ألا زال شعرُك سياسيًا؟
رحلتي الأولى إلى فيرجين جوردا في وقت سابق من هذا العام كانت وقتًا من المتعة والاسترخاء. بعد التعامل مع الدمار الذي خلفه إعصار هيوجو. قررت مع ثلاث صديقات أن نلتقي في مكان ما من الكاريبي لنضي – إجازة أعياد الميلاد. وحسب أسفاري الشخصية ولأغراض العمل بدت فيرجين جوردا الموقع المثالي لذلك. وهي على بعد أقل من ساعة بالطائرة من حيث أعيش.
غادرنا أنا وصديقتي وهي امرأة سوداء أخرى من سانت كروا، الطائرة في تورتولا لإنهاء معاملات الجمارك في مطار بيف أيلاند وأسعدني أن أكون سائحة على سبيل التغيير، فتطلعت إلى إمضاء إجازة رائعة, مخلفة ورائي مشاكل ما بعد الإعصار لأيام قليلة. وكان الصباح مشرقًا ومشمسًا وفي حقائبنا حملنا ديكًا روميًا مجمدًا مع الزينات التي سنزين بها المنزل الذي استأجرناه .
كانت المرأة السوداء في زيها المكوي بعناية والجالسة خلف مكتب الجوازات أصغر مني سنًا, وقد صفف شعرها بعناية لا شائبة فيها. وبينما سلمتها بطاقة الدخول التي أنهيت ملأها, نظرت إلي مبتسمة وقالت “من يصفف شعرك؟“
كنت وصديقتي المسافرات الوحيدات إلى فيرجين جوردا، وككاتبة سوداء أسافر كثيرًا، سبق لي أن سئلت السؤال نفسه مؤخرا مرات عدة. وبينما فكرت أننا على وشك بـدء واحدة من هذه النقاشات حول طريقة تصفيف النساء السوداوات لشعرهن والتي تنخرط فيها بشكل عابر في طوابير السوبر ماركت والحافلات وفي المغاسل أخبرتها بأنني قد صففت شعري بنفسي وإجابة على سؤال إضافي شرحت لها كيف قمت بذلك.
وعلى غير توقع مني فوجئت بها تقول وهي لا تزال مبتسمة “حسنًا، لا يمكنك أن تأتي إلى هنا وشعرك مصفف هكذا، يفترض بك أن تعرفي هذا” تم مدت يدها لتختم بطاقة الزائر بختم “غير مسموح بالدخول“.
قلت بسرعة “لم أكن أعرف، وسوف أغطيه“، وسحبت منديلي. فأجابت “لن يشكل هذا أي فرق.
الطائرة التالية العائدة إلى سانت كوروا ستقلع في الخامسة هذا المساء“. وفي هذه اللحظة حاولت صديقتي التي جمعت شعرها بشريطة أن تتدخل لمساعدتي، وتساءلت “ما المشكلة في شعرها؟ وماذا بالنسبة لشعري ؟“
“إن شعرك لا مشكلة فيه؟” قالت الموظفة وأردفت “إن هذه مجرد تصفيفة للشعر“.
“ولكن تصفيفتي هي مجرد تصفيفة أخرى أيضًا“. اعترضت ولازلت غير مصدقة أن هذا يحدث لي. فقد سافرت بحرية حول العالم، والآن في بلد كاريبي, ثمة امرأة سوداء, تخبرني بأنني لا أستطيع دخول بلادها بسبب الطريقة التي أصفف بها شعري؟
قالت الموظفة “ثمة قانون لدينا ينص على أنه لا يمكنك أن تأتي إلى هنا على هذا الشكل“.
لمست ضفائري الطبيعية التي كنت فخورة بها. فمنذ عام مضى – قررت أن أتوقف عن قص شعري وأن أجدله كإعلان عن نمط شخصي – تمامًا كما أنني قد صففت شعري بشكل أفريقي طبيعي لمعظم سنوات عمري كامرأة ناضجة. وتذكرت موضوع غلاف لمجلة “Essence” في بداية الثمانينات ألهمني واحدة من أكثر قصائدي شعبية وهي “هل تصفيفة شعرك سياسية؟“
“لا يمكن أن تكوني جادة ,” قلت للموظفة وتابعت “لماذا إذًا لم أعرف بهذا من قبل؟ في أي من معلومات السائح الخاصة بكم يوجد النص على أن النساء السوداوات مسموح لهن بتصفيف شعرهن بطرق معينة فقط في بلادكم؟ ولماذا ينبغي علينا أن تلتزم بذلك؟“
كانت ابتسامتها قد اختفت الآن، وأجابت بعصبية كان هذا القانون قائمًا طوال خمس سنوات“. ولاحظت أنها كانت جادة تمامًا عندما رأيت حقائبنا يتم إنزالها من الطائرة ويتم تحضيرها للذهاب معنا.
ولكن كيف كان يمكن لي أن أعرف؟” اعترضت وأنا أتخيل وليمة إجازتنا تسيح على الأسفلت, وأصدقاؤنا القادمون من نيويورك يتساءلون عن مكاننا، ومضيفتنا تنتظرنا لتوصلنا إلى منزلنا المطل على البحر, دون جدوى.
“لقد قرأت أنه لا يمكنني أن آتي بالمخدرات إلى جزر فيرجين البريطانية. وقرأت أنني لا يمكنني البحث عن وظيفة فيها. قرأت عن كل شيء لا يمكنني فعله في جزر فيرجين البريطانية، ولكن كيف يمكن للسائحات السوداوات أن يعرفن أننا لا يمكن أن يكون لنا جدائل؟ أم أنكم لا تريدون سائحات سوداوات؟“
كنت أمير غيظًا في هذه اللحظة بالرغم من الشمس الحارة بالخارج ومن الوجه الداكن في مواجهتي تملكتني الحيرة للحظة عن حيث كنت هل أنا في ألمانيا النازية؟ إسبانيا الفاشية؟ جنوب إفريقيا العنصرية؟ واحد من هذه الأماكن حيث لعقود طويلة أقصى – البيض السود بسبب مظهرهم؟ ولكن لا، لقد كانت امرأة سوداء في الكاريبي هي من تخبرني أنني لست مقبولة كسائحة في بلادها، ليس لأي شيء فعلته، ولا حتى بسبب من أكون, ولكن بسبب الطريقة التي أصفف بها شعري. وشعرت بأني أتجمد حتى النخاع.
في هذه الأثناء أتى الطيار الأبيض ليرى لأي سبب تأخرت رحلة طائرته وتساءل “ما الذي تعنيه بأن ذلك بسبب شعرها؟ وفي النهاية أتى مشرف بالجوازات وطلب مني أن أملاء بطاقة دخول أخرى.
“لماذا لا يمكنني الذهاب إلى فيرجين جوردا؟” سألته. “لقد كنت هناك من قبل، وما المشكلة في شعري؟ إنه ليس غير صحي، ولا هو غير نظيف، ولا هو غير أخلاقي، وهو ليس بالتأكيد غير طبيعي! “
نظر المشرف إلى جدائلي المحبوكة بعناية وقد وصلت إلى أذني, ثم سأل “هل أنت من الراستافاريين؟“. وأخيرًا ظهر لي أن هذا ما كان الأمر يدور حوله. إنه لم يسألني إن كنت قاتلة. ولم يسألني إن كنت أتجر بالمخدرات، أو إن كنت عنصرية، أو عضوة بالكوكلوكس كلان. بدلاً من ذلك سألني إن كنت من أتباع ديانة الراستا.
البعض يرى التمرد والثورة عندما يرى الشعر المجدول. ولأن أتباع الراستا يدخنون الماريجوانا كأحد طقوسهم الدينية، فإن البعض يرى تلقائيًا متعاطي مخدرات عندما يرى الجدائل. ولكن هؤلاء الذين يهربون المخدرات عبر الكاريبي لا يجدلون شعورهم، وإنما يرتدون بذلات رسمية، ويحملون حقائب أعمال أو حقائب دبلوماسية, وعادة لا يواجهون أي مشكلة في كل عبور لهم للجوازات.
حدقت بهذا الشاب الأسود الجاد للحظة. وفجأة أصبح شعري سياسيًا للغاية. وتملكتني موجات من الفرع. كم من أشكال الاضطهاد الديني سوف نمارسه على بعضنا البعض كسود باسم الأمن العام؟ ولنفترض أنني كنت من الراستا؟ ماذا إذًا؟ لماذا يعني هذا تلقائيًا أنه ليس بإمكاني أن أمضي – إجارتي في فيرجين جوردا؟ هل سيجعل من نقودي كسائحة غير قابلة للصرف ؟ ماذا لو أنه سألني إن كنت يهودية؟ من الكواكر ؟ بروتستانتية؟ كاثوليكية؟ ما الذي تعلمناه من صفحات التاريخ الدامية وهل ابتلينا حقًا بتكرار هذه الأخطاء؟
كان ثمة ألم بقلبي. وأردت أن أقول “وماذا بهم إن كنت من الراستافاريين أو لم أكن منهم؟” ولكنني رأيت حقائبنا متروكة تحت الشمس بالخارج، والطيار يعود ببطء إلى الطائرة. وفي أعماق قلبي فكرت أنه دائمًا السؤال ذاته أين تبدأ في أخذ موقف؟ ولكنني تراجعت وأجبته “لا، لست من الراستافاريين“. وهذه هي الحقيقة ولكن عميقًا داخلي شعرت بأنه قد طُلب مني إنكار جزء من ذاتي, وشعرت بتضامن مع إخوتي وأخواتي الراستافاريين لم أكن مدركة له من قبل.
“هل شعرك لا يزال سياسيًا؟“
أخبرني عندما يبدأ بالاشتعال.1
ختمت بطاقة زيارتي بخاتم السماح بالدخول, ووضعت حقائبنا مرة أخرى على الطائرة، وواصلنا رحلتينا، متأخرتين لعشرين دقيقة. وبينما انزلقت الطائرة إلى نهاية مدرج الإقلاع نظرت خلفي إلى مطار بيف آيلاند. على هذه الجزيرة الصغيرة وجدت مثالاً آخر لاستخدام السود كأداة إدانة لسود آخرين. مستخدمين أسلحة أعدائنا ضد بعضنا بعضًا، بأن نحكم على بعضنا وفق لون بشرتنا, تصمیم أزيائنا، وطريقة تصفيفنا لشعورنا. إلى متي سنسمح لأنفسنا كنساء سوداوات بأن نستخدم كأدوات قهر ضد بعضنا البعض؟
على جزيرة كاريبية سوداء، نظرت امرأة سوداء إلى وجه امرأة سوداء أخرى ووجدتها غير مقبولة. ليس بسبب شيء فعلته، وليس لمن تكون، ولا حتي بسبب ما تعتقد فيه. ولكن بسبب مظهرها. ما الذي تعنيه ممارسة السود لهذا النوع من كراهية الذات تجاه بعضهم بعضًا ؟
كانت الشمس لا تزال ساطعة، ولكن بطريقة ما بدا اليوم أقل إشراقًا.
سانت كروا، جزر فيرجين
العاشر من يناير، ۱۹۹۰