الأمومة الآمنة، والإجهاض غير الآمن : تأملات حول تأثير الخطاب
بقلم:
الأمومة الآمنة، والإجهاض غير الآمن
تأملات حول تأثير الخطاب
منذ عشر سنوات، وتحديدًا في عام ۱۹۸۷، عقد في نيروبي “المؤتمر الدولي حول الأمومة الآمنة“. وقد أدى انعقاد هذا المؤتمر إلى توجيه اهتمام أكبر إلى تلك “المأساة المستترة” – كما كان الحال في السابق – والمتمثلة في وفيات الأمهات ودلالتها كمؤشر من مؤشرات التنمية، وتم وضع هدف عام هو تقليص عدد وفيات الأمهات في البلدان النامية إلى النصف بحلول عام ۲۰۰۰. وقد شهد العقد الماضي في بوليفيا تطورات كبيرة في سياسات الصحة الإنجابية وخدماتها، وجود عدد من البرامج المخصصة لتقليص وفيات الأمهات التي ينتج ثلثها على الأقل من مضاعفات الإجهاض غير الآمن. ومع ذلك، ونظرًا لمعارضة القوى المحافظة داخل حكومة بوليفيا والتي تحظى بدعم من الكنيسة الكاثوليكية، تقهقرت الجهود الرامية إلى تقليص الوفيات الناجمة عن الإجهاض غير الآمن خطوة إلى الخلف في عام ١٩٩٦. وتوضح هذه الورقة البحثية أن الخطابات التي تدين الإجهاض تؤثر تأثيرًا ماديًا على أجساد النساء وحياتهن. كما تطرح ضرورة تقدير نواحي التقدم التي أسفرت عنها مبادرات الأمومة الآمنة وتعزيزها وتدعو إلى إحياء تلك المبادرات بمفاهيم وأهداف جديدة من شأنها بناء الهويات الاحتياجات المتنوعة للنساء باعتبارهن نساء وليس فقط بوصفهن أمهات.
وفي السنوات العشر التي تلت ۱۹۸۷، ساهمت مبادرات الأمومة الآمنة في رفع الوعي العالمي بشأن أسباب اعتلال صحة الأمهات ووفياتهن، وما يترتب عليها من آثار. كما أدت إلى تحفيز العمل من خلال الشراكة بين الحكومات والهيئات الخاصة والمنظمات المحلة الوطنية والدولية، والمهنيين العاملين في مجال الصحة والهيئات المانحة، ووسائل الإعلام(1).
وقد أدت هذه المبادرات إلى العديد من الخبرات الايجابية الكبيرة في منطقة أمريكا اللاتينية. فمؤتمر انديان للأمومة الآمنة، الذي عقد في سانتا كروز في بوليفيا عام ۱۹۹۳، شاركت فيه شخصيات هامة من الحكومة ومن المنظمات غير الحكومية، وكان بمثابة نقلة كبرى في مجال النقاش العام حول موضوع وفيات الأمهات بما في ذلك الأمور المتعلقة بالإجهاض العمدي. وما تزال توصيات “إعلان انديان” صالحة حتى اليوم، ويجري تنفيذ كثير منها حاليًا عن طريق لجان الأمومة الآمنة على الصعيدين الوطني والإقليمي.
وعلاوة على ذلك، حفز مؤتمر الأمومة الآمنة – الذي عقد في المكسيك أيضًا عام ۱۹۹۳ – العمل المشترك بين المؤسسات على الأصعدة الوطنية والإقليمية والمحلية.
وتتضمن هذه الجهود حاليًا الضغط من أجل إجراء تغييرات في التشريعات ذات الصلة، وتنظيم الدولة لعدد من المؤتمرات، وعقد الموائد المستديرة التي تناقش موضوعات مثل نوعية الرعاية، وموانع الحمل التي تستخدم بعد الولادة وبعد الإجهاض، وإقامة ورش عمل للصحفيين، والأنشطة التي تدور حول العلاقات بين الجنسين في إطار خدمات الصحة الإنجابية، وإجراء بحوث ذات توجه عملي حول مكاتب الصحة المكرسة لخدمة النساء الحوامل، وإجراء بحوث حول وفيات الأمهات والعوامل المقترنة بها باستخدام أدوات مثل عمل لقاءات مع الأهل بعد الوفاة لمحاولة معرفة ملابسات الوفاة (2، 3).
لقد أدى الاعتراف العام بوفيات الأمهات واستثمار الموارد في الأعمال الوقائية إلى توفير دعم هام للحركة الدولية لصحة المرأة وتأكيد مصداقيتها، وهي التي طالما شنت – لسنين عديدة وبمستويات مختلفة من النجاح – حملات حول تلك القضايا.
وربما لم تكن الأمور قد نضجت بما يكفي في عام ١٩٨٧ لطرح تساؤلات حول الأساس الأيديولوجي للدعم الواسع الذي توفر لتعزيز وترويج الأمومة الآمنة.
على أي حال، يبدو إننا نمر الآن بلحظة مناسبة لتقييم هذا الخطاب تقييمًا نقديًا، ولدراسة أثره على سياسات وخدمات الصحة المقدمة للنساء.
تقول باربارا برادبي على الرغم من أن البرامج الدولية اقتربت باتجاه قضايا النساء لكنها دائمًا ما تتحاشى القضايا المثيرة للجدل. ويلخص تعبير “الأمومة الآمنة” الموضوع، فالنساء يعرفن دائمًا انطلاقًا من دورهن كأمهات ويحاول التعبير المذكور إعادة التأكيد على ضرورة أن تظل الأمومة أكثر المواقع أمنًا للنساء، رغم كثير من الدلائل المعاكسة (4).
في عام ۱۹۸۷ تم تناول الوفيات بالحمل والولادة باعتبارها مأساة إنسانية ترتبط بأبعادها الأخلاقية ارتباطًا وثيقًا بالقيمة الاجتماعية الممنوحة للأمومة. وقد واصلت عناوين الصحف الصادرة في بوليفيا عام ١٩٩٦ النظر إلى النساء اللاتي يتوفين ليس بوصفهن نساء وإنما كأمهات ومربيات فعليات أو ممكنات:
– “الأمهات تموت“
– “بوليفيا تفقد الأمهات”
– “الأمهات يتركن أطفالاً يتامى“
يحتاج الأطفال إلى أمهات على قيد الحياة مفعمات بالصحة والحيوية. والأمهات يحتجن – للقيام بدورهن الإنجابي – إلى المساعدة، والحماية من الدولة الأبوية والكنيسة. وقد ورد في افتتاحية إحدى الصحف اليومية الكاثوليكية في بوليفيا ما يلي: “ينبغي مساعدة الأمهات في جميع الظروف، وفوق كل شيء الظروف غير المواتية“. لمن باقي المقال يعبر عن الدلالة العميقة لهذه “المساعدة من خلال تحذير يستهدف المرأة التي تميل إلى التخلي عن واجبها كأم.. “سوف تسمع طوال حياتها صوت ضميرها يتحداها قائلاً: “أين طفلك؟“(٥).
ووفقًا لهذا المنطق الأخلاقي، تعتبر “الأمومة الآمنة” هي المكافأة الموعودة للأمهات اللاتي يقبلن تكريس مصائرهن لرفاه أطفالهن في الأساس. ويبدو واضحًا أن هذه الخطابات ذات النزعة الخيرية تشكل أجساد النساء وحياتهن باعتبارها عرضة للخطر. وهكذا فان اختيار اسم “الأمومة الآمنة” للبرنامج لا يقتصر على كونه ملائمًا سياسيًا، بل يمثل بالأحرى تصريحًا أيديولوجيًا يعتبر النساء جديرات بالحماية والأمان على أساس هذه الصفة فقط.
تؤثر الخطابات – سواء خطاباتنا أو خطابات الآخرين تأثيرًا ملموساً على هوياتنا، وأجسادنا، وحياتنا. لكن هذه الخطابات ليست ثابتة، بل متغيرة وقابلة للتفاوض. وتسعى المجموعات الاجتماعية المختلفة – بما فيها النسويات – إلى النفوذ والتأثير من خلال الاشتباك مع وتفنيد خطابات الآخرين، وتطوير خطاباتها وإعادة صياغتها، نشر تصوراتها حول العالم بما يتفق ومصالحها الخاصة المتنوعة.
ترفض نظريات الخطاب فكرة وجود حقيقة موضوعية شاملة، وأصلية وصحيحة عمليًا وبدلاً من ذلك، تطالب هذه النظريات بطرح تصورات عديدة للواقع المتناقض، يتضمن تطبيقها الرغبة في إدراك وأيضًا – تفنيد الخطابات التي تشيد العالم على أساس الهويات والمصالح التي تدخل في صراع مع مصالح كل فرد.
وبعيدًا عن افتراض وجود مواقف نسبية بمعزل عن الالتزام السياسي طرح بعض فلاسفة ما بعد الحداثة، مثل ليوتارد، إن المجال الخطابي هو ميدان معركة: “أن تتحدث يعني أن تقاتل” (6). والنضال من أجل التغيير، كما تشير ريتا فيلسكي، يتطلب عدم الاقتصار على المواقف الدفاعية: فعلى حين يشتمل التوجه النسوي بالتأكيد على لحظة سلبية تكشف الطبيعة الخادعة أو القمعية للخطابات الأبوية، فإنه يطور أيضًا مواقف ثقافية وسياسية بديلة” (7). وتكتسب اللغة خلال هذه العملية أهمية حاسمة كأداة للعمل النسوي، ففي خطابات التفاوض، تؤكد النسويات هويتهن، وأصواتهن، وأجسادهن، وحقهن في الوجود في العالم.
خطوتان للأمام…
شهد العقد الماضي في بوليفيا تطورات كبيرة في سياسات الصحة الإنجابية وخدماتها. فقد توارى في عام ۱۹۸۹ التراث المناصر لكثرة المواليد مع البدء في برنامج وطني للصحة الإنجابية وشن حملات تستهدف ترويج استخدام هذا البرنامج. ومنذ عام ۱۹۹۱، وفرت الخدمات الصحية التابعة للدولة إمكانيات متزايدة للحصول على المعلومات والوسائل المتعلقة بمنع الحمل.
وفي عام ۱۹۹٤، شرعت حكومة بوليفيا في “خطة الحياة” التي تهدف إلى الإسراع في تقليص معدلات وفيات الأمهات. وفي نفس العام، نادى الوفد البوليفي الذي حضر مؤتمر السكان في القاهرة – بـ “احترام الأدوار التي تضطلع بها النساء في الأسرة وفي المجتمع“. وقد كان البيان الوطني الرسمي الذي قدمته بوليفيا إلى مؤتمر القاهرة – والذي تم نشره بعد ذلك كإعلان للمبادئ حول السكان والتنمية المستدامة – (۸) أول صياغة صريحة للسياسية الوطنية في مجال السكان. ويعتبر هذا البيان وثيقة تقدمية على نحو ملحوظ، إذا أخذنا في الاعتبار السياق الإقليمي التاريخي الذي يهيمن فيه أساقفة الكاثوليك الرومان.
تعزو الأرقام الرسمية نسبة تتراوح من ٢٧ إلى ٣٥% من كل وفيات الأمهات إلى مضاعفات الإجهاض (9). ويعتبر هذا التقدير محافظًا نظرًا لعدم الإبلاغ عن جميع الحالات (١٠). وقد أسهمت النسويات في المناقشات التي دارت حول الإجهاض في سياق المداولات العامة التي ركزت حول صحة النساء وتجاربهن. وفي عام ١٩٩٤، تم إنشاء “مجموعة العمل حول الحمل غير المرغوب فيه والإجهاض،” وكانت بمثابة منتدى يستهدف ربط وتعزيز جهود حوالي ٣٥ مؤسسة وفردًا من أجل زيادة الوعي العام حول هذه القضايا وقد أسهمت مجموعة العمل في إضفاء طابع إنساني ونسوي على الحوار الدائر حول الإجهاض في بوليفيا، مما أسفر عن صدور ونشر نتائج بحثية حديثة، فضلاً عن ممارسة الضغط من أجل التغيير.
في كل من مؤتمري القاهرة (١٩٩٤) وبكين (١٩٩٥) اعترفت حكومة بوليفيا صراحة بالإجهاض كقضية من قضايا الصحة العامة وقد أكد وزير التنمية البشرية في إعلان للمبادئ “ضرورة معاملة النساء اللاتي يلجأن إلى الإجهاض معاملة إنسانية ومنحهن المشورة المناسبة” (۸). وقد بدأت بالفعل الأمانة الوطنية للصحة تدعيم البحوث المتعلقة بالإجهاض بوصفها الأساس لإنتاج الموارد التعليمية، وزيادة الوعي، وللدورات التدريبية للعاملين في مجال الخدمات الصحية في ميدان الرعاية المتعلقة بما بعد الإجهاض، والتي تكون حساسة لقضايا النوع الاجتماعي.
كما أشار وزير الصحة د. أوسكار ساندوفال مورون، في مناخ من الانفتاح المتعاظم في مايو ١٩٩٦، إلى حق بوليفيا السيادي والتزامها بمناقشة جماهيرية لموضوع تقنين الإجهاض والتوصل إلى موقف محدد: “إن عدم القيام بذلك يعني ببساطة الانتقاص من قيمة الحياة الإنسانية واعتبارها أقل أهمية من مفاهيم معينة وتحيزات مسبقة، وتجاهل ما يبرز أمامنا” (۱۱).
وفي الأسابيع والشهور التي تلت، كان فيضان من المواقف المتعارضة حول الإجهاض يشكل عناوين الأنباء اليومية، وتسود أخباره في وسائل الإعلام. وفي الثامن والعشرين من مايو، وهو اليوم العالمي للعمل من أجل صحة المرأة أعلنت لجنة من النسويات الناشطات المنتميات إلى مجموعة العمل، في مؤتمر صحفي ضرورة الإقرار بواقع الإجهاض ومواجهته، وتطوير نقاش خال من الرياء يركز على المساواة بين الجنسين، كما يركز على الحقوق الجنسية والإنجابية.
لقد كان تأسيس “اللجنة الوطنية للأمومة الآمنة” في فبراير ۱۹۹٦ في بوليفيا بداية تقدم جديد في مجال منع وفيات الأمهات. ومع ذلك، تمثل “الأمومة الآمنة” في بوليفيا اليوم خطابًا محافظًا عند مقارنتها مع ما نالته قضية النوع الاجتماعي والصحة والحقوق الجنسية والإنجابية من اهتمام بعد عام ١٩٩٤. لقد تحولت الأداة التي ساعدت على إثارة الانتباه الدولي إلى الوفيات غير الضرورية للنساء إلى سيف ذي حدين يتم استخدامه لتقليص تأكيد هويات النساء المستقلة.
………. خطوة للخلف
على الرغم من الأرض التي أمكن اكتسابها، بدأت قوة الخطابات التي تركز على الأمومة تضعف من قيمة السياسات التقدمية في بوليفيا ففي عام ١٩٩٦، اعتبر الساسة الحكوميين إن صحة الأم هي هدية عيد الأم للنساء، على حين استمر الأخلاقيون في اعتبار الإجهاض جريمة، ومعاداة للحياة. وقد أعاقت هذه الخطابات الجهود التي تبذلها الناشطات النسويات لتطوير المكتسبات السابقة ومقاومة العودة الإجبارية إلى لغة التقييد والممارسات التي ترتكز على وحدة الأم – الطفل.
وقد ظهر دليل واضح على هذا الاتجاه من خلال “البرنامج الوطني للتأمين للأمهات والأطفال” الذي بدء العمل به في الأول من يوليو ۱۹۹٦. فهذه المبادرة الجديدة وضعت الحكومة في اختبار لمدى استعدادها أو إرادتها السياسية لتلبية احتياجات الصحة الإنجابية للمرأة بأسلوب متكامل.
بدأت الحكومة اعتبارًا من يوليو ١٩٩٦ في إصدار تقارير حول مدى تغطية البرنامج التأميني الجديد، بما في ذلك إعداد النساء اللاتي حصلن على خدمات رعاية مجانية قبل وبعد الولادة، وإعداد الولادات الطبيعية والقيصرية.
كما قدمت إحصاءات أيضًا حول إعداد الرضع والأطفال اللذين يحصلون على الرعاية طوال فترة الحمل وبعد الولادة، وحول التحصينات وحول علاج الإسهال والتهابات الجهاز التنفسي.
لقد حقق البرنامج التأميني تأثيرًا كبيرًا منذ البداية. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن استخدام خدمات صحة الأم والطفل ارتفع خلال الشهور الخمسة الأولى للبرنامج بنسبة تزيد عن 30%. ورغم استمرار المعوقات الثقافية والجغرافية أمام نطاق تغطية البرنامج التأميني، إلا أن إزالة الحواجز الاقتصادية قد زاد من معدلات استخدام الخدمات بدرجة كبيرة (12).
على أية حال كانت هناك فجوة في الأرقام المنشورة، فلم تكن هناك إشارة إلى البرنامج التأميني لعلاج مضاعفات الإجهاض، رغم وجود نوايا رسمية في الشهور السابقة على البدء في البرنامج لإدراج هذا النوع من الرعاية. في ظل التصريحات الحكومية بشأن أولوية تقليص وفيات الأمهات، كان إدراج الرعاية المجانية لفترة ما بعد الإجهاض خطوة منطقية، فضلاً عن كونها ضرورية.
وفي منتصف يوليو ۱۹۹٦، صرح ريجوبرتو سيلس، رئيس إدارة الصحة في كوشابامبا، أن البرنامج التأميني وفر خدمة طبية في أول أسبوع من تطبيقه لما يبلغ مجموعه ۱۸5 امرأة وطفل بمن فيهم ثلاث نساء ياعنين مضاعفات الإجهاض(13). وبمعرفة تقارير المناطق التي تشير إلى وجود حوالي ۲۰۰ حالة من حالات مضاعفات الإجهاض شهريًا في بعض مستشفيات الولادة، يعتبر وجود ٣ حالات في الأسبوع عددًا صغيرًا. ومع ذلك، كانت البيانات الواردة من كوتشا باميا تمثل أهمية جوهرية بوصفها أول دليل علني على تقديم الرعاية المجانية لفترة ما بعد الإجهاض في ظل البرنامج التأميني للمرأة – الطفل.
وبعد يومين، قدم جويلزمو ابونتي، وكيل التأمينات الطبية تقريرًا حول الإنجازات الوطنية للبرنامج. ومرة أخرى، غاب عن التقرير أي إشارة لعلاج الإجهاض غير الكامل. أعطى ابونتي الأرقام المتعلقة بثلاثة أنواع من الخدمات المقدمة للنساء: الرعاية أثناء الحمل والولادة الطبيعية والولادة القيصرية(14). أين جرى علاج حالات مضاعفات الإجهاض الثلاث في كوتشابامبا؟ يبدو أن النساء اللاتي يعانين من مضاعفات الإجهاض قد مسحت أسماؤهن من قائمة الأرقام الوطنية.
وهكذا، بدت مسألة العلاج المجاني لمضاعفات الإجهاض ملتبسة. ويبدو أن النساء الثلاث من كوتشابامبا وعددًا غير معروف من نساء أخريات في ٨ إدارات أخرى في بوليفيا – قد نجحن بالفعل في اختراق برنامج الرعاية المجانية للنساء والذي كان يتجه بشكل حازم نحو هدف الأمومة. نظريًا كان من المفترض استبعادهن لأنهن أجرين عملية إجهاض: لكن غموض التصريحات الرسمية، فضلاً عن عادة الالتفاف على القواعد في ظل النظم القمعية، قد أدى إلى بعض الخلل المؤسسي والإحصائي. فعلى حين غطى البرنامج بعض النساء اللاتي حصلن على علاج من مضاعفات الإجهاض، هناك أخريات لم يشملهن هذا الغطاء بالتأكيد.
لقد جاء سيناريو الإنكار والارتباك في التقارير في سياق الجهود الرسمية الرامية إلى حجب واقع إجراء عملية الإجهاض سرًا، وإنكار الحاجة إلى علاج مضاعفات الإجهاض في المستشفى بدون تمييز. وقد ووجهت طلبات التوضيح التي تقدمت بها النسويات الناشطات حول القضية بصمت ومراوغة من جانب الهيئات الرسمية لم تقدح إجابات واضحة، لكن السلطة الصحية بأحد الأقاليم قدمت تصريحًا ذي مغزى (وإن كان غير رسمي) ورد فيه ما يلي: “من الأفضل عدم الحديث عن ذلك، إذ قد يقف في طريق إمداد هؤلاء النساء بالرعاية المجانية سراً” (15).
قدم د. خافية توريز جويتيا، وكيل وزارة الصحة، في السادس والعشرين من يوليو تفسيرًا رسميًا علنيًا للرد على المقالات الصحفية والخطابات المرسلة إلى السلطات جائ فيه: “يغطي البرنامج التأميني جميع حالات الطوارئ المتعلقة بالولادة، مثل النزف خلال الشهور الأولى من الحمل، الذي يحدث تلقائيًا ويحمل خطر فقدان الحمل، لكنه لا يتضمن بأي حال الكحت أو الإجهاض المكتمل“. وقد أصر جواتيا على أن البرنامج غطى علاج النزيف الذي يحدث تلقائيًا حيث أن “هذا العلاج يكون ضروريًا، إذ بدونه تتعرض حياة المرأة للخطر” وقال أيضًا: “أن البرنامج التأميني الوطني للأمهات والأطفال لا يسعى بأي حال إلى تغطية الإجهاض العمدي، وبالتالي ينبغي أن يكون واضحًا أنه لا يتم تشجيع ممارسة الإجهاض، على الرغم من أن النساء اللاتي يعانين من النزيف يحصلن بطبيعة الحال على العلاج مهما كان السبب” (16).
وقد أوضح د. فرناندو الفاريز – الذي كان يشغل عندئذ منصب مدير مستشفى النساء في لاباز – إن “الإجهاض العمدي غير مشمول بالتأمين، وبالتالي يجب على المرأة أن تدفع ثمن رعايتها“ (١٦).. وعندما سأله مراسلو شبكة إخبارية نسوية: كيف تحدد المستشفي ما إذا كانت المضاعفات ناتجة عن إجهاض تلقائي أو عمدي؟ أجاب قائلاً: “تصعب الإجابة على هذا السؤال، ذلك إننا لا نثق في المرأة منذ البداية” (17). أن عدم الثقة ليس مجرد نتيجة ما تقوله النساء من أسباب حول فقد الحمل، لكنه يعكس أكثر كراهية النساء المنتشرة في الدوائر الطبية.
اختلاف وجهات النظر بين أفراد المهن الطبية
يستخدم أفراد المهن الطبية خطابًا أيضًا يتعلق بالسيطرة على النساء وحمايتهن أخلاقيًا من أفعالهن. ففي المراحل المبكرة من النقاش، أعلنت جمعية بوليفيا لأمراض النساء والتوليد في تصريح مدفوع الأجر أن “الإجهاض العمدي هو تدخل يتضمن مستو عال من الخطورة على صحة النساء وذلك بسبب تعقيداته الكثيرة: كما أن التعليقات السطحية حول طبيعته الحميدة تفتقد إلى الصدق والدقة العملية“(١٨). وعندما سئل أحد قادة الجمعية البارزين حول هذا الطرح، أجاب (بصفة غير رسمية) أن الخطر بالنسبة للمرأة ليس “بدنيًا فحسب وإنما عاطفيًا وروحيًا أيضًا“.
أما د. انا ماريا اجويلار أول تصبح عميدة لكلية الطب – فقد عبرت عن موقف معاكس : “من وجهة النظر التقنية العلمية ليس للإجهاض آثار مميتة على المرأة طالما يتم في ظروف صحية مناسبة وبطريقة صحيحة“(١٩). كما أشارت أيضًا إلى ميثاق الأخلاقيات المهنية الذي ينص على التالي: “لا تتم إعاقة الحمل إلا عند وجود ضرورة علاجية تقرها اللجنة الطبية وبتصريح يصدر وفق الأصول المرعية من المريضة أو أقاربها المباشرين” (٢٠). وتكشف هذه الاختلافات عن وجود تعارض أيديولوجي داخل القطاع الطبي.
ومع ذلك، ظلت السيطرة الطبية على ممارسة الإجهاض دون مساس في إطار الخدمات الصحية سواء في مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص. وهناك تفاوت كبير في ممارسة هذه السيطرة بين أفراد المهنة الطبية – والتي يهيمن عليها الرجال بدرجة كبيرة ويغلب عليها الطابع الأبوي – فهي متروكة بدرجة كبيرة لتقدير كل فرد. وعلى الرغم من أن قرارات الأطباء – وفقًا للقانون ولميثاق الأخلاقيات الطبية – ينبغي أن ترتكز على المؤشرات العلاجية فحسب، إلا أنها تتأثر بالقوالب النمطية الاجتماعية والتحيزات الأخلاقية (21)، ناهيك عن الاعتبارات المالية.
الحكومة تتراجع
لقد أثرت معارضة الكنيسة الكاثوليكية ليس فقط على الجدل حول الإجهاض، لكن أيضًا على موقف الحكومة. فقد هاجمت الكنيسة أيضًا الاستراتيجية الوطنية للصحة الإنجابية، والتسويق الاجتماعي للواقي الذكري من جانب القطاع الخاص إلى المراهقين وكان ضغط الكنيسة عنصرًا أساسيًا في وقف النقاش مبكرًا، كما أدى أيضًا إلى وقف الحكومة في يونيو ۱۹۹6 لحملة المعلومات حول وسائل منع الحمل من خلال الإعلام الرسمي.
وفي أغسطس ۱۹۹٦، شنت غرفة التجارة في سانت كروز حملة بعنوان “دفاعًا عن من لا حول لهم ولا قوة” ووزعت ملصقًا يحذر النساء ورد فيه: “الإجهاض قد يجعلكن أمهات بأياد فارغة“. وقد تم تنظيم العديد من الأنشطة لتوعية ما يقرب من ٣٠ ألف من الشباب حول “الأضرار البدنية والسيكولوجية والروحية والأخلاقية” التي تنجم عن الإجهاض (٢).
وفي نفس الشهر، تراجع وزير الصحة عن موقفه التقدمي حول الإجهاض برفض دعوة من لجنة الناشطات النسويات بمجموعة العمل للمشاركة في منتدى عام بعنوان “الإجهاض قضية من قضايا الصحة العامة“، وكان من المخطط عقد هذا المنتدى كجزء من حملة المجموعة في يوم ٢٨ سبتمبر، وهو اليوم العالمي للعمل حول الإجهاض قال ساندو فال:
قررت الحكومة الوطنية من خلال وزارات العدل والتنمية البشرية والصحة إنها لا يمكن أن تعتبر موقفها الرسمي حول هذه المسألة موضوعًا للتعديل داخل إطار الخطط الحكومية الحالية” (١٣).
تعرف منظمة الصحة العالمية وفيات الأمهات بأنها وفاة النساء أثناء الحمل أو في خلال ٤٢ يومًا من إنهاء الحمل بغض النظر عن مدة الحمل ومكانه نتيجة أي سبب يتعلق بالحمل أو يتفاقم نتيجة الحمل، أو نتيجة التعامل مع الحمل” (24). ولذلك، تندرج الوفيات الناجمة عن مضاعفات الإجهاض تحت بند وفيات الأمهات. وعندما يكون الإجهاض عمديًا، يجدر النظر بصورة ناقدة إلى وضع صفة الأمومة لأي حدث يميزه بشكل عام – وإن لم يكن دائمًا – قرار من المرأة إلا تصبح أمًا، على الأقل بشأن هذا الحمل تحديدًا.
وفي بوليفيا اليوم، ما تزال الوفيات الناجمة عن الإجهاض الذي يمارس بشكل سيء تسمى “وفيات الأمهات“. ومع ذلك، فإن الطبيعة غير الآمنة لعمليات الإجهاض هذه هي الثمن الذي من المتوقع أن تدفعه النساء بسبب الإثم الذي ارتكبنه وهو رفضهن الأمومة. لكن هذا العقاب يعد انتقائيًا على المستوى الاجتماعي. فالنساء الأقل قدرة على دفع تكلفة الرعاية المتخصصة يتعرضن لثلاثة أضعاف العقاب. فعلاوة على كونهن أكثر عرضة للخطر نتيجة التدخلات غير الآمنة، فإنهن يواجهن أيضًا الاتهام علانية بأنهن مهملات. وإذا ما توفين تعتبر وفاتهن دليلاً على أن الإجهاض يتسم بالخطورة، سواءً بدنيًا أو أخلاقيًا. ويستخدم الخطاب المحافظ الاطروحات العلمية الزائفة التي تعتبر الخطورة أمرًا ملازمًا للإجهاض، وذلك في محاولة لحجب الاهتمام بالقضايا المتعلقة بالإجهاض.
عندما فتح نقاش عام حول تقنين الإجهاض، ارتكزت وزارة الصحة في أطروحاتها على الحاجة إلى منع وفيات النساء الشابات والمتمتعات بالصحة، نتيجة التدخلات الجراحية الخاطئة (25). ومع ذلك، فإذا كان منع الإجهاض غير الآمن مجرد مسألة تقنية، يصبح الحل عندئذ بسيطًا نسبيًا. لكن الواقع أن التحيز الأخلاقي هو الذي يعوق حلول هذا النوع من المشكلات الصحة. ويؤدي هذا النوع من التحيز أيضًا إلى تزييف البيانات الإحصائية المتعلقة بأسباب وفيات الأمهات. فالوفيات الناجمة عن النزف وتعفن الدم، والتي تقترن بالإجهاض، تكون مموهة وتضم مع أسباب الوفيات في حالات الحمل التي تصل إلى نهاية مدتها.
إن صياغة الإجهاض كأمرًا خطيرًا من الناحية الاجتماعية، يتم لأسباب بعيدة تمامًا عن أي اعتبار يتعلق بالصحة العامة، بل أساسًا لأنه يعرض السيطرة الأبوية على النشاط الجنسي للنساء وخصوبتهن للخطر، وهو نسق من المعتقدات يخشى من رفض الأمومة من جانب امرأة – أم. ينبغي أن يظل الإجهاض غير آمن وفقًا لقانون السلطة الأبوية غير المدون، قانون الأب: “ليس الأب من اللحم والدم، وليس الأب بالمعنى الرمزي المحض، وإنما نوع معين من المجتمع وتنظيم السلطة والنفوذ (٢٦).
الأم – الرحم.. الجنين – الموضوع
يقود هذا النقاش إلى تحليل الخطابات التي تعتبر الجنين الفاعل الرئيسي على المسرح الإنجابي. ويمكن اقتفاء أثر هذه الخطابات في التقارير التي صدرت مؤخرًا وأعيد نشرها في الصحف البوليفية بشأن تدمير الأجنة “اليتامى” المجمدة في المملكة المتحدة (٢٧). هل كان ينبغي تدمير هذه الأجنة التي ظلت في التخزين لمدة ٥ سنوات ولا يرغب فيها أهلها، أم يجري نقلها إلى نساء أخريات؟
لقد أثارت هذه القضية نقاشًا مكثفًا داخل الكنيسة الكاثوليكية. ومن داخل “المأزق العميق” في الفاتيكان، ظهر الاقتراح التالي: “بعد التلقيح الخارجي، ينبغي نقل الجنين إلى الأم، وإذا كان النقل الفوري مستحيلاً، يمكن عندئذ فقط تجميده، ولكن بنية أخذه مباشرة عندما تسنح الظروف إلى رحم الأم لأنه “المكان” الوحيد الجدير بالإنسان“.
كما طرحت صحيفة الفاتيكان “لوسيرفاتوري رومانو” إمكانية تبني الطفل قبل ولادته: “يرى بعض الكتاب – بمن فيهم الكاثوليك – إمكانية نقل الأجنة إلى أم أخرى إذا كان من المتعذر الوصول إلى الأم أو كانت ترفض “القل“.. اقتراح هذا الحل هو الملاذ الأخير لإنقاذ الأجنة من الموت، ومن ميزات هذا الحل أنه ينظر نظرة جديدة لقيمة حياة الأجنة، كما يواجه بشجاعة تحدي الحفظ عن طريق التجميد” (۲۸).
وفي الأرجنتين حيث يثير التلقيح الخارجي معضلة أيضًا، يطرح بالمثل ادجاردو يون أستاذ – الإنجاب البشري في جامعة بوينس ايريس – إن “الأجنة المحفوظة عن طريق التجميد لها مصائرها، ولا توجد حالات يتم التخلي عنها“. كما أعلن الخبراء أمثاله في الأرجنتين أنهم يؤيدون أيضًا “تبني الأطفال قبل ولادتهم“، وذلك بالنسبة للعدد القليل من الأجنة التي يمكن الإبقاء عليها في البلد في حالة تجميد(۲۹).
تطرح هذه الخطابات – نظرًا لتورطها في كل من الاجندتين العملية والأخلاقية – فكرة التبادلية بين الأم – الرحم، بحيث تخفي فردية المرأة، إن لم يتم التخلص منها في نهاية المطاف. ومن الناحية الأخرى يمنح الجنين / الموضوع قيمة بشرية متفردة ينبغي الدفاع عنها بأي ثمن. وتدعم هذه التمثيلات حماية وظيفة الأم لصالح الطفل في الأساس. وعلى سبيل المثال، يؤكد الأب الكاثوليكي الروماني – الذي اقتبسنا جزءًا من كلماته أعلاه أنه من الخطأ الدفاع عن حق المرأة في الإجهاض على أساس أن الجنين ملكيتها وجزء من وجودها: فالجنين موجود بصورة مستقلة عن أمه، أنه شخص كامل” (٥).
تكمن هذه الخطابات في التوجه الخاص ببعض برامج ما قبل الولادة، التي يكون هدفها الأساسي تعزيز تطور الجنين وليس رفاه النساء. وقد تكون فصول الدراسة المكرسة للأمهات الحوامل مفيدة بدرجة كبيرة للمرأة الراغبة في الإبقاء على حملها. ومع ذلك، ومن زاوية الحقوق الجنسية والإنجابية، يمكن تأكيد أن المرأة نفسها، باتخاذها قرار الإنجاب، تدفق الحياة في حملها وتشكل النوعية الإنسانية للجنين. وبهذه الكيفية، يعتبر الجنين من خلق المرأة، فقابلية الحمل للحياة ليست مجرد مسألة بيولوجية.
ووفقا لجورج فيلاربيل يعتبر أطباء التوليد وأمراض النساء أن “الأجنة قبل نفخ الحياة فيها بمثابة مرضى خاضعين لقرار من المرأة” (٣٠). هذا الطرح الأخلاقي لا يتعامل مع لامرأة باعتبارها رحم يستقبل الجنين، بل كموضوع في مركز المسرح الإنجابي، مع الاعتراف بقراراتها فيما يتعلق بحملها واحترام تلك القرارات كعنصر حاسم في قابلية الجنين للحياة.
وفيات الأمهات : مسألة سياسية
وفيات الأمهات مسألة سياسية قبل كل شيء. ففي الندوة الوطنية حول اعتلال صحة الأم ووفيات الأمهات التي عقدت في البرازيل في أغسطس ۱۹۸۹، ناقشت النسويات البرازيليات أفضل الطرق لشن حملة ضد وفيات الأمهات. وقد توصلن في المناقشات السابقة المتعلقة بـ “البرنامج المتكامل لصحة النساء في البرازيل” إلى نتائج مازالت صحيحة ومهمة حتى يومنا هذا، وهي على النحو التالي:
أولاً، يجب الاستجابة لاحتياجات النساء كما تحددها النساء أنفسهن وتتضمن هذه الاحتياجات إمكانية الحصول على وسائل تنظيم الحمل.
ثانيًا، يجب على المجموعات التقدمية رفض السياسات السكانية – سواء المؤيدة أو المعارضة لزيادة الإنجاب – التي تتضمن عناصر قمعية تنتهك حق النساء الأساسي في اتخاذ القرار بشأن ما إذا كن يرغبن في أن يكون لديهن أطفال، وعدد الأطفال الذين يرغبن فيه، ومتى يتم ذلك (٣١).
وكما أشارت كارمن باروزو في ورقة بحثية قدمتها إلى تلك الندوة، هناك ثلاثة مجالات مهمة للعمل النسوي في ميدان الصحة، وهي: “إعادة تعريف القضايا المطالبة بتمكين النساء في مجال صنع القرار، ودعم الحق في الإجهاض“. وقد اختتمت ورقتها قائلة:
“……. بإمكان الحركة النسوية أن تعطي أولوية لشن حملة من أجل الحق في الإجهاض، ولا يرجع ذلك فحسب إلى أن الإجهاض السري هو أحد الأسباب الأساسية لوفيات الأمهات، وإنما أيضًا لأن عدم تجريم الإجهاض يمثل خطوة مهمة نحو اعتبار النساء عضوًا كامل العضوية في المجتمع. وفي الحملة من أجل تشريع الإجهاض تصبح الإحصاءات حيوية في الدفاع عن حياة النساء وصحتهن. كننا لا ينبغي أن نفقد الرؤية تجاه أهم قضية معرضة للخطر، وهي قضية استقلال النساء الذاتي وحقهن في أن يصبحن واعيات ومسئولات وقادرات على اتخاذ قرارات بشأن أجسادهن وقضاياهن الجنسية وحياتهن. أن هدفنا هو تأكيد أخلاقيات النساء ورفض حماية الكنيسة والدولة (٣١).
وبعد مرور عشر سنوات على برامج الأمومة الآمنة، ما تزال التحديات الثلاثة التي طرحتها صحيحة ويمكن تطبيقها بالطرق التالية: إعادة تعريف مشكلة الوفيات المقترنة بالحمل والولادة والإجهاض، وتعزيز قوة النساء لاتخاذ القرار داخل الأنساق الصحية، وإعطاء أولوية لشن حملات من أجل الحق في الإجهاض، وهو الحق الذي يقاوم التركيز على اقتصار دور النساء على كونهن أمهات.
وعلى الرغم من غياب للمواقف الرسمية، واصلت لجنة الناشطات النسويات البوليفية حملتها في ٢٨ سبتمبر ١٩٩٦، مع حصولها على دعم من الشبكة الأمريكية والكاريبية لصحة المرأة والتحالف الدولي لصحة المرأة. وقد أمكن تنفيذ مجموعة متنوعة من الأنشطة الإعلامية والثقافية تستهدف زيادة الوعي العام حول القضايا التالية:
– أهمية مواصلة النقاش العام واسع النطاق حول مسألة الإجهاض
– تدعيم الرعاية الإنسانية والمناسبة للنساء اللاتي يعانين من مضاعفات الإجهاض
– العلاج المجاني لتلك المضاعفات في إطار برنامج التأمين الوطني للأمهات والأطفال
– أن عمليات الإجهاض “التي لا يعاقب عليها القانون“، أي التي يسمح بها القانون البوليفي الحالي – أي في حالات الاغتصاب أو سفاح القربي أو وجود خطر يهدد حياة المرأة – مازالت تمارس سرًا، دون اعتراف أو دعم من الجهات الرسمية (٢٢).
” لا تمثل صحة الأم مشكلة منعزلة: فقد شجعت “مبادرة الأمومة الآمنة” صناع القرار على التعامل صراحة وبشكل مفتوح مع كثير من قضايا النساء– مثل عدم الرغبة في الحمل، وتدني وضع المرأة، والحقوق القانونية للنساء، والأمراض المنقولة جنسيًا، والعنف ضد المرأة، والإجهاض غير الآمن – كما شجعتهم على اتخاذ موقف لصالح الصحة العامة، على الرغم من الاختلافات الكامنة” (١).
لعبت النسويات في حركة صحة النساء في بوليفيا دورًا محورًا في عملية تطوير المفاهيم والتي أثرت على – وتم تطويرها أكثر خلال – مؤتمرات نيروبي والقاهرة وبكين. لقد أسهمن في تغيير استخدام اللغة، لتنتقل من وحدة “الأم – الطفل” إلى “صحة الأم والطفل“، ثم إلى “صحة الأم” فقط، ومؤخرًا إلى المجال الأوسع أي الصحة والحقوق الإنجابية والجنسية للنساء.
أن مصطلح “الأمومة الآمنة“، والخطابات التي تؤيده، ليس أبديًا، بل يمكن تغييره بمصطلحات أخرى من شأنها الترويج صراحة للحقوق الجنسية والإنجابية. وعلى مدار السنوات الماضية، دخلت النسويات والناشطات في مجال الصحة إلى معترك التحدي وغيرن سلسلة من المصطلحات التي تعكس أيديولوجيات تتعارض مع مصالحهن. وعلى سبيل المثال، توقفت النسويات اللاتي كن يرغبن في الحديث عن تنظيم الخصوبة الطوعي عن الإشارة إلى المباعدة بين الولادات، أو الوالدية المسئولة، أو تنظيم الأسرة. كما أن ما يسمى عادة الأمراض التناسلية أصبح معروفًا إلا باسم الأمراض المنقولة جنسيًا. وعلاوة على ذلك، حاربت النسويات والناشطات في مجال الصحة مصطلح “المجموعات المعرضة للخطر” فيما يتعلق بنقل فيروس نقص المناعة البشرية – والذي كان يحمل ضمنيًا وصمة اجتماعية – ونجحن في تحويل الموضوع إلى تحديد “السلوكيات” التي تمثل خطورة. وفي عام ۱۹۷۳، تم استبعاد المثلية الجنسية من الدليل الإحصائي لمنظمة الصحة العالمية للاضطرابات العقلية، ويجري حاليًا اتخاذ خطوات لاستبعاد قلق الوضع الاجتماعي من القائمة أيضًا (۳۳).
وجدير بالذكر أن الإشارة إلى “النساء اللاتي يتعرضن للضرب” تحرف الانتباه بعيدًا عن اللذين يضربونهن (٣٤). وعلى هذا النحو، يمكن أيضًا أن تؤدي إدانة “العنف الأسري” إلى تأثيرات معاكسة ضد النساء، ذلك هذا الخطاب يعني ضمنًا أن المنزل أو البيئة المنزلية هي ذاتها عنيفة من حيث جوهرها، وبالتالي التواطؤ (غالبًا من لجانب الذكور) على الاعتداءات المبينة على أساس النوع الاجتماعي.
وتحقيقًا لهذه الغاية، يمكن اقتراح بعض المصطلحات الجديدة كبديل للمصطلحات المستخدمة حاليًا، وذلك على النحو التالي:
– صحة النساء (بدلاً من صحة الأم)
– الصحة الجنسية والإنجابية للنساء (بدلاً من الأمومة الآمنة)
– الوفيات الإنجابية (بدلاً من وفيات الأمهات)
– سن الخصوبة (بدلاً من السن الإنجابي)
وقد ظهر اقتراح مصطلح “الوفيات الإنجابية” للمرة الأولى عن طريق فاليري بيراك(٣٥) في عام ١٩٧٩ كدليل أكثر ملائمة: “تتضمن الوفيات الإنجابية الوفيات الناجمة عن مضاعفات الحمل، والإجهاض العمدي، وموانع الحمل بين النساء في السن الإنجابي” (٣٦).
لا تقتصر اهتمامات المجموعات النشطة في حركة صحة النساء على قضايا الصحة العامة أو الأمومة، فإطار هذه الاهتمامات يتعلقن بالأحرى، بالمساواة بين الجنسين وبالحقوق الجنسية والإنجابية. وتواجه هذه المجموعات تناقضًا في سياق مواقفها الخاصة والمحلية، يتمثل بالتحديد في إعادة تعريف هويات واحتياجات النساء المختلفة بشكل عام. وأي خلاف تولده عملية إعادة التفاوض حول الخطابات سيكون مفيدا، في نهاية المطاف من زاوية طرح تلك القضايا بحزم على مائدة النقاش
صورة صفحة 23
لقد قامت برامج “الأمومة الآمنة” في بوليفيا، وفي كثير من بلدان العالم الأخرى، إسهامات ذات دلالة بالنسبة لصحة النساء طوال السنوات العشر الماضية. لكن خطاب الأمومة قد عزز خلال تلك الفترة التوجهات الرامية إلى حماية النساء والسيطرة عليهن كأمهات. وقد بدا هذا التركيز لدى القوى المحافظة في خلق صراع مع الحركة النسوية المعاصرة لتمكين النساء من ممارسة حقوقها الجنسية والإنجابية في إطار متكامل.
إن الذكرى العاشرة لبرنامج الأمومة الآمنة توفر لحظة مناسبة للتفكير والتأمل الفكري. يجدر الاعتراف بما حققه البرنامج من تقدم حتى الآن وتدعيمه، لكن خطاب الأمومة الآمنة قد حقق غرضه التاريخي. وينبغي إحياء المبادرة الآن تحت اسم جديد وأهداف جديدة تتناول مختلف هويات النساء واحتياجاتهن كنساء وليس فقط كأمهات.
تأمين الإجهاض، وتوفير الأمان لكل النساء
لا تحتاج النساء إلى أوراق اعتماد للأمومة كي يطالبن بالأمان في حياتهن الجنسية والإنجابية. كما لا ينبغي أن تقبل النساء عقوبة الإجهاض غير الآمن إذا ما اختارت المرأة لحظة ما – أي في حمل بعينه وموقف بعينه تقرره فرديًا – ألا تصبح أمًا.
إن الاستراتيجية التي تطرحها “مبادرة الأمومة الآمنة” يمكن تطبيقها على واقع الإجهاض، دون إدانة أخلاقية، تمامًا كما هو الحال بالنسبة لجوانب الحمل والولادة الأخرى.
وهو الأمر الذي يقضي ضمنًا الاعتراف بالمشكلة، وتحديد العوائق التي تعاني منها النساء عند اتخاذ وتنفيذ قرارات تتعلق بالسعي للحصول على الرعاية، هذا بالإضافة إلى تحسين إمكانيات الحصول على الرعاية وتحسين نوعيتها، مع تدريب العاملين في مجال الصحة من أجل توفير علاج إنساني ومناسب (۳۷).
وبدلاً من إلقاء اللوم المتعلق بوفيات الأمهات على كاهل العاملين في مجال الصحة أو المجتمعات المحلية أو أفراد الأسرة، من الأفضل مجابهة الأثر المادي الناجم عن الخطابات التي تعتبر المرأة مجرد رحم يتمثل قدرها الأساسي في الإنجاب. يمكن أن تقود الخطابات أيضًا إلى القتل من خلال سيطرة أنصارها على السياسات والخدمات الصحية. ويعد الإجهاض غير الآمن مثالاً واضحًا على تأثير قوة الخطاب، حيث يكون أخطر نبوءة تحقق ذاتها، وحيث تدخر وعود الأمان للأمومة المثالية المتفق عليها والمقبولة اجتماعيًا.
لقد نجحت النسويات بالفعل في تغيير وإنتاج عديد من الخطابات التي تدعم حقوق النساء واستقلالهن الذاتي. ولا توجد حاجة إلى فقدان الفرص التي قد تم اكتسابها من خلال “مبادرة الأمومة الآمنة“. ففي العديد من المجالات، يتم بالفعل الاعتراف بالنساء بوصفهن نساء. وقد تم الاعتراف بأن وفيات النساء نتيجة لأسباب مقترنة بالحمل والولادة والإجهاض بوصفها مشكلة، كما اعترف بالإجهاض غير الآمن باعتباره قضية من قضايا الصحة العامة. وتمتلك النسويات والناشطات في مجال الصحة وجهات نظر وأصوات انتخابية ودرجة من القوة، ويمكنهن الاضطلاع بمسئولية خلق خطابات جديدة ونشرها. علينا أن نتأمل في كيفية استخدامنا لخطاب الأمومة الآمنة. أنه شرك أيديولوجي، وينبغي أن نجتهد لتخليص أنفسنا منه دون أن نتخلى عن الفضاءات والموارد التي أحرزناها بالفعل.
ملحوظة
هذا المقال نسخة معدلة باللغة الإنجليزية من ورقة بحثية مقدمة باللغة الأسبانية إلى ندوة بعنوان:
Saude Reproductiva na Americ a Latina e no caribe: Temas e Problemas
عقدت في كاكسامبو م.ج، البرازيل، ٥ – ٧ أكتوبر ۱۹۹٦. تم تنظيم هذه الندوة من جانب الهيئات التالية:
وقد ترجمت الكاتبة المقتبسات المأخوذة من النصوص المكتوبة بالأسبانية إلى الإنجليزية.
1- safe motherhood, steps ahead family care international new york 1994 (leaflet)
2- clu M del C. la experiencia de maternidad sin riesgos. Mexico DF (unpublished, undated)
3- verbal autopsy uses participatory methodology to analyse specific maternal
deaths with community organizations and at which life-saving
identify points interventions could have been made.
4- Bradby B, 1996 community level research within a reproductive health programme from participation to dialogue paper presented to
EC reproductive health research meeting Ghent, Belguim, 23-25 June.
5- De anasagasti P, 1996 contra la vida presncia (la paz) 19 sept.
6- Lyotard JF 1984 the postmodern condition a report on knolowge Manchester univertsty press, Manchester.
7- Felski r, 1989 feminist theory culture and socity 6(2):219-40.
8- Declaracion de principios sobre poblaciony desarrllo sostenible. Ministerio dedesarrollo humano/PROSEPO UNFPA la paz. 1994.
9- Plan vida plan nacional para la reduccion acclerada de la mortaildad, aterna, perinatal y del nino, Nolivia 1994-1997 Ministerio de
desarrollo Humano/secertara nacional de salud/UNFPA/USAID/UNICEF la paz, 1994
10-La ninez y la mujer en Bolivia analisis de siuaction UNICEF Boloivia la paz 1994
11-Hoy (la paz) 14 May 1996
12-Corrco de los comites 1 december 2 comites nacional por una maternided segura la paz.
13-El diario (la paz) 17 july 1996
14-La razon (la paz) 20 july 1996
15-Alexia Escobar personal communication 17 augest 1996
16-Ultima hora (la paz) 26 July 1996
17-Goyzueta J and Orellana O 1996 los qabotots inducidos tienen un costa RED-ADA red nacional de Trabjadoras de la informacion y communicacion-ERBOL no 11 la paz 15 August
18-El diario (la paz) 23 may 1996
19- El diario (la paz) 16 August 1996.
20-Codigo de etica medica, articulo 15 estatutos y reglamentos 1993. Colegio Medico de Bolivia al paz 1993.
21-Rancw s 1997 Discuricve construction of abortion and their variations as negotaiated by medical professionals in specific international context IPAS/National halth Secretariat/overseas development administration la paz
22- El mundo (santa cruz) 15 Augest 1996
23- Letter from international health secratry of
the 28 September campaign commite la paz 16
augest 1996
24- international classification of diseases injuries and death 9th sdition world health organization, Geneva 1979
25- hoy (la paz) 14 May 1996
26- Muraro L, 1994 el orden simbolico de la
madre horas y 1996
27- Ultima hora (la paz) 15 Augest 1996
28- presencia 23 july 1996
29- los tiempos 4 aigest 1996
30- Villarreal J, 1996 presentation to annual meeting of trainess. Fundacion Educacion para la salud reproductive parchacamac peru 31 augest
31- Barroso C, 1990 Meternal mortality a political question maternal mortality and
morbidity a call to women for aaction paper presented to national seminar on maternal morbidity and maortality itapecerica de barazil 28 may
32- Aliaga s 1994 que dica la leys r juez? Equidad hoy (la paz) 18 may in 1993 an
appilaication for legal abortion was made in court on behalf of two teenage sisters who had been raped and madepregnant by their father the judge who holds evangelical religious beliefs systematically caused delays in condesration of
the case which was finally abandoned when the girle in the second and third trimesters.
33- Taylor 1995 the third sex esquire April 102- 12
34- Stark E, Filtcaraft A and frazier W, 1979 Medicine and partriarchal violence the soceil construction of a private event international journal of health services 93): 41-93 cited in delauretis T, 1987 Technologies of genderindiana university press
35- Beral v 1989 Reproductive mortality bristh medical journal 2:632-34
36- Rosenbbreg MJ and Rosenthal Sm 1987 Reproductive Mortality in the united states recent trends and methodologic journal of public health 77(7): 833-36
37- Koblinsky M, 1996 para salver la vida mothercare – Bolivia/JSI/USAID, la paz.