اصرخن کی نراکن
حول الممارسات النسوية العربية والعربية الأمريكية متعدية القومية *
نادين نابر**
لقد لاحظت في اللقاءات الثقافية أو الدينية أو السياسية، التي حضرتها على امتداد سنتي إعدادي لبحثي بين العرب الأمريكيين في سان فرانسيسكو بكاليفورنيا، أن النساء كن في طليعة من حاولوا تجذير الانتساب إلى المجتمع المحلي، فضلاً عن تجذير الممارسات الثقافية. وتعرض هذه الورقة البحثية حالات ثلاث نساء شابات – يُعرفن أنفسهن بوصفهن “عربيات” و“ناشطات” و“نسويات” – كفاعلات في إنتاج نقد نسوي راديكالي متعدي القومية – هؤلاء النساء هن سيما، ويمنى، ونادين، لقد التقيت بهن خلال عملنا المشترك بين العديد من منظمات العرب الأمريكيين وفي داخل هذه المنظمات بالمجتمع المحلي، وقد برزت الشهادات، التي تسبر أغوارها في هذه الدراسة، خلال حوارات منفصلة مع كل منهن، حيث طلبت من كل واحدة منهن سرد تاريخها في النشاط النسوي. وتجدر الإشارة إلى منظمتين كانتا مركزيتين بالنسبة لتطور علاقاتنا معاً كناشطات ونسويات، وهما: رابطة تضامن النساء العربيات وفرع سان فرانسيسكو للجنة العرب الأمريكيين لمناهضة التمييز. وقد وفرت لنا هاتان المنظمتان شبكات عمل مكنتنا من التعاون عند تنظيم مختلف المشروعات الاجتماعية والثقافية والسياسية.
وفي حين أن هذا التحليل محدود بالإطار الجغرافي لسان فرانسيسكو، فإننا نعيش لحظة تاريخية تتعدى القومية. وتهيئ المسرح لتعبيراتنا النسوية (1) إنها لحظة تتسم بتزايد تسييس صورة “العربي/ المسلم/ الشرق أوسطى. عدو الغرب“، كما أنها لحظة تتسم في الواقع بإضفاء طابع النوع الاجتماعي والطابع الجنسي عليها. إنني أطرح أن ممارساتنا النسوية هي فضاءات مركبة تشكلت من خلال ولاءات محلية وعبر – قومية عديدة. إن هذه الورقة البحثية. بتوسيعها تنظير إللا شوهات (Ella Shohat) بشأن “النزعة النسوية متعددة الثقافات (۱۹۹۸)(۲)، تلغي مركزية الفكرة القائلة بوجود “نزعة نسوية واحدة، وذلك بإلقاء الضوء على محاور متعددة مؤلفة من طبقات، تعمل على تسييسها. ليس بصورة معزولة، وإنما بالأحرى بوصفها “أجزاء من نسيج مسامي من العلاقات” (Shohat 1:1998)، وعندما نطوف، سواء فردياً أو جماعياً، داخل تلك التقاطعات دائمة التحول، وفيما بينها، والتي تضم العنصر والطبقة والنوع الاجتماعي والحياة الجنسية والدين، وعندما نطوف داخل الحدود الوطنية وما وراءها، فإن تكتيكاتنا تتغير بناء على من نكون وأنماط القهر التي نواجهها.
كما أن هذه الورقة البحثية، تتشبث بأوجه اختلافاتنا وأوجه تشابهنا في آن واحد، وبالتالي، تبرز مواقع الممارسات النسوية للنساء العربيات الأمريكيات كمواقع تشهد على الدوام تأثير التفاعل بين التماثل والاختلاف. وما دامت السرديات التي تلي لاحقاً لا تدل على أن “الممارسة النسوية” للعربيات الأمريكيات يمكن تعريفها في صيغة المفرد، توجد إذن مجموعة مشتركة من الولاءات تربطنا ببعضنا البعض، مولدة فضاءات تؤجج ما أشير إليه بوصفه النقد النسوي الراديكالي عبر القومي للعربيات الأمريكيات(3). وتضم هذه الولاءات حركة تحرر فلسطينية عالمية، وحركة عالمية لإنهاء العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على العراق، كما تضم نضالات متعددة عبر قومية تمارسها النساء العربيات ضد الأشكال القومية الثقافية للتمييز على أساس الذكورة والأنوثة. كما أننا نرتبط أيضاً بنضال النسويات العربيات الأمريكيات الذي يستهدف التغلب على وجودنا غير المرئي، وخاصة بين نسويات التحالف، فإننا نسعى في الوقت نفسه إلى تفنيد مقولات نسويات الولايات المتحدة اللاتي يطرحن خطابات وممارسات تتعلق بلون البشرة، وعلى حين تحتل عملية بناء نفسه إلى صياغة مناهج نسوية خاصة على الصعيد الثقافي، ونظراً لأن سياساتنا النسوية تشكلت عن طريق ولاءات متعددة، فإنها عادة ما تتسم بالتنافس والتناقض، وعلى هذا النحو، تؤدي هذه السياسات إلى تنشيط حالة من التوتر تتطور باستمرار بين التزامنا بأفكار “العدالة” و“المساواة” وبين التزامنا بالحفاظ على روابطنا العائلية والمجتمعية. ومع هذه الولاءات المتنافسة وضدها، فإننا نصوغ مقاومتنا بطريقة تميزنا.
لقد ارتكزت على كتابات ليزا لوي (١٩٩٧) وأيهوا أونج (١٩٩٧) وجاكلين أورلا (١٩٩٧) في منهجي لدراسة “المقاومة” من زاوية الأشكال أو المنتجات الثقافية الفردية أو الجماعية التي نصوغ من خلالها نقدنا النسوي. وتضم هذه المنتجات الثقافية مجموعة من الأعمال، وإن كانت لا تقتصر عليها، وهي: “الطريق إلى الوطن (وهو فيلم وثائقي حول العرق والنوع الاجتماعي، تعبر فيه النساء العربيات/ العربيات الأمريكيات عن أنفسهن في شكل مشاهد)، و“حديقة الحناء” (وهو عمل فني من الحناء)، و“منشأ الفتاة” (وهو مشروع إعلامي مصمم للنساء الشابات المهاجرات والملونات)، وحفلة موسيقية لأغاني أم كلثوم(4) وأنا أعتبر هذا الإنتاج الثقافي موقعاً. إلى تصدير أصواتنا إلى مجتمعات أوسع نطاقاً” إذ يجعل منظور المجتمع المحلي جزءا من تشكيل المعرفة العامة (Urla 1997: 294)، وصياغة نقد نسوي متعدي القوميات من شأنه أن يربط بين كل من فهمنا لما بعد الحداثة. والبني الاقتصادية العالمية، وإشكاليات النزعة القومية، وقضايا العنصر والإمبريالية، والنقد النسوي العالمي، والنزعات الأبوية البارزة (Kaplan and Grewal ١٩٩٩: 358).
وبالتالي، يظهر الإنتاج الثقافي في هذه الدراسة مضاداً للحكومات ومتعدداً ومعارضاً، حيث تنشر النساء العربيات الأمريكيات الشابات “ثقافة” تخدم أغراضنا، بينما يرفضن تجميل ثقافة تتجاهل علاقات القوى على الصعيدين المادي والتاريخي. ومع انخراطنا في نضالات رمزية حول موقعنا الاجتماعي وهويتنا وحقنا في تقرير المصير” (A. Ong 1997: 87)، فإننا نصبح منتجات نشطات لنقد نسوى راديكالي متعدي القوميات، كما أثناء بإعادة صياغتنا الدائمة للروابط متعدية القومية بين الثقافة والمجتمع والأسرة والتاريخ والسياسة، لا نؤكد فحسب أن “وجودنا المرئي” لا يمثل مجرد “رد فعل” وإنما تؤكد أيضاً عملاً من أعمال الوعي والتحديد الذاتي والتعريف. إن هذا الإنتاج الثقافي، بوصفه ممارسات قائمة، يفتح الطريق أمام فضاءات لصياغة أشكال السخط السياسي الذي يتجاوز الأمة، ويفرز مجموعة بعينها من الروابط المحلية والعالمية. ويعمل هذا الإنتاج الثقافي على تكثيف مشاعرنا تجاه الشتات والنزوح والاستبعاد والمنفى في آن واحد. وعلى سبيل المثال، عندما نلقي الضوء على تبعات حرب الرأسمالية الكولونيالية الجديدة داخل الولايات المتحدة وعلى الصعيد عبر القومي، فإننا نستخدم على المستوى الجماهيري عبارة “تزايد النزعة العسكرية تعبيراً عن ملمح سياسي لعولمة الاقتصاد وتناثر حالات الهيمنة. (5) وبالمثل، على الرغم من أننا نتذكر التواريخ المنسية بشأن النزوح والحرب، فإننا نحطم أساطير “التحديث” و“التطور” بقيادة الولايات المتحدة” (LoWe ١٩٩٧)، ونصوغ بدائل ثقافية إبداعية للتعبير عن تاريخنا وهويتنا.
إن تعزيز الروابط بين المحلي والعالمي في شهاداتنا يعني أن الإدراك القائم على النوع الاجتماعي لدى النساء العربيات/ العربيات الأمريكيات داخل حدود الدولة القومية بالولايات المتحدة قد برز في مواجهة سياسة حرب الرأسمالية الكولونيالية الجديدة في أوطاننا، ومع عبورنا حدود الدولة القومية في الولايات المتحدة في نقدنا للطبيعة العنصرية، نجد أنفسنا أيضاً “واقعات في شرك الأعراف السائدة في الأمة وتعريف أنفسنا ضدها“(Clifford 1994: 307). وعلى سبيل المثال، نحن نضع ممارستنا النسوية داخل سياق الحركات العالمية المعادية للنزعات العسكرية والحربية التي تقودها الولايات المتحدة، على حين نقوم في الوقت نفسه بتفنيد الكتابات الداخلية بشأن “النزعة القومية متعددة الثقافات لدى الولايات المتحدة” (Mallem and Boal ۱۹۹۹). وانطلاقاً من هذه الرؤية النظرية، تتناول عملية إضفاء طبيعة عنصرية على النساء العربيات بوصفهن “موجودات بالداخل على نحو ملتبس (Naber ۲۰۰۰) بين نسويات الولايات المتحدة اللاتي يطرحن خطابات وممارسات النساء الملونات، ويعملن على توليد إمكانيات جديدة لبناء تحالف فيما بين النسويات اللاتي يعتبرن نساء ملونات راديكاليات“.
وعند تتبع مواقف موضوعنا العديدة، بقدر التفافها حول سلسلة من الولاءات المتنافسة، قمت بدراسة هذه الشهادات باعتبارها مواقع توليدية، مما أنتج إمكانيات تحويلية من أجل بناء تحالف نقدي نسوي متعدي القوميات. ويمثل ما أطرح مقولة “النساء الملونات” على نحو إشكالي من موقعنا بوصفنا “موجودات بالداخل على نحو ملتبس“، على سبيل المثال، فإنني أدرس في الوقت نفسه لحظات نطرح فيها مقولة “النساء الملونات” بوصفها استراتيجية لبناء التحالف والوجود المرئي على الصعيدين الثقافي والسياسي، فضلاً عن كتابة أنفسنا داخل التاريخ. ومع ذلك، توضح هذه الشهادات أن “الوجود المرئي – كفعل في عملية صنع التاريخ – يتسم بالتوتر وعدم المساواة ولا يكتمل أبدًا“. وبناء عليه فإنني أدرس عملية الأداء في سياساتنا النسوية من زاوية وجود تفاوض دائم بين “رد الفعل“، و “والقدرة على التعبير“، و “تحدي محاولات التشويه“، و “صياغة وجودنا المرئي“، إن هذه الورقة البحثية، بين بناء الحركة وبناء المجتمع وفيما بينهما، تُعد عملاً يرتكز على تاريخنا، بينما يعمل على توسيع نطاق النقد النسوي الراديكالي عبر القومي.
-
الاحتفال بأم كلثوم
في يوم الأحد، السابع عشر من يونيو ۲۰۰۱، قام فرع سان فرانسيسكو لرابطة تضامن النساء العربيات بتنظيم حفل موسيقي في بيركلي تحت عنوان: “الاحتفال بأم كلثوم : لصالح اللاجئين الفلسطينيين“. حضره ما يقرب من ۳۰۰ شخص، لكن هذا الحفل الموسيقي، في محاولة للاحتفال بالفنانات العربيات وفي الوقت نفسه توجیه نقد إلى التعددية الثقافية الليبرالية لدى سان فرانسيسكو، أصر على الربط بين الاحتفال بـ “الثقافة العربية” والواقع التاريخي والسياسي والوقائع المادية لحياة الشعوب العربية. وبوصفي مسئولة عن إدارة الحفل، افتتحت الحفل بقولي :
أم كلثوم هي المغنية الأولى في مجال الغناء العربي. لقد سار في جنازتها أربعة ملايين شخصاً، لأنها المغنية العربية التي نالت أكبر قدر من الحب في التاريخ، فقد كانت تشعر من خلال موسيقاها برغبات الشعوب العربية من جميع الطبقات الاجتماعية والاقتصادية وتعبر عنها. والليلة، بينما نجمع المال لصالح الإغاثة الطبية في فلسطين، فإننا نتبع خطاها، إذ أنها وحدت الشعوب بغنائها. ونحن الليلة لا نفصل موسيقانا عن تاريخنا ونضالنا، ولا نفصل نضالنا عن موسيقانا، إن نضالنا جزء من موسيقانا وموسيقانا جزء من نضالنا.
-
النزعة الصهيونية : “النزعة المنسية“
لقد كنت أحضر، منذ أغسطس ۲۰۰۰، اجتماعات تضم ٢٠ امرأة يمثلن تقريباً جميع المجتمعات العرقية التي دائما ما ينظر لها بطريقة عنصرية والتي ستشارك في وفد “مركز دراسات النساء الملونات” إلى قسم المنظمات غير الحكومية بمؤتمر الأمم المتحدة العالمي حول العنصرية الذي كان مقرراً عقده في جنوب أفريقيا في أغسطس ٢٠٠١. وقد كان وفدنا سيتناول العديد من القضايا في مؤتمر جنوب أفريقيا، بما فيها القضايا التالية: “النساء الأمريكيات الأفريقيات والرفاه“، و“العمالة النسائية من المهاجرات” و“النساء وسجن المجتمع الصناعي“، و“الصحة الإنجابية“، و“النزعة الصهيونية، النزعة المنسية: منظور النساء العربيات الأمريكيات حول الصهيونية والعنصرية والتمييز بين الجنسين“. وتكمن دلالة “مركز دراسات النساء الملونات” بالنسبة للممارسة النسوية للعربيات الأمريكيات في أنه ساعد على إمدادنا بموقع مرئي يمكن أن نقدم من خلاله تدخلات سياسية على النطاق العالمي، فضلاً عن الإعلان عن مواقفنا الخاصة من الأشكال المتشابكة للهيمنة. لقد استطعنا، من خلال “مركز دراسات النساء الملونات“، العمل مع نساء من جميع المجتمعات العنصرية/العرقية تقريباً، ومعرفة أساليب تقاطع العولمة الرأسمالية الأخيرة، والعنصرية، والتمييز بين الجنسين، والطبقية، وكراهية الأجانب، بينما تؤثر على نساء من مختلف المجتمعات بطرق مختلفة، وعن طريق الربط بين النساء اللاتي يتم التعامل معهن من منطلق عرقی عنصری من حيث علاقاتهن المختلفة بأشكال الهيمنة المتداخلة، أصبح مركز دراسات النساء الملونات” موقعاً لتوليد رؤى جديدة حول الهيمنة وتوليد أساليب جديدة لبناء التضامن (6).
وبعد مرور شهر على اجتماعات مجلس إدارة “مركز دراسات النساء الملونات“، عندما تحدثت حول تزايد الضغط الواقع على علاقات النوع الاجتماعي بين الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وتنامي حركة مقاطعة المجتمع العسكري الصناعي في إسرائيل، التقيت مصادفة بديرينيا دوفال، وهي أستاذة أفريقية أمريكية حضرت تلك الاجتماعات. وقد حكت لي قصتها عندما منعت مؤخراً أستاذاً في القسم الذي تعمل فيه من عرض فيلم في الحرم الجامعي يتضمن تعاليماً صهيونية، وعندما لاحظت تعبير وجهي الذي أشار إلى أن تعليقها كان مفاجأة لي، ربتت على ذراعي وسألتني “إننا نقاطع إسرائيل، أليس كذلك ؟“.
-
النزوح (عمليات النزوح)
عندما اجبت على التليفون، همست ليليان – رئيسة فرع سان فرانسيسكو للجنة العرب الأمريكيين لمناهضة التمييز – قائلة :
لقد شُوهت مرة أخرى الصورة الجدارية لفلسطين. وتعرض الفتى الفلسطيني صاحب المتجر الذي توجد فيه الصورة للتهديد مرة ثانية. إنه يشعر بالخوف تجاه أمان أسرته، وقرر تغطية الصورة لحمايتها. إن الأمر يتطلب تنظيم مؤتمر صحفي، ونظرا لأن الموضوع يدخل في نطاق البعثة، يمكننا أن تفعل شيئاً مع بعثة الإسكان(7) وبعثة التحالف المناهض للنزوح، كما يمكننا أن نربط الهجوم على اللوحة الجدارية بنزوح المجتمع فضلاً عن نزوح الفلسطينيين من أرضهم.
عقد فرع سان فرانسيسكو للجنة العرب الأمريكيين لمناهضة التمييز مؤتمراً صحفياً، بالتضامن مع عديد من منظمات المجتمع المحلي في منطقة خليج سان فرانسيسكو، وقد كانت امرأتان مصريتان وامراتان یهودیتان في طليعة من بذلوا جهودا في هذا الصدد. وعلى حين تحدث نشطاء حقوق الإسكان عن عمليات البعثة في مجال التجديد وإعادة البناء المصاحبة لتدفق السكان والنزوح، فقد اتخذوا موقفا علنياً ضد نزوح الفلسطينيين. وبعد أن تحدث عديد من ممثلي المجتمعات المحلية، بمن فيهم أعضاء مجلس المدينة والنشطاء من مختلف المنظمات التقدمية، بدأت عملية جماعية لحماية اللوحة الجدارية. وهنا بكى البعض، فقد كان نجاحاً جميلاً ممزوجاً بالألم.
-
تصفية الكولونيالية في جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا: والصياح! – ضد غير المرئيين
لقد استضافتني جامعة سان فرانسيسكو الحكومية، في مايو ٢٠٠١، لإلقاء محاضرات في مقرر تعليمي بعنوان “العرقية، والشئون الجنسية، والصحة“. ونظراً لأنني استخدم مصطلحاً جديداً تستخدمه العديد من النسويات العربيات الأمريكيات الراديكاليات في سان فرانسيسكو لتسمية أنفسهن، فقد طلبت من ترينيتي أورديينيا التي تدرس المقرر، تصنيف المجتمعات التي سوف أتحدث عنها على اعتبارها من شعوب جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، كما شرحت، قبل محاضرتي، أن قضية الوجود المرئي وتحديد الهوية الذاتية هي قضية تثير الخلاف بين الناشطات العربيات الأمريكيات، فعلى حين يستخدم بعض الناس مصطلح الشرق أوسطيين، يجادل آخرون أن “مصطلح الشرق أوسطي هو مصطلح إشكالي لأنه يجبرنا على تضمين إسرائيل ويدعم فكرة اعتبار الغرب هو المركز والنظر إلى أي شخص آخر في علاقته بالغرب“. وهناك البعض الذي يستخدم مصطلح “العرب/ العرب الأمريكيين“، على حين يجادل آخرون أن هذا المصطلح “يعتبر العالم العربي متجانساً، ويمحو وجود الأقليات فيه، ويستبعد الإيرانيين الذين تربطنا بهم أموراً ثقافية وسياسية مشتركة، كما أنهم في العادة حلفاء سياسيون محتملون“. ومع هذا الشرح كنقطة انطلاق بالنسبة لي، أوضحت لطلبة ترينيتي أن النقاشات الجارية حول التصنيف وتحديد الهوية العنصري/ العرقي تسهم في مشكلة اعتبار “العرب الأمريكيين مجموعة عنصرية/ عرقية وجودها غير مرئي، ونتيجة لذلك، كما أوضحت، “فإننا عادة ما نُستبعد من الدراسات عبر الثقافية حول الشئون الجنسية والصحة والرعاية الصحية والاحتياجات الصحية الخاصة على المستوى الثقافي“.
لقد كان للانتفاضة الثانية في فلسطين، والتي اندلعت في سبتمبر ۲۰۰۰، أثران مهمان على تنظيم مجتمع العرب الأمريكيين بشكل عام، والممارسة النسوية بشكل خاص. أولاً، حفزت الانتفاضة عديداً من مختلف المنظمات المجتمعية العربية والإسلامية على الاشتراك في تنظيم عدد متزايد من الفعاليات السياسية، وحشد التمويل، وعقد التجمعات المجتمعية للتضامن مع الفلسطينيين. ثانياً، ألهمت الانتفاضة عدداً متنامياً من الناشطين التقدميين والإعلام تحقيق الاتساق عند إدماج القضايا العربية بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص، داخل عملهم.
لقد أدت زيادة نشاط العرب الأمريكيين، ووجودهم المرئي في ميدان العمل العام، إلى حدوث عديد من التحولات داخل فرع سان فرانسيسكو لرابطة تضامن النساء العربيات، وهو التجمع الذي يحظى بأكبر وجود مرئي للعربيات الأمريكيات اللاتي يعرفن أنفسهن كنسويات. ومنذ إنشائها عام 1995، لم تعقد عضوات فرع سان فرانسيسكو لرابطة تضامن النساء العربيات أي اجتماعات أو فعاليات على نحو منتظم باسم فرع الرابطة في سان فرانسيسكو – لكنهن أدخلن أنفسهن، على نحو استراتيجي، كأفراد في عديد من المنظمات المجتمعية ذات القاعدة العريضة (بما فيها لجنة العرب الأمريكيين لمناهضة التمييز والمركز الثقافي العربي، ومهرجان الأفلام العربية). وكانت استراتيجيتهن السياسية تكمن في العمل كعضوات بمجلس الإدارة أو كعضوات نشيطات في هذه المنظمات أو غيرها، وقد عملن داخل هذه المنظمات، جنبا إلى جنب شقيقاتهن وأشقائهن، لمواجهة العديد من القضايا المشتركة (بما فيها الصهيونية، والعنصرية، والسياسة الخارجية للولايات المتحدة)، ولضمان إدراج المنظور النسوي داخل “المجتمع المحلي العربي“. ومع ذلك، وبعد سبتمبر ۲۰۰۰، عندما ازدادت كثافة سياسات المجتمع المحلي في مواجهة الأزمة السياسية في فلسطين، شعرت عضوات الرابطة في سان فرانسيسكو بالحاجة المتعاظمة لفضاء نسوي يتناول، بوجه خاص، دورهن كنساء وتسويات داخل سياسات ونضالات المجتمع الأوسع. والمشاركة في صوغ تحليل نسوي بشأن الظروف التاريخية الراهنة. وفي يناير ٢٠٠١، بدأت عضوات فرع الرابطة في سان فرانسيسكو في عقد اجتماعات دورية. وقد نبعت من هذه الاجتماعات سلسلة من الخطط والمشاريع، مثل تنظيم فعاليتين على مستوى المجتمع المحلي من منظور العرب والعرب الأمريكيين.
كانت الفعالية الأولى بعنوان “الحديث من أجل أنفسنا : فعالية اليوم العالمي للمرأة احتفالاً بالنساء العربيات“. وتمثلت الفعالية الثانية في تنظيم حفل موسيقى بعنوان “الاحتفال بأم كلثوم: لصالح اللاجئين الفلسطينيين“. وقد برزت هاتان الفعاليتان كمواقع ثقافية لإجراء صياغة جماعية لتحديد الهوية الذاتية – النسوية العربية الأمريكية. وعلى حين أن “الحديث من أجل أنفسنا” كان في الأساس فضاء للمرأة العربية، حيث تجمعت النساء العربيات لتحديد نقاط الوحدة بينهن، كان الاحتفال بأم كلثوم فعالية جماهيرية بعثت رسالة داخل مجتمعات العرب الأمريكيين التي توجد فيها النسويات العربيات الأمريكيات، بل وتجاوزت تلك المجتمعات.
لقد تجلى تحول إضافي في أداء التوجهات النسوية العربية الأمريكية بعد سبتمبر ٢٠٠٠، وهو دخول النسويات العربيات الأمريكيات بشكل قوي في القضايا النظرية للنساء الراديكاليات الملونات وممارساتهن في منطقة خليج سان فرانسيسكو، إن الشعور بالوجود “غير المرئي” كان أحد سمات الخطاب النسوي العربي الأمريكي منذ نشأته داخل الخطاب العام في سنة 1994. مع ظهور أول مقتطفات أدبية مختارة مكتوبة من أو حول النساء العربيات الأمريكيات، وبعد سبتمبر ۲۰۰۰، أصبحت قضية تدخل الولايات المتحدة في العالم العربي، وما صاحبها من عنصرية معادية للعرب داخل الولايات المتحدة، تنال اعترافاً واسعاً على صعيد السياسات التقدمية داخل الولايات المتحدة، وبالتالي تزايد الوجود المرئي للنساء العربيات الأمريكيات داخل التوجهات الراديكالية الملونات. إن دعوة مركز معلومات النساء الملونات – وهو منظمة لم تكن تضم عملياً قبل أكتوبر ۲۰۰۰ عضوات من النساء العربيات – لاثنتين من النسويات العربيات الأمريكيات للانضمام إلى وفودها إلى مؤتمر الأمم المتحدة حول العنصرية في أغسطس ٢٠٠١ يعد واحداً من أمثلة عديدة تشهد على هذا التحول، ومع دخول العربيات الأمريكيات (وغيرهن من الشرق أوسطيات)، اتسعت فئة النساء الملونات بما تجاوز حدودها التقليدية، وهي الأفريقيات الأمريكيات والآسيويات الأمريكيات واللاتينيات الأمريكيات والأمريكيين من أهل البلد. وعلاوة على ذلك، أدرجت النساء العربيات الأمريكيات قضية الصهيونية (كشكل من أشكال الكولونيالية والعنصرية التي تتسم بطابع يعتمد على النوع الاجتماعي والتمييز بين الجنسين) في قائمة الانتقادات التي توجهها النسويات الملونات، وقد أدى هذا التحول إلى تهيئة المسرح لإمكانيات جديدة في مجال التحالف بين مختلف الأعراق والتضامن بين المجتمعات المحلية. وفي نوفمبر ۲۰۰۰، اشترك فرع سان فرانسيسكو لرابطة تضامن النساء العربيات مع فرع سان فرانسيسكو للتحالف المناهض للتمييز في تنظيم فعالية – حضرها ما يقرب من 400 مشاركاً من جميع الخلفيات العنصرية والعرقية – لبناء تحالف متعدد الأعراق يهدف إلى ربط تاريخهم ونضالاتهم بحركة التحرر الفلسطينية. وبعد هذه الفعالية، ربطت ناشطات سان فرانسيسكو لحقوق الإسكان (من بعثة التحالف المضاد للنزوح) بين عملية التجديد وإعادة البناء في سان فرانسيسكو بالنازحين الفلسطينيين، وذلك من خلال مؤتمر صحفي تم تنظيمه على نحو مشترك أمام صورة جدارية فلسطينية تعرضت للتشويه في الحي الذي تقع فيه البعثة.
وفي البعثة، وفي مباني الكلية، وفي المسيرات العامة الراديكالية، وداخل المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، وغيرها، ظهرت تدريجياً فضاءات جديدة لممارسة وبناء التحالف النسوي للعربيات الأمريكيات. تعمل هذه الفضاءات على توليد صياغة الأبعاد المتعددة للذات النسوية للعربيات الأمريكيات من خلال السعي نحو الوجود المرئي داخل سياسات مجتمع المهاجرات والانتقاد الراديكالي من جانب النسويات الملونات.
أنا ابنة لوالدين مهاجرين من فلسطين. لم تتمكن أسرتي من العودة لأن الوضع في الوطن كان متدهوراً. لقد تربيت، أولاً وقبل كل شئ، كفلسطينية عربية، لغتي الأولى هي اللغة العربية، وثقافتي الوطنية هي الثقافة العربية. إنني امرأة عربية. وعندما ذهبت إلى فلسطين للمرة الأولى، فهمت كل شئ. لم تكن فلسطين بلداً أجنبياً بالنسبة لي، وكانت المرة الأولى في حياتي التي أشعر فيها بأن “هذا المكان هو ما انتمي إليه “. لقد كان شعوراً جميلاً. وفي الوقت نفسه، فإن النشأة في الولايات المتحدة والثقافة الأمريكية الغربية هي أمر مختلف تماماً عن الثقافة العربية، إذ يتعرض الإنسان لعمليات الشد والجذب بطرق عديدة مختلفة، وقد كنت أشعر في بعض الأحيان أنني داخل شرنقة المجتمع المحلي العربي التي تحيطني بالحماية، لكنني لم أعد أشعر بذلك بعد الآن. كانت هناك توقعات بشأن “النمو والزواج…. والالتحاق بالكلية، لكن ماذا تعني الكلية إذ كنتي ستتزوجين ويكون لديك أطفال؟“. لكنني أتممت دراستي للماجستير، وأنشط حاليًا في المجتمع المحلي، إنني نسوية.
كان نشاطي يتضمن السفر إلى فلسطين، والتحدث في عديد من المؤتمرات حول حياة النساء العربيات، والعمل داخل منظمات العرب الأمريكيين، والبدء في منظمات صغيرة، والعمل مع الشباب العربي ومجموعات الطلاب العرب. كما ضم نشاطي أيضا العمل في فيلم بعنوان “الطريق إلى الوطن” إذ أنني أعمل كمدربة واستخدم خبراتي كامرأة عربية نسوية للعمل في مختلف المواقع، سواء بأجر أو تطوعاً، حول القضايا السياسية. لقد عملت في مؤسسات كبيرة وصغيرة غير هادفة للربح، في مجال قضايا التمييز، كما عملت أيضًا في مجال الوقاية من الاعتداءات الجنسية، ويعتبرونني دائماً “المرجع” في قضايا النساء العربيات: وهذه مشكلة لأنني لست “المرجع“. لقد كان الأمر عسيراً، إذ يعيش مجتمعنا المحلي في ظروف “نمط البحث عن سبل العيش من أجل البقاء“، ولذا لا نملك بنية أساسية في موقع يساعدنا على استدعاء مترجمين أو دعوة خبراء في مجال الهجرة، إن العب، يقع على كاهلي، أو على كاهل أي فرد آخر في تلك المواقع الرمزية في العالم غير الهادف للربح، إنهم يقدمونني عادة على النحو التالي: “إنها امرأة فلسطينية“، أي ( أ ) أن هذا تحذير بعدم التحدث حول أمور بعينها، (ب) أننا حصلنا على وجودنا الرمزي، بمعنى أنهم أناس لا يستمعون فعلياً لما سأقوله وإنما وجودي هو وجود رمزي. ويشتمل هذا الموقف على كثير من عمليات الإسكات، فعادة ما يقولون لي: “لا تقولي أي شيئ راديكالي مجنون، فأنتي هنا وهذا يكفي…. لا تتعدى عن إطارك الصغير“، كما يعتقد الناس أن هناك تناقضاً بين كلمات عبارة امرأة عربية نسوية : لكن المسألة ليست اجتماع الفاظ متناقضة بقدر ما هي تعبير عن الرؤية النمطية التي يطرحها اتجاه المركزية الأوروبية.
-
دراسات المرأة وسياسات الاستبعاد
عندما التحقت بالدورات الدراسية في مجال “دراسات المرأة” بعد تخرجي، شعرت بأنني مُهمشة بالفعل في الأدبيات والنقاشات، وكان علي دائماً توضيح نفسي في مواجهة جميع تلك القوالب النمطية السلبية. هناك، أولاً وقبل كل شئ، أربع مجموعات أساسية من الملونين، تعرفين أن هناك الأفارقة الأمريكيين والسكان الأصليين واللاتينيين والآسيويين. لا يوجد إذن فضاء للنساء العربيات. وتكمن الإشكالية بالنسبة لي في فرضية عدم إندراج العرب ببساطة في أي تصنيف. وهناك إشكالية أيضاً في افتراض أن العرب ينتمون إلى فئة بيض البشرة، ذلك أننا لسنا أوروبيين ولأن العالم العربي كان خاضعاً للاستعمار – الاستعمار الغربي، وخاصة الأوروبي، في البداية، ثم استعمار أمريكا الشمالية: ولا يزال خاضعاً للاستعمار، لكن أغلب الناس لا يدركون ذلك.
هناك دائما أسلوب يراني من خلاله الناس على خلاف حقيقتي، مثل الافتراض بأنني لاتينية، وبالتالي، يأخذون نفساً عميقاً ويتراجعون للوراء عندما أقول إنني عربية – كما لو أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون، أو يقولون: “إذن فأنت من إسرائيل؟” كوسيلة لطمس وجود العالم العربي. وإذا ظهرت خلال الحديث كلمة فلسطينية، نظراً لأنني فلسطينية، يتحول الأمر إلى شيئ آخر، وتصبح هويتي سياسية جداً ومن الخطورة الارتباط بها، وعندئذ يُقال مثلاً: “أوه، لا يمكن الدخول في ذلك، أو لا توجد مساحة لمناقشة الصهيونية في الحركة النسوية“، ودائماً ما توجد أيضاً قوالب نمطية، وخاصة في “دراسات المرأة“، مثل “النساء العربيات مقهورات“، أو “جميع النساء العربيات محجبات“، أو “المرأة العربية تسير وراء الرجل بعشر خطوات“، أو أعتقد أن “بعضاً من أقوى النساء اللاتي عرفتهن كن عربيات“، وتمثل هذه المسألة نوعاً من التلاعب بالعقل.
لقد كنت أرغب في مواصلة الدراسة لأنني ملتزمة بجعل أصوات النساء الفلسطينيات مسموعة. لا يوجد وعي تقريباً بشأن دور النساء الفلسطينيات في المحافظة على الانتفاضة. فعندما كنت أدرس العلوم الاجتماعية، قال لي أستاذي: “حسناً سيما، أنت تعرفين أن النساء العربيات سوف يدافعن عن رجالهن، أليس هذا هو ما تفعله هؤلاء النسوة في انتفاضتهن؟“. لكن الأمر ليس كذلك، فالنساء الفلسطينيات يناضلن من أجل التحرر الوطني ومن أجل حقوقهن كنساء في نفس الوقت، وهذا شيئ ضخم. إن لديهن وعيا حول السياسات النسوية التي يتحدثن عنها بصراحة وانفتاح، ويقلن: “لن نصبح جزائر أخرى“، إنها حركة سياسية اجتماعية.
هناك أسلوب يضعكي دائماً في موقع الدفاع، وعليكي دوما القيام بدور المتحدث الرسمي الذي يقوم بشكل ثابت بتعليم الناس. إنني لا أستطيع أن أكون ذلك الشخص دائماً، لكنني يجب أن أكون ذلك الشخص، إذ لا يمكنني عدم القيام بذلك. فالناس إما تتم تغذيتهم بتلك القوالب النمطية، أو لا تتم تغذيتهم بأي شئ على الإطلاق. وعادة ما تغيب أي إشارة بشأننا، ولا يتم التكليف بقراءات حول العالم العربي.
-
إضفاء طابع عنصري من خلال الصهيونية
حتى بين الناس الذين يقومون بقدر كبير من العمل التقدمي – ولا أعني بذلك الليبراليين، وإنما الراديكاليين الذين يطرحون فكراً نقدياً حول الإمبريالية ويربطون بين مختلف أشكال القهر: وأعني أعضاء حركات الملونين الذين يحددون مدى تشابه الكولونيالية عبر الثقافات والبلدان والحدود والدول القومية أى من يفكرون في كيفية تأثير هذه الأمور جميعاً في الشعوب الأصلية – فهناك من لن يقتربوا في أغلب الأحيان من قضية فلسطين، لا أعرف لماذا يوجد الوضع على هذا النحوة أعتقد أن هناك حالة عامة من الجهل.
تعامل النساء العربيات ككائنات غريبة في المنظمات التقدمية، ويختلف الأمر باختلاف السياق، فقد يظهر على شكل العبارة التالية: “أوه، لديكي عيون لوزية جميلة، أنت بالتأكيد عربية أو شرق أوسطية“. إن وجود النساء العربيات رمزي إلى حد كبير، لدرجة أن التقدميين يهتمون بوجود شخص عربي معهم، وعادة ما يفضل أن يكون امرأة، لأنها ستؤكد جوانب كل تلك الصورة النمطية عن الرجال العرب المسيطرين، والهمجيين، الذين لا يتواصلون مع نسائهم، بل ويقمعوهن.
أريد أن أنال قسطاً من الراحة، أو أن يفهمني الناس دون أن أكون مضطرة للتعامل مع كل تلك الأشياء طوال الوقت. فقد ترغبين في قراءة كتاب أو مشاهدة التلفزيون باسترخاء دون التعرض لاعتداء القوالب النمطية المعادية للعرب. هناك شيئ أضطر لمعالجته…. طوال الوقت… أنها مسألة تتكرر، تتكرر، تتكرر، تتكرر على الدوام… وتبعث على الإرهاق.
-
الطريق إلى الوطن
لقد شاركت في عام 1994 في إعداد فيلم بعنوان “الطريق إلى الوطن“، وكان عملي في هذا الفيلم مثالاً جيداً النضال من أجل “الوجود المرئي“، كانت منتجة الفيلم امرأة متعددة الأعراق وفي منتصف العمر، استطاعت أن تجمع المجالس النسائية العرقية لتشكل مجلسا رئيسيا يساعدها على إنتاج الفيلم. لكن الصوت الوحيد الغائب كان صوت العرب، فلم يكن العرب موجودين في وعيها أو إطار مرجعيتها، رغم أنها مفكرة تقدمية وتدرس الدكتوراه وتعمل على خلق مشروع يدور حول ديناميات العرق والعنصر والطبقة والنوع الاجتماعي في الولايات المتحدة. وبالتالي، شعرت النساء الملونات في هذا المجلس أن وجودهن غير مرغوب فيه مع النساء البيضاوات، ومن بينهن اليهوديات اللاتي لم يكن موجودات بوصفهن نساء ملونات، إذ أنهن من اليهود الاشكيناز. وقد عبرت بعض النساء الملونات عن “وجود شيئ مفقود هنا بالفعل، فنحن لا نسمع من النساء العربيات ونشعر أن هذا المجلس” غير متوازن“. وعند ذلك قررت المنتجة إجراء مقابلات مع النساء العربيات وإحضارهن إلى الهيئة.
وفي الفيلم سترين النساء العربيات غاضبات وصائحات، ولكن بشكل فاتر تعوزه الحماسة، وسوف تلحظين أن وجودنا كان رمزياً ومهمشاً، أما النقطة المحورية الحقيقية للقضايا – أي ما يثير انفعالنا، وهو فلسطين وإسرائيل والأساطير المنتشرة حول العرب، فضلاً عن الحديث حول الصهيونية – فقد أسقطها الفيلم، لأن ذلك “مثير للخلاف” و“سياسياً إلى حد كبير“، وهكذا غابت النقطة المحورية، لم تكن موجودة ببساطة. وحصلت المرأة الوحيدة ذات البشرة البيضاء في مجلسنا على أغلب وقت البث.
ويحضرني هنا أن المنظمة المحلية التي أنتجت فيلم “الطريق إلى الوطن” تصدر نشرة دورية تناولت أعدادها الأولى مشروع الفيلم وغيره من الأمور التي تدور حول موضوعات العنصر والأنشطة المضادة للقهر. وقد أجرت إحدى محرراتها مقابلة معي وسألتني عن مشاركتي في الفيلم وعن قضايا النساء العربيات، قائلة: “اخبريني إذن… كيف تعتبرين نفسك امرأة ملونة؟“. لقد شعرت فعلاً بالارتباك فهاهي امرأة أفريقية أمريكية شابة ملونة تنظر إلى وتطلب مني أن أبرر سبب اعتباري ملونة، ولماذا ينبغي إدراج هيئتنا في إطار النساء الملونات“، وهنا، تحدثت عن الكولونيالية، كما تحدثت عن بعض القضايا الأخرى… يبدأ الأمر دائماً من نقطة البداية الأولى، وحتى مع ذلك فأنني اسمع أحيانا – ويمكنك أن تسمعي ذلك أيضاً – السؤال التالي: “حسناً، إذا أدرجنا هذه المجموعة أو تلك، متى ينتهي الأمر وكيف يكون العرب مختلفين عن غيرهم؟“.
تضم منظماتنا العربية الأمريكية قدراً كبيراً من التمييز بين الجنسين، ففي بعض الأحيان يدعو رئيس الاجتماع إلى النظام قائلاً: “أنت يا من تجلسين عند نهاية الطاولة، سيما، حافظي على الهدوء” : هذا، بينما يمكن أن يقفز الرجال ويقولون ما يحلو لهم، وفي إحدى المرات قال لي أحد الرجال في الهيئة” يوجد هنا قدر كبير من التمييز بين الجنسين“، فطلبت منه أن يقول ذلك علانية، متصورة أنهم قد يستمعون إليه لأنه رجل،….. لكن رده كان: “حسناً، أنا لا أعرف، هذا هراء، هراء…”.
ربما يمكنك أن تحصين على أصابع يدك عدد الناشطات العربيات الموجودات في مجالس إدارة المنظمات العربية المحافظة، والنساء اللاتي يتحدثن بوعي عن ديناميات النوع الاجتماعي والقمع الذاتي داخل المنظمات. وكيف نرتبط ببعضنا البعض كنساء ورجال يعملون معاً. وتقول الغالبية: “ليس لدينا وقت للتعامل مع هذا الهراء. لكنني واحدة من النساء، كما أنك واحدة من النساء، اللاتي يحاولن الارتقاء بالوعي على الأقل، ويقلن: “توجد هنا أحياناً تفرقة بين الجنسين، هل يمكن أن تتحدث حولها؟ وهناك تقسيم للعمل، تقوم النساء وفقاً له بكل العمل ويحصل الرجال على كل التقدير. هل يمكنك التحدث حول ذلك؟ لقد خدمت في مجلس إدارة أحد المراكز المجتمعية العربية الأساسية لعدد من السنوات. وعلى الرغم من أن غالبية الأعضاء كانوا من العرب المحافظين الذين ينتمون إلى الشرائح العليا من الطبقة الوسطى، فقد انجذبت لهم لأنني وجدت إمكانات للعمل: ففي الوقت الذي يغادر فيه البعض يمكننا أن نحول المركز إلى موقع يمثل على نحو أفضل النساء العربيات المهاجرات ومختلف المجتمعات العربية والعربية الأمريكية. لكن ما وجدته أن الدعوة للاجتماع هي مسئولية الرئيس… وعلى نحو ملائم، وبالطبع لم تصلني هذه الدعوة، قد أكون مستبعدة بوعي عن عملية صنع القرار، وهو الأمر الذي يتكرر حدوثه لأنهم لا يريدون المنظور الذي أتبناه. لكنني أيضاً المرأة العربية الشابة “الرمزية“. قد توجد نساء أخريات، كما توجد امرأة أخرى نصف بيضاء وتنتمي إلى مدرسة عتيقة – من النمط الجمهوري شديد المحافظة الذي لا يمكن أن تربطني به صلة على الإطلاق. لكن هذه المرأة تُعد بمثابة رمز يستخدمونه للقول إن لديهم امرأة، حتى وإن كانت لا تعارض الوضع الراهن للنساء. لقد كنت معزولة ووحيدة في سياق ذلك الصوت المنفرد الذي يقول متسائلاً… “هل يمكننا الحديث عن تقديم الخدمات؟ هل يمكننا الحديث عن الطبقية؟ هل يمكننا الحديث عن قضايا النساء؟“.
لقد استقلت مؤخراً من مجلس الإدارة نظراً لكثرة ديناميات التمييز بين الجنسين، وبعد أن استقلت اتصل بي تلفونيًا رجل كان حليفاً نوعاً ما، وقال: “أريد أن أعرف سبب استقالتك؟“، فشاركته همومي بشأن كل تلك الأمور المتعلقة بالتمييز بين الجنسين، فرد قائلاً: أوه، حسناً، إذن لا يوجد شئ جدي. لم تستقيلي لأن شيئاً خطيراً حدث“، لقد كان يتوقع حدثاً ضخماً، ولم يكن يعتبر التمييز بين الجنسين حدثا أو مشكلة.
يمثل الرجال داخل المنظمات إحدى القضايا، أما القضية الأخرى فتتمثل في نساء المجتمع المحلي من جيل أمي، ونظرتهن لي لأنني ناشطة. تقول صديقات أمي: “لماذا تنشطين، هل النشاط يعطيك شيئاً تفعليه لأنك غير متزوجة ؟” أو قد تقول أمي: “لماذا تطرحين هذه القضايا، سوف يعتقد الناس أنك نسوية. ماذا أقول لهم؟ وأرد عليها قائلة: “نعم أنا نسوية !”.
وهناك أيضاً الطريقة التي يتعامل بها الرجال مع النساء الناشطات في المجتمع المحلي بشكل عام. لقد لاحظت أن أغلب الناشطات عزباوات. إننا لسنا عزباوات فحسب، وإنما يعتبر الناس أيضاً أننا لا يمكن أن نتزوج. كما يعتبروننا شديدات القوة. إنه لثمن غال أن تكوني نسوية عربية أمريكية. فالرجال، بعض الرجال قد يشعرون بالإعجاب نحوك ويقدرونك، لكنهم لا يرغبون في الزواج من امرأة مساوية لهم، ولا يريدونها في مثل ذكائهم. وبمعنى ما، تتعرض ذكورتهم، ورجولتهم، للتهديد إذا كان لديهم شريكة على قدم المساواة.
حتى الناشطين من الرجال لا يريدون الزواج منا. إنني أرى الرجال الناشطين يسعون وراء الفتيات بيضاوات البشرة، وبالكاد ما يسعون وراء ناشطة عربية. وأحياناً يعودون إلى أوطانهم سعياً لإيجاد فتاة خاضعة ومستكينة. فهناك أسلوب تبدو من خلاله صراحتنا كما لو كانت دليلا على أننا لسنا عرضة للتأثر، ولم نعد نمتلك المشاعر النسائية – فنحن ناشطات ممتازات، نتخذ شكلاً بشرياً، ونتحرك لمواجهة جميع أنواع القمع، وتصبح بالتالي مُهمشات ولا تضمنا صورة الزواج.
-
سياسات التحالف
إن من أسعى لعمل علاقات معهم هم أولئك الذين أود أن أكون على حقيقتي معهم حول سياساتي، لكن الأمر عادة ما ينتهي بأناس آخرين مُسيسين وملونين ويتمتعون بوعي مختلف. وحتى في العلاقات العاطفية مع الرجال، هناك أمور تمثل حجر الأساس في العلاقة مثل: أنه إذا لم تحصلي على شخص مهتم بفلسطين، فلا أمل في علاقة من أي نوع. وقد أطرح التساؤل التالي: “إذا كنت لا تعرف، فهل أنت مستعد للتعلُم؟“، و “ما انطباعك عن الصهيونية، وحول إسرائيل ؟“.
وتمثل هذه الأسئلة أهمية كبرى بالنسبة لي، وينبغي أن أطرحها. لقد سمعت من الناس أشياء مثل: “لماذا ينبغي أن تكون المسألة برمتها سياسية ؟” – لأنها برمتها سياسية، إنها سياسية بالفعل. إننا نتحدث حول بقائنا، حول حياتنا، حول وجودنا، لا أرغب في أن أجد نفسي مجبرة على أن أكون مدرسة أو مربية، أو أتولى على الدوام رفع وعي شخص مثل شقيقتي أو صديقتي، أو من أحب، وفي نهاية اليوم، وعندما احتاج إلى نيل قسط من الراحة… أجدهم ينظرون إلي وهم يعرفون وجود صلات بيني وبين من أكون وحقيقة أن شيئاً ما يتم التلاعب به في هذا البلد. وبالتالي، فإن كوني امرأة عربية تعيش في هذا البلد، لا يمكن على الإطلاق أن يحدث دون خلفية ما لدي من وعي سياسي ومنظور نسوي.
-
النزعة النسوية متعدية القومية
يتعلق قدر كبير من القضايا التي أعالجها باللاجئين والمهاجرين، لكن الناس – حتى بين النسويات الملونات – يشعرون أحيانا أن تناولهم لهذه القضايا يعرضهم للتهديد، وقد قالت لي بعض النساء الأفريقيات الأمريكيات : “حسناً، إن لديك فرصة، وناسك لديهم فرصة، لكننا لا نملك أي فرصة، فقد أتينا هنا على متن سفن العبيد“.
لكن الناس ليس لديهم فرصة، فعليهم أن يغادروا من أجل البقاء. إن النزعة متعدية القومية تتلاعب بالناس باسم العولمة. إنني أكره أن أكون دائماً الشخص المثير للإزعاج، لكنني لا يمكن أن أجلس هناك صامتة. إنني أقع خارج المكان، أقع دائماً خارج المكان ما لم أكن مع شخص يعرف بالفعل ما أتحدث حوله، شخص خاص دائما. نفس التجربة السيئة وما يحيط بها من مشاعر مشابهة – أي شخص مستهدف بنفس الأسلوب.
ويرجع الأمر إلى قضية “الوجود غير المرئي“، فوجود العرب غير مرئي على الإطلاق حتى في الدوائر التقدمية، رغم التواجد العددي، وإذا لم تكن تتحدث عن نفس القضايا التي يتحدث عنها الآخرون… يتم إذن تجاهلك، وفي بعض الأحيان لا يرغب الناس في تناول أي قضايا أخرى، هل سمعتي عن إرهاق الشفقة – عندما يغرق الناس في قدر ضخم من المعلومات حول القمع الذي يتعرض له البعض، مما يؤدي إلى تبلد شعورهم بالشفقة؟ إنهم لا يستطيعون تناول قضية أخرى، ولا يستطيعون تناول أناس آخرين – فهذا ببساطة كثير.
وبناء على ما طرحته سيما، يمكن القول إن التقاطعات القائمة بين العنصر والنوع الاجتماعي – والتي تسهم في “الوجود غير المرئي” للنساء العربيات في الولايات المتحدة – هي تقاطعات شديدة التعقيد، ومتباينة، كما أنها لامركزية. تشرح سيما أن دوائر دراسات النساء تعتبر النساء العربيات معرضات القهر بالغ“… و “يسرن وراء الرجل بعشر خطوات“. إن تشكيل صورة النساء العربيات داخل المقررات الدراسية التي حضرتها سيما، في مجال “دراسات المرأة“، ترتكز على منطق الكولونيالية الجديدة التي توظف الاستراتيجية الأيديولوجية المعاصرة بشأن التمييز بين نساء “العالم الأول” و“العالم الثالث من أجل تجاهل، وإزاحة، ومنع تشوش، وتبرير، والتمسك بـ، وشرح العنصرية والإبادة الجماعية والتمييز بين الرجل والمرأة وعدم المساواة في مجال النوع الاجتماعي، والنزعة القومية، والكولونيالية والإمبريالية كما هو مطلوب” (Beuscher and Ono ١٩٩٦). عند إعادة إنتاج بنية “المرأة العربية بوصفها تتعرض لقهر بالغ“، كما تقول سيما، فإن زملاءها في مجال دراسات المرأة، يطمسون الاختلافات القائمة بين “العرب” ويعيدون إنتاج تراتبية ثابتة بين “العرب” و“الأمريكيين“، من شأنها دوما تبرير أو عقلنة تدخل الولايات المتحدة في الشئون العربية من زاوية تقوم على أساس النوع الاجتماعي. ووفقاً لما تقول سيما، فإن إضفاء طابع عنصري، يقوم على النوع الاجتماعي، على “النساء العربيات” بوصفهن “معرضات لقهر بالغ” يسهم في وجودهن غير المرئي، من حيث ما تشرحه سيما بشأن اعتقاد “الناس أن هناك تناقضاً بين كلمات عبارة (امرأة عربية نسوية)”.
إن الموافقة على سؤال زملاء سيما – وهو “النساء العربيات سوف يدافعن عن رجالهن، أليس هذا هو ما تفعله هؤلاء النسوة في انتفاضتهن؟” – يُعد عملية يرفض بموجبها – في المجتمع الأكاديمي – عمل نساء العالم الثالث من أجل تمكين المرأة، عادة بوصفه “قومياً محضاً” و“ليس نسوياً تماماً بعد” (Shahat 1998 : 16). و “حتى في التسعينيات“، كما تشرح شوهات، تبعث المؤسسات الثقافية والتعليمية الرئيسية رسالة تضم فكرة “النظرية النسوية“. إقرأ النظرية النسوية غير عنصرية الطابع بوصفها معياراً، بينما تضم المقاعد الخلفية العمل النسوي الذي يجري أداؤه تحت عناوين “الأمة” أو “العنصر” أو “الطبقة“. وعلاوة على ذلك، وداخل ذاكرة سيما، تعيد خطابات الكولونيالية الجديدة إنتاج منطق العذرية/ الفجور عند بناء النساء العربيات بوصفهن “مقهورات” و “دخيلات” في آن واحد، ويتعرضن بالتالي إلى نوع من تقليصهن إلى ضحايا للرجال العرب أو إلى شئ دخيل بالنسبة للرجل الغربي.
وعندما تؤكد سيما أن النساء الفلسطينيات “يناضلن من أجل التحرر الوطني ومن أجل حقوقهن كنساء“، وأن لديهن وعيا حول السياسات النسوية التي يتحدثن عنها بصراحة وانفتاح“، فإنها تتحدى النظرة القائلة إن “هناك تناقضاً بين كلمات عبارة امرأة عربية نسوية“. وعلاوة على ذلك، فإن سيما بربطها بين النساء العربيات كفاعلات ونسويات وحافزات للتغير الاجتماعي، تتجاوز الثنائية التي تطرحها الكولونيالية الجديدة بين “المرأة المقهورة/ الشيء الدخيل“، تلك الثنائية التي تعتبر النساء العربيات إما صامتات أو إلى حد كبير مثيرات جنسياً أو عذراوات أو باغيات.
إن تهميش سيما كناشطة عربية يزداد تفاقماً لأنها فلسطينية، فهذه هي الهوية المبنية باعتبارها سياسية بدرجة كبيرة، ولهذا تقع خارج الحدود المقبولة للسياسات “التقدمية“. وبقراءة هامشية سيما من زاوية العمليات العالمية التي تتخذ أشكالاً محلية (Appadurai 1991)، فإنني اطرح أنه مادامت السرديات الوطنية في إسرائيل والولايات المتحدة تضفي طبيعة عنصرية على الفلسطينيين معتبرة إياهم “إرهابيين” أو “متطرفين” أو “متعصبين“، فإن سيما – بوصفها فلسطينية – موصومة هي الأخرى بالراديكالية والسياسية، ومن الخطر الشديد إشراكها في الدوائر التقدمية المحلية في سان فرانسيسكو.
إن العملية التي أصبحت القضايا العربية من خلالها “مبهمة” بين زميلات سيما من الناشطات، قد شكلها واقع أن “العرب لا يندرجون داخل أي فئة“، وعندما تتذكر سيما المقابلة التي أجرتها معها امرأة أفريقية أمريكية وطلبت منها تبرير “سبب اعتباري امرأة ملونة؟“، توضح سيما أنها شعرت فعلاً بالارتباك“، وتضيف سيما قائلة: ان العرب لا ينتمون إلى فئة بيض البشرة، ذلك أننا لسنا أوروبيين” وأنه “رغم أن العالم العربي لا يزال خاضعاً للاستعمار، فإن أغلب الناس لا يدركون ذلك“.
إن تفاعل سيما مع المرأة الأفريقية الأمريكية التي أجرت معها المقابلة يدل على عملية خلط معقدة تضم العنصر والجغرافيا والدين والسياسية داخل نظام إحصاء السكان بالولايات المتحدة، وهو نظام يرتكز على تصنيف عنصري. وعندما توضح سيما في سرديتها عملية إضفاء العنصر على النساء العربيات فإنها لا تستحضر أي خصائص حيوية أو أي ثقافة، وإنما تشير إلى “العنصرية السياسية” (Samhan 1999) وإلى “إضفاء الطبيعة العنصرية على الدين” (Naber ۲۰۰۰). لقد تمثلت العنصرية السياسية في النظر إلى سيما باعتبارها “آخر” نظراً لتاريخها الفلسطيني، وبرز إضفاء الطابع العنصري على الدين عندما شرحت سيما الفرض القائل إن “جميع النساء العربيات يرتدين الحجاب“، وعلى الرغم من ذلك، على حين يجري إضفاء طابع عنصري على كثير من المجتمعات في الولايات المتحدة بناء على “ملامح” تختلف عن الخصائص فإن “التعددية البيروقراطية لا تسمح بتعقيدات” “سياسات الملونين” (Shahat 1998: 7)، وتجعل من الصعوبة بالنسبة للنساء أن يتحدثن عن “العنصر” في مجتمعات ذات طابع عنصري مختلف. وعلى حين تتحدد هوية سيما بوصفها “امرأة ملونة“، فان المتحدثة الأفريقية الأمريكية تتساءل حول موقع سيما العنصري باعتباره مبهماً، لقد أثار هذا التساؤل “ارتباكاً“، كما أوضحت سيما، وساهم في وجودها غير المرئي وإنكار ألمها ونضالها. وأعتقد أن سيما، بإشارتها المرجعية إلى “أربع مجموعات أساسية“، تجادل ضمناً أن الفئات العنصرية، بينما “تبدو حسنة المظهر” (Shohat 1998: 7)، فإنها لا تُمسك بناصية تعقيدات التشكيلة العنصرية، ويبدو ذلك أكثر وضوحاً في حالات إضفاء طابع عنصري على مجتمعات الولايات المتحدة من خلال السياسات العالمية وليس فيما يتعلق بالتاريخ المحلي والسياسات المحلية التي تتبعها الدولة في الولايات المتحدة.
إن ذاكرة سيما بشأن موقعها كامرأة عربية فلسطينية بين الناشطات في سان فرانسيسكو تشير إلى علاقات القوى بين وداخل المجتمعات التقدمية التي تتحدى ثنائية المقهور / القاهر البسيطة. وعلى حين تتجاوز سيما “سياسات الهوية التي بمقتضاها تصطف مختلف الأقليات “من أجل تمثيل مجتمعاتهم على قدم المساواة“، فإن علاقة سيما الصراعية مع “تقدميين” آخرين تطرح أن المواقع “المقهورة” لا تتطابق على نحو متناغم (Shohat 1998: 6). وعلاوة على ذلك، وبدلاً من تقليص موضعها إلى علاقة “المقهور/القاهر” بين “العرب” و“الأوروبيين البيض“، أو بين “النساء الملونات” و“النساء البيضاوات” توضح سيما علاقتها مع عديد من المجتمعات بوصفها علاقة ارتباط وتمكين وعدم تساوي وتصارع – في آن واحد.
وفي إطار سرد سيما، يعتبر فيلم “الطريق إلى الوطن” أحد المواقع التي تبرز فيها العلاقة الصراعية وغير المتكافئة بين النساء اللاتي تم إضفاء طابع العنصر عليهن، فمن ناحية، كما تطرح سيما، “تتجمع لدى المرأة متعددة الأعراق جميع الهيئات النسائية العرقية، لكن الصوت الوحيد الغائب كان صوت العرب“. ومن الناحية الأخرى، كانت “النساء الملونات” من اللاتي “شعرن بالفعل أن وجودهن غير مرغوب فيه“، إذ “أننا لا نسمع من النساء العربيات“، وعلاوة على ذلك، كما تضيف سيما، عند إدراج النساء العربيات كان وجودهن “رمزيا ومُهمشا….. أما النقطة المحورية الحقيقية للقضايا.. فلسطين وإسرائيل والأساطير المنتشرة حول العرب، فضلاً عن الحديث حول الصهيونية….. فقد أسقطها الفيلم، “وعندما تنتقد سيما الأسلوب الذي اتبعه فيلم “الطريق إلى الوطن” في تناول وضع النساء العربيات الموجودة سلفاً، دون إمدادهن بالمساحة اللازمة للتعبير عن نقدهن السياسي، فإنها تعتبر “الوجود الرمزي” قضية حاسمة تسهم في تهميش النساء العربيات الأمريكيات داخل خطابات وممارسات التوجه النسوي في الولايات المتحدة.
ويصور سرد سيما أيضاً أساليب “أن النسويات الملونات/النساء اللاتي يتم التعامل معهن بشكل عنصرى لسن محصنات ضد التمييز العنصري” (Shahat ١٩٩٨). وكما توضح سيما، فإن المرأة العربية التي “بدا لون بشرتها أبيضاً، حصلت على أغلب وقت البث“، مما يشير إلى عدم التجانس في فئة “العرب” التي يجري طمسها عبر منطق تقييد سياسات الهوية: ويدل، علاوة على ذلك، على “عدم اتساق التمثيل” بين النساء ذوات الطابع العنصري، حيث “تتاح لبعض الأصوات مساحة أكبر من غيرها” (Shohat 1998: 8 ). كما يرمز أيضاً إلى أهمية النقد النسوي الذي تطرحه “النساء البيضاوات” اللاتي يعبرن عن “شقيقاتهن في العالم الثالث أو الطبقة العاملة“، والحالات التي يمكن فيها أن تعبر نساء “العالم الثالث” المميزات عنصرياً أو “النساء عنصريات الطابع” عن بعضهن البعض، حتى وإن كن من نفس اللون (Shohat ۱۹۹۸: 8). وبالإشارة إلى العلاقات غير المتكافئة والصراعية بين “النساء الملونات” تنتقد سيما افتراضات المركزية الأوروبية داخل التوجهات النسوية الغربية المهيمنة، بينما تتجاوز العملية التي يجري بواسطتها عادة نشر فكرة اعتبار اللون الأبيض للبشرة بوصفه يمثل “المحاور المعياري” (Shohat 1998: 6) بين النساء ذوات الطابع العنصري.
وعلى حين انتقدت سيما الدوائر التقدمية بشكل عام، والدوائر النسوية بصفة خاصة – لإضفائها طابعاً عنصرياً على النساء العربيات، وافتقادها الاتساق في نقدها للكولونيالية، ومشاركتها في جعل العربيات الأمريكيات مجموعة عنصرية غير مرئية الوجود – فقد واجهت أيضاً التمييز على أساس الذكورة والأنوثة داخل السياسات الذكورية بالمجتمع العربي الأمريكي، مع توضيحها لأداء النزعة الأبوية في مجال الشتات العام. وعندما تتذكر سيما الاجتماع الذي انعقد في المركز الثقافي العربي، تقول: “يدعو رئيس الاجتماع إلى النظام قائلاً: “أنت يا من تجلسين عند نهاية الطاولة، سيما، حافظي على الهدوء : هذا، بينما يمكن أن يقفز الرجال ويقولون ما يحلو لهم“. وعلاوة على ذلك، عندما تحاول سيما إثارة قضايا التمييز بين الجنسين، فإن الرجال الذين يتحدثون من مواقع القوة والتميز لا يعتبرون التمييز على أساس الذكورة والأنوثة “قضية جدية“، وحول هذا التمييز، كما توضح سيما، تقول الغالبية: “ليس لدينا وقت للتعامل مع هذا الهراء“.
وتعتبر خبرات سيما في منظمات المجتمع المحلي بمثابة خطاب استعادة الأصالة الثقافية العربية الذي يعتمد على “صورة رمزية للمرأة الثورية التي “تحمل” الصيغة المجازية المتعلقة بميلاد الأمة، وتحديداً لأن تناول مطالب المرأة في المساواة قد تكون قد أثارت ضعف الروابط” (Shahat 1998: 12). إن المحاولات الأبوية القومية لإسكات سيما داخل المنظمة قد ازدادت كثافة عبر مشروع قومي ثقافي اعتبرها “ناشطة” و “نسوية“، وبالتالي خائنة داخل المجتمع العربي المتصور، وبناء على “مأسسة خضوع المرأة عن طريق عمليات الانضباط” (Moallem 1999:12 Alarcon, Kaplan, and)، فإن التشكيلات الخطابية التي تطرحها النزعة القومية الثقافية لدى العرب الأمريكيين تشكل صورة سيما بوصفها “ناشطة” و“نسوية“، ولهذا ليست هادئة، أي ليست النوع المناسب من النساء. وعلى حين يشترك النساء من جيل أمها” في الرؤية القومية الثقافية الأبوية لمجتمع العرب الأمريكيين المتخيل، فإن سيما – بوصفها “ناشطة” ونسوية” تجد نفسها “مُهمشة ومُستبعدة” من سوق الزواج لأنها “قوية جداً” و “لم تعد امرأة“.
أسرتي من لبنان. لقد انتقلنا إلى الولايات المتحدة عندما كنت في سن الحادية عشرة، وعندما عدت إلى لبنان عام ۱۹۹۰، أدركت أن نشاطي قائم في سياق كوني امرأة عربية تعيش في الولايات المتحدة. وطوال فترة نشأتي في لوس أنجلوس، كان الجميع يتحدثون الأسبانية…. وقد تعلمت الإنجليزية من خلال الأسبانية، ولم يكن يوجد حولي من يتحدث اللغة العربية.
كانت المدرسة العليا التي التحقت بها مدرسة خاصة مسيحية متفردة، تضم في غالبيتها مختلف الفتيات الفقيرات الملونات اللاتي يدرسن من خلال منح دراسية، ومن بين المواد الدراسية، كان هناك مقرر حول العدالة الاجتماعية، تقوم بتدريسه امرأة أفريقية أمريكية أمدتني بالأدوات اللازمة كي أصوغ بالكلمات مشاعري، وأحول إحباطي إلى نشاط، ذلك الإحباط الذي انتابني لأنني كنت أفتقد وجود أي شخص يدرك ما أقوله عنا كعرب. لقد كانت تدير نادي منظمة العفو الدولية الذي كان مكانا يدرك أفراده بالفعل أن تلك البقعة من العالم، حيث أنتمي، موجودة. وقد كان الناس بالتأكيد يطلقون على البقعة التي انتمي إليها من العالم اسماً في ظل سياقات أخرى، لكن ذلك كان بأسلوب مرعب ورمزي دائماً في واقع الأمر. هناك، كانت تلك البقعة موجودة، وكان الشعور الذي ينتابني عادة هو: “يا الهي!، أنا موجودة“.
لقد مارست نشاطاً أيضاً في المدارس وليس السجون، وفي حركات التعليم وليس الاحتجاز، فقد انضممت إلى عضوية “تحالف شباب لوس أنجلوس“. كما أدركت وجود مشكلات مع النظام، حتى على الرغم من عدم وجود أي شيء خاص في تلك الحركات يتعلق بهويتي، لكنني بدأت عند التحاقي بالكلية في الدفاع عن نفسي كامرأة عربية، وهو الأمر الذي لم يحدث أبدأ من قبل.
وفي السنة الثانية من دراستي بالكلية عام 1993، حضرت مادة بعنوان “النساء الملونات في الولايات المتحدة” – وكان لزاما علي لكي أدرس هذه المادة أن أحضر قبلها فصلا دراسيا بعنوان النسوية 101 – وهو أكثر الفصول الدراسية شعبية في سانتا كروز. وكان الأستاذ يطرح سياسات جيدة بالفعل حول قضايا السود والبيض. ومع بداية عملي مع النساء العربيات الأخريات في الدوائر النسوية، بدأنا نكتسب وجوداً مرئياً جديداً بين النسويات الملونات. ومع ذلك، كانت هناك مقاومة كبيرة من بعض النساء اليهوديات، وخاصة الصهيونيات اللاتي قلن: “إذا أطلقن على أنفسهن “النساء الملونات“، سوف نطلق على أنفسنا “النساء الملونات” أيضاً لان لدينا عرقية، ولدينا قومية، ومررنا بخبرة معاداة السامية“، وعندئذ يتحول الأمر إلى نقاش حول ما إذا كان اليهود من الملونين. وهو ما يحدث طوال الوقت. تقدم امرأة أمريكية عربية نفسها، وتتدخل امرأة يهودية لتقول شيئاً حول الهوية اليهودية، ويبدو الأمر كما لو أنه يصعب أن تعبر كل هوية منهما عن نفسها خارج أي نقاش حول اليهودية ومعاداة السامية أو حول فلسطين وإسرائيل. وأنا أعني فلسطين وإسرائيل لأنه لا يمكن أبدأ الإشارة إلى فلسطين دون التحدث عن إسرائيل، وبالتالي حول الرؤية اليهودية والهوية اليهودية والتاريخ اليهودي ومعاداة السامية، كما لو كان العرب غير ساميين وكما لو كانت النساء العربيات لا يمكنهن التحدث إلا بعد موافقة امرأة يهودية. لكن المسألة لا تحدث على نحو عكسي، فالنساء اليهوديات يمتلكن مساحة للكلام عن أنفسهن وليس عليهن انتظار موافقتنا – وعلى هذا النحو، تتعرض قضايانا وهوياتنا للإضعاف في الدوائر النسوية.
وحتى على الرغم من وجود بعض النساء اليهوديات الحليفات بالفعل، فإننا نتعرض في أغلب الوقت إلى إسكات أصواتنا من قبل النسويات الصهيونيات اللاتي يستهدفن إسكات الأصوات العربية، أو إلى إسكات أصواتنا عن طريق الذئب اليهودي الأبيض، فقد تجدين نساء يبررن على الدوام العدوان الإسرائيلي، أو نساء “تعيسات” بشأن الهدف العربي، ولا تقتصر رغبتهن على أن يصبحن أعز أصدقائك، وإنما يتحدثن أيضاً أكثر منك حول قضاياك، وعليهن الاستمرار في تذكير العالم بما يلي: “أنا يهودية ومناصرة للفلسطينيين“. وهنا يتعلق الأمر، مرة أخرى، بهويتهن، بغية إظهار إنه ليس كل اليهود صهاينة: ومرة أخرى ينبغي سماع أصواتنا من خلال أصواتهن. ويتمثل النمط المتكرر في التالي: “أنا سأطالب بمساحتك، ولن أتيح لك الشرعية دون وجودي إلى جوارك“.
إن أكبر نضالاتي وما أرغب في العمل حوله يتمثل في التالي: أن تصبح النظرة إلى العرب نظرة تعتبرهم جزءاً من العالم الذي كان موجوداً لآلاف السنوات قبل وخارج سياق الصهيونية والخطاب الذي يضع اليهود والعرب في صراع كما لو أنهم لم يعيشوا معاً لقرون قبل إنشاء دولة إسرائيل، وبالتالي، يتعلق الأمر بتذكير الناس بعدم تقليصنا إلى مجرد رد فعل أو ارتباط بكيان استعماري لم يكن موجوداً سوى منذ 53 سنة فقط.
وفي سانتا كروز، إن لم تكن القضية اليهودية هي التي تصيب الناس بصدمة، كان حديثي يصيبهم بها كما لو أنهم لم يستمعوا من قبل إلى امرأة عربية. لقد قدمت مداخلة حول ما يعنيه تربية الفتاة ونشأتها، كفتاه عربية، في لوس أنجلوس، وما يعنيه أن يسألني أصدقائي بجدية عما إذا كان والدي إرهابياً، وقد كان من الضروري أن انخرط بجدية في هذه المحادثات المكثفة مع أصدقائي المقربين. وعندما كنت أتحدث، كان الأمر يبدو كما لو كان شيئاً جديداً خلاباً قد قيل، شيئا لم يتخيلونه أبدأ أو يدركونه. وقد يكون ذلك جيداً لأنه يعني أن أصواتنا أصبحت مسموعة هناك، لكنه يجعلني أتشكك أيضاً في خبرتي الخاصة. فإذا لم يكن يوجد شخص آخر يتفق مع ما تقولينه، ولم يكن يوجد لديك نظام للدعم، ستبدئين عندئذ في التشكك في آرائك، وعندما تكونين مضطرة دائماً لتحدي القوالب النمطية أو الرد على نقد موجه من شخص يهودي، يتم تمييع قضاياكي وتتغير المناقشة تماماً. لم أكن أدرك تلك السياسة عندما كنت أصغر سناً، بل كانت تصيبني بالجنون وتشعرني بأنني مجبرة على الصمت وبأن كلماتي غير صحيحة. لقد كنت استشعر الجانب العاطفي من الموضوع، لكنني لم أكن أدرك عمق الجانب السياسي المتعلق بالمناصرة بوصفي امرأة عربية داخل حجرة الدراسة.
لقد كانت أعمال المناصرة بحجرة الدراسة تجعلني أشعر أنني أضع طاقة كبيرة داخل مؤسسة كان من المفترض أن تغذيني. إن ما كنت أريده بالفعل هو أن أضع طاقتي داخل شيئ يؤثر في المجتمعات المحلية، وقررت، منذ تلك اللحظة، أن يعود كل شيء أفعله بالفائدة على المجتمع العربي، وسواء كان ذلك هنا أو كان يتحرك عائداً إلى لبنان بالفعل، فقد كنت عازمة على اكتساب المهارات لصالح إفادة الوطن.
لقد كان مجتمع نشاطي يضم الكتاب والفنانين والمخرجين ومنظمي المجتمع، ومؤخراً فقط، في السنوات الثلاث الماضية، وجدت من خلال حياتي في سان فرانسيسكو مجتمعاً عربياً أوسع نطاقاً يمكنني العمل معه من خلال “لجنة الأمريكيين العرب لمناهضة التمييز” و“رابطة تضامن النساء العربيات“. إن كلا من المنظمتين كانت مهمة بالنسبة لي، لأنني أقوم أخيراً بتطبيق جميع الأشياء التي أعرفها دون أن أكون مضطرة للتفاعل مع عوالم شعوب أخرى. هذان هما الموقعان اللذان لم أكن مضطرة فيهما أن أشرح من أين أتيت، حتى إن لم يكن لدى الناس نفس خبرتي تحديداً، لقد اعتدت أن استخدم كل شئ تعلمته وأضعه في خدمة الوطن، وأن أعطى بالكامل كل شئ اكتسبته. لقد تمكنت، في أي منظمة أخرى، من تطوير “خط تفكيري“، لكن الأمر في منظمات المجتمع العربي يثير التحدي، ينبغي أن اختبر نفسي. وينبغي أن أفهم لماذا وكيف أقوم بذلك، وهو أيضاً الجزء العاطفي، لقد أثارت هذه المواد عواطفي، وخاصة في العام الماضي، لأن الأمر يصبح أكثر واقعية مع الانتفاضة. فالأطفال يُقتلون بوحشية أو يصابون بإعاقات بدنية طوال حياتهم، على حين يرقب العالم كله، من المقاعد الخلفية، ما يحدث، ويصل الأمر إلى حد أن جميع المهارات التي اكتسبتها خرجت من النافذة، لأنها مهارات شديدة الكثافة والعمق.
إن مجموعات الاتجاه السائد في حقوق الإنسان التي أعمل معها هي: منظمة العفو الدولية، والأمم المتحدة. والمنظمات المعنية بقانون الحقوق المدنية. ويجدر بي في تلك المنظمات أن أحدد نفسي دائماً بوضوح ولفظياً. وأفعل ذلك في كل اجتماع – من سيتي هول إلى الأمم المتحدة. وأقول دائماً: “إنني امرأة عربية تعيش في الولايات المتحدة“، ذلك أنه من الضروري أن يعرف الناس بوجودنا ويسمعون كلمة عرب، ونادراً ما أجد نساء عربيات أخريات في تلك المواقع. وعندما يدور حديث حول القضايا العربية في الاتجاه السائد بالولايات المتحدة أو في سياق الاتجاه السائد في مجال حقوق الإنسان، تجري مناقشة تلك القضايا بوصفها من قضايا “السياسة الخارجية” فحسب، أو بوصفها موضوعات مشحونة بالسياسة إلى حد كبير، وعلى حين يمكن أن يحظى التقدميون بفترة مريحة يقولون فيها إن أنصار زاباتا يقومون بعمل رائع، ربما يمرون بأوقات عصيبة يقولون فيها نفس الشيء عن حزب الله.
-
الثورة الثقافية متعددة الأعراق
لقد كنت أعمل طوال السنوات الخمس الماضية لدى “المعهد النسائي للقيادة والتنمية“، وهو منظمة لحقوق الإنسان تركز على النساء الملونات في الولايات المتحدة، وأمارس نشاطاً كبيراً مع النساء الشابات أو حركات الشباب التي تهتم بقضايا مثل وحشية الشرطة أو العنصرية. ويرتبط هذا النشاط بالإفادة من مقاومة الحركة الشبابية، ثم إمدادها بسياسات أوسع في مجال الهوية، يليها عقد صلات مرة أخرى مع جميع مجتمعاتنا، وإذا نظرنا إلى العالم العربي والنشاط العربي، نجد الشباب دائماً في قيادة تلك الحركات. إنني أشاهد عروض موسيقى “هيب – هوب“، ورقص السامبا، ورقص الكابايويرا، وعروض الشباب البرازيلي، واعتبرها مواقع للمقاومة، لقد أعتدت أن أمارس الرقص الحديث في الكلية. عندما كنت أرقص الباليه، كانت توجد دائماً قصيدة أو أغنية كتبتها تحمل رسالة سياسية، وقد اعتبرت أن الفن هو الطريق الوحيد لجذب انتباه الناس. فالناس يحضرون العروض الفنية أكثر من حضورهم المحاضرات: كما يفضلون الاستماع إلى الشعر أو الموسيقى أو مشاهدة الفن المرئي أو الفيلم…. والملونون هم الفنانون الذين يقودون الثورة الثقافية.
لقد كتبت كثيراً وحضرت كل أنواع الفصول الدراسية من أجل وعن النساء الملونات. كما قمت بنظم الشعر في كنيسة “جلد” التذكارية. وجدير بالذكر أن جون جوردان تُدرج دائماً القضايا العربية كجزء من مادتها. لقد كانت المرة الأولى التي أحضر فيها فصلاً للكتابة، ولم أشعر بغرابة عند الحديث حول القضايا العربية. فجميع كتاباتي تدور حول معنى أن تكوني عربية، ومعنى أن تكوني نازحة، ومفهوم الذاكرة والحرب، ونقد “الاختيار“، وكيف يترابط ذلك كله ليشكل تلك المادة التي لا أستطيع أن أعبر عنها بأدوات الاتجاه السائد، هكذا تعتبر الكتابة شكلاً من أشكال المقاومة، وعندما أكتب، تكون كلماتي إنجليزية أو عربية أو فرنسية، ذلك أن اللغة الإنجليزية ليست أداة لمقاومتي أو اللغة التي أشعر من خلالها، بل هي اللغة التي أفكر بها، إنها نقطة دخول إلى عالم القاهرين. بعد ذلك، يمكنني الإفادة منها والتلاعب بها واستخدامها ضدهم. هذه هي نظرتي للكتابة. إنني أفيد منها، ويمكنني تحويل مشاعري وعواطفي إلى شكل من أشكال المقاومة، ذلك أن جميع الطرق الأخرى للمقاومة تتعلق بالمنطق والمشروعية واللغة والقانون، بينما تمثل كتابتي بالفعل المكان الذي يمكن أن تبدأ منه وتنتهي بعواطفك.
كما يُعتبر الفن علامة على مقاومتي. إنه يمثل أهمية بالنسبة لي، حتى لا أصبح ذاتاً معزولة، وهذا هو السبب في أن منظمة “منشأ الفتاة” – وهي المنظمة التي بدأتها – هي منظمة للفتيات الملونات، بمن فيهن المهاجرات والفتيات اللاتي اضطررن للنزوح بسبب إمبريالية الولايات المتحدة. وتهتم المنظمة بتعليم النساء الشابات مختلف المهارات من خلال مشروعات إعلامية عملية. لقد اشتركنا في كتابة ونشر كتاب… اشتركنا في كل شيء، من مهارات إجراءات المقابلات إلى مهارات الكتابة، وكان الكتاب يدور حول صحة النساء الشابات من منظور النساء المهاجرات الفقيرات الشابات، وبالنسبة لي، كان من المهم استخدام الإعلام والفن في أعمال المناصرة وجعل أصوات الفتيات مسموعة، كان يُقال دائما لهؤلاء النسوة ما هي الصحة، دون مشاركتهن في العمليات المرتبطة بالصحة. هذا ما كان يتعلق بعملهن في مجتمعاتهن المحلية، وعملهن مع نساء شابات أخريات ليعرفن قصصهن – بغية المرور بخيرة الحقيقة المشروعة، تلك الحقيقة التي يمكنهن طرحها بالنسبة لأنفسهن. لقد كانت الفتيات يحصلن على أجور، ويمتلكن الآن مهارات جيدة. كما كانت الفتيات يذهبن إلى المدرسة كل يوم، ويعملن في المشروع، وكانت ثلاث منهن أمهات شابات.
لقد كنت أرغب في البدء في منظمة منشأ الفتاة نظرا لأهمية عقد صلات مع مجتمعات محلية أخرى في الولايات المتحدة، مجتمعات المهاجرين أو الملونين، بحيث يمكن إدماج تلك الأصوات داخل عملية صنع القرار. فمن يصدرون قرارات تتعلق بحياتنا لا يعرفون شيئاً عنا، مع أن كثيراً من هذه القرارات يمد الفتيات الشابات بالأدوات الضرورية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، إن استخدام تصنيف “النساء الملونات” كان أسلوباً يستهدف رؤيتهن بوصفهن أكبر أو أضخم من مجرد رد فعل إزاء شخص أو أي شيء آخر، والنساء اللاتي أشعر بهن حليفات مقريات هن النساء اللاتي يعملن داخل مجتمعاتهن المحلية ويعتبرن أنفسهن جزءاً من تلك المجتمعات وليس مناصرات لحقوق المرأة ونسويات، أي اللاتي يعتبرن ببساطة “نساء“، وتُعتبر الهوية مسألة شديدة التعقيد، بل أكثر تعقيداً من مجرد أن تكوني امرأة. إنني أحدد هويتي مع النساء اللاتي يجدن هويتهن في المجتمع المحلي أو في خبراتهن الخاصة… كلاجئات أو نازحات، أو مع النساء اللاتي يدركن تعقيدات النضال، ولا يفقدن هويتهن كنساء إذا ناضلن من أجل تحقيق العدالة في مجال العنصر.
في داخل سرد يمني، تُعد موضوعات “الوجود” و“الوجود المرئي” موضوعات مركزية بالنسبة لتطوير “وعي معارض” (Sandoval ١٩٩٨). إن يمني، بسردها لرحلتها من أجل تأكيد هويتها بوصفها “امرأة عربية“، تشرح أنها عندما كانت في المدرسة العليا : “لم يكن هناك شيئ خاص يتعلق بهويتي“، بينما في الكلية “بدأت في الدفاع عن نفسي كامرأة عربية، وهو الأمر الذي لم يحدث أبداً من قبل“. ومع ذلك، فقد كان أسلوب يمنى في التعبير عن نفسها، في الكلية، مثيراً للحيرة والارتباك، وتضمن التشبث بموضعها الملتبس بين تصنيفات نسويات الولايات المتحدة: “النساء البيضاوات” و“النساء الملونات“.
وعندما تقول يمنى أنها كانت تجلس في مقعدها متململة، وليس لديها أي فكرة عما إذا كانت امرأة ملونة أم لا“، فإن ذلك يشير إلى تعقيد عملية إضفاء طابع العنصر على العرب في الولايات المتحدة، كما يشير أيضاً إلى أن الحدود العنصرية عادة ما تكون مختلطة وغير متساوية ومسامية. ومن الناحية التاريخية، كان التمايز بين التصنيفين – “النساء البيضاوات” و“النساء الملونات” – قد برز في سياق يضم نساء من مجتمعات ذات سمات عرقية وينتقدن استخدام مصطلح “النساء” كوحدة متناغمة داخل الخطابات والحركات النسوية بالولايات المتحدة. لقد نشرت هؤلاء النسوة مصطلح “النساء الملونات” حتى يواجهن، من الناحية الاستراتيجية، علاقات القوى بين “النساء” ولتناول نقاط التقاطع القائمة بين العنصر والنوع الاجتماعي. ومع ذلك، فقد أدى تصنيف “النساء الملونات” إلى إمداد النساء ذوات السمات العنصرية بلغة لمقاومة العنصرية والتمييز على أساس الأنوثة والذكورة في آن واحد : لغة تمكنت من إقامة وتحديد وتحقيق تجانس “عناصر” بعينها، بينما استبعدت عناصر أخرى من المشهد.
يصف سرد يمني كيف اتجهت عملية نشر تصنيف “النساء الملونات” داخل دراسات المرأة نحو إعادة إنتاج “تصنيف الإحصاء السكاني للولايات المتحدة الذي كان يتكون من خمسة أجزاء وكان مرتبا على نحو تضليلي” (Shahat 1998: 8)، إذ يعتبر الأفريقيات الأمريكيات والأسيويات الساكنات الأصليات واللاتينيات نساء ملونات. وقد يجد بعض الأفراد أو تجد بعض المجتمعات المحلية تصنيفات العنصر، الواردة في الإحصاء السكاني للولايات المتحدة، ” ملاءمة” لهم: وقد يجد آخرون، بمن فيهم العرب الأمريكيون، أنهم “يقعون” داخل هذا المشهد التنظيمي للدولة وإنما بصورة ملتبسة، وهو الأمر الذي يترجمه تأكيد يمني أنها لا تعرف ما إذا كانت امرأة ملونة أم لا(8) ومع ذلك، فعند مواجهة الحدود العنصرية، المسامية والملتبسة، تُعيد يعني إنتاج المنطق الثنائي “النساء البيضاوات/ النساء الملونات“. ونظراً لما يتسم به وضع يمني من مفارقة، فقد واجهت “اختيارا“. فإذا ظلت تقع وتتحدد في إطار تصنيف “المرأة البيضاء” فإنها تخاطر يطمس هويتها العربية، وطابعها العنصري كامرأة عربية في الولايات المتحدة، وتاريخ نزوح أسرتها في سياق العولمة. وإذا تشبشت وأصرت أنها “امرأة ملونة“، فإنها قد “تدافع عن نفسها… حيث لم يحدث ذلك من قبل أبداً… وحتى برغم أن ذلك لم يكن لغتها“، لقد “تشبثت” يمني بموقعها في المنطق العنصري المتناقض – إما “امرأة بيضاء أو امرأة ملونة“، وعلى هذا النحو، لا تعتبر يمني نفسها مدافعة فحسب عن الوجود المرئي للنساء العربيات في المنهج الدراسي، وإنما “ترتبط، مع أخريات في فصل الدراسة“، وعندما تواصل يمني سردها عن هويتها بين الحدود الملتبسة بين “النساء البيضاوات” و“النساء الملونات“، فإنها تعمل بشكل استراتيجي على نشر تصنيفات العنصر بغرض ممارسة أعمال المناصرة في حجرة الدراسة، بينما تعيد إدراج “العنصر” بوصفه بناء اجتماعياً وليس بوصفه جوهراً.
ومع ذلك، فإن عملية النشر الاستراتيجية التي قامت بها يمنى لفئة “النساء الملونات” لا تمضى دون معارضة. فعندما تتذكر يمنى أن “النساء اليهوديات” اللاتي تفاعلت معهن قد بنين مع رابطة علاقية بين فئتي “العرب” و “اليهود“، فإنها تحدد نمطًا يحيط بتشكيل هويتها بوصفها نسوية عربية/عربية أمريكية في الولايات المتحدة. حيث – كما تضع هي الأمر – “أصواتنا يجب أن تكون مسموعة من خلال أصواتهن“، كما أن “أي حوار حول اليهودية“. كما توضح يمني، “عادة ما يجب أن يدور في نفس الوقت مع حوار حول كونك عربية، على الرغم من أن ذلك لا يحدث عندما يكون الأمر معكوساً، وهكذا تتعرض قضايانا وهوياتنا للإضعاف“.
وفي ظل العملية التي تطلق يمنى من خلالها اسم “النساء اليهوديات“، بوصفهن المحاورات اللاتي يحددن أنفسهن ذاتيا في مواجهة “الرؤية عربية“، تكمن أساليب تركيب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الصعيد العالمي ليصبح صراعاً “عربياً – يهودياً“. وفي السرديات الوطنية الإسرائيلية والأمريكية المهيمنة، التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي، تحتل موقع المركز تلك الكولونيالية التي من شأنها تقليص تعقيدات الرؤية اليهودية إلى رابطة علاقية بين الشتات اليهودي وفكرة الوطنية بالنسبة “لليهود” – وهي الفكرة المبنية من الزاوية الأوروبية البيضاء، الأوروبية المركزية، ومع بناء صور الشعب اليهودي المتجانس والضحية والخاضع لحصار “عربي” عنيف متجانس، فإن التعارض الثنائي بين “العرب” و“اليهود” يؤدي إلى تقليص “الرؤية العربية” إلى علاقة صراعية مع “الرؤية اليهودية“، كما تطمس عدم التجانس القائم بين “العرب” و“اليهود“، فضلاً عن الحدود المسامية المتداخلة بين الفئتين. إن تكوين إيديولوجية المركزية الأوروبية للسرديات الوطنية الإسرائيلية المهيمنة – التي تضع “العرب” و “اليهود” كفئتين متعارضتين، وتعمل على تهميش وجود العرب والأفارقة والآسيويين اليهود – هو ما “يعزو البياض لليهود” و “التضافر الثقافي اليهودي للمركزية الأورو – أمريكية في الولايات المتحدة” (Kaplan ٤٥٤:١٩٩٨). وفي داخل سردية يمني، تنشر النساء اليهوديات البيضاوات تميزاً للبيض، سواء عند تبرير إمبريالية الولايات المتحدة وإسرائيل أو عند نشر “الذنب اليهودي الأبيض“، بحيث يصبح حديث أي عربي “يدور حول هويتهم، اليهودية“. وتفسر يمنى السياسات النسوية اليهودية البيضاء في مواجهة النساء العربيات من زاوية شرعية التميز الأبيض، والذي تعبر عنه على النحو التالي: “أنا سأطالب بمساحتك ولن أتيح لك الشرعية دون وجودي إلى جوارك“.
وفي تقدير كابلان أن تاريخ الولايات المتحدة الذي يتسم بتميز البيض والعداء للسامية أسهم في جعل الذات اليهودية نتاجا “التفاعل معقد بين السلطة والتهميش. يحفزه هذا التاريخ نفسه، وخاصة في أشكاله القائمة على النوع الاجتماعي” (Kaplan ٤٥٣:١٩٩٨). وفي داخل سردية يمني، فإن النساء اليهوديات اللاتي تشير إليهن يعرفن أنفسهن “كنساء ملونات“، نظراً لصداماتهن مع معاداة السامية، بينما يتقمصن دور البيض المتميزين في علاقتهن مع “النساء العربيات“، وهكذا نستشف من شهادة يمنى “الخصائص التي تطبع” ( Dyer Cited in Kaplan ۱۹۹۸) الذات اليهودية. فمن خلال تعريف أنفسهن بوصفهن “نساء ملونات” استطاعت أولئك النساء اليهوديات تعميم تجاربهن ووجهات نظرهن، وشكلن صورة لأنفسهن كنساء ملونات، وبالتالي بوصفهن “دائماً مستعدات للتحالفات المعادية للعنصرية” (Kaplan ٤٥٤:١٩٩٨). وبذلك، فإنهن يتجنين وضعيتهن المتميزة فيما يتعلق بكونهن من البيض. وعدم المساواة في السلطة بين “النساء اليهوديات البيضاوات” و “النساء العربيات“، وبالتالي يسهمن في التشويش على صوت يمني وهويتها وتجربتها.
إن موضع يمني، في علاقته تجاه ” التفاعل المعقد بين السلطة والتهميش” (Kaplan ٤٤٣:١۹۹۸) في سياق الهوية اليهودية، يتيح لها بالتالي تسمية العمليات المستخدمة عادة لإسكات العربيات في مواجهة النساء اليهوديات وهي التميز الأبيض والسياسات العربية – الإسرائيلية.
وهكذا، يبرز وعى يمنى السياسي في علاقته بالخطاب المتناقض الذي يمنح فئة “النساء اليهوديات” المبنية اجتماعيا مساحة للتميز من خلال البياض أو القهر من خلال معاداة السامية، وفقاً للقضية السياسية المطروحة. إن يمني بطرحها هويتها، تؤكد أنها:
ترغب في العمل من أجل أن تصبح النظرة إلى العرب نظرة تعتبرهم جزءاً من العالم الذي كان موجوداً لآلاف السنوات قبل وخارج سياق الصهيونية والخطاب الذي يضع اليهود والعرب في صراع كما لو أنهم لم يعيشوا معاً لقرون قبل إنشاء دولة إسرائيل. وبالتالي، يتعلق الأمر بتذكير الناس بعدم تقليصنا إلى مجرد رد فعل أو ارتباط بكيان استعماري لم يكن موجوداً سوى منذ 53 سنة فقط.
وفي سياق “دراسات المرأة“، تصل يمنى أيضاً إلى تفاهم مع سياسات “الوجود الرمزي“، حيث “يصاب الجميع بصدمة عندما تتحدث كما لو أنهم لم يستمعوا من قبل إلى امرأة عربية“. كما أنها تحدد الطبيعة العنصرية المصفاة على النساء العربيات، والتي برزت فيما يتعلق بإضفاء طابعاً عنصرياً على الرجال العرب، تقول يمني: “لقد قدمت مداخلة حول ما يعنيه تربية الفتاة ونشأتها، كفتاه عربية، في لوس أنجلوس، وما يعنيه أن يسألني أصدقائي بجدية عما إذا كان والدي إرهابياً. وبتحفيز من شخصيتها داخل دراسات المرأة، بوصفها “خلابة” و“ابنة إرهابي” و“تتحدث” و“يجري التحدث عنها” قررت يمنى أن تحول بؤرة تركيزها. تقول: “قررت، منذ تلك اللحظة، أن يعود كل شيء أفعله بالفائدة على المجتمع العربي“. وبالطواف بين المحلي والعالمي، يمكن تنظير ممارسة يمني النسوية من زاوية ما تشير إليه شوهات بوصفه “مشروعاً سياسياً وثقافياً يحشد الارتباط متعدد المراكز للعالم الذي يتحرك على الدوام” (Shahat 1998: 52). ومن خلال عمل يمني مع مختلف المنظمات السياسية ذات الأهداف المختلفة والمتداخلة، فإنها توضح ممارسة نسوية ليست في حالة عزلة وإنما في سياق علاقة” (Shohat ۱:۱۹۹۸) مع أشكال عديدة من السلطة والقهر محلياً وعالمياً. وأما في داخل منظمات المجتمع المحلي العربي، فتضطلع يمني بمهمة “أن يعود كل شيء أفعله بالفائدة على الوطن، أعطي الوطن كل ما اكتسبته“، وعند تناول الرابطة بين فلسطين وإسرائيل والعرب واليهود داخل الولايات المتحدة، تربط يمني بين سياسات الهوية المحلية وبين “عالمية التوجه العابر للقوميات” (Shohat 1998: 46). وفي داخل المنظمات الوطنية والدولية لحقوق الإنسان، تعمل يمني على تصفية التمثيلات من الكولونيالية، وذلك بالإصرار على وجود المرأة العربية المرئي وتحدي السرديات الوطنية بالولايات المتحدة، والتي تقلص العرب إلى “سياسة خارجية“، وبالتالي تحول المهاجرين والمواطنين العرب إلى “أجانب بالداخل“. وعلاوة على ذلك، عندما تربط يمني بين قضايا العنصر والطبقة والنوع الاجتماعي لدى الفتيات الشابات الملونات الفقيرات، فإنها تضيف المهاجرات والنازحات إلى العلاقات المجتمعية البينية القائمة بالفعل بين نساء الولايات المتحدة ذوات الطابع العنصري، وتشارك في إنتاج ممارسة نسوية تتجاوز الدولة القومية التي تنتقد في ذات الوقت الدولة القومية.
وعلاوة على ذلك، وكما تعمل يمنى على تعبئة “الثقافة” كمجال للمقاومة السياسة، فإنني أطرح أن الثقافة تبرز بوصفها “أرضا” (أكثر منها مجالاً من بين مجموعة من المجالات والممارسات المتمايزة) “تشكل عليها السياسة والثقافة والاقتصاد دينامية لا تنفصم عراها” (Lowe and Lloyd 1:1997). وتقول يمني:
إنني أشاهد عروض موسيقى “هيب – هوب“، ورقص السامبا، ورقص الكابايويرا، وعروض الشباب البرازيلي، واعتبرها مواقع للمقاومة. وعندما كنت أرقص الباليه، كانت توجد دائماً قصيدة أو أغنية كتبتها تحمل رسالة سياسية، وقد اعتبرت أن الفن هو الطريق الوحيد لجذب انتباه الناس. وتضيف قائلة: “الملونون هم الفنانون الذين يقودون الثورة الثقافية“.
وفي التناقض مع منتجات الرأسمالية العالمية الحديثة – بما فيها النزوح، والحرب، والعنصرية، وعلاقات القوة بين المجتمعات من زاوية عابرة للقوميات، حيث “يصدر أناس آخرون قرارات بشأننا” – تبرز الثقافة داخل سردية يمني، ليس باعتبارها “جماليات خاصة” (Lowe and Lloyd ۱۹۹۷) مفصولة عن الواقع المادي، وإنما بوصفها “نقطة دخول إلى عالم القاهر“، إن يمني، في فنها وشعرها وعملها مع الفتيات الشابات، تنتج بالتالي مساحات ثقافية بديلة تضع الروابط بين العواطف والثقافة والسياسة، فضلا عن اللغات المتعددة التي تحددها، في وضع التحرك.
إن محور هذه الورقة هو عملية كتابة أنفسنا في تاريخ عن طريق تسمية مقاومتنا داخل إطار النقد النسوي عبر القومي. وعلى الرغم من أن هذا الميدان من النضال يتطلب تحليلات تاريخية بشأن الرأسمالية والعولمة عبر القوميات، فإنه ميدان يتميز بالحركة والتغيير ولا يكتمل أبدأ. إن دلالة هذا المدخل للنظرية النسوية يكمن في أنه يربط الممارسات النسوية القائمة بإمكانيات بناء تحالف محلي وعبر قومي داخل الحدود الثقافية الوطنية وما وراءها. وتجدر الإشارة إلى أن دراستي حول “المنتجات الثقافية“، بوصفها مواقع صدامية مع “الهيمنات المبعثرة” (Grewal and Kaplan 1994)، تؤسس الرابطة بين السياقات القائمة والتدفقات عبر القومية، إنها تلقى الضوء، في آن واحد، على عملية كتابة أنفسنا في تاريخ – نحو إنتاج تحالفات جديدة داخل وبين السياقات المحلية وعبر القومية للإمبريالية وتصفية الكولونيالية (Kaplan and Grewal ۱۹۹۹). ومن خلال إطار نسوي راديكالي عبر قومي، برز النقد النسوي العربي/ والعربي الأمريكي بوصفه “مكاناً يمكن أن نطلق صيحتنا منه“، ونعمل في إطار نظرية نسوية موسعة في عالم تتزايد عولمته.
* يمثل هذا البحث فضلا من رسالة الدكتوراه الخاصة بالباحثة والمكتوبة باللغة الإنجليزية، وهو لم ينشر من قبل سواء باللغة العربية أو الإنجليزية.
**باحثة-ناشطة، تدور أبحاثها حول تداخل قضايا العنصر والنوع الاجتماعى ما بين العرب الأمريكيين، تدرس لمرحلة ما بعد الدكتوراه فى مجال دراسات المرأة فى جامعة كاليفورنيا/ سانتا كروز.
1 – إن الجدل العام على المستوى العالمي حول الهجوم على مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر ٢٠٠١، وحول العلاقة بين إدارة بوش، و“العرب“، و“المسلمين، وفلسطين، وأفغانستان، ومدينة نيويورك، وواشنطون، يوضح تنامي الطبيعة المتعدية القومية للناس والأفكار، إن ردود الفعل التي تصاعدت في الأسابيع التالية للهجوم في شكل روابط متعدية القومية ضد العرب وضد المسلمين أنتجت بدورها – خاصة بين النشطاء العرب والمسلمين – إحساسا بالانتماء متعدى القومية لمكان “عربي” و“مسلم“. فعلى سبيل المثال تزايدت – بعد الهجوم – عضوية جمعية تضامن المرأة العربية والمراسلات الإلكترونية الموجهة لها. وقد صاغ أعضاء شبكة البريد الإلكتروني بيانا صحفيا وتم توزيعه على المواقع الإعلامية باتساع العالم، أداموا فيه “الهجمات البشعة” جنبا إلى جنب مع إدانة ردة الفعل المعادية للعرب والمسلمين. كما فجرت اللحظة التاريخية لأحداث سبتمبر تحالفات جديدة ذات تعدد عنصري على المستوى المحلي، فقد نظمت كل من النسويات العربيات الأمريكيات، والنسويات الآسيويات الأمريكيات في سان فرانسيسكو أول جهودهن اليقظة المشتركة في استجابة للوضع المشترك لمجتمعاتهن كضحايا لجرائم الكراهية ضد العرب، والمسلمين والأسيويين. كما برزت النسويات العربيات الأمريكيات لأول مرة باعتبارهم منظم أساسي لتحالف “النساء الملونات” في سان فرانسيسكو الذي أنشئ لمواجهة جرائم الكراهية الملتحفة بالوطنية المعادية للمهاجرين ضد الأشخاص الذين ينتمون عنصريا لمن أطلق عليهم “الأجانب في الداخل“.
۲ – في مقدمتها لكتاب “عندما تتحدث عن الرؤى: النسوية متعددة الثقافات في عصر القوميات المتعددة” (۱:۱۹۹۸) تجادل إللا شوهات بأن “الحديث عن الرؤى… يهدف إلى أن تقوم النسويات بإعادة التفكير في الانتماءات المجتمعية، والممارسات الثقافية، باعتبارها ليست معزولة بل متشابكة في علاقات أخرى. إنها لا تعلى من شان اهتمام سياسي (النزعة النسوية) على الآخر (التعددية الثقافية). وبالربط بين المصطلحين، يرفض الكتاب وضع تراتبية للنضالات المختلفة: الطبقية، أو العنصرية، أو الوطنية، أو الجنسية، أو تلك المبنية على النوع الاجتماعي.
3 – ينطلق هذا الفصل من مقال جروال وكابلان “الدراسات النسوية الثقافية متعدية القومية: تجاوز الماركسية وما بعد – البنيوية، والانقسامات النسوية، مع أخذ إطارهما النظري في سياق ثقافي وتاريخي محدد. أنهما يتصديان في هذا المقال لسؤال “لماذا نحتاج إلى نظرية للممارسات النسوية متعدية القومية؟“، الذي يبنيان فيه على أعمال سبيفاك، موضحين أن عملها يبين الإلحاح من الزاوية المنهجية على الربط بين قضايا النوع الاجتماعي، والاقتصاد السياسي، والتقسيم الدولي للعمل“.
٤ – نظمت عضوات تضامن المرأة العربية فرع سان فرانسيسكو هذا الحفل الموسيقى، وقام موسيقيون عرب محترفون بعزف أغاني أم كلثوم.
5 – إنني أدين لجروال وكابلان (١٩٩٤) لإسهامهما بتعبير “السيطرة المبعثرة” في مجال العمل الأكاديمي النسوى حول ما بعد الحداثة، وتزايد عولمة الاقتصاد.
6 – آلاركون (۱۹۹۸)
7 – بعثة تنمية الإسكان هي هيئة تمولها مدينة سان فرانسيسكو وتقوم بتطوير وتوفير إسكان في متناول الجميع في منطقة سان فرانسيسكو.
8 – وبالإضافة إلى حقيقة أنه لم تكن هناك “فئة” منفصلة لتمثيل النساء العربيات الأمريكيات داخل نظام الإحصاء الأمريكي، فإن تعقيدات للتعامل معهن على أساس عنصرى تفاقم من وضعية يمنى العنصرية الملتبسة. ففى خلال عملي الميداني بين النساء العربيات اللاتي يمكن اعتبارهن “بيض“، عرفت بعضهن أنفسهن باعتبارهن “بيض“، بينما اعتبر البعض الآخر أن لهن هوية ذات طبيعة عنصرية ك“عربيات“، و “شرق أوسطيات“، أو كنساء “ملونات“. وبين أولئك اللاتي كان لهن وضع عنصري ملتبس، تعدد كذلك انتمائهن العنصري. وحتى أولئك اللاتي كن يصنفن بشكل واضح باعتبارهن لسن بيضاوات (أو عربيات/ شرق أوسطيات/ مسلمات)، فإنهن أيضا كن ينظر إليهن بشكل عنصري عبر عمليات متعددة، ومتداخلة، ومتغيرة، بل إن البعض كن يعاملن بشكل عنصري بسبب آرائهن السياسية، أما أولئك اللاتي كن يصنفن كمسلمات، فإن الطابع العنصري هنا ينبع من انتمائهن الديني بغض النظر عن العرق، أو اللون أو الآراء السياسية.
Alarcon, Norma (1998). “In the Tracks of the Native Woman.” In Living Chicana Theory. Edited by Carla Trujillo.Pp.371-382.Berkely:Third Women Press.
Alarcon, Norma, Caren Kaplan and Minoo Moallem (1999). “Introduction: Between Woman and Nation. “In Between Woman and Nation: Nationalism, Transnationlism Feminism and the State. Edited by Caren Kaplan, Norma Alarcon, and Minoo Moallem. Pp. 1-19. Durham and London: Duke University Press.
Appadurai, Arjun (1996). Modernity at Large: Cultural Dimensions of Globalization. Minneapolis: University of Minnesota Press.
Buescher, Derek T. and Kent A. Ono (1996). “Civilized Colonialism: Pocahontas as Neocolonial Rhetoric.” Women’s Studies in Communication. 19(2):127-153.
Grewal, Inderpal and Caren Kaplan (1999). “Transnational Feminist Cultural Studies: Beyond the Marxism/ Poststructuralism/ Feminism Divides.” In Between Women and Nation. Edited by Caren Kaplan, Norma Alarcon and Minoo Moallem. Pp.349-36. Durham: Duke University Press.
Kaplan, Caren (1998). “Beyond the Pale’: Rearticulating U.S. Jewish Whiteness.” In Talking Visions: Multicultural Feminism in a Transnationl Age. Edited by Ella Shohat. Pp. 451-485. Cambridge: The MIT Press.
Kaplan, Caren and Inderpal Grewal (1999). “Transnational Feminist Cultural Studies: Beyond the Marxism/ Postculturalism/ Feminism Divides.” In Between Woman and Nation: Nationalisms, Transnational Feminism and the State. Edited by Caren Kaplan, Norma Alarcon, and Minoo Moallem. Pp. 349-365.Durham and London: Duke University Press.
Lowe, Lisa (1997). “Work, Immigration, Gender: New Subjects of Cultural Politics.” In The Politics of Culture in the Shadow of Capital. Edited by Lisa Lowe and David Lloyd.Pp.354-375.London:Duke University Press.
Lowe, Lisa and David Lloyd (1997). “Introduction.” In The Politics of Culture in the Shadow of Capital. Edited by Lisa Lowe and David Lloyd.Pp.1-33.London:Duke University Press.
Naber, Nadine(2000)”Ambiguous Insiders: An Investigation of Arab American Invisibility.” Ethnic and Racial Studies. 23(1):37-61.
Ong, Aihwa (1997). “The Gender and Labor Politics of Postmodernity.” In The Politics of Culture in the Shadow of Capital. Edited by Lisa Lowe and David Lloyd. Pp.61-98.London:Duke University Press.
Samhan,Helen Hatab (1999). “Quite White Race Classification and the Arab-American Experience. “In Arabs in America: Building a New Future. Edited by Michael W.Suleiman.Pp.209-227i.Philadelphia: Temple University Press.
Sandoval, Chela (1997). “Mestizaje as Method: Feminists- of-Color Challenge the Canon.” In Living Chicana Theory. Edited by Carla Trujillo. Pp. 352-370.Berkely:Third Woman Press.
Shohat, Ella (1998). “Introduction.” In Talking ‘Visions: Multiculturalism Feminism in a Transnational Age. Edited by Ella Shohat. Pp. 1-64. Cambridge: The MIT Press.
Urla, Jacqueline (1997).”Outlaw Language: Creating Alternative Public Spheres in Basque Free Radio. “In The Politics of Culture in the Shadow of Capital. Edited by Lisa Lowe and David Lloyd. Pp. 280-301.London: Duke University Press: