الإجهاض والسياسة في المكسيك: “السياق هو الأساس “
فجرت المبادرة التشريعية لإلغاء الحق القانونى للناجيات من الاغتصاب فى الإجهاض بولاية “جواناخواتو” لسخط الوطني، وقد ظهر بقوة أنشاء ذلك أن مناصرة الاختيار أصبحت سمة واضحة للتفكير الجماعي. وقد تم التعبير في نقاشات الرأي العام عن القيم المؤيدة للاختيار بقوة هائلة أشعلت شرارة الطريق نحو تحرير الإصلاحات القانونية في مدينة المكسيك وولاية موريلوس. وفي هذه الورقة البحثية، فإننا نتتبع تطور تجليات الآراء المؤيدة للاختيار, بدءًا من رفض الحزب الثورى الديمقراطى فى عام ١٩٩٩ لتعديل تشريع الإجهاض في إطار إصلاح قانون العقوبات والتحرك من خلال الأحداث المحيطة بالإصلاح في “جواناخواتو” وردود الأفعال المؤيدة للاختيار في مدينة المكسيك ولدى المشرعين في “موريلوس“. ويتيح لنا هذا التحليل أن ندرك ظهور وعى مؤيد للاختيار, وأن نفهم أنه عندما يتعلق الأمر بالإجهاض فإن السياق يصبح “هو الأساس“. (1)
* Abortion and Politics In Mexico: Context is All.
Marta Lamas, Sharon Bissell. Reproductive Health Matters. Vol. 8 No 16 November 2000; 10 – 23
الكلمات المفتاحية:
قانون الإجهاض وسياساته، أنشطة المناصرة والعملية السياسية, الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، المكسيك
لقد وصل حزب يسار الوسط بالمكسيك – الحزب الثورى الديمقراطى – إلى السلطة في مدينة المكسيك (٢) في ديسمبر ۱۹۹۷ . وتضمن برنامج عمله، بالإضافة إلى برنامج عمل حزب العمال والذى أصبح حليفًا لحزب الثورة الديمقراطى فى انتخابات عام ٢٠٠٠ ، عدم تجريم الإجهاض بهدف دعم “الأمومة الاختيارية” – وهو المفهوم الذي كانت تستخدمه الحركة النسوية في المكسيك منذ السبعينيات . (٣) ويضم مفهوم الأمومة الاختيارية أربعة مطالب نسوية أساسية: تعليم شامل على جميع المستويات حول الحياة الجنسية، وسائل تنظيم الأسرة موثوق بها وليست باهظة التكلفة، وعدم التعقيم إلا بموافقة المرأة, والإجهاض القانونى باعتباره الملاذ الأخير. واستجابة لموقف الحزب الثورى الديمقراطى حول الحقوق الإنجابية والجنسية, قامت المجموعات المشاركة في “شبكة صحة النساء بمدينة المكسيك – والتى كانت تمثل أحد أنشط تيارات الحركة النسوية المكسيكية – بعقد اجتماع في مايو ۱۹۹۷ مع كارديناس ، المرشح لموقع المحافظ من جانب الحزب الثورى الديمقراطي، في أثناء حملته الإنتخابية. وفى ذلك الاجتماع، قام كارديناس بالتوقيع على خطاب يحتوى على عدد من الالتزامات التي سيفى بها إذا ما تم انتخابه محافظًا ، بما في ذلك إجراء مشاورات جماهيرية حول إصلاح قانون الإجهاض.
فاز كارديناس بموقع محافظ المنطقة الفيدرالية بمعدل ٤۲% من الأصوات، مما أعطى الحزب الثورى الديمقراطى أغلبية مطلقة فى الجمعية التشريعية للمنطقة الفيدرالية، وبعث على الأمل بين النسويات المكسيكيات بشأن إمكانية إصلاح التشريع الحالي للإجهاض. كان على المشرعين بالجمعية التشريعية للمنطقة الفيدرالية، والذين تولوا مناصبهم في ديسمبر ۱۹۹۷، إعداد قانون جديد للعقوبات بالمنطقة الفيدرالية خلال فترة وجودهم بالمنصب، أى ثلاث سنوات تنتهى في سبتمبر ۲۰۰۰ . كان قانون العقوبات المطبق في ذلك الوقت, قد صدر عام ۱۹۳۱: وعلى الرغم من تعديله عديد من المرات عبر السنوات، فقد ظلت البنود المتعلقة بالإجهاض دون مساس. وهكذا, توجد في مدينة المكسيك تشريعات مقيدة للإجهاض أكثر من ٣١ ولاية مكسيكية أخرى. ويوضح الجدول (۱) عدد الولايات, بالإضافة إلى مدينة المكسيك ، التي كان قانونها لا يعاقب علي الإجهاض – في ظل ظروف بعينها – حتى أغسطس ٢٠٠٠ قبل الإصلاح في مدينة المكسيك.
لم يكن القانون فى مدينة المكسيك قبل أغسطس ۲۰۰۰ يجرم الإجهاض فى حالات الاغتصاب، ووجود خطر على حياة المرأة، والإجهاض التلقائى. ولكن سكان مدينة المكسيك كانوا أقل حظًا مقارنة بسكان الولايات التي لا يعاقب قانونها على الإجهاض في حالات تشوه الجنين، والخطر على صحة المرأة، أو لأسباب اجتماعية – اقتصادية (٥) وقد تقدمت إحدى المنظمات غير الحكومية – “مجموعة جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية“ (٦) – باقتراح لتحديث قانون العقوبات لمدينة المكسيك, بهدف إدراج هذه الاستثناءات الثلاثة نفسها. ورأت المجموعة أن مثل ذلك الاقتراح لا يمكن رفضه لسببين : أنه تضمن استثناءات سارية بالفعل فى ولايات أخرى, وأنه كان متسقًا مع البرنامج السياسي للحزب الثورى الديموقراطي. وعلى حين لم يتضمن وعد حملة كارديناس المطلب النسوى المطروح منذ زمن بعيد – والمتمثل فى عدم تجريم الإجهاض بالكامل – فقد كانت المجموعة تأمل في أن يستخدم الحزب الثورى الديمقراطي دعمه للأمومة الاختيارية عند تحديث قانون العقوبات، وأن يعمل – ارتكازاً على أغلبيته الكبيرة – على تشريع إصلاح يسمح بالإجهاض في هذه الظروف الثلاثة.
جدول ۱
الظروف التي لا يُعد فيها الإجهاض غير قانونى فى الولايات المكسيكية – حتى أغسطس ٢٠٠٠
الظروف التي لا يُعد فيها الإجهاض غير قانوني في الولايات المكسيكية – حتى أغسطس ۲۰۰۰ |
عدد الولايات في المكسيك ( العدد = ۳۲) (*) |
الاغتصاب |
32 |
وجود خطر على حياة المرأة |
28 |
الإجهاض نتيجة حادث (4) |
28 |
تشوه الجنين |
11 |
وجود خطر على صحة المرأة |
8 |
تلقيح من مانح دون موافقة المرأة |
6 |
أسباب اجتماعية – اقتصادية (بالنسبة النساء اللاتي أنجين ثلاثة أطفال أو أكثر) |
1 |
نفسه الوقت الذى بدأت فيه مجموعة “جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية” أنشطة المناصرة وجمع المعلومات العامة حول هذه القضية، كانت العديد من المنظمات النسوية الأخرى تلتقى لمناقشة وتطوير إصلاحات موازية للقانون المدنى وقانون العقوبات. إن هذه المبادرة، والتي أطلق عليها اسم “حملة نفاذ النساء إلى العدالة” (ومن الآن فصاعدًا سترد تحت اسم “حملة النفاذ“)، قد اقترحت إجراء إصلاحات في خمسة مجالات: حقوق الضحايا, العنف الأسرى, حقوق الأطفال والشباب، الحق في التحرر من التمييز، والإجهاض بوصفه جزءًا من الحق في الصحة. انضمت مجموعة “جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية” إلى “حملة النفاذ” في طورها الأول، وخاصة من أجل العمل حول موضوع الإجهاض. وقد قامت جميع المجموعات النسوية في “حملة النفاذ” بدعم مقترحات مجموعة ” جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية” من أجل زيادة أسس الإجهاض القانوني، على الرغم من أن بعض القيادات كن يرغبن في الضغط للحصول على أكثر من ذلك.
وفى عام ۱۹۹۸ ، بدأت جهود المناصرة التي بذلتها مجموعة “جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية” في تولید اتفاق بين مشرعى الحزب الثورى الديمقراطي, علاوة على بعض مشرعى الحزب الثوري المؤسسي, لتشجيعهم على إصدار تشريعات ليبرالية. ومع ذلك, عندما قدمت “حملة النفاذ” مقترحاتها إلى “الجمعية التشريعية للمنطقة الفيدرالية” في بدايات عام ١٩٩٩, اتخذ الحزب الثورى الديمقراطي موقفاً مفاده تفضيل تنحية قضية الإجهاض جانباً خلال عملية إصلاح قانون العقوبات. وفيما بعد, توصلت جميع الأطراف إلى اتفاق رسمى حول هذا الموقف من أجل تحقيق عملية إصلاح “سلمية” دون التأثير بشكل سلبي على النقاشات المتعلقة بالموضوعات الأخرى. وبالتالي، لم يقم مشرعو الحزب الثوري الديمقراطى بتبنى إصدار التشريع المقترح بشأن الإجهاض.
وما أن بدأت “حملة النفاذ” في التحرك, في بداية يناير ١٩٩٩, قام المحافظ السابق لولاية جوانا خواتو – فيسنتي فوكس، والذي يشغل حاليا منصب الرئيس المنتخب للبلد – بإلقاء خطاب جماهیری حول موقفه تجاه القضية: يجب إباحة الإجهاض في حالة تعرض حياة المرأة للخطر، أو عندما يُحدد التشخيص الموت الدماغي للجنين، ومع ذلك، لا يجب السماح بالإجهاض للناجيات من الاغتصاب لأن “النساء اللاتي يتعرضن للاغتصاب ينتهى بهن الأمر إلى الرغبة في الأطفال الذين ينجبنهم والوقوع في حبهم“. (7)
وبعد ذلك بفترة قليلة, في الثاني والعشرين من يناير, وصل البابا جون بول الثانى فى زيارة استغرقت ثلاثة أيام، وحظى بتحية الجماهير الشعبية في بيئة تتسم بالعظمة والجلال. وارتكازا على الورع الديني الكاثوليكي بالمكسيك، أصدر البابا شعاراته المضادة للإجهاض أمام جمهور يضم ٢ مليون فى القاعة الكبرى بالمدينة: “أرجو ألا يجرؤ أى مكسيكي على الإضرار بهبة الحياة الثمينة والمقدسة في رحم الأم“. (8) وقد أثر هذا الإعلان والنتائج المترتبة عليه في الإعلام على المناقشات داخل “الجمعية التشريعية للمنطقة الفيدرالية” . لقد تم تذكير الأحزاب بالسلطة الكبيرة للكنيسة والمخاطر السياسية التي يمكن أن تترتب على أي جهود تُبذل من أجل تحرير قانون الإجهاض في هذه الفترة الانتخابية الحرجة. ونظرًا لقلق “مجموعة جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية” من عدم رغبة الأحزاب في مواجهة القضية وتناولها، كلفت شركة “أركوب” بإجراء استفتاء للرأى العام في أبريل، كان ذلك قرارًا استراتيجيًا، فشركة “أركوب” هي الشركة التي استخدامها سابقًا حزب العمل الوطني – حزب محافظ ومعارض للاختيار – وهو ما يساعد على تقليص إمكانية تشكيكهم في مدى صحة نتائج الاستفتاء: حيث كانت “مجموعة جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية” تعرف أن تلك النتائج ستكون لصالح حقوق الإجهاض.
وقد أوضح الاستفتاء أن الحزب الثورى الديمقراطي سوف يحصل على دعم من سكان مدينة المكسيك إذا وافق على الإسلاح المتعلق بالإجهاض: قال ٢٤% إن الإجهاض يجب أن يكون اختياريًا، وقال ٤٧% بضرورة السماح به في ظل ظروف بعينها. وقد تجلى الدعم الكامل أو الجزئى للسماح للإجهاض فى ظل ظروف بعينها على النحو التالي: ٧٢% في حالة الاغتصاب، و ٧٣% في حالة تعرض حياة المرأة للخطر، و ٦١% في حالة تشوه الجنين, و 63% فى حالة وجود خطر على صحة المرأة (9) على أن تأثير القوى الفاعلة فى السياق السياسي، على رد فعل الحزب الثورى الديمقراطي تجاه المبادرة، لم يتم حسابه بشكل جيد. لقد وضع أنصار الإصلاح ثقة كبيرة في قيمة الدعم الجماهيري. ففى السنة السابقة على الانتخاب، أصبحت قضية الإجهاض قضية شديدة السخونة، قضية لا يرغب الحزب الثوري الديمقراطي أو الحزب الثورى المؤسسى أو حزب العمال في تناولها, بغض النظر عن أن تناولها يتسق وبرامج عمل أحزابهم, ويمنحهم إمكانية لتحقيق التقدم لبرامجهم السياسية. أما حزب العمل الوطنى, الوفى لمبادئه الثيوقراطية, فقد عارض أي تدابير تستهدف التحديث. وعلى حين لم تكن ردود أفعال مختلف الأحزاب مثيرة للدهشة في مجموعها, فقد كان من غير المتوقع أن يبدو الحزب الثورى الديمقراطي وكأنما قد أصيب بنوع من فقدان الذاكرة المؤقت، ناسيا – بشكل مريح – أن الناس أدلوا بأصواتهم لصالحه بسبب موقفه التقدمى حول الحقوق الإنجابية والجنسية. ونظراً للمضايقات المستمرة من الجناح اليمينى والخوف من سوء معاملة الإعلام خلال الحملة الرئاسية، كان مشرعو الحزب الثورى الديمقراطي – ناهيك عن مناصريه – يرغبون في إجراء تغييرات تشريعية تتسق والعصر، ولا يشاركون المعتقدات والمواقف المناصرة للحياة أو التراتبية الكنسية الكاثوليكية.
أعضاء الجمعية التشريعية للمنطقة الفيدرالية في الحزب الثورى الديمقراطى لم تكن لديهم رغبة في إثارة غضب العدو السياسي القوى، مثل الكنيسة الكاثوليكية, قبل الانتخابات الرئاسية بشهور, ذلك أن آمالهم في الفوز كانت كبيرة. وحتى وعد حملتهم الانتخابية بإجراء مشاورات جماهيرية عامة حول الإجهاض لم يتم تنفيذها. لقد كان تنفيذ ذلك من شأنه أن يفتح نقاشًا عامًا، ويزيد من الوعى الجماهيري, ويبدأ في عملية من المفاوضات, ويخلق مطالب تتعلق بتنفيذ كل ما هو عادل ومرغوب. لكن الحزب الثورى الديمقراطي وضع ثقته في مزايا الصمت، متجاهلاً وعود حملته . وهو الأمر الذي أثار فزع حليفاته من النسويات، لأن موضوع الإجهاض تأجل مرة أخرى.
في نهاية عام ۱۹۹۹, عرفت النسويات من المنظمة غير الحكومية “ألايدى فوبا” بولاية بابا كاليفورنيا بشأن حالة باولينا دل كارمن راميريز جاسينو – وهي فتاة تبلغ من العمر ١٣ عاماً، حملت نتيجة اغتصاب, ورفضت المستشفيات العامة إجراء إجهاض قانونى لها. وقد بذلت “مجموعة جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية” جهوداً من أجل زيادة الوعى العام, من خلال الإعلام الوطني، حول ما يمكن اعتباره حالة نموذجية.
إنها قضية صادمة. ففى ٣١ يوليو ۱۹۹۹, قام أحد مدمني الهيروين باقتحام منزل باولينا المتواضع في المكسيك, في بايا كاليفورنيا ، ثم قام بإيقاظها واغتصابها, وسرق أسرتها، حيث أخذ حوالي مائة دولار وخلف وراءه أسرة مرعوبة مكبلة بالأسمال البالية، وفتاة صغيرة محطمة من جراء حدث لها .
حملت باولينا. وبالنسبة إلى فتاة تبلغ من العمر ١٣ عامًا، وفى هذا الوضع المروع, بدا أن باولينا لديها كل ما تحتاج إليه لضمان ألا تصبح أمًا لطفل غير مرغوب وهي في سن الرابعة عشرة: القوة الداخلية والاقتناع الراسخ، دعم الأم المُحبة والشقيق الأكبر المُحب, الحق القانونى فى الإجهاض في بلد يُقيد الإجهاض قانونًا, الاكتشاف المبكر للحمل بعد 19 يومًا من اغتصابها, وصدور أمر من مكتب المحامى العام للولاية موجه إلى مستشفى مكسيكالى العام لإجراء الإجهاض، وقد صدر هذا الأمر بعد مرور ٣٤ يومًا على الاغتصاب.
لكن الأشياء لم تمض على هذا النحو، فبعد مرور شهرين ونصف الشهر على الاغتصاب، تقدمت باولينا إلى مستشفى مكسيكالى العام لإجراء الإجهاض. وظلت هناك لمدة أسبوع كامل، بينما لم يحرك المستشفى ساكنًا. وعندما كانت باولينا في المستشفى, زارتها امرأتين غير معروفتين وزعمتا أنهما يمثلان مكتب الولاية للتطوير الشامل للأسرة، وقدما لها فيلمًا فظيعًا من أفلام مجموعات أنصار الحياة, مناهضًا للإجهاض ويحمل اسم “الصرخة الصامتة” ، وطلبا منها التركيز على صورة المسيح (10) قام أيضًا المحامى العام لولاية بايا كاليفورنيا بأخذ باولينا وأمها لزيارة أحد القساوسة، والذي شرح لهما بدوره أن الإجهاض خطيئة ويُعد أساسًا للحرمان الكنسى (١١) لكن باولينا ووالدتها لم يترددا، وأصرا على حق باولينا في إجهاض قانونى.
ومع ذلك، وفى الدقائق التي سبقت إجراء الإجهاض, أخذ مدير المستشفى والدة باولينا جانبًا للحديث معها, وقام بالمبالغة الكبيرة والتضخيم الشديد في المخاطر المفترضة للإجهاض. قالت والدة باولينا إنه أخبرها, على سبيل المثال، أن باولينا يمكن أن تموت أو تصبح عاقراً من جراء الإجهاض، وعندئذ تصبح أمها مسئولة عن موتها (۱۲), وقد أثارت هذه المسألة بالفعل مخاوف الأسرة إلى درجة سحب طلب إجراء إجهاض قانونى. وعادت الأسرة إلى بيتها ولديها شعور بالغضب والانزعاج.
عرفت النسويات من منظمة “ألايدى فوبا” غير الحكومية الموقف من مقال منشور بإحدى الصحف في ١٦ أكتوبر ۱۹۹۹ ، وقمن على الفور بالاتصال بباولينا لعرض مساعدتهن. ونظراً لعجز المجموعة النسوية عن كفالة الإجهاض القانونى الذى كانت باولينا تسعى له, قدمت المجموعة شكوى حول انتهاك حقوق باولينا إلى المكاتب القانونية لحقوق الإنسان وحماية المواطن في بايا كاليفورنيا فى ٢٥ أكتوبر ۱۹۹۹ . ومنذ ذلك الحين, وأعضاء منظمة “ألايدى فوبا” يقدمن الدعم المستمر في الدعاوى والإجراءات القانونية المطروحة، ويعملن بصورة وثيقة مع منظمة “إبيكيا” – وهي منظمة غير حكومية توفر الدفوع القانونية والمناصرة في مجال الحقوق الإنجابية والجنسية . لقد تم حشد دعم جماهيري ساحق في مكسيكالى، وكانت التغطية الإعلامية للقضية في أنحاء المكسيك كافة غير مسبوقة. أما الجماعات المناهضة للاختيار فقد سارت بالقضية بما يخدم أهدافهم، متجاهلين رغبات الأسرة. واستمرت الناشطات من مجموعة أنصار الحياة – اللاتي أرسلن النساء غير المعروفات إلى حجرة باولينا بالمستشفى في توجيه النقد الساخر العنيف المألوف ضد الإجهاض في جميع الظروف، بما فى ذلك في حالات الاغتصاب، لأنه “لا يوجد سبب يمكن اعتباره كافيًا لقتل كائن برئ “. (١3) ونشرت المجموعات المناهضة للاختيار إعلانات عامة تزعم – كذبًا – أنها أعطت باولينا دعمًا عينيًا وماليًا كبيرًا, وهو ما أثار سخط عائلة باولينا، بما في ذلك سداد مصاريف قسم العمليات القيصرية وتقديم “هبة” لحصول باولينا على منحة من جامعة كاثوليكية (١4) – وهي إيماءة مشكوك فيها تجاه فتاة صغيرة تحتاج بإلحاج إلى دعم اقتصادى الآن، إذا كانت ستلتحق بالجامعة فيما بعد.
وبموافقة باولينا وأسرتها، بذل أنصار الحقوق الإنجابية والجنسية جهوداً تستهدف رفع الوعى العام بشأن سوء استعمال السلطة من جانب القائمين على المستشفى. وأمكن إلقاء الضوء على فضيحة فرض المعتقدات الدينية الشخصية بما يتجاوز المسئوليات القانونية، فضلاً عن سحق حقوق الإنسان لفتاة صغيرة. إن أسرة باولينا – وهى من أسر المهاجرين من إحدى أفقر ولايات المكسيك ولاية أوكساكا, وتوطنت دون استقرار فى مدينة على حدود الولايات المتحدة – ليست سوى مثال على واقع آلاف الأسر. وعلاوة على رعب الاغتصاب، فإن الإساءة الإجرامية التي تعرضت لها باولينا وعانت منها فى المستشفى شملت الامتناع عن تقديم خدمة عامة وانتهاك أمر قضائي, بما يترتب على ذلك من آثار سلبية على حرية إحدى الأقليات وكرامتها وحقها في الخصوصية. (١٥) كما تحدث محامو باولينا عن التعذيب النفسي.
لقد أصبحت القضية جزءاً من اهتمام السياسات المحلية والميدرالية، وطرفاً في الحرب القذرة الدائرة بين الحزب الثوري المؤسسي الحاكم ومعارضيه من حزب العمل الوطني الذين يضطلعون بموقع محافظ بايا كاليفورنيا . وجاء رد فعل محافظ الولاية ومشرعي حزب العمل الوطني متمثلاً في إعادة إدخال أحد التدابير التي كانت قد أُلغيت فى أواخر عام ۱۹۹۸ – بتعديل دستور الولاية لحماية الحياة منذ “لحظة الحمل“. (١٦) وعلاوة على ذلك، أصبحت القضية محل اهتمام محام ذائع الصيت، كان قد دافع عن موظفى الحزب الثوري المؤسسي المتهمين بالاحتيال المالي وتحويل الأموال العامة لأغراض الانتخاب. على أن البعض يعتقد أن اهتمامه الحقيقي كان منصبًا على استخدام القضية كسلاح ضد حكومة الولاية – أى حكومة حزب العمل الوطنى – في أثناء أهم انتخابات رئاسية شهدها القرن, حيث كان حزب العمل الوطني يمتلك إمكانية جيدة لهزيمة الحزب الثورى المؤسسى.
وقد لعبت الكنيسة الكاثوليكية أيضًا دورًا ضخماً, فبالإضافة إلى القس الذى قام بتحذير باولينا من الإجهاض باعتباره أساس الحرمان الكنسي في محاولة لإقناعها بالعدول عنه، تحدث آخرون كثيرون حول الموضوع فى لقاءات عامة. وأكد رئيس أساقفة مدينة المكسيك مجدداً، وغيره من قادة الكنيسة، تصريحاتهم ضد إجراء الإجهاض تحت أي ظروف, (17) وزعموا أن سلطات ولاية بايا كاليفورنيا قامت بالدور المنوط بها, مع سعيها لإظهار باولينا فى فيديو أنصار الحياة. (18) وعندما طلبت باولينا إلى سيلفيا ريسينديز – عضو منظمة “ألايدى فوبا” التي قدمت لها مساعدات كبيرة – أن تكون الأم الروحية لابنها، رفض أسقف تيجوان تعميد الطفل قائلا إن ريسينديز محرومة كنسياً لنشاطها في الدفاع عن حق باولينا في إجهاض قانونى. (١٩) وفي سبتمبر ۲۰۰۰ – في لقاء لعرض كتاب بقلم إيلينا بونياتوسكا يدعم قضية باولينا – انتقد قس يسوعي تقدمي علانية السلطات الكنسية في بايا كاليفورنيا لرفضها مؤخراً تعميد الطفل تحت أي ظروف نتيجة محاولات الأسرة لإجهاضه. (٢٠)
إن وضوح التفكير الذى تعاملت به باولينا وأسرتها مع هذا الموقف العصيب يُعد مذهلاً، مع معرفة العدد الكبير من الأفراد المختلفين الذين هبطوا على حياتهم. لقد كانت باولينا واضحة منذ البداية في عدم رغبتها أن تصبح أمًا وهى فى سن الرابعة عشرة، ناهيك عن أن هذا الطفل جاء من اللص الذي اغتصبها . ومع تقدُم شهور حملها ، أدلت باولينا بتصريحات مؤثرة مثل: “لقد جعلنى المحافظ استبدل بعرائسي طفلاً“, (٢١) و“كل ما أرغب فيه هو عدم الحمل، وعدم وجود هذا الطفل بداخلى“. (٢٢) وبعد ميلاد الطفل، صرحت والدة باولينا : “إنه ولد, وأنا أشعر بغضب شديد، لكنني سعيدة في الوقت نفسه. وبسببهم أى سلطات الولاية، أصبحت ابنتى أمًا في سن لا ينبغى أن يحدث فيه هذا أبدًا“. (٢٢) والآن, تناضل باولينا وابنها – ومعها أسرتها – ضد الموقف الذي فرضته عليهم جانب الولاية. هذا، ولم تُنفذ التوصية التي أصدرتها مكاتب قانون حقوق الإنسان بالولاية حول إنشاء صندوق إئتمان لباولينا وابنها . وسعياً من أجل التعويض عن الأضرار, أرسل محامو إيبيكيا التماسًا إلى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان للتأكيد على التوصية التي أصدرتها لجنة حقوق الإنسان بالولاية إلى محافظ الولاية . وفى ٢٠ سبتمبر ۲۰۰۰, أرسلت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان هذا التأكيد, (24) وفي الخامس من أكتوبر وافق المحافظ على القرار. (٢٤)
إن هذه القضية توضح الفجوة الضخمة بين القانون والواقع ومدى شدة انتهاكات حقوق الإنسان, وحجم التعصب الدينى الموجود بين المسئولين العموم. فقد صرح مدير مستشفى مكسيكالى العام أن جدلاً دار بين الأطباء حول من الذى سيقوم بإجراء الإجهاض، ورفض جميع أطباء أمراض النساء بالمستشفى القيام به. (26) وزعم مدير المستشفى أنه لم يتمكن من إيجاد أى طبيب مستعد لأداء العملية، وأن عليه أن يحترم مبدأ الاعتراض القائم على الضمير. (27) ومع ذلك، فإن الاعتراض القائم على الضمير هو آلية فردية بوضوح، ولا يمكن أن تزعم به أي مؤسسة. إن الاعتراض القائم على الضمير في البلدان الكاثوليكية ذات التشريعات الليبرالية حول الإجهاض يحرر العاملين بالمهن الطبية من الالتزام بتوفير خدمات الإجهاض عندما تكون هذه الممارسة مناقضة لمعتقداتهم الشخصية. لكن أى مستشفى عام لا يمكن أن يخالف القانون باسم المعتقدات الدينية لمديره. إن المستشفيات العامة في البلدان التي تبيح الإجهاض في ظل ظروف بعينها يجب أن تضمن وجود البعض على الأقل من فريقها الطبي يقبل القيام بعملية الإجهاض, أو يحيل الحالة إلى الآخرين الذين يمكنهم القيام بها. وفي حالة باولينا، كان الطبيب ملزماً أخلاقيًا بمساعدة باولينا.
بقلم: إيلينا بونياتوسكا
في يوم السبت, الحادي والثلاثين من يوليو ۱۹۹۹, في الساعة الثالثة والنصف صباحًا، وفي أثناء نوم باولينا وشقيقتها جانيت وطفليها، استيقظت جانيت على نصل سكين حاد موجه إلى رقبتها. “استيقظى أيتها العاهرة“. كان وجه اللص مغطى بوشاح, وكان يبحث عن شيء يسطو عليه. قام اللص بتقييد جانيت وطفليها وهم في السرير ووجوههم متجهة نحو السرير. أما باولينا, التي تبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة، فقد قام بوخزها بالسكين, وسبها، واغتصابها على نفس السرير. صرخ قائلاً: “أين تحتفظون بالمال أيتها العاهرة؟“. أخبرته جانيت بمكان المال الذي أرسله لها زوجها فاستولى على ۱۰۰۰ بيزو وتليفون محمول ثم رحل. تمكنت جانيت من التخلص من قيودها وقيود الأطفال. ونظرت في رعب إلى باولينا التي كانت جثة هامدة ومغطاة بالدماء. قدمت الشرطة الكثير من المساعدة عند وصولها . وخلال شهر أمكن القبض على الرجل.
نُقلت باولينا إلى عيادة قريبة بالمجتمع المحلى لتفحصها الطبيبة، وقد أفادت بأنها حامل قالت الطبيبة إنها يمكن أن تجرى لها عملية إجهاض، ولكن ليس بدون تخویل مناسب من مكتب المحامى العام للولاية. (1) وقد أصدرت إحدى هيئات المدعى العام للولاية أمراً إلى المستشفى العام في مكسيكالي بإجراء الإجهاض. وذهبت باولينا إلى المستشفى.
أحضرت والدة باولينا – وتدعى ماريا إيلينا – بطانية لنفسها ومكثت بالمستشفى لمدة سبع ليال خارج غرفة ابنتها, في مكان شديد الضيق بالردهة. وظلت تسأل هل “تمت العملية“, لكنها كانت تشعر بالحرج من توجيه سؤال مباشر، نظراً لوجود عدد كبير من الناس وعلى الدوام.
ودأب العاملون بالمستشفى يسألونها: “ما اسم ابنتك, ولماذا هي هنا؟” . واستمر ذلك يوما بعد يوم.
باولينا: “لم أحصل على غذاء. وضعونى فى عنبر الولادة … شعرت بالارتباك والحيرة، كما لو أنني لست إنسانة“.
ماريا إيلينا: “كل ثلاث إلى أربع ساعات كنت أسأل عن ابنتي. لم يبلغونى أبدًا بأى شيء ولم يحدث أي شيء لها. سألونى من أكون ولماذا أنا موجودة، “ماذا تريدين؟“. لقد أهانونا“.
أومبرتو (شقيق باولينا): “كان هناك دائماً تأخير. طلبوا منى أن أشترى دواء من أجل توسيع رحمها, وأنفقت ٤٠٠ بيزو (2) لشراء حقنة لم تأخذها أبدًا. كما لم يحدث أبدًا إجراء أشعة بالموجات فوق الصوتية لباولينا . قالوا إن الجهاز معطل، ويجب إجراء هذه الآشعة في مكان آخر. أنفقنا ٦٠٠٠ بيزو في المجمل. وفي الواقع، أخبرني أحد الأطباء هناك أنه سوف يقوم بإجراء الإجهاض, لأن ما حدث لباولينا إذا حدث لابنته فإنه سوف يجهضها . وطلب شراء أدوية، واشتريتها ولم أره مرة أخرى…. بحثت عنه أربعة أيام. “لديه عملية جراحية, إنه مشغول جدًا ، لا يزال فى غرفة العمليات، لقد غادر …”. كنت في حالة يأس، فقررت أن أمسك به في الصباح عندما يبدأ عمله “يا دكتور, لقد مضى أسبوع الآن, وقد اشتريت الدواء” . قال لي: “اسمع فى واقع الأمر لن أقوم بإجراء الإجهاض” . قلت له : “كان يجب أن تقول ذلك منذ البداية, حتى لا أنفق هذه الأموال، وحتى لا تنتظر شقيقتي كل هذه المدة“. تركنى وأنا ما زلت في منتصف جملتي. شعرت بالغضب والسخط الشديدين. ذهبت إلى مكتب المدعى العام, وخرجت شقيقتي من المستشفى لتعود إليها ثانية بعد أيام قليلة. ومرة أخرى لم يحدث شيء. قيل لنا إن هناك مخاطر عديدة. تمت معاملتنا بصورة سيئة جدًا لن أنساها أبداً .
د. أفيلا إنيجويز: (3) لقد وصلت باولينا ولديها تصريح بإنهاء الإجهاض لأنه نتيجة اغتصاب. وبوصفي مديراً, فإن عملي يتمثل في أن “أصدر أمراً بحيث يتولى أحد أطباء أمراض النساء بالمستشفى إجراء الإجهاض” … قال لي رئيس قسم التوليد وأمراض النساء : “لقد تشاورت مع فريقنا الطبى ولم يوافق أحد على إجراء الإجهاض: قالوا إنهم أطباء من أجل الحفاظ على الحياة وليس تدميرها” هذا كان قرارهم“.
إيزابل: (4) اعتراض الضمير يستحق الاحترام, ولكن من الناحية المؤسسية يجب أن يوجد دومًا أطباء على استعداد للامتثال للقانون، لأن الإجهاض نتيجة للاغتصاب يعد قانونيًا وفقًا للمادة ١٣٦ من قانون العقوبات لولاية بايا كاليفورنيا.
د. أفيلا إنيجونز: “هذا صحيح. عندما بحثنا عن سوابق أدركنا أن هذه هى أول حالة إجهاض فى هذا المستشفى، وقد عارضت رفض الأطباء. وفى اليوم التالي, حدث شعب ردئ النوع هنا بين أطباء أمراض النساء. قالوا إنهم سوف يسعون إلى الحصول على حماية فضائية إن تطلب الأمر, لأنه لا توجد سلطة يمكن أن تجبرهم على إجراء فعل يعارضونه ولم يتم تدريبهم على القيام به. سألنى الأطباء: “لماذا ينبغي على المستشفى العام في مكسيكالى أن يحل هذه القضايا وليس مكتب المدعى العام؟ إن المدعى العام لديه الأموال ويمكنه أن يعالج موظفيه في مستشفيات خاصة.
إيزابل: لكن حق باولينا القانونى فى الإجهاض كان واضحًا … وهي عملية بسيطة، أليس كذلك“؟.
د. أفيلا إنيجويز: “…. تكمن المشكلة في أننا دخلنا منطقة المعتقدات, وأصعب شيء يمكن القيام به هو محاولة إجبار الناس على القيام بشيء لا يوافقون عليه. كان الأطباء يعرفون أن باولينا قاصر، وأن الإجهاض مطلوب لأنه ناتج عن اغتصاب. قال لى أحد الأطباء: “لن يتولى أى منا القيام بهذه العملية. وإذا مارست على ضغطاً فإنني سوف أستقيل” . وقد غادر رئيس قسم التوليد وأمراض النساء. حدث هذا خلال الأسبوع الأول من وجود باولينا فى المستشفى. وعندما واجهت هذا الموقف، طلبت من أسرتها أن تمهلني بعض الوقت“.
د. أفيلا إنيجويز: “لأننا كنا نريدها أن تكون مستعدة في أي وقت, في حالة موافقة أى من الأطباء على إجراء الإجهاض“.
تم احتجاز د. أفيلا إنيجويز لمدة 36 ساعة لعدم إطاعة أمر المدعى العام. وقد اتصل بوزير الصحة في بايا كاليفورنيا، والذي تحدث بدوره مع المدعى العام, وبعد ذلك تم إطلاق سراحه.
إيزابل: “لقد زار أناس من خارج المستشفى هذه الفتاة، وبموافقة المستشفى. أنهما امرأتان من حركة أنصار الحياة، جاءتا ليقولا لها إن…”.
د. أفيلا إنيجويز: ” .. بموافقة المستشفى ؟ كلا على الإطلاق. مع الأسف النظام الأمني لدينا ليس له أى شكل من أشكال السيطرة … أنا بالفعل لا أعرف كيف دخلت هاتان المرأتان“.
باولينا: “زارتني امرأتان… لم تسألا عن شعوري, أو ما إذا كنت أكلت أو أى شيء. لكنهما أحضرتا ببساطة جهاز فيديو، ووضعتا فيلماً وقالتا لي: “أنت حامل في ثلاثة شهور، انظرى كيف سينتهى الأمر بالطفل إذا ما قمت بالإجهاض“. عرضوا لى شكل طفل ممزق إلى قطع . “انظري إننا سوف نساعدك عند ميلاد الطفل بالدواء والغذاء، وإذا كنت ترغبين في إيجاد من يتبنى الطفل فإن لدينا من يريد أن يحتفظ به…”. لكنني قلت لا أنا لا أرغب لو الحمل . سألني إذا لم أكن أحب طفلى، فقلت لهما إن الأمر ليس كذلك وأننى لم أكن أرغب في أن أكون على هذا النحو وهذا بداخلى ، وقالتا لي إن على أن أقبل ذلك فهذه إرادة الله“.
إیزابل: كيف يمكن أن تقول لأم إن ابنتها سوف تموت إذا أجرت عملية إجهاض؟ والدة الأم قالت إنك وضعتها أمام سبورة وشرحت لها إن ابنتها ستموت أو ستصبح عاقراً. هذا ما قلته لها، أليس كذلك يا دكتورة؟” .
د. أفيلا إنيجويز، “نعم، لكنني اعتقد أن هناك تلاعباً بهذا الموقف: فلم يرد فى كلامي, في واقع الأمر, أي إشارة أبدًا لكلمة موت“. لقد أخبرتها بالمضاعفات التي تحيط بعملية إنهاء الحمل“.
إيزابل: “ولكن, هل تعتقد بالفعل في وجود كل تلك المخاطر فى هذه المرحلة المبكرة من الحمل؟“
د. أفيلا إنيجويز: “المخاطر ليست كبيرة جدا، أعتقد أن هناك مبالغة. لقد قيل للأم ما هي المخاطر بشكل موضوعي. هذه حقائق مدونة“.
إيزابل: “العقم, وثقب الرحم, والنزيف, والنزف الشديد …؟“
د. أفيلا إنيجويز: “لكن هذه هي المخاطر. قيل للأم أيضًا إمكانية الرعاية عند حدوث مضاعفات. فعند حدوث نزف شديد لدينا بنك الدم، ولكن حدوث هذه المضاعفات هو أمر ممكن. قد يكون فرصة واحدة فقط في عشرة آلاف, أو واحدة فى مائة ألف, نعم، ولكن عليها أن توافق على إجراء العملية“.
إیزابل: “بل حتى قيل لها إن الطفل إذا مات فإنها ستكون مذنبة” .
د. أفيلا إنيجويز: “كلا، هذا غير صحيح” .
إيزابل: “لا يجب قول ذلك إلى أم يا دكتور“.
د. أفيلا إنيجويز: “أنا لم أقل هذا“
إيزابل: هل لديك حالات من مضاعفات الإجهاض هنا في المستشفى؟
د. أفيلا إنيجويز: “كلا“.
إيزابل: “إذا حدث نزف لمرأة, هل تخرجها المستشفى؟” .
د. أفيلا إنيجويز: “أوه، كلا بل تظل بالمستشفى, لكننا لا نقوم بانتظام بتقييم ما إذا كان إجهاضاً سرياً. إننا نعالج شهريا العديد من مضاعفات الإجهاض“.
إيزابل: “هل النساء اللاتى يأتين ولديهن مثل تلك المضاعفات يقمن بإبلاغ السلطات؟“
د. أفيلا إنيجويز: “المرأة التي تصل إلى هنا ولديها هذه الظروف يتم سؤالها لتحديد ما إذا كان قد حدث إجهاض سرى“.
إيزابل: “والمرأة تقول لك أى قصة ترغب في قولها؟“
د. أفيلا إنيجويز: “هذا صحيح من حيث الأساس“.
إيزابل: “ومع ذلك، فإنك لم تفعل الشيء نفسه مع باولينا ووالدتها لأن الإجهاض نفسه يجب القيام به هنا .
وهذا هو السبب فى أنك قمت بغسيل مخ لهما مع إرهابهما . لقد أرهبت والدة باولينا بأن قلت لها إن ابنتها يمكن أن تموت وتكون هي مسئولة عن موتها“.
د. أفيلا إنيجويز: “يمكن أن تموت؟ أنا لم أذكر هذه الكلمات. لقد تنازلت الأسرة عن مطلبها“.
انطلاقًا من موقفها الداعم لباولينا, قدمت مجموعة “الأيدى فوبا” من مكسيكالى شكوى ضد انتهاك حقوق باولينا إلى مكتب القانون لحقوق الإنسان وحماية المواطن, وهو هيئة مستقلة فى مكسيكالى . وقد أصدر المكتب توصية إلى محافظ ولاية بايا كاليفورنيا (6) يطالب فيها بإبعاد مدير المستشفى وإنشاء صندوق ائتمان للتعويض عن الأضرار المعنوية والمادية التي أصابت هذه الفتاة القاصر وتغطية التكاليف التي تكبدتها حتى الآن، علاوة على تغطية تكاليف تعليم باولينا ورعايتها الصحية هي وابنها حتى يصل كلاهما إلى السن القانونية وحتى الآن لم يتم تنفيذ هذه التوصية.
باولينا كارمن راميريز جاسينتو – ١٤ سنة – ولدت صبيا في ١٣ أبريل ۲۰۰۰ بعملية قيصرية.
قامت لوسيا راياس بالترجمة والتعديلات – بموافقة كريمة من المؤلفة – من سلسلة من أربعة افتتاحيات نشرت في الجريدة المكسيكية “لا جورنادا” ، أبريل ۲۰۰۰, والحقوق محفوظة لإيلينا بونياتوسكا , ٢٠٠٠.
(1) تنص المادة ١٣٦ من قانون العقوبات في بايا كاليفورنيا على ما يلى : لا توجد عقوبة على الإجهاض: “….. عندما يكون الحمل نتيجة اغتصاب.., إذا حدث الإجهاض خلال التسعين يوماً الأولى من الحمل, وتأكد الاغتصاب قانونًا . وفى مثل هذه الحالة, يكفى تأكيد المدعى العام للحقائق لتنفيذ الإجهاض“.
(۲) تعادل ١٠ بيزو مكسيكية دولارًا أمريكيًا تقريبًا, عند كتابة هذا الموضوع.
(۳) د أفيلا إنيجويز هو مدير المستشفى العام في مكسیكالی، مكسیكالى بايا كاليفورنيا.
(٤) إيزابل فيريكات هي محامية في مجال حقوق الإنسان وعضو في “مجموعة جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية” وجمعية “إيبيكيا“، وهي منظمة غير حكومية مهتمة بالحماية القانونية للنساء في المكسيك. وقد أجرت إيزابل مقابلة مع باولينا وأسرتها وغيرهما من المنخرطين في القضية، ومع المؤلف.
(٥) تناولت الشكوى تناولت حق باولينا في السرية, والذي انتهكته زيارة ممثلى منظمة “أنصار الحياة“، فضلا عن انتهاك حقها فى احترام القرارات التي تتخذها . لقد تقدم مكتب القانون بالشكوى في 16 نوفمبر ۱۹۹۹، وسجلت بوصفها “انتهاك حق القصر في حماية سلامتهم، وتعذيبهم، والحماية غير الكافية للأشخاص, والممارسة غير الصحيحة للمسئوليات العامة، وانتهاك الحق في الخصوصية والكشف غير القانوني للمعلومات” . من: باولينا, باسم القانون, موضوعات للنقاش، رقم (۲), “مجموعة جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية” ، مدينة المكسيك.
لقد اهتز المجتمع المكسيكي من تفاصيل قضية باولينا، وهى القضية التي أثارت دون شك شرارة تفجر رد الفعل المؤيد للاختيار تجاه الأحداث في جواناخواتو. وبعد مرور شهر من الانتخابات الرئاسية، وفي مساء الثالث من أغسطس ۲۰۰۰ ، قام ممثلو حزب العمل الوطني في ولاية جواناخواتو المركزية – موطن الرئيس المنتخب الجديد، فيسنتى فوكس – بإصدار تعديل لم يسمع عنه أحد من قبل, يعتبر إجراء الإجهاض للناجيات من الاغتصاب أمرًا غير قانوني. لقد أدخل الإصلاح عقوبات تتراوح من سنة إلى ٣ سنوات سجن, وغرامات للمرأة ولممارسى الإجهاض، فضلاً عن تعليق رخصته الطبية طوال فترة وجوده بالسجن.
تنص المادة ۲۲۸ من قانون العقوبات في جواناخواتو على أن الإجهاض “لا يخضع لعقوبة عندما يكون إرادياً أو متفقًا عليه من جانب المرأة الحامل، عندما يكون الحمل نتيجة اغتصاب والتقرير الرسمى للجريمة متوفر“. إن الإصلاح الذي أصدرته الهيئة التشريعية المحلية قد هدم هذه اللغة، وكان يجب أن يصبح نافذ المفعول في الأول من أكتوبر – إذا ما قام محافظ الولاية بالتوقيع عليه. وكان أمام المحافظ عشرة أيام لإتخاذ القرار بعد استلام قانون الإصلاح من الهيئة التشريعية. وقد أدى هذا التدبير إلى تقسيم متقارب للأصوات داخل الهيئة التشريعية المحلية: أدلى 15 من مشرعى حزب العمل الوطني، وعضو سابق فى الحزب الثورى المؤسسي, وعضو في حزب التحالف الاجتماعى بأصواتهم لصالحه (أى ١٧ صوتًا مؤيدًا) ضد ١٦ صوتًا معارضًا من جانب أعضاء الحزب الثورى المؤسسى والحزب الثورى الديمقراطى وحزب العمال وحزب الخضر البيئي المكسيكي. (28) وقد أشار المشرعون المعارضون للتدبير إلى الرأى العام وتعاونوا مع الجماعات المدنية لإثارة اهتمام الرأى العام وحشده. ومع حلول الخامس من أغسطس, حملت الصحف الوطنية آراء العديد من أنصار الحقوق الجنسية والإنجابية من المنظمات غير الحكومية الرائدة، بالإضافة إلى الشخصيات السياسية المعارضة لمشروع القانون. وفى مدينة المكسيك، عقد قادة “مجموعة جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية” وكاثوليك من أجل الحق في اتخاذ القرار “ورابطة دايفرسا النسوية السياسية مؤتمرًا صحفيًا أمام المقر الوطني لحزب العمل الوطني. وقد شهد اجتماع مغلق لاحق مع قادة حزب العمل الوطنى اختلافات داخلية بين أعضاء الحزب، وإسكات بعض النساء القياديات المعارضات لمشروع القانون.
كان هناك شك متعاظم بين المحللين السياسيين ومنتقدى فوكس وحزب العمل الوطني حول هذه المبادرة وأنها جاءت مباشرة من الرئيس المنتخب فوكس لاختبار الوضع بالنسبة لإمكانات تقييد تشريع الإجهاض في المستقبل. قام رئيس حزب العمل الوطني باستجواب فوكس مباشرة، فى اليوم نفسه الذي ظهرت فيه أخبار مشروع القانون في الصحف, بما يعنى الإشارة إلى ما تخطط الحكومة المنتخبة الجديدة على القيام به على المستوى الوطنى ما أن تتسلم السلطة في ديسمبر ٢٠٠٠. لكن فوكس أصر بصرامة أن هذه المسألة شأن محلي لم يقم فيه بأي دور, وأعلن على الملأ أن إدارته لن تتخذ تحركات مماثلة على المستوى الفيدرالي, (29) وفيما بعد أضاف أن الحزب الوطنى لا علاقة له حتى بمبادرة الإصلاح. (30)
وسواء كان فوكس يعرف عن المبادرة ويؤيدها من عدمه، فقد كان المحافظ المؤقت أحد أقرب حلفاء فوكس السياسيين، بل إن فوكس نفسه أعلن في عديد من الحالات عن معارضته الشخصية للإجهاض. إن اسمه موجود في سجل معارضي الإجهاض القانوني لضحايا الاغتصاب – كما أشرنا أعلاه – وقد عارض التغيير التشريعى فى ولاية تشياباس تجاه تحرير تشريع الإجهاض, (۳۱) وهو التشريع الذي لا يزال مجمداً بسبب الضغط القوى من السلطات الكنسية الكاثوليكية. وعلاوة على ذلك، فقد ترك فوكس البلد فى جولة منظمة بأمريكا اللاتينية ما أن بدأت أخبار التعديل في إثارة فضيحة. لكن الإجراء لم يمثل أى تهديد سياسى على فوكس، ذلك أنه كان قد خاص بالفعل الانتخابات الرئاسية. وعلاوة على ذلك، لم تكن إدارته قد تسلمت السلطة بعد وهو ما حررها من الخطر السياسي. لقد كان بالأحرى حزب العمل الوطني نفسه، بالإضافة إلى المشرعين المحليين, هم الذين تحملوا ثقل الرفض الوطنى. في مقر الحزب الوطنى، أدرك القادة أن التحرك كان خطأ سياسيًا, وطلبوا من المشرعين المحليين سحب التعديل, (٣٢) على الرغم من موقف حزبهم ضد الإجهاض ومن أجل الحياة “منذ لحظة الحمل“. لم يكن التمزق الحزبي الداخلي سرًا, لكنه ازداد عمقاً مع موضوع جواناخواتو . وبعد الانتخابات, أعلن فوكس تصريحات عامة حول حاجته إلى مزيد من الاستقلال عن حزبه. ومن المعروف أن قلق فوكس حول صورة حزبه كان أقل من حاجته إلى اختبار المياه من أجل مبادرة مستقبلية في ظل فترة إدارته.
وعلى مدار الأيام التي استغرقها المحافظ لمراجعة القانون، تظاهرت مختلف قطاعات المجتمع المدنى ضده أمام مقر حزب العمل الوطنى فى مدينة المكسيك ومكاتب فوكس ومبنى الهيئة التشريعية في جوانا خواتو. وقد سافر الناشطون من جوانا خواتو لمدينة المكسيك والعكس, مع وضع استراتيجية حول كيفية عرقلة العملية ومقابلة ممثلي حزب العمل الوطنى والأحزاب المتحالفة في الهيئة التشريعية في جواناخواتو . وكان وجود امرأة مشرعة من أنصار الاختيار – من أعضاء الحزب الثورى الديمقراطي – في جواناخواتو أساساً للنجاح فى هزيمة الإجراء. كما أعرب قادة الرأى – الأطباء، وموظفو الدولة من جميع الأحزاب بما فيها حزب العمل الوطني، وقادة المجتمع المدني, والمنظمات غير الحكومية – عن معارضتهم المبنية على الحرية الدينية, والحاجة إلى تعزيز فصل الكنيسة عن الدولة، فضلاً عن تعزيز الديمقراطية, والعدالة الاجتماعية, والحق في اتخاذ القرار.
في مواجهة هذه المعارضة العامة القوية، قام محافظ جواناخواتو المؤقت بتنظيم استفتاء للرأي العام في الولاية لسماع وجهات نظر الجمهور. (۳۳) ونظرًا لقلقهم على مدى مصداقية هذا الاقتراع وكيفية استخدامه، سرعان ما قامت المنظمات غير الحكومية المعنية بالحقوق الإنجابية والجنسية بإجراء اقتراع من جانبها في الأسبوع نفسه الذى ثم فيه الاقتراع الذي طرحه المحافظ. (34)
قدمت المنظمات غير الحكومية نتائج اقتراعها في مؤتمر صحفى قبل الإعلان العام عن نتائج اقتراع المحافظ بثلاثة أيام. ومن عينة عشوائية تضم مقابلات مع ٧٧٤ شخصاً ، كان ٦٢% يعرفون بأمر القانون – من بينهم ٤٣% ضد فرض عقوبة على الإجهاض في حالات الاغتصاب، و ٧٠% فى حالات الخطر على حياة المرأة, و ٦٨% فى حالات الخطر على صحتها . كما أفادوا أيضًا بأن رأى النساء (٣٦%) ، والمجتمع بشكل عام (٣٠%) والكنائس (۱٥%) والمجتمع الطبي (۹%) يجب أن يؤخذ في الحسبان عند وضع تشريع حول الإجهاض. كما يرى ٨٤% أن المعتقدات الدينية للمشرعين يجب ألا تؤثر على قانون الإجهاض، على أن 13% فقط كانوا يرون ضرورة أن تؤثر . وكان ٢٦% فقط يؤيدون التعديل بالكامل، و٨% يؤيدونه إلى حد ما، و ١٨% ضده إلى حد ما، و ٤٧% ضده بالكامل. وقد أشار مؤيدو التعديل إلى أسباب مثل “لا يجب إنهاء حياة الطفل“، أو “ليس ذنب الطفل كيف أصبحت أمه حاملا به“, وحتى مع ذلك، فإن النساء اللاتي يمارسن الإجهاض يجب معاقبتهن” ، و“الإجهاض يعد جريمة/ قتل” . أما الأسباب الرئيسية ضد التعديل فقد كانت كالتالي: “النساء اللاتى تعرضن للاغتصاب وأجرين عملية إجهاضهن لا يجب إرسالهن إلى السجون“, “فقط المرأة التي تتعرض للاغتصاب هي التي يجب أن تقرر ماذا تفعل” , “النساء يتعرضن للاغتصاب ضد رغباتهن، إنه ليس خطأهن” , “لا يجب معاقبة النساء على قرارهن, الإجهاض“. وعلى الرغم من أن ٥٧% من كل المبحوثات كانوا ضد الإجهاض فى حالات الاغتصاب, كان ٦٣% ضد العقوبات المنصوص عليها في القانون. وقال 94% بضرورة تنظيم مشاورات عامة قبل التصويت على تشريع الإجهاض من جانب الهيئة التشريعية الولاية.
ومن مجموع المقترعين اعتبر ۹۷% أنفسهم “كاثوليك” – مع متوسط يصل إلى 7.3 زيارة للخدمات الدينية – أسبوعيًا – وأدلى ٦٢% بأصواتهم لصالح حزب العمل الوطنى فى الانتخابات الرئاسية.
كان المحافظ قد كلف جامعة جوادالاجارا، المعروفة بروابطها بالمؤسسات الكاثوليكية، بإجراء الاقتراع في ١٥ منطقة بالولاية، وأيضًا باستخدام عينة عشوائية. ومن بين ۱۲۰٤ أشخاص شملهم الاقتراع، كان 59.5% يعرفون بأمر القانون، وكان ٥٣% من المقترعين غير موافقين عليه، ورأى 67.8% ضرورة عودته إلى الكونجرس المحلى لينال المزيد من المناقشات المؤسعة. لقد تم توجيه أسئلة إضافية حول “الحق في الحياة” وحول الإجهاض بشكل عام، بغية معرفة المزيد حول “القيم السائدة بين المواطنين” . وأوضحت الإجابات عن تلك الأسئلة أن ٥١% يرون عدم المعاقبة على الإجهاض في مثل هذه الظروف، وأن جميع البشر لديهم الحق في الحياة (۹۷%)، وأن الحياة تبدأ من لحظة الحمل (٧٠%). وجاءت النتائج المستقاة من الاقتراع على النحو التالي: “لا يرغب سكان جواناخواتو فى إغلاق القضية، بل على العكس يرغبون فى إعادة القانون إلى الهيئة التشريعية بحيث لا تقتصر مناقشته على المشرعين المحليين.
كانوا يرغبون، أولاً وقبل كل شيء، في أخذ رأى الناجيات من الاغتصاب اللاتى أصبحن حوامل في الحسبان، هذا بالإضافة إلى آراء المتخصصين في المجال, علاوة على رأى المجتمع ككل . وهو الأمر الذي من شأنه أن يسمح بإصلاح قانونى متسق مع الجوانب الطبية والقانونية, والحق في الحياة، وآراء المواطنين“.
كما قامت مجموعة جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية بتكليف أحد خبراء علم الإحصاء بتحليل نتائج اقتراع المحافظ، ومدى الثقة فى الأسئلة التي تم توجيهها والإجابات التي أسفرت عنها . وقد وجد الخبير أن الأسئلة كانت مصاغة بطريقة تقود المبحوثون إلى الإجابة بأسلوب معين، كما كان هناك نقص في المعلومات التي تعزز هامش الخطأ المذكور ومدى الثقة، فضلاً عن نقص المعلومات التي تعزز مدى تمثيلية العينة, وعدم الاتساق في الطريقة التي جاوب بها المبحوثون عن الأسئلة المماثلة أو ذات الصلة، واللغة المثيرة للتشوش, والتلاعب في الأسئلة، وكذا الإجابات الموجهة، والأسئلة غير ذات الصلة – أسئلة ليس لها علاقة برؤى المواطنين حول القانون ذاته – وفقر المعلومات المتعلقة بتصميم الدراسة. وقد خلص الخبير إلى أن هذه المشكلات قد جعلت من الصعوبة تحديد وزن دلالة النتائج. علاوة على ذلك، أدت الأسئلة التي تعكس قيماً بعينها، والإجابات التي كان يبدو واضحًا أنها موجهة, إلى التشكك في النتائج. ومما أثار قلقًا أكبر إدخال مصطلح “الحق في الحياة” في الأسئلة. وعلى سبيل المثال، جاء أحد أسئلة المسح على النحو التالي: “لماذا يمكنك أن تؤيد القانون؟” . ومن بين اختيارات الإجابة، هناك ما يلى: “لأن الطفل لا ذنب له, ويصبح الأمر قتل شخص برئ“. وكانت توجد أسئلة أخرى موجهة، وعلى سبيل المثال: “هل توافق على ضرورة معاقبة النساء اللاتى يلجأن إلى الإجهاض في حالة حملهن نتيجة اغتصاب؟” (35) و “هل يجب معاقبة المرأة التي تحمل نتيجة اغتصاب وتنهى الحياة التي نتجت عن هذا الاغتصاب؟ (36)” (37, 38)
ويبدو واضحاً أن الاقتراع ونتائجه كانا موضوعين في إطار يتيح لحزب العمل الوطنى إمكانية فرصة أخرى لإصدار هذا القانون أو قانون مماثل. وفى واقع الأمر, كان أحد الأسئلة فى الاقتراع يقضى ضمنا بذلك, “إذا كان بإمكانك إعادة القانون إلى المشرعين لدراسته مزيداً, أو أن تقبله كما هو، فماذا تفعل؟ أى أنه لم يتح للمبحوثين خيار رفض القانون برمته . وعند الإجابة عن هذا السؤال, قال ٦٨% إنهم يفضلون إعادته للدراسة. وقال ٣٢% إنهم يقبلونه. وبهذه الكيفية, بمقدور الولاية القول إن المواطنين لم يطالبوا “بإغلاق الموضوع” ، وإنهم كانوا على حق في تحديد وجود مشكلة تحتاج إلى الانتباه. وهكذا، تمكنت حكومة الولاية من التعافى من الضربة التي تعاملت معها بنفسها. وعلى الرغم من عدم قدرتهم مؤقتًا على إصدار القانون، فقد حفظوا ماء وجههم. وأمكنهم تجنب الإقرار بخطأ سياسى . وقد تركوا الفرصة مفتوحة أمام الاجتماع التالي للهيئة التشريعية للنظر فى الموضوع مرة أخرى. وعلى ضوء ذلك، أعلن محافظ جواناخواتو في ٢٩ أغسطس ۲۰۰۰ رفض مشروع القانون ارتكازا على نتائج الاقتراع الذي تم تحت رعاية الحكومة.
في الرابع عشر من أغسطس، وقبل الإعلان عن رفض محافظ جواناخواتو, قدمت روزاریو روبلس – المحافظ المؤقت للمنطقة الفيدرالية، وهي سياسية شابه ذات آراء نسوية – قانونًا إلى المجلس التشريعي للمنطقة الفيدرالية يجعل تشوه الجنين والخطر على صحة المرأة استثناءات فى قانون العقوبات. ودعت روبلس إلى جلسة غير عادية للمجلس لتقديم هذه المبادرة, من بين أمور أخرى.
استمرت حملة النفاذ إلى العدالة في الضغط من أجل تحرير قانون الإجهاض، حتى بعد رفض الحزب الثورى الديمقراطى لعرضه عام ۱۹۹۹ ، كما استمرت في إصرارها على ذلك بعد الانتخابات الرئاسية في يوليو ٢٠٠٠ . وقد كان هذا الضغط أساس إقناع العمدة روبلس بالدعم الذي يمكن أن تحصل عليه لإصلاح القانون, وحضر أعضاء الحملة العرض الرسمي للمبادرة التي توضح مدى الدعم الجماهيري. وأصبح العرض في حد ذاته عملاً دالاً مؤيداً للاختيار ، وحضره العديد من القادة المدنيين وقادة الرأى, وقدم بعضهم مداخلات مؤيدة له.
وعلى الرغم من اعتراض أعضاء حزب العمل الوطني, فقد كانوا غير قادرين على عرقلة العملية أو مسار مشروع قانون الإصلاح نفسه، مع معرفة عددهم الصغير. وقد آثار مشرعو حزب العمل الوطني وقادتهم الوطنيون اتهامات بالانتهازية السياسية, (39) لكن المبادرة حظت بمساندة واسعة النطاق من خلال “حملة النفاذ” وغيرها من المواقع. أما اقتراع الرأى العام الذي أدارته مجموعة جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية فى أبريل ۱۹۹۹, علاوة على أكثر من اقتراع قامت بها وسائل الإعلام, قد أضفى شرعية على المبادرة, مما أتاح لمشرعي الجمعية التشريعية للمنطقة الفيدرالية رفض الاتهام المتعلق بأنهم يقدمون القانون دون مناقشة كافية أو دعم كاف من المجتمع المدني. على أن أوسع تأييد جاء من رد فعل المجتمع المدني لوضع جواناخواتو، فقد أعلنت روبلس نفسها – على نحو لافت للنظر – أن مبادرتها كانت ره فعل واضحاً لقانون جواناخواتو, حيث إن حزب العمل الوطني نفسه قد فتح الباب للنقاش نظرًا إلى الحاجة لمزيد من التشريع حول المسألة.
إن الحزب الثورى الديمقراطي – الذي جادل سابقًا من أجل تأجيل أي تغييرات تشريعية حول الإجهاض, بسبب رغبته في التوصل إلى اتفاق بين مختلف الأحزاب في الجمعية التشريعية للمنطقة الفيدرالية وتجنب موضوع الإجهاض في أثناء السباق الرئاسي – أصبح الآن يحرض على إجراء الإصلاح نفسه الذي كان قد رفضه منذ عام ونصف العام سابقًا، لكنه الآن يتبناه بدعم من المجموعة العليا فى الحزب الثورى الديمقراطي، وعمدة المنطقة الفيدرالية, وقائدة الحزب النسوى أماليا جارسيا, والمجتمع المدنى، والرأى الشعبي. إن أغلبية أعضاء الحزب الثورى الديمقراطى الأعضاء في المجلس التشريعي للمنطقة الفيدرالية وافقت على مبادرة العمدة وأصدرت تشريعًا لصالح ذلك. ومما يثير الجدال، أن الحزب الثورى الديمقراطى ليس لديه أي شيء يخسره. لقد انتهت الانتخابات، ويمكنهم الاعتماد على الحزب الثوري المؤسسي لكي يكون حليفًا في تمرير القانون (هذا لم يكن ليحدث أبدًا قبل الانتخابات الرئاسية)، ما دام الحزب الثورى المؤسسي قد انتقد علانية أيضًا حزب العمل الوطني حول موضوع جواناخواتو، وعلى الرغم من أن القانون كان يمكن أن يمر دون مشرعى الحزب الثورى المؤسسي، فقد أوضحت موافقتهم أن الإصلاح يتمتع بدعم وفير، مما يعطيه مصداقية أكبر. لقد انقلبت الأوضاع، وأصبح من المفيد سياسياً بالنسبة إلى الحزب الثورى الديمقراطي والحزب الثورى المؤسسي أن يوضحا حساسيتهما تجاه الإجهاض، مستفيدين من تأیید أنصار الاختيار، والذي تجلى واضحًا بالنسبة لباولينا وهي رد الفعل تجاه قانون جواناخواتو.
كان رد فعل المجموعات المناهضة للاختيار يتسم بالشدة تجاه قانون مدينة المكسيك. ودعا أنصار الحياة النشطاء من أصحاب الخبرة المناهضين للاختيار من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا للمساعدة في قيادة الاحتجاجات العامة أمام عيادة الإجهاض القانوني حديثة الافتتاح في ولاية يوكاتان (40) وفي الميدان الرئيسي بمدينة المكسيك. كما تجمعوا أيضًا أمام عيادة بمدينة المكسيك زعموا أنها تقدم خدمات الإجهاض غير القانوني, (41) على الرغم من التأكيدات التي قدمها العاملون بالعيادة بعكس ذلك. لقد كانت القوانين المكسيكية التي تحظر مشاركة الأجانب فى السياسة تتسم بالصرامة. وجاء رد فعل الحكومة الفيدرالية بأن أصدرت أمراً بترحيلهم، وفرضت غرامات على أنصار الحياة. كما أدلى رئيس أساقفة المكسيك، وغيره من قادة الكنيسة, بتصريحات عامة مفادها أن أى شخص ينخرط في الترويج للإجهاض سوف يُحرم من الكنيسة دون إبطاء, ولكن عند سؤالهم بشكل مباشر حول مدى انطباق ذلك على العمدة، أجاب رئيس الأساقفة بالنفى. (42)
نقلت وسائل الإعلام انتقاد تطرف رئيس أنصار الحياة ورئيس الأساقفة من خلال افتتاحياتها ورسومها الكاريكاتورية, لكن إداناتها الشاملة وتعبيرها عن عدم التسامح وافتقاد الحساسية قد كلفها المصداقية في مجتمع يشعر بقلق متزايد حول التهديدات الموجهة للدولة المدنية وللإقرار بالتنوع واحترامه.
وعلى الرغم من محاولة الكنيسة وأنصار الحياة عرقلة لبرلة قوانين الإجهاض, شهد أواخر أغسطس صدور قانون تجريم الإجهاض على أسس مختلفة – وقد أصدره أعضاء كل من الحزب الثورى الديمقراطي والحزب الثوري المؤسسى فى الهيئة التشريعية في موريلوس, قبل شهور فقط من تولى محافظ حزب العمل الوطني المنتخب الجديد لمنصبه. وبالمقارنة بالنقاش الذي ولدته إصلاحات جواناخواتو ومدينة المكسيك، فإن الإصلاح في موريلوس جذب القليل من الاهتمام, لكنه يظل علامة واضحة على تغير العقلية تجاه الإجهاض.
رغم أن القيود الصارمة ما تزال مفروضة على الإجهاض في القانون المكسيكي، فقد بدأت العلمنة والتنوع الديني في التزايد ببطء، علاوة على تغير القيم الأخلاقية. لقد أشار الناقد الثقافي کارلوس مونسيفايس منذ سنوات إلى أن المكسيك نجحت بالفعل في عدم تجريم الإجهاض أخلاقيًا. (43) ويبدو واضحًا أن حالة باولينا تُعد بشيرًا بالوعى الجماهيري والغضب الذي تفجر التعبير عنه في اثناء إصلاح جواناخواتو. وقد أطلق مونسيفايس على قضية باولينا اسم “الاكتشاف الجماعي للرعب“. (44)
وخلال السنوات السابقة, مارس حزب العمل الوطني ضغوطًا على سلطات الحزب الثورى المؤسسى حتى لا تجرى عملية إصلاح للتشريع الخاص بالإجهاض, مستخدماً نفوذه كحزب سياسى ومن خلال المنظمات غير الحكومية المناهضة للاختيار. وتوضح الأحداث المحيطة بباولينا وجواناخواتو عدم فهمهم لمدى تغير الشعب المكسيكي. كما أوضحت تلك الأحداث أن الطرق المختلفة التفكير تبرز في التحولات الثقافية الراديكالية. وعلى الرغم من أن النضال من أجل الإجهاض – بوضعه حقًا إنجابيًا – لم يتحقق في المكسيك، فإن التغييرات التي حدثت في الرأى العام لا تقبل الجدال، بما في ذلك ولاية جواناخواتو المحافظة. وعلاوة على ذلك, كان الجناح اليميني مسئولاً عن رد الفعل السلبي تجاه أهدافهم. لقد أعلن حزب العمل الوطني ورجال الدين عن تصريحات لا تصدق في قضية باولينا، وعلى سبيل المثال: “من الجيد أن باولينا لم تقم بالإجهاض، فبالإضافة إلى الحزن المصاحب لعملية اغتصابها كانت ستضيف جريمة قتل“, (45) وأنه من أجل تجنب الاغتصاب “على النساء أن يقمن بالجزء الخاص بهن, فأسلوب ملبسهن مثير: على النساء أن يتسمن بمزيد من الاحتشام ولا يشجعن عليه، أي الاغتصاب“. (46)
لقد أدخل الحزب الثورى الديمقراطي سياسات الإجهاض – بعد فشل حزب العمل الوطني في إصدار إصلاح لم يكن فى وقته المناسب أو يحظ بدعم جماهيري – عندما أجبرت عمدة مدينة المكسيك حزبها على اتخاذ موقف تجاه اقتراح “حملة النفاذ” لعام ١٩99. وبما يتجاوز خطوط الحزب، أظهر تعاقب الأحداث الوعى الجديد للالتزامات الأخلاقية بشأن احترام التنوع في مجتمع ديمقراطى. وفى مواجهة ثقل الأيديولوجية الكاثوليكية, كان تحديد موقع الإجهاض – بوصفه قراراً شخصياً خاصاً – يتعارض والنهج الإطلاقي ويتفق والتنوع الاجتماعي. وكان الضغط من أجل الإصلاح القانوني يأتي من القطاعات النسوية، لأن النساء اللاتي يعانين من الإجهاض السرى يبقين صامنات خوفًا من الانتقام الاجتماعي. ومع ذلك, فإن رد فعل المجتمع الساخط والمستثار هو الذى سوف يحطم في النهاية الإجحاف ضد الإجهاض، والذي يجعل المرأة تعاني في صمت.
يجب أن تقع الحقوق الإنجابية والجنسية في قلب المناقشات الدائرة حول نوعية الحياة، والمسئولية الفردية, وحرية المعتقدات. إن الدفاع من الحقوق الإنجابية يقود إلى اعتقاد رئيسى فى الحرية والمساواة: حرية اتخاذ القرار, والمساواة فى النفاذ إلى المعلومات والخدمات الطبية. وهذا هو السبب في أن الحقوق الإنجابية تُعد. حقوقاً ديمقراطية أصيلة، إنها تنبع من الحرية – وخاصة الحرية الجنسية – وتتطلب أساساً مشتركًا، أي المساواة في إمكانات النفاذ المذكورة سلفًا. إن أطروحة العدالة الاجتماعية المتعلقة بالحقوق الإنجابية تكمن في توفر إمكانات النفاذ على قدم المساواة إلى الخدمات الصحية الجيدة، وتقليص وفيات الأمهات والرضع، وتقليص حمل المراهقات غير المرغوب. وبالتالي الحاجة إلى توفير إجهاض آمن وقانونى فى إطار الخدمات الصحية.
في المكسيك، نجد أن الدفاع عن الحقوق الإنجابية يخدم أيضًا ترسيخ مجموعة من القيم الأخلاقية والسياسية لمواجهة تقدم الأصولية الدينية والجناح اليميني. إن التأثير على الخطاب الجماهيري حول الإجهاض يتطلب عملاً فاعلاً ومستمرًا مع وسائل الإعلام، نظراً للتفاوت الضخم بين موارد الجناح اليميني والكنيسة الكاثوليكية، وموارد جماعات الحقوق الإنجابية والجنسية. إن الكنيسة تنشر إعلانات باهظة التكلفة تملأ صفحات كاملة في الجرائد, ويمكنها شراء فترة بث تيلفزيوني وإذاعى. وبفضل تحالفاتها السياسية مع أصحاب وسائل الإعلام المهيمنة، فإنها تملك أيضًا إمكانات النفاذ إلى فترات بث هوائي مجانية. ومع ذلك, يصبح الرأى العام – فى بعض الحالات – أكثر قوة من الدعم المالي للكنسية، كما كانت الحال في المكسيك طوال عام ۲۰۰۰ . وبفضل اهتمام الإعلام والتعبير الاجتماعى لقيم أنصار الاختيار، شهدت أخبار فضيحة جواناخواتو وقانون مدينة المكسيك تغطية يومية لعدة شهور. إن أنصار مجموعة جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية – من بين مجموعات أخرى عديدة – ظهروا تكراراً على شاشة التليفزيون وفي الإذاعة، مروجين ومعززين للحقوق الإنجابية والجنسية باعتبارها قيمًا مرتبطة بالحريات الاجتماعية والفردية، ومؤكدين تطوير الإمكانات الشخصية, والمهام الديمقراطية والسمحة, والدفاع عن الخصوصية (47) – وهي رؤية تتقاسمها عديد من القطاعات الاجتماعية اليوم.
إن آلاف من نساء المكسيك يقررن كل عام إنهاء الحمل غير المرغوب. ويمكن تفسير قراراتهن باعتبارها تمثل تحولاً عاماً فى طموحات النساء ورغبتهن المتزايدة في الحياة على نحو يختلف عن حياة النساء في الماضي, مع ممارسة أكثر كمالاً للمواطنة بحيث تقودهن إلى ما يتجاوز مجال الأمومة المقيد. إن خطط الحياة لدى النساء آخذة فى التغير, وتضحياتهن التقليدية لأسرهن قد بدأت تحل محلها رغبة أكثر فردية لعيش حياتهن. ومع بداية إدراكهن لمستقبلهن باعتباره شيئًا أكثر شخصية, بدأت النساء تتولى زمام السيطرة على حياتهن, مع زيادة الاعتبار للحياة الجنسية بوصفها رمزًا للتحقق الذاتي أكثر مما كان عليه الأمر من قبل.
ومع ذلك، وفى محاولة لتوسيع مجال عملهن في هذا البحث عن الحرية، وجدت النساء – وخاصة الشابات – أن هناك فجوة ضخمة بين الرسالة التي يحصلن عليها وواقع حياتهن. إن الحدود الموضوعة على الخيارات المتاحة أمامهن تجعل من المستحيل بالنسبة لهن تحقيق الكثير من أحلامهن. ففى مجتمع يتسم بالبطالة ومشكلات الإسكان, تمر العلاقات الأسرية بتغيرات كبيرة, ويجلب شركاء جدد في الحياة الجنسية الآفاق الجديدة للحب والزواج والإنجاب وبناء الأسرة. لقد أصبحت اللقاءات الجنسية أكثر سهولة، ومع ذلك فإن العقبات المادية والأيديولوجية لبناء حياة جنسية مسئولة لا تقود فحسب إلى كثير من حالات الإجهاض وإنما تقود أيضًا إلى إنجاب كثير من الأطفال غير المرغوبين. كانت الأسرة الكبيرة هي العرف في الماضي، لكن هذا الوضع لم يعد قائمًا اليوم.
إن الصعوبات التي تواجهها النساء المكسيكيات اليوم في ممارسة حقوقهن الإنجابية والجنسية تثير الألم والإحباط، وهو الأمر الذي يتسم بأهمية كبيرة عند حشده. على أن رغبة النساء فى الديمقراطية في حد ذاتها لا تقود تلقائياً إلى زيادة الاهتمام بالحقوق الإنجابية والجنسية. ولكى تصبح هذه الحقوق جزءًا بالفعل من النقاش والوعى على المستوى العام، يجب تناولها صراحة من خلال الأجندة السياسية. ولهذا السبب، فإن جزءاً جوهريًا من النضال من أجل الحقوق الإنجابية والجنسية يتمثل في كيفية ربط المطالب النسوية بالسياق الاجتماعي، أو كيفية صياغة تلك المطالب بطريقة تمس المشاعر الديمقراطية لدى الناس. (48) لقد أصبحت حالة باولينا فى المكسيك نموذجاً حول كيفية تشجيع الناس على تقديم تلك المطالب بوصفها جزءًا من طموحاتهم السياسية.
إن ظهور العقلية الليبرالية العلمانية يرتبط بالتغيير الاجتماعي، حيث يلعب الطموح إلى الحداثة دوراً أساسياً . كما أن التحديات الراهنة أمام التنمية في المكسيك تجعل الإقرار القانوني بحق النساء في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأمور المرتبطة بأجسادهن مسألة ملحة، باعتبارها جزءًا أساسيًا من المواطنة الحديثة. يجب أن تبحث المنظمات النسوية غير الحكومية عن التناقضات الموجودة في العملية السياسية واسعة النطاق، واقتناص الفرص المتاحة للوساطة والمشاركة مع القطاعات الأخرى من أجل تأسيس خطاب حداثي حول المواطنة, خطاب يرتكز على نموذج لمجتمع أكثر مساواة – بما في ذلك المساواة فى مجالى الشئون الجنسية والإنجابية.
تود المؤلفتان التوجه بالشكر إلى العاملين في منظمة “ألايدي فوبا” . أول من أبلغ مجموعة جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية بحالة باولينا دل كارمن راميريز ياسينتو: وإلى سوكورو مايا، محامية باولينا: وإلى راساريو تاراسينا, من مجموعة جمع المعلومات حول الصحة الإنجابية، حيث ساعدتنا في تحديد المعلومات المتعلقة بحالة باولينا.
* تضم المكسيك 31 ولاية, بالإضافة إلى مدينة المكسيك
Dietz M. Context Is all : feminism and theories of citizenship . In : Daedalus , Journal of the American Academy of Arts and Sciences . 1987 Fall : 1-24 .
The legal term for Mexico City is the Federal District , as the federal powers are located there . The two terms are used interchangeably .
attention: Lamas M. The feminist movement and the development of political discourse on voluntary motherhood in Mexico . Reproductive Health Matters . 1997 ; 5 ( 10 ) : 58-67 . Aborto culposo , i.e. if the woman has an accident that triggers an abortion and needs medical The eleven states are : Baja California Sur , Coahuila , Colima , Chiapas , Guerrero , Mexico , Michoacán , Nayarit , Nuevo Leon , Tamaulipas , Tlaxcala and Zacatecas . The only state with Oaxaca , Puebla , Quintana Roo , Veracruz and Yucatan ; the eight are Hidalgo , Jalisco , GIRE ( Information Group on Reproductive Choice ) began operations in 1991 to formulate a pro – choice response to the constitutional reform granting a legal presence to churches in Mexico and an attempt to liberalise the abortion law in the state of Chiapas that was blocked due to pressure from the Catholic Church hierarchy and pro – life groups .
abortion for socio- economic reasons is Yucatan .
Proceso , January 10 , 1999 .
Reforma , January 25 , 1999 .
Análisis de Resultados de Comunicación y de Opinión Pública , S.A. de C.V. , ” Estudio de opinión púiblica sobre aborto en el Distrito Federal ” April 1999 .
Poniatowska E. Las mily una .. ( La herida de Paulina ) . Mexico City , Plaza Janés , September
2000 , pp . 44-45 .
Paulina : In the Name of the Law . GIRE , Mexico City 2000 .
Comisión National de 10s Derechos Humanos . Recomendación : Caso de Recurso de Impugnación de lamenor Paulina del Carmen Ramírez Jacinto . Mexico City , 18 September
2000 , p . 12 .
Jornada , 23 March 2000 .
Crónica , 9 April 2000 .
Paulina : In the Name of the Law . GIRE , Mexico City 2000 .
Heraldo , 21 April 2000 .
Jornada , 1 May 2000 .
Heraldo , 9 May 2000 . Universal , 29 April 2000 .
Enrique Maza at the presentation of Las Mil yUna … ( La herida de Paulina ) by Elena Poniatowska , September 28 , 2000 .
Proceso , 7 May 2000 .
Poniatowska E , op cit , p . 47 .
Jornada , 15 April 2000 .
Comisión National de los Derechos Humanos . Recomendación : Caso de Recurso de Impugnación de la menor Paulina del Carmen Ramírez Jacinto . Mexico City , 18 September 2000 .
Letters from Alejandro González Alcocer , Governor of Baja California , to Cesar Mantillas Amador , Jose Luis Soberanes Fernández , Carlos Alberto Astorga Othón , Juan Manuel Salazar Pimentel , and Jose Guadalupe Zamorano Ramirez dated 5 October 2000 , advising them to co – operate with this decision and provide the services that correspond to the institutions they head . GIRE archives .
Recommendation 2/2000 of the Baja California State Offices for Human Rights and Citizen
Protection , 3 March 2000 .
Ibid .
Jornada , 5 August 2000 . Jornada , 5 August 2000 , Jornada , 10 August 2000