الأم والأبناء
ضحايا الزواج المبكر
إن الزواج المبكر للفتيات يعد بمثابة مأساة حقيقية للزوجة والأطفال على حد سواء حيث يموت أكثر من مليون طفل سنويًا قبل بلوغ العام الواحد ممن تكون أمهاتهم أقل من العشرين عامًا، كما تصل نسبة الوفاة بين الأمهات الصغيرات إلى 70% سنويًا تقريبًا على مستوى العالم.
هذا ما أقرته منظمة “سيف تشلدرن ” أو ” هيئة إنقاذ الطفولة، في تقريرها الذي أصدرته في هذا الشأن، كما صرحت ” ماري باورز” مستشارة الصحة الإنجابية للمنظمة أن هناك العديد من الأضرار الصحية البالغة التي تحدث للأم صغيرة السن، كما أشار التقرير إلى أن أعلى معدت للزواج المبكر والوفاة بين الأمهات والأطفال الرضع هي التي تشهدها منطقة شمال أفريقيا، يليها بعض الدول الآسيوية مثل أفغانستان، وبنجلاديش، ونيبال، واليمن، وجواتيمالا، أما بالنسبة لدول العالم المتقدم فتوجد أعلى معدت للإنجاب في سن مبكر. في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ثم نيوزلاندا.
ماذا بعد هذا الفرح؟؟؟
۷۰ % من الزوجات الصغيرات يمتن بسبب الحمل والولادة المبكرة
وقد حققت كل من كوريا الجنوبية وهولندا واليابان أقل معدلات الإنجاب في سن مبكر.
وقد نالت مصر حظًا مما نالته القارة السمراء (أفريقيا) حيث ترتفع نسبة الزواج المبكر خاصة في المناطق الريفية والقرى، وتقل نسبيًا كلما اتجهنا إلى المناطق الحضرية.
وقد ترجع أسباب هذه الزيجات المبكرة إلى الظروف الاقتصادية التي تعاني منها الأسرة، أو الظروف الاجتماعية، فكثيرًا ما يقوم ولي أمر الفتاة الصغيرة بتزويجها لكي يربح من ورائها، أو لكي يتخلص من أعبائها المادية والاجتماعية.
أما عن البعد الاجتماعي، والذي لا يزال له دور كبير ومؤثر، فهو يعتمد بشكل كبير على الموروثات الثقافية التي نعيش في ظلها، حيث ما زالت هناك أفكار مثل: العزوة، والعائلة الكبيرة الممتدة، التي تسيطر على المجتمع وتمثل هذه الموروثات الثقافية والعادات والتقاليد الاجتماعية مشكلات خطيرة.
لهذا فقد حدد المشرع المصري سن الزواج للفتيات 16 عامًا وللذكور 18 عامًا وذلك للحد من الأضرار الاجتماعية التي تنجم عن الزواج المبكر وهناك العديد من الآراء تنادي برفع سن الزواج، حيث إن الفتاة التي سنها 16 عامًا ما زال تنتمي إلى سن الطفولة، وهل تستطيع طفلة تحمل مسئولية عائلة بأكملها، مما جعل لنا وقفة، فهناك العديد من التساؤلات بشأن هذا الموضوع أهمها:
– هل سن الزواج المقرر مناسب أم يحتاج إلى تعديل؟
وفي حالة تعديل سن الزواج، كيف نتفادي حوادث التزوير من جانب أولياء الأمور؟
– وماذا عن الأضرار النفسية والاجتماعية التي تنجم من جراء الزواج المبكر؟
– طرحنا هذه الأسئلة على مجموعة من المتخصصين.
يقول د. عبد الله منصور، الطبيب النفسي: عندما تتزوج الفتاة في سن مبكرة فهي بذلك تتحول من طفلة إلى أم قاصر، لا تمتلك القدرة أو الكفاءة النفسية التي تعينها على حل أي مشكلة تواجهها أو تواجه طفلها، حيث لم يكتمل نموها الجسماني أو الوجداني، بالإضافة إلى ذلك فإنها لا تمتلك القدرة على إدارة منزل أو اتخاذ قرار، مما يؤدي إلى عدم قدرتها على التكيف والتعايش مع الحياة الجديدة.
ومن ناحية أخرى، فهي تمتلك أي معلومات جنسية سليمة على إقامة علاقة زوجية سعيدة وجيدة، فهي بذلك تفقد تلك القدرة على التعامل مع من حولها، وفي الوقت نفسه لا تستطيع عمل علاقات اجتماعية وأسرية ناجحة وسليمة، وبالتأكيد ينتج عن ذلك كله أضرار سلبية عديدة، أهمها:
شعور الأم الصغيرة بالإكتتاب الدائم بسبب عدم استمتاعها بالحياة الزوجية أو الاجتماعية فيؤثر ذلك على تربيتها لأبنائها، وفي الوقت نفسه تنمو النمو الجسماني الصحيح.
إلى جانب أنها في النهاية طفلة وأم غير مسئولة، وهذا هو أحد أسباب الأمراض والمشكلات الاجتماعية والنفسية التي تعاني منها وهنا لابد أن يأتي دور التوعية الاجتماعية، حيث إنها غاية في الأهمية، ففي كثير من الأحيان تكون الأعراف الاجتماعية لها قوة أعلى من القانون. ومن هنا يجب الإشارة إلى أنه من الأفضل ألا تتزوج الفتاة إلا بعد امتلاكها المؤهلات الكافية ليكون لها القدرة على اتخاذ قرار مهم كقرار الزواج.
الزواج المبكر حل للمشكلات المادية والاجتماعية تدفع ثمنه المرأة
يقول د. علي فرغلي، أستاذ. علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس. غالبًا ما يكون الدافع الأساسي في الزواج المبكر للشباب والفتيات على حدّ السواء هو تحقيق الإشباع الجنسي، حيث يحتم مجتمعنا أن يكون ذلك في إطار شرعي، وصورته الشرعية الوحيدة لدينا هي الزواج. وتقتصر فكرة الزواج المبكر فقط على أبناء الريف، بل امتدت لتشمل المدينة أيضًا. أما عن أسباب انتشاره في الريف أو القرى، فهي لعدم وجود طموحات أو تطلعات لدى الشباب سوى الزواج، كما أن العرف السائد لديهم يؤكد على فكرة العزوة، وفكرة أن الزواج سترة للبنات، وحماية لهن، وأن المرأة لا يوجد لها سوى بيتها وزوجها وأبنائها، وما زالت العائلات في الريف تتباهى بالأعداد الكبيرة من أفراد الأسرة التي تنتجها الأم، فمعظم هذه الموروثات اجتماعية يصعب تغييرها، مما يترتب عليه العديد من الآثار الاجتماعية كالتفكك والعنف الأسري وغيرهما مما يضرُّ بالمجتمع المصري. كما تبلغ نسبة الطلاق بين حديثي الزواج في السن المبكر في مصر من 30 إلى 40% سنويًا تقريبًا، وذلك لأن الزواج يتم بين أفراد غير مسئولين اجتماعيًا.
أهمية رفع الوعي
أ. محسن بشير، المحامي:
مما لا شككّ فيه أن الزواج المبكر من الموضوعات المهمة التي يجب التطرق إليها، كما يجب عمل برامج توعية للأفراد ، خاصةً في الريف والقرى والإشارة إلى الأمراض التي يسببها الزواج المبكر، ومن ناحية أخرى، فالسنُّ الذي أقره القانون سن مناسبّ في رأيي الشخصي، ولاداعي لرفع هذا السن، حيث إنه إذا تم رفع سن الزواج سوف يلجأ أولياء الأمور إلى تزوير شهادات الميلاد وهو ما يعرف بالتسنين، وتنص الفقرة الأولى من المادة ٢٢٧ من قانون العقوبات على أن يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة تزيد على 300 جنيه كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحدد قانوناً لضبط عقد الزواج أقوالاً، وهو يعلم أنها غير صحيحة أو حرر أو قدم لها أوراقًا كذلك، وهذه العقوبة غالباً ما تقع على أولياء الأمر، ويكون أهل الزوجة غالبًا هم من يقومون بالتسنين.
أما عن الفقرة الخاصة بمن يقوم بتوثيق العقد وغالبًا يكون المأذون، فعقوبته تكون الحبس مدة تتجاوز سنتين، وغرامة تصل إلى 500 جنيه. ويعاقب بتهمة التزوير في أوراق رسمية. ولذلك يعتقد بشير أن رفع سن الزواج لن يفيد ولكن الأفضل هو زيادة الوعي لدى الأفراد لتجنب المشكلات الاجتماعية التي تنتج عن الزواج المبكر. وتقول د. هالة الدمنهوري، طبيبة أمراض النساء والتوليد: إن الزواج في سن مبكرة يحمل العديد من الأخطار الصحية، بالإضافة إلى انتهاك حقوق الفتيات. فالزواج المبكر يحمل مخاطر الوفاة أثناء الحمل والولادة، بالإضافة إلى قلة احتمال مشاركة الفتاة في اختيار الزوج، إذ يكون عادةً من اختيار الأهل، وعادةً تكون غير متعلمة أو حصلت على مستوى تعليمي منخفض وبالتالي فمعلوماتها عن الصحة الإنجابية ضئيلة، أو ربما تكون منعدمةً، مما يجعلها تعاني من نقص الحرية في كل الاختيارات، وبالتالي سيادة الزوج في العلاقة الزوجية، ونتيجة لهذه السيادة فهي تتحمل العبء الأكبر في الأعمال المنزلية. وكذلك فإن محيطها الاجتماعي يكون أضيق، مما يقلل فرصتها في مناقشة ومعرفة العديد من المعلومات الجنسية الحساسة، والمعلومات الخاصة بوسائل منع الحمل، وكذلك لنقص تعليمها فإنها في الأغلب تعمل وتملك موارد مالية منفصلة حتى تتمكن من طلب الرعاية الصحية، وقد لاقى الزواج المبكر في السنوات الأخيرة تغييرًا إيجابيًا في مصر، ولكنه يزال تحدياً كبيراً خاصةً بين فئات اجتماعية بعينها، ومن الملاحظ وجود ارتباط بين الزواج المبكر والانقطاع عن التعليم، فالزواج بين الفتيات الحاصلات على أقل من 7 سنوات دراسية 8 أمثال الحاصلات على عدد أكبر من السنوات الدراسية، وذلك في الفئة العمرية بين 15 – 19 سنة، وفي كل عام تنجب حوالي 6% من الشابات في المرحلة العمرية نفسها، وهناك بعض التأثيرات الأخرى التي تجعل نسبة احتمال الزواج المبكر أكبر، فنجد أن أعلى نسبة للإنجاب المبكر توجد في ريف الصعيد في مصر، بين غير الحاصلات على أي تعليم أو لم يتممن تعليمهنّ الابتدائي. ورغم أن العديد من الجهات تبذل مجهودات جادة من أجل الحدّ من الآثار الجانبية لهذه الظاهرة، ورغم تقلص حجمها في مصر إلا أنها ما زالت موجودة وتحتاج إلى مجهودات أکبر.