إبداع المرأة العربية: رؤية سسيولوجية

تاريخ النشر:

2007

إبداع المرأة العربية: رؤية سسيولوجية

عرض: وسام كمال*

يتناول كتاب د. عصام خلف كامل “إبداع المرأة العربية” حال المرأة العربية وإبداعها في مجال الشعر العربي كشاعرة وناقدة. جاء الكتاب في 150 صفحة، وشمل قسمين رئيسيين إضافة إلى المقدمة والخاتمة. تحدث الكاتب في بداية بحثه عن اعتناء الأمة العربية بالمرأة، ووجد ذلك أثره واضحًا في الأدب، فقد احتلت المرأة حيزًا كبيرًا في وجدان العربي، ومن ثم كان وحيها انطلاقًا لروائع الشعر، وقطوف الأدب، وهام بها خيال الشعراء. أوضح أيضًا أن من يطالع أدبنا العربي على مستوياته كافة يجد صورًا متعددة للمرأة.. تلك الصورة التي اختلف في تفسيرها النقاد، فمنهم من جعلها رمزًا للأمومة والخصوبة، ومنهم من جعلها رمزًا مقدسًا كالشمس……. وذلك يفسر لنا مدى افتتان الرجل بالمرأة، فقد دفع الأمر الشعراء لرسم صورة للمرأة تفوق الخيال. وتوقف الكاتب عند بعض النماذج المختلفة التي توضح ذلك. لم يقف الكاتب عند ذلك الحد فقط، بل حاول البحث عن المرأة من خلال المرأة، فوجدها مبدعة وناقدة. فقد تساءل الكاتب: هل هذه المرأة التي شغلت حيزًا كبيرًا من فكر ووجدان العقل العربي لم تستطع أن تعبر عن نفسها؟ ولقد وجد الكاتب إجابة عن ذلك السؤال من خلال مقولة أبي العباس محمد بن يزيد المبرد “وكانت الخنساء وليلى باثنتين في أشعارهما، متقدمتين الفحول، ورب امرأة تتقدم في صناعة، قلما يكون ذلك”. وقد قسم الكاتب تناول كتب الاختيارات العربية لأدب المرأة لعدة أوجه: (تناول محدود- تناول موجز- تناول تفصيلي)، ولكن في النهاية تبرهن تلك التناولات على ثراء التأليف الأنثوى وتميزه. وبذلك أفرد الكاتب هذه الدراسة محاولا الوقوف على أهم القضايا التي تناولتها المرأة، واضعا في الاعتبار أن الأدب هو وليد الفترة الزمنية المرتبطة بانعكاسات بيئية، وذلك ما يوضح قضايا المرأة تختلف من بيئة إلى أخرى؛ ومن فترة زمنية إلى أخرى؛ مع الارتباط بحدود المكان وما يتعلق به من عادات وتقاليد. جاء القسم الأول من الكتاب بعنوان “مفهوم الأدب النسائي” وقد تساءل الكاتب في بداية هذا الجزء “هل هناك أدب نسائي؟”، وحاول في البحث عن إجابة لهذا السؤال فوجد المقولات الشائعة عن الفلاسفة كأرسطو أو توما الأكويني، والتي في معظمها تؤكد أن المرأة لا يمكنها التفوق في نظم الشعر فيها عدا التعبير عن الحزن، وقد يقصدون بذلك الخنساء وليلي الاخيلية في العهد الأول من الجاهلية والعصر الإسلامي وقد كان شعرهما مقصورًا على نمط الرثاء. ولكن وجد الكاتب أن كتابات المرأة في النصف الثاني من القرن العشرين جاءت تعبر عن رفض كل الاتجاهات التي جعلت منها رمزًا للأمومة والدفء والحنان وحاولت تبرهن على عدم ضعفها ومدى قوتها، وانعكس ذلك على توجهاتها الشعرية أو النثرية. وهذا في حد ذاته يعطى انطباعًا بأن المرأة لم تكن مهمشة أو محرومة من التعبير عن مشاعرها ورؤيتها لنفسها ولدورها في الحياة. وفى تعرض الكاتب لإبداع المرأة العربية لم يغفل أمرًا مهمًا وهو أن أكثر الإشكالات المتعلقة بالمواضيع النسوية ترتبط بالبعد الاجتماعي، ولم يغفل أيضًا أن الإبداع هو حالة إنسانية تعيشها المرأة كما يعيشها الرجل ولا يوجد ما يميز البشر في عملية الإبداع إلا ظروفهم الاجتماعية وقدراتهم المختلفة على التعبير والخلق، كما أن الإبداع ليس حالة مؤقتة ترتبط بفترة زمنية معينة، بل حالة من الشعور المتدفق المستمر مع الإنسان في جميع مراحله العمرية. وجد الكاتب حالة من الجفاء الشديد في ذكر الأدب النسائي، فقد وجد أن أصحاب الاختيارات والمؤلفات الأدبية لا يتعرضون للأدب النسائي إلا فيما ندر، وربما اهتموا بعنصر واحد وهو فن الرثاء، فقد ارتأوا أن هذا الفن هو الفن الشعري الذي يليق بالمرأة وعليه طرح الكاتب تساؤلاً وهو: هل التقاليد العربية هي التي وضعت المرأة في هذا المكان والموقف الأدبي؟ وهل ثمة قيود أخرى أدت إلى تهميش الإبداع الأدبي عند المرأة؟ فقد وجد الكاتب أنه كلما تقدمت بنا المراحل التاريخية نجد الحال كما هو عليه، فهذا هو الحال قبل عصر التدوين وأيضًا في العصر الأندلسي أي بعد التدوين، فقد أهملت كثير من النصوص الشعرية التي فاضت بها خواطر النساء. وكذلك هو الحال إذا ما تقدمنا خطوة إلى العصر الحديث. ويطرح الكاتب مبدأ أنه إذا كان المؤرخون قد اهتموا بجانب الوصايا الأنثوية، والتعليقات اللغوية فذلك لا يقلل من قيمة النساء في الإنتاج الأدبي. فقد قرأ الكاتب وبحث وتوصل إلى أن كثيرًا من النساء قد نظمن في فنون شعرية مختلفة، لا تقتصر على غرض بعينه وإنما في مختلف الأغراض والفنون. بالرغم من أنه قد كان منهن من ليس لها القدرة على مزاولة الفن الشعري مختلف لكن الكثيرات منهن لديهن القدرة العالية على روايته ونقده وكان ذلك يقدم في محافل يحضرها الرجال والشعراء، في جو من الوقار والحشمة. وقد تعرض الكاتب في ذلك السياق لتعليق “سكينة بنت الحسين” على أبيات شعرية لجميل بثينة. أكد الكاتب في حديثه على أن الإبداع في جميع المجالات هو أساس تقدم الشعوب وهو خاصية إنسانية لا ترتبط بنوع اجتماعي أو جنس بشرى ولا يكتسب بيولوجيا بالوراثة. رأى الكاتب في بداية بحثه أن متابعة أدب المرأة أمرًا ليس باليسير ومحفوف بالمزالق ولكنه توصل إلى حقائق عدة منها:
  • أن في إبداع المرأة الحقيقي لونا مغايرا ونكهة ذات مذاق خاص.
  • أن هناك حالة من القمع مورست بشكل أو بآخر على الخطاب الإبداعي للمرأة مما أدى إلى وجود فجوة في حضور المرأة على المستوى الإبداعي ككيان معادل للرجل.
  • أنه لا توجد فواصل في الأدب ولا حدود واضحة بين الأدب الذي تعبر عنه المرأة والذي يعبر عنه الرجل إلا أنه يحمل طابعًا خصوصيًا يعبر عن سمات المبدع/ ة.
شرح الكاتب علاقة دراسة الأدب النسائي بمفهوم النسوية وذلك من منطلق أن ما يحدد السلوك البشرى للرجل والمرأة ليس فقط التكوين البيولوجي ولكن البيئة والمناخ الفكري والاقتصادي والديني الذي ينشأ فيه الفرد رجلاً كان أو امرأة. وتوصل إلى أن المسالة لا تخضع لمقياس ترمومترى واضح، فحركية الأدب وتطور الفكر ينتج نوعًا خطابيًا يمثل نزعة ذاتية لكلا العنصرين الذكورة أو الأنوثة، ومن ثم سيصبح كل عنصر منهما مهمومًا بما يخصه في المقام الأول، قد تتوحد الطرائق التعبيرية في موضوع ما ولكن بلا شك ستختلف الأحاسيس والمشاعر. وقد تطلب ذلك من الكاتب النظر إلى أشعار النساء ونثرهن باعتبارهما من أصدق الوسائل التي تعبر عن طبيعة الإنسان، وعليه قام الكاتب برصد الوجدان الأنثوي في نفوس الشاعرات والكاتبات وذلك باختيار بعض النماذج الشعرية والنثرية التي تجسد ذلك. وقد خصص الكاتب ذلك البحث عن أدب المرأة القديم على أمل أن يقدم سلسلة متنوعة لأدب المرأة في جميع العصور المختلفة، وهو حين يدرسه لا يحكم عليه عبر آلياته من حيث القوة والضعف، أو عقد مقارنة بين المرأة والرجل، ولكنه يتعامل مع أدب المرأة بشكل مباشر في ارتباطه بمسيرة المرأة عبر الفن والحياة. وقد قصد الكاتب في ذلك البحث إجلاء بعض الحقائق التي حجبت لسنوات طويلة في الظل عن إبداع المرأة. وختم الكاتب ذلك الجزء بجملة جديرة بالذكر: حقا إنني وقفت أمام عالم المرأة لأجد فسحة من الفن المغاير لفن الرجل.. وهذا ما ستكشف عنه المداخل القادمة“. وفي الجزء الثاني من الكتاب وهو الجزء الأكبر تناول الكاتب جميع ألوان الشعر العربي بعين التحليل والدراسة باحثًا فيها عن إبداع المرأة العربية في تلك الألوان.  

تعرض الكاتب لمنطق من يقصر فن الرثاء على المرأة فقط لأنها بطبيعة الحال تعرضت في هذه الفترة المتقلبة الناتجة عنها حروب الانقسامات حول الخلافة والردة وما إلى ذلك، إلى فقد دعائها في الحياة وخاصة “الزوج – الأخ – الابن”. مما أدى إلى فرض الطابع المأسوى على ظروفها والذي فجر فيها أدواتها الفنية وطاقتها الإبداعية، فنجد صدقًا وإخلاصًا في الجانب التصويري وبعدًا عن الاصطناع، فأصبح الأمر تجسيدًا للواقع الملموس والحياة الخاصة للشاعرة.

وتساءل الكاتب إذا كان الأمر كذلك فماذا عن المراثي الرائعة التي رثى بها الشعراء زوجاتهم وأولادهم وإخوانهم؟ وجاء رأى الكاتب أن الأمر سواء بين الطرفين واستشهد بأمثلة مثل مرثية جرير لزوجته وابن الرومي في ولده الأوسط وأمثلة أخرى. كما أوضح أنه لابد من قراءة أدبنا العربي الذي يحمل في طياته كل ما يسر النفس، ووصف المرثاة الصادقة بالتي لا نكاد نشعر من خلال أبياتها أن قائلها قد بذل فيها أي جهد خاص من أجل خلق أجواء موسيقية معينة توظف لخدمة المعنى.

تعرض الكاتب لأمثلة كثيرة لشاعرات رثين فقدائهن كالخنساء وليلى الاخيلية ولكنه اختار شاعرة وتناولها بعين الدراسة وهي “عاتكة بنت نفيل” وهي ترثى أزواجها الأربعة، وأوضح أن الشكل الرثائي عندها امتزج بعاطفة دينية وفلسفة عقائدية، وتعرض لكل مرثية زوج على حدة بعين التدقيق والدراسة.

تعرض الكاتب أيضًا لشكل آخر من أشكال الرثاء وهو الرثاء المخالف للنسق الاجتماعي، وذلك من خلال مثال لامرأة ترثى زوجها الذي لم يدخل بها بعد، فهي ترثيه من خلال مجرد السمع عن فضائله وتصفه بالأخلاق الحميدة وتحليه بالمثل العليا. وبهذا تكون الشاعرة قد ضربت مثلاً للوفاء واحترام العهود والمواثيق ليس على مجرد الفعل الواقع إنما على مجرد الكلمة والعهد.

تعجب الكاتب ممن توقف في دراسة أدب المرأة عند حدود فن الرثاء، وأشار إلى أنه لابد من أن نتوقع من هذا العنصر البشري أنه لن يتوقف عند موضوع بعينه ومادامت قدرته الإبداعية قد أوصلته لموضوع ما فإن ذلك سيكون مدعاة للانطلاق نحو موضوعات أخرى.

وقد بحث الكاتب عن المرأة الهاجية في الأدب العربي فوجدها تهجو العدو والزوج والابن… واخص بالذكر هجاء الأسرة والذي يأتي أحيانا في قالب اجتماعي كوميدي أو في أسلوب ساخر.

ثم عرض الكاتب نموذجين من نماذج الهجاء الاجتماعي:

الأول لام “ثواب الهزانية” وهي تهجو زوجة ابنها، وقد تناولها بدراسة دقيقة وهي مثال واضح لشكوى الآباء من الأبناء ومثال لصراع بين جيلين، يمثلان اختلافًا زمنيًا ومكانيًا وهي تعبير عن حالة نفسية جسدتها الشاعرة بعناية خاصة.

أما النموذج الثاني والذي تناوله الكاتب أيضًا بالدراسة الدقيقة هو الهند بنت عصم الدوسية. وقد أوضح الكاتب أن المثالين يؤكدان أن لعبة الصراع بين الأم وزوجة ابنها لعبة قديمة حديثة في كل وقت وكل زمان.

وفى هذا المثال لم توجه الأم كلامها إلى زوجة ابنها ولكنها صبت جام غضبها عليها خلال الحديث الموجه إلى الابن، وكأنها تحمله وزر اختياره وتجعله شريكًا معها في دفع هذا الأمر بعيدًا عن كليهما، وكأنها توجه إليه نداءً خفيًا داخلها القصد منه تحفيزه على الخلاص من هذه الزوجة.

في هذا الجزء أوضح الكاتب أن الشاعر أو الفرد لابد أن يعيش موقفًا التزاميًا تجاه قضية ما، وجاء بمثل “عقيلة بنت غفيل بن أبي طالب” عندما علمت بمقتل الحسين فقالت شعرًا عبرت فيه عن مدى التزامها بقضية الشيعة وما تعرضوا له. وقد تعرض الكاتب للأبيات بالدراسة واستنتج أن تلك الأبيات تعكس معاني الالتزام بجميع صورة عند المرأة؛ وتبرهن على مدى مشاركتها في التيارات السياسية. فالشعر كان لها بمثابة رسالة تحاول من خلالها البرهنة على موقفها من القضايا المحيطة بها كافة.

بدأ الكاتب بوصف المجتمع في تلك الفترة وأوضح تفككه وتصدع تماسكه نتيجة للحروب، وأوضح بروز المرأة في هذا المجتمع وأنها أصبحت علامة في مجال الفن واستشهد بان “عبد الرحمن الداخل” استقدم بعض الفنانات المشرقيات وأنشأ لهن دارًا، ومن ثم ظهرت بعضهن كمحدثات، كاتبات، وفقيهات، وشاعرات.. وما إلى ذلك من مجالات الفكر المختلفة.

وقد تناول إحدى قصائد الشاعرة “بثينة بنت المعتمد” والتي تحكى فيها أن أحد تجار أشبيلية اشتراها على أنها جارية سرية بعد أن اختطفت ووهبها لابنه، فنظر من شأنها وهيئت له فلما أراد الدخول بها امتنعت، وأظهرت نسبها، وقالت “لا احل لك إلا بعقد النكاح إن رضى أبي، وأشارت عليهم بتوجيه كتاب من قبلها لأبيها وانتظار جوابه. فكانت تلك القصيدة.

وبعد أن تناول الكاتب القصيدة بالدراسة جاء تعليقه بأنها مبدعة في الجانبين الوصفي المتعلق بنمط الخطاب الاجتماعي، وآخرها هو نجاحها في ذلك الفن الشعري الذي قلما برع فيه الكبار من الشعراء… وفي هذا برهان على سعة أفق المرأة العربية ومسايرتها للنهضة الشعرية حينذاك.

أوضح الكاتب في هذا الجزء أن النظم واللوائح والمؤسسات المالية والإدارية داخل كل مجتمع هي ناحية من نواحي الحياة الاجتماعية، والتي ربما يتناقض معها الأفراد فالبعض يواكبها والبعض الآخر يقابلها بالشكوى والتنديد، وذلك حدث في عهد الأمويين وقد استشهد الكاتب ببعض الأشعار التي تدل على ذلك وأيضًا بحث عن المرأة ووجد أن هناك من تثبت أن المرأة خاضت ذلك المجال وأن ذلك يدل على قوة عدستها لكل ما يحيط بها في المجتمع وأعطى مثالاً لذلك بشعر الحجناء بنت نصيب، وقد وصف الشاعرة بأنها تسطر سجلاً خالدًا لبراعة المرأة ودقتها في تبليغ شكواها كما كان يفعل من سبقها من الشعراء، المجتمع وتؤكد أن صوت المرأة يمضى جنبًا إلى جنب مع صوت الرجل.

استوقف الكاتب في هذا الجزء الكم الوصفي في الشعر من قبل الرجل للمرأة والذي يعبر عن مكانة مرموقة للمرأة على المستوى الاجتماعي وتساءل هل كانت المرأة تستطيع أن تعبر بجزء بسيط عن مشاعرها؟

ولكن كانت الإجابة أنه برغم القيود الاجتماعية التي حرمت المرأة من التعبير عن مشاعرها فإن النوازع النفسية لدى المرأة جعلتها تخرج عن كبتها معبرة عن مكنوناتها النفسية.

وقد تطرق الكاتب لنموذج يعبر عن ذلك ووصفه بالنموذج الاستحيائي وهو النموذج المدرك لجميع القيود التي وضعها المجتمع حول المرأة، فهي تعبر عما بداخلها لكن على استحياء في كتمان، واخذ مثالاً لذلك من شعر “ليلى العامرية”.

تطرق الكاتب أيضًا لنوع آخر من الغزل وهو وصف المرأة لنفسها. ولكن على أية حال أوضح الكاتب في النهاية أن التجربة الغزلية في الشعر النسائي تؤكد أن المرأة قد عبرت عن غزلها وحبها بشكل مكثف ودال على مكنونها النفسي رغم قسوة المجتمع وتجد في شعرها نوعًا من العفة التعبيرية وصدقًا في الإحساس.

عرض الكاتب شعور وعواطف الشعراء حين تدفعهم الظروف القاسية إلى مبارحة الديار، بحثًا عن موطن آخر طلبًا للرزق أو الحاجة، وحينما يستقر الشاعر بمكانه الجديد سرعان ما يدفعه الحنين والشوق إلى موطنه الذي فارقه. فيدفع هذا الشوق والحنين ألسنة الشعراء إلى تصوير عواطفهم الصادقة تجاه أهلهم وأماكنهم.

أيضًا لم تقتصر المسألة على الانتقال المكاني فقط بل تشمل الزواج من غير الأقارب، وقد وجد الكاتب أن النماذج التي عبرت عن ذلك الشعور عديدة عند الرجل، ولكن المرأة العربية أشد إحساسًا بالاغتراب المكاني، فقد كانت النساء يفضلن أن يقضين حياتهن بين قومهن وفى أوطانهن ويتوجسن خيفة من الزواج في ديار الغربة فإذا اضطررن لذلك نظمن القصائد التي تصور الحنين والشوق إلى الوطن.

وفي ذلك الجانب تناول الكاتب عدة نماذج لبعض الشاعرات مثل “ميسون بنت بحدل” و “أم حسام”. وقد توصل الكاتب أن المرأة العربية لا تقل قيمة أو خيالاً في تصوير ما تعانيه من اغتراب كما كان يقوم الرجل بتصوير ذلك في حالات مماثلة.

أيضًا وجد أن رابطة الدم والتعلق المكاني أقوى لدى المرأة العربية من أي رابطة أخرى وأنها ترفض كل المغريات من أجل أن تفوز بلذة العودة إلى الوطن أو إلى المكان الذي درجت فيه.

أوضح الكاتب أن هذه الصورة لم تظهر بشكل وافر إلا في العصر الأموي، ذلك العصر الذي كثرت فيه المعارضات واشتد فيه الصراع بين على بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. وظهر في ذلك العصر نزعة التذمر ضد الأمويين وبدأت الشكوى وصوت المعارضة.

ومن ثم بدأت المرأة العربية في التفاعل مع هذه الحياة فجاء تعبيرها ووصفها صوتًا معارضًا ورافضًا لمبدأ تولى معاوية مقاليد الأمور شكلاً ومضمونًا. وقد تعرض الكاتب بشكل مفصل لأبيات الشاعرة “بكارة الهلالية” المستنكرة لخلافة معاوية. والذي من خلالها وجد أنها كانت تركز على سفه بني أمية ومدى تطاولهم على آل بيت الرسول (صلى الله عليه وسلم) وتفضيلها للموت على البقاء في هذا الزمن العجيب. أيضًا تناول نموذجًا أخر خلاها للشاعرة “أم سنان بنت جشمة” والتي دافعت عن موقفها المتعصب لعلي بن أبي طالب ولم تقف موقف المتفرج من الأحداث بل حرضت قومها على القتال من أجل دفع بني أمية من التربص بآل البيت.

وتوصل الكاتب على مدى معايشة المرأة العربية لجميع الأحداث الدينية والاجتماعية المطروحة على الساحة في ذلك الوقت، وأنها جسدت دورًا مهمًا في التعبير عن موقفها المؤيد أو المعارض لكل القضايا والاتجاهات المعاصرة لزمنها منذ القدم.

يتضح من هذا البحث أن الكاتب درس وقرأ كثيرًا ليبحث عن المرأة العربية في الأدب العربي، وبعد استطلاع وقراءة كتب التراث العربي وجد الكاتب أن إنتاج المرأة في الجانب الأدبي يضاهي إنتاج الرجل وخاصة على المستوى الشعري. وذلك في كل مجالات الشعر، وكشف هذا الإنتاج عن فكرها وعقلها وثقافتها.

وبذلك أظهر الكاتب دور المرأة في المجتمع وفى بناء الحضارة العربية والإسلامية ومشاركتها للرجل في صنع القرارات، بالرغم من أنه لم يتعرض في بحثه لكل الإنتاج ولكن أخذ نماذج معينة وخاصة غير الشهيرة ليستدل بها وتناولها وربطها بالبعد الاجتماعي.

حاول الباحث أيضًا في هذا البحث عن المرأة من خلال المرأة ولم يقدم نمطًا يقصد به المقارنة بين الرجل والمرأة. كما أوضح أنه ربما قد تكون المرأة تفوقت في جانب الرثاء نظرًا لطبيعتها البكائية، ولكنها أيضًا تفوقت في جوانب أخرى أثرت من خلالها الحياة الأدبية، وعبرت من خلالها عن وجود كائن قوي يسعى ويدرك كل ما يحيط به.

لقد ظن الكاتب أن المرأة ذات دور هامشي في مجال الأدب إذا ما قيس بالرجال، ولكن بعد البحث والدراسة اكتشف الكاتب عدم صحة ذلك. وفى النهاية هذا البحث يسلط الضوء على إبداع المرأة العربية في مجال الأدب، ويوضح أنها كانت تلعب دورًا مهمًا في الحياة وكانت دائما ذات تأثير قوى في مجال الإبداع.

* مساعدة منسقة برنامج منتدى الشابات بمؤسسة المرأة الجديدة.

اصدارات متعلقة

شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6
شهادة 5
شهادة 4