البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى منذ بدايات القرن العشرين حتى الآن
ترجمة:
بقلم:
المنهجيات والمنظومات والمصادر
لدراسة النساء والثقافات الإسلامية المداخلات تبعا للموضوع
البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى
منذ بدايات القرن العشرين حتى الآن
مقدمة
الأبحاث التي أجريت خصيصًا عن النساء المسلمات في منطقة البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى أبحاث متفرقة، ولم يحظ هذا الموضوع باهتمام أكاديمي إلا حديثًا. والحق أن الدراسات قد أهملت البحث في مجال النساء الأفريقيات لعدة أسباب تاريخية. وقد أثرت ندرة المصادر ومناهج البحث الخاصة بدراسة النساء المسلمات في هذه المنطقة على دراسة جميع النساء اللاتي يعشن في هذه البلدان. وبينما أغمضت الدراسات العلمية عيونها عن النساء الأفريقيات في معظم فترات القرن العشرين، حدثت بعض التغيرات الملحوظة في العقدين الأخيرين من هذا القرن (Mama 1996, 3).فمنذ ثمانينات القرن العشرين ظهرت زيادة ملحوظة في تخصيص الموارد لدفع قضايا النساء اللاتي يعشن في بلدان هذه المنطقة قدمًا. وقد كرست معظم هذه الموارد لتنمية وتعليم وصحة النساء. ومن الآثار الجانبية لتركز تخصيص الموارد من أجل هذا الشأن أنه قد أثر على الأقل إلى حد بسيط في فهمنا لحياة وتاريخ النساء الأفريقيات.
اقتصرت الدراسات عن النساء الأفريقيات لزمن طويل على باحثي سلطات الاحتلال وباحثين غير أفارقة، من أوروبا وأمريكا الشمالية. في البداية، أجرى معظم هذه الدراسات أنثروبولوجيون وموظفون تابعون لسلطات الاحتلال. وفي وقت لاحق، أولى علماء الاجتماع والعلوم السياسية المجتمع الأفريقي بعض الاهتمام، بما في ذلك النساء الأفريقيات، خاصة في فترة ما بعد الاستقلال في منتصف القرن العشرين. وفي العقدين الخيرين من القرن العشرين حدث تطور إيجابي فاق جميع ما سبقه، إذ عكف عدد كبير من العلماء الأفارقة على دراسة مجتمعاتهم بأنفسهم، وفحص أحوال النساء في عدة فروع، منها دراسات الجندر والدراسات السياسية والاجتماعية والأدبية والأنثروبولوجية، وبذا أضيف صوت الأفارقة النابع من خبرة الحياة التي عاشوها إلى وجهات نظر الغرباء.
حدثت عدة مبادرات مسئولة عن إلقاء الأضواء على النساء في البلدان الأفريقية التي تقع جنوب الصحراء الكبرى. فقد نظم العقد الدولي للنساء التابع للأمم المتحدة مؤتمره الختامي في عام ۱۹85 في العاصمة الكينية نيروبي. وجلب هذا المؤتمر كثيرًا من الفوائد للنساء الأفريقيات، فقد أدى إلى تحسين التفاهم بين النساء الغربيات والأفريقيات، خاصة فيما يتعلق بوجهات نظرهن السياسية وبرامجهن وجداول أعمالهن. وقد كان هذا التفاهم اختلافًا كبيرًا عن الجفاء المتبادل بين الطرفين في مؤتمرات الأمم المتحدة السابقة التي عقدت قبل ذلك بعشر سنوات. وأتاح مؤتمر نيروبي إظهار معاناة النساء الأفريقيات ونضالهن، ورفع الوعي باحتياجاتهن. كما بدأت المعونات الدولية في استهداف النساء من خلال زيادة تمويل البرامج التنموية التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية، والجمعيات الدينية الخيرية، ومؤسسات المجتمع المدني. كما كان أفظع وباء يهدد حياة ملايين الأفارقة سببًا في زيادة الاهتمام بالنساء الأفريقيات، فمن المعروف الآن أن النساء أكثر الفئات السكانية عرضة للعدوى بفيروس نقص المناعة المكتسب والإصابة بمرض الإيدز الناتج عنه. ومن المفارقات أن تؤدي ويلات المرض والفقر إلى لفت الانتباه إلى احتياجات القارة الأفريقية. إن المعونات والموارد المالية توجه مباشرة إلى النساء عامة، ولا تهدف إلى خدمة النساء المعتنقات لديانة معينة، لكن النساء المسلمات قد أفدن بالتأكيد من تحسن أحوال النساء في أفريقيا.
يشكل المسلمون حوالي ۲۷ بالمائة من بين سكان البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، والبالغ عددهم حوالي ١٢٩ مليون نسمة، يقطنون في ٤٨ بلدًا من البلدان التي تقع في هذه المنطقة، وهم يشكلون أغلبية السكان في 9 دول. فإذا كانت النساء يشكلن نصف مجموع السكان وفقًا للتقديرات المحافظة، لبلغ عدد النساء المسلمات اللاتي يعشن في هذه البلدان حوالي ٦٥ مليون امرأة. أما إذا أخذنا بالتقدير الأعلى الذي يرى أن نسبة النساء إلى الرجال تبلغ ٦٠% إلى 70% لارتفع عدد النساء المسلمات بقدر معتبر. ومستويات التعليم وتوقعات الحياة ومستويات الدخل في هذه البلدان من أقل المستويات في العالم عمومًا.
وهكذا، تتأثر أحوال النساء المسلمات في هذا الجزء من القارة الأفريقية بظروف مادية مناوئة إلى حد بعيد، علاوة على التحيزات الثقافية ضد النساء.
ظلت المجتمعات الأفريقية طوال معظم القرن العشرين في حالة انتقال من مجموعة من التغيرات إلى أخرى، أبرزها عواقب فترة الحكم الاستعماري، التي أسفرت عن حركات نضال من أجل الاستقلال، وبذل جهود لبناء الدولة ما بعد الاستقلال. وبناء على ذلك، حدثت أيضًا قلاقل مزمنة بسبب حكم الحزب الواحد، والانقلابات العسكرية، والإمبريالية الجديدة، وحركات النضال من أجل الديموقراطية والتعددية. ولا ينأى المفكرون والعلماء والقادة السياسيون عن تناول أسباب فشل المجتمعات الأفريقية مقارنة بالنمو السريع الذي شهدته أجزاء من آسيا وأمريكا اللاتينية. وقد ظهرت شرارة عدد من حركات النضال التي تطالب بالديموقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان. كما اتجه الاهتمام نحو الظروف التي تعيش فيها النساء وبذلت جهود لتمكينهن لكي يقدرن على الإسهام الفعال في مجتمعاتهن.
كتب أحد المؤرخين: “إن معظم ما كتب عن تاريخ النساء الأفريقيات … ليس إلا شذرات “سرعان ما تنسي“” (Hay 1988, 432)، فهي “سرعان ما تنسى” لأن معظمها لم ينشر في المجلات العلمية المعتادة. ومعظم هذه الكتابات لا يسهل الحصول عليها لأنها منشورة في كتب محررة تضم مجموعات من المقالات أو في أعداد خاصة من المجلات. عدا ذلك، تصدر هذه المواد في شكل تقارير غير منشورة، أو رسائل علمية غير مكتملة، أو ككتابات لا يتم تداولها عن طريق منابر النشر والتوزيع المعتادة. كما أن أسلوب إنتاج المعرفة نفسه جزء من مشكلة هيكلية تؤدي إلى إخفاء تاريخ النساء الأفريقيات، وكل ما تفعله هو تعزيز عزل تاريخ النساء عن التاريخ العام. وقد حدثت بعض التغيرات المتواضعة في العقد الماضي، مما أظهر مجال دراسات المرأة بقدر أكبر مما كان عليه الحال في ثمانينات القرن العشرين. وفي حالة تهميش تاريخ النساء عامة في جزء مترامي الأطراف ومعقد من أحد القارات، كما هو حال المنطقة التي تضم البلدان الأفريقية التي تقع جنوب الصحراء الكبرى، يزداد تاريخ النساء المسلمات غموضًا.
ينبغي على المرء أن يصدق بوجود الهموم الخطيرة، مع أن الظروف الحالية لا تحول دون تقدير حالة دراسات النساء المسلمات في البلدان الأفريقية التي تقع جنوب الصحراء الكبرى بناء على المعلومات المتوافرة. وغني عن الذكر أنه في ضوء صعوبة الحصول على هذه الدراسات وندرة معرفتنا بما تم إنجازه منها، فستكون تقديراتنا أولية جدًا بالطبع. ويمكننا أن نميز عدة نماذج للدراسات النسائية في أفريقيا، أبرزها النماذج القومية، والتي تعلي من شأن الهوية الأفريقية، والنموذج الذي يجمع ما بين التنمية والاعتمادية، والنموذج الماركسي، ومدخل النظرية الثقافية (Zeleza 1997, 94, Mama 1997, 63).
من الكتابات الأولى عن النساء كتابات القوميين الأفارقة الذين انصب جل اهتمامهم على مقاومة آثار الاستعمار الإمبريالي والكتابات التاريخية التي ألفها موظفو الاستعمار الكولونيالي وخادماتهم المثقفات. وكانت الأسطورة الشائعة تقول أن الأفارقة ليس لهم تاريخ سابق على الاستعمار الكولونيالي الأوروبي. وكثيرًا ما اندفع الكتاب القوميون في فورة حماسهم للكشف عن تاريخهم إلى اتجاه غلب عليه الطابع السياسي، كما غلب عليه طابع الصفوة بحكم انتمائهم الطبقي، وصوروا العالم من وجهة نظر ذكورية. لذا، لم تتناول أبحاثهم موضوعات الظلم الذي تعرضت له النساء، وموازين القوى بينهن وبين الرجال، والتراتب الطبقي، إلا فيما ندر. ومن المؤكد أن المؤرخين المهتمين بالتنمية الاقتصادية قد أولوا اهتمامًا كبيرًا لمسألة المظالم الاقتصادية، لكنهم لم يحسبوا الطبقة والمجتمع والتفرقة بين الرجال والنساء ضمن هذه المظالم. وقد نبه نقاد الماركسية المؤرخين القوميين والاقتصاديين إلى أنهم يخلقون بالفعل مجموعة أخرى من الروايات المصطبغة بطابع الصفوة بتجاهلهم للأحداث الحيوية للنضال الطبقي. لكن حتى الكتابات التاريخية الماركسية تعرضت للنقد بسبب جمودها العقائدي الشديد في بحثها عن أنماط الإنتاج التي سبقت الاستعمار الكولونيالي لربطها بأنماط الإنتاج الاستعماري. وقد تجاهلت جميع الكتابات التاريخية عمومًا المداخل التحليلية لموضوع الجندر تجاهلاً شنيعًا. أما النظرية الثقافية، فهي نظرية واعدة أكثر من غيرها، بسبب تأكيدها على المقاربة البينية متعددة التخصصات في دراسات المرأة في أفريقيا. وميزتها العظيمة أنها توفر تنويعة من الأدوات التحليلية يعضد بعضها بعضا، كما تتميز أيضًا بأنها تتدبر ما كان يجب عمله، مما يبعدها من تكرار الأخطاء التي وضحها النقد الذي وجه إلى كل مجال تخصصي من مجالات الدراسة على حدة. ويتفق العلماء على الحاجة إلى استعادة تاريخ النساء في فترة الاستعمار الكولونيالي وما قبله، وإلى تحليل الهياكل الاجتماعية – الاقتصادية والطبقية وهياكل موازين القوى الاجتماعية بين الجنسين التي تكمن في عمق المجتمع الأفريقي وتحول دون تقدم النساء.
يعتقد بعض الكتاب أن مناهج الكتابات التاريخية النسوية الأفريقية تشترك في الكثير مع مناهج الكتابات التاريخية التي تنطلق من التركيز على الهوية الأفريقية Zeleza 1997, 99). والثقافة الأفريقية الفرعية لا تعنى بجمع وحفظ المصادر المكتوبة بقدر ما تعنى بالتاريخ الشفهي، لذلك يعتبر التاريخ الشفهي مصدرًا حيويًا في هذه الثقافة لاستعادة التاريخ الأفريقي. ففي بعض الأماكن، لا يوجد من المصادر المكتوبة إلا ما كتب خلال عهد الاستعمار الكولونيالي. وغالبًا ما تصور هذه المصادر تاريخ موظفي الاستعمار الكولونيالي لا خبرات حياة الناس التي أخفاها ذلك الاستعمار، ناهيك عن حياة النساء. أما المؤرخات والمؤرخون النسويون فيميلون إلى الإعلاء من شأن المناهج الشفهية، لنقض التحيزات المتأصلة في غيرها من المناهج، ورفع صوت الجماعات المقهورة تاريخيًا، ومن بينها النساء اللاتي فرض عليهن حاجز الصمت أكثر من غيرهن من الجماعات.
ورغم ذلك، يمكننا جمع الكثير من المعلومات عن أحوال النساء من بعض الوثائق التي خلفها الاستعمار الكولونيالي، لا سيما سجلات المحاكم. فقد درس ریتشارد روبرتس سجلات المحاكم في وسط أفريقيا في عهد الاستعمار الكولونيالي، وخرج منها ببحث نجد فيه الكثير من الحكايات الصغيرة عن أحوال النساء المسلمات اللاتي لجأن للمحاكم في ذلك العهد طلبًا لحلول لمشكلاتهن. وكلما ازداد الباحثون والباحثات تطرقا إلى هذا المجال من مجالات الدراسة سيلقى المزيد من الضوء على أحوال النساء.
كما أن سجلات القضاة المسلمين، حيثما وجدت وفتاوى العلماء المسلمين وثقات رجال الدين، ووثائق مجالس العرب التي يقضي فيها الأمير في أمور الناس، تقدم كما هائلاً من المعلومات، وما زالت أرضًا بكرًا لم تتناولها البحوث بالدراسة بقدر كبير. أما مجموعات المكتبات الخاصة التي اكتشفت في مالي وحوض نهر النيجر فتزودنا هي الأخرى بمادة غنية تصلح للدراسات، ويمكنها أن تلقي الضوء على أحوال النساء قبل القرن العشرين وما بعد ذلك من فترات تاريخية. كما أن الوثائق القانونية بمختلف أنواعها مصادر معلومات لا تقدر عن بنية وطبيعة العلاقات بين الناس وبعضهم البعض، وعلاقتهم بالدولة. وتظل الدراسات القانونية الاجتماعية مجالاً أن يثري الدراسات النسائية إلى أبعد حد.
ربما كان استخدام المفردات اللغوية وكيفية وصف الظاهرة محل الدراسة من أهم المسائل في مجال الدراسات النسائية، لأن دراسة أحوال النساء ليست نشاطًا بريئًا، بل هي أصلاً عمل سياسي، يؤدي بالضرورة إلى فحص علاقات القوة بين النساء والرجال بدقة، لذا من المقدر لهذه الدراسات حتمًا أن تصير مجالاً للنزاع. ويحدث هذا النزاع على مستوى الرمز والمعنى والتأويل وتوزيع الموارد وامتلاك القوة والسلطة. وفي مثل هذا المجال المشحون بالنزاع، يغدو مجرد التفوه باسم موضوع الدراسة، أو الاضطلاع بالبحث أو النشاط العام أفعالاً محفوفة بالمخاطر والخلافات في حد ذاتها، تشبه السير على حبل سياسي مشدود.
ورغم أن مصطلح “النسوية” محفوف بالنزاعات، إلا أنه قد اكتسب رواجًا كبيرًا في بعض أنحاء البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى مقارنة بغيره من المصطلحات. والمصطلح المفضل هو “الدراسات النسائية” (women’s studies)، الذي يعني التركيز على دراسة أحوال النساء خصوصًا. وبعض العلماء يفضلون استخدام مصطلح أكثر حيادية، هو مصطلح “دراسات الجندر” (gender studies)، الذي يعني أن موضوع هذه الدراسات يشمل الطرف الذي يرتكب القهر ضد الآخر بناء على نوعه (الذكر)، والضحية التي يقع عليها هذا القهر بناء على نوعها (الأنثى) Mama 1996, 3)). ويفضل البعض الآخر وصف عملهم بمصطلح “تحليل الجندر“، الذي يدل على الالتزام السياسي بتحرير النساء من منظور إقامة العلاقات بينهن وبين الرجال على أساس المساواة (Imam 1997, 5, 15). ويختلف تحليل العلاقات بين النوعين عن الدراسات النسائية، فالدراسات النسائية تعتبر دراسة متخصصة للنساء كجماعة اجتماعية، أما تحليل العلاقات بين النوعين فيختص باستكشاف العلاقات بين الرجال والنساء من منظور أن النساء ذوات فاعلة في هذه العلاقات. لكن إحدى النسويات علقت بأن هذا المصطلح لا ينبغي استخدامه بغرض تخفيف وتمييع التحدي الذي يطرحه التحليل النسوي (Imam 1997, 6)، بل إن التحليل يعد لكشف تحيزات الرجال ضد النساء كحقيقة تاريخية، ينطلق منها لإيجاد حلول لتصحيح هذا الاعوجاج عن طريق الاعتراف بحقوق النساء واستردادها.
إن المقاومة التي تلقاها فكرة إجراء دراسات متخصصة في أفريقيا عن النساء، ولأجل النساء، وبمعرفة نساء مجرد بعد واحد من أبعاد المشكلة، فرغم أن بعض الممارسات الدينية تعزز النظام الأبوي إلا أن هذا النظام متأصل في أعماق المجتمع الأفريقي من قبل دخول الإسلام إليه بالتأكيد، وهو مصدر للكثير مما تعانيه النساء. ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن الدراسات النسائية في أفريقيا تنشأ في ظروف حرجة، حيث ما زال تراث الماضي مشتبكًا بالمجتمع الأفريقي وهو يواجه تحديات الحاضر. وتشمل هذه الظروف تراث فترة الاستعمار الكولونيالي والتحديث. فقد تركت ذكرى الاستعمار الكولونيالي وما تلاه من حكم غاشم شكا قويا في أن المعرفة العلمانية المتحالفة مع الرأسمالية الليبرالية ما زالت تخطط لترسيخ سلطتها وتحكمها في المجتمعات الأفريقية.
كما أن فشل الدولة الوطنية التي نشأت بعد رحيل الاستعمار الكولونيالي فشلاً ذريعًا في إعادة الكرامة، والديموقراطية والحرية للشعوب الأفريقية، واستمرار تحالف النخب الحاكمة مع السلطات الأطلنطية على حساب شعوبها قد جعل المناخ غير موات لأي مبادرات جديدة وخلاقة. لذا، يقاوم الناس في بعض الأماكن أي أفكار جديدة ذات أصل غربي ويشككون فيها، وقد اعتبر القوميون والإسلاميون بل والاشتراكيون الدراسات النسائية والنسوية جزءًا من المكائد التي تستخدمها القوى الغربية للتحكم في المجتمعات الأفريقية. وقد استغرق قبول فكرة الدراسات النسائية عدة عقود سواء على المستوى الأكاديمي أو العام. فحتى الآن لا يمكن قياس نجاح الحركة النسائية إلا على مستوى قبول سكان الحضر لها، فهي ما زالت ظاهرة تنحصر في المدن إلى حد بعيد. أما في المناطق الريفية، فما زالت قواعد العرف والأشكال البدائية للنظام الأبوي الإسلامي سائدة دون أن تلقى معارضة أو مقاومة تذكر. وفي أفريقيا – كشأن – غيرها من الأماكن – لا تشكل هذه الدراسات – سواء سميت دراسات نسائية، أو دراسات الجندر، أو تحليل علاقات القوى بين النوعين – كتلة واحدة، ولا تمثل أيديولوجية واحدة، فالنساء المسلمات في هذه المنطقة ذوات خلفيات متعددة كقريناتهن في أي مكان آخر. وتتجلى في الخلافات الأيديولوجية وسط الحركة النسائية هناك، وبينها وبين غيرها من الحركات النسائية في أماكن أخرى، تعددية مدهشة في الخطابات، ولذلك تغدى خلافات على المعنى، وتؤدي إلى التنافس على السلطة. أما الذي يفرق الأنواع المختلفة من خطابات النساء عن بعضها البعض فهو الروايات التي تنطق هذه الخطابات من خلالها. فمن المهم أن ننتبه إلى طبيعة هذه الروايات وما فيها من تعقيدات. وهكذا، لا يكفي أن نزعم أن امرأة ما سوف تتعمق أوتوماتيكيا في فهم خطاب الشريعة الإسلامية أو تفسير القرآن أو الفقه لمجرد أنها امرأة مسلمة، إذ قد تلجأ للإسلام بطرق أخرى، كأن تتخذه دليلاً ثقافيًا، أو دليلاً للدين في المجال الخاص، أو مقولة أيديولوجية، أو بخليط متنوع من هذه الطرق.
وفي بعض الأماكن الأخرى التي يعيش بها مسلمون – مثل الشرق الأوسط، وبلدان منطقة الأطلنطي، وآسيا – تستريح بعض النساء المسلمات لاستخدام مصطلح النسوية الإسلامية كوصف لهن. لكن النساء المسلمات في البلدان الأفريقية التي تقع جنوب الصحراء الكبرى لا يستخدمنه لوصف أنفسهن، سوى بعض الجماعات النسائية في جنوب أفريقيا ونيجيريا والسنغال، حيث انتقلت التأثيرات الإسلامية ما بين هذه البلدان بشكل أكبر من غيرها، مما ترك أثرًا عليها. ويستخدم مصطلح “النسوية” هنا كمقولة عامة استرشادية للتغلب على مجال المصطلحات المعقد كحقل ألغام.
هكذا، ولأغراض استرشادية، يمكننا التفرقة بين مقولتين: النسوية المسلمة (Muslim feminism) والنسوية الإسلامية (Islamic feminism). ومن المهم أن نتذكر دائمًا أننا عندما نستخدم أيًا من هذين المصطلحين للإفصاح عن أفكارنا، فإن كلا من لفظي “المسلمة” (Muslim) و “الإسلام” (Islam) يعني ويدل على شيء مشترك، لكنه يدل أيضًا على شيء مختلف، وتعتمد دلالاته المختلفة على كيفية الاستئثار به في كل مرة يستخدم فيها. لذا، فمن الأهمية بمكان كي نفهم خطابات النساء المسلمات أن نحيط بكيفية استدعاء هذه الخطابات للفظ إسلام، ثم الاستئثار به واستخدامه للإفصاح عن الأفكار.
النسوية المسلمة (Muslim feminism) : إن النساء المسلمات المتدينات عادة ما ينخرطن في الأنشطة المتعلقة بالجندر، لكنهن يستخدمن في مشروعهن لتحرير النساء مداخل ومناهج العلوم الاجتماعية. ورغم أن النساء الأفريقيات ينشغلن بالعلوم الاجتماعية بعين نقدية كي لا يقعن فريسة للتحيزات الأوروبية والغربية، إلا أنه من الإنصاف أن نقول أن للعلوم العلمانية أثر واضح عليهن. وتتبنى النسويات المسلمات لغة علمانية في تحليلهن للأيديولوجية التي تحكم الجندر، وذلك عن طريق توظيفهن الخطابات العلوم الاجتماعية المشبعة بالأيديولوجيات الماركسية والليبرالية والأفريقية/ القومية، أو بخليط مركب من هذه الأيديولوجيات. لكن تبنيهن للغة علمانية لا يعني أنهن يعادين الدين، فللدين قيمة مختلفة في شبكتين التحليلية. والنسوية المسلمة منتشرة بالتأكيد في البلدان الأفريقية التي تقع جنوب الصحراء الكبرى.
كثير من النساء النشطات في المجال العام يتعاطفن مع الإسلام كديانة بالمعنى ما بعد التنويري، أي كشأن خاص، وهكذا لا ينظرن للإسلام بالضرورة كمشروع أيديولوجي، ولا يستمددن استمرارية ثقافية جوهرية من التقاليد الخطابية للمسلمين من أجل التغير الاجتماعي والتجديد. ولا شك في أن هؤلاء النسويات يقدرن ما للدين من أثر في تشكيل حياة الناس، لكن أغلبهن لا يعتبرن الخطاب الديني خطابًا عامًا قادرًا على إحداث التحولات والتجديدات الاجتماعية في المجتمعات العلمانية، أو التي تطمح لأن تكون علمانية. ولا يبدو من كتابات النسويات المسلمات ما إذا كن يعتبرن الإسلام نقيضًا للعلمانية أم لا. وغالبًا ما يعتبرن الإسلام جزءًا من المنتج الثقافي الذي يحتل مجالاً خاصًا لا عامًا.
النسوية الإسلامية (Islamic feminism) : في هذا النموذج، غالبًا ما تحدث تعبئة عن وعي للإسلام (كتقليد تاريخي وثقافي مركب ومتنوع في آن) لتحليل العلاقات بين النوعين. وتحدث هذه التعبئة لإعطاء التحليل شكلاً إسلاميًا محددًا، مقارنة بالأوضاع التي لا تذكر فيها الهوية الدينية إلا عرضًا، ولا تكون جزءًا أصيلاً من أجزاء التحليل. في هذه الحالة، يستدعى مصطلح “الإسلام” كمقولة حضارية وتقليد خطابي معد بكامل تفاصيله. وغالبًا ما تبدأ النسوية الإسلامية كمشروع مرتبط بـ. “الإسلام السياسي“، فهي بعبارة أخرى جزء من صراع أوسع على السلطة وتأكيد الذات والهوية وبناء الذات.
تدل النسوية الإسلامية على اعتماد النظرية والتطبيق على بعضهما البعض من أجل تحقيق هدف تحرير النساء من حيث القيم والنقاط المرجعية ذات الصلة المحددة بالثقافة الإسلامية. وهنا يتم تقديم الروايات في أطر الخطابات ذات المرجعيات المستمدة من القرآن وتفسيراته وخطابات الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي والفلسفة الإسلامية، علاوة على النظريات الأخلاقية والتاريخ الإسلامي. كما أن بعض النسويات الإسلاميات يستمددن مقولات تحليلية من العلوم الاجتماعية الحديثة، وهو أمر يتباين باختلاف حنكة المحللة. وأحيانًا تستخدم المحللات العلوم الاجتماعية كأداة دعم للروايات الإسلامية الرئيسية، وأحيانًا أخرى تبذل محاولات جادة لتبني أخلاقيات الحوار والنظرة الكوزموبوليتانية العالمية النقدية.
وتتم تعبئة هذه الخطابات للتحقيق في قضايا قهر النساء وعملهن وحقوقهن وواجباتهن والسياسات المتعلقة بهن ودورهن في الأسرة، وغير ذلك من القضايا الكثيرة. وغالبًا ما تعتنق النساء المسلمات الروايات الإسلامية ليطالبن بمطالبهن من زاوية أنها حقوق للمرأة كجزء من القيم المتعارف عليها وفقًا للتعاليم الإسلامية. لكن الكثير من النسويات الإسلاميات يكتشفن تناقضًا بين الكلام المنمق عن حقوق النساء والتطبيق العملي له. والحق أن الكثير من النسويات الإسلاميات يدركن أن عليهن أن يناضلن لاسترداد حقوق النساء التي كفلها لهن الإسلام من قبضة التفسيرات السائدة للعقيدة، وهي تفسيرات متحيزة للرجال. وهكذا، فضلاً عن رؤية الكثيرات من النساء الإسلاميات النشطات للنسوية الإسلامية كأمر مفروغ منه، تعترف الكثيرات منهن أن حقوق النساء جزء من النضال لإعادة تفسير تراث الخطاب الإسلامي. وقد أطلق هذا في بعض الأماكن شرارة الانشغال النشط بالنصوص والقواعد والسياقات الاجتماعية، حيث يجري التعبير عن تشكيلات جديدة لذاتية المسلمين. وهكذا، تعمل النساء المسلمات على إخضاع المصادر الرسمية المعتمدة وقواعد التقاليد الثقافية الإسلامية لطرق جديدة في القراءة والتفسير من أجل تقديم نموذج عملي جديد للنساء. ويتفاوت اتساع وحنكة هذه الاتجاهات النسوية الإسلامية من مكان إلى آخر طبعًا، وهي مرتبطة بالسياق الخاص لكل مكان إلى حد بعيد، وما زال الوقت مبكرًا على الحكم على مدى نجاحها وتوقع نتائجها على المدى البعيد.
المصادر التاريخية
تطمح غالبية النساء الأفريقيات المسلمات إلى إعادة كتابة تاريخهن الذاتي، بغض النظر عن كونهن عالمات، أو نشطات في المجال العام، أو منتميات إلى أي اتجاه أيديولوجي خاص، ويرجع هذا الطموح إلى أن التاريخ المعتاد (تاريخ الذكور) يستبعد النساء في معظم الأحوال. وقد ظهر في السنوات الأخيرة تيار مستمر من الكتابات والمقالات التي توثق دور ومكان النساء الأفريقيات في العصور الماضية، مما حرك الجدل حول هذا الموضوع ببطء.
وقد أوضحت دراسات بوید، ولاست، وهيوستون أن بعض النساء قد لعبن دورًا معتبرًا في التعليم والحياة العامة في نهايات القرن التاسع عشر، وأن هذه الأدوار قد امتدت بشكل أو بآخر إلى القرن العشرين (Boyd and Last 1985, Huston 1999). وأهم الأدوار التي لعبتها النساء هي أدوار المعلمات والقائدات في الجمعيات الأخوية الروحية المعروفة في غرب أفريقيا باسم (الطريقات)، وأبرز رموزهن نانا أسماء (۱۷۹۳ – ۱۸٦٤م) التي تعتبر قدوة يحتذى بها، وهي ابنة الشيخ عثمان دان فوديو، قائد خلافة سوكوتو بشمال نيجيريا. ومن المتفق عليه الآن أن نساء البلاد المتحدثة بلغة الهاوسا ظللن يدرسن كتاباتها، وأن النساء ما زلن يستلهمنها في الوقت الحاضر. وتوجد العديد من الكتابات التي تناولت السيرة الذاتية لأسماء، بما في ذلك ترجمة أعمالها إلى اللغة الإنجليزية (Boyd and Mack 1984). ونانا أسماء هي أبرز بنات الشيخ، ورغم أن بعض بناته الأخريات نشطن بنفس القدر في الشئون الدينية، إلا أن ما تركنه من كتابات أقل مما تركته نانا أسماء.
وقد تكونت حول نانا أسماء جمعية لها تأثيرها، هي جمعية حج النساء المعروفة باسم “يان تارو” (المتشاركات)، والتي ما زالت موجودة حتى الآن. وقد نشرت أسماء وشقيقاتها تعليم النساء في المناطق الريفية من خلال جمعية يان تارو. وقد كان تعليم النساء، خاصة تعليمهن تعاليم الدين، من القضايا التي دافع عنها الشيخ عثمان دان فوديو بقوة، ولم يكن ما فعلته نانا أسماء وشقيقاتها أمرًا استثنائيًا، فقد سجل في موريتانيا أن خديجة، وهي سيدة تنتمي لجماعة أهل العقل، قد قامت بتعليم عبد القادر، قائد ثورة تورودو. وفي شرق أفريقيا مثلاً، علمت بيبي زوادي بنت حمد بن سعيد (١٨٥٤ – ١٩٣٦م) أهم علماء المنطقة، وهو الشيخ عبد الله صالح الفارسي (۱۹۱۲ – ۱۹۸۲م)، المشهور بترجمته للقرآن إلى اللغة السواحيلية.
وقد أوضح كل من دونبار وهيوستون أن نساء شمال نيجيريا ظللن يتمتعن طوال القرن العشرين بالسلطة في الشبكات الواسعة للطرق الصوفية، بما فيها من مجالس العلم وممارسات التقوى، مثل الطريقة الصوفية التيجانية والطريقة الصوفية القادرية (Dunbar 2002, 400, Huston 1999, 47). وكثيرًا ما وصلت النساء داخل الطرق الصوفية إلى رتبة “المقدَّمة“، التي تتمتع من تشغلها بصلاحية إدخال الآخرين في الطريقة. واستمرت الكثيرات من النساء في القيام بدور القيادة في حلقات الدرس في المنازل، وكن يعلمن النساء، بل وأحيانًا الرجال. ومقال دونبار الشامل يقدم عرضًا ممتازًا للأدوار الإيجابية والأنشطة التي اضطلعت بها النساء في عدة مناطق من البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في جزء كبير من القرن العشرين.
فعلى سبيل المثال، حافظت حاجة ليا إيسياكو وحاجة عايشة محمود على تقليد إعطاء دروس خصوصية للطالبات والطلبة في المنازل في كانو في ثمانينات القرن العشرين. وقد عرفت حاجة ماريا ماي تفسيري، التي تعيش في كانو أيضًا، بتفسيرها للقرآن وأدارت مدرسة إسلامية للنساء المتزوجات والأطفال، كما كان لها جمهور عام كبير. وقد أذيعت تلاوتها للقرآن وتفسيراتها له في الراديو أولاً، ثم ظهرت بعد ذلك في التليفزيون. أما حاجة لارابا كارابا فقد صارت زعيمة للطريقة القادرية الصوفية، وأدارت الأخصائيات الاجتماعيات، مثل حاجة حوا آدامو البرنامج الاجتماعي الذي تقدمه الجمعية التطوعية المعروفة باسم جمعية دعم الإسلام للعامة.
ومنذ عدة عقود، دأبت عايشة ليمو، وهي بريطانية مسلمة تعيش الآن بصفة دائمة في شمال نيجيريا، على تقديم كتابات عن مختلف نواحي الإسلام، وقد صدرت كتاباتها في مجلدات ضخمة. وقد نجحت عايشة ليمو في توضيح معاناة النساء اللاتي يعشن في مجتمعات المسلمين، وحاجتهن إلى التعليم. وتعمل ليمو وزميلاتها في شبكات تجمع ما بين الاتجاهات التقليدية والإصلاحية، ولهن تأثير على الساحة الأفريقية بأسرها، إذ تمكن من الوصول إلى جماعات نسائية في أماكن بعيدة مثل جنوب أفريقيا. ومن التقاليد الموجودة في الجزء الجنوبي من قارة أفريقيا، لا سيما في جنوب أفريقيا، أن تعطي النساء غيرهن من النساء دروسًا خصوصية في الموضوعات الدينية. ومن الحقائق التاريخية الهامة أن أول بني في مدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا كان منحة من امرأة تعرف باسم سارتجي فان دس كاب. وفي القرن العشرين صارت العديد من منظمات النساء المسلمات في جنوب أفريقيا جزءًا من عماد المجتمع المدني في الفترة التي كان فيها الأثر المدمر للتفرقة العنصرية على أشده.
بعض الموضوعات تفيد الباحث إذ ترشده إلى المصادر التي تنفعه في دراسة أحوال النساء المسلمات في البلاد الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. ورغم أن هذه الموضوعات ليست جامعة مانعة، إلا أنها توفر روايات متميزة ومركبة تساعد على فهم حياة النساء. ونناقش هذا ثلاثة من هذه الموضوعات: التلبس بالأرواح، وقانون الأسرة أو الأحوال الشخصية، والمنظمات النسائية.
التلبس بالأرواح: يعرف التلبس بالأرواح باسم البوري في غرب أفريقيا وباسم الزار في شمال شرق أفريقيا، وهو ظاهرة شائعة في المجتمعات المحلية للمسلمين، خاصة بين النساء. ورغم أن التفسيرات المتمسكة بالكتابات المقدسة والإصلاحية تدينه لما يمارس فيه من أفعال تناقض التعاليم الدينية المتعارف عليها، إلا أن بعض التفسيرات الإسلامية التقليدية لصحيح الدين لا تنفيه بشكل مطلق. والسبب في هذا أن الكثير من الاتجاهات الأيديولوجية توافق على أن الكون يكتنفه السحر. بعبارة أخرى، لا تتعارض الكثير من الخطابات الإسلامية التقليدية مع أفكار الأرواح والجن والمعجزات، رغم أن التفسيرات الأحدث للإسلام التي تعتمد على الكتابات المقدسة تقلل من أهمية هذه الأفكار والممارسات، وإن صعب عليها إنكارها مطلقًا. فمثلاً، أدان قادة الجهاد في سوكوتو البوري باعتباره منافيًا للإسلام، بينما أبدى الأمير عباس في وقت لاحق تسامحًا مع هذه الممارسات.
ويتساءل العلماء عما إذا كان التلبس بالأرواح والطقوس المرتبطة به يبطن أكثر مما يظهر عن ما تحاول النساء كسبه من ورائه. هل تتبع النساء هذه الاستراتيجيات الموسعة للتعبير عن طموحاتهن الفردية ؟ وهل يتبعن هذه الطرق ليتفاوضن في صفقات تشكل لهن مخرجًا من أعباء أحوالهن المنزلية؟ وتساءل آخرون عما إذا كان التلبس بالأرواح يقدم للنساء شيئًا من الراحة أو يخفف عنهن وطأة هيمنة النظام الأبوي. وقد أوضحت الأبحاث الحديثة أن البوري يوفر للنساء المتزوجات فرصة ليحتفلن ويرقصن ويعزفن الموسيقى في حمى منازلهن. كما أن نساء الأقرباء، سواء من أسرة وأرحام النساء المصابات أو قريبات أزواجهن، يقدمن الهدايا للمرأة المصابة تعويضًا لها عما أصابها، مما يخلق ظرفًا يجعل النساء يحظين بمستويات مختلفة من الاهتمام ممن حولهن.
وفي بعض مناطق البلدان الأفريقية الواقعة في الركن الشمالي الشرقي من جنوب الصحراء الكبرى، يعتبر الزار جزءًا متممًا لواجبات الدين القويم وهو يلعب دورًا حركيًا في الحياة المؤسسية للنساء، خاصة حيث يجري الفصل بين الرجال والنساء بفواصل مادية واجتماعية وسياسية، وبالأعراف الدينية (Dunbar 2000, 399).والحق أن بعض العلماء قد جادلوا في أن النساء لا يعتبرن أن الزار يحتوي على ممارسات تتعارض مع الدين، لكنهن غالبًا ما يرين هذه الممارسات طقوسًا مكملة تلعب دورًا يشبه الطقوس الصوفية، حيث تؤكد إلى حد بعيد على ذكر الله (الذكر)، فورد عن كينيون “إن الزار والذكر يلبيان احتياجات طقوسية وانفعالية واجتماعية مماثلة، فهما يرضيان رغبات متشابهة لأفراد فئتين لا تجتمعان … إذ يختلفان في طرق أدائهما وتنظيمهما وما يمارس فيهما من طقوس، لكنهما لا يختلفان في المبادئ أو المعتقدات الأساسية” (Kenyon 1991, 42- 43) .
قانون الأسرة أو قانون الأحوال الشخصية للمسلمين : يوفر هذا القانون مصدرًا ثريًا آخر لدراسة أحوال النساء المسلمات، وسيفيد هذا المجال من إجراء مزيد من الدراسات عن هذا القانون. ولم تجر الكثير من الدراسات المركبة عن هذا القانون، سوى الدراسات المسحية العامة التي أجراها كل من ج. ن. د. آندرسون، وسبنسر تريمنجهام، وجوزيف شاخت في مطلع القرن العشرين عن الشريعة الإسلامية في أفريقيا. والدراسة التي أجراها آلان كريستيلو عن الشريعة الإسلامية في الجزائر والسنغال في فترة الاحتلال الكولونيالي من بين الدراسات القليلة التي فحصت حالة القانون بوجه عام (Christelow 1992). ويختلف قانون الشريعة الإسلامية عن القانون العرفي الأفريقي، وكثيرًا ما طبقت في أفريقيا بأشكال مختلفة مزجت بين هذين القانونين.
تكتسب السمة الأبوية للشريعة الإسلامية التقليدية نبرة أقوى عندما تمتزج الشريعة بالأعراف والممارسات الأفريقية. ويلزم إجراء دراسات لاستكشاف كيف تؤثر فاعلية النساء وهوياتهن وممارساتهن على تشكيل قانون الأسرة للمسلمين، وكيف تناقش النساء أحوال معيشتهن. والدراسة الرائدة التي قام بها كريستلو عن النساء في كانو بنيجيريا في مطلع القرن العشرين بها رؤية عظيمة لهذا الموضوع. فقد أوضح مثلاً أن التغيرات التي طرأت على القوانين التي تتعامل مع مسألة الرق تحت الاستعمار الكولونيالي قد أدت إلى افتداء بعض الرجال لكثير من الإماء بدفع مبالغ مالية لأسيادهن، وهي هبة لم يستطع أسيادهن رفضها. بدا هذا للوهلة الأولى نتيجة مفيدة، ولكن ما حدث غالبًا هو أن الرجال الذين افتدوا النساء بدفع مبلغ مالي لملاكهن كانوا أطرافا ثالثة، سرعان ما تزوجوا بمن افتدوهن بأموالهم، وكثيرًا ما تحولت هذه الزيجات إلى شكل شرعي من التسري بالجواري (Christelow 1991, 143) .
ومن المفارقات أن بعض النساء كن يفتين الإماء أيضًا، فاقتناء الإماء مكن النساء من التحكم في القوة الإنجابية خارج نطاق الزواج، حيث أن الشريعة الإسلامية تقضي بأن أطفال الأمة ملك يمين سيدتها. وقد أدى تملك النساء للإماء إلى إعطائهن قوة مكنتهن من ترأس وحدة منزلية قادرة على البقاء اقتصاديًا. ومن التناقضات الظاهرية أن السياسات القانونية الاستعمارية فيما يخص تحرير العبيد قد باءت بالخسارة على النساء الثريات اللاتي فقدن قوتهن ومكانتهن، لأنهن لم يعد بوسعهن التمسك بإمائهن طالما تقدم أي شخص آخر وعرض دفع فدية لتحريرهن. لقد خسرت النساء أكثر من غيرهن بسبب عملية افتداء الإماء، فالإماء اللاتي افتدين صرن الآن جزءًا من الأسرة الممتدة لأزواجهن. وتوضح دراسة كريستلو أيضًا أن العنف ضد النساء قد ازداد في إطار التعقيدات التي اكتنفت هذه الوحدات الأسرية الجديدة.
ومن الدراسات المكملة لدراسة كريستلو، وإن كانت من مدخل مختلف، وعن فترة لاحقة في نهايات القرن العشرين، الدراسة الأنثروبولوجية الكبيرة التي أجرتها سوزان هيرش عن محاكم القاضي في كينيا (Hirsch 1998).تفحص دراسة سوزان هيرش مسار القضايا التي رفعتها بعض النساء التماسًا للعدالة أمام محاكم القاضي التقليدية في منطقة مومباسا. وقد سمحت نظرة الباحثة الأنثروبولوجية لسوزان هيرش بفحص كل من ممارسات القضاة وأشكال الخطابات القضائية التي دارت حول القضايا المرفوعة، وهي خطابات أسست فيها النساء اللاتي رفعن الالتماسات رواياتهن بطريقة فعالة. وقد كشفت عمليات الفحص المعمقة التي أجريت لحياة واهتمامات النساء المتحدثات باللغة السواحلية اللاتي رفعن الالتماسات الكثير الجم عن فهم النساء المسلمات لذواتهن، وآرائهن عن العلاقات بين الرجال والنساء، وعن الرجال والمجتمع. وجميع القضايا التي درستها سوزان هیرش تتعلق بمسائل قانون الأسرة، وهي دراسة هامة لنا جدًا كي نفهم تطبيق الشريعة الإسلامية على مستوى القاعدة الشعبية، فقد أوضحت هذه الدراسة أن النساء المسلمات اللاتي يعشن على الساحل الشرقي لأفريقيا لسن راضيات عن تحمل النظام الأبوي في صمت، على عكس الفكرة النمطية الشائعة عن الشريعة الإسلامية فيما يخص العلاقات بين الرجال والنساء. لقد وجدت دراسة سوزان هيرش نموذجًا للأدوار التي تلعبها النساء حيث يتفاوضن ويتجادلن ويتداولن التعقيدات القانونية للشريعة الإسلامية من خلفية المشهد، عن طريق أشكال من الدبلوماسية الاجتماعية التي قد يمارسنها بدهاء، وأحيانًا بطرق أقل دهاء. كما تتناول هذه الدراسة الإصلاحات المذهبية وتفسيرات أوضاع النساء في الإسلام، إلى جانب إبرازها للطرق التي تغير بها الممارسة العملية من فهم القوانين وتطبيقاتها، خاصة الطرق الخلافة التي يفسر بها القضاة تلك القوانين ويطبقونها. وما زالت بعض الدراسات تجرى عن كيفية تطبيق القضاة لقانون الأسرة في محاكم الأحوال الشخصية الزنزبارية المعاصرة.
تعرض دراسات كل من كريستلو وهيرش بإيجاز موضوع قانون الأسرة المسلمة، الذي بحث جيدًُا في بلدان آسيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، لكنه أهمل تمامًا في البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. لقد أوكل الحكم الاستعماري الكولونيالي بطريق غير مباشر حكم الجماعات العرقية إلى زعماء القبائل والقانون العرفي. وكثيرًا ما عوملت الشريعة الإسلامية على أنها شيء مختلف عن القانون العرفي، إلا أن رد فعل الاستعمار الكولونيالي اختلف عن هذا فيما يخص القانون الذي يحكم المسلمين، وفقًا للسلطة الكولونيالية المسؤولة ولطبيعة الأرض. فلم يبق من الشريعة الإسلامية إلا ما يعرف باسم قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، والذي يتعامل مع مسائل الزواج والطلاق والإرث وحضانة الأطفال. وقد صار قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في الكثير من البلدان جزءًا من النظام القانوني بعد انتهاء الاستعمار الكولونيالي. وفي الأماكن التي لا يوجد فيها قانون أحوال شخصية للمسلمين، ناضلت طوائف المسلمين نضالاً سياسيًا من أجل انتزاع اعتراف الدولة بقانون الأسرة الخاص بهم وتطبيقه من خلال محاكم الدولة.
وحيث أن قانون الأحوال الشخصية للمسلمين مغروس في نظم القانون الأبوية، فغالبًا ما يتعارض مع مواثيق حقوق الإنسان وطموحات النساء المسلمات الحضريات الحديثات. وينظر إلى قانون الأحوال الشخصية للمسلمين على أنه يؤيد قهر النساء ويجعلهن خاضعات لسلطة الذكور. وغالبًا ما يكون المطالبون بتطبيق قانون الأحوال الشخصية للمسلمين وإبقائه في ثوب تقليدي هم رجال الدين، أما المعارضون لهذا الشكل من قانون الأحوال الشخصية للمسلمين فهم النساء والرجال والمسلمون الذين يقترحون تفسيرات تقدمية للشريعة الإسلامية تراعي المساواة بين الجنسين. وهكذا أصبح قانون الأسرة ساحة للنزاع بين التفسيرات التقليدية للإسلام والتفسيرات التقدمية والنسوية للقانون.
ورغم الصعوبات الواضحة، يرى المسلمون من مختلف الطوائف أن تطبيق قانون الأحوال الشخصية للمسلمين القائم على أساس الدين صراع كبير حول الهوية في إطار الدولة القومية العلمانية. وقد اشتبكت الدول الأفريقية التي قامت بعد رحيل الاستعمار الكولونيالي بدرجات مختلفة من النجاح مع قضية التعددية القانونية، لكي تفسح مجالاً للشريعة الإسلامية والقانون العرفي في نظام قانوني مركزي وعلماني موروث من عهد الاستعمار الكولونيالي. وحيث أن الكثير من السياسات المتركزة في يد الدولة تميل إلى النظام الأبوي، فلم تول انتباهًا كافيًا لآثار القوانين الأبوية على النساء والأسرة والأطفال في ظروف اجتماعية تختلف اختلافًا شديدًا عن الظروف التي سنت فيها هذه القوانين. وأحيانًا ما تقع الحكومات والصفوة الحاكمة ما بين أمرين أحلاهما مر، إذ تريد التمتع بالحساسية تجاه احتياجات الطوائف الدينية، وفي نفس الوقت ترغب أيضًا في دفع قيم حقوق الإنسان الحديثة قدمًا، وغالبًا ما تحجم عن الدفع بقضايا النساء من خلال إصلاحات قانونية خوفًا من إيذاء مشاعر صفوة رجال الدين والمتمسكين بالأعراف التقليدية.
وقد أحرزت المنظمات غير الحكومية وبعض الجماعات الإصلاحية للمسلمين بعض النجاح في رفع الوعي بأهمية قانون الأحوال الشخصية للمسلمين والحاجة إلى إصلاحه. وقد عملت المجموعة عبر القومية المسماة النساء اللاتي يعشن تحت القوانين الإسلامية الكثير لخلق الوعي بما في هذه القوانين من تمييز ضد النساء، وشاركن مشاركة فعالة في عمليات قانونية لدفع هذا التمييز عن أنفسهن. لكن النساء المسلمات العاديات غالبًا ما يقعن في الحيرة بين هذه المنازعات المتقلبة والمشحونة، فهن يرغبن في الإخلاص للإسلام، لكنهن لا يرغبن أيضًا في أن يقعن ضحايا للقوانين الأبوية القمعية. وغالبًا ما لا تملك هؤلاء النساء من التعليم والأدوات ما يمكنهن من تلبية اهتماماتهن بشكل صحيح، فيقعن في دائرة الصبر على المثابرة.
وفي المناطق التي سادتها اتجاهات الإحياء الإسلامي، مثل شمال نيجيريا والنيجر وتنزانيا وأوغندا وأجزاء من مالي، يتضح أن سياسات الهوية قد لعبت بورقة سياسات المساواة بين الجنسين، وهي ورقة رابحة. وتزداد أعداد النساء اللاتي يروجن للشريعة الإسلامية، وخاصة قانون الأسرة المسلمة، باعتباره قانون الله، ويجادلن في أن هذا القانون محصن ضد الإصلاح أو التغيير. أما دعاة الإصلاح الذين تتركز جهودهم على المناداة بإصلاح الدين الإسلامي فغالبًا ما يتعرضون للتهميش، ويعاملون بشك، ويتهمون بالدعوة لتحويل المجتمعات المسلمة إلى النمط الغربي. لكن هذه النزاعات والحروب البلاغية غالبًا ما تكون أعراضًا لمشكلات مزمنة وسياسية أكبر، إذ تنشب حيث فشلت الدول والحكومات فشلاً مزمنًا في إقامة حكم رشيد فعال.
والعدالة في بعض محاكم قانون الأسرة الإسلامية المتخصصة غالبًا ما تكون سريعة وزهيدة التكلفة، لكن ينقصها الإجراءات المضبوطة. وبمقارنتها بالمحاكم العلمانية نجد أن لمعظمها بنية أساسية مضعضعة، حيث أن القضاة العاملين فيها ينقصهم التدريب الملائم والتعليم القانوني. وفي هذه البلدان التي تطبق فيها الشريعة الإسلامية في المحاكم العلمانية، لا يألف قضاتها بدورهم الشريعة الإسلامية بدرجة تمكنهم من تطبيقها تطبيقًا صحيحًا. بل أن قانون الأسرة غير مجمع ولا مصنف بطريقة مضبوطة بحيث يشكل نظامًا قانونيًا. وحيث أن حالة الأحوال القضائية فظيعة في بلدان مثل تنزانيا وأوغندا وأجزاء معينة من وسط أفريقيا وأرياف موزمبيق، فكثيرًا ما يطبق قانون الأسرة للمسلمين على مستوى محاكم الصلح الإسلامية غير الرسمية. وغالبًا ما تعاني النساء من تطبيق القانون بطرق خشنة وأبوية لم يطلها الإصلاح.
وفي محافظات شمال نيجيريا ذات الأغلبية من المسلمين بالغت حكومات الدولة في الأخذ بقانون الأسرة، وشرعت عقوبات إسلامية لذنوب جنائية مثل السرقة، وتعاطي الكحوليات، وممارسة الجنس خارج نطاق الزواج. وحيث أن المسلمين حين يطبقون الشريعة دون تعديلات غالبًا ما يقدمون قضية النظام الأبوي على ما عداها، فلا عجب إذا صارت النساء المسلمات في نيجيريا أهدافًا وضحايا في نفس الوقت للقوانين الجنائية المعتمدة على الشريعة. وقد اهتمت وسائل الإعلام بحالتين شهيرتين في شمال نيجيريا، حيث حكم على امرأة بالرجم حتى الموت بتهمة الخيانة الزوجية، وقد ألغت محكمة الاستئناف هذا الحكم فيما بعد، ومازالت الأخرى تنتظر حكم الاستئناف. ويتبدى الظلم الصارخ في هذه الحالات، حتى بمعايير الشريعة الإسلامية، مما أثار اشمئزاز بعض دعاة تطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا، إلى حد أنهم أبدوا استعدادهم لمراجعة طبيعة تطبيقها إلى حد ما. وغني عن الذكر أن مسألة قانون الأسرة في بلد مثل نيجيريا جزء من صراع أوسع نطاقا على القوة والسلطة بين الجماعات العرقية والدينية.
وسجلات المحاكم مصادر ممتازة لاكتشاف نوع القضايا التي استدعت تدخل الدولة أو قرارات الفضاء عبر الزمن. ورغم أن هذه السجلات لا تقدم إلا مستوى واحد من مستويات الرؤية بالنسبة للمسألة المطروحة للبحث، إلا أنه يمكن استخدامها بأكبر قدر ممكن من الكفاءة إذا قرنت بمصادر أخرى. ولو تمكن الباحثون والباحثات من التنقيب بشكل فعال عن سجلات المحاكم، لصارت هذه السجلات مصدرًا لا يقدر بثمن للكشف عن خفايا التاريخ، خاصة تاريخ النساء. ورغم صعوبة العثور على سجلات المحاكم التي ترجع إلى فترة ما قبل الاستعمار الكولونيالي، توجد مصادر غزيرة ترجع إلى فترة الاستعمار الكولونيالي وما بعده، ومن هذه المصادر مجلس الأمير للصلح القضائي في شمال نيجيريا، وهو مصدر يمكن أن يلقي بعض الضوء على هذا الموضوع. ونجد ضمن إصدارات كريستلو مجموعة تحتوي على حالات مختارة من أحكام الأمير عباس (Christelow 1994) .
وتوجد في شرق أفريقيا سجلات محاكم ترجع إلى الحكم العماني لمنطقة الساحل الشرقي لأفريقيا، وما تلاه من حكم بريطاني، وهي محفوظة بشكل جيد في أرشيف زنزبار، وتستحق اهتمام الباحثات والباحثين الذين يقع على عاتقهم مهمة استخدام هذا الأرشيف ليستخرجوا منه التاريخ الاجتماعي والثقافي لهذه الفترة. ولا شك أن هذه السجلات ستلقي أضواء على مكانة النساء في هذه المجتمعات، ومعدلات الزواج والطلاق، وتوزيع الممتلكات، وغير ذلك كثير.وقد تبنت المحاكم الأفريقية الحديثة تقاليد حفظ السجلات القانونية، لكن بسبب ضعف الإدارة وغياب الموارد الكافية غالبًا ما لا تصدر هذه السجلات بانتظام، أو تصدر وبها شيء من النقص.
منظمات النساء المسلمات: ومع تأثر القارة الأفريقية تدريجيًا بحركة تمكين النساء، ازدهرت المنظمات النسائية في عالم المجتمع المدني هناك، حيث يرجع تاريخها إلى منتصف القرن العشرين، مع ارتفاع من حركات التحرر الوطني. كما أن لمعظم الأحزاب السياسية جناحًا نسائيًا. وهذه الأجنحة النسائية إما أنها اندمجت عبر الزمن في الأحزاب أو استمرت في الضغط من الهامش من أجل إصلاح موازين القوى بين الرجال والنساء في مجتمعاتها. كما أن نهوض اتجاهات الإحياء والإصلاح الديني بين المسلمين في مناطق كانت تميل بحكم تقاليدها إلى طرق الإخوان الصوفيين جلب معه أشكالاً محددة من المنظمات النسائية. فمثلاً، تم إدخال النساء في رتب اتحاد الجمعيات الإسلامية الموالي للإصلاح الذي نهض في السنغال. أما في البلدان الأفريقية الناطقة باللغة الفرنسية فقد واصلت النساء المسلمات العمل على تحقيق طموحاتهن الثقافية والسياسية من خلال جمعيات علمانية، مثل جمعية النساء النيجيريات التي أنشئت في عام 1975 بالنيجر. وهذه الهيئة هي التي دعت إلى إصلاح قوانين الأسرة للمسلمين، لكن الجماعات الإسلامية، لا سيما جماعات المعارضة، كبحت حركتها. وقد ظل الجدل الحار دائرًا في النيجر حول الاقتراحات التي قدمت بتشريعات تخص قانون الأسرة للمسلمين حتى وقت قريب.
وفي عام ١٩٨٥م، شهدت نيجيريا مولد اتحاد جمعيات النساء المسلمات (FOMWAN)، الذي يهدف إلى المطالبة باسترداد النساء للاعتداد بذواتهن، ويتناول بشكل جماعي القضايا التي تواجهها النساء المسلمات في حياتهن اليومية (Yusuf 1991, 284).كما ظهر النشاط الجم لاتحاد جمعيات النساء المسلمات في قضايا السياسة العامة التي تؤثر على حياة النساء. ووجد شيء من التوتر الواضح بين اتحاد جمعيات النساء المسلمات والمجلس القومي للجمعيات النسائية، وهو مجلس علماني، حول قضايا الإرث، حيث عارض اتحاد جمعيات النساء المسلمات التشريعات التي لا تتماشى مع الشريعة، وقدم لبعض المشكلات الاجتماعية المزمنة حلولاً قائمة على تعاليم الإسلام. ودعا هذا الاتحاد بقوة إلى إنشاء محاكم شرعية في الولايات الجنوبية لخدمة المسلمين الذين يعيشون هناك، والذين يتبعون القانون العرفي مرغمين في غياب قانون إسلامي.
وفي شرق أفريقيا عدة مؤسسات تركز على قضايا النساء، مثل مشروع البحث والتوثيق في مجال النساء (WRDP)، الذي يهدف إلى دفع أوضاع النساء قدمًا في تنزانيا، والذي تفرع عن معهد دراسات التنمية، وصار وحدة مستقلة في ١٩٨٢م. والجمعية الأفريقية للنساء الأفريقيات للبحوث والتنمية (AAWORD) واحدة من أكثر شبكات البحوث تأثيرًا في القارة الأفريقية، كما أن لها فروعًا في مناطق مختلفة، وهي تقدم دعمًا فيما لجماعات نساء القاعدة الشعبية، كما تتدخل في القضايا المتعلقة بالسياسة.
وفي جنوب أفريقيا عدد من جماعات النساء المسلمات تمثل جماعات مصالح مختلفة. وهناك “مكتب الجندر” التابع لحركة الشبان المسلمين، وهو مكتب صغير الحجم، إلا أنه ربما كان أكثر جماعات المسلمين التقدمية تأثيرًا على مستوى العمل خارج مفر الجماعة والتأثير على القضايا السياسية. ومن أهم الأدوار التي تلعبها هذه الوحدات المتخصصة في البحوث تقديم معلومات إحصائية قيمة، دراسات مسحية تغطي كل نطاق المسائل المتعلقة بصحة المرأة والفقر والتعليم والمشاركة السياسية وإمكانية حصول المرأة على فرص لتكوين الثروات.
ولا يمكن تناول دراسات النساء المسلمات في البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى بمعزل عن الطبقات المركبة للتاريخ الثقافي أو القوى الاقتصادية والسياسية التي تجتاح المنطقة. إن المصادر كثيرة، لكنها توجد بأشكال غير معتادة، وتتطلب مداخل محنكة وقادرة على فحص الفروق الدقيقة بينها للخروج بأفضل النتائج الممكنة.
J. Boyd and M. Last, The role of women as “agents religieux” in Sokoto, In Canadian Journal of African Studies 19: 2 (1985), 283- 300.
J. Boyd and B. B. Mack (eds.), Collected works of Nana Asma’u, daughter of Usman dan Fodiyo 1793- 1864, East Lansing1984.
A. Christelow, Women and the law In early-twentieth-century Kano, in C. Coles and B. B. Mack (eds.), Hausa women in the twentieth century, Madison, Wis. 1991, 130- 44.
-, The Muslim judge and municipal politics in Colonial Algeria and Senegal, In J. R. I. Cole (ed.), Comparing Muslim societies, Ann Arbor 1992, 133- 62.
-, Thus ruled Emir Abbas Selected cases from the Emir of Kano’s judicial council, East Lansing 1994.
R. A. Dunbar, Muslim women in African history, in N. Levtzion and R. L. Pouwels (eds.). The history of Islam in Africa, Athens, Ohio 2000, 397- 417.
M. J. Hay, Queens, prostitutes and peasants. Historical perspectives on African women, 1971-1986, in Canadian Journal of African Studies 22: 3 (1988), special issue, Current research on African women, 431- 47.
S. F. Hirsch, Pronouncing and persevering Gender and the discourses of disputing in an African Islamic court, Chicago 1998.
A. S. Hutson, The development of women’s authority In the Kano Tijaniyya, 1894-1963, in Africa Today 46: 3/ 4 (1999), 43-64.
A. Imam, Engendering African social sciences. An introductory essay, in A. M. Imam, A. Mama, and F. Sow, Engendering African social sciences, Dakar 1997, 1- 30.
S. M. Kenyon, Five women of Sennar Culture and change In Central Sudan, Oxford 1991.
A. Mama, Women’s studies and studies of women In Africa during the 1990s, Dakar 1996.
-, Shedding the masks and tearing the veils. Cultural studies for a post-colonial Africa, in A. M. Imam, A. Mama, and F. Sow, Engendering African social sciences, Dakar 1997, 61- 80.
M. Strobel, Muslim women In Mombasa 1890- 1975, New Haven, Conn. 1979.
B. Yusuf, Da’wa and contemporary challenges facing Muslim women in secular society – a Nigerian case, in N. Alkali et al. (eds.), Islam in Africa Proceedings of the Islam in Africa conference, Ibadan 1993, 276- 95.
T. Zeleza, Gender biases In African historiography, in A. M. Imam, A. Mama, and F. Sow, Engendering African social sciences, Dakar 1997, 81- 115.