إبراهيم فاروق الظاهر شعاع ضوء في عالم معتم
حوار:
… هل سنتغير؟، هل سيكون هناك أمل في التغير؟ أي أمل؟ سؤال نصطدم به دائمًا ونحن نسعى إلى التعامل مع المجتمع ونسعى إلى تغييره والتغير معه، كنا دائمًا نتحدث عن العادات والتقاليد، الموروث الثقافي، الناس الممثلين للمجتمع والذين بالتأكيد سيقفوا ضدنا، وفجأة يأتي شعاع نور ليؤكد أن هناك من سيقف معنا هناك من سيناصر قضايانا ويدعمنا، كنا نفترب بحذر ببطء نبحث عن موقع قدم آمن، نحن الآن في المواجهة. ونتساءل كيف سيقابلنا الناس ما هي خلفيتهم عن المجتمع المدني، هل سيفهمون دوافعنا، هل سيناصروننا، وعلى سلم الأتوبيس الذي أقلنا إلى طنطا كان أول وجه رأيناه إبراهيم فاروق الظاهر كان وجهًا مرحبًا مبتسمًا رغم حزن المناسبة والدمع الساكن داخل عينيه، رحب بنا، ولم يكن وحده كان خلفه أهل القرية كلها.. قرية إبيار تلك القرية البسيطة والتي أعادت بدفء استقبالها لنا الثقة في أنفسنا وفي التغيير القادم، كنا نطرق معهم منطقة حساسة وهي قضية الاغتصاب، كنا هناك لنحيي سنوية هدى فاروق الظاهر الفتاة التي تم خطفها واغتصابها وماتت أثناء الاغتصاب وكان جزاء الجناة واحد ثلاث سنوات والثاني ثلاثة أشهر، ووسط كل هذه الأحداث كان وجهه دائمًا، إصراره دائما، قوته دائمًا؟ يسكن خلفية كل الأحداث، وكان لقاء حافلاً دافئًا حضره أكثر من ألف رجل وامرأة وطفل تضامنوا جميعًا من أجل هدى ومن أجل قوة أخيها الذي استطاع أن يجمعنا حوله مساندين ومتضامنين ومتسائلين، ومعًا سنجلس إلى إبراهيم الرجل الذي صدق أخته ولم ينساق إلى لعبة المجتمع في لوم الضعيف. الذي وقف ضد المطالبة بالثأر، مؤمنًا بالقانون، وأمام إتهام الجميع مؤمنًا بالبراءة، وأمام مساومة أهل المغتصب مترفعًا مطالبًا بالحق كاملاً، يبدو أنني لا يمكنني التوقف عن الحديث عنه، دعونا نستمع إليه أخيرًا دعونا نقترب….
– سألناه أولاً عن هدى.. عن علاقتهما؟
كانت علاقة عادية علاقة أخ وأخت متفاهمين، وكانت بيننا صراحة لأن هدى كانت بتحكيلي على كل حاجة تحصل خارج البيت وداخل البيت بكل صراحة. وأنا كنت بحبها أوى مش علشان أختى بس لا علشان هي مريضة قلب ودائمًا تعبانة ولما كانت بتحكيلي أنها تعبت في الكلية أو في الشارع كنت بزعل وبخاف عليها لما تتعب، هدى كانت عندي حاجة تانية وحاجة كبيرة.
– كان إحساسك إيه؟ ورد فعلك عند سماع الخبر؟
طبعًا كنت ثائرًا جدًا وكانت أول فكرة راودتني أني أنتقم من المجرم وأسرته وأولع فيهم ولكن راجعت نفسي وفكرت بعقلانية أكثر وجدت أن آخذ حق أختي بالقانون.
– ورد فعل الناس كان إيه؟ وأثره عليك كان إيه؟
معظم أهل القرية ساندوني لأنهم يعرفونني جيدًا ويعرفون هدى ولكن كان هناك كعادة الأمور من يلقى بالتبعة عليها، ويعتبر أن الخطأ دائمًا خطأ المرأة أو البنت عند تعرضها لجريمة إغتصاب ولكن مع موقفنا المؤمن ببراءة هدى تراجعوا وبدأوا في مساندتي خاصة مع وضوح الحقيقة مع التحقيقات وكنت أحمل التحقيقات وحكم المحكمة وأذهب إلى كل من أشعر بتشككه في موقف هدى، كنت مصرًا على إظهار براءتها على الأقل في عيون كل الناس، وأن أصعد الأمر على كل المستويات حتى يعود الحق لهدى والأمان للقرية.
– يقال أن هناك بعض الناس طرح عليك فكرة الأخذ بالثأر وأنت لم تنفذ هذه الخطوة؟
أنا فعلاً في بداية سماع الخبر فكرت أن أقتلهم كلهم المجرم وأسرته، ولكن بعد ساعات قليلة فكرت، أنا إنسان مش ضعيف والقتل إسلوب همجي. وعارف إنه لما اغتصب أختي وقتلها المجتمع والقانون تعامل معه برأفة، ولكن كان سيتعامل معي بمنتهى العنف لو قتلته، لذلك قررت أن أطالب هذا المجتمع وهذا القانون بحقها.
– هل كان هناك ضغوط عليك من المجتمع وخصوصًا إنك من قرية ريفية ولهم نظرة مختلفة عن المرأة؟
المجتمع دائمًا يلقى الاتهام على البنت وخصوصًا في قضية مثل قضية هدى ولكن لا يوجد أي تأثير فأنا عندي رأی آخر في الموضوع هو أن المرأة مثل الرجل في كل شيء، مثلاً أنا أتعلمت وعلمت أخواتي الاثنين وكانت هدى الأخت الكبيرة اتخرجت من الجامعة وخرجت تبحث عن عمل مثلى وأنا لم أمنعها لأن لها حقًا مثلى في التعليم والعمل، ولكن قابلها ذئب غرر بها، هذا معناه أن هدى أو أي بنت مكان هدي علشان بنت تلقى عليها المسئولية بأنها مذنبة، ولماذا لا نقبل أن يعيش بيننا ذئب ينهش بناتنا، رغم أن الدين أعطانا كافة الحقوق وأن الله سبحانه وتعالى قال أني خلقتهم سواسية، ولكن المجتمع يفرق بينهم ورأيه أن المرأة تلزم البيت ولا تخرج تعمل ومسئولياتها فقط تربية الأولاد والقيام بالأعمال المنزلية.
– يقال أنه عرض عليك مبلغ كبير للتنازل عن حقك المدني في القضية هل هذا صحيح؟
نعم عرض على أطلب أي مبلغ مهما يكن من أجل التنازل عن حقى المدني في القضية، وأخبرني المحامي أن تنازلي عن القضية سيخفف الحكم عن الجاني ولكن رفضت بشدة طبعًا وأصرت على أن المجرم لازم يحاسب ويأخذ إعدام علشان بناتنا تخرج وتعيش وسط المجتمع ويكون وعظ لكل شاب أو رجل يفكر ألف مرة قبل أن يتعرض لأي بنت.
– بالتأكيد يوم النطق بالحكم كان يوم صعب عليك أنت وأسرتك، ماذا حدث؟
أخذ إبراهيم يتذكر هذا اليوم ونظرات عينيه تملئهما الحسرة والحزن ثم أجاب: يوم كان صعب علينا أوى لكن كان عندي إحساس أن القضاء ها ينتقم لى من المجرم، ولكن حصل شيء غريب جدًا أن المرافعة تمت في غرفة المداولة، وهي غرفة صغيرة ورغم صغرها حضر۲۰ شخصًا من أسرتي وأسرة المجرم وبعض أشخاص آخرين، ودارت المرافعة لمدة ۲۰ دقيقة فقط في هذه الغرفة الصغيرة وبعد المرافعة واعتراف المجرمين على بعض وجدت القاضي ينطق بالحكم ليس في غرفة المداولة ولكن على المنصة ويقول للمجرم “أنت المفروض تأخذ إعدام ولكن هاديلك قرصة ودن بس” وأخذ ينطق بالحكم وهو الحبس لمدة ثلاث سنوات فقط للمتهم الأول، وحبس المتهم الثاني صاحب الشقة ثلاثة شهور فقط، حياة أختى تساوى قرصة ودن !!
– تريد العودة إلى لحظة سماعك الحكم…
حين سماع الحكم شعرت أن القاضي يحسسني بالعجز، وأن أنا مش هاقدر أعمل حاجة لكن قلت لازم أعمل حاجة، وأخذت الحكم وبدأت أسأل وأدفع كل من حولى للسؤال لماذا وكيف وأرسلت الحكم مع شكوى لكل من يهمه الأمر ولازلت أتساءل وأرسل بشكواي.
– ما هي الجهات التي توجهت لها بالشكوى؟
توجهت لجهات كثيرة منها أرسلت تظلمًا للنائب العام، وأرسلت للمجلس القومي للمرأة، والجمعيات الأهلية، ولمفتي الجمهورية ومجلس الشورى، ومجلس الشعب، وأيضًا لرئيس الجمهورية.
– ما هي الجهات التي استجابت؟
كل الجهات التي أرسلت إليها لم تستجب إلا مكتب الشكاوى بالمجلس القومي للمرأة، والمؤسسات الأهلية التي استجابت وعرضت تضامنها ليس فقط من أجل هدى ولكن من أجل أمان المجتمع…
بيان
تحايل واغتصاب وضرب
أفضى إلى الموت…
والحكم ثلاث سنوات!!
علمت المنظمات الموقعة أدناه بالوقائع التالية:
أن الفتاة تدعى هدى فاروق الظاهر، عمرها ٢٣ سنة، قام المتهم محمد زيان محمود بالتحايل عليها حيث أقنعها بأنه عائد من دولة الكويت وسيوفر لها فرصة عمل فور تسجيل المعلومات الخاصة بها على الحاسب الآلى، وكان ذلك في اليوم التالي لتخرجها من الجامعة، حيث استدرجها إلى منزل صديقه المتهم الثاني محمد عيسى سليمان. وبعد أن أتضح للفتاة أن هناك نية لاغتصابها توسلت إلى الشابين وأخبرتهما بأنها مريضة بالقلب، فاعتدى عليها المتهم الأول بالضرب، وإغتصبها. قبل أن يتناوب زميله الاغتصاب، بدأت تظهر عليها علامات الإعياء الشديد، فنقلاها إلى العيادة الخارجية بمستشفى طنطا الجامعي، حيث تركاها وفرا، وهناك لفظت أنفاسها الأخيرة، وكل هذا ثابت باعتراف المجرمين في محضر الشرطة والنيابة المقيد برقم 16194 لسنة 2004 جنح قسم ثاني طنطا، والمقيد برقم الجناية 14 لسنة 2005 کلی غرب طنطا، وبعرض القضية على السيد المستشار المحامي العام أحيل المتهم الأول لمحكمة الجنايات برقم 14 لسنة ٢٠٠٥ والمتهم الثاني أحيل إلى جنح قسم ثاني طنطا برقم ٦١٥٢ لسنة ٢٠٠٥.
المثير للدهشة أن محكمة الجنايات برئاسة المستشار القاضي/ عبده عطية الذي أبدى اقتناعه التام بأن المتهم هو الذي خطف المجنى عليها بالتحايل واغتصبها بالإكراه واعترف بالضرب الذي أفضى إلى الموت وعلم أيضًا باعتراف المتهم الثاني الذي روى تفاصيل الواقعة بنفس الطريقة وهو الشاهد الوحيد في القضية، وقد شهد ثلاثة من ضباط المباحث بأن المتهم هو الذي ارتكب الجريمة، حكم القاضي على المتهم الأول من أول جلسة بتاريخ ٥/ 8/ 2005 والتي استغرقت 30 دقيقة بثلاث سنوات فقط كعقوبة على المتهم الأول مستندًا إلى المادة 17 من قانون العقوبات ليخفف الحكم إلى الحد الأدنى شفقة على المتهم، والذي له هو وشريكه كروت معلومات لدى مباحث المخدرات، مما يوضح سلوك المتهمين بدون مبرر وبدون شفقة على القتيلة – التي فقدت حياتها – وعلى أسرتها.
أما المتهم الثاني الذي تستر على هذا الفعل الشائن وأشترك في الجريمة التي تمت وقائعها بمنزله، فقد حكم عليه بسنتين الجنحة رقم ٥١٥٢ لسنة ٢٠٠٥ في جلسة ٢٠/ 3/ 2005، وخفضت العقوبة إلى ثلاثة شهور بجلسة ٢٦/ 4/ 2005 استناف ثاني طنطا.
والمثير للأسف أن وكيل النيابة اقتنع أيضًا بالحكم ورفض طلب النقض الذي تقدم به أهل القتيلة، مما جعلهم مضطرين للتقدم بالتماس إلى النائب العام – برقم 253/ 5 لسنة ٢٠٠٥ – الذي قرر النقض برقم ١١٢٩ بتاريخ ١٥/ 6/ 2005 وحتى الآن لم يحدد موعد النقض، ونحن إذ نرفض ونستنكر أن يكون أمن وحياة نساء مصر بلا ثمن نطالب بما يلي:
1 – أن يتبنى البرلمانيون هذه القضية والعمل على تطوير القوانين والتشريعات بحيث تخلو من أي تمييز ضد النساء، والدفع نحو: – وضع معايير لاستخدام المادة 17 التي تمنح للقاضي سلطة تقديرية عادة ما تستخدم لصالح الجناة ضد النساء في جرائم العنف ضد المرأة بشكل عام.
– تفعيل استخدام المواد القانونية الخاصة بالاغتصاب والتي يعاقب فيها المتهم بعقوبة مشددة في حالة اقتران الاغتصاب بالخطف والتحايل كما في الحالة المعروضة المطالبة بقيام القاضي بالإعلان عن أسباب استخدامه للسلطة التقديرية. وعرض حيثيات تقديره لتخفيف هذا الحكم.
– مدى إجازة حق المدعى بالحق المدنى بالنقض في الاحكام الجنائية بشقيها المدني والجنائي.
٢ – قيام المجلس القومى للمرأة بفتح هذا الملف، والمطالبة بالتحقيق فيه، واتخاذ التدابير اللازمة لذلك.
3- قيام المجلس القومي لحقوق الإنسان بطرح المسألة على الجهات المختصة، والمطالبة بالتحقيق فيها.
4- قيام الإعلام المصرى بدور فعال في بث رسائل إعلامية منتظمة تدين أي انتهاكات ترتكب ضد النساء وسلامتهن.
5 – تبني مؤسسات المجتمع المدنى لحق النساء في السلامة والأمن، واتخاذ الخطوات الإيجابية في الدفاع عن هذا الحق.
أسماء المنظمات والجمعيات الموقعة
– رابطة المرأة العربية.
– مؤسسة المرأة الجديدة.
– مركز قضايا المرأة المصرية.
– المركز المصري لحقوق الإنسان.
– مؤسسة الشهاب للتطوير والتنمية.
– مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف.
– مرکز هشام مبارك للقانون.