سونداری رافیندران*
ملخص:
ثمة ثلاثة أبعاد أساسية يجب أن تؤخذ فى الاعتبار لفهم مغزي إصلاحات قطاع الصحة لخدمات الصحة الجنسية والإنجابية. يتعلق البعدان الأولان بالسياق الذى يجرى إدخال قطاع الصحة فيه : أى خصائص النظام الصحى، وبموقع خدمات الصحة الجنسية والإنجابية داخل هذا النظام. أما البعد الثالث فيتعلق بمحتوى ومجال إصلاحات قطاع الصحة المدخلة فى هذا السياق، والأطراف الفاعلة والعمليات التى يجرى من خلالها إدخال هذه الإصلاحات. وبالتالي، ينبغى وضع وفهم المحتوى والمجال والفاعلين والعمليات داخل السياق السياسي– الجغرافي الأوسع، وموقع البلد المعنى فيه.
كلمات مفتاحية:
إصلاحات قطاع الصحة خدمات الصحة الجنسية والإنجابية: سياسة وبرامج الصحة: الجيوبوليتيك.
عند قراءة الكتابات المتنامية بشأن إصلاحات قطاع الصحة والنتائج المتناقضة بشأن ما هو فاعل وما هو ليس كذلك، شعرت بالحاجة إلى تنظيم المعلومات بطريقة تساعدني على إدراكها بصورة أفضل. ولقد جاء الإطار الذي أنا بصدد تقديمه انطلاقاً من هذه الحاجة ولا يزال يتطور. ومع ذلك، أعتقد أنه قد يوفر نقطة انطلاق مفيدة لفك الاشتباك بين العوامل المتعددة التي تؤدي لتطور إصلاحات قطاع الصحة في اتجاه ما في بلد ما، بطريقة تختلف تماماً عما يحدث في بلد آخر.
ثمة ثلاثة أبعاد أساسية يجب أن تؤخذ في الاعتبار يتعلق البعدان الأولان بالسياق الذي يجرى فيه إدخال إصلاحات قطاع الصحة : أى خصائص النظام الصحى وتلك الخاصة بخدمات الصحة الجنسية والإنجابية الموجودة داخل هذا النظام. أما البعد الثالث فله صلة بمحتوى ومجال إصلاحات قطاع الصحة المدخلة في هذا السياق، والفاعلين والعمليات التي يجري من خلالها إدخال هذه الإصلاحات، وبالتالي، ينبغى وضع وفهم المحتوى والمجال والفاعلين والعمليات داخل السياق السياسي – الجغرافى الأوسع، وموقع البلد المعنى فيه.
خصائص النظام الصحى
يبدو تصنيف أنظمة الصحة الوطنية المقترح من قبل منظمة الصحة العالمية فى بداية الثمانينيات مفيداً كنقطة انطلاق ,(1) تلك النماذج التي ترتكز على المستوى الاقتصادي الوطنى وعلى مدى مسئولية الدولة عن توفير وتنظيم الخدمات الصحية. فوفقاً لهذا التصنيف، يمكن تقسيم أنظمة الصحة الوطنية إلى تسع فئات وذلك على أساس ثلاثة مستويات للناتج المحلى الإجمالي GDPs: عالى ومتوسط ومنخفض، ومن خلال ثلاثة مستويات لمسئولية الدولة عن توفير وتنظيم الخدمات الصحية: عالي ومتوسط ط ومنخفض. فعلى سبيل المثال، يسير أعلى مستوى لمسئولية الدولة عن الصحة جنباً إلى جنب مع وجود قطاع عام رئيسى فى الصحة،ويسير أقل مستوى لمسئولية الدولة جنبًا إلى جنب نظام صحى يرتكز بالأساس على القطاع الخاص. ومن نافل القول،أن هذه الخصائص تتغير بمرور الوقت، وقد يتحول البلد من فئة إلى أخرى. كما قد يكون هناك أكثر من نظام فى البلدان التى تكون بنية الحكم فيها ذات طبيعة فيدرالية.
خصائص خدمات الصحة الجنسية والإنجابية
تؤثر طبيعة نظام الصحة ذاته على خصائص خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الراهنة في أي بلد. على سبيل المثال، يعتمد مجال الخدمات المتاحة على الموارد المتوفرة، كما أن مدى انخراط الدولة في توفير الخدمات الصحية يحدد ما إذا كانت خدمات محددة متاحة داخل قطاع الصحة العام أم الخاص أم كلاهما.
العوامل الأخرى التى من المرجح أن تؤثر في مجال خدمات الصحة الإنجابية والصحية المتاحة وتوزيعها عبر القطاعين العام والخاص وآليات تمويل هذه الخدمات، تتضمن ما يلى: أن تمثل برامج صحة الأم والأمومة الآمنة أولوية سياسية ، موقف البلد فيما يتعلق بتنظيم السكان والإجهاض القصدى، وسجلها فيما يتعلق بالأطراف الفاعلة التى تشارك في وضع أجندة الصحة الجنسية والإنجابية، المواقف التفاوضية النسبية لكل من الممولين الأجانب والمؤسسات الدينية والحركة النسائية.
على سبيل المثال، إن مدى اعتبار خدمات صحة الأم كأولوية سياسية لخدمات الصحة يحدد ما إذا كانت رعاية الحمل والولادة ستكون خدمات مدعومة من قبل الدولة أم أنها ستقدم مقابل رسوم تدفعها المستفيدات من الخدمة. مجددا، فإن البلدان التي لديها برامج قوية ترعاها الدولة لتنظيم السكان، ستوفر على الأقل، موارد بشرية ومادية لتوفير الخدمات عبر القطاع العام،مقارنة بالأوضاع حيث لا يكون هناك استثمار في أي جانب من جوانب الصحة الإنجابية. وبالتالي، فقد يكون هناك ميزة مقارنة فى الإبقاء على هذه الخدمات داخل القطاع العام عوضًا عن توفيرها عبر القطاع الخاص. ولإعطاء مثال آخر، ففى البلدان التى كان لحركة صحة المرأة تأثيرًا قويًا فى وضع الأجندة ، تكون الاحتمالات أقل نسبيًا فيما يتعلق بإدخال إصلاحات في قطاع الصحة تحد من حصول النساء على خدمات الحفاظ على الحياة.
خصائص إصلاحات قطاع الصحة
تندرج إصلاحات قطاع الصحة التي تم إدخالها خلال التسعينيات فى فئة أو أكثر من الفئات التالية أو من خلال الجمع بين بعض جوانب كل منها :
-
تغيرات فى آليات التمويل، تؤدى إلى تحول في التوازن بين حصص كل من عائد الضرائب،والتأمين العام والخاص، ورسوم المستخدمين،والمعونات الخارجية فيما يتعلق بتمويل قطاع الصحة.
-
تغيرات فى آليات وضع الأولويات، تؤدى إلى إحداث تحول فى مجال الخدمات المقدمة من القطاعين العام والخاص والآليات التي يجرى من خلالها تمويل هذه الخدمات.
-
تغيرات فى الآليات التنظيمية : بالأساس تحول في دور الدولة بشأن تنظيم وتوفير خدمات الرعاية الصحية عادة فى اتجاه تحمل مسئولية أقل إزاء التوفير المباشر للرعاية الصحية،مقابل مسئولية أكبر إزاء التنظيم. واختبار مختلف أنواع الشراكات العامة – الخاصة.
-
ثمة تغيرات مصاحبة للتغيرات التنظيمية تشتمل على لامركزية الخدمات،تكامل الخدمات،التوجهات لمجمل القطاع Sector-Wide والإصلاحات فى الجوانب اللوجستية وأنظمة الإمداد.
يمكن للبلدان إدخال إصلاحات في أي من الفئات السابق ذكرها ، أو فى عدد منها فى نفس الوقت. ويمكن البدء بفئة من الإصلاحات والتحرك باتجاه فئات أخرى. كما يمكن للبلدان إدخال إصلاحات على المستوى الوطنى، أو فى ولاية أو اثنين فى البنية الفيدرالية. وقد تغطى الإصلاحات مجمل القطاع الصحى،كما هو الحال في مقاربات مجمل القطاع، أو أن يجرى إدخالها في عدد محدود من البرامج الصحية. إن كم عدد التغيرات والتركيبات الممكنة يجعل “إصلاحات نظام الصحة” بعيدة عن تكون حزمة متجانسة، بل في الواقع خليطًا من التدخلات والسياسات تتنوع عبر البلدان وداخل كل بلد، كما تختلف بمرور الوقت.
الفاعلين والمعالجات
تتأثر طبيعة ومجال الإصلاحات إلى حد بعيد بوضعية وطبيعة الفاعلين المشاركين في وضع أجندة الإصلاح، وصانعى القرارات النهائية. ويتضمن طيف الفاعلين: الفاعلين الدوليين والمؤسسات المالية مثل البنك الدولي والمنظمات غير الحكومية الدولية والمستشارين الذين يجرى التعاقد معهم من خلال الممولين، كما يتضمن أيضًا الفاعلين من داخل البلد مثل الحكومات الوطنية والمحلية وأعضاء المهن الطبية والباحثين وحركة صحة المرأة وغيرها من منظمات المجتمع المدني.
إن العمليات التى يجرى من خلالها وضع أجندة الإصلاح هى إلى حد كبير مهمة الفاعلين المشاركين. وقد تتراوح المعالجة من الغياب وما ينتج عنه من محدودية الفرصة للتعديل، إلى المعلجة التي ترتكز على مجال واسع للتشاور مع الهيئات المهنية والفاعلين من المجتمع المدنى داخل البلد الكامل للتشاور مع الفاعلين من داخل البلد من خلال وضع الأجندة بمعرفة المموليين واستشاريهم.
ويعتبر السياق الجيوبوليتيكى الأوسع الذى يقع البلد بداخله بمثابة الخلفية اللازمة لفهم الأبعاد الثلاثة. وقد تشتمل بشكل عام على :
-
السياق السياسي، مثل الوضع التفاوضي للبلد على الصعيد الدولى، وطبيعة بنية الحكم فيه والتي تحدد مدى قدرة الفاعلين من خارج الدولة على التأثير في أية سياسة.
-
السياق الاقتصادى، مثل مستوى الديون الخارجية، واستقرار أو تأزم الوضع المالي:
-
السياق التاريخى، خاصة فيما يتعلق بالبنية السياسية ودور الدولة فى التنمية الصحية والاجتماعية في الماضي.
وقد تعنى عملية الإصلاح شئ ما مختلفاً تماماً عن البلدان الاشتراكية سابقاً والتى كان لديها خدمات صحية جيدة التنظيم تقدمها الدولة مقارنة بالبلدان التي تشهد مشاركة ضئيلة من الدولة فى مجال توفير الرعاية الصحية.
وتعتمد نتائج إصلاحات قطاع الصحة من أجل خدمات الصحة الجنسية والإنجابية على طبيعة الأبعاد الثلاثة التي تشكل هذا الاطار، وكذلك على التفاعل فيما بينها. وعند مقارنة خبرات إصلاحات قطاع الصحة في بلدان مختلفة داخل الإطار الموضح يكون بمقدورنا فهم أفضل لما هو فاعل وما ليس بفاعل،أين وكيف ولماذا.
* أستاذة فخرية، مركز أشوثا منون لدراسات علوم تريفاندرام، الهند
مراجع:
1- Kleczkowski BM, Van der Werff A. National health systems and their reorientation towards health for all guidelines for policy-making. Public Health Paper No 77. Geneva: World health Organization, 1984.