حركة اجتماعية
أطباء بلا حقوق
من أجل حق الطبيب في حياة كريمة
وحق المواطن في خدمة علاجية حقيقية
جماعة أطباء بلا حقوق
” منذ أكثر من عشرين عامًا تتصاعد شكاوى الأطباء من ضعف الرواتب وسوء ظروف ممارسة المهنة فى المستشفيات، وقد قابل الأطباء ظروفهم المادية الصعبة بمزيد من الاعتماد على العمل الخاص والاتجاه للسفر للعمل بالدول العربية مما قدم حلاً معقولاً للجزء المادى من المشكلة“.
وطبعًا كانت لهذا الحلول آثارًا سيئة على مستوى الخدمة الصحية في المستشفات، حيث أفقدنا السفر للخارج خبرة الكفاءات في مجالي العمل الصحى والتعليم الطبي، أيضًا اضطر الأطباء المعتمدين على العمل الخاص لتوجيه جل جهودهم للعمل في مكان أو اثنين وثلاثة، ليستطيعوا أن يفوا بمتطلبات الحياة الضرورية، فماذا يتبقى بعد ذلك من وقت أو جهد أو تركيز للعمل بمستشفيات الحكومة؟
إلا أن كل هذه الطرق الهادفة للالتفاف على مشكلة نقص الرواتب، أخذت تزداد صعوبة فالعمل الخاص أصبح مردوده يقل بالتدريج، لأنه يعتمد على القدرة المالية للمواطنين، اللذين يعانون بدورهم من أزمة اقتصادية متصاعدة. وأسواق العمالة الطبية بالخليح تشبعت، بينما هناك المزيد والمزيد من الأطباء المتدافعين وراء فرصة عمل بالخارج، مما أدى إلى تدهور شديد لسعر الطبيب المصرى ماديًا ومعنويًا، حتى وصل الأمر ببعض الأطباء الممارسين العموميين (قبل الحصول على تخصص) للقبول بأجر ممرضات. أما صور المهانة فكثيرة ومتكررة، وتبدأ من الإجبار على العمل لساعات أكثر من التعاقد، وتقاضى أجر أقل من التعاقد، وتصل للضرب والسجن والجلد.
وسط كل هذا كان من الطبيعى أن تكون الشكاوى المريرة هي الطابع السائد لكل إجتماعات الأطباء سواء في سهرات النوبتجيات الطويلة، أو في الجمعيات العمومية لنقابة الأطباء؛ حيث تتكرر الشكاوى وتتكرر معها قرارات الجمعيات العمومية بمطالبات ومناشدات لوزارة الصحة ومجلس الوزراء بالالتفات لمطالب الأطباء. إلا أن كل ذلك لم يحسن الأوضاع التي ازدادت إلى الدرجة التي وصل معها أجر الطبيب حديث التخرج سنة 2007 لـ 250 جنيه أى أقل من أجر عامل النظافة، وبدأ التذمر من سوء الأحوال يقترن بلوم مجلس النقابة على مواقفه الضعيفة في الدفاع عن حقوق الأطباء.
موقف مجلس النقابة: دافع مجلس النقابة عن عدم قدرته على أخذ إجراءات أكثر جدية بنقطتين: الأولى هي سلبية الأطباء، والثانية هي جمود الانتخابات النقابية حيث أن المجلس الحالي عمره 17 سنة، وقد تآكل أغلب أعضائه بالوفاة أو المرض أو السفر للخارج.
هنا فكرت مجموعة من الأطباء اللذين تعارفوا من خلال حضور الجمعيات العمومية، على تكوين أسرة نقابية تكون قوة دافعة للعمل النقابي، الذي أصبح واضحًا أنه يحتاج لجهود جديدة ودماء جديدة.
بداية أطباء بلا حقوق: بدأت الجماعة ببيان تأسيسى نُشر على مدونة باسم أطباء بلا حقوق في 25 مايو 2009، طالب البيان التأسيسي بتحسين المستوى المادى والعلمى للطبيب، كركيزة أساسية لتحسين حال الخدمة الصحية في مصر، على أن تمول محاولات الإصلاح من رفع ميزانية الصحة في مصر، ورفض تحميل المرضى فاتورة الإصلاح الصحي، حيث تثبت الإحصائيات أن أكثر من نصف المصريين تحت خط الفقر، مما يجعل تحملهم لتكاليف العلاج، والإصلاح الصحى أمرًا غير معقول وغير إنساني. بدأت أطباء بلا حقوق بمحاولات تعاون مع مجلس النقابة، حيث أن شكواهم المتكررة كانت من سلبية الأطباء، وبالفعل أثمر التعاون عن الدعوة المشتركة للجمعية العمومية الغير عادية فى فبراير 2008، وكانت الجمعية العمومية الأكبر والأقوى فى تاريخ نقابة الأطباء على الإطلاق، وأخذت قرارات قوية ومحددة، مثل: الإصرار على وجوب اعتماد رفع أجر الطبيب على زيادة الأجر الأساسي، وليس الاعتماد على الحوافز المراوغة، وتحديد موعد الإضراب رمزى ساعتين في 15 مارس 2008، إذا لم تستجب الحكومة لطلبات الأطباء العادلة خلال شهر ونصف. طبعًا فرضت هذه القرارات على المنصة فرضًا لم تستطع الفكاك منه، ولكن مجلس النقابة تراجع بعد ذلك عن قرار الإضراب (قبل موعد الإضراب بستة أيام). مما سبب نكسة قوية لحركة الأطباء وخلافًا قويًا وتمايزًا في المواقف بين مجلس النقابة وأطباء بلا حقوق، حيث أصبح موقف مجلس النقابة هو الاكتفاء بالمطالبات والمناشدات للحكومة، مع استعدادهم لالتماس الأعذار للحكومة بل وتبرير تراجعها عن وعودها للأطباء، ووصل الأمر بالسيد نقيب الأطباء لمهاجمة طلبة الامتياز الذين استجاروا به من القرار الظالم لنزولهم المدارس، كديكور لتجميل جهود الوزارة في أزمة إنفلونزا الخنازير، وترك بقية تدريبهم الضروري للتأهيل ليصبحوا قادرين على العمل كأطباء بعد ذلك. ووصل الأمر بالسيد النقيب أن يخذل هؤلاء طلبة بل ويهاجمهم في الصحف والفضائيات.
الوقفات الاحتجاجية حيث نظمنا العديد منها أمام النقابة وأحيانًا قليلة داخل المستشفيات.
نظمنا اعتصام بمقر النقابة العامة للأطباء لمدة 5 أيام في ميعاد الإضراب الذى تم إلغاؤه (15 – 3 – 2008).
تتضامن أطباء بلا حقوق وتدعم كل أشكال الاحتجاج التي يلجأ لها الأطباء لمواجهة الكثير من المشاكل المتفاقمة حاليًا، حول تعطيل التقديم للنيابة والدراسات العليا مثلاً، أو تعطيل إخلاء طرف الأطباء في آخر فترة التكليف، والسماح لهم باستلام نياباتهم، أو حول ظاهرة الاعتداء على الأطباء فى مستشفياتهم التي صارت متكررة. ونحاول كثيرًا إيصال صوتنا للإعلام، لشرح رأينا في مشاكل الأطباء والطب والصحة فى مصر، ونعتبر هذا دورًا هامًا، لأننا طرف أساسي في مشاكل الصحة التي تهم كل بيت في مصر.
نلجأ أيضًا لمحاولة انتزاع حقوقنا عن طريق القضاء، بدعم من زملاء محامين متطوعين في المراكز القانونية لحقوق الإنسان، مثل القضية التي رفعناها ضد رئيس الوزراء بحظر إضراب الأطباء، والقضية التي رفعناها ضد اعتبار المقابل المادي لحضور نوبتجيات الأطباء” حافز” يصرف عند توافر الاعتمادات المالية.
تقوم جماعة أطباء بلا حقوق حاليًا بجمع توقيعات الأطباء على مجموعة من المطالب المادية الملحة، التي نرى أنها تمثل أدنى حد مقبول، يعطى للطبيب إمكانية العيش بكرامة، دون الاضطرار للجري وراء أي فرصة عمل بالخارج، أو الجري في طاحونة العمل من 12 إلى 18 ساعة يوميًا من مستشفى لعيادة لمستوصف، وقد ساهمت فيما يلي:
أولاً: عرفت الرأي العام بمشاكل الأطباء الماية وأحوالهم السيئة وأثرها الخطير على الخدمة الصحية المقدمة، بعد أن كانت هذه المناقشات تجرى وسط الأطباء فقط.
ثانيًا: ساعدت جماعة أطباء بلا حقوق في نشر الاقتناع بطرق المواجهة والاحتجاج لحل المشاكل وسط الأطباء، لذلك نجد أن كثيرًا من الأطباء أصبحوا يلجئون فى الفترة الأخيرة، لطرق الشكاوى الجماعية، والاعتصام بالمستشفيات أو المديريات الصحية، سواء كان ذلك بتنسيق مع أطباء بلا حقوق، أو بدون تنسيق، وآخر مثال ناجح على ذلك هو اعتصام جماعة من أطباء التكليف فى المديرية الصحية ببنى سويف بتاريخ 1 ديسمبر، واستمر الاعتصام 3 ساعات حتى نجح الأطباء في الحصول على الموافقة على إخلاء طرفهم من فترة التكليف التى انتهت فترتها منذ 6 شهور، حتى يستطيعوا استلام العمل فى فترة النيابة لبدء الطبيب لمرحلة التخصص. وقد قدمت الوزارة لنا بالتدريج (بديلاً عن الكادر) مجموعة من الحوافز، مثل حافز سهر الأطباء البشريين بديلاً عن رفع مستحقات النوتجية، وحافز الطبيب، وحافز ماجستير، وحافز للدكتوراة، وأخيرًا حافز الزمالة والدبلوم السرى (أما لماذا هو سري فذلك لأنه حافز مقر بقرار من السيد رئيس وزراء مصر بتاريخ 23 – 4 – 2009 ورغم ذلك لا يطبق ولا يعرف عنه الإدارات والمديريات الصحية شيئًا !!) كل هذه الحوافز يرتبط صرفها بالاعتمادات المالية، وبلوائح تفصيلية، وتقييم للطبيب تبعًا لقواعد هلامية توجد بها دائمًا العديد من الأسباب أو التلاكيك لعدم صرف مستحقات الأطباء، لذلك نجد هذه الحوافز تصرف فى بعض المديريات بقواعد مختلفة عن المديريات الأخرى، ولا تصرف لقطاعات أخرى.
ولا تصرف مع استمارة الراتب، لذلك تتأخر شهور، وتسقط شهور، بل وتتغير طريقة حسابها فى نفس المستشفى كل عدة شهور.. باختصار رغم أن الحوافز أعطت زيادة نسبية لدخل الأطباء، إلا أنها أدخلتهم في متاهة نحن نرى أنا مقصودة، من الجري وراء لوائح الصرف والقرارات الوزارية، والمقارنة بين أحوال صرف الحوافز في القطاعات المختلفة والمستشفيات المختلفة.
المأزق الحالي للأطباء: يفهم الأطباء جيدًا أن هذه الحلول المسكنة التي أعطتها لنا الحكومة، ضعيفة وغير مستقرة، ويفهم أغلبهم أيضًا أن مجلس النقابة قرر عدم خوض أى معارك دفاعًا عن حقوق الأطباء. والمشكلة أن هذا يفت فى عضدهم كثيرًا، ويجعل أغلبيتهم العظمى تتجه للحلول الفردية، التي حتى وإن كان مردودها قد أصبح ضعيفًا ولكنها ما زالت تشكل حلاً، والأكثر من ذلك أنها تشكل حلمًا بالحل، لذلك نجد أعداد الأطباء الفارين للخارج متزايدة رغم كل قصص المهانة التى تصلنا، ونجد أن أغلب الخريجين في سعي حثيث للحصول سريعًا على الدراسات العليا التي تؤهلهم للعمل بالخارج. وقد وصلت حمى السفر إلى أن أعداد الأطباء العاملين تبعًا لإحصائيات الجهاز المركزى للإحصاء العام 2006 هي 56 ألف طبيب (كل الأطباء العاملين بمصر سواء في القطاع الحكومي أو الجامعي أو الخاص) بينما عدد الأطباء المصريين المؤهلين للعمل تبعًا لإحصائيات النقابة فى نفس العام 152 ألفًا، أي أن ثلثي الأطباء المؤهلين هجروا بلادهم للعمل بالخارج، أو هجروا المهنة.. حتى أصبحت نسبة الأطباء للمرضى فى مصر طبيب لكل 1405 مواطن (إحصائيات وزارة الصحة في يناير 2009 المنشورة على موقع الوزارة الإلكتروني)، أى 3 أضعاف النسبة التى تطلبها منظمة الصحة العالمية وهي طبيب لكل 500 مواطن، والعجيب أن كل هذه الإحصائيات الرسمية لم تلفت نظر وزير الصحة أو رئيس الوزارء الذين تكررت تصريحاتهم بالرغبة في تقليل أعداد الأطباء نشرح قصتها.
شباب الأطباء ومستقبل المهنة
الضحية هنا هم شباب الأطباء، فهم يظلمون أثناء دراسة الطب بسبب نقص الإمكانيات بكليات الطب، واضطرار كثيرًا من الأساتذة للعمل بالخارج أو التركيز فى عملهم الخاص، مما يقلل كثيرًا من فرص تلقى طالب الطب لتعليم جيد. أما في سنة الامتياز المفترض أنها سنة التدريب الأساسية لطالب الطب بعد 6 سنوات من الدراسة النظرية، والمفترض أن طالب الطب فيها غير مؤهل لممارسة الطب بشكل مستقل، ولأنه ما زال طبيب تحت التمرين، يجب أن يعمل دائمًا تحت ملاحظة الأطباء الأكبر، نجد حاليًا هؤلاء” الأطباء تحت التمرين” يحملون على أكتافهم عبء العمل في أغلب أقسام الاستقبال فى مستشفيات مصر (لفهم السبب تذكر الإحصائيات التي أوردناها حول العجز في إعداد الأطباء)، أو نجدهم مسئولين عن نقل عينات الدم وأفلام الأشعة عبر طرقات المستشفيات الجامعية المترامية الأطراف، توفيرًا لأجر العمال الذين يجب أن يكلفوا بهذا النوع من العمل، ولا نجد من أطباء الجامعة أو وزارة الصحة من يملك الوقت أو الجهد ليهتم بتدريب زملائه أطباء المستقبل إلا فيما ندر.
هكذا ينهي طبيب الامتياز سنته تلك دون أن يحصل على التدريب الضروري، ليتسلم تصريح ممارسة المهنة، ثم يدخل فى رحلة التكليف التي تبدأ بمشاكل التوزيع، الذي تتدخل فيه كثيرًا من الوساطة والمحسوبية، ويمنع الطبيب من تسجيل أى دراسات عليا حتى تنتهى فترة التكليف (نتيجة لقوانين وزارة الصحة غير المفهومة السبب)، حيث يكون الطبيب طوال فترة التكليف معزولاً في وحدته الصحية، ولديه إحساس رهيب بالظلم والمرارة والإحباط، بعيدًا عن أى احتكاك بالمستشفيات أو الأطباء الأكثر خبرة، وبعيدًا عن الأحلام الكبار التي ساقته لدخول كلية الطب، ووسيلته الوحيدة لاكتساب الخبرة هى التجربة والخطأ فى المرضى الغلابة.. هكذا نرى أن ظلم المسئولين للأطباء وتجاهل مطالبهم العادلة لا يتسبب فقط في أزمة شديدة للنظام الصحي ولكن أيضًا يدمر آمال وأخلاقيات أطباء المستقبل، وذلك يدمر مستقبل مهنة الطب في مصر.
لكل ذلك فنحن نرى أن عمل جماعة أطباء بلا حقوق الدائب لإقناع الأطباء بعدم الاكتفاء بالحلول الفردية، وضرورة الضغط في اتجاه تغيير الظروف المشوهة السائدة حاليًا لممارسة الطب فى مصر، وفي اتجاه إقرار حق الأطباء فى أجر عادل وظروف عمل محترمة داخل مستشفيات وطنهم، وحقهم فى التعليم والتدريب الجيد هى مطالب ضرورية للأطباء، ولكنها ضرورية بل وملحة أكثر لصحة ومستقبل هذا الوطن.