الاغتصاب.. عنفٌ ضد المرأة
اعداد بواسطة:
ليس مصادفةً أن يتناول عددنا الأول بعد طول انقطاعٍ عن قرائنا قضية العنف ضد المرأة، خاصةً وذكرى حادثة العتبة – وإن كانت بهتت على صفحات الجرائد – لم تبهت في ذاكرة النساء، وخاصةً وأننا نحن النساء نصف المجتمع المعتدى عليه، أو المتعايش مع شبح احتمال الاعتداء عليه أمام سمع وبصر الجمهور، الذي غفر له ذهوله ألا يتدخل دفاعًا عن شاهيناز.. وهو غفرانٌ لم تتمتع به شاهيناز ذاتها .. وقد عادل الرأى العام سلبية الجمهور المشاهد بالكثير الكثير من المقالات والتعليمات والمقابلات الصحفية، ليصبح الموضوع ولعدة أيامٍ هو موضوع الساعة، يثير العديد من التساؤلات عن أسبابه والدوافع المؤدية إليه، وليعيد إلى الأذهان موجةً سابقةً من أخبار الاغتصاب تناولتها الصحف المصرية منذ عدة سنوات، وتناولها العددُ الثاني من مجلتنا “المرأة الجديدة“، وفي هذا الخضم الهائل من التساؤل والدهشة والبحث عن تفسير… كيف تناول إعلامنا هذه القضية الخطيرة، وماذا قدم من آراء وتحليلات بحثًا عن الدوافع والأسباب؟؟ ..
للإجابة على هذا السؤال؛ قام مركز دراسات المرأة الجديدة بقراءة تحليليةٍ لملفٍ صحفي حول الحادث، ضم جرائد الأهرام والأخبار والجمهورية (من الجرائد القومية) والأهالي والوفد والشعب ومصر الفتاة (من جرائد المعارضة)… بالإضافة إلى مجلتي صباح الخير وروز اليوسف، وذلك لفترة أسبوعين من تاريخ الحادث.. فماذا وجدنا؟؟
في الحقيقة أن الآراء تباينت واختلفت تبعًا لما يُفسحه أصحاب هذه الآراء من مكانٍ لقضية المرأة، وما يُعطونه إياها من أولويةٍ تبعًا لنظرتهم للمرأة بشكلٍ عام..
فقد أرجع رجال الدين أسباب الحادث وسلبية مشاهديه إلى غياب التربية الدينية وتبرج المرأة والاختلاط في الأماكن العامة والمواصلات، فألقوا بجام غضبهم على المرأة وسلوكها وعدم احتشامها في ملبسها، مما “يؤدي بالضرورة ” إلى توقع مثل هذه الحوادث، وهُم بذلك يأخذون ذلك الموقف الفريد في نوعه في التعامل مع أي جريمة، وهو الموقف الذي يعتبر أن الاغتصاب هو الجريمة الوحيدة التي تكون فيها المجنى عليها محلاً للاتهام إلى أن تثبت براءتها، وإلا فإن الجاني يكون لديه تلقائيًا من الأسباب – الخارجة عن إرادته – مما دفعه للقيام بما قام به .. أما رجال القانون، فقد أرجعوا هذا الحادث إلى بطء تطبيق الاجراءات القانونية، وعدم الردع الكافي لمرتكبيها ، وطالبوا بتشديد الأمن وتشديد عقوبة الاغتصاب إلى الإعدام، لأن القانون القائم حاليًا يحكم على المغتصب بفترة سجن تتراوح بين ثلاث وسبع سنوات، وهذا في رأيهم غيرُ كافٍ لمنعها، وذلك رغم أن اثنين من مرتكبي حادثة اغتصاب فتاة المعادي قد عوقبوا بالإعدام شنقًا، ولم يمثل ذلك رادعًا كافيًا لمنع تكرار الحادث، وأغفل أصحاب هذا الرأى ما قد يترتب على رفع العقوبة للإعدام من خطورة أن يصاحب الاغتصاب قتل الضحية منعًا لتعرفها على الجاني – حيثُ أن العقوبة هي الإعدام في الحالتين – ومن ثم مضاعفة الخطر الذي تتعرض له النساء.. كما أغفلوا حقيقة أننا لم نسمع عن جريمةٍ انخفض معدلها بسبب تشديد العقوبة عليها .
والحقيقة أنه كان هناك آخرون كثيرون من شخصياتٍ عامةٍ وأخصائيين نفسيين واجتماعيين وتربوين.. الخ.. تناولت أقلامهم دوافع وأسباب هذه الحادثة، بل وصدر بشأنها أيضًا عددٌ من البيانات اتفق فيها على تفسير الاغتصاب بالخلل الاجتماعي الهائل في تركيب المجتمع المصري، وما استتبعه من فروقٍ شاسعةٍ بين الشرائح الاجتماعية، وبروز أزمةٍ اقتصاديةٍ خانقة نتيجةً لهذا التحول، وما صاحب ذلك من إحساس بعدم الانتماء، والتبديد وغياب قيم الشهامة وشعورٍ شديدٍ بفقدان الأمل في المستقبل،
يصفون المرأة بأنها مخلوقٌ غير قادرٍ على التحكم في مشاعره وعواطفه.. فهي تُحرم من مناصب الحكم والقضاء لهذا السبب.. هل سمعنا عن امرأة رأت رجلاً وسيمًا في الطريق العام فهاجمته؟ |
وذلك إلى جانب التفسير الشائع لظاهرة الاغتصاب بأنها تنبيه لإحباط الشباب (من الرجال طبعًا) وتأخر سن الزواج (وكأن هناك شئ مشترك بين الزواج والاغتصاب) وقلة فرص السكن وغياب حلم الزواج وتكوين أسرة.. إلخ، وقد كان من الطبيعي بالتالي أن يتعجب الكثيرون من اتهام المحاسب في هذه الجريمة وهو المتزوج من الشقراء، خضراء العيون ” وله طفلان ومسكن زوجية..
“عودة المرأة للمنزل هي الحل لمنع جرائم الاغتصاب” ترى أيهما أولى بالحبس.. الضحية أم اللص أم الفريسة أم الصياد..؟ |
وإذا كنا لا ننكر وجود عوامل اجتماعية كالسابق ذكرها تساهم في زيادة معدل حدوث حوادث الاغتصاب، إلا أننا لا نرى فيها لُب تفسير الظاهرة… ذلك أن حوادث الاغتصاب – وهي في كل البلاد أكثر بكثير مما يتمُّ الإبلاغ عنه فعليًا – تحدث في كل المجتمعات – وإن كان هذا لا يجعل منها حدثًا عاديًا – وفي كل الطبقات – وليس الطبقات المحرومة فقط – ولا تقتصر على غير المتزوجين من الرجال أو الفقراء منهم، ولكنها دومًا جريمة يقوم فيها الرجل بالاعتداء على المرأة.. وما من شئٍ يُمكن أن يُجبر الرجل على الاعتداء على المرأة بحيث تضطر إلى البحث عن الأسباب خارج إطار المعتدي. وقد دلت الكثيرُ من الأبحاث النفسية والاجتماعية التي بحثت بعمق في هذا الموضوع، أن الدوافع وراء جريمة الاغتصاب نادرًا ما يكون دافعًا جنسيًا، وإنما هو لتفريغ طاقةٍ من العنف والكراهية والعدوان والرغبة في التدمير، تكون في الأصل موجهة نحو رجال بعينهم يستطيع المعتدى أن ينال منهم، فيستبدل بهما الاعتداء على المرأة… أي امرأة .. ومن ثم فإن جريمة الاغتصاب لا يجوز أن تُدرج ضمن المشكلات الجنسية، وإنما هي فعلُ عنفٍ يمثلُ حين وقوعه أقصى أشكال العنف ضد المرأة.. ذلك العنف والإهانة الذي يتمثل في العديد من الممارسات اليومية والتي لا تسترعي انتباه أحدٍ طالما أن أحدًا لم يسل دمه أو يُهتك عرضه أو يُغتصب في الطريق العام… إنه ذات المعنى الذي تحمله كافة الشتائم التي تهينُ المرأة بما تتضمن من وصف خليعٍ لسلوكها … وفي الاستعداد التلقائي لاتهام المرأة في سلوكها بسهولة شديدة.. وفي الإعجاب الشديد والتصفيق الحاد الذي يلقاه أي مشهدٍ سينمائي ينتهى بصفع رجلٍ ما لامرأةٍ ما … وفي التشكك من أية رواية ترويها المرأة عن مضايقة رجل لها … وفي التهديد الضمني أو التلويح الجنسي الذي يحمله مضمون سباب الرجال للنساء.. الخ. إننا نؤكد على أننا لا نُلغى دور البعد الاجتماعي والمشكلات الاقتصادية والكبت والإحباط… الخ في تفشى ظاهرة العنف بشكل عام في المجتمع، وبالطبع لا نُساوى بين أصحاب التفسير الاجتماعي والتفسيرين، الديني والقانوني للقضية.. ولكنه يُفزعنا أن أحدًا من أصحاب التفسير الاجتماعي لم ير خصوصيةً للعنف ضد المرأة في خضم ظاهرة العنف العامة.. وإن أحدًا لم يشر إلى أن تفشى العنف في المجتمع يؤدي بالضرورة إلى تركيز الجزء الأعظم من هذا العنف في مواجهة النساء بحكم وضعهن الدوني في المجتمع، ولأن تفريغ العنف والعدوان يبدأُ من الأقوى إلى الأضعف، ثم من الضعيف إلى الأكثر ضعفًا، ولا مخرج للأكثر ضعفًا في النهاية سوى أن يختار من يستضعفه ليفرج فيه عدوانه هو الآخر.. ويبدو أن مجتمعات العالم كلها قد اتفقت على أن تحتل النساءُ أسفل السلم في درجات القوة والمساواة والحقوق.. لا لجريمة اقترفتها سوى أنهن نساء.. ذلك النصف من المجتمع الذي يأبى النصفُ الآخرُ أن يعاملهُ معاملة الند ..
بقية ص 1
إن مشروعنا كبير، ولكنه ليس حلمًا مستحيلاً ولن نُعجب إذا اكتشفنا أن كثيرًا مما نهدفُ إليه موجودٌ فعلاً في الواقع، ولكنه ضعيفُ التأثير لأنه مبعثر، متفرق.. إننا في انتظار تعليقاتكنَّ وإسهاماتكن، وإننا لندعو المهتمين جميعًا إلى العمل معًا من أجل الوصول إلى حركةٍ نسائيةٍ ديمقراطية قوية، تستندُ في مطالبها إلى تجارب نسائية فعلية على أرض الواقع، وتجعل من تحرير المرأة من كافة أغلالها هدفًا مشتركًا لها … آمال عبد الهادى |