الأثر التشريعي لجريمة الأعتداء على القيم الأسرية

الأثر التشريعي لجريمة الأعتداء على القيم الأسرية

المادة ٢٥ من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

السياق التشريعي لإقرار المادة ٢٥ من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات:

بصدور المسودة الأخيرة من مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، حاول المشرع أن يتفادى الإشكاليات التي وقعت فيها المسودات السابقة، حيث جاء بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومكتبي لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، والدفاع والأمن القومي، أن الفلسفة والهدف من مشروع القانون:

  1. مكافحة الاستخدام غير المشروع للحاسبات وشبكات المعلومات وتقنيات المعلومات، وما يرتبط بها من جرائم، مع التزام الدقة في تحديد الأفعال المعاقب عليها، وتجنب التعبيرات الغامضة بوضع تعاريف دقيقة لها، وتحديد عناصر الأفعال المجرَّمة بكثير من العناية، ومع مراعاة الاعتبارات الشخصية للمجنى عليهم.
  2. ضبط الأحكام الخاصة بجمع الأدلة الإلكترونية وتحديد حجيتها في الإثبات. 
  3. وضع القواعد والأحكام والتدابير اللازم اتباعها من قبل مقدمي الخدمة لتأمين خدمة تزويد المستخدمين بخدمات التواصل بواسطة تقنية المعلومات، وتحديد التزاماتهم في هذا الشأن.
  4. حماية البيانات والمعلومات الحكومية، والأنظمة والشبكات المعلوماتية الخاصة بالدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة من الاعتراض أو الاختراق أو العبث بها، أو إتلافها، أو تعطيلها بأي صورة كانت.
  5. حماية البيانات والمعلومات الشخصية، من استغلالها استغلالاً يسيء إلى أصحابها، وخاصة في ظل عدم كفاية النصوص التجريمية التقليدية المتعلقة بحماية خصوصيات الأفراد وحرمة حياتهم الخاصة في مواجهة التهديدات والمخاطر المستحدثة باستخدام تقنية المعلومات. 
  6. وضع تنظيم إجرائي دقيق ينظم إجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة المتعلقة، بالإضافة إلى تحديد حالات التصالح وإجراءاته وتنظيم عمل الخبراء المتخصصين العاملين في مجال جرائم مكافحة تقنية المعلومات، والقرارات والأوامر الجنائية المتعلقة بتنفيذ أحكام القانون. 

يتضح من المذكرة الإيضاحية والتقرير المشترك، أن كلا منهما أكد على أن الهدف الأساسي من القانون هو “حماية خصوصيات الأفراد وحرمة حياتهم الخاصة لذلك أفرد المُشرع فصلًا مُستقلًا لتجريم أفعال مختلفة يُشكل كل منها اعتداءً على الحياة الخاصة، تحت مسمى “الفصل الثالث: الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع وتناولت المواد 25، 26 من القانون بالتفصيل صور وأشكال الاعتداء على الحياة الخاصة، حيث أفرد نص المادة 25 عقوبة الحبس بمدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، على كل من: 

  • اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري.
  • أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته.
  • أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته .
  • أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة. 

ويتضح من النص المعنون بحماية حرمة الحياة الخاصة أن المشرع قد حدد أربــع صـــور لأشكال الجريمة التي من الممكن أن تمثل انتهاكًا لحرمة الحياة الخاصة، وهو ما يعني أن نص “جريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية لا يُمكن تفسيره بأي حال خارج سياق حماية الحياة الخاصة والحق في الخصوصية، التي هي الهدف الرئيس من إقرار القانون كما أشارت المذكرة الإيضاحية والتقرير البرلماني المشترك، وللسياق الخاص الذي تم تناول الجريمة من خلاله. الفصل الثالث من القانون رقم 175 لسنة 2018 ونص المادة 25 منه مُخصصين بالأساس لحماية الحياة الخاصة، وهو ما يعني أن المُشرع أراد التوسع في صور الحماية المتعلقة بالحياة الخاصة، خشية التطور التكنولوجي وظهور صور مختلفة للجرائم التي يصعب حصرها، لذلك جاء نص المادة يحتوي على صورة عامة للاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والتي استخدم المشرع خلالهـا لفظ “الاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية ، ثم تحدث تفصيلًا عن صور أخرى لهذا الاعتداء، من بينها نشر بيانات شخصية أو صورًا خاصة وغيرها من أشكال الاعتداء. ومن ثم فإن إقحام عبارة “الاعتداء علـى المبادئ والقيم الأسرية على النص المخصص لحماية الحق في الخصوصية والحياة الخاصة قد جعل النص عرضة للاجتهاد وللتأويل والاضطراب الشديد حال تطبيقه.

الأمر الآخر، في ظل السياق العام للقانون والسياق الخاص لنص المادة 25 والفصل المخصص لصور وأشكال الاعتداء على الحياة الخاصة، فإن المُشرع استخدم لفظ محتوى منافٍ للآداب العامة“ في نص المادة 26 من ذات القانون بشكل واضح وصريح ولا يحتمل الاجتهاد أو التأويل، وذلـك علـى خلاف ما جاء بصياغة نص المادة 25 على هذا النحو الغامض والمتناقض وعلى نحو يمكن من خلاله تجريم أفعالاً لم يستهدفها أو يقصدها المُشرع في النص من الأساس.

تتعارض المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والتي تعاقب بالحبس بمدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري مع العديد من النصوص الدستورية. ومن بين النصوص الدستورية التي تخالفها المادة 25 نص المادة 95 من الدستور الصادر في عام 2014، والتي تقضي بأن تحترم النصوص العقابية مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، بأن تكون النصوص القانونية واضحة ومحددة بطريقة لا يكتنفها أي غموض، وأن يستدل على أركان الجريمة من المضمون الظاهر للنص وليس من خلال التأويلات والتفسيرات المختلفة لأحكامه، و وهو ما تفتقر إليه عبارة: “الاعتداء على مبادئ وقيم الأسرة المصرية“. كما يخالف نص المادة أيضًا يخالف نص المادة 25 من قانون الجريمة الإلكترونية نص المادة 96 من الدستور تحمي افتراض البراءة في المتهمين حتى تثبت إدانتهم في محاكمة عادلة ومنصفة، وهي ضمانة لا تنفصل بأي حال عن ضرورة وضوح النص المعاقب عليها، وأن الأصل في الأفعال الإباحة حتى يتدخل المشرع ويُجرم أفعال محددة لها أوصاف وأركان قانونية يستطيع أن يدركها المخاطبون بالقانون. بالإضافة إلى ذلك، يُشكّل نص المادة 25 تهديدًا مباشرًا للحق في حرية التعبير المنصوص عليها ورقة سياسات حول الأثر التشريعي للمادة ٢٥بالمادة 65 من الدستور فتطبيق النص بشكل غير محدد يُعد قيدًا على مُستخدمي التطبيقات وغير من وسائل التواصل الاجتماعي في التعبير الحر عن آرائهم بما يشمل ذلك الجوانب المتعلقة . التعبير الفني و غيره من الجوانب والصور المختلفة لحرية التعبير.

ساهمت الصياغة الملتبسة لنص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، خاصة فيما يتعلق بتهمة الاعتداء على القيم الأسرية للتوسع في توجيه الاتهامات لمستخدمى ومستخدمات التطبيقات الترفيهية، وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي. ونتيجة لعدم وضوح نص المادة؛ تخلط جـهـات إنفاذ القانون بين جريمة الاعتداء على القيم الأسرية وغيرها من الجرائم مثل جريمة خدش الحياء العـام وجريمة الفعل الفاضح العلني، وغيرها من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون والتقارير التشريعية الخاصة بعمل لجان البرلمان خلال إقرار النص، أو من خلال التفسير المباشر للعبارات التي نظمت الفعل المُجرَّم، لا سيما إذا كان النص الذي يُجرّم الفعل المؤلّم قد عدد صورًا وأشكالاً أخرى لجرائم مُرتبطة، أو صورًا مُختلفة للاعتداء على حق من الحقوق المحمية، حيث تكون في هذه الحالة العبارة التي تُجرّم الفعل هي جزء من كلّ غير قابل للتجزئة أو التأويل بمعزل عن النص القانوني في مجمله. الحالة التشريعية التي أحدثتها المادة 25 بسبب الغموض الذي يكتنفها، والصياغات الغير واضحة التي أتت بها، ليست بجديدة على الواقع التشريعي المصري، لذلك إنتهت المحاكم العليا ومن بينها المحكمة الدستورية في مصر على مجموعة المباديء الحاكمة للنصوص العقابية من بينها :-

  • أن الأصل في النصوص العقابية، هو أن تصاغ في حدود ضيقة لضمان أن يكون تطبيقها محكمًا.

  • أن يكون النص العقابي حادًّا قاطعًا لا يؤذن بتداخل معانيه أو تشابكها، كي لاتتسع دائرة التجريم.

  • يجب أن يظل النص العقابي دومًا في إطار الدائرة التي يكفل الدستور في نطاقها قواعد الحرية المنظمة.

ويترتب على الإخلال بهذه القواعد أثرًا تشريعيًا مباشرًا يتمثل في إعاقة المحكمة التي تنظر الموضوع عن إعمال قواعد صارمة تحدد لكل جريمة أركانها، وتقرر عقوبتها بما لا لبس فيه، كـم أنـه يحمل مخاطر اجتماعية لأن تطبيقه سوف يكون بطبيعة الحال انتقائيا منطويًا على التحكم في أغلب الأحوال. كما أن الأضرار المترتبة على هذا الغموض تحول كأصل عام بين القائمين على تنفيذها، وإطلاق العنان لنزواتهم، أو سوء تقديراتهم.

مع تركز هذه الورقة على طرح بديل تشريعي، يتمثل في تدخل عاجل بحذف عبارة كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري من نص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، ويرجع هذا الأمر إلى العديد من الأسباب :

  • عدم الاستجابة للمنشادات الموجّهة إلى جهات إنفاذ القانون من وقف أستخدام المادة 25، بل أن الواقع يُشير إلى حدوث توسع كبير في تطبيق المادة رغم شبهات عدم الدستورية المحيطة بنص المادة.

  • الاستمرار في تطبيق نص المادة قد يحمل تبعات كبيرة تتعلق بالتأثير على جلب أستثمارات ترتبط بالشركات العاملة في قطاع الاتصالات، وخاصة أن مصر من الدول التي تحمل فرص جيدة لأزدهار هذا النوع من الصناعات.

  • استمرار تطبيق نص المادة 25 وخاصة تجاه مُستخدمات التطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي

  • يحمل رسالة سلبية، للاستهداف التشريعي للمرأة وهو ما يتعارض كليًا مع التوجهات التشريعية الأخرى التي تسعى إلى توفير حماية للمرأة.

تعامل المشرع البرلماني في الماضي بجدية مع العديد من النصوص التي انتابها الغموض وعدم الوضوح، والتي تتعارض مع الحقوق والضمانات الدستورية، وهو ما دفع بالسلطة التشريعية إلى إجراء تعديلات جوهرية على قانون العقوبات ترتب عليها حذف عدد من الألفاظ والعبارات التي قد يترتب عليها الإيقاع بالأفراد في شباك التجريم والعقاب، ليس لإثم ارتكبوه، وإنمـا لـغـمــوض النـص العقابي ذاته. وفي هذا الصدد يمكن مراجعة القانون رقم 147 لسنة 2006 بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات والذي قام المشرع بموجبه بحذف عدد من العبارات الغامضة من تسعة نصوص عقابية مثل ألفاظ: “السلام الاجتماعي“، ”التحبيذ“، ”بـث دعايات مثيرة“، ”أو على كراهته أو الازدراء به نظرًا إلى صعوبة ضبطها وميلها إلى التوسع في التجريم، ولمخالفتها مبادئ شرعية الجرائم والعقوبات، وقد نصت أحكام القانون رقم 147 لسنة 2006 على أن:

تحذف كل من العبارات الآتية من مواد قانون العقوبات المبينة قرينها:

  • عبارة أو مغرضة الواردة في المادة 80 (د) – عبارة أو تحبيذاالواردة في الفقرة الثالثة من المادة 86 مكررا .

  • عبارة تحبيدًاأو الواردة في المادة 98 (ب) مكررا.

  • عبارة أو التحبيذ وعبارة أو السلام الاجتماعي الواردتين في المادة 98 (و).

  • عبارة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة الواردة في المادة 102 مكررًا. عبارة أو جنايات مخلة بأمن الحكومة الواردة في المادة 172.

  • عبارة أو على كراهته أو الازدراء به الواردة في البند ”أولا“ من المادة 174،

  • بارتي تحبيذ أو “، وأو بأية وسيلة أخرى غير مشروعة الواردتين في البند ”ثانيا“ مـن المــادة ذاتها.

  • عبارة أو حسن أمرًا من الأمور التي تعد جناية أو جنحة بحسب القوانين الواردة في المادة 177

  • عبارة في الدعاوى المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في هذا الباب أو في الباب السابع من الكتاب الثالث من هذا القانون الواردة في الفقرة الأولى من المادة 189.

شارك:

اصدارات متعلقة

غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات
تطبيق لايكي بين القيم الأسرية والإتجار بالبشر
السلامة الرقمية
حملة ضد العنف الأسري