال أدوات التجميل تعتبر نوعًا من الخلاص ؛ لأنها يمكن أن تغير من شخصية المرأة وصورتها.
فما الذي يدفع النساء إلى تغيير أنفسهن؟ الإجابة هي أن الإنسان القوى يحتاج إلى الامتثال للأعراف الاجتماعية. والقرار الشخصي – بإجراء عملية شد للوجه أو تمويج الشعر بصورة دائمة – مثلاً – يتأثر إلى حد ما بالضغط الواقع على الإنسان من المحيطين به، والنساء يعمدن إلى تجسيد الصورة المحببة للمجتمع الذي يعشن فيه لكي يتمتعن بكونهن مثل الآخرين وينلن إعجاب الآخرين. وهكذا يؤدى التحول على صعيد الجمال إلى إحساس بالأمن، نابع من قبول المجتمع للمرأة، ومن تقليص خوفها من الرفض الاجتماعي لها.
إن أساليب التجميل تساعد المرأة على تطبيع صورتها ( أي توفيقها مع ما يراه المجتمع طبيعياً )، ولكن بطريقة ملتوية تؤكد خروج المرأة عن المعايير، حتى وهي تحاول التوازن معها. وتتضح هذه المفارقة عندما نجد أن المرأة عندما تظهر نفسها بصورة أكثر جاذبية، فإنها تبدو أكثر خروجاً عن المعايير المقبولة في زينتها النسائية.
ويعتبر تجميل الجسم إيماءة اجتماعية موجودة في كل مكان في العالم، ويبدو أنها تنبع من حاجة إنسانية عميقة؛ إذ يمارسها الذكور والإناث في كل الثقافات تقريباً، وترجع إلى أقدم الحضارات. وهناك تنوع مدهش في طقوس التزيين في شتى أنحاء العالم، بعضها تبدو في عيون الغرب غريبة شائهة إلى حد ما، مثل مط الرقبة كما عند أهل بورما أو إكساب الرأس شكلاً مستطيلاً كما عند أهل السنغال.
ولا توجد بين هذه التحولات التجميلية ما يعد بطبيعته تحولاً ممتعاً أكثر من غيره ؛ إذ تعتمد قيمتها الجمالية على سياقها الاجتماعي. فالأسنان السوداء أو الأظافر الحمراء تبدو جذابة لمن نُشِّيء على اعتبارها جذابة، فمن ذا الذي يمكن أن يقرر إذا كان إحداث الندوب في الوجه أمراً أنيقاً أم مريعاً؟ وهل مط الشفاه باستخدام العظام أو حقن الثدى بالسليكون نوع من التجميل الفنى أم التشويه البشع ؟
لا ننسى هنا أن الجمال يعرَّف على أنه سمة فريدة وغير عادية – وأحياناً تقع خارج حدود المعتاد. ولذلك فالتشوهات التي تطرأ من خلال التغييرات التي تحدثها أدوات التجميل تؤدى إلى نتائج متطرفة غير طبيعية؛ فزيادة درجة احمرار الشفتين أو طول الرقبة أو اصفرار الشعر، أو تفلطح الرأس كلها سمات تتجاوز حد الطبيعة. كما أن الألم غالبًا ما يكون جزءاً من عملية التزيين؛ حيث يعتبر الألم علامة على شدة الالتزام، وكلما زاد الألم كان النتاج فريداً.
ومن المعروف أن الفرق بين خداع الآخرين وخداع النفس ليس إلا خطوة قصيرة، فطقوس الجمال التي تستخدم أساساً لإخفاء عيب ما تحجبنا في آخر الأمر؛ بحيث لا نستطيع تأمل أنفسنا. وعندما يصبح الوجه الحقيقي مختلطًا بالخيال، وعندما تخلق الأساطير الإيهام بالحقيقة.. فإن المرأة تشعر بالخجل إذا رآها أحد وهي غير متزينة، وكأنها أتقنت دورها تماماً إلى حد أنها نسيت أنها تتقمص دور الأميرة الجميلة في الحكايات الخيالية.
ويحدث ذلك بطرق شتى؛ فنجد أولاً أن أدوات التجميل والألوان تبرز الاختلافات بين النوعين، وتخلق بعض الاختلافات التي ليس لها وجود في الطبيعة ( مثل الجفون الزرقاء )، وتضخم بعض الاختلافات الى هي أصلاً طفيفة جداً ( مثل خلو الأرجل من الشعر )؛ ومن ثم يصبح شكل الحواجب وشكل القدم وطريقة تصفيف الشعر بدائل قوية للاختلافات الطبيعية بين النوعين. كما نرى الأظافر الملونة والشفاه المطلية تلمع كالإعلانات المضاءة بالنيون لتعلن فوراً عن الأنوثة، وتحول الأفكار المجردة عن الجمال إلى شيء ملموس يمكننا أن نراه ونشعر به. وما إن تستقر رموز الجمال في الأبعاد التشريحية للجسم؛ حتى تكتسب القدرة على الإيهام بأنها حقيقة بيولوجية، فنبدأ في النظر إليها على أنها اختلافات ثابتة ودائمة بين النوعين. فإذا كانت الجفون الزرقاء جميلة وتنطق بالأنوثة.. فإنها ليست في الحقيقة إلا تشويهاً شديداً، يؤكد أخروية المرأة على المستوى الجسدي.
وأخيراً… فإن التغييرات الخاصة بالجمال تبقى على فكرة خروج المرأة عن المعايير؛ لأنها تربط بين الأنوثة والزيف. فأدوات التجميل والألوان قد تقضى على المصداقية، وتثير الشك وعدم الثقة، والأظافر زاهية الألوان والأثداء المحقونة بالسليكون ومستحضرات تلوين الوجنتين كلها تربط بين المرأة والزيف أو التفاهة. وعندما تصبح المرأة شبيهة بالدمية فلن يأخذها أحد على محمل الجد. ومن المعروف عن الفيلسوف الألماني نيتشه أنه ربط بين الخداع وبين طبيعة المرأة في قوله“ما قيمة الحقيقة بالنسبة للمرأة؟… إن أكثر ما تبرع فيه هو الكذب، وأكبر همها لا يتعدى المظهر والجمال“.
إن التصنع الكامن في طقوس استخدام مستحضرات التجميل يستغل لإثبات دونية المرأة، فمثلاً مع عودة ظهور المشدات في القرن التاسع عشر وصف النقاد المرأة إنها مخادعة. ليس هذا فحسب بل قالوا أيضًا إنها غبية لأن أي امرأة تعرض نفسها للتعذيب الأحمق، الذي يتسبب عن المشد هي امرأة” لا عقل لها وأدنى شأناً من غيرها“.
فماذا على المرأة أن تفعل؟ إذا تجاهلت متطلبات أسطورة الجمال، فإنها ستشعر بأنها غريبة لأن عدم التزين يعني عدم الجاذبية، وإذا استغلت مستحضرات التجميل لتجعل نفسها متوافقة المعايير، فإنها ستبالغ في تقمص صورتها الكاريكاتيرية باعتبارها الجنس الآخر.. وهكذا يبقى من الصعب تحقيق نوع من التوازن بين هذين الضدين.
المرأة بحاجة إلى صور جديدة للجمال، صورة مريحة ومفيدة تسمح بحرية الحركة دون استخدام المشدات وفرض القيود على شكل القدم، وتؤدى إلى السعى لتحقيق أهداف طموحة. إن انتزاع غموض الجمال، مثل قناع الأمس المصنوع من مستحضرات التجميل، يمكننا من الكشف عن الملامح الباهتة الكامنة وراءه، وهي أقرب إلى الجلد وأقرب إلى الحقيقة، كما أن تنقية السطح تمكننا من الكشف عن صور خفية، ومن يدري، فربما يعجبنا ما نراه تحت هذا القناع.
مجمل القول إن أسطورة جمال المرأة إذا كانت نتاجًا لتبعية المرأة وخروجها عن المعايير، فإن أوضاع القمع” الجميل“، الذي تتعرض له المرأة ستتناقص مع تحقیق التعادل بين أدوار النوعين. وقد تنبأت سيمون دي بوفوار بأن المرأة” كلما أكدت ذاتها كإنسانة، تلاشت منها سمة الآخر التي تبدو رائعة فيها” (1953). ويقتضى بناء صورة جديدة للذات العمل والمخاطرة والالتزام، ولاشك في أن الاستقلالية أهم رصيد من أرصدة المرأة في هذا الصدد؛ فالمرأة المستقلة اقتصادياً وعاطفيًا وجنسيًا تصبح مؤهلة للقضاء على الأسطورة، وتتراجع احتمالات اعتناقها صورة الدمية الساكنة، واستخدامها الجسد كعلامة على المهادنة، والاعتماد على المظهر كمصدرها الأساسي للقوة. وكلما دخلت المرأة إلى المؤسسات التي تسيطر على المجتمع اكتسبت الأدوات التي تمكنها من رفع عبء الجمال عن كاهل الأنوثة ووضعه في موضعه المحايد الصحيح في علاقته بالنوع… إننا لن نتحرر من قيود أسطورة الجمال، إلا عندما تستطيع المرأة أن تبدو عادية كالرجل، وفي الوقت نفسه تحظى بالتقدير على أنها إنسانة عادية جديرة بالحب.
فصل من كتاب:
Women: Images and Realities: A Mult: cultural Anthology, تحرير Amy kesselmar, Lily D. McNair. (London: Moyfied Publishing Company, 1999)
de Beauvoir, S. (1953). The Second Sex. New York: Bantam, Berscheid, E., & Walster. E. (1974), “Physical Attractiveness”. In L. Berkowitz (ed.). Advances in Experimintal Soci psychology, vol. 7 (pp. 158-216). New York: Academic Press.
Freedman, R. (1986). Beauty Bound. Lexington, MA Lexington Books.
Freedman, R (1989), Bodylove. New York: Harper Collins.
Garner, D. M. (1997), Jan.). “The 1997 Body Image Survey Results, “ Psychology Today, 30-48.
Henley, N. (1977). Body politics: Power, Sex and Nonverbal Communication. Englewood Cliffs, N. J.: Prentice-Hall. Hutchinson, M. (1982). “Transforming Body Image: Your Body, Friend or Foe?” Women and Therapy, 1 (3), 59-67.
Pliner, P., Chaiken, S., & Flett, G. (190). “Gender Differences in Concern with Body weight and Physical Appearance over the Life Span, “ personality and Social Psychology Bulletin, 16, 263-73.
Wooley, O. W. (1994). “And Man Created: ‘Women ‘: Representation of Women’s Bodies in Western Culture.” In P. Fallon, M. Katzman, and S. Wooley (eds.), Feminist Perspectives on Eating Disorders (pp. 17-52). New York: Guilford Press.