اعتلال صحة الأمهات ووفياتهن هل أصبح الحمل أكثر أمانًا للنساء ؟
ترجمة:
كتابة:
اعتلال صحة الأمهات ووفياتهن هل أصبح الحمل أكثر أمانًا للنساء ؟
يشهد هذا العام الذكرى العشرين لمبادرة الأمومة الآمنة التى أطلقتها “منظمة الصحة العالمية” في نيروبي عام ۱۹۸۷. ومساهمة من مجلة الصحة الإنجابية فى قاعدة المعرفة المتعلقة ببرامج “الأمومة الآمنة” في المستقبل. فقد أثرنا السؤال التالي: هل أصبح الحمل أكثر أمانًا للنساء؟ وتجيب الأوراق البحثية التي يشتمل عليها هذا العدد بالإجابة التالية: نعم. وكلا. … لا تزال وفيات الأمهات مؤشرًا على صحة السكان بما يكشف بشكل صارخ عن مدى التفاوت العميق في هذا الزمان… (لين فريدمان)** ماذا تطرح البيانات الواقعية؟ لقد أُعيد تقييم نسب وفيات الأمهات عام ۱۹۹۰ فى مناطق العالم الرئيسية، وذلك باستخدام الوسيلة نفسها التى طبقت لتقدير اعتلال صحة الأمهات عام ۲۰۰5 بحيث يمكن مقارنة النتائج. وقد قام إقبال شاه ولال ساى بتلخيص هذه البيانات فى ورقة بحثية توضح ما يلى:- في عام ٢٠٠٥ توفيت. 536.000 امرأة بسبب مضاعفات الحمل والإنجاب أو الإجهاض غير الآمن، مما يمثل انخفاضاً قدره 7% منذ عام ۱۹۹۰ فى عدد وفيات الأمهات المُقدر عالمياً.
- كان هناك انخفاض قدره 5.4% فى نسبة وفيات الأمهات من ٤٣٠ إلى ٤٠٠ لكل 100.000 من المواليد الأحياء خلال ١٥سنة – من ۱۹۹۰ إلى ۲۰۰5.
- كانت أفريقيا جنوب الصحراء المنطقة الوحيدة التى شهدت زيادة فى عدد وفيات الأمهات بين عامي ۱۹۹۰ و ۲۰۰5 ، وذلك نتيجة زيادة عدد المواليد والانخفاض الضئيل فى نسبة وفيات الأمهات ***.
- Materal Mortality and Morbidity: Is Pregnancy Getting Safer for Women?
Marge Berer، Volume 15، Issue 30، November 2007، (15:30)
وتوضح الدراسات نجاح بعض البلدان النامية في تقليص وفيات الأمهات بشكل هائل منذ عام ١٩٨٧، بما فيها مصر، وهندوراس وماليزيا وسريلانكا وتايلاند (ويندى جراهام وآخرون). ولا يوجد خلاف حول اعتبار التغذية الجيدة والعلاج الفاعل خلال الحمل – في حالات الأمراض المزمنة مثل الأنيميا، والسكر، وفيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا – علاوة على الإمداد بالرعاية الماهرة، وتيسير الوصول في الوقت المناسب إلى الرعاية الطارئة في حالات الولادة عند الضرورة، أفضل طريق لتجنب الوفاة واعتلال الصحة غير الضروريين للنساء والأطفال الرضع حديثي الولادة. وهنا يثار السؤال التالى ما أسباب بطء حركة التغيير الأفضل ، وما المشكلة في البلدان التي لم تشهد أي تحسن، أو شهدت تحسنًا محدوداً ، أو في الأماكن التي يزداد فيها الوضع سوءًا ؟ ولذا، يضم هذا العدد من “مجلة قضايا الصحة الإنجابية” مزيجاً قوياً من البيانات الكيفية والكمية والبرنامجية التى ترتكز على مجموعة متنوعة وغنية من الخبرات الميدانية، وتوضح الصواب والخطأ في سياق العمل وأسباب كل منهما. كما توضح البيانات ما يلي:- تغيير ما يحدث في نظم الصحة يُعد تدخلاً اجتماعياً، وليس مجرد تدخلاً تقنياً.
- السياق يمثل أهمية كبيرة.
- ضرورة إدارة عملية تنفيذ التغيير، وضرورة أن تتيح أساليب المراقبة والتقييم أن يتعلم أولئك الذين يخضعون للتقييم، وذلك بهدف حدوث التغيير.
هناك أسباب عديدة للاحتفال، من بينها: ارتفاع جودة البحوث التي اكتشفت فعالية سلفات الماغنيسيوم في معالجة التشنجات بسبب تسمم الحمل سواء خلال الحمل أو الوضع: والقدرة على السيطرة على النزف الذي يعقب الولادة، وذلك من خلال المعالجة النشطة للمرحلة الثالثة من الولادة بما فى ذلك الاستعانة بعقار میزوبروستول كإجراء وقائى؛ ورعاية الإجهاض الآمن باستخدام الشفط اليدوى لتفريغ الرحم وعقار ميفيبريستون – ميزوبروستول؛ وارتفاع جودة الأدلة المرتبطة بعدد من التدخلات الأخرى الفاعلة، وغير الفاعلة، والضارة فى مجال التوليد (جوليا حسين).
وفى الوقت نفسه، هناك أسباب أخرى تدعو إلى اليأس. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة حديثة في أوغندا أن أغلب المنشآت الصحية التي كان من المتوقع أن تقدم خدمات جوهرية فى مجال التوليد تفتقر إلى الأجهزة الرئيسية، والبنية الأساسية، والمياه الجارية، والكهرباء، وغرف العمليات الجراحية التي يمكن استخدامها فعلاً. وفي الواقع، كانت 97.2% من المنشآت الصحية التي خضعت للدراسة تفتقر إلى تلك العناصر (1)
وبالمثل، وجدت دراسة أجريت في ريف كارناتاكا بالهند (آشا جورج) أنه على الرغم من استطاعة النساء اللاتي عانين من مضاعفات عقب الولادة الوصول إلى عديد من مقدمي الخدمات الصحية، فقد توفين. هذا، مع استمرار ارتفاع مستويات وفيات الأمهات. لماذا ؟ يرجع ذلك إلى عدد من الأسباب، نذكر منها بداية: ضعف نظم الصحة، وعدم الاستمرار فى الرعاية، وعدم دعم العاملين في مجال الصحة، وعشوائية نُظم التحويل وسوء آليات المساءلة. وعلاوة على ذلك، لم تكن تحدث أى مراجعة لوفيات الأمهات، ولم تكن رعاية ما قبل الولادة والخدمات المؤسسية مرتبطة برعاية ما بعد الولادة أو الرعاية في طوارئ الولادة، كما كان العاملون في مجال الصحة يستخدمون حقنًا غير مناسبة دون معالجة الأنيميا أو تعفن الدم. وغالباً ما كان اللوم يوجه إلى العاملين من المستوى المنخفض، أو إلى النساء أنفسهن، دون تناول دور مقدمي الخدمة غير الرسميين. كما ظلت القيود والمشكلات الإدارية الدائمة التى يعانى منها نظام تقديم الخدمة دون حل.
توجد قائمة عالمية ومعروفة تتضمن الأسباب المباشرة وغير المباشرة لوفيات الأمهات، على الرغم من اختلاف النسب باختلاف السكان. كما ينطبق الشيء نفسه أيضًا على التوصيات المتعلقة بالوقاية والعلاج ونوع الرعاية المطلوبة. لكن الأوراق البحثية الواردة في هذا العدد توضح تعدد أبعاد الأشكال التي تتجلى من خلالها المشكلات، بحيث لا يوجد الشكل نفسه في بلدين. وعلاوة على ذلك، تعتمد الحلول إلى حد كبير على السياق، لأنها تتضمن التفاعل بين الناس وبعضهم البعض، فضلاً عن ردود أفعالهم تجاه السياسة الرسمية والأهداف البرنامجية (لوفداى بن – كيكانا وآخرون).
ما هذه المشكلات؟ تتمثل تلك المشكلات، أولاً وقبل كل شيء، في الفشل فى اتخاذ موقف عملى.
على حين يُحدد غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية – بدرجة كبيرة – مجموعات النساء اللاتي تتعرضن لأعظم المخاطر عندما يحملن: فإن غياب العدالة النوعية يسهم في قبول فكرة صرف النظر عن حالات وفيات الأمهات واعتلال صحتهن على اعتبار أنها شديدة الندرة وشديدة التعقيد، ويكاد يكون تغييرها مستحيلاً، كما يصعب قياسها بهدف جذب الاهتمام والاستثمار الجادين. إن اعتبار نسب وفيات الأمهات الهدف الخامس من الأهداف الإنمائية للألفية يشجع على الحديث عن. وعلى إبراز القلق من استمرار وفيات الأمهات، ويسهم في إدراج المشكلة في الخطط الوطنية وعلى “خرائط الطريق”. لكن التنفيذ على أرض الواقع يتطلب توفر مستوى من التركيز والالتزام تجاه التغيير المنهجى وبناء القدرة، والاستثمار بعيد المدى، فضلاً عن التحلى بالصبر الذي نادراً ما تكافئ عليه الممارسة” ( لين فريدمان)
هناك شعور بالقلق فعلاً، ويبدو أن هناك – فجأة – قدراً كبيراً منه فى هذه اللحظة. لكننا نحتاج الآن إلى الأموال، وإلى إعطاء المهام لمن يمكنهم النجاح في تحقيق الأمان خلال الحمل والولادة، فضلاً عن تحقيق الأمان في حالات الإجهاض أيضًا، مع توجيه الاهتمام الضرورى إلى البلدان الأفريقية التي يزداد فيها الوضع سوءاً.
ويقودنا هذا إلى المشكلة الثانية: أى الافتقار الدائم إلى التمويل اللازم للقيام بالمهمة على أكمل وجه. لقد ولت منذ زمن طويل تلك الأيام التى ساد خلالها اعتقاد بأن التدريب المحدود للقابلات التقليديات، دون أي تدخل آخر، يُمثل حلاً. ومع ذلك، ربما كانت خدمات الأمومة في البلدان النامية بمثابة أكثر الخدمات التي حصلت خلال العشرين سنة الأخيرة على قدر محدود من التمويل، واحتلت مرتبة دنيا من الأولويات التي عرفها العالم.
أجريت في ميانمار – وهى واحدة من أفقر بلدان العالم- دراسة استطلاعية حول استخدام القابلات لعقار ميسوبروستول بشكل وقائى حيث يقدمنه للأمهات في أثناء المرحلة الثالثة من الحمل لمنع النزف عقب الولادة. وقد أوضحت الدراسة عدم ظهور حالات النزيف عقب الولادة بين النساء اللاتى وقع عليهن الاختيار سواء بشكل عشوائي أو نظراً لتعرضهن لمخاطر كبيرة (تيين تيين هتاى) وقد تجلى ارتفاع القيمة العملية لهذا التدخل البسيط. والحكومة الآن فى حاجة إلى ١٫٥ مليون دولار سنويًا لتوفير أقراص ميسوبرستول اللازمة لتغطية جميع حالات الولادة. وإذا نجحت الحكومة في الحصول على التمويل المطلوب، سيكون ذلك بمثابة تقدم رئيسي في مجال أمان النساء عند الولادة. ولكن لمن تتجه الحكومة للحصول على هذا التمويل؟
ويقدر التقرير العالمى للصحة لعام ۲۰۰5 أن زيادة الرعاية الماهرة عند الولادة، بهدف تقليص حالات وفيات الأمهات إلى النصف مع حلول عام ٢٠١٥ في البلدان الأفقر، من شأنه أن يتسبب في زيادة تكلفة ميزانية الصحة فى تلك البلدان بما يتراوح بين 0.22 – 1.18 دولار للفرد. لكن الرعاية الماهرة عند الولادة ليست سوى جانب واحد من الصورة. إنه مبلغ زهيد، أليس كذلك. قدر ضئيل من الدولارات لتأمين مستقبل أمهات وأطفال العالم؟ لكن مضاعفة هذا الرقم بعملية ضرب حسابية في عشرة ملايين فرد يوميًا، علاوة على تكلفة الجوانب الأخرى التى تسهم في تحقيق الأمان خلال فترة الحمل، تطرح التساؤل التالى: كيف يمكن إذن الحصول على التمويل ؟
وفى واقع الأمر، تشير أحدث التحليلات إلى انخفاض تمويل الهيئات المانحة للخدمات الصحية للأمهات، وهو الأمر الذى يجب تحويله إلى الاتجاه العكسي في الأساس. ففي عام ۲۰۰٤ ، جرى إنفاق ما يصل تقديره إلى 1.990 مليون دولار على صحة الأمهات والرضع حديثى الولادة والأطفال. ولا يمثل هذا المبلغ سوى ٢% فقط من إجمالي المعونة المُقدمة إلى البلدان النامية، وكان يمكن توجيه نسبة كبيرة منه إلى صحة الطفل وليس صحة الأم. (۲) إنه قدر غير كاف إلى حد كبير، ويُشكل عقبة أمام أى تفكير نحو تحقيق الهدف الخامس من الأهداف الإنمائية للألفية – أى الهدف المتعلق بصحة الأمهات. وربما تستطيع البلدان العمل بنفسها بشكل أفضل بدون التمويلات الكبرى. ألا يمكن أن تنجح بعض البلدان على الأقل في التعامل مع هذه المسألة من قلب ميزانياتها الصحية، كما حدث فى البرازيل وتايلاند في ما يتعلق بمشكلات الصحة العامة الأخرى؟ إن تحقيق ذلك يقود بالتأكيد إلى زيادة سيطرة البلد على مشكلاته، وربما يسهم في تحقيق استمرارية أكبر على المدى البعيد. على أن ذلك ليس حلاً يسيرًا أيضًا. ونجد أن أغلب البلدان الفقيرة فى الموارد تكرس أقل من ١٠% من ميزانياتها الوطنية للصحة ، وقد تتوفر أو لا تتوفر لديها الإرادة اللازمة للعمل.
يُعد تمويل نُظم الصحة اليوم قضية مثيرة للحيرة، كما تعرضت نُظم الصحة فى البلدان فقيرة الموارد إلى الإساءة والتلاعب إلى حد كبير من جانب من يطلق عليهم الخبراء العالميون الذين يجبرون تلك البلدان على العمل وفق “مناهجهم”. ومن أهم الأمثلة على ذلك: الرسوم التي يدفعها المستخدم، والتى تمول حوالي 20% من الرعاية الصحية في بعض البلدان فقيرة الموارد. لقد أصبحت حقيقة بديهية الآن أن التكلفة الاقتصادية التي يجب أن تدفعها الأسر الفقيرة لسداد مصاريف علاج مختلف المضاعفات المترتبة على الولادة يمكن أن تكون كارثية. ومع ذلك، تعتمد حاليًا كثير من الخدمات الصحية في البلدان النامية على الرسوم التى يدفعها المستخدم لأداء وظيفتها، ناهيك عن المصاريف غير الرسمية المدفوعة إلى مقدمي الخدمة، والذين يتقاضون مرتبات منخفضة إلى حد مروع، على الأقل في القطاع العام. وتُعد الرعاية ما قبل الولادة وفى أثناء الولادة نفسها مثالاً جيداً على ذلك، كما فى الصين مثلاً، حيث انخفض التمويل الحكومي للخدمات (أماندا هاريس وآخرون). ويبدو واضحاً أنه من المستحيل استبدال تلك الرسوم بين ليلة وضحاها، وبالتالي أصبحت رعاية الأمهات قضية خاصة في بعض البلدان، في محاولة لزيادة عدد النساء اللاتي يتوجهن إلى الرعاية الطارئة قبل فوات الأوان ويلدن بمساعدة الزائرات الصحيات الماهرات. وبالنسبة إلى النساء الحوامل و / أو اللاتى فى حالة وضع، تتراوح المشروعات التي تم تجريبها من توزيع كوبونات أو عمل إعفاءات على المستوى الفردي أو على مستوى الحى: إلى تأمين على أساس المجتمع المحلى وعمل قروض الحالات الطوارئ. أما بالنسبة إلى العاملين في مجال الصحة والمنشآت الصحية، قد أمكن أيضًا تخصيص حوافز مختلفة لتشجيعهم على تقديم رعاية جيدة تجعل النساء يرغبن في الحصول عليها.
وعلى سبيل المثال، بدأت غانا في تنفيذ خطة عام ٢٠٠٣ لإعفاء جميع النساء الحوامل من مصاريف الولادة، حيث يمكن لمقدمى الخدمة المطالبة باستعادة عوائد الخدمة المجانية للمستخدمات وفقًا للتعريفة المتفق عليها (صوفى ويترز وآخرون). وقد لاقت آلية الإعفاء قبولاً جيداً. وإن ظلت هناك بعض المشكلات المهمة المتعلقة بإنفاق التمويل واستمراره: فضلاً عن المشكلات المتعلقة بوضع الميزانية وعملية الإدارة. ومع زيادة عدد النساء المترددات على المنشآت الصحية تزايد عبء العمل الواقع على كاهل العاملين، وبالتالي أصبح من المهم تخصيص مكافأة للمنشأة وللعاملين. وبعد مرور سنتين، عندما أصبحت الخطة تقف بالكاد على قدميها، بدأ العمل في المشروع الوطني للتأمين الصحي الذي يستهدف عمليًا إدخال غطاء لمجمل رعاية الأمهات الصحية. ولم يكن واضحًا بعد كيفية ملاءمة أو إلغاء خطط الإعفاء فى سياق ذلك المشروع الوطني. وعلى الرغم من الفوائد التى يمكن أن تترتب على هذا التحول في مجال السياسة على المدى البعيد، فإنه سيؤدى بالتأكيد إلى زعزعة استقرار نظام الصحة ذاته، نظرًا لمعاناته من تلك التغيرات فى فترة زمنية قصيرة.
وعلاوة على ذلك، ومما يدعو إلى السخرية أن أسلوب تمويل نظام الصحة الذى ظهر أنه أقل تكلفة وأكثر عدالة – أى نظام الصحة العامة الذي يرتكز على الضرائب. مع تيسر الوصول إليه في مواقع الرعاية مجانًا – نادرًا ما كانت البلدان النامية تحاول تطبيقه. وبفضل هيمنة اقتصادات الليبرالية – الجديدة على متطلبات الصحة العامة، أصبحت نظم الصحة وتمويلها، في البلدان المتقدمة والنامية على السواء، تخطو خطوات متزايدة على طريق الخصخصة، والقطاع الخاص غير الخاضع للتنظيم، وتحول الصحة إلى سلعة، والفشل في تقوية القطاع العام أو تعزيزه واستمرار عدم المساواة – الهائلة عادة – فى الوصول إلى الرعاية الصحية أو في ما يتعلق بالوضع الصحى.
لقد تأخرت عملية مراجعة أنماط تمويل نُظم الصحة: ومن الضروري التأكيد على أولوية الرعاية قبل وأثناء وبعد الولادة. ورعاية طوارئ الولادة داخل نظام الصحة لتعزيز الاحتياجات. وقد اقترحت النرويج في فترة مبكرة هذا العام التحرك نحو تعزيز تمويل الهيئات المانحة النظام الصحة ارتكازًا على النتائج. ومن المؤكد ، انطلاقًا من خبرة “التحالف العالمى من أجل التطعيمات والتحصينات” والصندوق العالمى لمحاربة الإيدز، والسل، والملاريا، أن هناك نتائج إيجابية لتوجيه التمويل إلى خطط برنامجية تفصيلية، واشتراط تجديد التمويل بإحراز نتائج واضحة. وهو أمر أفضل بالتأكيد من الحصول على كميات ضخمة من الأموال من أجل “دعم الميزانية” بشكل عام دون وجود شروط: وبغض النظر عن دليل على التحسن|، كما توضح حالة أوغندا التي لاتزال تعانى – مع الأسف- ارتفاعاً في وفيات الأمهات بدرجة كبيرة.
ومع وضع ذلك في الحسبان، ونظراً لأن الشراكة التي أقامتها منظمة الصحة العالمية من أجل صحة الأم والرضيع والطفل لا تسعى إلى أن تكون هيئة تمويل وإنما هيئة للمناصرة فقط، أعتقد أن إنشاء “صندوق عالمي لصحة الأم” يمكن أن يمثل خطوة للأمام. وأنا أتطلع، بطبيعة الحال، إلى أن أتولى بنفسي أمر إنشائه. ومع ذلك، فتقريبًا كل شخص اقترحت عليه الفكرة رفضها تماماً قائلاً: كلا كلا، لن نتحدث عن صندوق عالمى مرة أخرى. ولكن، ما هو البديل إذا كنا نهدف للحصول على نتائج ؟ لقد كانت هناك محاولات لطرح هذه المناقشة على المستويين الوطنى والدولى منذ فترة طويلة وأصبحت الآن أكثر إلحاحاً لأن التمويل الحقيقى ظهر فجأة في الأفق.
في الخامس من سبتمبر ۲۰۰۷ ، أعلن عن الشراكة الدولية في مجال الصحة لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في ميدان الصحة. وكجزء من ذلك، تعهدت النرويج في ٢٦ سبتمبر بدفع بليون دولار لتقليص وفيات الأمهات والأطفال. ورغم أن صحة الطفل دائمًا ما كانت تحصل على أموال ضخمة، فإن تلك المعلومات تُعد أهم أخبار صحة الأم عبر عقود. كيف يُنفق هذا التمويل (وأى تمويل آخر تال)، ومن يتولى مسئولية إنفاقه، وما النسب التي ستخصص لصحة الأم: هذه الأمور لا تزال مطروحة للنقاش ونحن بصدد طبع هذا العدد من المجلة. ونحن نأمل – خلافًا لما حدث مع الشراكة التي أقامتها منظمة الصحة العالمية من أجل صحة الأم والرضيع والطفل حتى الآن – ألا يكون التمويل المخصص لصحة الرضع أكثر من التمويل المقدم لصحة النساء اللاتى يلدن هؤلاء الرضع.
وعلى الرغم من ذلك، فإن نجاح أو فشل تلك التغييرات سيكون على المستوى الوطنى، حيث توجد جميع المشكلات الأخرى التى تحافظ على استمرار ارتفاع معدلات وفيات الأمهات واعتلال صحتهن، وحيث تقع أيضًا حلول تلك المشكلات.
عادة ما تفشل السياسة الوطنية في إدراج التعليم الشامل والتدريب الإكلينيكى للمهنيين الصحيين الذين سيعملون فى مجال رعاية الأمهات، بما في ذلك تدريب المولدات الماهرات والكوادر الأخرى التي تقدم الخدمات للأمهات: وهو الأمر الذي اعتبره المشكلة الثالثة في هذا الصدد. ففى المكسيك، على سبيل المثال، قامت مجموعة بحثية بمراجعة المناهج فى عينة ممثلة من ثلاث مدارس للتعليم والإعداد الإكلينيكى لممرضات التوليد ، والقابلات المهنيات، والأطباء العموم (ليزلى كراجين وآخرون). وقد قامت المجموعة بقياس مواد المنهج الدراسي باستخدام مؤشرات المعرفة والقدرة (٢١٤ مؤشرًا)، المذكورة في الخطوط الإرشادية التدريبية التى طرحها الاتحاد الدولي للقابلات والمخصص للزائرات الماهرات.
ووجدت المجموعة أن المنهج الدراسي لمدرسة القابلات لا يغطى سوى 83% من الكفاءات و ٩٣% من المعارف الأساسية، و ٨٦% من القدرات الأساسية، مقارنة بالمنهج الدراسى لمدرسة ممرضات التوليد الذي يغطى ٥٤% و ٥٩% و ٦٤% فقط، ومنهج كلية الطب الذي يغطى ٤٣% و ٦٠% و ٣٦% على الترتيب. أما المنهج الدراسي للأطباء العموم، فقد كان ما يغطيه من مهارات ومعرفة أقل من مناهج المدارس الثلاث. ومع ذلك، يشرف أطباء العموم على أغلب الولادات فى المكسيك. وفي المقابل، توجد مجموعة محدودة فحسب من القابلات المهنيات اللاتى يجرى تدريبهن كل عام: كما أن ممرضات التوليد لم يدرجن رسميًا في نظام الصحة العامة للإشراف على الولادات إلا مؤخراً. وتطرح هذه النتائج ضرورة مراجعة التعليم والتدريب الإكلينيكى لمقدمي خدمات رعاية الأمهات فى كثير من البلدان (إن لم يكن جميعها). والدليل السابق ليس سوى مثال واحد لمحدودية الدعم الموجه لتدريب القابلات الماهرات وممرضات التوليد. وأخيراً، يجب أن يصبح التدريب الشامل حقيقة واقعة من خلال زيادة جودة التدريب وزيادة عدد المؤسسات التي تقدمه. وعلاوة على ذلك، يجب تقييم خطط التدريب التي بدأت في السنوات الماضية ونشر نتائجها.
ما الخدمات المتاحة والتى يتيسر الوصول إليها، ومدى جودة الرعاية فى إطار تلك الخدمات. التي لا تزال تمثل أحد مجالات الصعوبة الرئيسية، وتُعتبر المشكلة الرابعة التي أطرحها. لقد أمكن، بعد عقود من البحث، تطوير مجموعة كاملة من الممارسات المرتكزة على الأدلة في مجال رعاية الأمومة. على أن الفشل في تنفيذها، والإصرار على ممارسات لا ترتكز على الأدلة بل يمكن حتى أن تكون ضارة، لايزال واسع الانتشار. ونذكر على سبيل المثال، ما حدث في أوتار براديش بالهند (باتريشيا جفرى وآخرون)؛ حيث انتشر حقن العضل بمادة أوكسيتوكسين دون إشراف بهدف التعجيل بالولادة فى الولادات المنزلية؛ أساساً من جانب الممارسين الذكور المحليين غير المسجلين والقابلات والممرضات المساعدات. وتشير أيضًا سحر بيطار ولاورا ويك إلى هذه الممارسة فى أثناء الولادة بعدد كبير من المستشفيات العامة التى يجرى التحويل إليها في الضفة الغربية المحتلة، كما أشارت إليها أشا جورج التي كشفت عن استخدام العديد من الحقن غير المحددة في ريف كارناتاكا بالهند.
وقد قامت كل من سحر حسن بيطار ولورا وبكورا ويك بتحديد بعض الممارسات الأخرى غير المناسبة في مجال رعاية الأم أثناء فترة الولادة على النحو التالي: منع النساء من وجود مرافقات معهن، وتقييد حركة الأم، وتكرار الفحوصات المهبلية، وعدم استخدام سلفات الماغنيسيوم فى حالات تسمم الحمل، كما كان النزف عقب الولادة متكرر الحدوث. كذلك كان عدد القابلات محدوداً إضافة لافتقاد المهارات الضرورية وغياب الإشراف الكافى عليهن، مما أدى إلى تدهور كفاءة الرعاية. وتشير المؤلفتان عن حق إلى أن استخدام الممارسات المرتكزة على الأدلة والتي تروج للولادة الطبيعية يتسم بأهمية كبيرة فى البيئات التي تنتمى فيها النساء إلى عائلات كبيرة العدد، بالإضافة إلى ندرة الموارد.
تكمن المشكلة الخامسة في ضعف عمل نظام الصحة ككل، وهو الأمر الذى يقوض حتى الجهود المستمرة لتحسين صحة الأمهات والرعاية الصحية لهن. وهناك حاليًا إقرار بضرورة تعزيز نظام الصحة من جميع الجوانب، على الرغم من قلة النماذج المطروحة حول كيفية القيام بذلك. ويضم هذا العدد من المجلة ورقتين بحثيتين من نيبال، تتناولان نماذج الرعاية في حالات طوارئ الولادة. تحصل خدمات الأمومة على تعزيز في نيبال. ولكن هل ستحتل تلك الخدمات مكانة ذات أهمية في البلدان الأخرى عندما تتدفق “أموال ضخمة” لتعزيز نظم الصحة؟ أو ستقصى رعاية الأم جانباً (مرة أخرى) مع ما يصاحب ذلك من إحباط معتاد ؟
لقد حصلت نيبال، منذ عام ١٩٩٧ ، على دعم تقنى يرتكز على الأدلة بهدف تعزيز نظامها الصحي على مستوى الأحياء للارتقاء بالرعاية في حالات طوارئ الولادة. ونجح مشروع السنوات الخمس، الذي يغطى ١٥% من البلد، فى تحقيق زيادة يبلغ متوسطها 1.3% سنوياً في مجال تلبية الاحتياجات إلى الرعاية في حالات طوارئ الولادة، وصولاً إلى ١٤% بمنشآت الصحة العامة في الأحياء التي شملها المشروع عام ٢٠٠٤ ( اليسون ديمبو راث وآخرون). لقد شهدت البنية الأساسية والأجهزة تحسينات، لكن التحديات الكبرى تمثلت في استمرار التشغيل، وتوفير طبيب ماهر، فضلاً عن توفر الدم والتخدير. وفى ثلاثة أحياء، تولت الممرضات الحاصلات على تدريب إضافي في حالات الطوارئ مسئولية 70% من إجراءات تلك الحالات، وهو ما يُعد إنجازًا جيداً لمقدمات الخدمة من المستوى المتوسط. وقد تولت كثير من الأوراق البحثية – في إطلالة – تلخيص وصف أو عرض برامج مماثلة نجحت في تدريب الإكلينيكيين من غير الأطباء، علاوة على القابلات، في موزبيق ومالاوى وتانزانيا بغية توفير العمليات الجراحية الطارئة في حالات الولادة بأمان وبتكلفة أقل في المناطق الريفية التي لا يتوفر فيها الأطباء.
لا يزال النقص فى الموارد وفى عدد العاملين عقبة رئيسية في نيبال، وخاصة في المناطق الريفية. ويهدف الدعم التقنى (كارول باركر وآخرون) إلى تبنى المؤسسات لحزمة تشمل الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للأمهات، والربط بين تطوير السياسة المرتكزة على الأدلة وتعزيز نظام الصحة. وقد أدى إلى دعم التخطيط بعيد المدى، والعمل باتجاه توفير المولدات الماهرات لكل حالات الولادة، وتوفير نقل الدم الآمن وتدريب العاملين، وبناء قدرات الإدارة، وتحسين نظم المتابعة، واستخدام المؤشرات العملية والارتقاء بالحوار بين النساء ومقدمي الخدمة حول جودة الرعاية، وزيادة العدالة والنفاذ على مستوى الحى… وغير ذلك كثير. كما أن تيسر الوصول إلى خدمات الولادة الآمنة في حالات طوارئ الولادة يتنامى أيضًا بخطوات متسارعة منذ تقنين الإجهاض.
من المفترض أن أسباب وغيات الأمهات واعتلال صحتهن في معظم البيئات التي تمثل فيها مشكلة، ترجع غالبًا إلى توافر قدر قليل جدًا من الاحتياجات مثل: النقود، والتدريب، والموارد البشرية، والإمدادات والأجهزة، ووسائل المواصلات، وطرق المرور.. إلخ. على أن المشكلة السادسة بدأت تظهر خلال العقد الأخير وما
بعده مشكلة “الإفراط” فى مجال رعاية الأمهات ليس في البلدان الغنية فحسب وإنما في بلدان أخرى أيضًا. فمسألة الإفراط فى إجراء العمليات القيصرية و”شق العجان” أثناء الولادة مثارة منذ فترة طويلة، وربما كانت البرازيل (۳) أكثر البلدان اجتهادًا في دراسة تلك الموضوعات. وقد برزت مسألة الإفراط في استخدام الموجات فوق الصوتية – أحيانًا باعتبارها الشكل الوحيد لرعاية ما قبل الولادة، وأحيانًا بوصفها وسيلة لزيادة دخل لمقدمي الخدمة بالقطاعين العام والخاص- كمشكلة في ثلاثة بلدان: سوريا ( ٤ ) وفيتنام (5) بل والصين (آماندا هاريس وآخرون). ففى بعض مناطق الصين، نجد تزايداً لتطبيب الولادة الطبيعية (زيادة التدخل الطبى والتقنى) بالمقارنة بمعظم البلدان الأخرى: كما جرت إعادة تعريف الولادة المهبلية الطبيعية باعتبارها “خطراً” يجب مواجهته من خلال زيادة التدخلات الروتينية”. هذا هو معكوس نموذج المستقبل؛ ولكن فى نظام صحى تقوده بشكل متزايد آليات السوق فإننا نجد ما يلى:
“….. في بلد يطبق اقتصاد الليبرالية – الجديدة في مجال الصحة، ولكن في ظل سياسات تنظيمية حكومية غير متطورة، يتعرض من يملكون قدرة دفع تكاليف رعاية الأمهات إلى مجموعة جديدة من المخاطر الصحية تأتى من أولئك الذين يهدفون إلى الربح. وعلى الرغم من أن المجتمعات الفقيرة قد تفتقر إلى إمكانات الوصول إلى الخدمات الأساسية، فإن المجموعات الاجتماعية الاقتصادية الأكثر ثراء قد تواجه مخاطر زيادة اعتلال صحة الأمهات ووفياتهن بسبب الإفراط في استخدام التدخلات التي يمكن تجنبها” (آماندا هاريس وآخرون).
وبالتالي، من الضروري أن تتفحص البلدان المختلفة مدى ما تسببه زيادة معدلات وأنماط التدخل في الولادة الطبيعية من انتكاسات في جودة الرعاية، وربما اعتلال الصحة أيضًا الذى يمكن تجنبه، بغية محاولة الوصول إلى توازن صحي.
إن تحقيق هدف الأمم المتحدة بتقليص عدوى فيروس نقص المناعة البشرية بمعدل ٥٠% مع حلول عام فيروس ٢٠١٠ يتطلب حصول 80% من كل النساء الحوامل، اللاتي يتيسر لهن الوصول إلى رعاية ما قبل الولادة، على خدمات الوقاية من نقل فيروس نقص المناعة البشرية من الأم إلى الطفل. وعندما راجعت اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية حالات ۷۱ بلداً فى عام ٢٠٠٥ ، وجدت أن سبعة بلدان منها فقط تسير على الطريق نحو تحقيق هذا الهدف. لقد زاد غطاء الوقاية من نقل فيروس نقص المناعة البشرية من الأم إلى الطفل من ٧% عام ٢٠٠٤ في ٥٨ بلدًا إلى 11%عام ۲۰۰5 في ۷۱ بلدًا (شو لو وآخرون). ومع ذلك، ففى البلدان التي لديها بيانات، وعددها ۲۱ بلدًا، أفادت 28% فقط من النساء اللاتي حصلن على المضادات القهقرية للوقاية من نقل فيروس المناعة البشرية من الأم إلى الطفل بأنهن حصلن أيضًا على العلاج بالمضادات القهقرية حفاظًا على صحتهن. إن تحقيق أهداف الأمم المتحدة – وهو المشكلة السابعة – يتطلب تدخلات جوهرية والتزاماً من أجل تعزيز الخدمات الصحية للأم والطفل، وبالإضافة إلى توفير العمالة والنظم الصحية للانتقال من المشروعات الرائدة إلى المنهج اللامركزي المتكامل.
تواجه خدمات صحة الأم نقصاً في الموارد البشرية والمالية، مما يؤثر فى قدراتها على إدراج الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية. إن كلاً من برامج فيروس نقص المناعة البشرية وبرامج صحة الأم تحصل عادة على مساعدات مالية وتقنية موجهة، ولا تضع كل منها الأخرى فى الحسبان (نيل دروس وأنا نولان). على أن المقترحات التي قدمتها بعض البلدان عام ٢٠٠٧ إلى “الصندوق العالمى لمحاربة مرض الإيدز والسل والمالاريا” تضم إعداد برامج فى مجال الصحة الجنسية والإنجابية، بحيث تؤثر أيضًا على فيروس نقص المناعة البشرية، بما في ذلك تقديم خدمات بعينها للأمهات. وهو ما يمكن اعتباره نموذجًا للبلدان. وعلاوة على ذلك، أوضحت خبرات بوتسوانا وكينيا ورواندا إمكانية إحراز تقدم عندما يعمل الالتزام الوطنى وزيادة الموارد على تمكين رعاية الأم والرضع من مواجهة فيروس نقص المناعة البشرية.
تتمثل المشكلة الثامنة فى الإجهاض غير الأمن. فقد وجدت ورقة بحثية – ستُنشر قريبًا بمجلة لانست – أن عام ٢٠٠٣ شهد ما يبلغ تقديره ٤٢ مليون حالة إجهاض عمدى مقارنة إلى ٤٦ مليون حالة في عام ١٩٩٥. كما بلغ معدل الإجهاض العمدى فى العالم ٢٩% لكل ١٠٠٠ امرأة في الفترة العمرية ١٥ – ٤٤ سنة عام ٢٠٠٣ ، منخفضًا عن ٣٥% عام ۱۹۹٥. وفى عام ۲۰۰۳ ، كانت ٥٣% فقط من كل حالات الإجهاض العمدى قانونية، بما في ذلك أغلب حالات الإجهاض في البلدان المتقدمة. ويمكن القول إن جميع حالات الإجهاض تقريبًا في أفريقيا وأمريكا اللاتينية لا تزال غير آمنة، كما هي الحال أيضًا في ثلثي حالات الإجهاض في آسيا (ما عدا شرق آسيا). بل حتى ١٠% من الحالات فى أوروبا. كما أن حوالي 1 من ٥ حالات حمل في العالم انتهت بالإجهاض (٦).
ويبدو أن الوفيات الناجمة عن الإجهاض غير الآمن تنخفض ببطء. لكن في الأماكن التي لا تبيح الإجهاض بشكل قانوني تشهد سنويًا دخول ما يقدر بحوالي ٥ ملايين امرأة إلى المستشفيات للعلاج من مضاعفات الإجهاض غير الآمن. وبالمقارنة، تندر في البلدان المتقدمة المضاعفات الناجمة عن عمليات الإجهاض والعلاج بالمستشفى.(7) وفى أثناء كتابتي هذا المقال، جرى تصويت فى نيكاراجوا للإبقاء على الإجهاض غير قانوني بالكامل، مع معاقبة النساء اللاتي يجرين الإجهاض – وكذلك مقدمو تلك الخدمة بعقوبة الحبس. أما الأطباء الذين يثبت قيامهم بعملية إجهاض، فسوف تُلغى تصاريح مزاولتهم العمل الطبى لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات. ونحن نتوقع زيادة وفيات الأمهات نتيجة زيادة عمليات الإجهاض غير الآمن في نيكاراجوا ، فضلاً عن زيادة عدد مقدمى الخدمة الذين يمتنعون خوفًا عن مساعدة النساء اللاتي يعانين من مضاعفات (۸) إنها حالة انتكاسة مروعة. وفى شيلى، نجد أن الإجهاض غير قانونی أيضًا. حتى لو كان من أجل إنقاذ حياة المرأة أو صحتها، ويؤدى هذا الوضع إلى خلق معضلات جدية تؤثر على كل من النساء والأطباء (بوني شيبرد وليديا کاسس بيسيرا). ومع ذلك، ربما شهدت حالات الإجهاض انخفاضًا منذ عام ۱۹۹۰ ، نتيجة زيادة استخدام موانع العمل وانخفاض الخصوية. كما انخفض أيضًا معدل الوفيات والمضاعفات، على الرغم من أن مستشفيات شيلي لا تزال تستخدم التوسيع والكحت لعلاج الإجهاض غير المكتمل.
وتقدم إطلالة في هذا العدد من المجلة موجزاً لورقة بحثية من أوروجواي، حيث مضاعفات الإجهاض تتسبب في ٢٩% من جميع وفيات الأمهات مقارنة بالرقم العالمي الذي يبلغ ۱۳% فى أحد المستشفيات العامة في مونتفيديو، كان الإجهاض غير الآمن يتسبب في ٤٨% من كل وفيات الأمهات، مما أدى إلى قيام مجموعة من أطباء أمراض النساء والولادة في عام ٢٠٠٤ بتطوير برنامج “مبادرة الصحة العامة ضد الإجهاض غير الآمن”. وحظى رسميًا فيما بعد بدعم وزارة الصحة. يقدم المستشفى استشارات لجميع النساء الحوامل غير الراغبات فى الحمل أو اللاتى يعتبرن أنفسهن معرضات لخطر الإجهاض غير الآمن. ويُعتبر إنهاء الحمل قانونيًا في الحالات التى تؤكد الموجات فوق الصوتية أنه لا يتجاوز عدة أسابيع. أما في حالات الحمل التي لا تنطبق عليها معايير الإجهاض القانونية، يتم إعطاء النساء معلومات دقيقة حول المخاطر النسبية التي قد تترتب على استخدام أساليب الإجهاض المختلفة. وتتضمن تلك المعلومات الجرعات الصحيحة من عقار ميسوبروستول. كما يجرى تشجيع النساء على زيارة المستشفى مرة ثانية إما لمتابعة الإجهاض أو للحصول على رعاية ما قبل الولادة. في حالات الإجهاض غير المكتمل، قد يوفر لهن أسلوب الشفط لتفريغ الرحم (في البداية، مثل ذلك 30% من الحالات التي استخدم فيها عقار ميسوبروستول، لكنه انخفض إلى %۱% مع استمرار البرنامج، والإمداد بوسيلة فعالة لمنع الحمل. لم يسجل المستشفى، منذ بداية البرنامج، أى حالات الوفيات الأمهات أو لمضاعفات حادة (9)
يضم هذا العدد من المجلة خمس ورقات بحثية مكرسة للبحوث والمتابعة والمراجعة وتقدم جميعها أمثلة ممتازة على أسباب احتياج البلدان المختلفة إلى بيانات عالية الجودة، علاوة على كيفية استخدامها لتحسين الخدمات، حتى مع الموارد المحدودة. إحدى الورقات البحثية من البرازيل تدرس التغيرات التي حدثت في مستويات وأنماط وفيات الأمهات في برنامبوكو. مقارنة بيانات عامى ۱۹۹٤ و ۲۰۰۳ (ساندرا فالونجويرو الفس) توضح مدى التحسن المتحقق. لقد انخفضت وفيات الأمهات فى الدولة بمعدل ٣٠% على مدار عشر سنوات، لكن مستوى سوء تصنيف وفيات الأمهات ظل يمثل مشكلة. كما ظلت ظروف الإجهاض غير القانونية عاملاً مهماً يسهم فى الوفيات المقترنة بالإجهاض.
تقدم الورقة البحثية الثانية من البرازيل تلخيصاً لعدد من الدراسات حول الإفلات من الموت أو الاعتلال الحاد في صحة الأمهات والدروس المستفادة. “يُعتبر تغير المفهوم وتطوره المتسارع، وزيادة تكرار الحالات المتاحة للدراسة، فضلاً عن إمكانية إجراء مقابلات مع الناجيات من المضاعفات الحادة، من الأمور التي تؤكد أهمية دراسة الاعتلال الحاد في صحة الأمهات بهدف الإسهام في إرشاد الجهود المحلية الرامية إلى تقليص وفيات الأمهات بما في ذلك متابعة التقدم المتحقق، وإعداد المسوح الوبائية والمتابعة المنهجية لكفاءة الرعاية الصحية” (خوزيه جيلهارم سيكاتي وآخرون)
يستعين نظام متابعة رعاية الأمهات في بوتسوانا – والذي تأسس عام ۱۹۹۸ – بأسلوب مراجعة وفيات الأمهات واعتلال صحتهن لوضع التحسينات على مستوى تقديم الخدمة (كيتشوكيل دنتيل موجوبي وآخرون). وتتولى اللجنة الوطنية لمراقبة وفيات الأمهات تحليل البيانات التي تجمع من عمليات المراجعة والمسوح المختلفة لفترة ما قبل الولادة باستخدام مؤشرات العملية. وفى عام ٢٠٠١ ، ترددت 70% من النساء الحوامل على رعاية ما قبل الولادة في بوتسوانا. لكن إمكانات الوصول إلى الرعاية فى حالات طوارئ الولادة كان متفاوتاً. وفى عام ٢٠٠٦، أصبحت ۲۸ منشأة صحية من المنشآت التي تضم خدمات الأمومة، وخضعت للمسح، تقدم خدمات الولادة طوال ٢٤ ساعة. لكن خدمات المعمل وغرفة العمليات ونقل الدم كانت محدودة، كما كانت مهارات إنقاذ الحياة متوفرة لدى ٥٠% فقط من الأطباء و ٦٧% فقط من القابلات. وعلى الرغم من أن المضادات الحيوية كانت متاحة بدرجة كبيرة، فقد كان هناك نقص في سلفات الماغنيسيوم، وعقار ديازيبام، والتوكسيكات، وأدوات الشفط اليدوى لتفريغ الرحم.
في عام ۲۰۰٤ / ۲۰۰5 ، أدخل استخدام أسلوب التحريات السرية على المستوى الوطنى لمعرفة وضع وفيات الأمهات ومراجعة الرعاية المقدمة للنساء اللاتي أفلتن من الموت بكل منشأة صحية في ١٢ بلدًا في المنطقة التابعة للمكتب الإقليمى الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية (البرتا بيكاسى وآخرون). كانت مولدوفا أول من طبق عملية المراجعة، وضمت الورقة البحثية وصفًا تفصيليًا لإعداد المراجعة وتنفيذها بعد ذلك. تضمن ذلك عقد ورشة عمل تقنية لإعداد خطط تفصيلية والتدريب على كيفية تيسير المراجعة وتنفيذها، بالإضافة إلى إصدار إرشادات إكلينيكية يمكن على أساسها الحكم على نتائج نوعى المراجعة ( وفيات الأمهات والإفلات من الموت) وقد قامت مستشفيات مولدوفا الثلاثة الأساسية، والتى تُحال إليها الحالات المختلفة، بتنفيذ عمليات مراجعة حالات الإفلات من الموت، كما اجتمعت اللجنة الوطنية التى أنشأتها وزارة الصحة لمباشرة التحريات السرية مرتين. كما شرعت عديد من البلدان الأخرى في عمليات مماثلة، لكن التقدم قد يظل بطيئًا بسبب استمرار مخاوف المهنيين الصحيين بشأن العقوبات التي يمكن أن تتخذ ضدهم في حالة وفاة إحدى الأمهات أو أحد الأطفال الرضع تحت رعايتهم، وهو الأمر الذي كان يشكل تهديدًا حقيقيًا في الفترة السوفيتية السابقة.
وأخيرًا، هناك بحث ممتاز (كارين البرو وآخرون) يحدد حالات وفيات الأمهات بين النساء المهاجرات من القرن الأفريقى المقيمات في السويد. كان هدف البحث يتمثل في التحقق من أسباب حالات الوفاة، وما إذا كانت مصنفة باعتبارها حالات وفيات أمهات في سجل أسباب الوفاة بالسويد. وقد أمكن العثور على عديد من الحالات الجديدة والمحتملة لوفيات الأمهات. وانتهت الورقة بالتوصية بضرورة توجيه مزيد من الاهتمام لرفع كفاءة القابلات والمولدات الأوروبيات – على المستويين الثقافي والطبي – اللاتى يقدمن الرعاية إلى الأمهات غير الأوروبيات المهاجرات، بحيث يمكن في الوقت المناسب تحديد أسباب وفيات الأمهات التي اختفت في أوروبا، مثل الإصابة بالسل، وبالتالي يمكن إنقاذ حياة النساء.
لا تُعد البرامج الرامية إلى تحسين صحة الأمهات مجرد تدخلات تقنية، لكنها تدخلات إجتماعية أيضًا، ويجب تقييمها باستخدام مناهج جرى تطويرها لتقييم التدخلات الاجتماعية المعقدة التي تهدف إلى إحداث تغيير. لقد تحددت عالميًا مكونات البرامج الفاعلة: ومع ذلك، فإن السياق شديد الأهمية لكى يتحقق محليًا ما ثبت أنه ممكن في مكان آخر (لوفداى بن – كيكانا وآخرون).
تجدر قراءة هذه الفقرة مرات ومرات – مثل التعويذة – حتى يبدأ معناها فى الاتضاح. وربما تُلخص هذه الفقرة أهم درس يقدمه هذا العدد من المجلة، ارتكازًا على دراسات أُجريت فى بلدان متباينة مثل: بنجلاديش، وروسيا، وجنوب أفريقيا، وأوغندا. وفي ما يلي نقدم درسًا مستقى من دراسة أخرى أجريت في جنوب أفريقيا (لينا سوزان توماس وآخرون).
“بناء منظمة للتعلُم يقتضى بناء مجموعة مهارات أساسية لكل العاملين في مجال الصحة، وخلق ثقافة جديدة للمتابعة والتقييم، بما في ذلك التقييم الذاتى الدورى: كما يجب استخدام البيانات فى موقع جمعها. ويمكن أن يؤدى تغيير خطوط تقديم التقارير بين مديرى البرنامج ومسئولى الأحياء إلى تطوير التنسيق بين مختلف السلطات، مع ضرورة تعزيز أسلوب تقييم العاملين، وترقياتهم، ومكافآتهم. إن الهيئات المتخصصة التي تشرف على مناهج التدريب، والمؤسسات التي تمنح التدريب، والمؤسسات التي تقدم التمويل للتدريب والتنمية يجب أن تقبل التحدى المطروح أمام تطوير نظم الصحة، مع تجنب الاقتصار على تعزيز تدخلات برنامجية محددة فحسب”.
وفى الوقت نفسه يُعد دور الأسرة والمجتمع المحلى جانبًا اجتماعيًا من جوانب صحة الأمهات ووفياتهن، وهو جانب من المعادلة عادة ما يتم إهماله. لقد قام برنامج الأمومة الآمنة في نيبال بتنفيذ مشروع لجمع المعلومات بالمجتمع المحلى وهو مشروع جدير بالمحاكاة (راث وآخرون). وسوف يظل التغيير بطيئًا، في أحسن الأحوال، وستستمر وفيات النساء الأكثر عرضة للخطر: حتى يقبل – وما لم يقبل المعنيون بالأمر في المجتمع بضرورة وجود رعاية جيدة فى مرحلة ما قبل الولادة، وتوفر الولادة الآمنة فى المستشفى / العيادة، وتيسر إمكانات السعي للحصول على المساعدة الفورية عند حدوث مضاعفات، ووجود وسائل جيدة للوصول إلى الموقع.
تكمن المسألة الجوهرية، فى أن تقليص وفيات الأمهات هو أمر يتعلق بتقدير قيمة النساء. ولعل أكثر التعليقات المؤثرة فى هذا العدد هو ما قالته أم فلسطينية تبلغ من العمر ١٧ عامًا عند سؤالها عن كيفية علاجها ومعاملتها في أثناء فترة الولادة (سحر البيطار وويك): “الحمد لله، لم يصيحوا في وجهي”، كما لو أن ذلك جعل كل ما عداه مقبولاً.
إن حالة ٥٣٦،٠٠٠ امرأة توفين وهن يتألمن عام ٢٠٠٥ وحده، دون ضرورة: لا تزال تتكرر.
“تموت النساء في ربيع شبابهن؛ للنساء أهمية كبيرة فى المجتمع وللاقتصاد؛ إنهن أسباب وجود الجيل القادم؛ كما يشكلن أكثر من نصف قوة العمل… إن استمرار تلك المستويات المرتفعة من وفيات الأمهات والرضع يُعد فشلاً جماعيًا على المستوى العالمي” (ويندى جراهام وآخرون).
وفقًا لدراسة تاريخية حول فاعلية “مبادرة الأمومة الآمنة” منذ بدايتها، خلصت الباحثتان جيرمى شيفمان وستيفاني سميث إلى أن الناشطات يواجهن أربعة تحديات سياسية:
– تجاوز الخلافات ليكون لهن صوت موحد يتسم بالمصداقية أمام القادة السياسيين على المستويين الدولي والوطني.
– بناء مؤسسات فاعلة لمساندة المبادرة والحفاظ على استمراريتها.
– طرح القضية جماهيرياً بشكل يقنع القادة السياسيين بأولويتها.
– تطوير روابط قوية مع مبادرات البلدان التي تشهد ارتفاع وفيات الأمهات (١٠)
* رئيسة تحرير مجلة قضايا الصحة الإنجابية بالانجليزية.
** جميع الأمثلة والاقتباسات الواردة في هذه الافتتاحية مأخوذة من مقالات العدد الانجليزي رقم 30 مجلد ١٥ – نوفمبر ۲۰۰۷. وسوف توضع علامة على المقالات التى تمت ترجمتها إلى اللغة العربية المنشورة في هذا العدد.
*** تقع منطقة الأوقيانوس بين المحيطين الهادى والباسيفيكي, وتضم ١٤ دولة منها استراليا ونيوزيلاندا وغينيا الجديدة وجزر مارشال وفيجيا والعديد من الجزر الأخرى.
* سوف يُنشر التقرير الكامل في أكتوبر ۲۰۰۷ في:
Maternal Mortality in 2005: estimates developed by WHO, UNICEF, UNFPA and the World Bank. Geneva: WHO, UNICEF, UNFPA, World Bank, 2007
* تضمنت قائمة التوقيعات كل من المملكة المتحدة، والنرويج, وألمانيا, وكندا، ووكالات الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية. والعديد من حكومات البلدان النامية، ومؤسسة “جيتس”
1- Mbonye AK, Mutavazi MG, Asimwe JB. Declining maternalmortality ratio in Uganda: priority interventions to achieve the Millennium Development Goal. International of Gynecology and Obstetrics2007; 98:285-90.
2- Powell-Jackson T, Borghi J,Mueller DH, et al. Countdown to 2015: tracking donor assistance Diniz SG, Dhacham AS. “The cutabove”and “the cut below” the abuse of caesareans andepisiotomy in Sa o Paulo. Brazil. Reproductive Health Matters2004; 12 (23):100-10.
4- Bashour H. Hafez R, Adulsalam A. Surian women’s perceptionsand experiences of Ultrasoundscreening inprega=nancy: implications for antenatalpolicy. Reproductive HealMatteers 2005;13(25):147-54.
5- Gammeltoft T,Nguyen HTT. The commodiflication ofobsteetric ultrasound Scanningin Hanoi, Viet Nam.
Reproductive Health Matters 2007; 15(29): 163- 71.
6- Sedgh G. Henshaw S, Singh S, et al. Induces abortion : a globalreality woth avoidable risks. Lancet 2007 (Inpress).
7-Singh S. Hospital admissionsresulting form unsafe abortion: estimates from 13 developingcountries. Lancet 2006; 368: 1887-92.
8- Loa’isiga lo’pez L. Abortoterape’utico continuara’ penado.:a Prenca. 13 September 2007. At: <www-usa.;aprensa.com.ni/arxhivo/2007/septiembre/13/noticias/ultimahora/215429.shtml>
9- Briozzo :. Vidiella G, Rodry Guez F, at al. A risk reduction strategyto prevent maternal deathsassociated with unsafe abortion.
International Journal of Gynecology and Obstetrics 2006;95:221-26.
10- Shiffman J, Smith S. Aprotracted launch: the firsttwo decades of the global safemotherhood initiative. Uesd at a maternal mortality consultationcalled by the Mac Arthur Foundation, 7 May2007. (Unpublished)