إزاي نفهم البطريركية؟
تاريخ النشر:
2022
تأليف:
ترجمة:
إزاي نفهم البطريركية؟
فصل من كتاب “إرادة التغيير: الرجال والذكورة والحب” (2004)
المؤلفة هي جلوريا جينز واتكينز، المعروفة بالاسم المستعار بل هوكس، وهي كاتبة نسوية وناشطة اجتماعية أمريكية. ركزت بل على كتابة في موضوعات عن تقاطع الاضطهاد العرقي، والرأسمالية، والتمييز العنصري بين الجنسين، وقدرتهم على إنتاج واستدامة أنظمة القمع والهيمنة الطبقية.
إنتاج ورشة الترجمة النسوية بدار هنَّ في أغسطس 2022.
فيه عدوى لمرض اجتماعي منتشر بقوة في مجتمعنا، والمرض دا بيهاجم جسم الراجل واسمه البطريركية (النظام الأبوي). ومعظم الرجالة ما بيستخدموش المصطلح دا في الحياة اليومية، وعندهم صعوبة في نطق المصطلح. لأن المصطلح مش جزء من تفكيرهم أو كلامهم اليومي. أغلبية الرجالة ما بيفكروش في المرض دا وإزاي اتخلق واستمر في التطوير. والرجالة اللي بيعرفوا المصطلح أو سمعوه قبل كدا بيربطوه بحرية المرأة أو النسوية. والنتيجة بتكون رفض المصطلح والفكرة باعتبارها مالهاش علاقة بتجاربهم الخاصة. بقالي أكتر من تلاتين سنة باقف على منصات أتكلم عن النظام الأبوي (البطريركية) ولسه الرجالة اللي بيسمعوني باستخدمها بيسألوني أقصد بيها إيه!
مفيش حاجة بتقلل من تصور الرجالة المعادي للنسوية عن قوتهم الخارقة إلا جهلهم اﻷساسي بجانب كبير من النظام السياسي اللي بيشكل ويكون هويتهم الذكورية وإحساسهم بنفسهم من ساعة ما بيوعوا على الدنيا لحد ما ياكلهم الدود. أحيانًا باستخدم عبارة “أبوي أبيض عنصري رأسمالي إمبريالي” عشان أوصف الأنظمة السياسية المتشابكة مع بعضها اللي بتشكل أساس سياسة الأمة كلها. والأنظمة السياسية دي هي اللي بنتعلم عن طريقها يعني إيه نظام أبوي حتى لو ماكناش سمعنا الكلمة قبل كدا، لأننا من وإحنا صغيرين بناخد تعليمات وإرشادات عن ازاي نأدي الأدوار الأبوية صح.
اﻷبوية نظام سياسي واجتماعي مُصِر على إن الرجالة مهيمنين بالوراثة ومتفوقين في كل حاجة، وبيعتبر كل الناس أضعف منهم وخصوصًا الستات، وبيعتبر إن الراجل له الحق في الهيمنة والسيطرة دي وكمان بيحافظ له عليها حتى بأي شكل من أشكال الإرهاب والعنف النفسيين. أخويا كان أكبر مني بسنة، ولما اتولدت قرر النظام البطريركي اللي مترسخ جوا عيلتي يحدد شكل نظرة أهلنا لكل واحد فينا، دا غير إنهم اتعلموا التفكير دا من خلال الدين. اتعلموا في الكنيسة إن ربنا خلق الراجل عشان يحكم العالم وكل شيء فيه. وشغلانة الست إنها تساعده في إنه يخلص المهام دي، وإنها تطيعه ويكون دايمًا دورها ثانوي. اتعلموا إن ربنا متجسد في جسد راجل. والتعليمات دي كانت موجودة في كل المؤسسات اللي بيعدوا عليها. وعشان كدا اعتنقوا الأبوية زيهم زي أي حد في نفس النظام. وكمان كانوا بيعلموها لعيالهم لأنه بقى دا الشكل الطبيعي للحياة.
ولأني البنت علموني إن دوري هو إني أخدم وأكون ضعيفة وما أشغلش بالي بالتفكير، آخد بالي من غيري وأراعيهم، لكن أخويا فهموه إنه موجود عشان يتخدم، يكون قادر يفكر وينظم ويخطط، والرعاية والطبطبة مش جزء من مسؤوليته. فهموني إن فطرة البنت إنها ما تكونش عنيفة وإن ده مش مقبول. أخويا كبروه على فكرة إن قيمته في الحياة بتتحدد باستعداده لأنه يكون عنيف (لو الموقف استدعى كدا)، وفهموه إن حب الولد للعنف شيء فطري (لو الموقف استدعى كدا). قالوا لأخويا “إنت ولد ما ينفعش تعبر عن مشاعرك”، وقالولي “إنتي بنت عبري عن مشاعرك وقولي إنتي حاسه بايه”. لما انفجرت غضبانة عشان أخدوا مني لعبتي كانوا بيقولوا لي إني بنت ما ينفعش أتنرفز عشان النرفزة مش مسموحة للبنات –ده جزء من تربيتي في بيت أبوي– ومش بس مش مسموح ليَّ أظهر نرفزتي، ده مش مسموح أصلا أحس بنرفزة. لو أخويا اتنرفز عشان اتاخدت منه لعبته قالوا له إن التعبير عن الغضب حاجة حلوة بس يختار الموقف المناسب للتنفيس عن غضبه. ما ينفعش يتنرفز قصاد أوامر ماما وبابا، بس لما كبر علموه إن العصبية مش غلط، وإن السماح لعصبيته إنها تفتح الباب للعنف حاجة محمودة بتساعد الراجل يحافظ على بيته ووطنه.
كبرت في مجتمع ريفي معزول عن أي حد، وكل فهمنا لدور الست والراجل في الحياة كان من ملاحظتنا لماما وبابا ولأسلوبهم وسلوكهم. أنا وأخويا وقعنا في فخ. أنا كنت بنت قوية وعنيفة بعكس أخويا، ففهموني بسرعة إن دي حاجة وحشة، وأخويا كان ولد هادي ومسالم، ففهموه إن دي حاجة وحشة. وده لخبطتنا، الحاجة الوحيدة اللي كانت واضحة إنه ما ينفعش نتصرف زي ما إحنا عايزين أو زي ما إحنا حاسين. كان واضح لينا جدا إن سلوكياتنا حاجة متقررة لينا ولازم نتبعها، نص جندري مكتوب لينا. أنا وأخويا اتعلمنا مصطلح “بطريركية” وإحنا كبار، لما عرفنا إن أدوارنا متقررة لينا، والهوية اللي لازم نكون عليها جاية من قيم بطريركية ومعتقدات جندرية.
أنا كنت دايمًا باتحدى البطريركية أكتر من أخويا عشان هي كانت النظام اللي بيخليني مش قادرة اشترك في الحاجات اللي نفسي أكون جزء منها. في حياة عيلتنا في الخمسينات، كان البلي لعبة الولاد. أخويا ورث البلي بتاعه من رجالة العيلة، وكان معاه صفيحة حاططهم فيها. كل الأحجام والأشكال وألوانهم تحفة، وكانوا بالنسبالي أكتر حاجة جميلة. لعبنا بيهم سوا وكنت في أوقات كتير ما أرضاش أشارك البلي بتاعي وباشبط فيه بعنف. لما بابا كان في الشغل وأمي اللي بتشتغل في البيت كانت بتبقى فرحانة لما تشوفنا بنلعب بالبلي. بس بابا ببصته الذكورية للي بيشوفه كان بيتضايق. بنته العنيفة المنافسة كانت بتلعب أحسن من ابنه، وابنه كان سلبي، وكان واضح إنه مش مهتم مين بيكسب وبيدي البلي بتاعه للي يطلبه. بابا قرر إنه يوقف اللعب بالطريقة دي وشاف إننا محتاجين درس في الأدوار اللي لازم نمشي وراها حسب نوعنا الاجتماعي. في ليلة بابا وافق إنه أخويا يطلع صفيحة البلي. أنا أعلنت رغبتي في إني ألعب بالبلي، بس أخويا قال لي “البنات ما بيلعبوش بالبلي، ودي لعبة ولاد”. الكلام دا ماكنش داخل عقلي وأنا عندي خمس أو ست سنين، وأصريت إني ألعب بالبلي ومسكته وشوطته. بابا اتدخل عشان يقولي أبطل، لكني ما سمعتش وصوته فضل يعلى. فجأة شدني وكسر لوح من الباب وبدأ يضربني بيه ويقولي، “إنتي بنت صغيرة ولما أقولك حاجة تسمعي كلامي”. فضل يضربني ومستنيني أقول إني فهمت إن اللي عملته غلط. عنفه وغضبه لفت انتباه الناس. عيلتنا وقفت مخضوضة من مشهد العنف البطريركي. بعد الضرب دا اتعزلت، اتفرض على أقعد لوحدي في أوضتي وتبقى ضلمة. ماما جت الأوضة عشان تحاول تخفف الألم، وقالتلي بصوتها الجنوبي، “أنا حاولت أحذرك. إنتي محتاجة تقبلي إنك بنت صغيرة والبنات ما يقدروش يعملوا اللي الولاد بيعملوه.” كمعاونة للبطريركية كانت مهمتها إنها تأكد إن بابا عمل الصح بإنه حطني في خانتي ورجّع النظام الاجتماعي الطبيعي.
أنا فاكرة التروما دي عشان القصة فضلت تتحكي في العيلة. ماحدش فكر إنه إعادة حكي القصة دي بشكل مستمر ممكن يسبب كرب ما بعد الصدمة؛ إعادة الحكي كان مهم عشان يثبت الرسالة ويفكرنا بحالة العجز الكامل. التذكير بضرب عنيف لبنت من راجل ضخم وقوي كان أكتر من مجرد تذكير ليا بمكاني حسب نوعي الاجتماعي، كمان بيفكر كل اللي شافوا وبيفتكروا، لكل إخواتي البنات والولاد وأمنا، الست الكبيرة الناضجة إن الأب البطريركي هو الآمر الناهي في البيت. وكان تذكير لينا إننا لو ما سمعناش كلامه هانتعاقب وممكن يوصل العقاب للموت. هي دي الطريقة اللي اتعلمنا بيها البطريركية.
مفيش حاجة نادرة أو استثنائية في التجربة دي. طرطق ودانك لأصوات العيال الكبار المجروحين اللي كبروا في بيوت بطريركية، وهتسمع أشكال مختلفة من نفس الموضوع: استخدام العنف عشان يزرعوا البطريركية فينا ويخلونا نقبلها. في كتاب “كيف أستطيع الوصول إليك؟”، تيرانس ريال المعالج النفسي اﻷسري بيقول إزاي ولاده اتعرفوا على التفكير البطريركي رغم إنهم اتربوا في بيت محب مافيهوش قيم بطريركية. بيحكي إن ابنه أليكساندر كان مبسوط بإنه يلبس لبس باربي لحد ما الولاد اللي بيلعبوا مع أخوه الكبير شافوه وهو عامل باربي وحسسوه بنظراتهم وصدمتهم وقمصتهم منه إن تصرفه مش مقبول:
“بدون ذرة ضغينة، البصات اللي خدها ابني وصلت رسالة، “ما تعملش كدا”. والوسيط اللي وصل الرسالة دي كان شعور قوي: العار. أليكساندر لما وصل تلات سنين، كان بيتعلم القواعد. عشر ثواني من التواصل الساكت كانوا كافيين قوي إنهم يصرفوه من اللحظة دي وللأبد عن هوايته اللي بيحبها. أنا باسمي اللحظات دي من التوجيه ‘الصدمة الطبيعية’ للأولاد”.
عشان ما اﻷولاد يتعلموا قواعد البطريركية، لازم نجبرهم على الشعور بالوجع وإنكار مشاعرهم.
حواديتي حصلت في الخمسينات، وحواديت ريال حصلت قريب، وكلها بتؤكد هيمنة التفكير البطريركي، وقدرة الثقافة البطريركية في السيطرة علينا. ريال واحد من أكتر المفكرين عبقرية في مسألة الذكورية البطريركية في بلدنا، ومع ذلك هو بيعرف قرائه إنه مش قادر يبعد البطريركية عن ولاده، وهما بيعانوا من هجماتها زي كل الولاد والبنات بدرجة أكبر أو أقل. مفيش شك إن من خلال عمل بيت محب مافيهوش بطريركية، ريال بيقدم لولاده الاختيار على اﻷقل: ممكن يختاروا يكونوا نفسهم أو يختاروا الإلتزام بالقواعد البطريركية. ريال بيستعمل تعبير “البطريركية النفسية” عشان يوصف التفكير البطريركي الشايع بين الستات والرجالة. برغم من التفكير النسوي المتبصر المعاصر اللي بيقول بوضوح إن التفكير البطريركي مش مقصور على الرجالة، أغلب الناس بتشوف إن الرجالة هما أُس البطريركية. لكن مش دي المشكلة ببساطة، الستات ممكن يرتبطوا بالتفكير التصرف البطريركي زي الرجالة.
التعريف المظبوط للبطريركية في كتاب “خلق الحب” للدكتور جون برادشو مفيد، “القاموس بيعرف ‘البطريركية’ بإنها ‘تنظيم اجتماعي بيميزه تفوق اﻷب في القبيلة أو العيلة في الواجبات الدينية والمنزلية‘”. البطريركية بتتميز بسيطرة الذكر وسلطته. هو بيأكد إن “القيم البطريركية لسه بتحكم أغلب أديان العالم وأنظمة المدارس والعائلات”. برادشو بيحط “الطاعة العميا” باعتبارها أكتر الصفات المضرة في القواعد دي وبيعتبرها “القاعدة اللي بتقوم عليها البطريركية، كبت لكل المشاعر ما عدا الخوف، تدمير إرادة الفرد، وكبت التفكير لما يختلف عن طريقة تفكير رمز السلطة”. التفكير البطريركي بيشكل قيم ثقافتنا، وبنتربى عليها اجتماعيًا ستات ورجالة. أغلبنا اتعلم المواقف البطريركية في بيوت عائلاتنا، وعادة أمهاتنا هي اللي علمتها لنا، وبعدين يتأكد عليها في المدارس والمؤسسات الدينية.
الوجود الحديث للأسر اللي بتديرها ست خلا ناس كتير تفترض إن الأطفال في الأسر دي ما بيتعلموش قيم النظام الأبوي لأن مفيش وجود للذكر. هما بيفترضوا إن الرجالة هما المعلم الوحيد للفكر الأبوي. مع ذلك، كتير من الأسر اللي بتديرها ست بتأيد وتشجع الفكر الأبوي بشغف أكبر بكتير من الأسر اللي بيديرها أب وأم. وده لأنهم ما عندهمش خبرة واقعية يتحدوا بيها الأوهام الخاطئة للأدوار الجندرية، الستات في الأسر دي عرضة أكبر بكتير لتمجيد الدور الأبوي للذكر والرجالة الأبويين من الستات اللي بتعيش مع رجالة أبويين كل يوم. إحنا محتاجين نسلط الضوء على الدور اللي بتلعبه الست في استمرار وبقاء الثقافة الأبوية علشان كده هنتعرف على النظام الأبوي باعتباره نظام مدعوم من الستات والرجالة سوا، حتى لو كان الراجل بياخد مكافآت أكتر من النظام ده. تفكيك وتغيير الثقافة الأبوية هو عمل لازم يقوم بيه الستات والرجالة سوا.
طبعًا ما نقدرش نفكك نظام وإحنا مشاركين في الإنكار الجماعي لتأثيره على حياتنا. النظام الأبوي بيحتاج هيمنة الذكر بأي طريقة ممكنة، وبالتالي فهو يدعم العنفل اللي سببه نوع الجنس ويروجه ويتغاضى عنه. إحنا بنسمع كتير عن العنف اللي سببه نوع الجنس في الخطابات العامة عن الاغتصاب والاعتداء بين الشركا في البيت. لكن أكتر الأنواع الشايعة للعنف الأبوي هي اللي بتحصل في البيت بين الأبويين والأطفال. الهدف من العنف ده إنه يرسخ نموذج شخص مهيمن، واللي فيه الشخص اللي له سلطة بيُنصب كحاكم على الأشخاص اللي بلا قوة وبياخد حق الحفاظ على الحكم ده عن طريق ممارسات الإخضاع والتبعية والإذعان.
واحدة من الطرق للحفاظ على الثقافة الأبوية هي منع الرجالة والستات من إنهم يحكوا حقيقة اللي بيحصلهم في بيوتهم. فيه غالبية كبيرة من الأفراد بينفذوا قاعدة مسكوت عليها في الثقافة ككل واللي بتتطلب إننا نكتم أسرار النظام الأبوي، وبكده بيحموا حكم اﻷب. قاعدة السكوت دي بتطبق لما الثقافة بترفض مجرد إن كل الناس يعرفوا كلمة “أبوي” بسهولة. معظم الأطفال ما بيعرفوش يسموا نظام إضفاء الطابع المؤسسي للأدوار الجندرية ده إيه، ونادرًا ما بنسميه إحنا في الأحاديث اليومية. الصمت ده بيعزز الإنكار. إزاي نقدر نستعد علشان نتحدى ونغير نظام مش عارفين نسميه؟
مش صدفة إن النسويات بدأوا يستخدموا كلمة “أبوية” علشان يبدلوا بيها الكلمات اللي بتستخدم بشكل أكبر زي “الشوفينية الذكورية” و”التحيز الجنسي”. الأصوات الشجاعة دي كانوا عايزين الرجالة والستات يبقوا واعيين أكتر بالطريقة اللي بتأثر بيها الأبوية علينا كلنا. في الثقافة الشعبية كانت الكلمة يا دوب بيتم استعمالها في عز النسوية المعاصرة. الناشطات المناهضات للذكور ما كانوش متحمسين أكتر نظرائهم الرجالة المتحيزين ضد المرأة في إنهم يركزوا على النظام الأبوي وعلى الطريقة اللي بيشتغل بيها. لأنهم علشان يعملوا كده كان لازم هيكشفوا بشكل تلقائي عن فكرة إن الرجالة قوتهم مطلقة والستات بلا قوة، يعني إن كل الرجالة مستبدين والستات دايمًا ضحايا وبس. عن طريق رمي لوم استمرار التحيز الجنسي على الرجالة لوحدهم، الستات دول بيحافظوا على ولائهم للأبوية ورغبتهم في السلطة. هما غطوا على رغبتهم الشديدة في إنهم يبقوا مهيمنين بلبس عباية الضحية.
زي نسويات راديكاليات كتار، اتحديت الفكرة الغلط اللي قدمتها ستات جابت آخرها من الاستغلال والظلم الذكوري عن إن الرجالة همَّ العدو. زمان، سنة 1984، كنت كتبت فصل في كتابي “النظرية النسوية: من الهامش للمركز” وحطيت له عنوان: “الرجال: رفاق النضال”، كنت بازن على الناشطات النسويات إنهم يتحدوا الخطاب اللي بيلوم الرجالة بس على دعم الأبوية وسيطرة الذكور:
“الأيديولوجية الانفصالية بتشجع الستات إنهم يهملوا أي أثر للتحيز الجنسي على تكوين الرجالة. بتأكد على القطبية بين الجنسين. زي ما قالت جوي جاستس، الانفصاليين مصدقين إن فيه وجهتين نظر بس في موضوع تحديد ضحايا التحيز الجنسي: يا إما الرجالة بيظلموا الستات، يا إما كلنا بني آدمين وبنتظلم من الأدوار الجندرية الجامدة.” وجهتين النظر بيعبروا بالظبط عن الأزمة الي أحنا فيها، آه الرجالة بتظلم الستات، وآه الأدوار الجندرية الجامدة بتظلم الناس. الحقيقتين موجودين جنب بعض. ظلم الرجالة للستات مش هيغفره إن فيه طرق بيتظلم فيها الرجالة من الأدوار الجندرية الجامدة. الناشطات النسويات لازم يعترفوا بوجود الألم ده ويشتغلوا عشان يغيروه.. هو موجود. ده مش هيمسح ولا يقلل مسؤولية الرجالة عن دعمهم وحفاظهم على قدرتهم جوه النظام الأبوي على إستغلال الستات وظلموهم بطريقة أخطر من الضغط النفسي وألم المشاعر اللي بيحصلهم بسبب امتثال الرجالة للأدوار الجندرية الجامدة”.
أصريت طول المقال دا إن الناشطات النسويات بيشاركوا في ألم الرجالة المجروحين بالأبوية، لما بشكل خاطئ بيعرفوا الرجالة على أنهم أقويا بس، وإنهم بشكل دائم بياخدوا مميزات من امتثالهم الأعمى للأبوية. بأكد إن الأيدولوجية البطريركية بتمسح عقول الرجالة وتخليهم مصدقين إن الأبوية مفيدة وده مش حقيقي:
“ساعات كتيرة بتأكد ناشطات نسويات المنطق دا مع أننا لازم لازم دايما نسمي التصرفات دي كأنها تعبير عن علاقات قوة مختلة، ونقص عام في قدرة الواحد على التحكم في تصرفاته، وعجز عاطفي، ولامنطقية متطرفة، وفي أوقات كتير جنان. تشرب الراجل بشكل سلبي للأيدولوجية المتحيزة جنسيًا بيسمح للرجالة إنهم يترجموا التصرف الغير متزن بشكل إيجابي. طالما الرجالة ممسوحين الدماغ فبيساووا بين السيطرة العنيفة وأذى الستات بلامتيازات، هيفضلوا مش فاهمين الضرر اللي حاصل لهم أو لغيرهم، ومش هيكون عندهم دافع للتغيير. الأبوية عايزة الرجالة تكون وتفضل معوقة في مشاعرها. بما أنه نظام بينكر على الرجالة حقهم في إن يكون عندهم حرية إرادة، هيفضل صعب إن أي راجل من أي فئة اجتماعية يتمرد ضد النظام الأبوي، وإنه ما يبقاش مخلص لولي الأمر الأبوي، سواء كان ولي أمره ده راجل ولا ست.”
الراجل اللي كنت على علاقة أساسية به لأكتر من اتناشر سنة اتعرض لصدمة بسبب الديناميكيات الأبوية في عيلته اللي نشأ فيها. وقت ما قابلته كان في العشرينات، ومع إنه قضّى السنين الأولى من حياته مع أب عنيف ومدمن للكحول فظروفه اتغيرت لما بقى عنده اتناشر سنة وبدأ يعيش لوحده مع أمه، وفي السنين الأولى من علاقتنا اتكلم بصراحة عن العداوة والغضب اللي بيحس بيهم ناحية والده المسيء، وماكاش مهتم إنه يسامح أبوه أو يفهم الظروف اللي شكلت حياته وأثّرت عليها، سواء في طفولته أو في حياته العملية كراجل عسكري، وكمان كان بينتقد سيطرة الرجالة على الستات والأطفال انتقاد جامد، ومع إنه ما استخدمش كلمة “الأبوية” إلا إنه كان فاهم معناها وبيعارضها، وطريقته الهادية واللطيفة غالباً ما كانت بتخلي الناس تتجاهله ويشوفوه ضعيف وقليل الحيلة، ولما بقى عنده تلاتين سنة بدأ يكوّن شخصية ذكورية أكتر ويؤمن بالنموذج المسيطر اللي كان بينتقده في يوم من الأيام، ولما لبس عباية الأبوية بدأت الناس تحترمه أكتر وتلاحظ وجوده أكتر، وستات أكتر بقوا ينجذبوا ليه، وبقى فيه اهتمام أكبر بيه في الأماكن العامة، وبطّل ينتقد السيطرة الذكورية، وكمان بدأ يتكلم بلسان الأبوية ويقول نفس الكلام المتحيز ضد الستات اللي كان ممكن يضايقه زمان.
كل التغييرات دي في طريقة تفكيره وتصرفاته كان سببها رغبته في إن الناس تقبله ويثبت نفسه في مكان شغله اللي فيه علاقات أبوية وكان بيبرر ده برغبته في إنه يترقى. قصته مش غريبة؛ لأن في حالات كتير قوي الولاد اللي بتعاملهم الأبوية بوحشية وبتأذيهم وتحولهم لضحايا بيبقوا أبويين وبيجسدوا الذكورية الأبوية المسيئة اللي كانوا بيشوفوا بوضوح في يوم من الأيام إنها شريرة، وقليلة حالات الرجالة اللي اتعرضوا للإساءة وهم أولاد صغيرين باسم الذكورة الأبوية بيقاوموا بشجاعة غسيل الدماغ اللي اتعمل ليهم ويفضلوا صادقين مع نفسهم، ومعظم الذكور بيسايروا الأبوية بشكل من الأشكال.
بالتأكيد، النقد النسوي الراديكالي للأبوية اتعرض للإسكات بشكل كبير في ثقافتنا، وبقى خطاب ثقافي فرعي متاح بس للنخبة المثقفة، وحتى في دوايرهم بقى استخدام كلمة “الأبوية” موضة قديمة، وكتير قوي لما باستخدم جملة “الأبوية الرأسمالية البيضا العنصرية الإمبريالية” عشان أوصف النظام السياسي لبلدنا الجمهور بيضحك، وماحدش مرة شرح لي ليه تسمية النظام ده بدقة بيضّحك كده. الضحك نفسه سلاح من أسلحة الإرهاب الأبوي وبيكون وسيلة ﻹنكار المسؤولية والتقليل من أهمية الحاجة اللي بنسميها باسمها، وكمان بيقول إن المشكلة في الكلام نفسه مش النظام اللي بيوصفه، وأنا بافسر الضحك ده على إنه الطريقة اللي الجمهور بيعبر بيها إنه مش مرتاح إن أنا باطلب منه ياخد صف نقد رافض للأبوية وبيعارضها، وكمان الشخص اللي بيضحك ده بيفكرني إن أنا لو اتجرأت أتحدى الأبوية على المفتوح، ما حدش حياخد كلامي جد.
الناس في بلادنا بيخافوا يتحدوا الأبوية حتى لو كان عندهم حبة وعي بيفضلوا خوافين. القوانين الأبوية مغروسة جوه عقلهم الجمعي. غالبا لما باقول لجمهوري إننا لو خبطنا على الأبواب وسألنا كل واحد هل لازم إننا نقضي على عنف الرجالة ضد الستات، فأغلب الناس هتدعمنا من غير شك. وبعدين لو قلنا لهم إن الطريقة الوحيدة لوقف العنف الذكوري ضد الستات هي إننا نخلص على الهيمنة الذكورية ونقضي على الأبوية هيترددوا وهيتغير موقفهم. ورغم إن المكاسب الكبيرة قوي للحركة النسوية الحالية وتساوي الستات مع الرجالة في الشغل، والتسامح الكبير مع فكرة إن الناس يتخلوا عن الأدوار الجندرية الجامدة، فالنظام الأبوي لسه زي ما هو. وكتير من الناس لسه معتقدين إنهم محتاجين له جدا علشان يحافظوا على بقاء النوع البشري واستمراره. الاعتقاد ده مضحك قوى عشان الطريقة الأبوية المتبعة في تنظيم الأمم وخصوصًا الإصرار على العنف كوسيلة للسيطرة الاجتماعية أدت لدبح ملايين من الناس على الكوكب ده.
ولحد ما نقدر نعترف كلنا بالأضرار اللى اتسببت فيها الأبوية والمعاناة اللي نتجت عنها، مش هنقدر نعالج الألم اللي بيعانيه الرجالة ومش هنقدر نطلب منهم إنهم يكونوا كاملين ويكونوا سبب في استمرار الحياة وعطاءها. صحيح وواضح إن بعض الرجالة الأبويين موثوق فيهم وبيقدموا خدمات ورعاية لأسرهم لكن لسه الناس دول مسجونين جوه النظام اللى بيحجم صحتهم العقلية.
الأبوية بتعزز الجنون وهي أصل العلل النفسية اللي بتزعج الرجالة في بلدنا، ومع ذلك مفيش اهتمام اجتماعي كبير بمحنة الرجالة. سوزان فالودي بتقول في كتابها “اتغش: خيانة الرجل الأمريكي” “Stiffed: The Betrayal of the American Man” اللي بتناقش فيه الأبوية:
“اطلبوا من النسويات تشخيص مشاكل الرجالة وهتلاقي غالبا تفسيرات واضحة: الرجالة بيعانوا من أزمة لأن الستات بيتحدوا سيطرة الرجالة. الستات بتطلب من الرجالة المشاركة في الأمور العامة والرجالة ما تقدرش تتحمل ده. اسألوا الناس اللي بتعادي النسويات وهتلاقي التشخيصات متشابهة. وزي ما بيقول كتير من النقاد المحافظين الرجالة متضايقين من إن الستات عدوا حدود المطالبة بالمساواة في المعاملة ودلوقتي بيحاولوا ياخدوا السلطة والحكم من إيد الرجالة. الرسالة اللى مش باينة هي إن الرجالة مش هيبقوا قادرين يكونوا رجالة، لو ما قدروش يسيطروا، ووجهتين النظر النسوية واللي ضد النسوية موجودين في التصور الأمريكي الحالي بصورة مميزة وهو تصور بيقول إن الراجل علشان يبقى راجل لازم يفضل مسيطر ويفضل حاسس بالسيطرة دي طول الوقت”.
فالودي ما بتتكلمش أبدًا عن مفهوم السيطرة ولا بتشوف أبدًا إن الفكرة اللي بتقول إن الرجالة كانوا مسيطرين وأقويا ومبسوطين بدرجة ما من حياتهم قبل الحركة النسوية الحالية فكرة غلط.
الأبوية كنظام منعت الرجالة من الوصول لأحسن حال عاطفي ودا مش نفس الحاجة زي إن الواحد يحس إنه أخد مكافأة كويسة أو إنه ناجح أو أقوى بسبب قدرته على فرض سيطرته على الآخرين. علشان نركز بجد مع وجع الذكور وأزمتهم حنحتاج أننا كأمة نكون مستعدين لكشف الحقيقة القاسية اللي هي إن النظام الأبوي دمر الرجالة زمان ولسه بيدمرهم لحد النهارده. لو النظام الأبوي بيكافئ الرجالة فعلا ماكانش حيبقى فيه العنف والإدمان المنتشر في الحياة الأسرية. العنف دا ما خلقتهوش النسوية. لو كان النظام الأبوي مُرضي ما كانش بقي فيه عدم الرضا الطاغي اللي بيحس بيه أغلب الرجالة في حياتهم العملية –وعدم الرضا دا اتوثق باستفاضة في أعمال ستدز تركل واتنقل برضه في أطروحة فالودي. من نواحي كتير كتاب “إتغش” هو خيانة تانية للرجالة الأمريكان لأن فالودي قضت وقت كبير قوي وهي بتحاول ما تتحداش النظام الأبوي لدرجة أنها فشلت في أنها تبرز ضرورة إنهاء النظام دا لو كنا عايزين نحرر الرجالة. بس هي كتبت:
“بدل ما أسأل نفسي الرجال ليه بتقاوم نضال الستات علشان حياة أكتر حرية وصحة إبتديت أسأل نفسي ليه الرجالة بتمنع نفسها أنها تشترك في النضال لحل مشكلتهم همَّ. ليه ما قدموش أي رد منهجي وعاقل على معانتهم بالرغم من تصاعد غضبهم: بما أن المطالب اللي بتتطلب من الرجالة علشان يثبتوا نفسهم في ثقافتنا مهينة ومش بتديهم أي حماية، طيب ليه مش بيثوروا.. ليه الرجالة ما بيردوش على سلسلة الخيانات اللي بتحصل لهم في حياتهم همَّ –على فشل أبهاتهم في أنهم يوفوا بوعودهم– بأي طريقة تكون مساوية للنسوية؟”
خلوا بالكوا أن فالودي مش بتستجري أنها تزعل الستات النسويات بإنه تقول أن الرجالة ممكن يلاقوا الخلاص في الحركة النسوية ولا بتقدر تواجه رفض القراء من الرجالة اللي همَّ ضد النسوية تماما بأنها تقترح إن فيه حاجة ممكن يكسبوها من اشتباكهم مع النسوية. لغاية دلوقتي في أمتنا الحركة النسوية الحالمة هي الشكل الوحيد من أشكال النضال علشان العدالة اللي بتأكد على أهمية إنهاء النظام الأبوي. مفيش مجموعة كبيرة من الستات قبل كده اتحدت الذكورية ولا أي مجموعة من الرجالة اجتمعوا علشان يقودوا النضال. الأزمة اللي بتواجه الرجالة مش أزمة ذكورة هي أزمة الذكورية الأبوية ولغاية ما يبقى الفرق دا واضح، فالرجالة حتستمر في أنها تخاف من أن أي نقد للذكورية حيمثل لها تهديد. ترانس ريل بيخص الأبوية السياسية في كلامه بإنها مسؤولة بدرجة كبيرة عن إنهاء التمييز على أساس الجنس وبيوضح أن الأبوية اللي بتخربنا محفورة في عقليتنا:
“الأبوية النفسية هي التفاعل بين الصفات اللي بنعتبرها “ذكورية” و”أنثوية” واللي بتكون نص صفاتنا الإنسانية فيها واخدة اعتبارها بس النص التاني تعتبر مالوش قيمة. الرجالة والستات بيشتركوا في نظام القيمة المعذب دا. الأبوية النفسية “رقصة احتقار” ونوع منحرف من اﻹرتباط بياخد مكان الحميمية الحقيقية ويبدلها بطبقات معقدة من السيطرة والخضوع والتواطؤ والتلاعب. دا نموذج العلاقات غير المعترف بيه اللي شربته الحضارة الغربية جيل بعد جيل فشوهت الجنسين ودمرت الصلة العاطفية اللي بينهم”.
لما بنسلط الضوء على الأبوية النفسية بنشوف إن كل الناس متورطة وبنتحرر من الفهم الغلط بتاع إن الرجالة همَّ الأعداء. علشان ننهي الأبوية لازم نتحدى مظهرها النفسي والملموس في حياتنا اليومية. فيه ناس تقدر تنتقد الأبوية ولكنها ما تقدرش تتعامل بطريقة مش أبوية.
علشان ننهي وجع الأبوية وعلشان نستجيب بطريقة فعالة أكتر لأزمة الذكور، لازم نسمي المشكلة باسمها، لازم نعترف إن المشكلة هي الأبوية ونشتغل عليها علشان نخلص منها. ترانس ريال بيقدم لنا النظرة الغالية دي: “استعادة كمال النفس عملية محفوفة بالخطر بالنسبة للرجالة أكتر من الستات، عملية أصعب جدًا وبتشكل تهديد أعمق قوي للثقافة عموما”. لو الرجالة عايزين يستعيدوا الخير الحقيقي في وجودهم كذكور، لو عايزين يستعيدوا مساحات القلب المفتوح والصدق في التعبير العاطفي اللي همَّ أساس العافية فلازم نتصور بدايل للذكورة الأبوية. لازم كلنا نتغير.