هل تساءلت في يوم من الأيام لماذا كانت أمنا ….. غولة ؟
نعرف جميعا أن آدم هو أول الخلق، خلقه الله تعالى ليعمر الكون، وبالطبع كان بحاجة إلى حواء لتنفيذ هذه المهمة. وكما تعرف خلقت حواء من ضلع آدم ولكنها سرعان ما حثته على الخطيئة ليعاقبا سويا ويهبطا من السماء إلى الأرض… إلى الأبد! ولكن ما قولك أن حواء لم تكن هي أول أنثى خلقت لتعمر الأرض مع آدم؟
تقول الأساطير1 وفقا للعهد القديم ومخطوطات البحر الميت (إشعيا 14: 34) أن أول أنثي خلقت كانت ليليث، التي شكلت من طين مثلها مثل آدم ونفخ الله فيها من روحه مثلما نفخ في روح آدم. ومن ثم صارت ليليث تتعامل مع آدم بندية ومساواة، بل ورفضت الامتثال لأوامره .. كما يقال أنها رفضت أيضا الوضع الذي يكون فيه آدم فوقها في الفراش. أدى احتداد الوضع إلى هروب ليليث إلى شبه جزيرة سيناء رافضة رفضا باتا أي محاولة للصلح أو العودة إلى ديكتاتورية آدم. أحسن آدم من ناحيته بالغربة والوحدة الشديدتين وشكا لربه حال ليليث“المايل” فقام الرب بإرسال ملائكة ثلاثة، وهم سانغي وسانساني وسمنغالف، لإقناع ليليث بالعودة إلى صوابها و“لم الدور“. حاولت الملائكة إقناع ليليث بالعودة إلى آدم بالحسنى ولكن حينما أصرت على رفضها هددوها بأن تتحول كل ذريتها إلى وحوش نافرة. دبت ليليث بقدميها على الأرض وأصرت على موقفها فهددوها بموت أول مائة من سلالتها كل يوم وبأن تتحول هي أيضا إلى وحش قبيح وأن يعطي الشعر كل جسدها وتتحول جدائلها إلى ثعابين وأن يطول ثدياها حتى يصلا إلى ركبتيها.
لم يؤت التهديد بثماره مع ليليث التي دفعت ثمن إصرارها على موقفها غاليا لتتحول إلى وحش أسطوري تختلف كينونته من قارة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى، مع تواجده في معظم الحضارات. فنجدها وقد أصبحت مصاص الدماء في الثقافات الأوروبية، وحشي الليل الأسطوري الذي يعيش على دماء ضحاياه. أما في الأساطير البابلية والسومرية واليهودية، فتتحول ليليث إلى عشتار أو عشتروت أو الجنية التي تفتن الرجال أثناء احتلامهم وتقتل الأطفال الرضع، وهو تفسير الظاهرة المعروفة بمتلازمة موت الرضع أو Infants Death Syndrome. ولهذا كانت الأمهات يضعن تعويذة لحماية أطفالهن من هذا الوحش الذي يقتات على أرواح ذرية آدم وحواء. أما في أساطير شمال أفريقيا، وعندنا، فتعرف ليليث بأمنا الغولة، لأنها فعلا أم البشر الأولى التي أصبحت غولة.
توضح الأسطورة بشكل أو بآخر أن محاولة ليليث الحصول على المساواة مع آدم ورفضها للخضوع إلى نزعته السيادية باءت بالفشل، فبعد هروب ليليث وإصرارها على عدم الرضوخ لتهديدات الملائكة الثلاثة خلقت“حواء” ولكنها خلقت من ضلع آدم ولم تخلق من طين مثل ليليث لكي لا تطالب بالمساواة. حواء، المرأة المطيعة الراضخة المستكينة، هي نفسها حواء التي رضخت لغواية إبليس، وفقا للأسطورتين اليهودية والمسيحية لا الإسلامية كما يعتقد الكثيرون، وأقنعت آدم بالأكل من الشجرة المحرمة، وارتكاب الخطيئة الأولى التي أدت إلى لعنة البشر والهبوط بكل من آدم وحواء لينفذا ما خلقا لأجله وهو تدمير الأرض… أقصد تعميرها !
ويبقى سؤال: هل لو كانت ليليث قد بقيت مع آدم هل كانت سترضخ هي الأخرى لغواية الشيطان والأكل من شجرة المعرفة أم أن قوة شخصيتها، وعزيمتها الواضحتين، كانتا ستحولان بينها وبين الغواية؟ هل كانت ليليث لتنجح في درء الخطيئة عن البشرية وتحويل مصيرها؟ … ربما! ولكن المؤكد هو أن المرأة كانت ولا زالت على مر التاريخ تدفع ثمن استقلالها واعتدادها بنفسها غاليا لتصبح وحشا قبيحا يخشاه الأطفال والرجال وتفرع منه الأمهات!
2- ترجع هذه الأسطورة إلى أصول تاريخية قديمة جداً، فهي تتصل ببابل القديمة، حيث كان الساميون القدماء يتبنون مجموعة من المعتقدات الخاصة بأجدادهم السومريين، كما ترتبط بأكبر أساطير الخلق. هناك روابط متينة تلصقها بالثعبان، إنها بقايا ذكريات طقس قديم جداً كرّم أكبر إلهة سميت كذلك بـ“الثعبان الأكبر” و“التنين“، القوة الكونية للخلود الأنثوي، والتي عُبدت من خلال هذه الأسماء: عشتروت Astarté، أو عشتار Istar our Ishtar ميليتا Mylitta، إنيني أو إينانا Innini ou Innana”.