الاستعمار الكولونيالي القرن الثامن عشر إلى بدايات القرن العشرين

التصنيفات: غير مصنف

المنهجيات والمنظومات والمصادر

لدراسة النساء والثقافات الإسلامية المداخلات تبعا للموضوع

الاستعمار الكولونيالي

القرن الثامن عشر إلى بدايات القرن العشرين

مقدمة

يبحث هذا المقال في تأثير الإمبريالية الأوروبية على المعلومات الخاصة بالنساء في الثقافات الإسلامية بداية من القرن الثامن عشر إلى عشية الحرب العالمية الأولى. وسوف يركز العقال بالأساس على أقوى قوتين استعماريتين وهما بريطانية العظمي وفرنسا، كما سوف يتم الإشارة إلى قوى استعمارية أخرى لأغراض المقارنة. حيث إننا نملك اليوم قدرًا أكبر من الأبحاث الخاصة بالنساء تحت حكم الامبراطورية البريطانية يفوق ما لدينا عن أية قوى استعمارية أخرى، فسوف يتم توجيه قدر أكبر من الانتباه إلى تلك الإمبراطورية. إننا نأمل أن يحفز هذا المقال عمل مزيد من البحوث في المستقبل حول الشعوب والأقاليم المحتلة التي لم يتم دراستها حتى الآن بشكل كافٍ من منظور الجندر.

رغم وجود فروق عامة، إلا أن الإمبراطوريات الأوروبية في كل من أفريقيا وآسيا حاكت بعضها البعض من حيث سياساتها ومؤسساتها وأساليبها في البحث. والتأريخ القديم يقول إن بريطانيا العظمى فضلت أساليب الحكم غير المباشرة، على حين استخدمت فرنسا الحكم المباشر، والواقع أن جميع الإمبراطوريات استخدمت كلا من الآليات المباشرة وغير المباشرة في فرض سيطرتها عبر الزمان والمكان. وحتى الجزائر الفرنسية، والمرتبطة إداريًا بفرنسا بعد عام ١٨٤٨م، استخدمت كلتا الوسيلتين بالتوازي، تبعًا لطبيعة السكان موضوع الحكم. وقد ساهمت وسائل الحكم غير المباشرة، على العكس من المباشرة، في تشكيل طبيعة ودرجة المعرفة بشؤون النساء. فكلما كانت سبل السيطرة أكثر تدخلاً في حياة الناس، كلما كان المسؤولون أكثر اهتمامًا بمسح وتعداد ومتابعة النساء تحت الاحتلال كجزء من نسيج اجتماعي وثقافي أكبر. وبالإضافة إلى تقارير البيروقراطيين عن السكان التابعين تحت الاحتلال، كان هناك مصدر آخر للمعلومات متباين العناصر والمتمثل في كتابات المستوطنين والرحالة والمثقفين أو المغامرين الأوروبيين الذين كانوا خارج هيكل الهرمية الإمبريالية لكنهم كانوا يتمتعون بحمايتها. إن الأرشيف الضخم المكون من نصوص ومواد مصورة أنتجها هؤلاء ساهمت في تشكيل الهياكل الإمبريالية كما ساهمت الأخيرة في تشكيلها. وبشكل عام يمكن القول أن المناطق التي استقر فيها أعداد كبيرة من الأوروبيين بشكل دائم، على سبيل المثال فرنسا في شمال أفريقيا، هي أكثر المناطق تأثرًا بالأنظمة الاستعمارية التي قامت بدورها بالتأثير على مصادر المعلومات.

لقد ولدت الإمبراطوريات الأوروبية أنواعًا جديدة من المعلومات وصنوفا مبتكرة من المعرفة أو التحليل وكذلك أشكالاً جديدة من السيطرة الاجتماعية كما أنها أحدثت تغييرًا في مصادر التوثيق التقليدية، حيث كان من أهمها: الأرشيفات التبشيرية والدراسات الإثنوغرافية والوثائق الإدارية والقانونية أو العسكرية مثل التعدادات الحديثة أو سجلات الصحة العامة. وأثناء عصر الإمبريالية الاستعمارية تم تسجيل كم كبير من المصادر سواء في المستعمرات أو في المراكز الإمبريالية. كما أن بعضا من سجلات الدول التي كانت في السابق تحت الاحتلال، ما زالت تضم السجلات الاستعمارية. على سبيل المثال في جنوب آسيا ما زالت هناك بعض السجلات البريطانية كما ما زال هناك بعض من السجلات الفرنسية في شمال أفريقيا. أما المصادر المحلية، مثل سجلات المحاكم الإسلامية، فقد سبقت السيادة الأوروبية بوقت طويل لكنها تأثرت بشدة بالعمليات التي فصلت ما بين المعرفة الإسلامية وممارسة السلطة. والمواد التصويرية، وعلى رأسها فن التصوير الفوتوغرافي، والتي جاءت مع الجيوش الاستعمارية في القرن التاسع عشر تكتسب في هذا الصدد أهمية خاصة وكذلك ما كتبته النساء المحليات اللآتي حصلن على تعليمهن في المدارس التبشيرية.

جاءت حملات التبشير المسيحية تالية على الجيوش الإمبريالية والمستوطنين الأوروبيين، وإن كانت في بعض الأماكن قد مهدت الطريق أمام الحكم الاستعماري الرسمي. ففي نيجيريا، في الثلاثينات من القرن التاسع عشر، روج التجار البريطانيون للنشاط التبشيري بهدف مد التجارة إلى داخل البلاد، حيث اعتبر أن الاختراق الاقتصادي والتبشير الديني كلاهما مدعم للآخر.

وكثيرًا ما قام التبشيريون بإدخال ثقافة الطباعة جنبًا إلى جنب مع المدارس والعيادات واحتفظوا بتقارير تفصيلية عن المجتمعات الآسيوية والإفريقية حيث كانت عينهم على تحويلهم إلى المسيحية. وقد أولى المسؤولون من الرجال أهمية خاصة للنساء التبشيريات حيث أتيحت لهن وحدهن إمكانية الدخول إلى حرمة المنازل. من ناحية أخرى، فقد يتعارض البيروقراطيون الاستعماريون والمصالح التجارية مع النشاط التبشيري حيث أن تعليم السكان المحليين كان يقال من فرص استغلالهم في العمل كما ساهم في خلق مطالب سياسية. وحيث أن مسحا كاملا يكاد أن يكون مستحيلاً، فإن الجزء الأول من هذا البحث سوف يتناول التفاعل بين التوسع الإمبريالي وإنتاج المعرفة عن النساء. وسوف يتم تحليل تلك العملية من أكثر من موقع: الهند ومصر وشرق أفريقيا تحت الحكم البريطاني، وشمال أفريقيا تحت الحكم الفرنسي، وجزر الهند الشرقية تحت الحكم الهولندي، وإن كان سوف يتم استخدام الإمبراطورية الهولندية هنا لأهداف المقارنة حيث أنه لم يتم توليد أية معلومات عن نساء سومطرة سوى في فترة متأخرة جدًا من الحقبة محل الدراسة هذا. ودون أن تقع فريسة التبسيط المخل، فإن العناصر الأكثر تأثيرًا في حياة النساء كانت تلك الخاصة بالقانون والصحة، وخاصة التعليم. فبناء المدارس وتقديم الخدمة الصحية كانا بمثابة مجالين متلازمين، تأثرًا أكثر من غيرهما بـ الإمبريالية النسائيةالأوروبية. أما الجزء الثاني من المقال فيبحث في المصادر الموثقة وكذلك في مجالات البحث في المستقبل.

هذا وقد تم استخدام مفهومين أساسيين هنا، وهما الإمبريالية والاستعمار الكولونيالي. والمقصود بالإمبريالية هو تلك السياسات والممارسات التي تسمح لدولة ما بفرض سيطرتها على دولة أخرى أو مجموعة من البشر بواسطة العلف المنظم، مثل الغزو العسكري و/ أو الهيمنة الاقتصادية. وعادة ما تتحكم الأنظمة الإمبريالية في البشر من خلال العرق و/ أو الأصل و/ أو الدين و/ أو من خلال ثقافة مختلفة عن ثقافة سكان تلك البلاد. ونظرًا لما يتم تصوره من وجود اختلاف وشعور بالدونية، فإن الشعوب الخاضعة للاستعمار غالبًا ما تفرض عليها قوانين ومعاملات غير مطبقة في البلد الاستعماري ذاته، مثل بعض الإجراءات غير القانونية وسلب الملكية والسخرة إلخ. وفي السابق كان الاستعمار الكولونيالي يعتبر من أفرع الإمبريالية حيث يتميز بالاستيطان الدائم لأعداد كبيرة من البشر من البلد الأمعلى أرض ثم انتزاعها بالقوة من السكان المستعبدين. وتمثل الجزائر تحت الحكم الفرنسي ما بين عام ۱۸۳۰ وعام ١٩٦٢م نموذجًا كلاسيكيًا للدولة والمجتمع الاستعماري، ومع ذلك فإنه كثيرًا ما يتم استخدام مصطلحي الاستعمار والإمبريالية الواحد بدلاً عن الآخر.

بداية من القرن السابع عشر زادت السيطرة الأوروبية عالميًا بشكل تدريجي وإن كان غير متجانس، حيث تضمن ذلك محاولات لتقليد الهياكل المحلية الحاكمة القائمة في آسيا وأفريقيا. وقد يكون أوضح مثال على ذلك هو شركة شرق الهند البريطانية التي على تأسست على شاكلة المؤسسات المغولية في جنوب آسيا. وبالمقارنة بأماكن أخرى في دار الإسلام، كانت جاذبية العالم الإسلامي الغربي (أي الإمبراطوريتين العثمانية والمغربية) بالنسبة لأوروبا الساعية إلى التوسع على درجة فاصلة من الاختلاف، حيث كان التدخل أكثر مباشرة ووضوحًا عنه في أماكن أخرى. إضافة إلى ذلك فإن الجبهات السياسية والعسكرية التي فصلت ما بين الإسلام والمسيحية كانت ساحة للصراعات الدائمة وأيضًا للتبادل المكثف وذلك لفترة تجاوزت الألف عام. وقد كان لذلك أثره على تشكيل العقلية الجماعية وفئات التحليل وبالتالي أيضًا مدارس التوثيق. لكن الأمر كان مختلفًا في جنوب آسيا حيث ساد المسلمون لقرون من الزمان على أغلبية غير مسلمة، متمثلة في مجتمعات متباينة تتبع تراثا هندوسيا متنوعًا، مع وجود أقليات ذات شأن من السيخ واليهود والمسيحيين، والفرس البارسيين، وغيرهم. فلم تتجاوز نسبة المسلمين في التعداد العريض لسكان الهند في أي لحظة من اللحظات أكثر من ٢٠ ٢٥% سواء كانوا سنة أو شيعة. وحين وصل الأوروبيون بغرض التجارة في بدايات القرن السابع عشر كان المغول ما زالوا يحكمون في مدينة دلهي. ومع نهايات القرن الثامن عشر كانت مركزية الدولة المغولية قد تحللت بدرجة كبيرة نتيجة للطائفية والثورات التي أشعلها، إلى حد كبير، تعاظم الوجود الأوروبي. بل إن هذا الوجود نفسه شجع السكان على التحول إلى الإسلام، وهو الميل الذي شجع البحث الإمبريالي في المجتمعات الإسلامية في آسيا وأفريقيا مع التركيز على وضع النساء.

بحلول عام ١٦٠٠م تقريبًا كانت الأساطيل البرتغالية والهولندية والإنجليزية والفرنسية قد وصلت إلى سواحل الهند الشرقية بحثا عن الفلفل والبهارات. وقد كانت تلك البعثات بمثابة بؤر للتأثير الأوروبي حتى وإن بقي تأثيرها محدودًا في البداية حيث لم تنتج تلك البعثات الكثير من الوثائق عن المجتمعات الأصلية بقدر ما اهتمت بالعلاقات التجارية وفرص التجارة. فنجد مثلاً أن وثائق الشركات الأوروبية مثل شركة شرق الهند الهولندية والتي كان مقرها هولندا وكذلك وثائق القنصليات الأوروبية في حوض المتوسط أو الخليج الفارسي (العربي) أو المحيط الهندي، كانت تضم معلومات تفصيلية عن الصادرات والواردات وعن السكان المحليين، بما فيهم النساء، ولكن باعتبارهم منتجين السلع التي تسعى إليها الأسواق الأوروبية، مثل القطن والحرير الخام والأفيون والملح الصخري وغيرها. هذا وقد حفظت تلك الوثائق الفتصلية و/ أو التجارية إلى يومنا هذا في أماكن مثل مكتب السجلات العامة (Public Record Office) في لندن أو في مقر كوي دورساي” (Quai d’ Orsay) في باريس، كما نجد مجموعات ثمينة منها في أرشيفات الجامعات والمقاطعات مثل أكسفورد ونانت وإيكس أن بروفانس. ومع استبدال المحطات التجارية بالمؤسسات الدائمة برزت فكرة المهمة الحضاريةالتي سوف يكون لها تأثير ضخم على المعرفة الاستعمارية، فقد بدلت تلك الأيديولوجية تمامًا من الموقف والتعامل الغربي مع شعوب كانت العلاقة فيما بينهما في السابق علاقة وثيقة بين شركاء في تجارة، وفي بعض الحالات أيضًا شركاء مصاهرة.

إن المكونات الثلاثة لتلك المهمة، وهي الحضارة والتجارة والمسيحية، تفاعلت بأشكال متباينة في الإمبراطوريات المختلفة، لكنها فجرت مسارات تاريخية متعددة المستويات، تتداخل فيها تغيرات ثقافية اجتماعية خاصة بأوروبا علاقات عالمية غير متوازنة. وقد أدى ترويج فكرة المهمة الحضاريةفي الخارج إلى مضاعفة البرامج المحلية في أوروبا التي استهدفت سكان أوروبيين متخلفيناجتماعيًا أو غير مندمجين ثقافيًا، مثل البريتونز أو الطبقات العمالية الخطيرةالتي تولدت عن عمليات التصنيع. وعلى حين استخدمت كافة القوى الأوروبية فكرة المهمة الحضاريةلتبرير استغلال الشعوب في كل مكان في العالم، إلا أن فرنسا، بالرجوع إلى مبادئ العالمية، دافعت وبشدة عن الفكرة القائلة بأنها هي وحدها عليها واجب خاص بشأن جعل مستعمراتها أكثر حضارة. وعلى العكس من ذلك فإن بريطانيا العظمى لم تسع أبدًا إلى تحويل سكان مستعمراتها إلى رجال ونساء بريطانيين، رغم أن سياساتها عبر البحار كانت مليئة بالتناقضات وعدم الانسجام، وهو الأمر الذي يصح أيضًا بالنسبة لباقي القوى الإمبريالية. أخيرًا فإن الاستغلال الإمبريالي لم يتنكر فقط في ثوب المهمة الحضارية المثالية وإنما أيضًا في خطاب أمومي بشأن الوطن الأمالذي حول الشعوب التابعة في أفضل الأحوال إلى أطفال تابعين. والسياسة الأخلاقية للإمبراطورية الهولنديةالتي طرحت بحلول نهايات القرن التاسع عشر بشأن سكان مستعمراتها في جنوب شرق آسيا تعتبر تعبيرًا نموذجيًا لكلا الاتجاهين. ومع اتساع مفهوم المهمة الحضاريةارتفع بشكل ملحوظ معدل التوثيق حول حياة الشعوب في أفريقيا وآسيا، وخاصة حياة النساء في مع تلك الشعوب.

مصادر محلية عن النساء

لكي نستطيع التعرف على التغييرات التي أحدثتها تلك العمليات، يجب أن نبحث في عجالة في كيفية تصوير النساء في مصادر النصوص من عصور ما قبل الاستعمار. فمثلما هو الحال في أماكن أخرى، كانت النخبة أكثر توثيقًا لحياتها عمن هم ليسوا من النخبة. إن حوليات الأسر الحاكمة، مثل كتاب أكبرنامه من القرن السابع عشر، ضمت توثيقًا للإنجازات المجيدة للأسر المالكة. ذلك فإن أدب الطبقاتعرض بالتفصيل لنموذج الحياة المثالية للمسلمين، رجالاً ونساءً، وذلك في أسلوب راقٍ يذكر بأسلوب مخطوطات رحلات الحج. كذلك فإن المخطوطات الإقليمية والمحلية عن التاريخ والجغرافيا وأدب السفر والرحلات (أي السفرنامه والرحلة) المكتوبة بالفارسية في أغلب مناطق إيران وجنوب آسيا، وبالعربية أو التركية العثمانية في مناطق أخرى، ضمت هي الأخرى مصادر تاريخية هامة، رغم أن الأخيرة كانت تميل إلى تناول النساء فقط في الحالات التي كان سلوكهن فيها يوصف بأنه غير مقبول. أما التصوير المثالي للنساء أو لعلاقات القوى بين الجنسين فنجده في كتيبات دليل الإرشاد، كما حوت النصوص الطبية أيضًا على بعض المعلومات. كذلك تحتوي سجلات المحاكم الإسلامية على الجزء الأعظم بلا منازع من المادة الموثقة، ففي تلك السجلات يبرز صوت النساء، وخاصة السجلات القانونية اليومية أو سجلات المحاكم الشرعية والفتاوى حيث تكتسب أهمية خاصة فيما يخص التاريخ الاجتماعي لتلك الفترة. كذلك اشتهرت عصور ما قبل الاستعمار بحضور بارز للنساء في وثائق الأوقاف الدينية. وهناك أيضًا نوع آخر من الوثائق هو القرارات الإدارية، وخاصة عقود هبة الأراضي والتي كثيرًا ما كانت تضم أسماء النساء إما كواهبات أو مستفيدات. إضافة إلى ذلك فإن المراسيم الصادرة عن الحكام حظرت على الأفراد المعنيين أنواعا معينة من الأفعال يمكن أن يعتبرها المؤرخون والمؤرخات مخالفة للمألوفكمقياس لتدخل الدولة في حياة النساء أو في العلاقات ما بين الجنسين. وأخيرًا فإن من أقدم مذكرات الحج في الإسلام التي كتبت بيد امرأة، هي من تأليف أميرة مغولية، بيغوم غولبدان، والتي سافرت إلى الجزيرة العربية في القرن السادس عشر وذلك في رحلة حج إلى المدن المقدسة دامت ثلاث سنوات.

من معركة بلاسي إلى عشية الحرب العالمية الأولى (حوالي ١٧٥٠ – 1914م)

بداية من عام ١٦٠٠م قامت شركة شرق الهند البريطانية ببناء مصانع في مدن سورات ومدراس وبومباي وكالكتا، وذلك لتصدير القطن الهندي والحرير الخام وأقمشة الحرير والملح والأصباغ والبهارات إلى أوروبا. لكن التجارة البحرية كانت تحت سيطرة مجتمعات مختلفة من الجزيرة العربية وشرق أفريقيا وجزر المحيط الهندي، ورغم ثقل الوجود التجاري الإسلامي القديم ومتعدد الأصول العرقية إلا أن كثيرًا من المجموعات الدينية شاركت هي الأخرى في ذلك. وحتى عام ١٧٥٧م كان هناك ٢٢٤ مواطن بريطاني فقط يقيمون بصفة شبه دائمة في الهند، وحيث أنه كان يتم إرسال الرجال فقط إلى تلك المناطق فقد انتشرت ظاهرة المحظيات و/أو الزواج من نساء محليات. وفي أحد الكتيبات الإرشادية الصادرة في عام ۱۸۱۰م والموجهة إلى الرجال البريطانيين تحضيرًا لخدمتهم في الشركة نجد تحليلاً يقدم الجدوى الاقتصادية لاتخاذ محظية هندية تقدم الإشباع الجنسي وفي ذات الوقت تقوم بإدارة المنزل. ويزعم هذا الكتيب الإرشادي أن غالبية المحظيات كن مسلمات. إضافة إلى ذلك اتجه بعض كبار المسؤولين في تلك الشركات إلى التمثل بالسكان المحليين فتبنوا ملبسهم وسلوكهم ونمط الحياة الهندية، فتعلم الكثيرون منهم لغة الأوردو وأداروا أعمالهم بأسلوب الأسرة الحاكمة المغولية، كما تحول بعضهم إلى الإسلام وتزوج من نساء محليات. وفي أثناء تلك الفترة الأولى، كانت النظرة إلى النساء الأصليات من الطبقات العادية على أنهن منتجات ومصادر للعمل، بما في ذلك تقديم الخدمات الجنسية، وذلك لأن هدف الشركة كان تصدير المنتجات غير المتوفرة في أوروبا أكثر منه التأثير على الثقافة أو المجتمع في جنوب آسيا. أما بالنسبة للنخبة من النساء فقد كتب المؤرخان المرموقان للهند في القرن الثامن عشر، وهما أندريه وينك وبايلي (Andre Wink، C. A. Bayly)، أن هؤلاء النساء كن يتمتعن بأهمية مركزية في عقد التحالفات في الهند، حيث لعبت نساء الطبقات العليا أو الأسرة المالكة دورًا جوهريًا في عملية التواصل الاجتماعي وفي شبكات تبادل المعلومات والرقابة، حيث كن على اتصال دائم مع النساء في البلاطات الأخرى كما كن يشرفن على أعداد غفيرة من الخدم، بما في ذلك وسطاء الخطبة والزواج والقابلات الصحيات. إن السجلات الهندية المحفوظة في لندن وجنوب أفريقيا تضم معلومات لا تقدر بثمن تتناول حياة النساء، بما في ذلك الوصايا التي تركها موظفو شركة شرق الهند البريطانية الذين تزوجوا في أسر محلية.

ومع مرور الوقت تحولت الشركة تدريجيًا إلى حكومة محلية. وقد شهد الفرن الثامن عشر سلسلة من الحروب ما بين حكام بريطانيا وفرنسا والمغول، كل ضد الآخر. وفي عام ١٧٧٢م فرض حاكم البنغال، وارين هستينغر، سلطته الكاملة على مصانع ومدراس بومباي ووضع بذلك أسس الإمبراطورية. وفي عام ١٧٨٤م صدر قانون هندي جعل موظفي الشركة مسؤولين مباشرة من البرلمان، كما تم وضع نظام جديد للضرائب والإدارة القضائية يتضمن المحاكم ووحدات شرطة بل ووحدات جيش تحت إمرة ضباط إنجليز. كذلك فإن التحولات التي طرأت على النظام القديم للضريبة الزراعية، والتي اعتمدت عليها النخبة المسلمة الحاكمة، عكست معدلاً متزايدًا من التدخل الأوروبي. كما تم استخدام طرق جديدة في جمع وتنظيم المعلومات حول جنوب آسيا وهو ما وصفه ب. س. كون في عام ١٩٩٦ م بـ وحدات المسح والتعداد والمراقبة” (B. S. Cohn 1996). وقد كانت أكثر تلك الطرق دلالة هو تكويد قوانين الهندوس والمسلمين في سياق دراسة اللغات والتقاليد الهندية. وعندما أصبحت الثقافة والتاريخ موضوعًا للتصنيف، انطبق الأمر بالمثل على النساء. ومع ذلك فإن فكرة إضفاء تغييرات على وضع النساء الأصليات لم تنبع كلية من الأوروبيين، فقد حاول بعض قادة المغول استبعاد عددًا من الممارسات الهندوسية التي وصفت بأنها خبيثةأو سيئة وخاصة عادة ساتي” (حرق الأرامل) وإلحاق الوصمة بالأرملة التي تتزوج بعد وفاة زوجها، وكذلك وضع حد لبعض ممارسات المسلمين التي كانت تعتبر منافية للشريعة. وفي العشرينات والثلاثينات من القرن التاسع عشر بدأ سيد أحمد، وهو قائد شيعي من شمال شرق الهند، حملة ضد العادات القبلية التي تسمح ببيع البنات للزواج لمن يعرض أعلى سعر من الرجال. وقد انخرطت الشركة في بادئ الأمر في أمور نساء العائلة المالكة في عصر أسرة عوض” (۱۷۲۲ ۱۸6۸م) والتي كان مركزها في لكناو، فخلال ذلك العصر، وهي دولة فارسية شيعية جاءت بعد حكم المغول، يمكننا أن نلحظ عمليتين هامتين: أولاً، ونظرًا لأن المحظيات انتزعن وضعًا قويًا في البلاط فقد بدأ الأوروبيون تصوير الحضارة في لكناو على أنها حضارة مؤنثة. وأصبحت صورة الرجل المسلم من النخبة مرتبطة بالاستغلال الجنسي للنساء من ناحية ويتم تصويره بملامح أنثوية من ناحية أخري، وهي الصورة التي بررت تبني سياسات استعمارية أكثر عدوانية، فيما يخص على سبيل المثال سياسيات ضم الأراضي الزراعية وسياسات إحكام السلطة العسكرية والإدارية. وبذلك بدأت تبرز صورة الرجل البنغالي المخنث والمرأة المسلمة المضطهدة. ثانيًا، قدم حكام أسرة عوض قروضًا ضخمة للشركة في بدايات القرن التاسع عشر مما سمح بمزيد من التدخل، فقد كانت الأسرة المالكة توزع فوائد تلك الديون على المستفيدين ومن بينهم نساء الأسرة المالكة اللاتي كثيرًا ما كن زوجات ثانويات. وحين كان الحكام يهددون بالتوقف عن دفع تلك المعاشات لأي سبب كانت بعض النساء يلجأن إلى مسؤولي الشركة لضمان حقوقهن، وقبل أن يمر وقت طويل أصبح مسؤولو الشركة يتصرفون لحمايةهؤلاء النساء، فوضعوا بذلك آلية إضافية للتدخل، وذلك إضافة إلى تغذية الصورة الأيديولوجية للمرأة المسلمة الضحية السلبية. وفي هذا الصدد نجد أن من المصادر الموثقة أي الالتماسات التي كتبتها نساء الأسرة المالكة – تولدت نتيجة للتدخل المتزايد للشركة في المجتمع المحلي. وقد كان ذلك تمهيدًا لما تلاه من تدخل أعمق للمسؤولين البريطانيين في حياة النساء المحليات وذلك رغم أن البعثات التبشيرية كان لها التأثير الأعظم في هذا الشأن.

أما المصادر الأوروبية الأخرى التي تناولت جنوب آسيا في تلك الفترة فنجدها في أدب الرحلات، ومنها على سبيل المثال كتاب عن رحلات في الإمبراطورية المغولية (١٦٥٦ ١٦٦٨م) “بقلم الرحالة الفرنسي فرانسوا بيرنييه (François Bernier, Travels in the Mogul Empire, A. D. 1656 – 1668) والذي عدد في كتاباته أوجه الثراء التجاري للهند. بعد ذلك بقرن من الزمان كتب فرانسيس بيوكانان، وهو موظف في شركة شرق الهند البريطانية عدة وثائق تميزت بالتوجه العقلاني والكمي وذلك بداية من عام ١٧٩٩م.وفي عام ١٨٣٣م نشر بيوكانان تقريرًا تفصيليًا عن تشيتاغونغ في كتابه وصف جغرافي وإحصائي وتاريخي لحي …. في البنغال (Francis Buchanan, A Geographical, Statistical, and Historical Description of the District … of Bengal 1833).وتضمنت أعمال بيوكانان معلومات عن النساء، المسلمات وغير المسلمات، باعتبارهن منتجات زراعيات وعاملات. وقد كان هذا البحث وبحوث أخرى مثله بمثابة فاتحة لتوجه موسوعي جديد للاستعمار على نمط مخطوطة وصف مصر متعددة الأجزاء التي أصدرها نابليون. وبينما تذكر النساء في تلك الأعمال على اعتبار أنهن ظاهرة تدعو إلى الفضول، إلا أنهن لم يمثلن بعد مشكلة اجتماعية وثقافية أو قضية أخلاقية تستدعي التدخل الأوروبي. وليس أمرًا خاليًا من الدلالة أن تقوم دار نشر التبشير المعمودي بطباعة دراسة بيوكانان.

إن تلك الكتابات تمثل علامات على طريق تطور التفكير بشأن الإسلام في الهند وكذلك كافة الأديان في جنوب آسيا بشكل عام. بالمقارنة بالثقافة البنغالية، والتي هي خليط مون من الرؤى والتقاليد الهندوسية والإسلامية والبوذية الشعبية، كان التناول التنويري يتعامل مع الدين على اعتبار أنه بناء عقائدي صارم في قواعده ومستثني لما يخالفه. وبنهاية القرن الثامن عشر كان الموقف الأوروبي من الهند، وخاصة من ديانات الهند، قد تحدد واستقر. وقد تم تطوير هذا الموقف في عام ١٧٨٤م من خلال تأسيس الجمعية الآسيوية للبنغال والتي كان هدفها المعلن هو دراسة الثقافة الهندية مما أدى في النهاية إلى تناول قضية النساء. وقد قامت تلك الجمعية ببناء أول متحف في البلاد وذلك في مدينة كلكتا في عام ١٨٤٠م، وأدت محتويات هذا المتحف من المصادر العرقية والتاريخية في النهاية إلى تكوين الرؤية الاستعمارية للتاريخ الهندي. ومع ذلك فإن العشرات من المطبوعات والمنشورات الصادرة عن الجمعيات الثقافية مثل الجمعية الآسيوية لم تستخدم حتى الآن استخدامًا كافيًا للحصول على معلومات بشأن النساء والجندر .

وفي نفس الوقت تطورت الهندوسية، ذلك المفهوم الذي لا يجد له مرادفا في اللغات الهندية. ثم سعت فيما بعد التشريعات الصادرة ما بين عام ۱۸۳۲ وعام ١٨٥٠م إلى تصنيف المسلموالهندوسيفي إطار قانوني. وقد حملت تلك التطورات تبعات كبيرة بالنسبة لنساء جنوب آسيا، حيث أن صياغة حدود تطوق مختلف الأديان وضع الأساس لتأسيس معنى المرأة المسلمةأو المرأة الهندوسية“. وقد حدث ذلك بحلول نهايات القرن التاسع عشر والذي سوف يغذي فيما بعد مفاهيم القومية والخطاب القومي. في نفس الوقت حدث تحول في تصوير رجال الأدب الأوروبيين للنساء، فعلى العكس مما كان عليه الأمر في الماضي أصبح تصوير النساء يبرزهن كأسرى للحرملك، وأصبح الحريم موقعًا للاضطهاد، وفضاء للممارسات الجنسية الموتورة، بل والتفيض للحرية والتحرر. وفي النهاية تم تضخيم الحياة الجنسية المتخيلة للنساء في الخطاب الغربي عن الشرق الذي تم تأنيثه ووصمه بالوهن والحسية والانحطاط.

يعتبر كتاب جيمس ميلز الصادر عام ۱۸۱۸م عن تاريخ الهند البريطانية (James Mill, History of British India 1818) مرجعًا محوريًا عن النساء غير الغربيات، حيث صور وضع النساء على اعتبار أنه المؤشر الأساسي لنضج أية حضارة. وقد وضع ذلك الأساس العملي لجهود الإصلاح الأوروبية في القرن التاسع عشر، بمعنى تحديث الشعوب الخاضعة للاستعمار من خلال التثقيف الغربي لكل من الرجال والنساء. وقد ساهم في بناء ذلك التوجه أمران هامان ساهما في تشكيل الكتابات التاريخية والعرقية عن النساء. أولهما كان مفهوم العصر الذهبيفي التاريخ الهندي القديم حيث تمتعت النساء بمواقع اجتماعية ذات شأن وما تلا ذلك من قرون من الحرمان التي قضت على حقوق النساء في الثقافة الهندوسية والإسلامية. ومن ثم فإن الاستعمار والبعثات التبشيرية والتكنولوجيا الحديثة سوف تصلح أخطاء الماضي الهندي. أما الأمر الثاني فكان تطوير فكرة طبيعة الأنثى المتفردة والأصلية المميزة بفروق بيولوجية. وقد تبنت البعثات التبشيرية هذين الموقفين الفكريين بكثير من الشغف كما أنهما ألهما الكثير من حركات الإصلاح في القرن التاسع عشر على يد نخبة من الرجال الهندوسيين والمسلمين الذين سعوا إلى رفع مستوى النساء الأصليات في المجتمعات المحلية.

 

في عام ١٨١٣م أعلن الحاكم العام للهند مسؤوليته عن تعليم السكان الأصليين، الأمر الذي اقتصر في بدايته على الذكور. ثم شهدت العقود التالية تأسيس مؤسسات تعليمية خاصة، حكومية وخاصة، لتعليم الهندوسيين والمسلمين. في البداية كان التعليم يتم باللغات الهندية المحلية ولكن بحلول منتصف القرن التاسع عشر غلبت اللغة الإنجليزية على الدراسات العليا، في حين ظلت الدراسة في المراحل الابتدائية والثانوية باللغات المحلية والتي اعتبرت أقل شأنًا من اللغة الإنجليزية. وعشية ثورة عام ١٨٥٧م فاخرت الهند بوجود جامعات في كلكتا ومدراس وبومباي إضافة إلى وجود أقسام للتعليم العام. وبدأت عملية من ترجمة النصوص العلمية والأدبية من اللغات الإنجليزية إلى اللغات الهندية. وقد ساهمت كل تلك الكتابات في توثيق جيد لتاريخ وثقافة ومجتمعات جنوب آسيا.

تأسست أول مدرسة علمانية لتعليم البنات، مدرسة بيثون (Bethune School) في عام ١٨٤٩م في كلكتا، وبحلول عام ١٨٥٤م أصبح هناك ٦2٦ مدرسة للبنات انخرط فيها 21.755 طالبة. وقد كانت تلك المدارس في الهند البريطانية، التي أصبحت هي المصدر الرئيسي للقيم الثقافية وغيرها، وكانت ما بين مدارس مدعومة من الحكومة وخاصة، وتدار بالأساس من قبل المؤسسات التبشيرية المدعومة من الحكومة. وقد تم تقليد هذا النظام من المؤسسات المختلطة بواسطة بلجيكا في الكونغو وألمانيا في مختلف المناطق الأفريقية. وعلى العكس من ذلك، فضلت فرنسا التعليم العام بدلا من الخاص في المستعمرات، والذي كان يتم تحت إدارة مباشرة وحازمة من وزير التعليم في باريس. وشهدت جميع المستعمرات، بما في ذلك المستعمرات الفرنسية، ميلا إلى ربط تعليم البنات المحليات بالأنشطة التبشيرية والتي تمثل أغنى مصادر التوثيق عن تلك الفترة إلى يومنا هذا.

قبل حدوث التمرد، كان وصول البعثات التبشيرية هو أكثر الأحداث تأثيرًا على نساء جنوب آسيا، حيث منحت تلك البعثات حرية دخول المناطق المحكومة بواسطة البريطانيين بعد أن كانت شركة الهند الشرقية تمنع دخولها إلى المناطق الواقعة تحت سلطتها. وقد تشكلت الجمعية التبشيرية التابعة للكنيسة في عام ۱۷۹۹م في لندن، وكانت في البداية مرتبطة بإحياء الحركة

الإنجيلية والجمعيات المنغلقة، لكنها أصبحت فيما بعد واحدة من أكبر المنظمات المشابهة وأفضلها تنظيمًا وأكثرها تأثيرًا ولم يكن لها مثيل في الإمبراطورية الفرنسية، في حين وضعت الكنيسة الإصلاحية في هولندا أسس منظماتها التبشيرية في إندونيسيا على نهج الجمعية التبشيرية التابعة للكنيسة. وبحلول ثلاثينات القرن التاسع عشر كان للأخيرة مدارس وملاجئ للأيتام كما نظمت تدريبات للمدرسين من السكان المحليين إضافة إلى المعاهد الزراعية. وقد كان للنساء في تلك البعثات التبشيرية أهمية خاصة حيث أنه كان من الصعب على الرجال الأوروبيين الوصول إلى الأسر والنساء. وفي البداية اقتصر الأمر على إرسال النساء المتزوجات في بعثات للخارج للعمل جنبًا إلى جنب مع أزواجهن، وخاصة في مجال التعليم. وقد قامت هؤلاء النساء في البداية بإرشاد نساء النخبة فيما يتعلق بأمورهم المنزلية، أما الفتيات من الطبقات الاجتماعية الأفقر فقد كن يحضرن في مدارس الفتيات. وفي عام ۱۸۲۱م تم إرسال أول مدرسة إنجليزية، السيدة ويلسون، إلى كلكتا بواسطة جمعية المدارس البريطانية والأجنبية. وفي عشرينات القرن التاسع عشر في البنغال، كانت البدايات الأولى لتنظيم تعليم الحريم، وذلك من خلال التعليم في منازل النساء أنفسهن. وقد ركز منهج التعليم في البداية على الأعمال اليدوية والفنون المنزلية ودراسة الإنجيل، وكانت النقاشات تستهدف في الأساس السكان الهندوسيين وتتم في وسط المجموعات الأقل حظًا في المجتمع، وخاصة نساء الطبقات الفقيرة والأرامل.

وشهد عام ١٨٣٤م تأسيس جمعية تنمية تعليم النساءفي إنجلترا، وهي جمعية ضمت عددًا من الطوائف الدينية واقتصر العمل فيها على النساء. وقد أرسلت تلك الجمعية عددًا من المدرسات والمفتشات إلى كل من الهند والصين. وفي عام ١٨٣٦م تم إرسال ثلاث نساء إلى البنغال، وكانت الجمعية تغطي نفقات الانتقال وكذلك المصاريف الأخرى كما كانت ترسل الأموال والاحتياجات المدرسية والمواد الخام اللازمة للأشغال اليدوية. وقد ساهمت تلك الجمعيات في خلق مصدر إضافي للتوثيق الذي يتناول نساء جنوب آسيا: كالتقارير السنوية وكشوف مالية المدارس وتقارير الصحة والتقارير الشخصية التي تتضمن بيانات عن النساء المحليات اللآتي تلقين التعليم أو تم تعيينهن في تلك المدارس إضافة إلى الخرائط المحلية وغيرها. ونجحت تلك التقارير المكتوبة من قبل النساء في التغطية على التقارير التي كانت تتناول النساء المحليات والتي كانت إلى ذلك الحين تكتب بواسطة الرجال. كذلك كانت الجرائد والمجلات الأوروبية كثيرًا ما تنشر بعضا من الرسائل التي ترسلها النساء التبشيريات والتي كانت في كثير من الأحوال مصحوبة بسرد عن تفاصيل الحياة اليومية للحياة في المستعمرات. كما ظهرت قصص البعثات التبشيرية في كتب الأطفال والتي تمثل مصدرًا تاريخيًا هامًا وإن كان في أغلب الأحوال لا يحظى بالاهتمام الكافي. ولقد صورت كتب الأطفال تلك البعثات التبشيرية في كل من آسيا وأفريقيا على أنها بعثات بطولية مكونة من أفراد ناكرين للذات يعملون من أجل ثواب من الله ومن أجل البلاد فكانت بذلك تدفع الشباب للانخراط في الأنشطة والإيديولوجية الاستعمارية. إن سجلات الجمعيات الكنيسة، بما فيها التي تتناول تلك البعثات محفوظة بالأساس في مقار الكنائس المختلفة وغالبا ما يكون ذلك في العواصم. فعلى سبيل المثال نجد سجلات الجمعية التبشيرية التابعة للكنيسة في لندن حيث تم تأسيسها، كذلك نجد الكثير من السجلات التبشيرية التي تتناول أفريقيا وآسيا متوفرة على الميكروفيلم.

كان لظهور الجمعيات التبشيرية عدد من التبعات الهامة. بداية كان هناك قبول محدود للتقاليد الدينية والممارسات العرفية في جنوب آسيا المنظمة للعلاقات الجنسية وعلاقات الجندر وذلك في الأغلب نظرًا لتأثيرها القوي. ومن ناحية أخرى فإن وجود تلك البعثات زاد من الطلب على تعليم الفتيات مما أجبر الحكومة البريطانية على اتخاذ بعض المبادرات، حتى ولو بدون حماس. كذلك وفرت تلك البعثات التبشيرية مفتشات من النساء لمدارس الفتيات على حين كانت الحكومة تبعث فقط بالمفتشين الرجال وذلك حتى الثمانينات من القرن التاسع عشر. وقد كتب التبشيريون الكثير عن القضايا الاجتماعية مثل نظام الطبقات الهندي وتقاليد الزواج وكافة أوجه الحياة اليومية بداية من النظافة الشخصية إلى ملابس النساء إلى أجسادهن، وذلك بالإضافة إلى التقرير عن تفاصيل الأنشطة المدرسية اليومية. إن الحصيلة الأدبية المترتبة على ذلك تمثل مصدرًا غنيًا، حتى ولو منحازًا بشكل واضح، عن ثقافة جنوب آسيا بشكل عام والسياسات الحاكمة لتعليم الفتيات بشكل خاص. ومع ذلك فإن التيشيريين لم يتحدثوا بصوت واحد ولم يتبعوا تعليمات لندن أو الحكومة الهندية بشكل أعمى. ومن خلال مضاهاة الهندوسية في مواجهة الإسلام أو بنفس القدر في مواجهة المسيحية، فقد ساهم التبشيريون بشكل غير حاذق في وضع الأساس للهوية السياسية المستندة على الانتماء الديني فقط. وقد كان للتبشيريين في إمبراطوريات أخرى نفس التأثير، وإن كان بدرجات متفاوتة، خاصة في حالة البعثات الكاثوليكية الفرنسية إلى شمال أفريقيا أو بعثات الكنيسة الإصلاحية الهولندية إلى جنوب شرق آسيا.

مثل السفر إلى أوروبا عنصرًا إضافيًا تقاطع مع عملية تعليم الفتيات في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. فقد سافر عدد قليل من رجال النخبة في جنوب آسيا إلى إنجلترا للدراسة وحين عادوا من أوروبا كانوا كثيرًا ما ينادون ويطالبون بتوفير فرص التعليم الحديث للفتيات. هناك مثلا ميرزا أبو طالب خان الذي ولد في لكناو في عام ١٧٥2/ ١٧٥3م وخدم في شركة الهند الشرقية قبل أن يسافر إلى أوروبا في عام ۱۷۹۸م ليبقى بها فترة ثلاث سنوات. وحين عاد إلى بلاده من لندن كتب وثيقة بالفارسية يحلل فيها المؤسسات الإنجليزية فيما يعتبر أول وثيقة بهذا الشكل يكتبها دارس مسلم من دعاة التحديث. وقد كتب ميرزا أبو طالب خان عما وجده في لندن من نساء هنديات متأنجلزات تزوجن من رجال إنجليز في جنوب آسيا وعدن مع أزواجهن إلى بريطانيا العظمى. وجدير بالذكر هنا أن الرجال الإصلاحيين، المسلمين والهندوس، كثيرًا ما تبنوا حجة العصر الذهبيفيما يتعلق بالنساء الهنديات إضافة إلى المفهوم الجوهري عن الطبيعة الأنثوية الذي تأثر بالكتاب الأوروبيين. وبحلول نهايات القرن أصبح هناك عدد متزايد من المواطنين الهنود، رجال ونساء، يمرون بالجزر البريطانية لمختلف الأسباب. وقد تركت الكثيرات من النساء الهنديات كتابات قيمة مثل بانديتا راماباي التي درست الطب في لندن في عام ١٨٨٦م، أو كورنيليا سورابجي التي درست القانون في جامعة أكسفورد ما بين عام ۱۸۸۹ وعام ۱۸۹۲م وكانت ترسل الخطابات إلى أسرتها في بومباي.

بدأت النساء الغربيات في السفر إلى الشرق في أواخر القرن الثامن عشر. وكانت إليزا فاي (١٧٥٦ ١٨١٦م) من أولى النساء اللاتي كتبن عن الهند، وقد وصلت إلى الهند حوالي عام ۱۷۷۹م ونشرت كتابها خطابات أصلية من الهند في عام ١٨١٧م (Eliza Fay, Original Letters from India 1817). وكما هو متوقع فقد وصفت بكثير من التفصيل ممارسات الـ ساتي” (حرق الأرامل) ووصفتها بأنها قواعد تستهدف انصباع الجنس الأضعف للسلطة“. وقد أدى أدب الرحلات مثل النموذج السابق، إضافة إلى التقارير ومقالات الجرائد التي تناولت النساء الهنديات، خاصة فيما يتعلق بالساتي والاحتجاب، إلى تركيز اهتمام الرأي العام الأوروبي على الممارسات الثقافية في جنوب آسيا. ومع تطور وسائل المواصلات بعد منتصف القرن التاسع عشر، توافد عشرات الآلاف من الأوروبيين على جنوب آسيا وأماكن أخرى من الإمبراطورية البريطانية. وقد ساهمت كتاباتهم عن تلك الرحلات في تضخيم مخزون أدب الرحلات، بما تضمنه ذلك من قسم خاص عن روايات غاية في الإثارة تناولت إما ممارسات الساتي أو اغتصاب النساء الأوروبيات أثناء ثورة سيبوي.

إن جهود البعثات التبشيرية والاهتمام المتزايد للرأي العام البريطاني بالشؤون الهندية ساهمت في بداية إصدار تشريعات إصلاح اجتماعي متعددة، فأدخلت حتى قبل عام ١٨٥٧م، على سبيل المثال، قانون إلغاء العبودية في عام ١٨٤٣م وكذلك القانون الذي سمح للمتحولين إلى المسيحية بالاحتفاظ بحقوقهم في الإرث بعد تحولهم. وقد كان أهم تطور قانوني على الإطلاق هو القانون رقم ۱۷ الذي صدر في عام ۱۸۲۹م والذي منع ممارسة الـ ساتيأو حرق أرامل الهندوس أحياء وجعلها جريمة معاقب عليها بالقانون في المحاكم الجنائية. وقد وجه البرلمان البريطاني آلافا من الأوراق المكتوبة لتوثيق تلك الممارسة رغم أن ضحاياها من النساء يصورن غالبًا كأشياء صماء. فقد كانت المعلومات الواردة في تلك المصادر البرلمانية صادرة عن ضباط بوليس محليين صدرت لهم الأوامر بتوثيق حالات الـ ساتيفي تقارير شهرية يرفعونها إلى رؤسائهم إضافة إلى تقارير المحاكم المحلية. وقد ترتب على تشريع الـ ساتيإلغاء العرف الذي كان يمنع الأرامل الهندوسيات من الزواج مرة ثانية، ودلالة حدوث ذلك في العام السابق على التمرد، أي في عام ١٨٥٦ م.لقد مثلت تلك القوانين انحرافًا جذريًا عن الموقف السابق بعدم التدخل في عادات شعوب جنوب آسيا وتلتها تدخلات ضخمة أثرت على حياة شعوب المستعمرات، نساء ورجال، مما ساهم في تبرير الحكم البريطاني للبلاد. في نفس الوقت فقد صاحب صدور كل تشريع جديد قيام كم مهول من التوثيق: من مناظرات وأوراق برلمانية، ومحاضر اجتماعات، وتقارير، وشهادات، بما في ذلك خطابات وعرائض من قبل المجتمعات المحلية المتأثرة بالتشريع المقترح. كذلك نشر عدد كبير من المناظرات التشريعية والإدارية في الصحافة البريطانية والهندية. وقد تم نشر الكثير منها والباقي يبقى محفوظًا في مكتب السجلات العامة في كيو غاردنز (Public Record Office In Kew Gardens). كما أن مكتب أرشيف الهند يعتبر هو الآخر مستودعًا غنيًا لتلك المواد.

على الرغم من تصوير تمرد عام ١٨٥٧م على أنه بالأساس تمرد للجنود المسلمين والهندوس العاملين في خدمة شركة الهند الشرقية إلا أنه كان في الحقيقة انعكاسا لحركة اجتماعية أوسع مليئة بالعداء الثقافي والسياسي الذي قطع عبر الطبقات والخطوط العرقية والدينية. وبحلول الخمسينات من القرن التاسع عشر أصبحت النظرة إلى السياسات والممارسات البريطانية على أنها تسعى إلى التقليل من شأن التقاليد والهرمية والقيم السائدة في جنوب آسيا. كذلك أشعلت هيمنة اللغة الإنجليزية والتعليم الغربي نيران الرفض. أما فيما يتعلق بنتائج التمرد فقد تم إعادة تنظيم الحكومة تمامًا وتوسيعها بحيث تشكلت في النهاية أضخم بيروقراطية في تاريخ جنوب آسيا الطويل. وفي عام 1858م أصدرت الملكة فيكتوريا إعلانًا يضمن الحماية المتساوية أمام القانون والحرية في ممارسة الطقوس الدينية والتقاليد الاجتماعية، كما طمأنت مئات الأمراء الهنود، مسلمين وهندوس بشأن احترام حقوقهم وكرامتهم وشرفهم. وتقلصت بذلك المحاولات المكثفة لوضع حد للنظام الطبقي الهندي. وفي نفس الوقت حدثت تدخلات قانونية خطيرة، ففي عام ١٨٦٢م تم تفعيل القانون الجنائي الهندي والذي اقتصر فيه تطبيق الشريعة الإسلامية على قانون الأسرة بشكل أساسي، وهو الأمر الذي حدث أيضًا في الجزائر الفرنسية وفيما بعد في مصر الواقعة تحت الحكم البريطاني. وقد اعتبرت بعض تلك التشريعات إيجابية، مثل تجريم قتل إناث الأطفال في عام ۱۸۷۰م، أما باقي التعديلات فكانت سلبية. فعلى سبيل المثال أدى تقنين القانون الهندوسي إلى فقدان بعض النساء، وهن في الأغلب من الطبقات الفقيرة، لحقوق وحريات تقليدية. فعلى الرغم من أن قوانين الأعراف الهندوسية كانت تتناول فقط نساء طبقة البراهما والطبقات العليا إلا أنها كانت بشكل أو بآخر ملزمة لجميع الطبقات.

في نفس الوقت أدى التحديث الاقتصادي إلى إعادة تشكيل الزراعة والتجارة والمواصلات والصناعة. وكان لاستيراد الأنسجة المصنوعة آليا في انجلترا تبعات كارثية على الطبقات العاملة، حيث أن بعض النساء اللاتي عملن بالنسيج وجدن وظائف جديدة كعاملات زراعيات أو داعرات في المدن المتكاثرة. كذلك وفيما يتعلق بالدعارة، تم فرض المزيد من القيود الطبية كما زادت المنشورات التي تتناول الصحة العامة. وفي الحقيقة فإن فكرة الصحة العامة شهدت اتساعًا وانتشارًا بعد عام ١٨٥٧م بخلاف السابق، حيث كان الاهتمام منصبًا بالأساس على صحة الجنود. وبذلك أصبح جسد المستعمر (بفتح الميم) موضوعًا لمراقبة وإدارة المستعمر (بكسر الميم). إن السجلات الطبية وسجلات الصحة العامة الخاصة بالإمبراطورية، والموجودة بالأساس في لندن، تمثل رصيدًا إضافيًا إلى الوثائق الموجودة حول النساء. وينطبق نفس الأمر على المناظرات التي صاحبت تطبيق قانون الأمراض المعدية في عام ١٨٦٨م والذي صيغ لكي يوقف انتقال عدوى الأمراض الجنسية من المومسات الهنديات إلى الجنود. ورغم إلغاء هذا القانون في عام ١٨٨٦م وبضغط من الحركة النسوية إلا أن الجدل الدائر حوله والذي استمر لفترة عقدين في الجزر البريطانية هو الذي دفع بالنسويات البريطانيات مثل جوزفين باتلر إلى الالتفات إلى وضع النساء الهنديات“. وقد كان ذلك مقدمة لانخراط البعثات التبشيرية والنسويات في الاهتمام بأحوال نساء المستعمرات، مما نتج عنه إصدار دوريات مثل مجلة المرأة الإنجليزية في الفترة ١٨٦٦ ۱۹۱۰م (Englishwoman’s Review 1866 – 1910). وبينما حظيت النساء الهنديات بالنصيب الأكبر من المقالات الواردة في الجزء الدولي من المجلة، إلا أن مقالات عن وضع النساء المصريات في مصر ظهرت في الثمانيات من القرن التاسع عشر. وقد سادت المناقشات حول الأوضاع المتباينة للنساء في المجتمعات الهندوسية والإسلامية في مقالات المجلة وكذلك في مطبوعات أخرى. لكن بعض النسويات الأوروبيات أشرن إلى حقوق النساء المسلمات في الطلاق والإرث في ظل التشريعات الإسلامية ليهاجمن بها قانون الأسرة الإنجليزي القائم على التمييز. وعلى الرغم من أن صوت نساء جنوب آسيا نادرًا ما كان يظهر في تلك المطبوعات إلا أن جريدة نسائية أخرى (Women’s Penny Paper) كانت تفرد أحيانًا مساحة للنساء الهنديات للتعبير عن أنفسهن أما عن طريق المقابلات الشخصية أو الكتابات.

بعد منتصف القرن الثامن عشر اتصف الموقف الأوروبي تجاه شعوب المستعمرات في جميع أنحاء العالم بروح ملموسة من التفوق العنصري. فزاد عدد الأسر الأوروبية المقيمة بشكل دائم في جنوب آسيا مما غير من نسبة الذكور إلى الإناث وذلك رغم أن عدد الرجال الأوروبيين كان دائمًا أعلى من النساء ممن أدى توافدهن إلى إحداث تغيرات مركبة. فلم تشكك أغلبهن في المهمة التبشيرية، ومع ذلك فإن بعض النساء الأوروبيات، باعتبارهن العنصر الأدنى في الجنس الأرقى، طرح التساؤلات بشأن بعض جوانب الحكم الاستعماري. وبداية من عام ١٨٥٠م بدأت الصحافة الأوروبية وصحافة المستعمرات في نشر مقالات بأقلام نسائية تخاطب النساء الأوروبيات المقيمات في المستعمرات. وتضمنت كتيبات الأدلة الإرشادية للنساء عرضًا تفصيليًا لطبيعة الحياة اليومية في المستعمرات، فيما يتعلق بكيفية إدارة المنزل والطهي والتعامل مع الخدم والسفر والعمل التبشيري الفعال. وقد ربط كتاب المرجع الهندي الكامل في إدارة المنزل والطبخ بقلم فلورا آني ستيل وغريس غارديتر (Flora Annie Steel and Grace Gardiner، Complete Indian Housekeeper and Cook 1888)، وإن بشكل مجازي، ما بين الإمبراطورية وإدارة المنزل في المستعمرات. إن تلك الكتب تحوي معلومات غنية، وإن كانت بالطبع منحازة، عن النساء المحليات اللاتي كن يخدمن في منازل الأوروبيين. في نفس الوقت كانت زوجات المستعمرين يحاولن نشر الأعراف الأسرية الخاصة بالعصر الفيكتوري بين الخدم المحليين وأقاربهم، ومع انتشار هذا التوجه تبلورت صورة الخادم كشخص حديث وقذر وجاهل. وبحلول عام ١٩٠٠م نجحت تلك الرؤية في تغذية المفاهيم السائدة عن الأعراق والهرمية الاجتماعية مما ترتب عليه مزيد من المسافة الاجتماعية ما بين الأوروبيين والهنود، وذلك على العكس من بدايات شركة شرق الهند حيث قام بعض الرجال الإنجليز بالزواج من نساء هنديات فتبنوا العادات واللغات بل وأحيانًا حتى المعتقدات الدينية المحلية. وبعد عام ١٨٥٠م ارتفعت كمية اليوميات والمذكرات المكتوبة بواسطة نساء أوروبيات في وصف المجتمعات المحلية. والكثير من هذه الكتابات، وإن ليس جميعها، تتضمن سواء ضمنيًا أو صراحةً وصفا لصور نمطية عنصرية. وقد كان نفس الأمر يحدث تقريبًا جزر شرق الهند الهولندية بعد تسعينات القرن التاسع عشر وفي أماكن أخرى من العالم بحلول نهاية القرن.

بعد عام ١٨٥٧م لم يتضخم النشاط التبشيري في جنوب آسيا فحسب ولكنه ارتبط كذلك ارتباطًا وثيقًا بالحركات الإصلاحية في أوروبا، ومن ثم أصبح الرأي العام البريطاني أكثر وعيا وأكثر اهتمامًا بقضايا نساء المستعمرات. وفي عام ١٨٦٦م تأسست الجمعية النسائية لدعم تعليم الفتيات بين الوثنيينفي لندن، وطالبت بأن يكون للنساء التبشيريات المسؤولية الكاملة عن تعليم الحريم. وأخيرًا في عام ۱۸۸۷م سمحت الجمعية الكلسية للنساء البريطانيات غير المتزوجات بالانخراط في العمل التبشيري عبر البحار. وبحلول عام ۱۹۰۱م كان هناك ٣٢٦ امرأة غير متزوجة في آسيا وأفريقيا. وفي خلال التسعينات من القرن التاسع عشر أرسلت حركة تبشير الحريم طبيبات بريطانيات إلى الهند بغرض إدماج الإرشاد الصحي في المناهج المدرسية.

كما أن علاج الكوليرا والملاريا والأمراض المنقولة جنسيًا، ووباء الطاعون في عام ١٨٩٦م، ساهم كله في زرع الطب والعلوم الاستعمارية في قلب الأسرة الهندية، بداية من توفير المعلومات الصحية وحتى جذب نساء محليات إلى مجال التدريب في الطب. كذلك زاد عدد المطبوعات التبشيرية المستهدفة للنساء بشكل خاص، مثل مجلة المرأة الهندية الإنجيلية (Indian Female Evangelist) والتي كانت تصدر كل ثلاثة شهور برعاية المدرسة العادية للمرأة الهندية ورابطة التعليم، ويضم المجلد الثاني من المجلة والذي صدر في عام ١٨٧٦م مقالات فريدة عن موضوعات مثل وضع النساء الهنديات في الماضي والحاضر“.كذلك نشرت جمعية كنيسة إنجلترا لتبشير الحريم مجلة في بدايات عام ۱۸۸۱م بعنوان نساء الهند (India’s Women). وفي عام ١٨٩٤م صدر تقرير من باغولبور بقلم تبشيرية إنجليزية اسمها الآنسة هايتز، جاء فيه: “لقد وصل متوسط عدد أطفال المدارس إلى ۳۰۲ وتم تقديم التعليم إلى ٨٩ من الحريم. وتمت زيارة ۸۲ قرية وتم العمل مع الحريم بين الهندوس والمحمديين“. لقد ساوت تلك المطبوعات والأيديولوجية التعليمية التي تستند إليها ما بين الهند والنساء الهنديات، ومن ثم ألحق بنساء جنوب آسيا دور جديد تمامًا هو دور أمهات الأمة. سوف يكون لهذا الأمر أهمية خاصة بالنسبة للقوميين الهنود لكنها أيضًا سوف تؤتي ثمارًا مرة بالنسبة للنساء خلال فترة التقسيم. فقد أصبحت النساء رموزًا للأمة محل النزاع كما أصبحت النساء المنتميات إلى أكبر مجموعتين دينيتين في جنوب آسيا موضوعًا للاستهداف السياسي وكذلك هدفًا للعنف.

كذلك أنت مواقف بريطانية أخرى إلى تشجيع ودعم الحس الجمعي بالتضامن الإسلامي وذلك من خلال الدمج ما بين السلطة السياسية والهوية الدينية، مما أشعل بدوره العداء تجاه الهندوس ونظرًا لكونهم أقلية تمتع المسلمون بمعاملة خاصة سواء فيما يتعلق بالانتخابات أو التعليم وكان يتم تفضيلهم في بعض الأحيان في الأمور البيروقراطية. وقد تمثل التناقض الداخلي في تلك التغيرات في أنها شجعت تحقيق الإصلاح الجذري في نفس الوقت الذي سعت فيه إلى الحفاظ على التقاليد المحلية، مما سيترك فيما بعد أثرًا كبيرًا على فكرة الهوية النسائية الهندية المسلمة“. فقد أدى ذلك مع الوقت إلى خلق ثنائية بين المرأة التقليديةالغارقة في الغيبيات والمعرضة لنزوات وطغيان الذكر المستعمر (بفتح الميم)، وبين المرأة الحديثةالمنفتحة على القيم الغربية للأنوثة البرجوازية والركون إلى المنزل والأمومة. وبشكل متزايد أصبحت المرأة التقليدية تصور من قبل المسؤولين المستعمرين على أنها العقبة الأساسية أمام تحديث جنوب آسيا. وقد برز نفس المنطق في ذلك الوقت في مصر المحتلة من قبل الإنجليز، كما برزت أفكار مشابهة في الإمبراطورية الفرنسية في شمال أفريقيا كما في إمبراطوريات أوروبية أخرى، بحلول نهاية القرن التاسع عشر.

ومع ذلك، فإن المسؤولين والتبشيريين والإصلاحيين الذين سعوا إلى رفع مستوى نساء المستعمرات لم يتحدثوا جميعهم بالضرورة بلغة واحدة. وبحلول سبعينات القرن التاسع عشر بدأ رجال هنود ممن تعلموا في الغرب، وبعض النساء، في المطالبة بمنهج تعليمي يقدم ما هو أكثر من كيفية إدارة المنزل. وقد انقسمت الإدارة البريطانية حول هذا الشأن، حيث أن البعض منهم ارتأي أن تعليم النساء الهنديات لكي يصبحن رفيقات أكثر ملاءمة للرجال الهنود المتعلمين في الخارج يؤدي في النهاية إلى التقليل من شأن الأدوار التقليدية للنساء الهنديات في الأسرة والمنزل. وبحلول نهاية القرن ظهرت أدلة إرشادية بقلم رجال مسلمين تضمنت تعليمات أخلاقية وعملية عن الفنون المنزلية والأخلاقيات الفردية ومثلت مصدرًا تاريخيًا هامًا عن تغيير الصورة النموذجية للنساء.

وقد كان نظير أحمد (۱۸۳۰ ۱۹۱۲م) من بين أهم الإصلاحيين، حيث أصدر أول دليل إرشادي لنساء جنوب آسيا. وقد اعتبر نظير أحمد أن ثلاثيته، الصادرة في هيئة ثلاث روايات باللغة الأوردية، هي عبارة عن منهج لتعليم النساء المسلمات“. وحيث أنه قد تلقى تعليمًا مزدوجًا في العلوم الإسلامية الكلاسيكية كما في المؤسسات الإنجليزية فالأرجح أنه قد استلهم هذه الرواية من كتب مشابهة كتبت في مخاطبة السيدات الأوروبيات. ومع ذلك فإن عنوان كتابه الأول يشير إلى وجود تأثير إسلامي آخر قوي وأكثر قدما يعكس أسلوب أدب الأمراء. فالرواية الأخلاقية الأولى كان عنوانها مرآة العروس وكانت تتناول حسن إدارة المنزل والأخلاق. وحين أنهى كتابتها في عام ١٨٦٨م لم تحز على جائزة أدبية ضخمة مقدمة من الحكومة الاستعمارية فحسب، وإنما لاقت أيضًا قبول نساء الأسرة. أما رائعة نظير أحمد توبة النصوح الصادرة في عام ١٨٧٤م والتي تناولت التوبة الأخلاقية لامرأة شابة، فقد تمت إعادة طباعتها مرات ومرات منذ صدورها الأول. ومما له دلالة أنه تم إدماج ثلاثية أحمد في المناهج المدرسية الأوردية للفتيات المسلمات. أيضًا يعكس كتاب بيهيشتي زيوار زينات سماوية للكاتب مولانا أشرف علي ثانوي (١٨٦٤ ١٩٤٣م) والذي صدر في أوائل القرن العشرين رؤية إسلامية واضحة لإصلاح النساء. فالكتاب عبارة عن دليل إرشادي للسلوك الأخلاقي والتعاليم الدينية والسلوك اليومي، وقد حاول ثانوي من خلال هذا الكتاب أن يواجه تحديات كل من التبشيريين والهنود العلمانيين الحاملين لرؤى غربية. وإذ يرفض ثانوي الفرضية المقدمة من الرجال الإصلاحيين الهندوس والمسلمين والقائلة بأن النساء مختلفات في الأصل عن الرجال، يقول ثانوي بأنه لا توجد فروق فكرية أو روحية ما بين الذكر والأنثى، وأنه على جميع المسلمين الملتزمين أن يتخذوا من الرسول محمد (ص) نموذجًا يحتذى، وذلك رغم أن ثانوي قبل وبشكل واضح وجود تراتبية هرمية اجتماعية وهرمية بين الجنسين. لقد كانت النساء المسلمات في الهند في حاجة إلى انبعاث أخلاقي لأنهن حرمن من التعليم الديني الصحيح أي التعليم الإسلامي. وسوف يهيمن فيما بعد هذان الموقفان من النساء ووضعهن وتعليمهن والإصلاح الأخلاقي على كافة المناظرات والجدل الدائر بين الإصلاحيين المسلمين من الرجال، بداية من الهند إلى تركيا إلى شمال وغرب أفريقيا بحلول عام 1900.

مع صدور قانون سن الرشد في عام ۱۸۹۱م تم تعريف وتصنيف النساء الهنديات ومن ثم إخضاعهن للقواعد الأخلاقية والجنسية الموضوعة من قبل الاستعمار. وقد كان هذا القانون أكثر التشريعات موضوعًا للخلاف ضمن كافة القوانين الموضوعة من قبل دولة استعمارية. ففي الظاهر منه كان يبدو أن القانون مفيد بدرجة ما. فقد رفع سن المعاشرة الجنسية المشروعة قانونًا بالنسبة للفتيات من سن العاشرة إلى سن الثانية عشرة. وبنهاية القرن تصاعد نشاط هندوسي يميني معاد للبريطانيين ومعارض للإصلاحات المقترحة بشأن القوانين المنظمة للزواج، بما في ذلك القانون الخاص بسن الرشد ومقترح قانون آخر يسمح بالطلاق. وفي عام ١٩٠٦م أسس مسلمو البنغال رابطة مسلمي الهند لمواجهة التنامي القومي للهندوس. وإنه لمن المفارقة أن تؤدي كل من نجاحات وأوجه فشل الحكم البريطاني إلى تشجيع تكوين القوميات الهندية المتناحرة. وفي عشية الحرب العالمية الأولى تواجدت بالتوازي المشوب بالتوتر حركتان جماهيريتان قوميتان، إحداهما هندوسية والثانية إسلامية. وحيث أن النساء هن رموز الأمة التي غالبًا ما يشار إليها بصيغة الأنثى، عانت النساء من النتائج المؤلمة لذلك التقسيم في عام ١٩٤٧م. وبالرغم من الفروق الشاسعة التي تميز المجتمعات الدينية المختلفة ضمن التجمع الضخم والمتباين لسكان جنوب آسيا، إلا أن التصنيف والتنميط الاستعماري للنساء الهندوسيات والمسلمات يعكس في كثير من الأحيان توافق جديرًا بالانتباه. ويتضح ذلك أيضًا في ممتلكات بريطانية أخرى في أماكن أخرى من العالم، إضافة إلى الإمبراطوريات الأوروبية الأخرى.

في عام ۱۷۹۸م استولى جيش نابليون على مصر في احتلال قصير الأمد انتهى في عام ١٨٠١م نتيجة للتدخل البريطاني العثماني. لقد وضع ذلك الغزو أسس الهيمنة الثقافية الفرنسية على مصر وذلك رغم اختلال بريطانيا العظمى لمصر في عام ١٨٨٢ وبقائها هناك بشكل أو بآخر حتى أزمة السويس في عام ١٩٥٦م. وعلى العكس مما حدث في الهند فقد احتفظت البلاد بحكومة محلية، حتى وإن كانت محدودة السلطة، حيث أن مصر لم تكن مستعمرة وإنما محمية بريطانية. وقد سعى المسؤولون البريطانيون في وادي النيل إلى تجنب الأخطاء التي ارتكبوها في جنوب آسيا وذلك عن طريق تقليص التعليم الحديث وكذلك الأنشطة التبشيرية وتجنب التدخل في قانون الأسرة الإسلامي. لقد شرعت مصر في عملية التحديث في أوائل القرن التاسع عشر بحيث تبلور الحس القومي بدرجة كبيرة في الثمانينات من القرن التاسع عشر، الأمر الذي وازن تأثير الاستعمار البريطاني. الأمر الآخر الهام الذي میز مصر هو أن المسلمين كانوا يشكلون الغالبية العظمى من السكان وذلك رغم وجود أقليات ذات شأن من اليهود المصريين والأقباط إضافة إلى مهاجرين من المسيحيين السوريين. وبالمقارنة بالأقليات في الهند فإن الأقباط حافظوا على علاقات مختلفة نوعاً مع البريطانيين، فعلى سبيل المثال لم يسمح للجمعيات التبشيرية البريطانية بالدخول إلى مصر إلا بعد أن قدموا تعهدا بعدم محاولة التبشير الديني بين الأقباط المسيحيين.

لقد أدى قرب مصر من أوروبا وإغراء آثارها القديمة إلى إقامة عدد كبير من المواطنين الأوروبيين بها أو سفرهم من خلالها سدا للاحتياج اللانهائي للنهل من الفن والأدب والتصوير الاستشرافي الذي ركز على النساء الشرقيات، على سبيل المثال نجد كتاب جيرار دي نيرفال (۱۸۰۸ – 1855م) رحلة في الشرق (Gerard de Nerval, Voyage en Orient) والذي صدر أولاً في حلقات ما بين عام ١٨٤٦ وعام ١٨٤٧م. كذلك نجد كتاب يوميات زيارة إلى مصر تأليف كاتارينا فوشيه، دوقة أوترانت (۱۸۳۷ – 1901م) والذي نشر عام ۱۸۷۰م (Catharina Fouché, Journal of a Visit to Egypt 1870). وكما كان الحال في الهند فقد انكب البريطانيون على الاقتناء المنهجي للمعلومات التي ملأت الأرشيف الاستعماري: المسوح بأنواعها المختلفة، والمراقبة بوليسية وأنواع أخرى من المراقبة، والتعدادات والتصنيف. والكثير من هذه الوثائق محفوظ هو الآخر في مكتب السجلات العامة (Public Record Office) على الرغم من وجود تسجيلات الميكروفيلم لبعض من تلك المجموعات. وقد اختلف التوثيق العددي في مصر بعض الشيء عما كان عليه في الهند، حيث كان البريطانيون يقومون بتعداد دوري منذ منتصف القرن التاسع عشر. فقد تضمن التعداد الهندي لعام ۱۸۸۱م حوالي نصف مليون من المتطوعين الذين انخرطوا في جمع المعلومات، تقريبًا عن كل فرد في البلاد. ونظرًا للخوف من القلاقل الإسلامية لم تقم السلطات الاستعمارية بمثل هذا التعداد في مصر حتى عام ۱۸۹۷م ولم تسع إلى جمع معلومات تفصيلية عن الأسر المصرية قبل عام ۱۹۱۷م حين تم ذلك للمرة الأولى. (جدير بالذكر أنه قبل عام ١٨٨٢م كانت الحكومة المصرية تقوم بالتعداد المحلي باستخدام المناهج الأوروبية لكنها كانت تحصي الجنسين). وفيما يتعلق بالأسلوب الأثري للمعرفة، والذي يكتسب أهمية خاصة في إعادة كتابة تاريخ مصر، فقد برز فارق آخر كبير بين الهند ومصر. حيث انتزع العلماء الفرنسيون موقعًا متميزًا في الكشف عن ماضي البلاد وتأويله، إضافة إلى بناء المتاحف.

على عكس ما حدث في الهند، واجه البريطانيون في وادي النيل منافسًا ثقافيًا فرنسيًا ذا شأن، مما كان له أثره الكبير على الفنون والأدب والترفيه والتعليم واللغة وذلك حتى منتصف القرن العشرين. فكانت صفوة الأسر المصرية تستعين بمربيات فرنسيات لتعليم بناتهن في المنزل. وتمثل مذكرات تلك الأسر مصدرًا غنيًا بالمعلومات عن تلك الطبقة من المجتمع. كذلك تضم مدرسة الجيزويت للعائلة المقدسة في القاهرة مجموعة ثرية، وإن ندر استعمالها، من المذكرات وأدب الرحلات، المكتوبة أساسًا باللغة الفرنسية. ويتضمن ذلك الأرشيف كتابات جهان ديفراي (Jehan d`Ivray)، وهي امرأة فرنسية تزوجت من مصري في الثمانينات من القرن التاسع عشر وعاشت في مصر أربعة عقود.

لقد ألهم مهندسو الاجتماع الفرنسيون الخطاب حول الإصلاح الاجتماعي سواء كان مستهدفًا النساء أو أي أمور أخرى، كما ألهموا سياسات الإصلاح ذاتها في مصر. وقد كان الجزء الأغلب من تعليم الفتيات في مصر في القرن التاسع عشر إما دينيا اعترافيا – أي تبشيريًا كاثوليكيًا فرنسيًا، قبطيًا أو يهوديًا – و/ أو من خلال المدارس الخاصة المستجيبة لاحتياجات جاليات البحر المتوسط الضخمة والمقيمة في مصر مثل الإيطاليين والمالطيين واليونانيين. وأسس الأقباط مدرسة للفتيات في عام ١٨٥٣م، وفي التسعينات من القرن التاسع عشر فتحت الرابطة الإسرائيلية العالمية، وهي منظمة فرنسية يهودية تعليمية وتطوعية، عددًا من أنحاء المؤسسات في جميع مصر. ولم يكن المسلمون في البداية يسجلون بناتهم في تلك المؤسسات، لكن بعد عام ۱۹۰۰م أرسلت بعض أسر الطبقة الوسطى بناتها إلى مدارس الراهبات الكاثوليكية. إن سجلات المدارس التبشيرية تمثل موردًا غنيًا للوثائق عن النساء، وإن كان غير مستخدم بالدرجة الكافية، فعلى سبيل المثال نجد أن مواد أرشيف أخوات القديس يوسف، اللاتي أنشأن مدارس للفتيات في جميع أنحاء مصر، محفوظة اليوم في مقر الفاتيكان. إضافة إلى ذلك قام المهاجرون السوريون المقيمون في مصر بتنظيم التعليم الابتدائي للفتيات وذلك بداية من نهايات القرن التاسع عشر، كما أسوا حركة نشطة للصحافة النسائية باللغة العربية.

شهدت مرحلة ما قبل الاستعمار في الثلاثينات من القرن التاسع عشر قيام الدولة المصرية بتأسيس مدرسة لتدريب القابلات الصحيات المحليات، فخلقت بذلك جهازًا إداريًا للصحة والأخلاق، أنتج الكثير من الوثائق الخاصة بالنساء والجندر، إضافة إلى ذلك تأسست مدرسة حكومية ابتدائية في عام ۱۸۷۳م، هي مدرسة السيوفية، لإعداد الفتيات الفقيرات للخدمة المنزلية. وقد تم الحفاظ على تلك الأشكال حتى ما بعد عام ١٨٨٢م بحيث أصبحت بريطانيا، بشكل أو بآخر، دولة تالية خلفت دولة محمد علي باشا (حكم ١٨٠٥ ١٨٤٨م) وذريته. وعلى العكس من الهند والخلاف الذي أحاط بقانون الأمراض المعدية، فإن المسؤولين الاستعماريين تجنبوا الخوض في مسألة تنظيم الدعارة حتى حوالي عام ۱۹۰٥م. كذلك، وبدرجة ما على العكس مما حدث في الهند، فإن القادة من أمثال اللورد كرومر (۱۸۸۲ ۱۹۰۷م) فعلوا القليل من أجل دفع تعليم الفتيات، بل إن الكثيرين ربما يكونون قد حالوا دونه. أما الأسئلة الخاصة بوضع النساء في التشريعات الإسلامية وتعليم الفتيات فقد كانت أمورًا سبق وأن طرحتها بعد منتصف القرن النخبة المصرية المسلمة المرتبطة بالدولة فيما قبل الاستعمار. وقد أدى ذلك بدرجة ما إلى صعود حركة نسائية مسلمة في العقد الأول من القرن العشرين تحت قيادة هدى شعراوي ونبوية موسى، حيث سعت كلاهما إلى زيادة فرص الفتيات في التعليم وفي مجالات الحياة الأخرى، وقد تركت كل من السيدتين مذكرات وكتابات أخرى ثمينة. وكما كان الحال في الهند فقد سعى إصلاحيون محليون من أجل تحسين الوضع القانوني للمرأة، حيث أصدر القاضي المصري المسلم قاسم أمين كتابه تحرير المرأة في عام ۱۸۹۹م الذي طالب فيه بتعديلات تشريعية في مواجهة القهر الأبوي. أما كتابه الثاني، المرأة الجديدة، الصادر في عام ۱۹۰۰م، فقد ربط بشكل واضح ما بين تحرر المرأة والتحرر الوطني من بريطانيا. وبحلول نهاية القرن التاسع عشر ظهرت كتابات أخلاقية وتعليمية باللغة العربية كتبتها نساء مصريات وأخريات، وازدهر بذلك مورد ثري وغير مسبوق لفهم تاريخ النساء والتجربة الاستعمارية.

رغم الفروق الكبيرة بين الاستعمار البريطاني في الهند ومصر إلا أن هناك تشابها كبيرًا بين الخطابين الاستعماري والوطني المحلي بخصوص إصلاح وضع النساء في البلدين، وذلك رغم أن فرنسا كانت هي مصدر الإلهام الثقافي في حالة مصر. وبنهاية القرن حملت النساء المصريات مسؤولية الرفاهة الأخلاقية والجسدية والثقافية لذريتهن ومن ثم للأمة بأكملها، وهي مسؤولية لم يكن يحملنها تاريخيًا. وكانت مدارس الفتيات المصرية تدرس مادة التربية العلمية للأطفال (puériculture)، على نمط المؤسسات الفرنسية. وقد ظهرت تلك المادة لأول مرة في فرنسا في عام ١٨٦٥م لإرشاد الأمهات في كيفية تربية أطفال أصحاء ولتعليم الطبقات الكادحة مبادئ الحياة الأسرية البرجوازية. وتم فيما بعد إدراج البرنامج في المشروعات الفرنسية الاستعمارية في شتى أنحاء العالم. وفي فترة ما بين الحربين تم تدريس هذه المادة للنساء في الجزء الفرنسي من غرب أفريقيا، ورغم كون تلك التعاليم أجنبية المصدر إلا أن بعضا من الأفكار العلمية المرشدة للأمومة وجدت صدى قويا لدى المفكرين والمحدثين المسلمين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من الهند إلى أفريقيا. وحتى في إيران وتركيا، واللتين لم تنصهرا أبدًا بشكل كامل في الإمبراطوريات الأوروبية، تبنت الصفوة الوطنية المسلمة فكرة الأنوثة المثالية المتضمنة في الأمومة العلمية، بعد تطويعها لتنسجم مع المفاهيم الثقافية المحلية، والتي ارتبطت منذ ذلك الوقت بصحة وتقدم الأمة.

بدأ أول تدخل أوروبي في منطقة ساحل سواحيليالممتدة من جنوب الصومال إلى شمال موزمبيق في منتصف القرن من خلال حركة مناهضة العبودية. فقد أسست جمعية التبشير الكنسي الإنجليزية أول مركز لها بالقرب من مومباسا للعبيد الذين أخذوا من السفن وتم تحرير هم بواسطة الإنجليز. وفي عام ۱۸۹۰م تحول هذا المركز إلى مؤسسة تعليمية وفي نفس الوقت وضعت الشركة البريطانية لشرق أفريقيا تحت سلطة وزارة الخارجية في عام ١٨٩٥م، فدخلت بذلك في إطار كونها محمية شرق أفريقيا. ومع اتساع ميناء مومباسا وربط السكك الحديدية ما بين الميناء وداخل البلاد بدأت ظاهرة الدعارة حيث كان العمال ينجذبون إلى مومباسا تحت إغراء الرواتب المدفوعة من قبل الحكومة الاستعمارية فيذهبون للعمل هناك تاركين أسرهم وراءهم، كذلك فإن الجفاف وتلف المحاصيل والضريبة الاستعمارية التي فرضت في عام ۱۹۰۸م دفعت كلها بنساء الداخل إلى ممارسة الدعارة على السواحل. ويمكن أن تجد توثيقًا لتلك العوامل كلها في الأرشيف الوطني الكيني خاصة في التقارير الفصلية المحلية والتقارير السنوية الإقليمية بداية من العقد الأول من القرن العشرين. كذلك فإن تقارير جمعية التبشير الكنسي بداية من منتصف القرن التاسع عشر تمثل مصدرًا آخر للمعلومات. ومع ذلك، وتوضح مارجريت ستروبيل في دراستها عن النساء المسلمات في مومباسا، 1890 – 1975 والصادرة في عام ۱۹۷۹م (Margaret Strobel, Women in Mombasa 1890 – 1975, 1979) قائلة إن الكتابة عن النساء في الإقليم السواحلي هو مثل البحث في تاريخ ما هو غير منطوق وغير مرئي. فالمكتوب بواسطة النساء أنفسهن نادر جدًا. ورغم ذلك فإن وثائق الطلاق والوثائق القانونية الأخرى توفر بعض المعلومات، حتى ولو كانت رسمية. فالتقارير الذكورية الاستعمارية إما أنها كانت تتجاهل النساء تماماً أو تركز فقط على ظاهرة الدعارة مع استثناء أية أنشطة نسائية أخرى. وكما كان الحال في الإمبراطوريات الأوروبية فقد خلق البريطانيون فئات عنصرية، وأبرزوا ما فيها من فروق دينية وعرقية مما أشعل نيران الصراعات المحلية. كذلك فإن الحكومة الاستعمارية وجهت ضربة قوية للسلطة الذكورية على المستويين الخاص والعام وذلك من خلال التحقير من التقاليد الاجتماعية السائدة والهرمية الأبوية. وقد اتضح ذلك بشكل خاص في إجراءات الطلاق والحضانة والزواج كما في الخلافات حول الإرث، فقد بدأت بعض النساء يلجأن إلى المسؤولين البريطانيين المحليين في قضايا الإرث بهدف الحصول على حقوقهن كاملة في الحالات التي كانت المحاكم الإسلامية لا تحقق لهن ذلك. وتعتبر سجلات مكاتب تسجيل الأراضي والمحكمة الوطنية الرئيسية بمومباسا والتقارير القانونية لشرق أفريقيا (East Africa Law Reports) ومجلدات السجلات السياسية لمومباسا في الأرشيف الوطني الكيني تعتبر كلها ضمن المصادر الهامة الموثقة للخلافات القانونية. كذلك برز تناقض آخر في بدايات القرن العشرين، فتحت الحكم البريطاني بدأت النساء في ارتداء الحجاب وممارسة الاحتجاب وكان ذلك عادة ما يحدث بين نساء الطبقات الفقيرة اللاتي حاولن من خلال ذلك رفع مستواهن الاجتماعي عن طريق تقليد نساء الطبقات الأعلى.

أما أهم التغييرات الخاصة بالنساء فلم تحدث حتى مجيء الثلاثينات من القرن العشرين، حين توفر التعليم الرسمي العلماني للفتيات. لكن تلك الفترة تقع خارج نطاق الدراسة الحالية.

الإمبراطورية الفرنسية في شمال أفريقيا (حوالي ۱۸۳۰ ۱۹۰۰م)

تحمل تجربة شمال أفريقيا عددًا من الفروق عن الإمبراطورية البريطانية والهولندية والإمبراطوريات الأخرى. فبعد استيلاء بريطانيا العظمى على معظم الهند أصبحت فرنسا قوة استعمارية من الدرجة الثانية تملك مقاطعات تجارية محدودة في جزر الهند الشرقية وأفريقيا وآسيا. ثم في عام ۱۸۳۰م وقعت فرنسا على الجزائر، وقد استدعى تطويع البلاد إلى حوالي ٥٠ عامًا من الحرب الشرسة شنها الجيش الفرنسي ضد السكان المسلمين. ولم يترتب على ذلك أن خضعت الجزائر لحكم الجيش مباشرة لعدة عقود فحسب وإنما أيضًا أن أصبحت السجلات العسكرية المحفوظة في قصر فينسين خارج باريس تمثل موردًا هامًا للمعلومات التاريخية. فبداية من أربعينات القرن التاسع عشر قدم المسؤولون في المكاتب العربية وصفًا للنساء المحليات، اللاتي عادة ما كن نساء قبليات أو ريفيات. وفي السجلات العسكرية لتلك الفترة تظهر النساء تحت الاستعمار كشخصيات عاملة أو منتجة تتمتعن بحرية الحركة وحتى النشاط السياسي. ولم يتم استخدامهن بعد كوسيلة للهجوم الثقافي على المجتمع الجزائري المسلم. ومع ذلك، وكما كان الحال في الهند، كانت الدعارة هما صحيا عاما نظرا للوجود العسكري الفرنسي الكبير في البلاد. وباستثناء الإشارة إلى ممارسة الدعارة المنظمة أو الحرة بواسطة النساء الأوروبيات في المراسلات العسكرية، فإن واحدا من الأبحاث العلميةالقليلة المنشورة حول التجارة الاستعمارية في الجنس كان تقرير الطبيب إ. ديشيسن عن الدعارة في مدينة الجزائر منذ الاحتلال والذي صدر في عام ١٨٥٣م (E. Duchesne, De la prostitution dans la ville d’Alger depuis la conquite 1853) وتناول وجود ممارسات جنسية شرقيةمنحرفة.

تأثرت الكتابة عن النساء والجندر إلى حد كبير بوصول عشرات الآلاف من المهاجرين الفقراء القادمين من حوض البحر المتوسط في ثلاثينات القرن التاسع عشر. لقد تحول هؤلاء البشر من أصول متواضعة، وإن كانت متباينة، إلى مستوطنين استعماريين. وقد استقر بعضهم في شمال أفريقيا حتى عام ١٩٦٢م والكثيرون منهم أظهروا عنصرية لا مثيل في عنقها نحو المسلمين واليهود المحليين. هذا ويحمل الإنتاج الأدبي الصادر عن ذلك خطابًا عدوانيًا تجاه الجزائريين المحليين، ومع ذلك فقد تم تجاهل ذلك المصدر حتى الآن من قبل غالبية الباحثين والباحثات. أرست الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية بعثات إلى الجزائر، بالأساس لرعاية سكان المتوسط ولكن أيضًا من أجل تنصير المسلمين واليهود. وفي منطقة قبيلية، حيث تسكن أقلية بربرية عرقية، وليس دينية، ذات شأن سعى النظام الاستعماري إلى التفريق ما بين المسلمين البربر والمسلمين العرب من خلال استراتيجيات قانونية وغيرها. هنا نجح التبشيريون الكاثوليكيون، خاصة الآباء البيض، في تغيير بعض الديانات، خاصة بين الأيتام والملفوظين اجتماعيًا وذلك من خلال إنشاء عيادات وملاجئ للأيتام ومدارس. ومن أهم السير الذاتية المتوفرة عن الجزائر الفرنسية هي تلك التي كتبتها فاطمة عمروش وهي امرأة من إحدى قرى قبيلية، حيث يحوي كتابها تاريخ حياتي (Fadhma Amrouche, Histoire de ma vie) تفاصيل حياة امرأة تحولت إلى المسيحية وتعلمت في المدارس الكاثوليكية وعاشت تحت الحكم الاستعماري الفرنسي في الجزائر وفيما بعد في تونس.

بشكل عام كانت الحكومات العسكرية والمدنية في الجزائر معادية للنشاط التبشيري، حيث كانوا يرون، مثلما كان الحال في مستعمرات إسلامية أخرى، بأن التعليم و / أو محاولات التنصير سوف تؤدي إلى الثورة، ومن ثم فإن الكنيسة لم تنشئ مؤسسات صحية وتعليمية على نمط ما حدث في الهند. وفي النهاية وصل إصلاحيو الرابطة الإسرائيلية العالمية من باريس في منتصف القرن ليبنوا المدارس ويحولوا اليهود الجزائريين (وكذلك المغاربة والتونسيين) إلى فرنسيين. هذا ونادرًا ما يلجأ المؤرخون والمؤرخات إلى أرشيفات الآباء البيض والبعثات الكاثوليكية الأخرى في شمال أفريقيا أو سجلات البعثات البروتستانتية من المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة، رغم كونها تمثل مصدرًا هامًا للمعلومات. كذلك لم يلجأ المؤرخون والمؤرخات للجزائر في الحقبة الاستعمارية إلى البحث في سجلات الرابطة الإسرائيلية العالمية الموجودة في باريس عن معلومات حول النساء والجندر، وإن كان يجري حاليًا عمل بعض الدراسات.

اختلط الجدل الدائر بين المسؤولين الاستعماريين والمستوطنين حول أوضاع النساء بجدل آخر عن العلاقات الجنسية والحقوق السياسية. وقد أدى الجدال الدائر حول النساء المحليات والتعليم اللازم لهن إلى وضع هؤلاء النساء في وضع متناقض: كحافظات للتقاليد المحلية الأصلية من ناحية أو كحاملات للتحديث داخل الأسرة من ناحية أخرى، حيث ترتبت على كل موقع سياسات تعليمية مختلفة جذريًا. وقد أدى ذلك المأزق حول تفضيل أي من تلك الرؤى الاجتماعية المتناقضة إلى توفير الحجة لإهمال تعليم الفتيات خلال الفترة الاستعمارية. بل إن المسؤولين الاستعماريين نجحوا بعد عام ١٨٦١م في الترويج ضد التعليم المدعوم من قبل الدولة تحت دعوى ارتفاع تكلفة المدارس، بل والأسوأ من ذلك، بحجة أن النساء المتعلمات منبوذات من كلا المجتمعين. بل إن البعض ذهب إلى القول بأن التعليم الغربي للفتيات المسلمات يؤدي إلى الدعارة. وقد ارتبطت الحجج ضد تعليم الفتيات بالتشخيص الجنسي للنساء الجزائريات من قبل المستوطنين الأوروبيين وكذلك من قبل الرحالة والمصورين. ويختلف ذلك أيضًا بدرجة ما عما حدث في الهند البريطانية حيث لم تصل نسبة الأوروبيين إلى السكان المحليين أبدًا إلى النسبة التي وصلت إليها في الجزائر. فقد اكتسب المستوطنون بشكل مستمر هوية جماعية جديدة كان يتم التعبير عنها بمصطلح نحن الجزائريينوالتي عكست أن الأورسين يمثلون عنصرًا مختلفًا عن المسلمين الأقل شأناوكذلك عن الفرنسيين المتحلين المخنثين في أوروبا. ويحلول عام ۱۹۰۰م هيمنت قضايا الجنس والجندر على الخلاف بشأن التمثيل السياسي المحدود لبعض الذكور تحت الاستعمار. كما استخدم الادعاء بوضع النساء الفاسدفي ظل التشريعات الإسلامية – من وجهة نظر المسؤولين الاستعماريين والمستوطنين كأداة للقمع تثبت استحالة اندماج المسلمين في فرنسا. وهو ما يفسر ظهور نوع جديد من الأدب الاستعماري يضم الدراسات الرسمية والروايات الرائجة والأبحاث غير العلمية عن النساء المسلمات – مستهدفًا في حقيقة الأمر إنكار الحقوق الأساسية على الجزائريين الأصليين.

وفي تناقض صارخ مع ما سبق أن الإصلاحيون المسلمون في مصر وشمال أفريقيا بحلول عام ١٩٠٠م على أن القانون الإسلامي ليس جامدًا، فقدم رجل القانون التونسي، طاهر الحداد، مقترحًا بقراءة جديدة في حقوق النساء ودعا إلى تعليم الفتيات تعليمًا حديثًا، كذلك كان هناك قانوني بارز آخر هو الجزائري كامل محمد بن مصطفى الذي نشر في عام ١٩٠٣م كتابه عن حقوق النساء والذي كتب بلغة المستعمر (Kamil Muhammad ibn Mustafa, Les droits de la femme1903). وقد كان قراء ذلك الكتاب هم الفرنسيون في أوروبا والمسلمون الحاصلون على التعليم الفرنسي والمطالبون بحق التمثيل السياسي.

على عكس ما حدث في الهند البريطانية ومصر أو في جزر الهند الهولندية، فقد كانت عملية بناء الجزائر الفرنسية عبر تكوين نظرة – أو عبر طيف من النظرات الموجهة صوب الحياة الجنسية للنساء المسلمات – ومن خلال سلسلة من العمليات القسرية في المعرفة والسيطرة. وقد ترتب على ذلك كمية ضخمة من الوثائق الاستعمارية الموجودة حاليًا بشكل أساسي في أيكس أن بروفانس. إن تلك النظرة بما فيها من خطابات وصور تمثيلية شكلت عنصرًا هامًا في صياغة السياسات الثقافية للجزائر الفرنسية. ورغم توفر بعض من تلك الصفات في الإمبراطوريات الأوروبية الأخرى إلا أنه لم يحدث أبدًا أن صورت النساء المحليات بتلك الصورة أو تم استخدامهن بتلك الدرجة لصالح الأهداف السياسية لمجتمع المستوطنين. أما الفرق الأخير بين الهند البريطانية والجزائر الفرنسية فيكمن في أن النسويات الفرنسيات في أواخر القرن التاسع عشر لم يكن متورطات بدرجة عميقة في المشروع الإمبريالي مثلما كانت النسوبات البريطانيات. ومع ذلك فإن أوبيرتين أوكلير (1848 – 1914م)، النسوية الفرنسية المطالبة بالحقوق السياسية للنساء، أقامت في الجزائر لمدة أربع سنوات وأثارت في كتاباتها موضوع العنصرية الاستعمارية واضطهاد النساء المحليات من قبل الاستعمار. ويمكن الإطلاع على الكثير من مراسلاتها في باريس في مجموعة بوغليه الضخمة الموجودة في المكتبة التاريخية بمدينة باريس (Hubertine Auclert, Bouglé collection, Bibliothèque historique de la ville de Paris)

ومثلما حاول البريطانيون في مصر تجنب الأخطاء التي ارتكبوها في الهند، كذلك حاول الفرنسيون في تونس تجنب الأخطاء التي ارتكبوها في الجزائر. فكما كان الحال في مصر، كانت تونس تحت الحماية وقد تم الاستيلاء عليها في عام ١٨٨١م، لكنها لم تكن أبدًا محكومة من قبل الجيش الفرنسي. ولم تشهد تونس الصراع حول موضوعات الحياة الجنسية والمواطنة وذلك نظرًا لوضع البلاد المختلف وأيضًا لاختلاف موقف المستوطنين الأوروبيين هناك. وبالتالي فإن مسألة تعليم الفتيات أو الفتيان المحليين لم تكن مشحونة سياسيًا مثلما كان الحال في الجزائر.بل إنه تم تدشين تجربة جديدة في التعليم الحديث للفتيات المسلمات حوالي عام ۱۹۰۰م وبدأت تؤتي ثمارها عشية الحرب العالمية الأولى. ومن أولى المدارس الابتدائية الأكاديمية العلمانية للفتيات المستعمرات في الإمبراطورية الفرنسية هي مدرسة الفتيات المسلمات التي أنشأها مسلمون تونسيون ليبراليون بالاشتراك ليبراليين فرنسيين. ولم يتوقف نجاح تلك المدرسة، الموجودة حتى اليوم، عند تعليم أول طبيبة في البلاد وإنما نجحت أيضًا في تعليم زوجات العديد من الرجال التونسيين الوطنيين. وبشكل عام فإن الأرشيفات الكثيرة عن تونس في فترة الحماية الفرنسية تمثل مصدرًا غنيًا لدراسة أوضاع النساء تحت الحكم الاستعماري، وكذلك سجلات الدولة التونسية ما قبل الاستعمار، ولكنها هي الأخرى لا تستخدم بالقدر الكافي. كذلك فإن بعض السجلات الفرنسية التي لم تنقل إلى فرنسا في عام ١٩٥٦م ما زالت محفوظة في الأرشيف الوطني التونسي في مدينة تونس. أما الكميات الضخمة من الوثائق الاستعمارية التي تم شحنها إلى أوروبا مع الاستقلال فقد حفظت في أرشيف السجلات في مدينة نانت. وأخيرًا لم يبحث أحد تقريبًا في سجلات البعثات الكاثوليكية الخاصة بتونس، كما أن أوراق أخوات القديس يوسف في الفاتيكان لا نزال تنتظر مؤرخيها ومؤرخاتها.

أنشئت أول مدرسية للفتيات في المغرب في عصر ما قبل الاستعمار في عام ١٨٦٦م في طنجة بواسطة الرابطة الإسرائيلية العالمية“. ومن السهل أن نجد وثائق عن تلك المدرسة ومدارس أخرى مثلها في أرشيف الرابطة في باريس. وبالمقارنة بنموذج الجزائر، قام النظام الاستعماري في المغرب بعد عام ۱۹۱۲م بإدخال تعديلات واضحة على قانون الأحوال الشخصية الإسلامي. وعلى المستوى العملي تم تدعيم السلطة الأبوية للأسرة العلوية الحاكمة ولكبار نبلاء العرب أو البربر. لقد أرادت فرنسا أن تحافظ على تقليديةالمغرب من الناحية النظرية دون أن يمسها التحديث، ومع ذلك فإن استراتيجيات الاستعمار القائمة على مبدأ فرق تسد عملت بشكل غير مباشر على تسييس قانون الأسرة الإسلامي، وذلك بوضعه في تضاد مع القانون العرفي للبربر. وحيث أنه تم، على سبيل الخطأ، اعتبار الأقلية البربرية الكبيرة أكثر استجابة للبعثة التبشيرية، فقد سعى القادة الفرنسيون إلى بث الفرقة بين العرب والبربر. وبالتالي فقد صورت المرأة البربرية (مثلما حدث مع المرأة الجزائرية القبيلية) وكأنها تتمتع باحترام أكثر في مجتمعها وتتمتع بأخلاق شخصية أرقى من أختها العربية المنحطة والحسية. ومرة أخرى استخدمت النساء كمؤشرات الفروق العرقية والثقافية من أجل تقسيم المجتمعات الإسلامية. إلا أنه من بين البلدان الثلاثة الفرنسية في شمال أفريقيا نجد أن المغرب في حقبة الاستعمار كانت هي أقل تلك البلاد حظًا في البحث الذي يتناول وضع النساء. وربما نجد بعض الوثائق في أرشيف المحمية المغربية في نانت وفي السجلات العسكرية في فينسين، إلا أنه وكما هو الحال في تونس فإن السجلات الاستعمارية ما زالت موجودة في المغرب وبشكل رئيسي في مدينة الرباط. إن الدراسات المكثفة، التي قام بها باحثو الإثنوغرافيا المستعمرون لمجتمعات البرير من خلال عملهم الميداني أدت إلى توليد كم هائل من المعلومات يظل إلى اليوم غير مستخدم في انتظار باحثي وباحثات المستقبل. وأخيرًا فإن مشاريع التاريخ الشفهي الحديث، التي تناولت مقابلات مع نساء مغربيات شاركن في الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار، وفرت قدرًا من المعلومات، وإن كانت تتناول فترات لاحقة عن تلك التي يتناولها هذا المقال.

وعشية الحرب العالمية الأولى أصبحت نساء المستعمرات في كل مكان في العالم هن مقياس جميع الأشياء، فأصبحن رموزًا سياسية وثقافية وموضوعًا للإصلاح، إضافة إلى تحولهن إلى مجال أيديولوجي للجدل حول قضايا الهوية والأصالة الثقافية والاستعداد الأخلاقي لاستيعاب الغرب.

نحن نعلم الكثير عما لا حصر له من الأنشطة النسائية الأوروبية في إمبراطوريات ما وراء البحار من حيث أدوار النساء كمستوطنات أو رحالات أو تبشيريات أو مدرسات، وخاصة بالنسبة للهند البريطانية. وما نعلمه عنهن أكثر بكثير مما نعلمه عن النساء المحليات في تلك المستعمرات، وإن كان هذا الوضع يتبدل حاليًا مع زيادة الاهتمام البحثي في قضايا النساء والجندر والإمبريالية. وبالنسبة للعالم العربي كان الجزء الأكبر من الانتباه مركزًا على القوميات الوطنية المختلفة، فيما يخص أيديولوجياتها بشأن الأمة المؤنثة. وقد تم تقديم عدد من التفسيرات المختلفة لنتائج التكوين الأيديولوجي والسياسي لكيان المرأة المسلمة المترتبة على النساء تحت الاحتلال، والذي ارتبط بدوره بصورة الأمومة أو وضع المرأة المتزوجة. وقد تبلور هذا التصور بشكل واضح بحلول عام ۱۹۰۰م. ويرى بعض الدارسين أن نموذج المرأة الجديدة المسلمةوفر الفرص لتحسين وضع النساء الاجتماعي في مجتمعاتهن المختلفة. لكن هناك آخرون يرون أن الأيديولوجيا وقد أحيطت بهالة من الأبوية المزدوجة – الاستعمارية والمحلية – قد عرقلت أي تغيير ذي معنى بالنسبة للنساء. كذلك هناك من يشير إلى أن اتساع التأثير المنظم للدولة الحديثة لم يضع النساء، سواء من قوى الاحتلال أو الخاضعات له، تحت مزيد من السلطة الأبوية فحسب، لكنه أدى أيضًا إلى توسيع الهوة القائمة بين ما هو أنثوي تقليديوأنثوي حديث“. ومن مشكلات المصادر الوطنية عن تلك الفترة هو توجيه قدر أكبر من اللازم من الانتباه إلى الخطاب – أي مقولات ومزاعم الرجال الإصلاحيين – دون الانتباه بالقدر الكافي إلى حقائق أرض الواقعفي الحياة اليومية للنساء تحت الاحتلال وتفاعلاتهن المتعددة مع الجوانب والأدوات المختلفة للإمبريالية. لكن هناك عددًا من الباحثات اللاتي بدأن في إعادة قراءة ذلك المجال، منهم: جانيت أفاري، وبيث بارون، ومارلين بوث، ونيكي ر.كيدي، وأفسانه نجمبادي، وليسا ل. بولارد، ومونيكا رينغر، ومنى راسل، وأ. هولي شيسلر، وإليزابيث تومبسون، وجوديث تاكر.

هل أدى عنف الغزو الإمبريالي واستعمار المستوطنين، الذي لا شك فيهما، إلى تجفيف نبع المعرفة وتقليص المعلومات حول النساء في فترات ما قبل الاستعمار وإسكات صوت النساء تحت الاحتلال، كما يدعي البعض؟ الأرجح أن الإجابة على هذا السؤال هي مزيج من الإيجاب والنفي. ومع ذلك فما زال هناك كم كبير من المعلومات التاريخية المتباينة جدًا تنتظر البحث فيها.

إن استخدام مصادر السجلات المختلفة بشكل نقدي، سواء كانت المجموعة الضخمة لجمعية التبشير الكنسي الإنجليزية أو تلك الخاصة بالكنيسة الإصلاحية أو البعثات الهولندية أو أوراق الآباء والأخوات الكاثوليك البيض في فرنسا، يمدنا بمعلومات عادة ما لا نجدها في أي مصدر آخر حول النساء والأسرة والمجتمعات المحلية. فعلى سبيل المثال يمكننا التعرف على تفاصيل إدارة المنزل والمعتقدات والممارسات الشعبية وأساليب تربية الأطفال والطبيبات الشعبيات، وحتى ولو كان قد تم تسجيل تلك الأمور من أجل تدمير العادات التقليدية“. كذلك فإن تلك الوثائق تقدم أدلة غير متوفرة في السجلات الحكومية، حيث أن المسؤولين الاستعماريين في قمة المراتب الاستعمارية عادة ما اعتبروا تلك المعلومات غير جديرة بالتسجيل، أو لأنهم كرجال لم يتمكنوا من الوصول إليها. إن القراءة بين السطور يمكن أن تحول أكثر الدلائل المبهمة والمشبوهة أو المشوهة إلى مصدر مشروع لفهم الأوروبيين وكذلك الشعوب المحتلة المصورة فيها. كذلك فإن التعدادات الاستعمارية تعتبر مصادر هامة للمعلومات رغم ندرة استخدامها فيما يخص النساء والجندر في المستعمرات الفرنسية. وبالمثل تم توجيه قليل من الانتباه إلى المصادر التاريخية التي تتناول الأطفال والشباب تحت الاحتلال، مثل سجلات ملاجئ الأيتام أو منظمات الصحة العامة، أو تلك الخاصة بمجموعات الكشافة التي تضمنت فصولا عن الأولاد والبنات سواء الأوروبيين أو تحت الاحتلال في كل من أفريقيا وآسيا. ورغم القصور الداخلي في تلك المصادر، المتمثل في الافتراضات والانحيازات الواضحة أو الضمنية، فإن تلك المصادر وغيرها توفر الفرص لتطوير المعرفة بالماضي، بشرط أن يقر المؤرخون والمؤرخات دائمًا بالطبيعة الإشكالية لسجلات الإمبريالية الأوروبية التي أنتجتها أطراف استهدفت الاستغلال والتغيير والهيمنة على الشعوب محل الدراسة والتوثيق.

Primary Sources

F. Amrouche, My life story. The autobiography of a Berber woman, trans. D. Blair, New Brunswick 1989. H. Auclert, Les

femmes arabes en Algérie, Paris 1900.

F. Buchanan, A journey from Madras through the countries of Mysore, Canara, and Malabar, London 1808–14.

Church Missionary Society Archive, section II, parts 1–3, Missions to women, Wiltshire 1997 and section IV, parts 1–7,

Africa Missions, Wiltshire 1999.

E. Duchesne, De la prostitution dans la ville d’Alger depuis la conquête, Paris 1853.

C. Fouché, Journal of a visit to Egypt, Constantinople, etc., New York 1870.

A. H. Grey-Edwards, Memoir of the Rev. John Thomas. C.M.S. missionary at Mengnanapuram, Tinnevelly, South India,

1835–1870, London 1904.

India Office Library, Catalogue of the Panjabi and Sindhi manuscripts in the India Office Library, London 1977.

J. Mabro (intro.), Veiled half-truths. Western travellers’ perceptions of Middle Eastern women, London 1991.

B. D. Metcalf (trans. and commentary), Perfecting women. Maulana Ashraf ‘Ali Thanawi’s Bihishti Zewar, Berkeley 1990.

H. Sha‘rāwi, Harem years. The memoirs of an Egyptian feminist, trans., ed., and intro. M. Badran, New York 1987.

S. Tucker, The rainbow in the north. A short account of the first establishment of Christianity in Rupert’s land, London 1851.

T. Williamson, The East-India Vade Mecum, 2 vols., London 1810.

Secondary Sources

L. Abu-Lughod, Remaking women. Feminism and modernity in the Middle East, Princeton, N.J. 1998.

D. Arnold, Science, technology and medicine in colonial India, Cambridge 2000.

M. Badran, Feminists, Islam, and nation. Gender and the making of modern Egypt, Princeton, N.J. 1995.

S. Bakalti, La femme tunisienne au temps de la colonisation, 1881–1956, Paris 1996.

B. Baron, The women’s awakening in Egypt. Culture, society, and the press, New Haven, Conn. 1994.

C. A. Bayly, Empire and information. Intelligence gathering and social communication in India, 1780–1870, Cambridge 1996.

M. Booth, May her likes be multiplied. Biography and gender politics in Egypt, Berkeley 2001.

M. Borthwick, The changing role of women in Bengal, 1849–1905, Princeton, N.J. 1986.

A. Burton, Burdens of history. British feminists, Indian women, and imperial culture, 1865–1915, Chapel Hill 1994.

——, At the heart of the empire. Indians and the colonial encounter in late-Victorian Britain, Berkeley 1998.

M. R. Charrad, Women’s rights. The making of postcolonial Tunisia, Algeria, and Morocco, Berkeley 2001.

P. Chatterjee, The nation and its fragments. Colonial and post-colonial histories, Princeton, N.J. 1993.

N. Chaudhuri and M. Strobel (eds.), Western women and imperialism. Complicity and resistance, Bloomington, Ind. 1992.

A. Christelow, Muslim law courts and the French colonial state in Algeria, Princeton, N.J. 1985.

J. Clancy-Smith, The shaykh and his daughter. Coping in colonial Algeria, in E. Burke III (ed.), Struggle and survival in the

modern Middle East, Berkeley 1993, 145-63.

——, A visit to a Tunisian harem, in Journal of Maghrebi Studies 1–2:1 (1993), 43–9.

——, Rebel and saint. Muslim notables, populist protest, colonial encounters (Algeria and Tunisia, 1800–1904), Berkeley 1994.

——, Gender, work, and handicraft production in colonial North Africa, in M. Meriwether and J. Tucker (eds.), A social

history of women and the family in the Middle East, Boulder, Colo. 1999, 25–62.

——, Gender in the city. The medina of Tunis, 1850–1881, in D. Anderson and R. Rathbone (eds.), Africa’s urban past, Oxford 2000, 189–204.

——, Educating the Muslim woman in colonial North Africa, in B. Baron and R. Matthee (eds.), Iran and beyond. Essays

in Middle Eastern history in honor of Nikki R. Keddie, Los Angeles 2000, 99–118.

——, L’école rue du pacha à Tunis. L’éducation de la femme arabe et “la plus grande France” (1900–1914), in Clio.

Histoire, femmes et société. Le genre de la nation 12 (2000), 33–55.

J. Clancy-Smith and F. Gouda (eds.), Domesticating the empire. Race, gender, and family life in French and Dutch colonialism, Charlottesville, Va. 1998.

B. S. Cohn, Colonialism and its form of knowledge. The British in India, Princeton, N.J. 1996.

A. L. Conklin, A mission to civilize. The republican idea of empire in France and west Africa, 1894–1930, Stanford, Calif.

1997.

F. Cooper and A. L. Stoler (eds.), Tensions of empire. Colonial cultures in a bourgeois world, Berkeley 1997.

K. M. Cuno and M. J. Reimer, The census registers of nineteenth-century Egypt. A new source for social historians, in

British Journal of Middle Eastern Studies 24:2 (1997), 193–216.

W. Dalrymple, The White Mughals. Love and betrayal in eighteenth-century India, New York 2002.

R. M. Eaton, The rise of Islam and the Bengal frontier, 1204–1760, Berkeley 1993.

G. Forbes, Women in modern India, Cambridge 1994.

F. Gouda, Dutch culture overseas. Colonial practice in the Netherlands Indies 1900–1942, Amsterdam 1995.

S. Graham-Brown, Images of women. The portrayal of women in photography of the Middle East, 1860–1950, New York 1988.

R. Guha and G. C. Spivak (eds.), Selected subaltern studies, Oxford 1988.

G. R. G. Hambly (ed.), Women in the medieval Islamic world, New York 1998.

P. M. Holt, A. K. S. Lambton, and B. Lewis (eds.), The Cambridge history of Islam, ii, The further Islamic lands, Islamic

society and civilization, Cambridge 1970.

M. T. Huber and N. C. Lutkehaus (eds.), Gendered missions. Women and men in missionary discourse and practice, Ann Arbor 1999.

C. Johnson-Odim and M. Strobel (eds.), Expanding the boundaries of women’s history. Essays on women in the Third World, Bloomington, Ind. 1992.

M. Kahf, Western representations of the Muslim woman. From termagant to odalisque, Austin, Tex. 1999.

H. Kazdaghli (ed.), Mémoire de femmes. Tunisiennes dans la vie publique, 1920–1960, Tunis 1993.

N. R. Keddie and Beth Baron (eds.), Women in Middle Eastern history. Shifting boundaries in sex and gender, New Haven, Conn. 1991.

R. S. Kipp, The early years of a Dutch colonial mission, Ann Arbor 1990.

R. Kumar, The history of doing. An illustrated account of movements for women’s rights and feminism in India, 1800–1990, London 1993.

M. Lazreg, The eloquence of silence. Algerian women in question, London 1994.

D. Lelyveld, Aligarh’s first generation. Muslim solidarity in British India, Delhi 1996.

P. M. Lorcin, Imperial identities. Stereotyping, prejudice and race in colonial Algeria, London 1995.

L. Mani, Contentious traditions. The debate on sati in colonial India, Berkeley 1998.

Y. B. Mathur, Women’s education in India, 1813–1966, New York 1973.

B. D. Metcalf (ed.), Moral conduct and authority. The place of adab in South Asian Islam, Berkeley 1984. T. R. Metcalf, Ideologies of the Raj, Cambridge 1994.

C. Midgley (ed.), Gender and imperialism, Manchester, U.K. 1998.

S. G. Miller, Gender and the poetics of emancipation. The Alliance israélite universelle in northern Morocco, 1890–1912, in

L. C. Brown and M. S. Gordon (eds.), Franco-Arab encounters, Beirut 1996, 229–52.

G. Minault, Secluded scholars. Women’s education and Muslim social reform in colonial India, Delhi 1998.

R. P. Pierson and N. Chaudhuri (eds.), Nation, empire, colony. Historicizing gender and race, Bloomington, Ind. 1998.

G. Prakash (ed.), After colonialism. Imperial histories and postcolonial displacements, Princeton, N.J. 1995.

J. D. Ragan, A Fascination for the exotic. Suzanne Voilquin, Ismayl Urbain, Jehan D’Ivray and the Saints-Simonians.

French travelers in Egypt on the margins, Ph.D. diss., New York University 2000.

B. N. Ramusack and Sharon Sievers (eds.), Women in Asia. Restoring women to history, Bloomington, Ind. 1999.

D. M. Reid, Whose pharaohs? Archeology, museums, and Egyptian national identity from Napoleon to World War I,

Berkeley 2002.

R. Simon, Change within tradition among Jewish women in Libya, Seattle 1992.

M. Sinha, Colonial masculinity. The “manly Englishman” and the “effeminate Bengali,” Manchester, U.K. 1995.

A. Sonbol (ed.), Women, the family, and divorce laws in Islamic history, Syracuse, N.Y. 1996.

G. C. Spivak, Can the subaltern speak? Speculations on widow-sacrifice, in Wedge 7:8 (1985), 120–30 and C. Nelson and

L. Grossberg (eds.), Marxism and the interpretation of culture, Urbana, Ill. 1988, 271–313.

A. L. Stoler, Sexual affronts and racial frontiers, in Comparative Studies in Society and History 34:3 (1992), 514–51.

M. Strobel, Muslim women in Mombasa, 1890–1975, New Haven, Conn. 1979.

——, European women and the second British Empire, Bloomington,Ind. 1991.

J. E. Tucker, Women in nineteenth-century Egypt, Cambridge 1985.

L. S. Vishwanath, Efforts of colonial state to suppress female infanticide. Uses of sacred texts, generation of knowledge, in

Economic and Political Weekly 33:19 (1998), 1104–12.

A. Wink, Land and sovereignty in India. Agrarian society and politics under the eighteenth-century Maratha Svarajya,

Cambridge 1986.

L. Wilson, Hinduism. History of study, in S. Young (ed.), Encyclopedia of women and world religion, i, New York 1999, 430–2.

شارك:

اصدارات متعلقة

شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6
شهادة 5
شهادة 4