الأردن وإسرائيل وفلسطين منذ بدايات القرن العشرين وحتى الآن

التصنيفات: غير مصنف

المنهجيات والمنظومات والمصادر

لدراسة النساء والثقافات الإسلامية المداخلات تبعا للموضوع

الأردن وإسرائيل وفلسطين

منذ بدايات القرن العشرين وحتى الآن

إن الأردن وإسرائيل ودولة فلسطين الوليدة في دول ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، ونتجت عن التاريخ الاستعماري للمنطقة، وإن اختلفت طرق إنتاجها. 1 فبعد الحرب العالمية الأولى، حصلت بريطانيا على الانتداب (وهو نوع من السلطة شبه الاستعمارية) على المناطق التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية، والتي يشار إليها الآن باسم إسرائيل، وعلى الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن. قسمت هذه المنطقة إلى قسمين في عام ۱۹۲۱م، وصار الجزء الواقع شرق نهر الأردن إمارة عبر الأردن، التي اعترفت بها بريطانيا كدولة مستقلة (تحت اسم الأردن) في عام ١٩٤٩م. أما الجزء الواقع غرب نهر الأردن فصار فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني، حيث وعدت بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود. ونتج عن حرب ١٩٤٧ ١٩٤٨م إقامة دولة إسرائيل، وطرد حوالي ثلاثة أرباع السكان الفلسطينيين. وفي عام 1950م، ضمت الأردن الضفة الغربية إلى أراضيها، بينما وقع قطاع غزة تحت الحكم المصري.وبعد حرب عام ۱۹٦٧ احتلت إسرائيل الأجزاء الباقية من الأراضي الفلسطينية التي كانت تحت الانتداب سابقا. وفي أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ونتيجة لاتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، تم إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في عام ١٩٩٤م على أجزاء من أرض الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد أعاد الجيش الإسرائيلي احتلال أجزاء من هذه المناطق في عام ٢٠٠٢م.

لابد من تقييم دقيق لمصادر ومناهج البحث المتاحة، خاصة في الأماكن التي يتصاعد فيها التوتر السياسي بل تزداد ضرورة التفكير المدقق في العلاقة بين تلك المصادر والمشروعات السياسية لهذه الدول القومية في البحوث التي تركز على النساء، فالنساء رمز قوي يستخدم في الجدل الدائر بين الهوية القومية والأصالة الثقافية. فلا يكفي أن تعطينا المصادر والمناهج المختلفة سواء كانت بيانات إحصائية أو وصفًا للأعراق أو تاريخا شفهيًا أو وسائل الإعلام بعض المعارف وإن كانت جزئية، بل لابد من تمحيص طرق إدراج أو إهمال المعلومات الواردة فيها.

في بدايات القرن العشرين، توفرت بعض هذه الموارد وبالذات المواد الإعلامية المطبوعة، وبيانات المحاكم الشرعية، وسجلات الدولة (الاستعمارية)، وتقارير الرحالة، وبعض الكتابات الوصفية للأعراق والإحصائيات. بيد أن نشوء الدول القومية (التي أصدرت معلومات إحصائية، وأقامت محطات للإذاعة والتليفزيون تابعة للدولة)، وتنامي الحركات النسائية وغيرها من حركات المهمشين (التي أنشأت مراكز بحثية، ومنظمات غير حكومية، ومشروعات لتسجيل التاريخ الشفهي)، وعمليات العولمة (وهي عمليات مركزية بالنسبة للإنترنت والفضائيات) كان لها جميعًا أهمية كبرى في توسيع نطاق المصادر اللازمة لأبحاث المرأة والنوع الاجتماعي (الجندر).

البيانات الإحصائية مثال أولي لمجال لابد فيه من الاهتمام بعملية إنتاج البيانات. فهناك مجموعة من المصادر تتكون من معلومات إحصائية جمعتها مؤسسات الدولة في عهد الاستعمار وما بعد الاستقلال، ونشرتها على نطاق عام في شكل ملخصات وتقارير إحصائية. وقد تم استخدام طرق معينة لتصنيف البيانات في عمليتي جمع المادة الإحصائية وعرضها. وفيما يتعلق بقضايا الجندر، لابد من تدقيق النظر دائمًا في مستوى الوعي بالمساواة بين النوعين، الرجال والنساء، من حيث كيفية جمع البيانات الميدانية وكيفية تحديد الفئات التي تصنف إليها تلك البيانات. لهذا، دعت الحركة النسائية الفلسطينية بشدة إلى إدخال وحدة خاصة بإحصائيات النوع الاجتماعي حين أنشأت السلطة الوطنية الفلسطينية جهاز الإحصاء المركزي التابع لها.

وتتأثر نوعية المواد المتاحة وطبيعتها بالحساسيات والبرامج السياسية، فقد تتباين البيانات المجموعة ميدانيًا تباينًا كبيرًا من حيث جودتها وفقًا لمستوى الثقة الذي يوليه قطاع سكاني معين لمؤسسات الدولة (أنظر/ انظري Tamari 1994)، ويرتبط أيضًا تصنيف السكان بالمشروعات السياسية للدولة القومية، ففي الإحصائيات الإسرائيلية يصنف السكان إلى يهود ومسلمين ومسيحيين ودروز، وبدءًا من عام ١٩٩٥م صار المسيحيون يصنفون تصنيفًا فرعيًا إلى مسيحيين عرب ومسيحيين من قوميات أخرى. واليهود بدورهم صنفوا تصنيفًا فرعيًا إلى يهود مولودين في أفريقيا أو آسيا أو أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل، وبذلك لا يظهر تعداد اليهود العرب، حيث أنهم يقعون في إطار فئة أكبر. وفي حالة الأردن، تتجنب الإحصائيات حساسية مسألة الخط الفاصل بين الأردنيين المنحدرين من الضفة الشرقية والفلسطينيين الحاصلين على الجنسية الأردنية بعدم نشر المواد الإحصائية التي تفرق بين هاتين الفئتين من المواطنين (Brand 1998).وأخيرًا، لابد من أن نأخذ في اعتبارنا طرق تحدید المواطنة في كل هذه المواقع بحسب الانتماء العرقي / الديني (أنظر / أنظري الإسهامات التالية: Jad et al.، Amawi, and Swinski to Joseph 2000 ).

وفيما يخص اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن, أنشئت وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNRWA) في عام 1950م لرعايتهم وتوفير احتياجاتهم الأساسية، وهي مؤسسة هامة، حيث جمعت أرشيفًا ضخمًا من البيانات عن كل أسرة على حدة (أنظر / أنظري Tamari and Zureik 2001 ). ولابد أيضًا من تمحيص بيانات وكالة غوث اللاجئين من حيث تعريف هذه الوكالة لمن هو اللاجئ، ومن حيث طريقة تنظيمها لحياة اللاجئين عمومًا. كما أن مركز الدراسات الذي يقع في عمان والمعروف باسم مركز دراسات وبحوث الشرق الأوسط المعاصر” (CERMOC: Centre d’études et de recherches sur le Moyen- Orient contemporain) له نشاط فعال في تجميع الباحثات والباحثين الذين درسوا تأثير السياسات الإدارية لوكالة غوث اللاجئين ونظام تصنيفها للبيانات على مجالات كمجال بنية الأسرة، بما لها أيضًا من أثر قوي على النساء.2

والمحاكم الدينية هي من مصادر المعلومات الأخرى، ففي جميع المواقع الثلاثة تحال قضايا الأحوال الشخصية إلى محاكم دينية، ولا يتاح فيها خيار الزواج المدني (Joseph 2000).والمحاكم الشرعية مستودعات غنية بالمواد الصالحة للأبحاث، التي تتنوع ما بين عقود زواج وقسائم طلاق إلى وثائق تصف القضايا المنظورة أمام المحكمة وصفًا مسهبًا. وقد استخدمت مثل هذه المواد في القيام بأبحاث تناولت مختلف الفترات التاريخية من وجهات نظر مختلفة. وتشمل الدراسات المنشورة حديثًا، والتي أجريت من منظور الجندر، بحث آجمون (Agmon 1998) عن النساء والوضع الطبقي في يافا وحيفا في بدايات القرن العشرين، وبحث تاكر (Tucker 1996) عن الجندر وقانون حقوق الأسرة العثماني الصادر في ۱۹۱۷م، ودراسة ويلتشمان (Welchman 2000) عن تأويل وتطبيق قانون الأسرة في الضفة الغربية، وهي دراسة تغطي فترات الحكم الأردني والاحتلال الإسرائيلي العسكري وبدايات السلطة الوطنية الفلسطينية.

تحديد أماكن وجود المصادر: المراكز البحثية، والمنظمات غير الحكومية، والتمويل

إن البيانات الإحصائية وتقارير المسح وكل الكتابات السابقة غير المعروفةعمومًا (بما في ذلك الرسائل العلمية غير المنشورة) قد تكون متوفرة في أرشيف الدولة (بما في ذلك أرشيفات فترة الاحتلال البريطاني، والأرشيفات الصهيونية، ومركز الدراسات الفلسطيني)، بل توجد أيضًا في الجامعات والمراكز البحثية، خاصة تلك التي تضم بين أعضائها وأساتذتها باحثات وباحثين مهتمين بالدراسات النسائية. ونجد في كافة جامعات إسرائيل تقريبًا باحثات وباحثين يعملون في الدراسات النسائية، وقد افتتح في جامعة تل أبيب في عام ۲۰۰۱م برنامج لدراسات المرأة والجندر. وفي الأردن، بدأ العمل في برنامج لدراسات المرأة في كلية الدراسات العليا بجامعة الأردن في عام ۲۰۰۰م، أما جامعة اليرموك ففيها منذ زمن طويل أساتذة مهتمون بإجراء بحوث في هذا المجال، وقد أشرفوا على عدد كبير من رسائل الماجستير التي بحثت موضوعات مثل تقسيم العمل على أساس النوع الاجتماعي، وسبل حصول النساء على الموارد والعلاقات داخل الأسرة، وبينها وبين غيرها من الأسر، والتغيرات التي تطرأ على بنية الأسرة، وهلم جرا.3 أما عن فلسطين، فقد أنشئ معهد دراسات المرأة بجامعة بيرزيت في عام ١٩٩٥م، ويقوم هذا المعهد بأعمال التنسيق لبرنامج لنيل درجة الماجستير في مجالات الجندر والقانون والتنمية، وقد أنتج الباحثون والباحثات عددًا كبيرًا من التقارير والأبحاث المنشورة التي أجريت بناء على دراسات ميدانية موسعة. وتشمل أحدث إصدارات هذا المعهد إسهامات كل من أبو نحلة، وجياكامان، وحمامي، وهلال، وجونسون، الذين درسوا موضوعات مثل طبيعة التعليم من حيث المساواة أو التفرقة على أساس النوع، وتقسيم العمل، والأسرة، وميول الناس فيما يخص الأطفال والزواج (Giacaman and Johnson 2002).كما نشأت وتطورت مراكز لدراسات المرأة، مثل مركز دراسات المرأة بالقدس، ومركز شؤون المرأة في غزة، ومركز شؤون المرأة والأسرة في نابلس، والمركز النسائي للمساعدة والاستشارات القانونية بالقدس.

وقد تأثرت مجالات اهتمام هذه الجامعات ومشروعات البحوث فيها بالنشاط النسائي الجاري خارج نطاق البحث الأكاديمي. ففي فلسطين، كانت التقاليد الراسخة للنشاط النسائي أداة لتطوير دراسات المرأة، ويطمح مركز دراسات المرأة إلى الإسهام في وضع استراتيجيات فعالة لبناء مجتمع قائم على المساواة بين الجنسين. وفي إسرائيل، أثر تغير اتجاهات الحركة النسائية على دراسات المرأة، فبينما كانت الحركة النسائية تتجه تاريخيًا بشدة نحو تحقيق مصالح النساء الأشكينازيات، تغير الوضع في العقد الماضي، إذ شاركت النساء الفلسطينيات والمزراحيات في إنتاج المعرفة، وصار لهن تأثير على الأبحاث التي تجرى في

الجامعات. 4 ويوجد أيضًا عدد معتبر من المنظمات غير الحكومية (التي يدعمها غالبًا مانحون أجانب أو منظمات دولية) نشطت في المشاركة في إجراء أبحاث يتم تكليف الباحثين والباحثات بإجرائها. وبعد اتفاقية أوسلو، ازداد توجه الحركة النسائية الفلسطينية نحو المأسسة، بما في ذلك تحولها إلى العمل من خلال المنظمات غير الحكومية. وفي الأردن، ومع التوجه نحو الليبرالية في تسعينيات القرن العشرين، تسارع معدل زيادة عدد المنظمات غير الحكومية العاملة في تقديم التقارير وتنظيم حلقات البحث وعقد المؤتمرات. وفي هذا المجال، ازدادت أهمية الأنشطة المرتبطة بأفراد العائلة المالكة (Brand 1998).

وتكشف هذه الأبحاث التي يكلف بها باحثون مشكلات تمويل الأبحاث. ففي المناطق الفلسطينية والأردن على وجه الخصوص، غالبًا ما لا تتمكن الباحثات والباحثون المحليون من إجراء أبحاث ميدانية إلا إذا أبرمت معهم عقود لإجراء هذه الأبحاث أو لو شاركوا في مشروعات تمولها مؤسسات دولية، حيث أن الجامعات القومية تنقصها الموارد. لكن المانحين الأجانب لديهم جداول أعمالهم الخاصة، وهو ما ازداد وضوحًا بعد اتفاقيات أوسلو. وعمومًا، فغالبًا ما تشمل الأبحاث الممولة من الخارج أبحاثا مسحية عامة، ومسوحا لقطاعات معينة من المجتمع، واستطلاعات رأي (مثلا، FAFO 1993 ). لكن بعض المنظمات غير والحكومية عملت أيضًا على إصدار كتب تعتمد على إجراء حوارات ومقابلات مع الناس، وغير ذلك من مناهج البحث، مثل بحث عماوي (Amawi 2001) عن النساء الأردنيات المشاركات في العمل السياسي. كما نشأت أشكال من الأبحاث المشتركة التي يتعاون في إجراء البحث الواحد منها أكثر من باحث أو باحثة، بهدف إشراك الباحثات والباحثين المحليين كشركاه متساوين في إجراء الأبحاث، مثل مشروع سيميل – إنترايتس (CIMEL- INTERIGHTS) المهتم ببحث استراتيجيات التعامل مع مسألة جرائم الشرف، والذي بدأ في عام ۱۹۹۹م، وتشارك فيه منظمات غير حكومية أردنية وفلسطينية.5

 

يعتمد البحث الميداني في مجال وصف الأعراق (الإثنوغرافيا) على شخصية الباحث أكثر مما يعتمد عليها أي مجال بحثي آخر. وتشمل سمات شخصية الباحث / الباحثة التي تؤثر في البحث الإثنوغرافي الميداني الآتي: السمات الشخصية، كالنوع (رجلا كان أم امرأة)، وجنسية الباحث / الباحثة، والقدرة أو عدم القدرة على الحصول على معلومات ميدانية من بعض الأماكن والأشخاص. ومن أوائل الأبحاث الإثنوغرافية المنشورة بحث هيلما غرانكفيست (Hilma Granqvist 1931 – 1955) عن أحوال الزواج في قرية أرطاس بفلسطين. ومن بين الأبحاث الإثنوغرافية المعاصرة نذكر بحث كنعانه (Kanaaneh 2002) عن سياسات الإنجاب في الجليل، وبحث مورز (Moors 1995) عن قدرة نساء منطقة نابلس على التملك، في حين أن بحث لاین (Layne 1994) هو دراسة إثنوغرافية لاتحاد كونفيدرالي بين بعض القبائل في وادي الأردن، ويضم هذا البحث قسمًا كبيرًا عن بناء الهوية القبائلية والقومية من خلال الزي، وقسمًا آخر عن المجال المنزلي الخاص. ومن المقالات الهامة التي كتبها باحثون وباحثات في علم الإثنوغرافيا مقال بتيت (Peteet 1997) عن النشاط العام للأمهات، وهو بحث أجرته بتيت مع النساء الفلسطينيات اللاتي تعشن في المخيمات، ومقال جين كلاين (Jean- Klein 2000) عن العلاقات بين الجنسين في الحياة اليومية والنشاط العام المنظم في الضفة الغربية، ومقال شامي وتامينيان (Shami and Taminian 1990) عن النساء والعمل في الأردن (والذي ترد في نهايته مراجع مذيلة بحواشي عن الدراسات التي أجريت من النساء في الأردن.6

وروايات الرحالة قد تعطي أيضًا معلومات عن الحياة اليومية، لكن لابد من أن نضع في حسابنا السياق الذي كتبت فيه (Melman 1992).وغالبًا ما تكون كتابات الرحالة متأثرة بشدة بتعريف فلسطين وأجزاء من الأردن بأنها أراض مقدسة، ومن ثم يعتبرون سكانها العرب مصدرًا ثمينًا لفهم الحياة اليومية في زمن السيد المسيح. وعلى عكس ذلك يعتبر الرحالة الاستعمار البريطاني والمهاجرين اليهود من أهم عوامل تحديث هذه المنطقة. وعلاوة على هذه الإزاحات الزمنية، يوجد خطاب آخر متنازع عليه فيما يخص النساء، فالنساء العربيات لا ينظر إليهن فقط كبقايا غريبة من آثار الماضي، بل يعتبرن أيضًا مقهورات ومطحونات مقارنة بالمهاجرات اليهوديات الجدد، اللاتي يبرز الرحالة مساواتهن مع رجالهن (Moors 1996).

ومن مجالات البحث الأخرى متاحف الثقافات العرقية أو الفلكلورية وغيرها من مجموعات الأشياء المتعلقة بالثقافة المادية، وهي منتشرة على وجه الخصوص في الأردن والضفة الغربية. ويوجد عدد كبير من المنظمات غير الحكومية ذات التاريخ الطويل في جمع الأشياء المتعلقة بالثقافة المادية، وأشهرها ملابس النساء. ومعظم هذه الجمعيات جمعيات نسائية، مثل جمعية إنعاش الأسرةبالضفة الغربية. وقد جمعت بعض هذه الجمعيات أيضًا القصص الشعبية والشفاهية، فمجموعة وداد كوارالصادرة عن معهد العالم العربي بباريس مثلاً موثقة توثيقًا جيدًا (Institut du monde arabe 1988).ويمكن اعتبار إقامة متاحف ومعارض فولكلورية مجالاً مقتصرًا على النساء، فالكثير من المتاحف التي أنشئت في الأردن، بما فيها المتحفان اللذان افتتحا في سبعينات القرن العشرين، بدأت بمبادرات من النساء. ولا ترجع أهمية هذه المتاحف إلى مجرد الأشياء التي جمعتها وحفظتها، بل ترجع أيضًا إلى طرق اختيار هذه الأشياء وعرضها، إذ يسهم هذا في خلق هوية قومية خاصة من خلال عرض الصور التمثيلية للماضي (أنظر/ أنظري Layne 1989 ).

التاريخ الشفهي باعتباره تاريخًا من القاعدة الشعبية

إن التاريخ الشفهي من المصادر أو مناهج البحث الثمينة جدًا لأنه يعطي فرصة لسماع أصوات من استبعدوا من التاريخ المكتوب. لكن لابد أن يعي المرء الاهتمامات السياسية لكل الأطراف الفاعلة في عملية جمع المادة الشفهية (الرواة والباحثين والمؤسسات)، فخاصة في الأحوال التي تواجه فيها الأمة تحديات، قد يحدث توتر ما بين فحص كيفية بناء المادة التاريخية والحاجة إلى تأصيل وجود الفرد في أرض معينة. ففي الأردن، استخدم التاريخ الشفهي على وجه الخصوص لجمع مادة عن تاريخ القبائل من أفواه إخباريين من الذكور. وفي فلسطين (لا سيما في الجليل) ازدهر في ثمانينات القرن العشرين جمع مادة عن التاريخ الشفهي بمبادرة من بعض الأفراد (غالبًا من النشطين في المجال المجتمعي العام) ومن المنظمات غير الحكومية، مع التركيز غالبًا على نكبة ١٩٤٨ والقرى التي تعرضت للتدمير. وحيث أن التاريخ الشفهي غالبًا ما يكون تاريخ الفئات المهمشة، فهذا العمل مطبوع بطابع الفئات الشعبية، ولا تهتم الجهات المانحة كثيرًا بتمويل مثل هذه المشروعات. إن العدد الخاص من مطبوعة الجنا الذي صدر في عام ۲۰۰۲م وحررته رائدة من رائدات العمل في هذا المجال في الشرق الأوسط، هي روزماري صايغ، يعتبر مصريًا غنياً بالمعلومات عن مشروعات جمع التاريخ الشفهي الفلسطيني. كما عملت بعض الجامعات المختلفة في مشروعات من هذا القبيل، منها جامعة بيرزيت (مشروع البحث الذي تناول القرى التي دمرتها إسرائيل)، وجامعة بيت لحم. وغالبًا ما يبدأ العمل في مثل هذه المشروعات بالجامعات بمبادرة من بعض الباحثات والباحثين بصفتهم الفردية. وتشمل الكثير من هذه المشروعات لجمع التاريخ الشفهي حوارات مع نساء مسنات، فإن روايات النساء جزء محوري من عرض فلایشمان (Fleischmann 2002) عن الحركة النسائية الفلسطينية تحت الانتداب البريطاني. وفي وزارة التخطيط التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، أنشأت فيحاء عبد الهادي مشروعًا لجمع التاريخ الشفهي الفلسطيني، مع التركيز على النشاط العام للنساء في الفترة ١٩٣٦ ١٩٦٥م.

وسائل الإعلام: مصدر للمعلومات، وصورة تمثيلية للواقع، ووسيلة اتصال

وسائل الإعلام مصدر هام من المصادر التي تتيح فحص الأحداث الحالية أو التاريخية التي يثار حولها جدل، فغالبًا ما يكون الصحفيون والكتاب، لا الباحثون الأكاديميون، أول من يبدأ بتناول القضايا السياسية أو الثقافية الحساسة. ففي الأردن مثلاً، بدأ تناول قضية جرائم الشرف بإثارة جدل حولها في وسائل الإعلام، ولم تتحول هذه القضية إلى مادة للبحث الأكاديمي إلا بعد أن دأبت رنا حسيني على كتابة تقارير عنها في جريدة جوردان تایمز (Rana Husseini, Jordan Times)، تناولت فيها حوادث قتل الفتيات بحجة الدفاع عن الشرف. ويمكن لأدب الرواية الواقعية أيضًا إثارة قضايا حساسة، مثل زنا المحارم والدعارة والتعاون مع العدو، كما حدث في بعض روايات الكاتبة الفلسطينية سحر خليفة. ويمكن استخدام المعلومات الواردة في كل من وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية، لكن لابد من أخذ الأعراف الخاصة بكل نوع منها في الاعتبار، كما يمكن استخدام الصور الفوتوغرافية التاريخية أو المعاصرة كمصدر للتاريخ الاجتماعي (أنظر/ أنظري Graham- Brown 1988 )، ويمكن تحليل كيفية استخدام الصور الفوتوغرافية في بناء الأمة والدولة كما سنجد في كتاب من تأليف مورز ما زال قيد الطبع (Moors forthcoming).وبنفس الطريقة، تم تحليل صور تمثيل النساء في الأعمال التليفزيونية والسينمائية لمعرفة المخاطر المحيطة بالعلاقة بين قضايا النوع الاجتماعي والقضايا الوطنية (للاطلاع على الصور الممثلة لمختلف فئات النساء في السينما الإسرائيلية، أنظر/ وأنظري مثلاً:Shohat 1991 ).

وتوفر شبكة الإنترنت مصدرًا آخر للأبحاث، وهي في نفس الوقت وسيلة اتصال ومجال لتمثيل مختلف الفئات. ومن القضايا البارزة التي يهتم بها الباحثون والباحثات، خصوصًا فيما يتعلق بالموضوعات التي نناقشها هنا، القيود المفروضة على الباحثات والباحثين ذوي الخلفية غير المرضي عنهاوالتي تمنعهم من الحصول على البيانات الميدانية ، بما في ذلك التقارير والمعلومات المحفوظة في الأرشيفات الرسمية. وقد تزيد هذه القيود من جاذبية الاعتماد على شبكة الإنترنت لإجراء الأبحاث، حيث لا تظهر معلومات عن الباحثين والباحثات من حيث الجنسية ولا الانتماء العرقي ولا النوع (رجلاً كان أم امرأة). وهو أمر قد يؤثر بالسلب على الأبحاث التي تستدعي إجراء بحث ميداني وسط أناس ذوي انتماء عرقي معين، أو الاختلاط بالجماهير للحصول على المادة الميدانية اللازمة للبحث، أو جمع المادة بإجراء حوارات غير رسمية أو بالملاحظة، كما تؤثر بالسلب على جمع التاريخ الشفهي وسير حياة الناس. لكن بالنسبة للطرق الثلاثة التي نوقشت هنا، فمن الواضح أن جميع مصادر ومناهج البحث المستخدمة تحتاج إلى فحص من حيث طرق ارتباطها بعمليات تشكيل الأمة والدولة.

 

أود التعبير عن امتناني إلى كل من جونسون، وشيفرا كيش، وسيتيني شامي لمساعدتهم في إنجاز هذه المداخلة.

1- نظرًا لأن موسوعة النساء والثقافات الإسلامية تنوي تغطية أحوال النساء في كل المجتمعات التي حقق فيها الإسلام حضورًا هامًا، سينصب اهتمامنا عند تناولنا لإسرائيل هنا على السكان الفلسطينيين وطائفة الميزراحيم، وهم اليهود ذوو الأصول الآسيوية والأفريقية، الذين انحدروا غالبًا من بلدان ذات أغلبية مسلمة.

2- الإشارة هنا إلى المشروع الذي بدأته وكالة غوث اللاجئين في عام ١٩٩٦م في مركز الدراسات CERMOC بعنوان تاریخ داخل تاريخ“. ويتضمن عدد من رسائل الدكتوراه (التي لم تنشر بعد) نتائج هذا المشروع. وتوجد في كتابات راندا فرح ستيفاني لاتيه عبد الله، وهنا جابر حوارات مع نساء وتواريخ شفهية وردت على ألسنتهن.

3- أنشأت سيتيني شامي أول قسم للدراسات العليا في مجال الأنثروبولوجيا في الأردن بجامعة اليرموك؛ ومن بين من يعملون في بحث قضايا تتعلق بالنوع الاجتماعي (الجندر) كل من: مارثا موندي (من أعضاء هيئة التدريس)، وويلي جانسون (أستاذ زائر، أنظر/ أنظري Janson 1993 )، ولوسين تامينيان وفرحة غنام (طالبتان تعدان رسالتي ماجستير).

4- أنظر / أنظري مثلاً: Shohat 1996 ) و Motzafi Haller 2001)) للاطلاع على دراسات عن النساء المزراحيات، وللاطلاع على دراسات عن النساء الفلسطينيات أنظر / أنظري: (Shalhoub- Kevorkian 1999) و (Abu-Bakr 1999).

5- CIMEL هو مركز دراسات القانون الإسلامي وشرق الأوسطي في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن، أما INTERIGHTS فهو المركز الدولي للحماية القانونية لحقوق الإنسان ومقره لندن.

6- هذه القائمة بمقالات الباحثات في علم الأنثروبولوجيا انتقائية إلى حد بعيد، فبسبب الحيز المتاح لهذه المقالة اقتصرت على ذكر الكتابات التي تأثرت برؤى مستقاة من دراسات المرأة.وهو ما يعني عدم الإشارة هنا إلى الكتابات الأقدم عهدًا لعلماء الأنثروبولوجيا، مثل روزينفلد.

 

K. Abu-Bakr, 4 rocky road Arab women as political leaders In Israel, Ranana, Israel 1999.

I. Agmon, Women, class and gender, Muslim Jaffa and Haifa at the turn of the twentieth century, in International Journal Of Middle East Studies 30 (1998), 477- 500.

A. Amawi, Against all odds. Jordanian women, elections and political empowerment, Amman 2001.

L. Brand, Women, the state, and political liberalization Middle Eastern and North African experiences, New York 1998.

E. Fleischmann, The nation and its “new” women Feminism, nationalism, colonialism, and the Palestinian women’s Movement 1920 -1948, Berkeley 2002

R. Giacaman and P. Johnson (eds.), Inside Palestinian households, Bir Zeit 2002

S. Graham-Brown, The portrayal of women In photography of the Middle East, 1860-1950, New York 1988.

H. Granqvist, Marriage conditions in a Palestinian village, 2 vols., Helsinki 1931-5..

M. Heiberg et al., Palestinian society in Gaza, West Bank, and Arah Jerusalem A survey of living conditions, Oslo 1993.

Institut du monde arabe, Mémoire de sole. Costumes et parures de Palestine et de Jordanie, Paris 1988

al-Jana (English) 2 (2002), ed. Rosemary Sayigh, special Issue on oral history.

W. Jansen, Creating identities. Gender, religion and women’s property in Jordan, in M. Brügmann et al.

(eds.), Who’s afraid of femininity? Questions of identity, Amsterdam 1993, 157-67

I. Jean-Klein, Mothercraft, statecraft, and Palestinian subjectivity during the intifada, in American Ethnologist 27:1 (2000). 100- 27.

S. Joseph (ed.), Gender and citizenship in the Middle East, Syracuse, NY. 2000.

R. Kanaaneh, Birthing the nation. Strategies of Palestinian women in Israel, Berkeley 2002.

L. Layne, The dialogics of tribal self-representation in Jordan, In American Ethnologist 16:1 (1989), 24-39.

-, Home and homeland The dialogies of tribal and national identities in Jordan, Princeton, NJ. 1994.

B. Melman, Women’s Orients English women and the Middle East 1718-1918, Ann Arbor 1992.

A. Moors, Women, property, and Islam. Palestinian experiences, 1920-1990, Cambridge 1995.

-, On appearance and disappearance. Representations of women In Palestine during the British Mandate, in Thamyris 3: 2 (1996), 279- 310.

-, From “women’s lib.” to “Palestinian women.” The politics of picture postcards in Palestine /Israel, in D. Crouch and

N. Lubbren (eds.), Visual culture and tourism, Berg (forthcoming).

P. Motzafi- Haller, Scholarship, identity, and power. Mizrahi women in Israel, In Signs 26:3 (2001), 697- 734.

J. Peteet, Icons and militants. Mothering in the danger zone, in Signs 23:1 (1997), 103-29.

N. Shalhoub-Kevorkian, Towards a cultural definition of rape. Dilemmas in dealing with rape victims in Palestinian Society, Women’s Studies International Forum 22: 2 (1999), 157- 73.

S. Shami and L. Taminian, Women’s participation in the Jordanian labour force. A comparison of rural and urban patterns. In S. Shami et al., Women In Arab society Work patterns and gender relations in Egypt, Jordan, and Sudan, London 1990, 1- 86.

E. Shohat, Making the silences speak In the Israeli cinema, in B. Swirski and M. Safir (eds), Calling the equality bluff Women in Israel, New York 1991, 31- 41.

-, Mizrahi feminism. The politics of gender, race, and multi-culturalism, in News from Within 12:4 (1996), 17- 26.

S. Tamari, Problems of social science research in Palestine. An overview, in Current Sociology 42:2 (1994), 69- 86.

S. Tamari and E. Zureik (eds.), Reinterpreting the historical records. The uses of Palestinian refugee archives for social Science research and policy analysis, Washington 2001.

J. Tucker, Revisiting reform. Women and the Ottoman law of family rights, In Arab Studies Journal 4:2 (1996), 4- 18.

L. Welchman, Beyond the code. Muslim family law and the shari’a judiciary In the Palestinian West Bank, The Hague 2000.

L. Welchman, R. Hammami, P. Johnson, and F. Labadi, Islamic law and the transition to Palestinian statehood. Constraints and opportunities for legal reform, In L. Welchman (ed.), Islamic family law in comparative perspective, Zed Press (forthcoming)

شارك:

اصدارات متعلقة

اغتصاب وقتل طفلة رضيعة سودانية في مصر
نحو وعي نسوي : أربع سنوات من التنظيم والتعليم السياسي النسوي
شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6