أوروبا الشرقية منذ بدايات القرن العشرين حتى الآن

التصنيفات: غير مصنف

المنهجيات والمنظومات والمصادر

لدراسة النساء والثقافات الإسلامية المداخلات تبعا للموضوع

أوروبا الشرقية

منذ بدايات القرن العشرين حتى الآن

تميزت أوروبا الشرقية في القرن العشرين بعدة سمات، وهي الحروب، وعشرات السنين من حكم الأنظمة الشيوعية/ الاشتراكية، والبناء المستمر للدولة القومية. وقد أثرت هذه الأحداث تأثيرًا عميقًا في الناس، كما أثرت في جمع وحفظ السجلات العامة والقدرة على المقارنة بينها عبر الأزمنة. وفي القرن العشرين، انصب اهتمام الباحثين في أوروبا الشرقية على الهياكل السياسية والتواريخ القومية والسياسات الاقتصادية. وفي أفضل الأحوال، لم تشغل الموضوعات المتعلقة بالنساء إلا مرتبة ثانوية بين اهتمامات الأبحاث في أوروبا الشرقية في الفترة ما بين ۱۹۰۰ ۱۹۹۰م. بل إن البحث في الثقافات الإسلامية شغل مرتبة أقل من ذلك في أوروبا الشرقية، ما عدا في البوسنة. لكن العقد الأخير من القرن العشرين شهد تفكك النظم الشيوعية ونهضة الدول ذات النزعة القومية المحافظة، مع نشوب حروب في البوسنة وكوسوفا شهدت فيها الثقافات الإسلامية صحوة وتجدد ظهورها. وقد فتحت مجتمعات أوروبا الشرقية صدورها فجأة للبحوث رغم ما شهدته من أعمال عنف، وانعكس الاهتمام الدولي المتزايد بدراسات المرأة إلى أبحاث تناولت كيفية تأثر مكانة النساء في أوروبا الشرقية وصلاح أحوالهن الاجتماعية ببرامج حركات الإصلاح التي حلت بعد أفول شمس الاشتراكية والحركات الاجتماعية المحافظة، وكيفية تعامل النساء مع ما شهدته تلك الفترة من حالة عدم استقرار متشددة.

لقد نشأت أوروبا الشرقية جزئيًا نتيجة للحرب الباردة كمجموعة تضم البلدان التي تقع ما بين الغرب والاتحاد السوفييتي السابق، لكنها كانت قبل ذلك تدور في فلك الاتحاد السوفييتي أو تقع في ظله. وحيث أن الأمر كذلك، لم ينل التنوع الكبير في الإقليم حق قدره، بما في ذلك تأثير الإسلام.

لقد دخل الإسلام إلى جنوب شرق أوروبا للمرة الأولى مع الجيوش العثمانية والمبشرين الصوفيين في نهايات القرن الرابع عشر وبدايات القرن الخامس عشر. وجاء بعض المستوطنين المسلمين إلى البلقان مع القوات العثمانية، خاصة إلى بلغاريا ومقدونيا، إلا أن الأهم هو أن شعوب البلقان المحلية اعتنقت الديانة الإسلامية تدريجيًا، خاصة من البوسنيين والألبانيين في غرب البلقان، وفي جميع أنحاء المنطقة أيضًا. وقد شغل رجال الدولة المسلمين ذوو الأصول البوسنية والصربية والألبانية والبلغارية منصب الصدر الأعظم في البلقان، وهو أعلى منصب مدني في الإمبراطورية. لكن مع أفول الإمبراطورية العثمانية، هبطت مكانة المسلمين في البلقان. وفي القرن التاسع عشر، استقلت اليونان أولاً عن الإمبراطورية العثمانية، وتبعتها صربيا وبلغاريا ورومانيا لتصبح دولاً مستقلة، بينما استولت إمبراطورية النمسا المجر على البوسنة. وقد شهدت تلك الفترة عمليات تهجير إجباري، ومذابح وطرد للمسلمين إلى المنطقة التي صارت تركيا فيما بعد، لأن معظم دول البلقان الجديدة كانت تعتبر وحدات عرقية ترتبط معًا باللغة وبشكل من أشكال المسيحية، أما ألبانيا والبوسنة فكانتا استثناء من هذا الوضع. فقد بقي مسلمو ألبانيا في غرب البلقان وشكلوا 70% من دولة ألبانيا، أما معظم مسلمي البوسنة، وهم أنفسهم من أصل سلافي، فقد ظلوا في بلدهم، رغم أن الكثير من النخبة قد غادروا البلد إلى إسطنبول. كما بقيت أيضًا طوائف من المسلمين الأتراك الذين شكلوا مجتمعات محلية، خاصة في بلغاريا، بالإضافة إلى المسلمين السلوفاك، مثل طائفة بوماكفي بلغاريا، وطائفة روماالذين كان الكثيرون منهم من المسلمين.

وهكذا يمكننا القول بأن جنوب شرق أوروبا بأسرها تأثرت بالثقافة الإسلامية خلال القرون الخمسة التي ساد فيها الحكم العثماني، لكن ألبانيا وبلغاريا ويوغوسلافيا السابقة هي أكثر بلدان هذه المنطقة تأثرًا بالثقافة الإسلامية، حيث ما زالت بها طوائف كبيرة من المسلمين. وتكشف أوجه التشابه والاختلاف بين أوضاع النساء في هذه المناطق عن الكثير من الأمور، كما أن البحوث التي تتناول النساء في بلدان أوروبا الشرقية المحيطة بهذه المناطق تتكامل معها وتطرح اتجاهات للبحوث (Gal and Kligman 2000). وقد اعتادت الكثير من بلدان أوروبا الشرقية العيش في عزلة تامة عن بعضها البعض، لكن بلدان هذه المنطقة شهدت تطورات في العقد الأخير من القرن العشرين جعلتها أكثر انفتاحًا على بعضها البعض من خلال التجارة وتدفق المهاجرين والجريمة وأيضًا من خلال المؤتمرات والمجموعات الإقليمية المختارة من البحوث.

إن المجتمعات البلقانية مجتمعات أبوية إلى حد بعيد، والكثير من مناطقها الريفية ما زالت فيها الأسرة الأبوية الممتدة التي يعيش فيها الزوجان مع أقارب والد الزوج. وكانت الأسرة الممتدة في السابق هي النمط السائد في البلقان، ولما فرقتها الضغوط السياسية والاقتصادية استمرت الكثير من العلاقات المتبادلة بين أفراد العائلات من هذه الأسر الممتدة. ونجد لدى سيميتش (Simic 1983) تأكيدًا مقنعًا لوجود نظام أمومي مستتر في الأسرة اليوغوسلافية التقليدية، بمعنى أن الأمهات يكتسين سلطة مع تقدم العمرة إذ يحظين بمكانة معنوية رفيعة بسبب تضحياتهن من أجل أطفالهن، كما أن الارتباط العاطفي بين الأمهات وأبنائهن الذكور أقوى نسبيًا من غيره من العلاقات الثنائية. وهو وضع منتشر في ألبانيا وفي بلغاريا أيضًا، لكنه لا ينفي البنية الأبوية العامة للمجتمعات. ومن المشكلات المطروحة للبحث حاليًا تحديد جوانب القوة أو الضعف أو التغير التي ألمت ببنية الأسرة في غضون التحولات التي شهدتها هذه المنطقة في النصف الأخير من القرن العشرين.

تأسست المنظمات النسائية للمرة الأولى في جنوب شرق أوروبا في نهايات القرن التاسع عشر، وازداد عددها في صربيا والبوسنة في عشرينات القرن العشرين. لكن النساء لم يحصلن على حق التصويت إلا بعد الحرب العالمية الثانية. وفي ظل النظام الاشتراكي، كانت المساواة بين الرجال والنساء مبدأ أيديولوجيا، وحدثت تطورات كبيرة في هذا المجال، لكن لم تتحقق المساواة الفعلية بين الرجال والنساء في فرص العمل والتعليم، والسلطة السياسية والمكانة الاجتماعية. لكن النساء خطون في تلك الفترة خطوات معتبرة في مجال الأوضاع القانونية ومحو الأمية والرعاية الصحية والتوقعات الاجتماعية. لكن منذ تسعينات القرن العشرين، تقلصت مشاركة النساء الفعلية في السياسة، وواجهت الحقوق الإنجابية التي حصلن عليها في ظل النظام الاشتراكي معارضة، إن لم تكن قد أسقطت.

ولم يحظ مسلمو البلقان إلا بقليل من الاهتمام في سياق الأبحاث عن الإسلام، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنهم قد اعتنقوا الإسلام بعد أن أنشئت المؤسسات الإسلامية الرئيسية. ومما دعم هذا الإهمال أن جميع الدول القومية البلقانية في القرن العشرين، من الممالك الهشة التي وجدت في بدايات القرن، إلى الدول الاشتراكية / الشيوعية التي نشأت في الخمسين سنة التالية، قد ازدرت ماضيها العثماني. وفيما عدا البوسنة، عاملت كل هذه الدول الإسلام كخطأ ارتكب في الأزمان الغابرة، كما عاملت المسلمين كما لو كانوا يعانون من وجود إشكالية في بنيتهم الأيديولوجية القومية. وسعت هذه الدول إلى الابتعاد عن ماضيها العثماني في سياق طموحها للتحول إلى جزء لا يتجزأ من أوروبا.

اهتمت معظم البحوث الأكاديمية في الفترات المبكرة من القرن العشرين اهتمامًا شديدًا بالحروب والنمو السياسي للدول القومية. ورغم أن المصادر الموجودة في أرشيفات هذه الفترة لم تستغل بالقدر الكافي، إلا أنها لا تحتوي إلا على معلومات نظامية شحيحة عن نساء الأقليات المسلمة.

يمكن للباحثات والباحثين المبدعين أن يستمدوا معلومات من السجلات الحكومية الرسمية كسجلات التعداد السكاني وسجلات المدارس والصحة، ففي بعضها بيانات موزعة حسب الجنس في يوغوسلافيا السابقة وبلغاريا وإلى حد أقل في ألبانيا. وقد خضعت ألبانيا وأجزاء من يوغوسلافيا السابقة لحكم الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية طوال العقد الأول من القرن العشرين. لذا فهي تضم سجلات التعداد الذي أجرته الإمبراطورية العثمانية في عام ۱۹۱۰م، وكذلك يضم أرشيف فيينا بيانات ثمينة عن الشعوب المسلمة التي سكنت البلقان في هذه الفترة.

وتوفر مجموعات المواد القانونية والوثائق القانونية والجرائد المحلية وروايات الرحالة والمذكرات الشخصية والروايات الأدبية واليوميات والصحف النسائية مزيدًا من المصادر الهامة للمعلومات والتعليقات على أحوال النساء. فالصحف التي كانت تصدرها الجاليات التركية في بلغاريا، ومعظمها باللغة التركية العثمانية، مصدر للمعلومات عن اهتمامات هذه الجالية وممارساتها. والجرائد والمجلات المحلية من المصادر الغنية بشكل خاص بالتعليقات على صحة النساء وتعليمهن واهتماماتهن السياسية والقانونية، لا سيما المجلات النسائية، مثل جينسكي بوكريت (Zenski Pokret) التي أصدرتها جمعية تنوير المرأة والدفاع عن حقوقها في بلغراد سنة ۱۹۱۹م، ثم في سراييفو في وقت لاحق من نفس العام (Emmert 1999).ومن مجالات البحث الحالية تاريخ المنظمات النسائية في كل من هذه البلدان.

ومع وجود الكثير من النساء الأميات واللاتي يعشن في المناطق الريفية تزداد قيمة روايات الرحالة من النساء خلال هذه الفترة، فقد سجلت الكاتبة الإنجليزية ريبيكا وست الرحلات التي قامت بها إلى يوغوسلافيا السابقة في عام ١٩٣٩م وذلك في كتابها الحمل الأسود والصقر الرمادي (Rebecca West, Black Lamb and Grey Falcon)، رغم ما فيه من ميل قوي نحو النزعة القومية الصربية. كما نجد أن إيديث درام، وهي رحالة إنجليزية أخرى، والتي ارتادت في فترة أسبق المناطق التي تحولت في العقدين الأولين من القرن العشرين إلى يوغوسلافيا وألبانيا، كتبت عدة نصوص، منها كتاب صدر عام ١٩٢٧م عن ألبانيا العليا (Edith Durham, High Albania 1927).وشاركت إيديث درام أيضًا في التخفيف من ويلات الحرب في مقدونيا وألبانيا ومونتنيغرو (الجبل الأسود)، وفي قضايا الحدود في شمال وجنوب ألبانيا، فمارست ضغوطًا ناجحة في بريطانيا لصالح ألبانيا.

ومن مصادر البيانات الأخرى عن هذه الفترة مجموعات المأثورات الشعبية (الفولكلور)، حيث توجد في متاحف النسجيات في أمريكا الشمالية وأوروبا أعمال تطريز وثياب زفاف ترجع إلى هذه الفترة. كما أن كاتالوجات الصور الفوتوغرافية التي التقطت لمختلف الجماعات العرقية في الإمبراطورية العثمانية المتأخرة تحتوي على توثيق قيم للاختلافات بين أزياء مختلف الجاليات والطوائف العرقية والدينية. وقد أجرى ميلمان باري وآلبرت لورد (Milman Parry and Albert Lord) قسطًا كبيرًا من بحثهما عن منشدي الملاحم اليوغوسلافيين وسط المسلمين في إقليم ساندجاك الصربي وفي البوسنة والهرسك، وتشمل مجموعاتهما المحفوظة في جامعة هارفارد مئات من الأغاني لنساء هذه المنطقة. كما أسهم هوكسوورث إسهامًا قيمًا في هذا المجال بكتابه أصوات في الظلال، والذي تناول فيه النساء والفن اللفظي في الصرب والبوسنة في هذه الفترة وما قبلها (Hawksworth، Voices in the Shadows 2000).ويكمن التحدي في وضع هذه الأغنيات والثياب في سياق نسيج الحياة اليومية ومعانيها.

كما أن سجلات المدارس عن طاقم المعلمين والمعلمات والطلبة والطالبات، والكتب الدراسية المقررة، تقدم كلها معلومات عن الحالة التعليمية وسياسات الحكومة والهياكل الاجتماعية، لا سيما المعلومات الدالة على قبول أو استبعاد المسلمين من مختلف الجماعات العرقية، ومستوى مشاركة الفتيات كطالبات وتوظيف النساء كمعلمات. وهذه السجلات التعليمية مصادر رئيسية لفهم العلاقة بين مسلمي بلغاريا ذوي الأصول التركية وحكومة صوفيا (Simsir 1988).والمهم هنا ليس مجرد دراسة مشاركة النساء في العملية التعليمية بل دراسة عدم مشاركتهن فيها أيضًا.

لكن وثائق مسلمي شعوب غرب البلقان منيت بخسائر فادحة بسبب الدمار الذي لحق بالآثار والأرشيفات الإسلامية في الحروب التي نشبت في البوسنة وكوسوفا في تسعينات القرن العشرين. ومن هذه الخسائر الجسيمة الدمار الذي أصاب معهد الدراسات الشرقية في سراييفو، الذي كان يمتلك مجموعة شهيرة من وثائق ومجلات مسلمي البوسنة، وقد كان هذا المعهد هدفًا لهجوم مباشر دمره تدميرًا، كما دمرت العديد من المساجد الكبرى مثل مسجد بانيا لوكاوفوتشا، والمدارس الدينية، والجسر العثماني الشهير في موستار، ومقابر المسلمين. وفي عام ۱۹۹۹م، نقلت سجلات بلدية كوسوفا إلى مكان آخر، ودمر مسجد ثالث من مساجدها.

انصب اهتمام الأبحاث في الفترة الاشتراكية على التغير الاشتراكي والاقتصاد السياسي. ففي هذه الفترة، سادت في ألبانيا وبلغاريا ويوغوسلافيا نظم شيوعية تحت قيادة زعماء اعتلوا كراسي الحكم لفترات طويلة (هوكسها، وجيفكوف، وتيتو)، وسلكت كل منها سبيلاً مختلفًا إذ أصبحت ألبانيا دولة ستالينية منعزلة، وظلت بلغاريا أشد البلدان الثلاثة ولاء للاتحاد السوفييتي، بينما تحولت يوغوسلافيا إلى إحدى دول عدم الانحياز. واتسم المجتمع اليوغوسلافي بالانفتاح أكثر من أي مجتمع آخر في أوروبا الشرقية. لكن ظلت بين الدول الثلاثة أوجه شبه هامة فيما يخص النساء والديانات. فقد تفاوت توصيف الدين ما بين وصفه في ألبانيا بأنه أفيون الشعوبوفي يوغوسلافيا بأنه شأن خاص، قلل القادة الشيوعيون في جميع هذه البلدان من شأن الدين بطرق مباشرة أو غير مباشرة. كما أن انتماء الكثير من المسلمين أيضًا إلى أقليات عراقية جعل لهم هويات مزدوجة، إذ كان أكثر مسلمي بلغاريا من أصول تركية، وأكثر مسلمي الصرب من أصول ألبانية. وقد أعلنت كل النظم الشيوعية مبدأ مساواة النساء بالرجال كجزء من الأيديولوجية الشيوعية، لكنها كانت مساواة مفروضة من أعلى. ومن أهم مجالات البحث التي تتناول الفترة الشيوعية هي محاولة فهم التحسينات والقيود والأعباء التي أتت بها هذه النظم الاشتراكية وأثرت بها على حياة النساء، وقد قامت معظم هذه الدراسات بأيدي الأجانب، مثل سكوت (Scott 1976)، ورامیت (Ramet 1984)، وولتشيك وماير Wolchik and Meyer 1985)، وكورين (Corrin 1992)، لكن الباحثات والباحثين البلقانيين أضافوا إليها جهودهم منذ سقوط الشيوعية.

ومصادر الأبحاث عن النساء أثناء الفترة الاشتراكية أكثر تنوعًا من الأبحاث عنهن في الفترة السابقة عليها، إذ تتوفر عن هذه الفترة بيانات رسمية موزعة حسب الجنس. وتوجد في كل البلدان بيانات رسمية عن الإنجاز الدراسي للبنات والنساء، خاصة محو الأمية، لكن هناك أيضًا بيانات عن اللاتي أتممن دراساتهن حتى الصف الثامن، وعن المعلمات. وارتفاع مستوى محو الأمية من الإنجازات الحقيقية التي حدثت تحت حكم النظم الاشتراكية.

كما توجد بيانات رسمية عن الصحة توضح تزايد توقعات سن الحياة وانخفاض وفيات الأطفال، لكن اهتمامات الدولة بصحة النساء في يوغوسلافيا السابقة وبلغاريا تركزت أكثر على تناقص معدل المواليد. وفي خمسينات القرن العشرين، تدهور معدل المواليد في كل بلدان الكتلة الشرقية، ما عدا ألبانيا التي حظرت الإجهاض، ورومانيا التي ألغته. لكن النظرة المتفحصة ترينا أن التناقص الحاد في معدل المواليد بين أغلبية السكان ذوي الأصل السلافي لم يواكبه تناقص مماثل بين الأقليات السكانية، ومعظمها من المسلمين. ويتم الآن طرح تفسير مختلف لهذا التناقص في المواليد بين الأغلبية السكانية، يشمل أزمة المساكن ونقص فرص العمل. لكن النظم الاشتراكية تعاملت مع هذه المسألة وقتها من وجهة نظر أحادية باعتبارها من قضايا صحة المرأة. فوفقا لإنجلز (Engels) تسببت الملكية الخاصة في قهر النساء، ولذا ستتحسن نوعية العلاقات بين الناس تحت ظل الاشتراكية، ومن شأن هذا أن يؤدي إلى زيادة معدل المواليد. وقد تفاقمت مسألة الشقاق والاحتكاك العرقي المتزايد طوال العهد الاشتراكي بسبب الفارق في معدل المواليد، وقد بدأت هذه الاحتكاكات في نهايات خمسينات القرن العشرين في بلغاريا، وفي سبعيناته في يوغوسلافيا. ومن مجالات البحث الهامة القيام بدراسات شاملة عن الإنجاب أثناء الفترة الاشتراكية وديناميكيات الشقاق العرقي في هذه الفترة.

إن وسائل الإعلام العامة هي أيضًا من مصادر المعلومات عن النساء والثقافات الإسلامية، لكن الدولة كانت تتحكم فيها بصرامة في كثير من مناطق أوروبا الشرقية، وكانت الدولة في يوغوسلافيا تضبط عمل وسائل الإعلام. أما الأفلام والأعمال التليفزيونية والروايات الدارجة والبرامج الإذاعية والأغنيات فتقدم كلها منظورًا عريضًا للأيديولوجيا القومية لهذا العهد. والمجلات الموجهة للنساء جديرة بالملاحظة، لكنها على عكس مجلات الفترة السابقة على هذه العهد كانت غالبًا جزءًا من الدولة، ما عدا يوغوسلافيا التي تمتع فيها محررو ومحررات المجلات النسائية بحرية كبيرة. وفي يوغوسلافيا في ثمانينات القرن العشرين، نشطت المنظمات النسائية في المناطق الحضرية، مثل منظمة جينا إي دروشتفو” (النساء والمجتمع) في مدينة زغرب، التي أسست منظمة تابعة لها في ربيع ۱۹۸۸م خطًا هاتفيًا ساخنًا لضحايا الاغتصاب، كان الأول من نوعه في أوروبا الشرقية.

وقد أجرى الباحثون والباحثات دراسات ممتازة في مجال عمل وتوظيف النساء في العهد الاشتراكي، رغم أن معظمهم يحلل البلدان الأكثر انفتاحًا، كيوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا والمجر. وقد دفعت سياسات الدول الاشتراكية الجديدة، مع نقص الرجال بعد الحرب العالمية الثانية، بالنساء إلى صفوف القوى العاملة في هذه البلدان التي احتاجتهن لخدمة الاقتصاد الصناعي الجديد. وبالفعل كثيرًا ما تم فهم تحرير النساء من منظور ضيق على أنه مشاركة النساء في القوى العاملة، دون التفات إلى العبء المزدوج الذي تفرضه عليهن الأعباء المنزلية. والسجلات المتباينة عن شغل النساء والرجال للمناصب القيادية، وعضوية كل نوع في الأحزاب، وفي برامج الأعمال المهنية والتلمذة الصناعية، وفي التعاونيات الريفية، كلها من مصادر الأبحاث المستمرة عن التحيزات القائمة وأنماط العمل في النظام الاشتراكي. ولابد من ملاحظة أن نساء جنوب شرق أوروبا قد حققن إنجازًا أفضل نسبيًا من نساء الكثير من بلدان الغرب، من حيث وجود خصص لمشاركة الإناث في المجالات السياسية، كما وصلت النساء أحيانًا إلى المناصب العليا في غير ذلك من مجالات العمل.

إن إشكالية المصادر التي تتناول المسلمين في الفترة الاشتراكية أكثر تعقيدًا من إشكالية المصادر التي تتناول النساء في نفس الفترة. فكما ذكرنا سلفًا، لم يندمج المسلمون بسهولة في النموذج الاشتراكي القومي، وحالة بلغاريا مثال على هذا. فبعد ١٩٥٦م، توقفت بلغاريا عن جمع بيانات رسمية عن الجماعات العرقية التي كان معظمها من المسلمين. فحيث أن الجميع قد قدر لهم اكتساب الجنسية البلغارية، لم تجد الحكومة ضرورة للاحتفاظ بمثل هذه البيانات. لكن التناقص المستمر في تعليم اللغة التركية بالمدارس، وإرغام البوماك والأتراك على اتخاذ أسماء بلغارية سلافية، والحظر القانوني للختان، وتكرار هجرة المسلمين إلى تركيا، تمدنا بوثائق عن الطبيعة الإشكالية لهذه العملية. وفي ألبانيا، تعرض زعماء المسلمين والمسيحيين للسجن، ومات الكثيرون منهم في السجون أو في معسكرات العمل القسري. وصودرت أملاك الطوائف الدينية، واستخدمت مبانيها لأغراض أخرى. وقد أعلنت ألبانيا رسميًا في عام ١٩٦٧م أنها دولة ملحدة، متأثرة بالثورة الثقافية في الصين. ويمكن أن تساعد سجلات المحاكم على تفسير عملية المقاومة الفعلية وسلوك الدولة.

أما البوسنة في يوغوسلافيا فهي استثناء من هذا النموذج، إذ استمر الاهتمام فيها بالمسلمين الذين شكلوا ٤٠ بالمائة من سكانها في ستينات القرن العشرين. وقبل الحرب العالمية الثانية، تم اعتبار المسلمين طائفة دينية. لكن بعد الحرب، ومع علمنة الحزب الشيوعي وتزايد أهمية القومياتفي البوسنة، صار المسلمون رسميًا أمةوهي أعلى الفتات مكانة في التصنيف اليوغوسلافي (الأمة والقومية والجماعة العرقية)، وحملت أمتهم في عام ١٩٦٨م اسم مسلماني“. ومع نشوب الحرب في تسعينات القرن العشرين، ظهرت مشكلة الغموض المحيط بتعريف المسلمينكطائفة دينية أو كجماعة عرقية. أما الآن فالمصطلح العرقي الذي يصف المسلم البوسني هو بوشنياك” (Bosniak).أما إشكالية المسلمين الألبان أثناء الفترة الاشتراكية فهي إشكالية أكثر تعقيدًا، خاصة بين أبناء كوسوفا ومقدونيا.ولأسباب سياسية، انتقص التعداد السكاني من عددهم مرارًا وتكرارًا، رغم أنهم كانوا يسعون من جانبهم أحيانًا إلى تجنب إحصاء عددهم ضمن التعداد، الأسباب تتعلق بالضرائب أو التجنيد.

وقد خضعت مناهج البحث، مثلها مثل المصادر، للسيطرة أثناء الفترة الاشتراكية. وأجريت فيها دراسات سكانية إحصائية موسعة، لكنها إحصاءات لا يعتمد عليها من حيث البيانات الخاصة بالأقليات. وكانت المسوح الإحصائية واستطلاعات الرأي من مناهج البحث الشائعة، وفي رأي البعض أن سبب شيوعها أن لها مؤلفين متعددين، فكان من الأسلم للباحثين والباحثات أن يأخذوا بها أكثر من مناهج بحث الدراسات أحادية المؤلف. كما أجرى بعض الباحثين والباحثات المحليين دراسات إثنوغرافية، معظمها عن الفولكلور. ونظرًا لكون يوغوسلافيا هي الوحيدة التي تمتعت بقدر من الانفتاح، فقد أجرى بعض الباحثين والباحثات الأجانب ممن سمح لهم بالبحث في يوغوسلافيا دراسات إثنوغرافية موسعة، منهم هالبيرنز في صربيا ولوكوود في البوسنة. وفي نهايات ثمانينات القرن العشرين، أجرى دي جونغ وسيلفرمان أيضًا دراسات في بلغاريا، وراينيك في كوسوفا، بالإضافة إلى دراسة مشهود لها بالجودة أجراها الباحث الترويجي توني برينغا في عام ۱۹۹٥م عن هوية المسلمين من منظور النساء في قرية مختلطة بالبوسنة عن الإسلام على الطريقة البوسنية (Tone Bringa, Being Muslim the Bosnian Way 1995).ولكي يتمكن برينغا من إجراء هذه الدراسة في نهايات ثمانينات القرن العشرين، اضطر إلى التقدم بطلب لدراسة قضايا النساء القرويات، لأن الإسلام كان قد بات إشكالية عويصة في إطار السياسات القومية المتنامية في البلد. كما تتبع برينغا القرويين المسلمين عبر سنوات الحرب البوسنية، انتهاء باحتراق بيوتهم ووضعهم الجديد كلاجئين. وتوضح هذه الدراسة الحساسة عن الهوية قدرة الدراسات الإثنوغرافية على إلقاء الضوء على الحياة اليومية للناس والعلاقات في زمن التغيرات الكبرى.

 

إن عمليات الانتقال أو التحول على سبيل الدقة، من الأنظمة الاشتراكية لم تتم في نفس الوقت ولا بنفس المعدل في بلدان أوروبا الشرقية. وانصب جل اهتمام الأبحاث في هذا العقد على نمو الأحزاب القومية وعملية التحول الديموقراطي عبر أوروبا الشرقية، وعملية الخصخصة والانتقال إلى اقتصاد السوق، والصراعات العرقية وقضايا المهاجرين، وإعادة تقييم الفترة الاشتراكية. وتولت الأحزاب القومية اليمينية السلطة في ألبانيا وبلغاريا ويوغسلافيا السابقة، وهي أحزاب لم تضع اهتمامات النساء على رأس أولوياتها.

وشملت مصادر البحث عن النساء والثقافات الإسلامية خلال هذا العقد مصادر عن النساء والمسلمين أنفسهم في بلاد البلقان بدرجة أكبر مما كان مسموحًا به ذي قبل، لكن اهتمام الدولة بقضايا الجندر تناقص في فترة ما بعد الاشتراكية. أما مناهج البحث التي كانت محدودة جدًا في ألبانيا وبلغاريا أثناء الفترة الاشتراكية صارت أكثر انفتاحًا مع تقدم مناهج البحث الكيفية إلى مركز الصدارة. وهكذا نجد تواريخ حياة وتقارير مروية وحوارات مع طيف أوسع من الناس، لأن الناس أصبحوا أقل خوفًا من إجراء حوارات معهم وخفت القيود المفروضة على الباحثين والباحثات. ومن أمثلة المصادر الأصلية بحث بوست عن النساء في ألبانيا الحديثة: تقرير شخصي مباشر عن الثقافة والأحوال من ما يزيد على ۲۰۰ مقابلة (Post, Women in Modern Albania: Firsthand Accounts of Culture and Conditions from over 200 Interviews)، وهو بحث ما كان من الممكن لأحد محاولة إجرائه في العقد السابق على تسعينات القرن العشرين. إن معاهد البحث الموجودة في شرق أوروبا لديها ميزانيات محدودة، لكن أصوات باحثيها وقادتها مسموعة على نطاق عريض من خلال ما لديها من وسائل إعلام، ومن خلال مطبوعات المؤتمرات التي تكفلها الأمم المتحدة، والمطبوعات الغربية التي سعت إلى سماع الأصوات المحلية، مثل بحث ريني عن أرض آنا: الأخوة بين النساء في أوروبا الشرقية (Renne, Ana’s Land: Sisterhood in Eastern Europe) أو بحث كل من غال وكليغمان عن إعادة إنتاج الجندر: السياسة والعامة والحياة اليومية ما بعد الاشتراكية (Gal and Kligman, Reproducing Gender: Politics, Publics and Everyday Life after Socialism). وقد صار ذلك الكتاب من المقالات المختارة بالفعل نوعًا مميزًا من أجناس الدراسات في هذا العقد، وهو نوع يعزز وجهات النظر المحلية ويشكل أساسًا للدراسات المقارنة.

ورغم انفتاح المجتمع إجمالاً، تعرض الكتاب والكاتبات المحليون إلى التشهير بسبب نقدهم لأفعال دولهم القومية الجديدة، ومن أشهر تلك الحالات حالة الساحرات الخمس، وهن: رادا أيفيكوفيتش، وييلينا لوفريتش، وسلافنكا دراکولیتش، ودوبرافكا إوغريسيتش، وفيسنا كيسيتش، اللائي صرن هدفا للإساءة العلنية لهن على صفحات الصحافة في زغرب في عام ١٩٩٢م وما بعده بسبب وجهات نظرهن النسوية وهجومهن الصريح على كيفية تعامل الدولة القومية مع الاغتصاب (Kesic 1999). وتمثل عدة منظمات نسائية، مناهضة للحروب ومطالبة بالعدالة، نماذج لرد الفعل البديل تجاه تحركات حكومات دولهن القومية، أو تقاعس هذه الحكومات عن التحرك، بدءًا من الحركة النسائية ضد الحرب العالمية الأولى، حتى حركة نساء في السواد” (Women in Black) ببلغراد أثناء حرب البوسنة (Zajoviac 1997)، وحركة تحركن تحررنالمعروفة في زغرب بالحروف الأولى من اسم هذه الحركة باللغة المحلية (B. a. b. a – Budi aktivna, Budi emancipirana)، وحركة مترات فيريازي (Motrat Qiriazi) ومسيرة الخبز التي قامت بها نساء كوسوفا في عام ۱۹۹۸م. أما الجماعات التي تسعى إلى العدالة فهي مثل جماعة نساء سريبرينيتسافي البوسنة، ومركز كانديتش للقانون الإنساني في بلغراد. ومن شأن دراسة مقارنة عن القيادة والمشاركة والمشروعات والتفاعل المتبادل بين هذه المجموعات وغيرها من الجماعات المناهضة للحرب أن تحقق مزيدًا من الفهم في هذا المجال الذي تتجلى فيه بسالة النساء، وكيف يندرج مع حركة السلام بنطاقها الأوسع.

والمصادر التي تتناول التغيرات في العمالة توفر معلومات هامة عن تأثير الإصلاحات ما بعد الاشتراكية على النساء، وتشمل مصادر عن إغلاق المصانع المملوكة للدولة، كمصانع النسيج والمصنوعات الجلدية والتبغ حيث تتركز عمالة النساء، بالإضافة إلى تقلص الخدمات الاجتماعية التي تعمل بها الكثير من النساء، وتعتمد الكثيرات على خدماتها. وتقدم وسائل الإعلام المحلية تعليقات على هذه التغيرات. وفي سبيل دعم الدراسات الاقتصادية الكبيرة الأوسع نطاقًا، هنالك حاجة أيضًا إلى دراسة نظام المقايضة واقتصاد الأسواق الصغيرة وطرق التواؤم مع المصادر الشحيحة وردود أفعال النساء الريفيات تجاه الفترة ما بعد الإشتراكية بما حملته من تغيرات وما اكتنفها من عدم استقرار.

وتقدم السجلات الرسمية للحكومات الجديدة بيانات عن النساء فيما يتعلق بالعمالة والإنجاب والصحة والتعليم، لكن لابد من تفسيرها بحذر. فما معنى حسبان الناس في عداد العاملين بينما لم يتقاضوا رواتبهم منذ عدة أشهر؟ أو لماذا يتم أخذ مدرسة في الحسبان في قرية ألبانية لا يوجد بها معلمون لأنهم ذهبوا إلى اليونان بحثًا عن أجر يمكنهم من تغطية نفقات حياتهم؟ كما أن هذه السجلات الرسمية تتناول المسلمين أيضًا، فقد أجرت الحكومة البلغارية الجديدة تعدادًا سكانيًا في عام ۱۹۹۲م، وهو الأول منذ عام ١٩٥٦م، جمعت فيه معلومات عن الجماعات العرقية التي يتكون معظمها من المسلمين. ونجد أن رد الفعل العام على التعداد يكشف لنا أيضًا عن الكثير، بما في ذلك الاحتجاج ورفض قبول أعداد أبناء طائفة بوماكممن عرقوا أنفسهم بأنهم أتراك، ومن الواضح أنه من الضروري إجراء دراسات مستمرة عن العلاقات بين الجماعات العرقية في هذه البلدان.

وكما هو الحال في عهد الاشتراكية، ظلت المسوح الإحصائية هي الشكل الغالب على البحوث. لكن لابد أن يعي الباحثون والباحثات أن العقود التي تولت فيها حكومات اشتراكية الحكم وقبضت فيها على مقدرات البلاد، والتي سبقتها قرون من الحكم العثماني، قد خلقت في نفوس الناس شكًا عميقًا، ومن ثم ميلاً إلى توخي السلامة في ردودهم.

والمعلومات عن عضوية الأحزاب السياسية الجديدة وقوائم المرشحين للانتخابات وقوائم النساء القليلات اللاتي انتخبن توضح تناقص تواجد النساء في الحيز العام الآن، ونكرر أن وسائل الإعلام المحلية من المصادر الهامة للتعليقات، كما أنها مصدر للشعارات السياسية التي تخدم السياسات، مثل شعار الكرواتي الذي لم يولد بعد هو كرواتي أيضًاليخلط ما هو قومي بمسألة الإجهاض. وقد شهدت تلك الفترة أيضًا نمو المنظمات النسائية التي تزايد اهتمام الكثير منها بالعنف في مجتمعاتها سواء في وقت الحرب أو وقت السلم“.

ومن المصادر الرئيسية عن العنف ضد النساء في حرب البوسنة البيانات المتعلقة بالمهاجرين، الذين تشكل النساء والأطفال نسبة ٨٤% منهم والتقارير التي تتناول المهاجرين، مثل التي جمعها ميرتوس وآخرون (Mertus et al. 1997) مصادر قيمة مثلها مثل الحوارات التي أجراها صحفيون وصحفيات عالميون مثل روي غوتمان وألكساندرا ستيغلماير عن الاغتصاب الجماعي، وشهادات شهود المحكمة العالمية لجرائم الحرب عن يوغوسلافيا السابقة. وعلى العكس، فإن وسائل الإعلام القومية الموجودة في هذا الزمن، وخاصة تليفزيون بلغراد وزغرب، لا تقدم سوى معلومات غير موثوق فيها إلا فيما ندر، ما عدا توثيق ما انتهى إليه حالها كأدوات في خدمة الحرب. إن فظائع الحرب وتقاعس الحكومات الغربية وانعدام فاعلية الأمم المتحدة قد أدت إلى تحول الباحثات والباحثين إلى النشاط العام ومناهج البحث المتعلقة به. فقد عمل الباحثون والباحثات والصحفيون والصحفيات في التخفيف عن المهاجرين، وساعدوا في تمويل المراكز المحلية، وعملوا على القضايا القانونية، وأداروا حلقات بحث في البوسنة، ودعموا استعادة سجلات المكتبات التي دمرتها الحرب. ومن أمثلة مناهج البحث المتعلقة بالنشاط العام في أعقاب الصراعات العرقية دراسة كوكبيرن (Cockburn 1998) عن عيادة للنساء في زينيتسا بالبوسنة.

كما أن شبكة الإنترنت مصدر للكثير من المعلومات عن الأحزاب القومية ومناهجها السياسية، والحركات السياسية وسياساتها، ومحاولات مناهضة بعض هذه القوى في البوسنة وكوسوفا، وقد وفرت شبكة الإنترنت خصوصًا خدمة في ربط الناس الذين يعيشون في الشتات بمواطنيهم وأقاربهم في البلقان. ولا نعرف مدى تأثير مفعول الإنترنت هذا في الحروب. كما بدأت الجماعات النسائية في استخدام الإنترنت أيضًا، ومن المؤكد أن أثرها سيكون قضية مطروحة للبحث في المستقبل. وفي هذه الأثناء, تساعد شبكة الإنترنت أيضًا على تسويق الأعمال الأدبية والمذكرات التي كتبها من حكم عليهم بالسجن لمدد طويلة، والمحكوم عليهم بالنفي الداخلي أو الخارجي في فترة الاشتراكية، أو الذين شتتتهم الحروب التي نشبت في تسعينات القرن العشرين، وغالبًا ما يكون ناشرو هذه المذكرات من الدور الصحفية الصغيرة.

وتطرح الأحوال غير المستقرة للدول القومية، التي تتفكك ثم يعاد تجميعها، الكثير من الإشكاليات الأخلاقية. ومن الدراسات الهامة كتاب من تحرير دي سوتو ودودفيتش عن معضلات البحث الميداني (DeSoto and Dudwich 2000)، تناول الباحثون والباحثات المشاركون فيه الأوضاع التي كان من المتوقع منهم أن يدافعوا فيها فيما يتعلق بقضايا معينة، حيث كانوا عرضة للخطر، وحيث أساء فيها الأهالي المحليون تأويل التاريخ. ولا يعني هذا القول بأن الباحثات والباحثين في الفترة الاشتراكية الذين كان عليهم مناقشة موضوعات الولاء والخيانة وحقول الألغام الرسمية لم يواجهوا إشكاليات أخلاقية، لكن الإشكاليات الأخلاقية الخاصة بفترة التحول يمكن نشرها على العامة بطرق لم يكن يمكن الكشف بها عن إشكاليات الفترة التي سبقتها، والتي كان باحثوها مضطرين فيها لتوخي المزيد من التحفظ بشأنها. وما زالت هذه المسائل جديرة بالدراسة.

مع شكر خاص لأعضاء دائرة البلقان: الأستاذ جون فاین، جانیت کراین, دونا بارميلي، وميغان هيز، لما قاموا به من قراءة متأنية وملاحظات قيمة لهذه المقالة.

 

T. Bringa, Being Muslim the Bosnian way. Identity and community in a central Bosnian village, Princeton, NJ. 1995.

M. Buroway and K. Verdery (eds.), Uncertain transitions. Ethnographies of change in the postsocialist world, Lanham, Md. 1999.

C. Cockburn, The space between us. Negotiating gender and national Identities in conflict, London 1998.

C. Corrin, Superwomen and the double burden, Women’s experience of change In Central and Eastern Europe and the former Soviet Union, London 1992.

B. Denich, Sex and power in the Balkans, in M. Rosaldo and L. Lamphere (eds.), Woman, culture, and society, Stanford 1974, 243- 62.

H. DeSoto and N. Dudwick (eds.), Fieldwork dilemmas Anthropologists in postsocialist states, Madison, Wis. 2000.

B. Einhorn, Cinderella goes to market Citizenship, gender and women’s movements in East Central Europe, London 1993,

T. A. Emmert, Zenski Pokret. The feminist movement in Serbia in the 1920’s, in S. Ramet (ed.), Gender politics in the Western Balkans, University Park, Pa. 1999, 33 -50.

A. Eminov, Turkish and other Muslim minorities in Bulgaria, London 1997.

N. Funk and M. Mueller (eds.), Gender politics and post-communism. Reflections from Eastern Europe and the former Soviet Union, New York 1993.

S. Gal and G. Kligman (eds.), Reproducing gender. Politics, publics, and everyday life after socialism, Princeton, N.J. 2000. The Introduction to this book is expanded In S. Gal and G. Kligman, The politics of gender after socialism, Princeton, N.J. 2000.

T. Gjelten, Sarajevo daily (Oslobodjenje). A city and Its newspaper under siege, New York 1995.

C. Hawkesworth, Voices in the shadows. Women and verbal art in Serbia and Bosnia, New York 2000.

D. S. latridis, Social justice and the welfare state in Central and Eastern Europe. The impact of privatization, London 2000.

B. Jancar -Webster, Women and revolution in Yugoslavia 1941-1945, Denver, Colo. 1990.

O. Kesic, Women and gender imagery in Bosnia. Amazons, sluts, victims, witches, and wombs, in S. Ramet (ed.), Gender Politics in the Western Balkans, University Park, Pa. 1999, 187- 202.

J. Mertus, J. Tesanovic, H. Metikos, and R. Bori.e (eds.), The suitcase. Refugee voices from Bosnia and Croatia, Berkeley 1997.

S. E. P. Post, Women in modern Albania. Firsthand accounts of culture and conditions from over 200 interviews, Jefferson, N.C. 1998.

H. Poulton and S. Taji-Farouki (eds.), Muslim Identity and the Balkan state, London 1997.

P. Ramet, Women, work and self-management in Yugoslavia, in East European Quarterly 17: 4 (1984), 459- 68.

S. P. Ramet (ed.), Gender politics in the Western Balkans Women and society In Yugoslavia and the Yugoslav successor states, University Park, Pa. 1999.

T. Renne (ed.), Ana’s land. Sisterhood in Eastern Europe, Boulder, Colo. 1997.

M. Rueschemeyer (ed.), Women in the politics of post-communist Eastern Europe, New York 1994.

H. Scott, Women and socialism, Experiences from Eastern Europe, London 1976.

A. Simić, Machismo and cryptomatriarchy. Power, affect, and authority In the contemporary Yugoslav family, in Ethos 11: 1 (1983), 66- 86.

B. Simsir, The Turks of Bulgaria (1878- 1985), London 1988.

A. Stiglmayer (ed.), Mass rape The war against women In Bosnia-Herzegovina, Lincoln, Nebr. 1994.

United Nations, The Impact of economic and political reform on the status of women In Eastern Europe. Proceedings of a UN regional seminar (Vienna), New York, April 1991.

S. Wolchik and A. Meyer (eds.), Women, state, and party in Eastern Europe, Durham, N.C. 1985.

A. Young. Women who become men. Albanian sworn virgins, Oxford 2000.

S. Zajovia.c (ed.). Women for peace, Beograd 1997.

شارك:

اصدارات متعلقة

اغتصاب وقتل طفلة رضيعة سودانية في مصر
نحو وعي نسوي : أربع سنوات من التنظيم والتعليم السياسي النسوي
شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6