الاغتصاب بين مواد تخفيف العقوبة وفتاوى تحمل النساء مسئولية حدوثه!
اعداد بواسطة:
من أين أبدأ ؟ هل أبدأ من الأرقام التي تسجل حدوث ۲۰ ألف جريمة اغتصاب للإناث كل عام مع مراعاة أن الإبلاغ لا يتجاوز 10% مما يقع منها.
هل أبدأ من أحداث وقائع واحدة من جرائم الاغتصاب، تلك الوقائع التي جاءت أقوال المتهم الثاني في جريمة اغتصاب سيدة في الخامسة والخمسين من عمرها وزوجة ابنها الحامل في طريق الإسماعيلية، وقد توقفت عند توسلات الحماة كما قالها المتهم بنفسه حيث قال : “قالت لي اعمل معروف يا ابني أنا ست كبيرة ومش بتاعة الحاجات دي، أنا ست مريضة بالضغط والسكر والقلب وممكن أموت منك“، وقال إنه لم يتأثر بتوسلاتها وأجبرها تحت تهديد السلاح على خلع ملابسها بالإكراه وواقعتها في الظلام رغم الرعب – كما يقول – الذي كسا وجهها ، أما الزوجة الحامل في شهرها التاسع فقد واقعها زميله مرتين بالإكراه رغم أنها توسلت إليه أن يرحمها لأنها حامل في الشهر الأخير وتخشى أن تتعرض لنزيف قد يودي بحياتها.
وهذه الجريمة البشعة وقعت في شهر مارس الماضي – شهر الاحتفالات بيوم المرأة العالمي والمصري وأيضًا بعيد الأم – ورغم أن الجاني يتذكر تفاصيل ما حدث وقد سرده فإنه قد برر جريمته بأنه كان واقعًا تحت تأثير المخدرات وعلينا نحن أن نقبل اغتصابنا مادام المسكين كان قد “ضرب” قرصين مخدر، أو شم سطرين هيروين أو ما شابه من مفردات اللغة الدارجة في هذا الزمن.
اغتصبت كتير قبلها
ربما أيضًا نضع في البداية إن كنت سأبدأ بوصف جرائم تدمير امرأة وانتهاك جسدها وقتل روحها، أقول لأننا لابد أن نذكر الجريمة التي كانت ضحيتها طالبة جامعية اختطفها أيضًا في شهر مارس الماضي ستة مجرمين، وقد استقلت الميكروباص المتوجه إلى بيتها لكن سائق الميكروباص قال : “سال لعابي عليها وقلت دي هتكون نجمة الليلة وأنا أصلاً سبق لي العملية دي يعني سبق واغتصبت بنات بس محدش بلغ وفي الطريق رسمت الخطة ودخلت في شارع جانبي وأخذتها تحت تهديد السلاح وكلمت باقي صحابي وكانوا ينتظروني في “توك توك” أخذنا البنت فيه وكملنا العملية، طبعًا استغاثت وتوسلت علشان نسيبها لكن ولا هزت شعرة في رأسي كان كل همنا أننا نخلص المأمورية ونتبسط“.
وفي المنطقة نفسها أو بالقرب منها في الهرم قام ستة من المجرمين باختطاف طالبة جامعية تحت تهديد السلاح وأخذوها في “توك توك” إلى الزراعات ليتناوبوا اغتصابها، بمنتهى الوقاحة يقولون وتنشر لهم صحيفة قومية أنهم اعتقدوا أنها فتاة ليل، وأنها أخبرتهم أنها ذاهبة لشراء بيرة وأنها ذهبت معهم بإرادتها وطلبت منهم الانتهاء من مهمتهم بسرعة حتى لا تتأخر في العودة للبيت، أي أنهم وضعوا حولها كل قرائن الإدانة من واقع فهمهم لمجتمع إدانة المرأة عنده سابقة على النظر في حجم الجرم الذي تعرضت له.
اتهام المرأة سابق على وقوع الجريمة
وما قول من يدينون المرأة ويحملونها مسئولية اغتصابها في اختطاف عاملة كانت عائدة من أحد مصانع الملابس بشبرا الخيمة، وقد قام أربعة باختطافها تحت تهديد السلاح وتناوبوا اغتصابها.
أكذوبة تأثير المخدرات مجرد حيلة للإفلات من العقوبة
المدرس المغتصب طفلة في الثالثة من عمرها وزعم أن الجن هو الذي اغتصبها
ومازلت أتساءل هل كان ينبغي أن أبدأ برصد أن الاغتصاب ليس مقصورًا على فتاة تسير في الشارع ولا على مدمني المخدرات وهي الأكذوبة الدنيئة التي يصدرونها ليهربوا من العقوبة فقد وصل الاغتصاب إلى البيوت وإلى أجساد لم تبرح الطفولة بعد، فقد نشرت الجرائد جريمة اعتداء مدرس في الخمسين من عمره على طفلة الجيران البالغة من العمر ثلاث سنوات، وكان أهل الطفلة يرسلونها لبيت المدرس لتقوم زوجته بتحفيظها القرآن، وكان المدرس ينتهز غياب زوجته أو انشغالها ويقوم باغتصاب الطفلة التي اشتكت لأمها وهي تبكي من أن “عمو بيعملي حاجات قلة أدب” وبمواجهة المدرس “مربي الأجيال” أدعي وبمنتهى النطاعة أن الجن يتلبسه ويأمره بارتكاب أفعاله الحقيرة.
الفضائيات والذباب
ربما لا أطرح السؤال من أين أبدأ فقد بدأت بالفعل بجرائم لدي، ولدينا الكثير من تفاصيلها التي تقتل روح وكرامة وإنسانية المغتصبة ومنها حوادث لا تقتصر على الاغتصاب بل يلحق الجاني جريمته بجريمة القتل وقد حدث أن اغتصب مجرم ابنة جيرانه البالغة من العمر عشر سنوات ثم قتلها خوفًا من الفضيحة – حدث هذا منذ عدة شهور في المعادي – كما تنوعت الجرائم وأضيف إليها احتجاز الضحايا لعدة أيام لتناوب الاعتداء عليها.
شيوخ بئر السلم وبضاعتهم تحقير المرأة إرضاء لمن يدفع له
تحريض علني في الفضائيات على الاغتصاب
وقبل أن أنتقل إلى ما كنت أعتقد أنني سأبدأ به، أريد أن أذكر جريمة اختطاف فتاة لاغتصابها تلك الحادثة التي استشهد – وهو يحاول إنقاذها – ضابط الشرطة الشاب “محمد عبد الكريم المتناوي” حيث أطلق عليه الجناه الرصاص، كما أصيب سائق السيارة أثناء مطاردة الجناة في صحراء الهرم، ربما سار بي القلم على هذا النحو قبل أن أصل إلى فتاوي شيوخ بئر السلم، أو الفضائيات هؤلاء الذين لا يشغلهم سوى النساء، ولا يفتون إلا فيما يحط من شأنهن، ويحقر من وجودهن، ويحملهن كل أوزار مفاسد الدنيا والآخرة، وأنا لم أقصد أن أقدم نماذج لجرائم الاغتصاب لهؤلاء الشيوخ لأنه لا يوجد عاقل يسعى للنقاش معهم فقد أغلقوا عقولهم، ولا يملكون سوى بضاعة قوامها تحقير النساء إن تخلوا عنها فقدوا مقاعدهم أمام الكاميرات وبالتالي فقدوا الدولارات المدفوعة ثمنًا للفتوى الهابطة ومن بينها ما يبرر الاغتصاب ويبرئ المغتصب ويدين الضحية، مثل تلك الفتوى التي وبدم بارد أطلقها أحد هؤلاء محملاً فيها المرأة مسئولية اغتصابها أولاً وثانيًا وثالثًا ثم يحمل الرجل رابعًا، ويا فرحة المغتصبين الذين تذرعوا مرة بالمخدرات وأخرى بالجن فها هو مفتي يقدم لهم الحل الديني ليضمنوا به الدنيا والآخرة، إن فضيلته أراد بفتواه أن يحرض على الاغتصاب لا أن يبرره فحسب، أن يمنح رخصة بانتهاك أى امرأة تخرج في الشارع ولا تلتزم بيتها فهو يواصل ما سبق وقاله مفتي أستراليا المعزول “أن النساء قطع لحم عارية فلا لوم على القطط إن نهشتها“، وهو القائل “إن النساء طعام مكشوف إن وقف عليه الذباب من نلوم الذباب أم الطعام“.
المغتصب ينال عقوبة السارق
وأعود لجرائم الاغتصاب، فقد أثارت هذه الجرائم غضب عدد من كتابنا الكبار منهم الكاتبة الكبيرة “حسن شاه” ففي واحدة من يومياتها المهمة في الزميلة الأخبار – بعنوان الإعدام للمغتصب – طالبت بتطبيق عقوبة الإعدام على من تثبت عليه جريمة الاغتصاب أو على الأقل أن تقيد حريته مدى الحياة، وقالت: هذه الجريمة التي انتشرت في مجتمعنا بصورة مخيفة يجب أن تواجه بأحكام رادعة.. فلا يتفق مجموعة من المجرمين على ارتكاب هذه الجريمة ثم تعاقبهم بما يمكن أن يعاقب به السارق“.
نذكر هنا أن جريمة الاغتصاب أصبحت ظاهرة تمارس في الفترة الأخيرة من مجموعات وليس من أفراد وأصبحت مقرونة بالعنف حيث يستخدم المعتدون السلاح الأبيض للترويع والسيطرة على الضحية، وفي حالة اقتران الاغتصاب بالخطف تصبح العقوبة الإعدام وفقًا للمادة ٢٩٠ من قانون العقوبات، ولكن المادة 17 من القانون الخاصة بأعذار تخفيف العقاب تنزل بالجريمة من جناية إلى جنحة يكون الحكم فيها مخففًا وقد يصل إلى ستة أشهر فقط، وقد طالب علماء الاجتماع والجريمة والقانونييون والمنظمات الحقوقية والنسائية بالحد من استخدام هذه المادة في جرائم الاغتصاب تحديدًا، كما طالب الكاتب والناقد الكبير “رؤوف توفيق” في مقال بعنوان “اغتصاب جماعي.. إعدام جماعي” بالزميلة صباح الخير في مارس الماضي بالإعدام الفوري لمرتكبي الجريمة حتى يكون درسًا وإنذارًا لكل من يفكر أو يخطط لهذه الجريمة البشعة، وفي نهاية مقاله دعا التنظيمات النسائية في مصر مدعومة بجهود كل المفكرين والنشطين في مجال حقوق الإنسان للمطالبة بأقصى عقوبة لمرتكبي جرائم الاغتصاب.
من حقنا رفع دعاوى قضائية ضد من يهدد أمن المجتمع بفتواه
أود في النهاية أن أطرح تساؤلاً علنا نجد إجابته عند زملائنا المحامين وهو: أليس من حقنا رفع دعاوي قضائية ضد مفتي بئر السلم الذين ينشرون سمومًا من شأنها زعزعة الأمن والسلم في المجتمع بل والحض على ترويع وتحقير نصفه وهم النساء؟ لماذا لا نرد عليهم بشكل عملي وهم الذين لا يتوقفون عن مطاردة المخالفين لهم بقضايا الحسبة أسأل هنا عن الصيغة القانونية لتحريك الدعوى ضد من يبرر اغتصاب المرأة ويحملها مسئوليته ؟ ضد من يخرب العقول ويدمر المجتمع باسم الدين.