الأيدز في القرن الحادي والعشرين: بعض الاعتبارات المهمة

التصنيفات: غير مصنف

الأيدز في القرن الحادي والعشرين: بعض الاعتبارات المهمة

من المرجح أن يهيمن على قصة نقص المناعة البشرية المكتسب في القرن الحادي والعشرين المنجذبون للجنس الآخر في أفريقيا ومدمنوا المخدرات عن طريق الحقن في جميع أنحاء العالم. لقد استمرت الإصابة فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب وازدادت لأن الناس لا يحبون الاعتراف بالممارسات التي تنشر الفيروس. ويحجمون أكثر عن الحديث عنها. ويظل الحقن بالمخدرات السبب الأول للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في دول ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي، والولايات الشمالية الشرقية في الهند، والولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا الغربية، والصين، وأجزاء من الشرق الأوسط. في أفريقيا حيث تحدث الغالبية العظمى من العدوى من خلال الممارسة غير الآمنة للجنس، تصاب نسبة مرتفعة من الفتيات بفيروس نقص المناعة البشرية قبل سن العشرين وقبل الزواج. لقد استجابت الدول الصناعية لهذا الخطر من خلال حملات مكثفة للتوعية بكيفية تحاشي الإصابة وإدارة مناقشات مفتوحة حول المخاطر المحتملة للممارسة غير الآمنة للجنس، والتشجيع المكثف لاستخدام الواقي الذكري. وفى البلدان النامية كانت تايلاند، وأوغندا، والسنغال من البلدان القليلة التي اتبعت تحركات مماثلة لاحتواء الوباء ولعب المسؤولون السياسيون على أعلى مستوى دوراً ريادياً في هذا الصدد، ومع انتشار الفيروس بين سكان أية دولة ترتفع أيضًا احتمالات التقاء أي فرد بشريك مصاب في بداية حياته الجنسية. لذلك فمن المهم للغاية أن نصل بوسائل الوقاية المناسبة إلى الناس قبل أن يبدءوا في ممارسة الجنس لأول مرة. على أنه من غير الواقعي أن نتوقع التزاماً سياسياً تجاه مشكلة حساسة مثل مرض نقص المناعة البشرية المكتسب من أى حكومة لا تتسم بالالتزام الكامل تجاه الخدمات الصحية الأساسية لشعبها. أول تحدي في مكافحة مرض نقص المناعة البشرية المكتسب، كما هي الحال في الكفاح من أجل التنمية بوجه عام، هو دعم الحكم الرشيد.

  • AIDS into 21st century: Some critical considerations. May 2000، 15 (8) Elizabeth Pisani

جميع الحقوق محفوظة لمجلة قضايا الصحة الإنجابية ٢٠٠٧

الكلمات المفتاحية:فيروس نقص المناعة البشرية / مرض نقص المناعة البشرية المكتسب، تعاطي المخدرات بالحقن، انتقال العدوى بين الجنسين، الواقي الذكري، تبادل إبر الحقن.

مرض نقص المناعة البشرية المكتسب، الذي لم نكن بالكاد نسمع عنه منذ عقدين، أصبح عند نهاية القرن أحد أشهر الأمراض في المعمورة وأكثرها إثارة للحديث. فمع اكتشاف مرض العوز المناعي البشري المكتسب، وفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب المسبب له في دولة تلو الأخرى في الثمانينيات، بدأت أجراس الخطر تدق في جميع أنحاء العالم. وما كان يبدو في البداية مرضاً مقصوراً على شرائح محددة من السكان مثل المثليين والمصابين بارتفاع نسبة سيولة الدم أضحى مرضاً يهدد الجميع في كل مكان.

ولكن بينما استمرت مانشيتات الصحف في الصراخ من الوباء العالمي، تشير التطورات التي شهدتها السنوات الأخيرة إلى شئ آخر. نعم، لقد وصل فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب إلى أركان المعمورة الأربعة، ونعم، لا يزال ينتشر بسرعة غير متناسبة بين التجمعات السكانية المهمشة في معظم بلدان العالم. ونعم، يجب أن يتنبه السكان في كل مكان له. ولكن مع اقتراب القرن العشرين من نهايته كان الوباء العالمي” – من منظور الصحة العامة على أية حاليبدو أكثر فأكثر كوباءين متمايزين، أحدهما عالمي والآخر إقليمي. وعلى ما قد تثيره مقولتنا من خلاف، نقول أن قصة مرض نقص المناعة البشرية المكتسب في القرن الحادي والعشرين من المتوقع أن تهيمن عليها العلاقة الجنسية بين النساء والرجال في أفريقيا، وتعاطي المخدرات بالحقن في جميع أنحاء العالم.

في نهاية ۱۹۹۹ كانت تقديرات منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة لشؤون مرض نقص المناعة المكتسب يشيران إلى أن 33.5 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعيشون وهم مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب ومرض نقص المناعة البشرية المكتسب (شكل ۱). وقد توفي بالفعل نصف هذا العدد بمرض نقص المناعة البشرية المكتسب منذ ظهور الوباء لأول مرة في أواخر السبعينيات، ولا يزال الفيروس يواصل مسيرته بلا كلل. في عام ١٩٩٩ كان ۱5۰۰۰ شخص جديد يصابون بالمرض كل يوم في المتوسط، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة لشؤون مرض نقص المناعة المكتسب. (1)

كانت معظم الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في أفريقيا جنوب الصحراء. وكانت التقديرات في عام ۱۹۹۹ تشير إلى أن ٧ من بين كل ۱۰ مصابين جدد بالفيروس من البالغين و من بين كل ۱۰ مصابين جدد به من الأطفال يسكنون إحدى الدول الأربعين تقريباً التي تقع في أفريقيا جنوب الصحراء. وسوف نناقش الوضع الأفريقي بشئ من الاستفاضة بعد استعراض مختصر لأهم المناطق الأخرى المصابة بالفيروس.

الهند، تلك الدولة التي يبلغ عدد سكانها مرة ونصف عدد سكان كل الدول الأفريقية مجتمعة، كانت لها الريادة على مستوى العالم في مستوى الإصابات الجديدة. لا يزال الجدل حول الحجم الحقيقي لانتشار وباء فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في الهند محتدماً.

شكل رقم 1

تقدير عدد البالغين والأطفال الذين يعيشون وهم مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في نهاية سنة ١٩٩٩

أفريقيا جنوب الصحراء

23330000

جنوب آسيا وجنوب شرقها

6000000

أمريكا اللاتينية

1300000

أمريكا الشمالية

920000

شرق آسيا والباسيفيكي

530000

أوروبا الغربية

520000

الكاريبي

360000

أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى

360000

شمال أفريقيا / الشرق الأوسط

220000

استراليا / نيوزيلاندا

12000

يقول النشطاء في الهند أن هناك ١٠ مليون مصاب بالفعل، ويتوقعون أن يصل العدد إلى ٥٠ مليون إصابة في غضون سنوات قليلة. أما الحكومة الوطنية، والتي وضعت استثمارات ضخمة لتحسين نظم متابعة فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب خلال السنتين الأخيرتين، فتقول أن العدد الحقيقي لا يتوقع أن يكون أكثر من أربعة أو خمسة ملايين شخص يعيشون الآن وهم مصابون بالفيروس.(2) وتأمل الحكومة في أن تستطيع أن تخيب آمال التنبؤات بحدوث زيادة انفجارية، وذلك بإنفاقها أكثر من ۱۳۰ مليون دولار أمريكي على أنشطة الوقاية من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب والأمراض المنقولة جنسياً ورعاية المصابين بها خلال السنوات الخمس المقبلة.(۳)

يكمن السبب الرئيسي لنمو الوباء في الهند في أنماط الشبكات الجنسية. فانتشار الفيروس في جنوب آسيا يحدث في جانب كبير منه عبر الممارسة الجنسية غير الآمنة بين الرجال والعاملات بالدعارة. ثم يحمل الكثير من هؤلاء الرجال الفيروس إلى زوجاتهم. وسوف تتوقف احتمالات الانتشار الوبائي، على غرار ما رأيناه في العديد من بلدان شرق أفريقيا وجنوبها، على مدى ممارسة هؤلاء الزوجات للجنس مع رجال آخرين. هناك نسبة كبيرة من الرجال المعروفين بشرائهم للمتعة الجنسية من بائعات الهوى، بيد أن البيانات المتاحة تشير إلى أن ممارسة النساء للجنس قبل الزواج وخارج إطار الزوجية محدودة للغاية في عموم السكان، لو صح ذلك، فسوف يكون احتمال الانتشار الوبائي الحاد لمرض نقص المناعة البشرية المكتسب محدوداً أيضًا.

نظراً للكثافة السكانية العالية، فإن أي ارتفاع طفيف في انتشار الفيروس في الهند سوف يترجم إلى أرقام مطلقة ضخمة بطبيعة الحال، وتحسن الدولة صنعاً عندما تخطط للاستجابة لاحتياجات الرعاية الصحية لسكانها المصابين. وهي تحسن صنعًا أيضًا عندما تزيد من جهود الوقاية، خاصة في ضوء النجاح الذي سجلته تلك الجهود في ولاية تاميل نادو الجنوبية، والتي كانت الأفضل إبداعاً وتنظيماً على مستوى الولايات الهندية في الاستجابة لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب. (4) ويبدو أن الحملة الضخة التي تركزت حول الولع القومي بلعبة الكريكت، والتي جرى فيها تشجيع الرجال على اختيار الممارسة الجنسية الآمنة، قد أتت ثمارها. فقد ارتفعت نسبة الرجال الذين استخدموا الواقي الذكري في آخر ممارسة جنسية عابرة بشكل كبير خلال السنتين التاليتين لانطلاق الحملة بين عامي ۱۹۹٦ و ۱۹۹۸ ارتفعت نسبة استخدام الواقي الذكري في اللقاء الجنسي الأخير بين سائقي الشاحنات من ٤٤ إلى ٦٦%، وبين عمال المصانع من ١٧ إلى ٥٠%. كذلك انخفضت نسبة الرجال الذين ذكروا أنهم مارسوا الجنس مع بائعات الهوى في السنة السابقة من 38% إلى ۲٥% بين سائقي الشاحنات، ومن ٧% إلى 5% بين عمال المصانع. (٥)

تم اكتشاف مرض نقص المناعة البشرية المكتسب لأول مرة في أواخر السبعينيات، وكان له في البداية أهمية بالغة بين المثليين في الولايات المتحدة والبلدان الصناعية الأخرى. وأصبح مرض نقص المناعة البشرية المكتسب لفترة السبب الرئيسي للوفاة بين الرجال في بعض المجموعات العمرية في الولايات المتحدة. وقد أدت زيادة نسبة الحالات التي انتقل فيها المرض نتيجة لقاء جنسي بين النساء والرجال من الهلع من انتشار الفيروس بين السكان على وجه العموم. واستجابت معظم الدول الصناعية بحملات وقاية مكثفة بين الجماعات التي تتسم بممارسات عالية المخاطر مثل المثليين، وكذلك بين ممارسي الجنس مع الجنس الآخر من الشباب على حد سواء. وجرت مناقشات علنية للمخاطر المحتملة للممارسة غير الآمنة للجنس، وجرى تشجيع مكثف لاستخدام الواقي الذكري. النتيجة انخفاض هائل في السلوكيات الجنسية المُخاطرة. فقي سويسرا، على سبيل المثال، أجري استبيان عن السلوك الجنسي سنة ۱۹۸۷، قبل إطلاق الحملة الوطنية للوقاية من مرض العوز المناعي البشري المكتسب، وقال فيه 8% من شملهم الاستبيان أنهم استخدموا الواقي الذكري في علاقات عابرة خلال الأشهر الستة السابقة. بحلول عام ۱۹۹٤ وصلت هذه النسبة إلى ٥٩%. كذلك أظهر استبيان أجري في ۱۹۹۷ أن ثلاثة أرباع من ارتبطوا مؤخراً بشريك جنسي جديد استخدموا معه الواقي الذكري منذ أول لقاء جنسي. (6)

كان عام ۱۹۹5 نقطة تحول في تاريخ فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في الدول الصناعية: حيث ثبت فيه أن توليفة مرتفعة الثمن من مضادات الفيروسات القهقرية يمكن أن توقف تطور الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب إلى مرض العوز المناعي البشري المكتسب، وتطور مرض نقص المناعة البشرية المكتسب إلى حدوث الوفاة. وحيث أن أعداداً كبيرة من الناس بدأت في تعاطي تلك العلاجات، فقد انخفض عدد حالات الإصابة بمرض العوز المناعي البشري المكتسب، وعدد الوفيات بسببه. في الولايات المتحدة انخفضت نسبة الوفاة بسبب مرض نقص المناعة البشرية المكتسب 42% بين عامي ۱۹۹٦ و ۱۹۹۷، ثم بما يوازي نصف تلك النسبة بين عامي ۱۹۹۷ و ۱۹۹۸ (۷). وفي أوروبا الغربية انخفضت الوفيات بسبب مرض نقص المناعة البشرية المكتسب بالنسبة نفسها.(8) على أن تباطؤ انخفاض الوفيات بسبب مرض نقص المناعة البشرية المكتسب يوضح أن المعجزاتالتي وعد بها العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية ربما يكون لها حدود. وفضلاً عن أنه من المعروف أن هناك نسبة لا بأس بها ممن لا تتقبل أجسامهم العلاج، وأن هناك أدلة على مقاومة بعض سلالات فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب للعلاج، فلا يوجد حتى الآن من يمكنه أن يتوقع الآثار الطويلة الأجل لتلك العقاقير على مسيرة الوباء في الدول المتمتعة بغنى يمكنها من شرائها.

العديد من أخصائيي الصحة العامة يساورهم القلق من أن مجرد وجود تلك العقاقير المحافظة على الحياة يغذي التراخي في المجتمعات التي تتسم بسلوكيات جنسية عالية الخطر، وتدفع الناس إلى التكاسل عن اتباع سلوكيات جنسية آمنة. وتميل دراسة حديثة أجريت في كاليفورنيا إلى تأكيد تلك المخاوف. فقد ذكر نصف المثليين أنهم مارسوا الجنس عن طريق الشرج دون استخدام عازل ذكري في ١٩٩٦ / ١٩٩٧، بعد أن كانت نسبتهم الثلث فقط قبل ذلك بثلاث سنوات، أي قبل إتاحة العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية. (9)

على الرغم من أن نشاط مجتمعات المثليين قد لعب دوراً محورياً في وضع فيروس نقص المناعة البشرية على الأجندة الوطنية في العديد من البلدان الصناعية. فحقيقة الأمر أن الخوف من انتشار الفيروس بين غير المثليين من السكان هو ما أبقى على اهتمام الحكومات في واقع الحال. ومع تحقيق حملات الوقاية لأهدافها وبعد أن ثبت أن الأنشطة الجنسية بين الجنسين دون وقاية مع شركاء متعددين ليست بالكثرة التي يخشى معها تفشي وباء فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بوجه عام في معظم البلدان الصناعية: فقد مرض نقص المناعة البشرية المكتسب قوة التخويف. وبدا أن الإصابات الجديدة تركزت بشكل أساسي بين الجماعات المهمشة، خاصة متعاطي المخدرات عن طريق الحقن، وأبناء الأقليات العرقية.

وفيما يتعلق بالولايات التي كانت تقدم بيانات عن حالات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب، ذكرت مراكز الولايات المتحدة للسيطرة على الأمراض أن 40% من الإصابات الجديدة بين النساء كانت فيمن تتعاطين المخدرات بالحقن، أو لديهن شركاء من متعاطي المخدرات بالحقن في الفترة خلال عام (حتى يونيو ۱۹۹۹). وبالنسبة للجنسين معاً، كانت عدد الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين الأمريكيين السود وذوي الأصول اللاتينية ضعف مثيلاتها بين الأمريكيين البيض(7). ومع كون الجماعات المهمشة لا تمثل مصدر دعم سياسي أساسي في العادة للأحزاب الحاكمة الأساسية، انزلق مرض نقص المناعة البشرية المكتسب إلى مستويات أدنى بكثير على الأجندة السياسية في الدول الصناعية.

والمدهش حقاً، أن ظهور العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية كان له عكس ذاك الأثر في بعض دول أمريكا اللاتينية. ففي بلدان تختلف فيما بينها اختلافا بيناً مثل الأرجنتين، والمكسيك، والبرازيل، وأوروجواي، مثلت إتاحة العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية للمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب نقطة تعبئة جهود من جانب نشطاء مكافحة مرض العوز المناعي البشري المكتسب. وخطت بعض الدول خطوات واسعة في توفير تلك العلاجات. وهكذا شهدت الأرجنتين، التي توفر مجموعة من علاجات مضادات الفيروسات القهقرية لكل من تثبت إصابته بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب، انخفاضاً بنسبة ٤٠% في الوفيات بسبب مرض نقص المناعة البشرية المكتسب بين عامي ۱۹۹٦ و ۱۹۹۸.(١٠) وأنفقت البرازيل نحو ۳۰۰ مليون دولار على العلاج سنة ١٩٩٩ لتوفير العلاج لقرابة السبعين ألف مريض. وتقدر البرازيل أنها وفرت بذلك قرابة نصف ذلك المبلغ على شكل نفقات إدارية في المستشفيات ومصاريف علاج أنفقتها على علاج الإصابات المرتبطة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين عامي ۱۹۹۷ و ۱۹۹۸.(11)

من المشجع حقاً أن نجد بعض البلدان النامية في أمريكا اللاتينية تحرز مثل هذا التقدم في توفير العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية لمن يعيشون وهم مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب ومرض العوز المناعي البشري المكتسب. ولكننا نضرب في غياهب الخيال إن نحن حلمنا أن تتمكن الدول الأفريقية من السير على مثل هذا الدرب، خصوصاً وأنها ذات النسب الأعلى في الإصابة بين البالغين والدخول الأقل. فقد كان متوسط دخل الفرد في السنة في الدول الأفريقية جنوب الصحراء ٥٠٣ دولار (ويصل إلى ٣٠٨ دولار أمريكي فقط لو نحينا جانباً اقتصاد جنوب أفريقيا العملاق).(12) يتكلف كورس العلاج بمزيج من مضادات الفيروسات القهقرية للفرد في السنة ۱۰۰۰۰ دولار أمريكي على الأقل. وتصل نسبة الإصابة بين البالغين في بعض البلدان إلى ما بين خُمس وثُلث عدد السكان: وهذا يعنى بوضوح إذن أن توفير العلاج ولو لنسبة ضئيلة من هؤلاء مهمة شبه مستحيلة في العديد من الاقتصادات الأفريقية.

كان أسرع انتشار لوباء فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في العالم عند نهاية القرن العشرين انتشاره بين متعاطي المخدرات عن طريق الحقن، خاصة في بلدان ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي. ويبدو أن ذلك يرجع إلى سببين: أولهما، أن الفيروس كان قد دخل لتوه إلى شبكات متعاطي المخدرات في تلك الدول فقط. وثانيهما أن تعاطي المخدرات بالحقن يبدو أنه في تزايد، وبالتالي فشبكة متعاطيه الذين قد يصابون تشهد توسعاً أيضًا.

تعتبر المشاركة في استخدام الحقن مع شخص مصاب وسيلة مثلى في فاعليتها في انتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب. فبمجرد ظهور الفيروس في شبكة من متعاطي المخدرات بالحقن اعتادوا على التشارك في الأداة، من الممكن أن يصاب غالبيتهم في وقت قصير للغاية. فالدراسات التي أجريت سنة ١٩٨٨ على ولاية مانيبور في شمال الهند، على سبيل المثال، لم تجد أية إصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب تقريباً بين متعاطي المخدرات بالحقن. ولكن في عام ۱۹۹۹ كان ٦٠% ممن شملتهم الدراسة كانوا مصابين بالفيروس، وكانت قد سجلت رقماً قياسياً سنة ۱۹۹۲ حيث كانت النسبة 80%. وقد قامت إحدى الدراسات بحساب عدد الأيام التي يمكن أن يصاب خلالها المتعاطي الجديد الذي يشارك المتعاطين الآخرين بالحقن في الأدوات وفقاً للسلوكيات المعتادة بينهم في مانيبور، فتوصلت إلى أنه سيصاب بالفيروس خلال ٥٠ يوماً فقط.

يظل تعاطي المخدرات بالحقن السبب الأول بدرجة كبيرة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية في الولايات الشمالية الشرقية للهند. وكذلك في الولايات المتحدة، وأوروبا الغربية، والصين، وبعض مناطق الشرق الأوسط. (13) وقد لوحظ تزايد تعاطي المخدرات بالحقن في بعض البلدان، ومنها باكستان وإيران والصين. ففي الصين، على سبيل المثال، كان تعاطي المخدرات بالحقن يتركز في السابق في المناطق الجبلية في جنوب غرب البلاد، والتي انتشر فيها تعاطي الهيرويين بالحقن مؤخراً، ربما كامتداد لعادة تدخين الأفيون القديمة. والآن بدأ تعاطي المخدرات ينتشر بين الكثافات السكانية العالية في المناطق الساحلية في الجنوب الشرقي. وقد ظهرت مؤخراً نسبة كبيرة من متعاطي المخدرات بالحقن بين السكان في مدينة جوانجزهو القريبة من هونج كونج والتي يقطنها أكثر من ستة ملايين نسمة. لم تسجل أية حالات إصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين متعاطي المخدرات بالحقن في جوانجزهو في بداية ۱۹۹۸. ولكن، بعد ذلك بعام واحد، ثبت أن ۱۱% من متعاطي المخدرات بالحقن يحملون فيروس نقص المناعة البشرية. وقد ذكر أكثر من نصف المتعاطين بالحقن أنهم يتشاركون مع غيرهم في الإبر، لذلك يتوقع أن ترتفع تلك النسبة، بسرعة كبيرة في المستقبل. (١٤)

على أن أسباب القلق تبدو كأخطر ما تكون في بلدان ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي. وقد سُجل أول انتشار وبائي لفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين متعاطي المخدرات بالحقن في المنطقة في أوكرانيا. وفي ميناء كاليننجراد الروسي، في أواسط التسعينيات من القرن الماضي. وبنهاية العقد كان فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب قد وجد طريقه إلى متعاطي المخدرات بالحقن في مناطق بعيدة مثل إيركوتسك في سيبيريا، وكان ينتشر بسرعة هائلة في شبكات المتعاطين بالحقن في العديد من المدن الكبرى الأخرى، ومن بينها موسكو. وبين يناير وسبتمبر ۱۹۹۹ تم تسجيل أكثر من ۲۷۰۰ حالة إصابة جديدة بفيروس نقص المناعة البشرية في موسكو، أي ثلاثة أضعاف عدد الحالات التي سجلت في كل السنوات السابقة مجتمعة، وكانت كل تلك الحالات تقريباً من متعاطي المخدرات بالحقن. وفي روسيا بأسرها، تم تسجيل نحو ١٠٠٠٠ حالة إصابة جديدة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في التسعة أشهر الأولى من ۱۹۹۹، وهو ما يعادل تقريباً ما سجل في كل السنوات السابقة مجتمعة.(15) وتقدر السلطات أن العدد الحقيقي للحالات يزيد بأضعاف مضاعفة عن العدد الذي تم تسجيله بالفعل. لا تزال بعض المدن، مثل سان بطرسبرج خالية نسبياً من الفيروس، ولكن الممارسات الخطرة لمتعاطي المخدرات بالحقن تشير الى أن هذا الوضع لن يستمر طويلاً.

يُعتقد كثيراً أن الانتشار الوبائي لفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين متعاطي المخدرات بالحقن سوف يغذي الانتشار الوبائي بين عموم السكان. إذ سينتقل تلقائياً إلى الشركاء في الممارسة الجنسية، وإلى أبعد منهم. فمتعاطي المخدرات بالحقن كثيراً ما ينقلون فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب إلى شركاء الممارسة الجنسية الدائمين في كثير من الأحيان بالفعل. في ولاية مانيبور الهندية التي يشكل الرجال فيها جُلّ متعاطي المخدرات بالحقن، أصيب نحو ٦% من زوجاتهم بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب سنة ۱۹۹۱. وبعد خمس سنوات ثبتت إصابة ٤٥ من الزوجات بالفيروس، على الرغم من أنهن لم تكن تتعاطين المخدرات بالحقن.(16) ولكن حتى يحدث انتشار وبائي عام، كان ينبغي أن تمارس هؤلاء النساء الجنس دون وقاية، مع رجال آخرين لتصيب كل واحدة منهن على الأقل رجلاً واحداً غير الزوج. ولكن لا توجد أدلة على شيوع هذه الخطوة الأخيرة.

ترتفع احتمالات تأثير متعاطي المخدرات بالحقن على انتشار فيروس نقص المناعة البشرية بشكل أكبر بين النساء المدمنات اللائي يعتمدن على الدعارة لتوفير تكاليف شراء المخدرات. على أن الأدلة المتوفرة تشير إلى أن معظم النساء اللائي تشتغلن بالدعارة مع تعاطيهن المخدرات بالحقن تعملن في بلدان ترتفع فيها معدلات استخدام الواقي الذكري في الممارسة التجارية للجنس. على الرغم من أن ذلك يحتاج إلى مزيد من التأكيد فإن من شأنه، إن صح، أن يحد من إمكانية حدوث انتشار وبائي، بأي درجة كبيرة، لفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بالانتقال من متعاطي المخدرات إلى بقية السكان الذين يمارسون الجنس مع الجنس الآخر.

لماذا استمرت الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين متعاطي المخدرات، بل وزادت؟ يعود ذلك في جانب منه إلى نفس سبب استمراره وتزايده بين ممارسي الجنس مع الجنس الآخر في أفريقيا جنوب الصحراء: لأننا لا نريد أن نعترف بالممارسات التي تنشر الفيروس، ناهيك عن أن نتحدث عنها.

من المعروف أن الحصول على أدوات الحقن المعقمة بسهولة بما فيها برامج تبادل الإبر من شأنها أن تقلص كثيراً من انتشار فيروس نقص المناعة البشرية بين متعاطي المخدرات بالحقن. ولتلك البرامج فاعلية خاصة لو تم إدخالها على نطاق واسع في البدايات المبكرة للانتشار الوبائي للفيروس، عندما لا تكون نسبة متعاطي المخدرات بالحقن المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية قد تعدت ٥% بعد. ومع ذلك، فالعديد من الدول والمدن التي ترتفع فيها نسبة تعاطي المخدرات بالحقن ترفض توفير مثل تلك الخدمات. فلا يوجد في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، برامج تبادل حقن ممولة من الحكومة الفيدرالية، على الرغم من أن مراكز رقابة الأمراض التي تديرها الحكومة تضمن فاعلية تلك البرامج.

يرى معارضوا برامج تقليل الضرر أن توفير إبر نظيفة من شأنه أن يشجع الناس على تعاطي المخدرات بالحقن. ويبدو أن الولايات المتحدة، والعديد من الحكومات الأخرى غير مستعدة لتبني حجة أخرى لمجرد حماية رفاه متعاطي المخدرات. ومن المثير هنا أن نذكر أن الحجة نفسها استخدمت لمعارضة ترويج استخدام الواقي الذكري في العديد من البلدان: ترويج استخدام الواقي الذكري يساوي ترويج الممارسة العابرة للجنس. وتبدو واشنطن أقل اقتناعاً في هذه الحالة على الأقل خارج حدودها. فحكومة الولايات المتحدة تعتبر من أكبر الممولين المنفردين البرامج ترويج استخدام الواقي الذكري في أفريقيا.

البشرية المكتسب كان في نهاية عقده الثاني مرضاً أفريقياً في الأساس. الأرقام الواردة في الشكل رقم ٢ معروفة للجميع، ولكنها تستحق التذكير بها. وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة مرض الإيدز هناك نحو ٢٣،٣ مليون | شخص في أفريقيا يعيشون الآن وهم مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية أي70% من إجمالي عدد المصابين به في العالم. وهناك 70% ممن أصيبو به سنة ۱۹۹۹ يعيشون في أفريقيا أيضًا، كما تصل نسب الإصابات الجديدة بين الأطفال إلى ۸۸%. وقد فقدت القارة في العام الماضي أكثر من مليوني شخص من جراء الوباء، وهو ٢٠ ضعف عدد الوفيات في حوادث الطائرات كل يوم، أو ما يعادل أربع وفيات في الدقيقة.

لقد حدثت الغالبية العظمى من حالات العدوى هذه من جراء ممارسة الجنس دون وقاية. ومعظم حالات

تقديرات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب / الإيدز في أفريقيا جنوب الصحراء وعلى مستوى العالم (1)

العدوى الباقية كانت نتائج غير مباشرة للممارسة غير الآمنة للجنس؛ انتقال الفيروس من الأم إلى جنينها في أثناء الحمل أو خلال الرضاعة بعد الولادة.

تقع أكثر البلدان تضرراً في جنوبي أفريقيا؛ حيث تشير التقديرات إلى أن فرداً من بين كل خمسة أفراد بالغين ممن تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والتاسعة والأربعين مصاب الآن بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في كل من بتسوانا، وليسوتو، وناميبيا، وجنوب أفريقيا، وسوازيلاند، وزامبيا، وزيمبابوي. وتصل نسبة الإصابة في بعض تلك البلدان إلى ما يقرب من ربع عدد السكان، وكان انتشار الوباء في تلك البلدان جميعاً سريعاً للغاية. ففي جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، ارتفعت مستويات الإصابة نحو عشرة أضعاف في السنوات الست الماضية فقط. وتتراوح معدلات الإصابة بين البالغين في معظم دول شرق أفريقيا بين 7 و ١٥%. وتضم غرب أفريقيا بعضاً من أسوأ البلدان إصابة بالمرض، وعلى الأخص ساحل العاج، غير أن ستويات انتشار الفيروس بها تقل عن مثيلاتها في بقية مناطق أفريقيا جنوب الصحراء، في حين تتجاوز الإصابة في بضعة بلدان 5% بين البالغين. وربما تكون أكبر بلدان أفريقيا جنوب الصحراء من حيث عدد السكان، وهي نيجيريا التي تضم خمس سكان تلك المنطقة، استثناء في ذلك: حيث تدور تقديرات مستويات الإصابة الحالية بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب حول 5%، غير أن البيانات ليست منتظمة، ويشك العاملون بالصحة العامة في نيجيريا في أن تكون معدلات الإصابة في تزايد. على أن الجهود تبذل حالياً لتحسين نظام مسح الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في نيجيريا، وهو يجدر معه أن تكون التقديرات المستقبلية أكثر استحقاقاً للثقة. (١٧)

على أننا لا نفهم أسباب التبايانات الإقليمية في انتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب إلا جزئياً. ويتمثل أحد ردود الأفعال في هذا الصدد في إلقاء اللوم على الفقر فيما يتعلق بانتشار الفيروس، ولكن بعض أسوأ الدول إصابة بالفيروس بوتسوانا، وناميبيا، وجنوب أفريقيا، وسوازيلاند تتمتع أيضًا بأعلى متوسط لدخل الفرد في أفريقيا جنوب الصحراء (12). من الواضح إذن أن هناك عوامل أخرى تلعب دورها. تشير البيانات الجديدة إلى أن ختان الذكور يقي من الانتشار السريع الفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب على مستوى السكان بوجه عام، بغض النظر عن العوامل الأخرى مثل السلوك الجنسي وغيره من الأمراض المنتقلة عن طريق ممارسة الجنس. فقد أظهرت دراسة أجريت في كينيا، على سبيل المثال، أن احتمالات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين الرجال غير المختتنين ترتفع أربع مرات عن مثيلاتها بين المختتنين من نفس القبيلة، حتى بعد ضبط السلوك الجنسي وغيره من العوامل.(18) على أن ذلك لا يقدم تفسيراً وافياً للاختلافات الإقليمية. فعلى الرغم من أن الختان شائع على نطاق واسع في معظم الدول التي تنخفض فيها الإصابة في غرب أفريقيا، نجده منتشراً أيضًا على نطاق واسع في عدد من الدول التي ترسخ فيها فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب على نحو أكبر مثل إثيوبيا.

قد تساهم البنية الاقتصادية أيضًا في أنماط الإصابة. فالتجمعات الكبيرة للرجال الذين أبعدتهم ظروف العمل في المناجم عن أسرهم، والزراعة التجارية وغيرها من الصناعات تميل إلى توفير سوق جاهزة لبائعات الهوى اللواتي تساهمن بشكل غير متناسب في الانتشار السريع للفيروس بسبب سرعة تغيير الشريك في ممارسة الجنس. وعندما يعود هؤلاء إلى أسرهم في زيارة قد يحملون معهم العدوى إلى المناطق الريفية. وقد أظهرت دراسة أجريت على منطقة ريفية في مقاطعة كوازولو ناتال بجنوب أفريقيا سنة ۱۹۹٥ أن ١٣% من الزوجات اللائي يتغيب أزواجهن عن البيت بسبب العمل لثلثي الوقت أو أكثر أصبن بفيروس نقص المناعة البشرية. أما من تقضين ثلثي الوقت أو أكثر مع الأزواج فلم تسجل بينهن أية إصابة بالفيروس.(19) لقد ساهمت زيادة حرية حركة العمالة بعد انتهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، بلا شك، في سرعة انتشار الفيروس. فالانتشار الواسع للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب يشيع أكثر في الاقتصادات القائمة على الصناعات الاستخراجية، وعلى الزراعة التجارية أكثر من غيرها من المناطق في أفريقيا.

في غرب أفريقيا تندمج المرأة في الحياة الاقتصادية على نحو أفضل، بوجه عام، من غيرها من المناطق. وبما أنهن أقل اعتماداً على الرجل للاستمرار في الحياة تستطيع هؤلاء النساء أن تتفاوضن، على نحو أفضل من قريناتهن في شرق القارة وجنوبها، حول شروط ممارسة الجنس، فتصرون على استخدام الواقي الذكري عند ممارسة الجنس مع رجال لهم شريكات متعددات لقد ساهم الموقف الأكثر واقعية تجاه الجنس في العديد من مجتمعات غرب أفريقيا، بالفعل، في إنشاء برامج ناجحة للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية. ففي السنغال، على سبيل المثال، كان البغاء مهنة مشروعة قبل ظهور الإيدز. وعندما استفحل خطر فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب وعرفت الصلة بين الأمراض الأخرى المنقولة جنسياً وسرعة انتقال العدوى بفيروس نقص المناعة البشرية، تمكنت الدولة بسهولة من تعزيز متابعة الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً والخدمات العلاجية للعاملات في البغاء. وقد مثلت المتابعة الإجبارية للعاملات في البغاء المرخصات فرصة سهلة لترويج استخدام الواقي الذكري وغيره من وسائل الوقاية. وأسفرت مبادرات الوقاية في السنغال عن انخفاض نسبة الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً بين العاملات في البغاء : كما ذكر أكثر من ثلثي الرجال الذين شملتهم إحدى الدراسات ممن أقمن علاقات جنسية عابرة أنهم استخدموا الواقي الذكري في آخر العلاقات العابرة. ونتيجة لهذا النجاح، إلى جانب عوامل أخرى، ظل مستوى انتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين عموم السكان في السنغال منخفضاً، ولم تثبت إلا إصابة أقل من ٢% من الحوامل بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في المناطق الحضرية الكبرى.(20)

انتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين المراهقين دراسات مجتمعية مختلفة (23)،(28)

الرجال الأكبر سنًا يذكون نيران فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب

اعتمدت التقديرات التي أوردناها آنفاً، إلى حد بعيد، على المتابعة المجهولة الأسماء للحوامل في عيادات رعاية الحمل. على أن الدراسات المجتمعية الجديدة التي أجريت على الجماعات المختلفة أطلعتنا على المزيد حول أنماط الإصابة وبنيتها العمرية بين مختلف السكان في أفريقيا. ولم يكن ما علمناه منها ساراً. فهناك نسبة مرتفعة بشكل مذهل لإصابة الفتيات قبل سن العشرين، وقبل الزواج بفيروس نقص المناعة البشرية. وقد أظهرت الدراسات أن هؤلاء الفتيات انتقلت إليهن العدوى بلا شك من رجال يكبروهن في السن كثيراً. وأظهرت دراسة أجريت على مدينتين في شرق أفريقيا ومدينتين في غربها، على سبيل المثال، أن ٢٣% من الفتيات اللاتي تترواح أعمارهن بين الخامسة عشرة والتاسعة عشرة في مدينة كيسومو الكينية مصابات بفيروس نقص المناعة البشرية، مقارنة بـ ٨% فقط بين الشباب. ويظل هذا الفارق بين الرجال والنساء في أوائل العشرينيات من العمر أيضًا، بيد أن الفارق يضيق نسبيًا مع التقدم في السن. وقد ثبتت إصابة ٣٨% من النساء اللواتي تترواح أعمارهن بين ٢٠ ٢٥ سنة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في كيسومو. في مقابل 12% من الرجال في نفس المرحلة العمرية. (21)

هذا النمط لا يقتصر بحال من الأحوال على كينيا وحدها. يوضح الشكل ٣ مستوى انتشار الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين المراهقين والمراهقات في دراسات أجريت على مستوى عموم السكان في عدد من البلدان والتجمعات في أفريقيا. وباستثناء رواندا، (۲۲) كانت مستويات إصابة الفتيات بفيروس نقص المناعة البشرية أعلى بكثير من مستوياتها عند الشباب في هذه المرحلة العمرية بمعامل ثمانية في المتوسط. ما الذى تقوله لنا تلك الأرقام؟ أولاً، أن النساء تمارسن الجنس دون وقاية منذ سن مبكرة جداً. وعلى الرغم من أن تلك الحقيقة لا تفاجئ أي متابع لحالات الحمل بين المراهقات فهي حقيقة عادة ما يتجاهلها عن عمد معارضوا التثقيف الجنسي في المدارس. فالمدارس الكينية، على سبيل المثال، لا تقدم أي تعليم لحياة الأسرةعلى الرغم من الأدلة الدامغة التي تقدمها الدراسة المذكورة آنفاً وغيرها من الدراسات حول الأنشطة العالية الخطر في سن مبكرة. فالواقع أن محاولات إدخال مثل هذا النوع من التثقيف تقوضت المرة تلو الأخرى بعد المعارضة المكثفة التي لقيتها من الجماعات الدينية المحافظة.

ثانياً، أن عدم التناسب في السن بين المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية يشي أن الشابات الصغيرات تمارسن الجنس مع رجال يكبروهن في السن كثيراً. وتلك حقيقة يجب أخذها في الاعتبار عند تصميم برامج الوقاية الموجهة إلى الشباب الصغير السن. فتعليم الشابات التفاوض حول استخدام الواقي الذكري مع أقرانهم قد لا يساعدهن لو كان التهديد الرئيسي لصحتهن الجنسية يأتي من رجال أكبر سناً، يسيطرون على شروط الممارسة في كل لقاء جنسي.

والواقع أن تلك الأرقام ينبغي أن تدفع صناع السياسة وغيرهم من الرجال الكبار في السن إلى التوقف برهة للتفكير في الأمر. لقد أظهرت الدراسات الكيفية أن الرجال عادة ما يقولون أنهم يختارون الفتيات صغيرات السن لممارسة الجنس معهن لأنهن نظيفات، أي لا يحتمل أن تكن مصابات بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب أو الأمراض المنقولة جنسياً. على أن هذا الاعتقاد في غير محله. إن النسبة العالية المسجلة للإصابة بين المراهقات تخفي حقيقة أن نسبة لا بأس بها من هذه المجموعة العمرية (١٥ ١٩) ليس لهن أي نشاط جنسي.

ففي كيسومو، على سبيل المثال، تصل نسبة الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية بين الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 – ۱۹ سنة إلى ٢٣% ولكن ٢٩.٩% من فتيات هذه المرحلة العمرية ليس لهن أية تجارب جنسية. وهو ما يعني أن نسبة انتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين المراهقات النشطات جنسياً تقترب من ٣٣%. كذلك كانت نسبة انتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين المراهقات في ندولا بزامبيا 15.4%، وهو ما يعني أن نسبة الانتشار بين النشطات جنسياً تقترب من 26%.(21) وبالتالي، فاحتمالات إصابة النشطات جنسياً بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب أعلى، في واقع الحال مما توحى معدلات الانتشار، ويعني ذلك أيضًا، أن هؤلا الفتيات الصغيرات في السن بما أنهن قد بدأن حيواتهن الجنسية منذ فترة وجيزة فقد أصبن على الأرجح بالفيروس في فترة قريبة نسبياً. ونظراً لأنه يتكاثر بسرعة كبيرة في بداية الإصابة، ولا يخضع للسيطرة المؤقتة إلا تدريجياً بإفراز الجسم المضادات الفيروس. فإن المصابين الجدد به يكونون في واقع الحال شديدي العدوى. لذلك، فممارسة الجنس دون وقاية مع شابات صغيرات قد يمثل بالفعل مخاطرة أعلى بانتقال فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب إلى الرجل الأكبر سناً مما لو اختار شريكة في نفس سنه.

وتشير البيانات المستقاة من الدراسات المجتمعية إلى نتيجة أخرى مدهشة، يرجح أن تكون مثار خلاف. تشي البيانات الخاصة بالسلوك الجنسي وشبكات العلاقات الجنسية أن الشباب يبدأون نشاطهم الجنسي في نفس السن الذي تبدأ فيه الفتيات تقريباً، ولكن يكون لديهم شريكات أكثر، في المتوسط، من الشركاء الذين يكونون للفتيات في السن نفسها. ومع ذلك، فلا يصابون بالعدوى إلا في مرحلة متأخرة جداً من حياتهم الجنسية. من المعروف أن فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب ينتقل من الرجل إلى المرأة بشكل أسهل بكثير من انتقاله من المرأة إلى الرجل، لأسباب فسيولوجية. عدم التناسب في السن عند الإصابة بالإضافة إلى البيانات المتعلقة بالسلوك الجنسي التي تم جمعها من نفس الجماعة السكانية تشي أن الكثير من الشباب لابد أنهم مارسوا الجنس مع نساء مصابات بالفيروس دون أن تنتقل إليهم العدوى. وربما يرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب. أولاً، على الرغم من أن الشباب قد يذكرون أن لديهم شريكات أكثر من عدد الشركاء الذين تذكرهم الفتيات. فإن تكرار الممارسة مع أي من هؤلاء الشريكات قد يكون محدوداً. ثانياً، قد يصل الشباب إلى مرحلة القذف في فترة وجيزة نسبياً، وبالتالي تكون فترة تعرضهم للإصابة من شريكة مصابة قصيرة. ثالثاً، يميل الشباب أكثر من كبار السن من الرجال إلى استخدام الواقي الذكري مع الشريكة في العلاقات العابرة.

يبدأ الخلاف هنا؛ قد تتبخر كل تلك العوامل عند الزواج عادة ما يمارس الرجل المتزوج الجنس مع زوجته بوتيرة أعلى من تلك التي كان يمارسه بها مع أي شريكة عابرة قبل الزواج، وتقل احتمالات استخدامه للعازل الذكري مع الزوجة ليست هناك أي بيانات عن مدة الفعل الجنسي مع مختلف أنواع الشركاء. ولكن مع مثل هذه المعدلات المرتفعة من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية بين غير المتزوجات من الشابات الصغيرات في السن في العديد من الجماعات السكانية، مقارنة بالمعدلات المنخفضة بين الرجال من نفس السن، يصح لنا أن نذهب إلى أن أحد أكبر عوامل الخطر في إصابة الرجل بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في المناطق التي ترتفع فيها نسبة الإصابة به هو الزواج من امرأة أصيبت به من ممارسة جنسية قبل الزواج.

هناك نتيجة أخرى للنمط العمري في الإصابة، وهو أن عدد النساء اللائي تعشن وهن مصابات بفيروس نص المناعة البشرية المكتسب في أفريقيا أكبر من عدد الرجال المصابين به. لقد ذهبت دراسة أجريت في أوغندا ونشرت سنة ۱۹۹۹ إلى أنه كلما كان سن البالغ صغيراً عند الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية كلما طالت الفترة التي يمضيها قبل أن يصاب بمرض نقص المناعة البشرية المكتسب ويموت.(29) وهو ما يؤكد النمط الذي لوحظ عند الرجال والنساء على حد سواء في الدول الصناعية. نظراً لأن النساء تصبن بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب دائماً في سن أصغر من الرجال في المتوسط، فعادةً ما تعيش النساء بالإصابة لفترة أطول من الرجال. وبالتالي، فمعدلات الإصابة الجديدة المتشابهة بين كل من الجنسين، سوف ينتج عنها عدد من النساء اللائي تعشن بفيروس نقص المناعة البشرية أكبر من عدد الرجال الذين يعيشون به عند أي نقطة زمنية. وقد ذهبت تقديرات منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة مرض الإيدز إلى أن هناك ١٢.٢ مليون امرأة و ١٠،١ مليون رجل يعيشون وهم مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في أفريقيا في نهاية عام ۱۹۹۹.(۱۳)

مع ارتفاع نسبة انتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين السكان بوجه عام، ترتفع أيضًا احتمالات أن يلتقي المرء بشريك مصاب بالقرب من بداية حياته الجنسية. لذلك، فمن المهم للغاية الوصول بوسائل الوقاية المناسبة إلى الناس قبل بدء ممارستهم للجنس لأول مرة.

على أن ذلك لا يحدث بالكثرة المطلوبة. فمع استثناءات قليلة، مثل كينيا، حاولت معظم الدول التي ينتشر فيها فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب على نطاق واسع أن تُضمن المناهج الدراسية معلومات عن المرض. غير أن الموضوع عادة ما يطرح في فترة متأخرة لا يجدي معها نفعاً، وعادة ما يكون التركيز على معلومات لا تفيد الشباب صغار السن ولا يدعمها أي تقديم للخدمة يذكر.

عادةً ما تركز الرسالة التي تنقل إلى الشباب على الامتناع عن ممارسة الجنس والالتزام بشريك واحد“. والواقع أن الامتناع عن الممارسة هو أمضى وسيلة لتحاشي الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية. ويبدو كما لو كان هنا ارتباط عام بين متوسط سن بداية ممارسة الجنس في جماعة سكانية ما والشكل النهائي للوباء فيها. تقترن معدلات النشاط الجنسي المرتفعة لدى الفتيات في سنوات مراهقتهم الأولى، كما يوضح الشكل ٤، بارتفاع مستوى الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بين السكان بوجه عام. لذلك، فأي تدخلات تروج للامتناع عن ممارسة الجنس وتنجح في تأخير بداية النشاط الجنسي يتوقع أن توقف انتشار فيروس نقص المناعة البشرية.

ولكن مع كون معظم الرجال والنساء، على حد سواء، نشطين جنسياً في أواخر مرحلة ما قبل العشرين في معظم الدول الإفريقية، فمن الواضح أن رسالة الامتناع عن ممارسة الجنس تفشل مع الكثيرين.

وطالما استمر نجاح رسالة التزم بشريك واحد مخلص وغير مصاب طوال حياتك الجنسيةفلا يهم كثيراً فشل رسالة الامتناع. بيد أن بيانات كثيرة تشي أن تلك الرسالة يجري تفسيرها بشكل انتقائي من قبل معظم الناس. فقد يلتزم الواحد منهم بشريكة واحدة حتى يتحول إلى غيرها، أو بواحدة فقط إلى الأبد. ولكن لا سبيل هناك للتأكد من أن الشريكة مخلصة. كذلك قد لا يعرف الواحد حالة شريكه بالنسبة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية. ليس لأي من تلك الوسائل أن يحمي من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب، وكلما ارتفع معدل انتشار الفيروس بين السكان كلما زادت خطورة تلك البدائل والواقع أن الانتشار الخفي لفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب في العديد من البلدان مرتفع للغاية، في حين أن حالة الوعي به منخفضة إلى درجة أن لا شئ، سوى عدم المسؤولية، يدفعنا إلى الاعتقاد أن الاكتفاء بشريك واحد (وبدرجة أقل بكثير الاكتفاء بشريك واحد قابل للتغيير) يمكن أن يحمي الفرد من التعرض إلى هذا المرض القاتل.

هذا أمر ينطبق على الشباب بوجه خاص، حيث تتغير فكرتهم عن العلاقة التي ستستمر إلى الأبدكل بضعة أشهر. وما بين ٤٠ – ٦٠% من النساء غير المتزوجات ممن هن دون العشرين في المواقع الأربعة التي شملتها الدراسة سالفة الذكر مارسن الجنس. كما ذكرت الشابات المتزوجات أنهن كن نشطات جنسياً خلال فترة ما بين سنتين وسبع سنوات قبل الزواج. كذلك كان الرجال غير المتزوجين ممن هم دون العشرين أكثر نشاطاً جنسياً في معظم الأحيان، لأن الرجل يتزوج في سن متأخرة عن سن زواج المرأة. وقد ذكر الرجال المتزوجون أنهم كانوا نشطين جنسياً لفترة تتراوح بين ثمانية وأحد عشر عاماً في المتوسط قبل أن يعثر كل منهم على زوجته. وغني عن القول أن معظمهم كان له أكثر من شريكة في تلك الفترة، وذكر الرجال المتزوجون أنهم كان لهم ما بين ثلاث وثماني شريكات في المتوسط قبل الزواج، بينما ذكرت النساء أن كلا منهن كان لها ما بين شريكين إلى ثلاثة في المتوسط قبل الزواج. (۲۱)

يبدو أن رسالة التزم بشريك واحدخذلت المتزوجين أيضًا. ففي الدراسة نفسها، وجد أن ثلثي الرجال وربع النساء كانت لهم تجارب جنسية مع اثنين أو أكثر غير الزوجة أو الزوج منذ أن تم الزواج.

باختصار، الكثير من الناس في الكثير من البلدان التي ينتشر فيها فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب لا يمسكون عن ممارسة الجنس ولا يلتزمون بشريك واحد مخلص غير مصاب طوال العمر. وأشهر الحجج التي ترفع في مواجهة رسالة لو كان عليك أن تمارس الجنس فلتستخدم الواقي الذكريالبديلة هي أنها رسالة تشجع على تعدد العلاقات الجنسية العابرة. ولكن لنكن صرحاء: فلو كان لنا أن نصدق البيانات المتوفرة، فإن تعدد العلاقات الجنسية العابرةممارسة مستقرة في معظم المناطق الأكثر تضرراً، وهو ما تسبب في ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً. والذي من شأنه أن يسرع انتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب، وبالتالي أن تصبح الإصابة بالفيروس وبائية.

إن الممانعة في استخدام الواقي الذكري تشهد تناقصاً تدريجياً في العديد من البلدان. وقد صاحب الارتفاع الحاد في استخدام الواقي الذكري في آخر علاقة جنسية عابرة انخفاضاً كبيراً في معدل الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية بين أصغر مجموعة عمرية في أوغندا. لا تتوفر لدينا بيانات عرضية أخرى تسمح لنا بقياس هذا الارتفاع في العديد من البلدان، بيد أن مبيعات الواقي الذكري ارتفعت بشكل هائل في عدد من البلدان كما أن الشركات التي تمنح العاملين بها عوازل ذكرية مجانية في أيام العمل، ذكرت أن هناك ارتفاعًا كبيراً في الطلب عليها في بوتسوانا، وجنوب أفريقيا، وزامبيا، وبلدان أخرى كثيرة (30)

وعلى الرغم من أن ارتفاع الطلب على الواقي الذكري هذا مشجع إلى حد بعيد، فإن هناك الكثير الذي يتعين علينا القيام به. فلا زلنا نرى في وسائل الإعلام في العديد من البلدان ذاك الانتقاد اللاذع المتكرر لاستخدام الواقي الذكري من قبل زعماء الكنيسة. ومن الصعب تحديد أثر هذا النقد بدقة، فقد أوضحت دراسة حديثة أجريت في وسط كينيا أن 60% أن البالغين وآبائهم وأمهاتهم يعتقدون أن الواقي الذكري لا يقي من العدوى بفيروس نقص المناعة البشرية. (31)

باستثناء زعماء أوغندا والسنغال، يغمض معظم الزعماء في شرق أفريقيا وجنوبها أعينهم عن فيروس نقص المناعة البشرية حتي يستفحل ويحكم قبضته على أبناء دولهم. وعلى الرغم من أن بعضهم قد بدأ يتحدث مؤخراً عن التهديد الذي يمثله هذا الوباء للتنمية، فلم يكن أي منهم أهلاً لحضور مؤتمر عالي المستوى عن مرض العوز المناعي البشري المكتسب، مثل ذاك الذي عقد في لوساكا في سبتمبر ۱۹۹۹. لقد تحدث رئيس جنوب أفريقيا، تابو مبيكي، مؤخراً بشكل مباشر عن السلوكيات الجنسية والحاجة إلى استخدام الواقي الذكري. بيد أن العديد من أقرانه لا يزالون، إن تعرضوا أصلاً للقضية، يتحدثون عن مرض نقص المناعة البشرية المكتسب من زاوية الانفلات الأخلاقي ووجوب التعامل معه بالعودة إلى القيم التقليدية لماض يعوزه التحديد الدقيق. ولا نرى في الميزانيات الحكومية إلا أدلة خافتة على الالتزام بتوفير الموارد للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب أو رعاية الأفراد المصابين به وأسرهم.

النشاط الجنسي المبكر ومستوى انتشار فيروس نقص المناعة البشرية بين الفتيات (۲۱)

المعتقدات والإنكار بين أيتام مرض نقص المناعة البشرية المكتسب في كينيا (ن= 72)(33)

يعكس صمت المستويات العليا من الحكومة الصمت الذي نجده في كل مستويات المجتمع. إن قصة جوجو دهلاميني التي ضُربت حتى الموت في جنوب أفريقيا لأنها اعترفت بأنها مصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب(32) هي أحد مظاهر سلوك ليس في بيتيتجاه مرض الإيدز، وهو سلوك ننقله على ما يبدو إلى أبنائنا. يوضح الشكل ٥ بيانات لدراسة حديثة حول أيتام مرض الإيدز في غرب كينيا. كُلّ يعرف الإيدز، ويُقر الكثيرون بأنه مشكلة في مجتمعهم. ولكن كلما اقترب أحد منهم من بيته كلما قلت احتمالات اعترافه أن مرض الإيدز مهم. لا أحد من بين ۷۲ طفلاً فقدوا أحد الأبوين أو كليهما مؤخراً كان مستعدًا للاعتراف أن أحد أقاربه الأقربين مات بسبب هذا المرض. لا يمكن التعامل بفاعلية مع مرض الإيدز مثله مثل أى مشكلة أخرى لو لم نستطع التحدث عنه. لذلك، فسوف تكون جهود تقليص الشعور بالعار المقترن بالإصابة بالإيدز حاسمة في تقليص انتشار الفيروس وربما أكثر حسماً في تحسين حياة أكثر من ٢٣ مليون رجل وامرأة وطفل يعيشون الآن في أفريقيا وهم مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية.

الحاجة إلى قيادة

لقد قيل الكثير عن نجاح الاستجابات المجتمعية لفيروس نقص المناعة البشرية. وقد أثبتت الجماعات التي تعمل يداً واحدة قدرتها على خلق موقف ضد السلوكيات الخطرة، وقدرتها على تنظيم رعاية فعالة للمصابين بالفيروس وأسرهم، وعلينا أن نحيى تلك المبادرات بل ويجب استنساخها بالتأكيد حيثما أمكن ذلك.

ولكن لننظر قليلاً إلى الدول التي نجحت، من خلال العمل الهادف، في الإبقاء على مستويات منخفضة لانتشار الوباء وتقليص مستوى الإصابة في الأجيال الجديدة. الأمثلة قليلة ولكنها تدعو للفخر: في أفريقيا لدينا المناطق الحضرية في أوغندا والسنغال. وفي بقية أنحاء العالم تبرز نجاحات تايلاند في الوقاية. (17) في الدول الثلاث جميعاً، كانت المبادرات والتنظيم على المستوى المجتمعي (سواء الجماعة الدينية، أو جماعة الأعمال، أو مجموعات نساء القرية) محورية في تقليص الشعور بالعار، ودعم جهود الوقاية، وتوفير احتياجات المصابين. على أن الدفعة الأولى، في البلدان الثلاثة جاءت من كبار الساسة.

والواقع أن القول أن الساسة هم الذين يجب أن يقودوا جهود مكافحة مرض نقص المناعة البشرية المكتسب ليس بالقول المستغرب. فمرض نقص المناعة البشرية المكتسب قبل أن يصبح مشكلة تنمية كان مشكلة صحة عامة.يعي الحكماء من العاملين في الصحة العامة أن سلوك الأفراد يتغير على نحو أسهل عندما تتيح البيئات الاجتماعية والاقتصادية ذلك أولاً. ثم تشجع هذا التغير في السلوك. والانقضاض على الدعائم الهيكيلية للسلوك عالي المخاطرة يتطلب تدخلاً على مستوى عموم السكان وليس على المستوى الفردي، والحكومات فقط هي القادرة على القيام بمثل تلك التدخلات على نطاق يحدث فرقاً في الصحة العامة.

في الدول الثلاث الواردة أسماؤها على قائمة شرف الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب، وفرت الحكومات مبالغ طائلة للإنفاق على الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب وبرامج الرعاية الخاصة بمصابي هذا الفيروس. ووفقاً لدراسة أجرتها وكالة الأمم المتحدة لشؤون مرض نقص المناعة المكتسب ومدرسة هارفارد للصحة العامة، أنفقت أوغندا 37.6 مليون دولار أمريكي على أنشطة مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب/ مرض نقص المناعة البشرية المكتسب سنة ١٩٩٦. أي ٤٧ دولاراً أمريكياً لكل بالغ مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب، بينما أنفقت السنغال صاحبة مستوى الانتشار الأقل بكثير، ۲۲۱ دولاراً لكل بالغ مصاب بالفيروس. أما تايلاند فجاءت بينهما، حيث أنفقت نحو ۱۰۰ دولار أمريكي لكل بالغ مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب. وبينما اشتملت تلك المبالغ في الدولتين الأفريقيتين على الاقتراض وعلى أموال المانحين فيما وراء البحار إلى جانب التمويل الوطني، كان ٩٤% من إنفاق تايلاند على مرض نقص المناعة البشرية المكتسب من أموال دافع الضرائب التايلاندي. (34)

يتعين على جهود مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب أن تتنافس، بطبيعة الحال، مع العديد من الأولويات الأخرى، وليس من الواقعية في شئ أن نتوقع أن كل الأموال التي تنفق حالياً على الدفاع أو المجالات الأخرى غير التنموية سوف توجه فجأة إلى الوقاية من مرض نقص المناعة البشرية المكتسب ورعاية مرضاه. على أن الإنفاق الكافي في مجالات أخرى، خاصة التعليم والصحة والرفاه الاجتماعي. من شأنه في حد ذاته أن يحدث تأثيراً مهماً على انتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب وآثاره. فكما أظهرت دراسة أجريت مؤخراً في زامبيا، تقل احتمالات إصابة الفتيات المتعلمات بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب عن مثيلاتهن من غير المتعلمات. وذلك، على الأقل جزئياً، لأن لديهن إتاحة أفضل للمعلومات المتعلقة بالمرض، وتستطعن أن تستفدن من تلك المعلومات على نحو أفضل. (٣٥)

يدعو قادة الوكالات الدولية، مثل وكالة الأمم المتحدة لشؤون مرض نقص المناعة المكتسب، واليونيسيف، والبنك الدولي، دائماً إلى التزام سياسي أكبر بالتعامل مع مشكلة مرض العوز المناعي البشري المكتسب. فمن الواضح أن التزاماً سياسياً قوياً يأتي من رئيس دولة أو رئيس وزراء أو زعيم وطني آخر يمكن أن يمثل حجر زاوية في الجهود الوطنية لتحاشي المزيد من انتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب / مرض نقص المناعة البشرية المكتسب وآثارهما. ولكن ليس من الواقعية في شئ أن نتوقع التزاماً سياسياً بمشكلة في حساسية مرض نقص المناعة البشرية المكتسب من حكومة لا تتسم بالصدق التام في التزامها باحتياجات الصحة الأساسية ورفاه شعبها، بغض النظر عن ثراء شرائح معينة أو انتمائها الإثني أو الديني، أو عاداتها في التصويت، إن التحدي الأول للشركاء الدوليين في الكفاح ضد مرض العوز المناعي البشري المكتسب، كما هي الحال في الكفاح من أجل التنمية بوجه عام، هو دعم الحكم الرشيد.

أعيد طبع هذه الورقة بإذن كريم من هيئة بث المعلومات حول مرض نقص المناعة البشرية المكتسب بجنوب أفريقيا (ساف إيدز) من SAfAIDS News وقد تم تحديث البيانات كلما كان ذلك متاحاً وتم ذكر المصدر.

أود أن أعرب عن عرفاني بمساهمات الزملاء في وكالة الأمم المتحدة لشؤون مرض نقص المناعة المكتسب وغيرها من المواقع في توفير البيانات الواردة في هذا التقرير. بيد أن الآراء المطروحة هنا تعبر عن رأيي الشخصي وحدي ولا تمثل بحال من الأحوال وجهات نظر أي من المؤسسات أو الأفراد الذين عملت معهم.

للمراسلة

Elizabeth Pisani. PO Box 34043، Nairobi, Kenya. E-mail: pisani @netZOOOke.com

1-Gilada S, Indian Health Organisation, Quoted in Guha K. 1999, The slow poisoner. rinane

Times (London). 20 October.

2-India National AIDS Control Organisation, 1g99 Country Scenario 1997-98. New bein,.

3-India National AIDS Control Organisation 1999 National AlDS Control Project, Prhase i

Project Implementation Plan. New Delhi

4-Tamil Nadu State AIDS Society, 1998. Meeting the Challenge. Annual Report 1997-1998

Chennai.

5-Voluntary Health Services AIDS Prevention and Control Proiect, 1999, HIV Risk Behaviour

in Tamil Nadu: Sentinel Surveillance Survey 1998. Chennai.

6-Dubois-Arber F, Jeannin A, Spencer B. 1999. Long term global evaluation of a national PAIDS

prevention strategy: the case of Switzerland. AIDS. 13(18),2571-82

7-Centres for Disease Control and Prevention, 1999. HIVIAIDS Surveillance Report 0

Atlanta.

8-European Centre for the Epidemiological Monitoring of AlDS, Paris

9-Ekstrand ML, Stall RD, Paul JP et al, 1999, Gay men report high rates of unprotected anal

sex with partners unknown or discordant HIV status. AIDS. 13(12):1525-33

10-Argentina National AIDS Programme, 1999. Boletin Epidemiol&ico, 2999. Buenos Aires.

11-Data courtesy of Pedro Chequer, Brazil National STD and AIDS Control Programme, Brasilia.

12-United Nations Development Programme, 1999. Human Development Report, 1999. UNDP.

New York.

13-UNAIDSWHO, 1999. AIDS Epidemic Update, December 1999, UNAIDSWHO, Geneva.

14-China UN Theme Group on HIV/AIDS, 1999. HIV Update for China, 1999. Beijing.

15-Data courtesy of the Russian AlDS Centre, Moscow.

16-Hangzo C, Chatterjee A, Sarkar S et al, 1997. Preaching out beyond the hills: HIV prevention

among injecting drug users in Manipur, India. Addiction. 92(7):813-20.

17-UNAIDS, 1997. Reporton the Global AlDS Epidemic 1997. UNAIDS, Geneva and national

estimates.

18-Kahindo M, Nyang J, Chege J, 1998:Multicentre study on factors determining the differential

spread of HIV in Africa-preliminary results of the Kisumu site study (biomedical data). 2n

National HIV/AIDS/STDs conference, Nairobi, Kenya, 28-30 October

19-Lurie M; Wilkinson D; Harrison A et al, 1997. Migrancy and HIV/STDs in South Africa – a

rural perspective. South African Medical Journal, 87(7) 908-09. This reference is to a letter

which is a comment on: South African Medical Journal. 1996; 86(10): 1249-51.

20-Meda N, Ndoye I, M’Boup S et al, 1999, Low and stable HIV infection rates in Senegal

natural course of the epidemic or evidence for success of prevention? ADS. 13:1397- 1405

21-Buvk A, Auvert B, Caragl M et al, 1999. Factors determining differences in rate of spread

of HIV in sub-Saharan Africa: results from a population based survey in four African cities

(Submitted)

22-A nationally representative serosurvey of HIV infection undertaken in 1997 showed that the

pattern of HIV infection in the country is in many ways atypical. The peculiarities almost

certainly relate to the genocide and population redistribution that began in 1994.

23-Data for Kisumu, Ndola, Yaounde and Cotonou in ref 1211.

24-Data for Carletonville in: CampbellC, MacPhail C, Williams B, 2000. Relative risk of HIV

infection amongst men and women in a South African township. (Submitted)

25-Data for Lusaka in: Fylkesnes K, Ndhlovu 2, Kasumba Ket al, 1998. Studying dynarnics of

the HIV epidemic: population-based data compared with sentinel surveillance in Zambia

AIDS. 12:1227-34

26-Data for Mutasa in: Gregson S, Garnett G, 1999. Contrastinggender differentials in HIV-l

prevalence and associated mortality increase in Eastern and Southern Africa: Artefact of

data or natural course of epidemics? Paper prepared for presentation at lNED seminar,

Paris, 1 April.

27-Data for Rwanda in: Rwanda National AlIDS Control Programme, 1998.1997 Population-

based serosurvey. Kigali.

28-Data for Kisesa in: 2oerma JT, Urassa M, Senkoroa K et al, 1999. Spread of HIV infection

in a rural area of Tanzania. AIDS. 13:1233-40.

29-Morgan D, Malamba S, Maude G et al, 1997 An HIV-l natural history cohort and survival

times in rural Uganda. AlDS. 11:633-40.

30-Population Services International and company managers, personal communications.

31-Erulkar A, Karureru J, Kaggwa G et al, 1998. Adolescent Experiences and Life sty les in

Central Province, Kenya. Population Council, New York.

32-All Africa News Agency, 1999. VWoman beaten to death because of AIDS. 19 January.

33-Johnston T, Ferguson A, 1999. Adolescent AIDS Orphans: A Profile. A Rusinglsland study.

Population Communication 75 Pisani Africa, Nairobi.

34-UNAIDS, Harvard School of Public Health, 1999. Level and flow of national and international

resources for the response to HIV/AIDS: 1996- 1997. UNAIDS, Geneva.

35-Fylkesnes K, Musonda R, Lusaka. Sichone M et al, 1999. Favourable changes in the HIV

epidemic in Zambia in the 1990s. Presentation at the XIth.International Conference on AlDS

and STDs ir Africa, Lusaka.

36-Fox D, 1999. Latest accounts show Kenya $870 million in the. red. Reuters, 14 June.

37Transparency International, 1 999. Corruption Perceptions, Index. Washington DC.

شارك:

اصدارات متعلقة

شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6
شهادة 5
شهادة 4