التحليل النفسي والنساء:
قراءة شخصية في خمسة وثلاثين عامًا مضت*
كمحللين نفسيين نحتاج دائمًا إلى روايتين (على الأقل): رواية خارجية وتاريخية، وأخرى داخلية ونفسية، لفهم تاريخ مجال ما. وفي بعض الأحيان، مثلما هو الحال بالنسبة للنساء في التحليل النفسي، نحتاج إلى رواية ثالثة، ألا وهي فهم التأثير المشترك لعمليات الإبداع والبصيرة والمنظور التي يضيفها هؤلاء المتدربون في المجال والتي تحمل على هامشها عوامل شخصية أو ثقافية. خارجيًا وتاريخيًا كانت أعمال فرويدFreud) ) وبرويرBreuer) ) مع مرضاه وكذلك الدراسات التي قام بها مع كل من شاركوCharcot) ) وبيرنهایمBernheim) ) هي التي دفعته بداية إلى اكتشاف أساليب ونظريات التحليل النفسي. إن طموح فرويد، في سياق عدم تمكنه من الانخراط في السلك الأكاديمي، هو ما دفعه إلى مواصلة البحث في تلك الاكتشافات. في أثناء ذلك كانت تركيبته النفسية وقدرته على هذا الطموح عناصر جوهرية في اكتشافه لعقدة أوديب وتحليله للأحلام ولفهمه للجنسانيةsexuality) ) والمرضية النفسية.
ضمن كلاسيكيات التحليل النفسي في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي سوف نجد طيفًا من المواقف الخاصة والمساهمات في فهم البنية النفسية للنساء. جميع هؤلاء النساء تحدثن من داخل المجال، من داخل تكوينهن النفسي الخاص بكل واحدة منهن وعلى خلفية من تفاعلاتهن ومواقعهن النفسية كأطراف داخلية وخارجية يجمعن ما بين المواقع المركزية والهامشية – فهن ممارسات في مجال يكاد أن يرحب بهن أكثر من أي مجال آخر، وإن كان أيضًا مجالاً يتمحور في ذات الوقت حول نموذج ذكوري في تعريف ما هو طبيعي ومن ثم يقلل من قيمتهن. في هذا الصدد نجد على سبيل المثال السيرة الذاتية لكارين هورني (Karen Horney) حيث تشير إلى نفسها بوضوح نادر ومبهج في نفس الوقت حين تتساءل: “أنا كامرأة أتساءل في تعجب، وماذا عن الأمومة؟” Horney 1926, 60)). كما نجدها، مثلها مثل فرويد، تستخدم النظرية الاجتماعية والأدب الاجتماعي – على سبيل المثال سيميل(Simmel) وشيلر (Schiller)، وهومرHomer) ) في دعم حججها الراديكالية. في مقالها المتأثر جزئيًا وبشكل واضح بسيرتها الذاتية، والذي يتناول المعضلات النفسية المترتبة على الجمع ما بين كونها مهنية وكونها امرأة، نجد جوان ريفييرJoan Riviere) ) أقل حدة ومواجهة، وإن كانت ليست أقل راديكالية، حين تتعجب بخبث من مصداقية الحفل التنكري: “قد يتساءل القارئ عن طبيعة تعريفي لكوني امرأة أو عن كيفية فصلي بين ما هو مرتبط بصدق بكوني امرأة وبين “الحفل التنكري“… إنهما في الحقيقة شيء واحد” (Riviere 1929, 94). هنا نجد تحديًا منيعًا مدعومًا بقوة بالأمثلة الإكلينيكية. في مقالها الرائع “تطور عقدة أوديب لدى النساء” والذي يستند إليه مجمل تراث علم النفس الذي يتناول علاقة الأم بالإبنة، والذي دفع بفرويد إلى إعادة تعريف سيكولوجيا الأنوثة، تفرد جان لامبل دي جروت (Jeanne Lampl-de Groot 1927) عشرة صفحات في قراءة نظرية فوريد. ثم تدرج في فقرة تبدأها بـ“وجهة النظر هذه تؤكد فرضية فرويد” ما تطرحه في ورقتها كاقتراح متواضع: “لكن على عكس ما يقول فرويد، فإننا نعتقد إن عقدة الإخصاء لدى الأطفال الإناث هي تكوين ثانوي وأن الأمر السابق عليه هو حالة أوديبية سلبية” (ص١٢). أخيرًا، هناك أيضًا سير ذاتية خفية (انظر/ي على سبيل المثال روازن (Roazen 1985) حين تكتب عن هيلين دويتش Helen Deutsch))، ويونج بروهل ( Young-Beuehl 1988) حين تكتب عن أنّا فرويد (Anna Freud). وفي الصفحات التالية سوف أصف مساري الفكري الخاص في سياقه التاريخي وفي سياق تكويني النفسي الخاص وتحديدي لموقعي في كل من المركز وعلى الهامش.
في ربيع عام 1969، ذهبت إلى أول مؤتمر لي حول “تحرير النساء“. كان عمري وقتها خمسة وعشرون عامًا وكنت باحثة ناشئة في العلوم الاجتماعية، على وشك أن أتحول من الأنثروبولوجيا إلى علم الاجتماع، مع اهتمامي الخاص، المحدد نفسيًا بشكل كبير في ذلك الحين، بارتقاء الأطفال والعلاقة ما بين النفسpsyche) ) والثقافة. لقد قررت في ذلك الوقت بحدسي أن أختار مجالاً دراسيًا – الأنثروبولوجيا– كان يضم في ذلك الوقت عددًا غير مسبوق من النساء البارزات، وكان يسمح لي أن أعمل فعليًا مع أساتذة من النساء. أما تخصصي الثانوي في ذلك الوقت، وهو الأنثروبولوجيا النفسية والمتأثر والمؤثر في التحليل النفسي منذ الثلاثينات، فقد كان يتناول سيكولوجيا الجندر في علاقتها بالثقافة (على سبيل المثال:Mead 1935, 1949)؛ ومع ذلك فإن أيًا من المجالين لم يكن ليركز في السنوات الأخيرة أو ليتناول إشكاليات النساء أو الجندر.
وبالنسبة لي، كما هو الحال بالنسبة لكثير من النساء من جيلي، كانت الحركة النسائية ملهمة ومؤثرة على وعينا. وحين التحقت ببرنامج دراسي حول علم الاجتماع في خريف 1969 كتبت ما سوف يصبح مقالي الأول المنشور، “الكينونة والفعل: دراسة عبر الثقافات حول التفاعل الاجتماعي لكل من الذكور والإناث” Chodorow 1972)). في ذلك الوقت كانت النسويات الأمريكيات قد بدأن الكتابة والتحليل حول التحيز الجنسيsexism) ) في المؤسسات السياسية والاقتصادية والأسرية متمثلة في سلوك الرجال نحو النساء. لقد كان التحيز الجنسي أمرًا خارجيًا. وما هو شخصي كان سياسيًا، مما يعني أن المشاعر كانت نتيجة لقوى خارجية وأننا لسنا بحاجة إلى البحث في مكوناتها الداخلية أو عوامل تكوينها. لكن مقال “الكينونة والفعل” حدد أصول الهيمنة الذكورية في خوف الرجال من النساء وخوفهم من أنوثتهم الذاتية الداخلية، وطرح أن التماهي ثنائي الجنسية لكل من الرجال والنساء هو أمر غير متناسق، من حيث أن التوحد الذكوري يحمل قدرًا أكبر من التهديد. لقد عقد المقال مقابلة ما بين الهوية الأنثوية للنساء المستندة إلى “الكينونة” وبين الهوية الذكورية للرجال المستندة إلى “الفعل“، كما قدم وصفًا “للدائرة الأبدية للانتقاص من قدر الأنثى” (ص٤١)، حيث تنقل الأمهات لبناتهن مشاعرهن المليئة بالقلق والتناقضات بشأن الأنوثة. المقال يستعين بمحللة نفسية وحيدة هي كارين هورني، كما أن عنوانه “الكينونة والفعل” يستخدم مصطلحات وردت في كتابات معاصرة لوينيكوت Winnicott 1971)) الذي لم أكن قد سمعت به من قبل. كذلك فقد استعنت في هذا الشأن بطيف واسع من أدبيات الأنثروبولوجيا النفسية وعلم النفس وعلم الاجتماع المبني على التحليل النفسي.
هذا المقال، الذي هو أول ما نشرت، وذلك منذ أكثر من ثلاثين عامًا، تنبأ عن غير قصد بالكثير من الموضوعات التي سوف تتناولها فيما بعد مراجعات التحليل النفس التي تناولت مسألة الأنوثة، كما أنه كان بمثابة الأساس لما تلاه من أعمال لي. فقد كان ذلك المقال تشودورووي بشكل خاص من حيث طرحه بدون تردد لنظريات جديدة وتجميعه للملاحظات الناجمة عن دراسات مختلفة واستناده إلى الأدلة والنظريات (التي تبدو أحيانًا متناقضة) من عديد من المجالات.1 لقد كان نمط تفكيري عند كتابة ذلك المقال وفي الكثير من كتاباتي اللاحقة هو ذلك النمط الطبيعي والتلقائي الذي استخدمه في التفكير وهو النمط الذي واجه تحديًا من خلال رغبتي في الفترة الأخيرة أن أكتب من وحي اللحظة الإكلينيكية. هذا النمط يبدأ بتناول سمة منفردة وواضحة ومفروغ من أمرها من سمات العالم النفسي أو الثقافي وإن لم يسبق ملاحظتها أو دراستها، ثم البحث تفصيلاً في نتائج هذا الأمر المفروغ منه من الداخل.2 في مقال “الكينونة والفعل“Chodorow 1972) ) كانت تلك الملاحظة الواضحة هي أن الهيمنة الذكورية تبدو وكأنها عالمية. ثم أتساءل، كيف يمكن أن نفسر ذلك؟ وفي كل من “بنية الأسرة والشخصية الأنثوية“Chodorow 1974) ) و“عدم التناسق الأوديبي وعقد الغيرية الجنسية“Chodorow 1976) ) وإعادة إنتاج الأمومةChodorow 1978) ) أبدأ حجتي من أن النساء يقمن بدور الأم – الأمر الذي يبدو أمرًا مفروغًا منه حتى إن ذكره يبدو محرجًا، ومع ذلك لم يتم تناوله حتى الآن لا نظريًا ولا إكلينيكيًا. بعد ذلك، أصوغ الحجج بأن علاقة الأم بالابنة لابد وأن تكون علاقة مركزية في علم النفس الأنثوي، وحيث أن المرأة هي دائمًا أول من يقدم الرعاية في حياة الجميع، فلابد وأن لهذا الأمر أثرًا مهمًا على ارتقاء الأطفال من منظور الجندر وكذلك على العلاقات بين الجنسين. في مقال “الغيرية الجنسية كتكوين وسطي“Chodorow 1992) ) أبدأ بملاحظة أن الغيرية الجنسية هي العرف السائد، ليس فقط من المنظور الثقافي وإنما أيضًا في إطار التحليل النفسي. وأتساءل، ماذا لو تعاملنا مع الغيرية الجنسية على أنها إشكالية مثلما فعلنا مع المثلية الجنسية والانحرافات؟ أما دراستي عن “قوة المشاعر“Chodorow 1999b) ) تبدأ بالتفرد الإكلينيكي – الحقيقة الواضحة التي تقول بأن كل شخص يأتي إلى مكاتبنا للاستشارة هو بشكل أو آخر شخص متفرد. وفيما يتعلق بالتحليل النفسي، فإنه يستند إلى افتراض بأن النظريات العامة التي تتناول ارتقاءنا ومضمون خيالنا اللاشعوري بخصوص أنفسنا والآخرين، بما في ذلك تصوراتنا عن الجندر والجنسانية، لا يضع في اعتباره ذلك التفرد الإكلينيكي. انطلاقًا من المبادئ الأساسية للتحليل النفسي التي تؤكد على الوجود الواضح والمؤثر لعمليات ذهنية وأفكار ومشاعر ذات دينامية لا شعورية، فإنه يطرح– على العكس من الطرح المسلم به جدلاً لنظريات ما بعد الثقافة النسوية وللعلوم الاجتماعية بشكل عام– أن المعنى ينبع من الداخل بنفس الدرجة التي ينبع بها من الخارج.
وعلى سبيل مواصلة الأسلوب والموقف: فكما هو الحال في الكتابات الكلاسيكية التي تتناول علم النفس الأنثوي هناك بعضًا من تأثير للسيرة الذاتية الضمنية في مساهماتي. إنني أعتقد أن كتاباتي ما كانت لتحمل التماسك والصدى العاطفي والوجداني الذي تحمله بدون تحليل شخصي، بدون أم قوية ونسب أمومي قوي وخبرة مبكرة بالشعور بالغربة الثقافية.3 ولكن رغم كوني جزءًا من الجيل النسوي الذي اعتبر أن كل ما شخصي سياسي، وأن المعرفة نسبية، وحيث حلت “الأنا” الأنثوية الأكاديمية من حيث لا ندري محل النظرة الذكورية الموضوعية، إلا أن كتاباتي (على الأقل حتى سنوات التسعينات) لم تنطلق من موقف أنثوي تجريبي. وحين أتأمل الأمر بأثر رجعي، أرى أن صوتي كان يتميز بالوضوح والثقة: هذا هو ما أفكر فيه، لا توجد طريقة أخرى لأفكر بها، كل ما أستطيع عمله هو تقديم أفكاري لكم، بأكثر شكل مباشر ممكن. قد يكون ذلك هو صوت النساء الجادات، الغربيات في الأغلب، والرائدات اللاتي كبرت في وسطهن. مع ذلك فحين قدمت لأول مرة مقالي عن “بنية الأسرة والشخصية الأنثوية” لمجموعة من الأكاديميات الشابات في منطقة بوسطن في عام ۱۹۷۲، اتهمت بأنني واثقة من نفسي أكثر من اللازم وبأنني أكتب كرجل: كيف لي أن أبدأ هكذا بشكل مباشر: “إنني هنا أطرح نموذجًا…” Chordorow 1974, 45))؟ وقد صدمت في عام 1978 في أول لقاء لي مع مفهوم الكتابة الأنثوية (l’ecriture feminine) حين وجدت أن نسويات فرنسيات من أمثال إريجاراي Irigaray)) وسيكسوCixous) ) يعتقدن أن للغة وأساليب الطرح التقليدية محورًا قضيبيًا(Chodorow 1979) (phallologocentric).
ويستمر الموقف التقليدي من الصوت. في الفترة الحالية أجد نفسي لا أشعر بالراحة بل وأقاوم الأسلوب ما بعد الحداثي واللعب على الكلمات الذي تغلغل بشكل خاص في الكتابات النسوية العلائقية Relational feminist writing)).وحتى حين أنطلق من الخبرة، من الحرية في التحدي ومن شعور بأن المعرفة نسبية ومستمدة من السلطة، إلا أنني أجد نفسي على الجانب الكلاسيكي الحديث من ذلك الانشقاق بخصوص الدليل واللغة، وهو الجانب الذي قد يكون أكثر تمييزًا للنسويات المنخرطات في التحليل النفسي اللاتي تدربن ووجدن أنفسهن في المعاهد الرئيسية للجمعية الأمريكية للتحليل النفسي. لقد ولدت نظريات ما بعد الحداثة من العلوم الإنسانية (الفرنسية في كثير من الأحيان)، وما صاحبها من نزوع إلى التشكك المعرفي، وجعلت من النقد والاستخدام المبدع للغة أمورًا محورية لها. هكذا، ورغم أنني كتبت أن الفرق الكبير بين النساء العاملات في مجال التحليل النفسي من الجيلين الثاني والثالث للتحليل النفسي، وبين النسويات العاملات في مجال التحليل النفسي من جيلي، هو أن الأمور النظرية كانت بالنسبة لنا أمورًا شخصيةChodorow 1989) )- حيث كنا نقيم نظريات التحليل النفسي حول الأنوثة قياسًا إلى خبراتنا الشخصية– إلا أنه غير صحيح أنني أقحمت الخبرة الشخصية أو بدلت من موقفي وأنا أطرح حججي النظرية.
هذه الخاصيات المرتبطة بالابتكار، والانطلاق مما هو غير ملحوظ أو مسلم به، وتأليف نظريات وملاحظات متباينة أو مثيرة للدهشة على خلفية أحادية وغير نظرية ومتعددة التخصصات بل وتكاد أن تكون بنيوية،4 واستخدام التناول التقليدي واللغة التقليدية المباشرين إلى حد كبير رغم كونهما يتسمان بالحدة النظرية المباشرة، هذه الخاصيات هي ما تميز أغلب كتاباتي.5 إن هذه السمات، التي أمدت كتاباتي باستقلالية نسبية – أي كوني كنت أستجيب لتيارات كانت تبدو ذات صلة بطريقة تفكيري، وحرصي قدر الإمكان على أن أشير إلى الأعمال ذات الصلة، ولكن دون أن أنتمي، قصدًا أو بدون قصد، إلى مدرسة بعينها – كانت هي ذاتها التي جعلت كتاباتي دائمًا تجذب الانتباه في مكان ما، وإن كان في كثير من الأحيان من جمهور غير ذاك المقصود بها. لقد استقبل كتابي إعادة إنتاج الأمومة (1978 Chodorow ) سريعًا وبكثير من الثناء من قبل العلوم الإنسانية النسوية، كما حصل على كثير من التقدير ولكن أيضًا النقد الواسع في دوائر مجالي، مجال علم الاجتماع، الذي كان مجالاً مقتصرًا على القلة في ذلك الوقت، ولم يلتفت إليه سوى بعد ذلك بسنوات كثرة في دوائر التحليل النفسي. هناك عدد من المقالات التي أصبحت فيما كلاسيكيات أدبية كانت تقابل بالرفض من قبل دوريات التحليل النفسي الرائدة بسبب كونها “لا تتناول التحليل النفسي” مثل مقال “الجنسية الغيرية كتكوين وسطي“، أو من قبل دوريات نسوية رائدة مثل مقال “أسئلة السبعينات لنساء الثلاثينات“، بدعوى أن تلك المقالات تهتم أكثر من اللازم بالعلاقة ما بين الباحث/ة والمبحوث/ة وأقل من اللازم بالزواج ومعدلات الولادة لدى المبحوثات/المبحوثين. وحتى حين طرحت فكرة أن الشخصية الأنثوية تتأسس على العلاقة والارتباط وأن النساء يشكلن ذواتهن في إطار علاقة، لم أكن أدعو لنظرية “الذات في العلاقة” (1991.Jordan et al). ورغم كوني على الأرجح أول محللة نفسية أمريكية تضع نظرية علاقات الموضوع (object relations) البريطانية في المركز من أطروحاتها. فمنذ عام ١٩٧٤ أشير إلى أليس بالينت (Alice Balint ) وجانتريب Guntrip))؛ وفي إعادة إنتاج الأمومة (١٩٧٨) أضيف اليهما مايكل بالينتMichael Balint) ) ووينيكوت Winnicot))، إلا أنني لا أعتبر نفسي محللة نفسية علائقية.
بعد مقال “الكينونة والفعل” (۱۹۷۲) أصبحت أهتم بعلاقات الأم بالابنة وممارسة الأمومة من قبل النساء. وقد كنت قد شاركت في مجموعة نقاشية تناقش علاقات الأم بالابنة واستعنت بكل ما تمكنت من الحصول عليه من أدبيات التحليل النفسي التي تتناول علم نفس النساء. لقد قرأت النظريات الكلاسيكية التي ظهرت في العشرينات والثلاثينات لكل من لامبل دي جورت وفرويد ودويتش وريفيير وهورني وكلاين والتي كانت في ذلك الوقت تنشر بالأساس في مقتطفات أدبية مختارة غير معروفة (لقد كان فليجل (Fliegel 1973) هو أول من أشار إلى قمع تلك الأعمال الأولى وعقود من عدم الانتباه إلى الأنوثة). كما قرأت لأصوات الخمسينات والستينات المعزولة لكل من شاسیجویه سميرجل وآخرون (1964, 1976 Chasseguet-Smirgel)، وكستنبرج Kestenberg, eg., 1956a, 1956b, 1968))، وستولر (Stoller, eg., 1965, 1968, 1976)، وكذلك أعمال ماري جين شيرفي (Mary Jane Sherfey ) الغريبة والمثيرة للجدل التي كتبت على صفحات مجلة الجمعية الأمريكية للتحليل النفسي تقترح وجود انتشاء بظري–مهبلي موحد. كذلك استعنت بمعهد بوسطن للتحليل النفسي، الذي قدم نموذجًا أتمنى أن تحذو المعاهد الأخرى حذوه، حين عقد دورة مجانية استمرت لمدة عامين تناولت المفاهيم الإكلينيكية في التحليل النفسي للطلاب المتخرجين محليًا، ثم خصص لي ملكاح نوتمانMalkah Notman) ) للإشراف على أطروحتي.6 ومرة أخرى دفعني هاجس البحث من داخلي وكذلك السياق الفكري والسياسي من خارجي إلى نشر مقال “بنية الأسرة والشخصية الأنثوية” (١٩٧٤) ثم أنهيت أطروحتي، التي أصبحت في عام ١٩٧٤ بعنوان “إعادة إنتاج الأمومة“.7
في سن الثلاثين، كنت ابنة وإن لم أصبح بعد أمًا، متخصصة في علم الاجتماع النفس تحليلي، عشقها الفكري الأول متمثل في الأنثروبولوجيا النفسية، لكنني لم أكن قد أصبحت محللة نفسية بعد. وكنت أثناء فترة الكتابة متأثرة بالنقد والرفض النسوي الحاد للتحليل النفسي الذي ورد في كتابات بوفوار (Beauvoir) وفريدان (Freidan) ومیلیت (Millett) وأخريات. ثم بدأت الاستثناءات مع كتاب ميتشل (Mitchell) منزلة المرأة (1971 Mitchell) الذي ينتهي بفصل عن التحليل النفسي وينبئ بقرارها التدريب كمحللة نفسية.8 في عام 1973 ظهرت مختارات میلر (Miller) من الكتابات الكلاسيكية بعنوان التحليل النفسي والنساء ثم مجموعة ستراوس (Strouse) بعنوان النساء والتحليل في عام 1974؛ ثم التحليل النفسي والنسوية لميتشل في عام ١٩٧٤، ثم رائعة روبين (Rubin) الكلاسيكية الاتجار في النساء في عام 1975، ثم حورية الماء والوحش الرائعة لدينرستاین (Dinnerstein) ونحو علم نفس جديد للنساء لميلر، وكلاهما صدر في عام 1976. (في ذلك الوقت تقريبًا التقيت أيضًا بجيسيكا بنجامين (Jessica Benjamin) التي كانت مثلي منظرة في علم الاجتماع وذات اهتمامات بالتحليل النفسي وإن لم تكن بعد قد أصبحت محللة نفسية).
إنني أعرض تلك المرحلة لأنها تبدو مهمة حين نتأمل تطور تناول التحليل النفسي للنساء ولنستدعي ما تصفه فليجل “بالفترة الساكنة” (1986, 17 Fliegel) للفكر حول النساء التي تناولها التحليل النفسي النسوي، ومن ثم، وكرد فعل لذلك، التحليل النفسي (ممثلاً على سبيل المثال في ملحق مجلة الجمعية الأمريكية للتحليل النفسي ١٩٧٦). لو أننا تناولنا تلك التغيرات من منظور علم اجتماع المعرفة فسوف نجد أنها لم تصدر ببساطة من داخل التحليل النفسي عن طريق محاجاة الفرضيات والمسار العلمي “الطبيعي“. بل إن التنظير والنقد الذي جاء بالأساس من الخارج تم استيعابه ببطء (وببرود جليدي؟) من الداخل، الأمر الذي أدى إلى نقلات عظيمة (تحولات بنيوية؟) في فهم الجندر والجنسانية وإلى تغيرات في موقف التحليل النفسي من الأمهات. وبشكل غير مباشر فإن مشروع التحليل النفسي النسوي قد أدى إلى مزيد من التقبل لنظريات العلائقية بين الجمهور الأمريكي – سواء كانت مدارس سالیفانSullivan) ) وهورنيHorney) ) التي انتشرت محليًا أو مدارس الفكر البريطاني حول العلاقات بالموضوع. وبالإضافة إلى ذلك، فقد ساهمت النسوية كقوة اجتماعية وسياسية في جذب أعداد متزايدة من النساء نحو المهنة وبدأت معاهد التحليل النفسي في قبول مزيد من النساء المتقدمات إليها، بحيث أصبح للنساء الآن وجود قوي في جمعيات التحليل النفسي الأمريكية (أو فلنقل إن بحثي في تاريخ النساء في مجال التحليل النفسي (Chodorow 1991) يوثق وجود انخفاض في نسبة المحللات النفسيات في الولايات المتحدة خلال الخمسينات وحتى السبعينات، على العكس مما حدث في إنجلترا والقارة الأوروبية).
وكما هو معروف، فإن كتاب إعادة إنتاج الأمومة (Chodorow 1978) أعاد النظر جذريًا في سيكولوجيا النساء، وذلك على أكثر من مستوى. إنني أبدأ من ملاحظة بأنه ليس كافيًا أن نختصر سيكولوجيا النساء في الجنسانية الأنثوية، كما فعلت نظريات التحليل النفسي السابقة للنساء. وتساءلت، بعد كل التقدم النظري الذي تلا نظرية فرويد (Freud 1905b) المتمركزة حول الطاقة الجنسية (الليبيدو) والتي عبر عنها في “ثلاث مقالات حول نظرية الجنسانية” وهي النظرية الأساسية التي أدت إلى التركيز على الأداء النفسي للأنا في الصراع النفسي والدفاع النفسي وتكوين الوسطية النفسية؛ وبعد نظريات العلاقات بالموضوع البريطانية ونظريات كلاين؛ وفهمنا المتطور وانتباهنا المتزايد لمرحلة الطفولة المبكرة والعلاقة السابقة على المرحلة الأوديبية بين الأم والطفل، سواء كان ذلك بتأثير من ماهلر أو وينيكوت أو كلاين، كيف أمكن للمحللين النفسيين حين يكتبون عن موضوع النساء أن يكتبوا وكأن أيًا من ذلك الارتقاء الفكري لم يحدث؟ حين أنظر إلى الوراء أعتقد أنه يمكنني القول إنني كنت أستجيب لدفاع فرويد عن نفسه في عام ١٩٣٣. فحين يشير إلى أن عرضه “غير مكتمل ومفكك ولا يبدو في جميع الأحوال وديًا” فإنه يذكرنا “بألا ننسى أنني كنت فقط أصف النساء في حدود ما تتحدد طبيعتهن من خلال وظيفتهن الجنسية” (1933, 135 Freud). والعديد من معاصري فرويد والمحللين النفسيين الذين جاءوا فيما بعد نزعوا إلى السير على نهجه، أو في كثير من الأحيان إلى تبني امتدادات وتحديات راديكالية لنظريته مستخدمين في ذلك مصطلحات تبدو منسجمة معها، مثل لامبل دي جروت. (أما الأساليب التي اختارت أوائل المحللات النفسيات استخدامها في الإفصاح عن أو حجب إبداعاتهن واختلافاتهن عن فرويد، فإن ذلك موضوع مقال آخر.) لكن، وباعتباري واحدة من هؤلاء النساء اللاتي ادعى فرويد أنه يصفهن، واللاتي تحررن من الولاء الشخصي له، فإني لم أرغب في نسيان تلك المحددات التي صيغت كخلاصة الكلام لطبيعة النساء. لقد كنت قد اكتشفت بوجه خاص نظرية العلاقات بالموضوع البريطانية وسعيت إلى إعادة تفسير الارتقاء الأنثوي والذكوري من خلال عدسة العالم الداخلي اللاشعوري وتكوين الذات أكثر مما من عدسة “الوظيفة الجنسية” المحددة تلقائيًا بطبيعة الجسد الأنثوي، حيث كتبت في عام 1978:
فيما يلي أعيد تفسير نظرية التحليل النفسي التقليدية بشأن الارتقاء الأنثوي (والذكوري) ودراسات حالات التحليل النفسي الإكلينيكية فيما يخص الأنا وتعاظم القدرة على عمل العلاقات والقدرات النفسية. الرواية التي أرويها ليست في أغلبها جلية في ذلك السرد، لكن يمكن استنتاجها منه. إنني أطبق نظرية العلاقات مع الموضوع ونظرية الأنا الذاتي على فهمنا للارتقاء الذكوري والأنثوي…. إن إعادة صياغة نظرية العلاقات بالموضوع لم تصل إلى مرحلة تناول مسألة الجندر. فأصحاب نظرية العلاقات مع الموضوع (مثل أتباع مدرسة الأنا) بالكاد بدأوا في تناول الأسئلة الخاصة بالفروق بين ارتقاء الأنا في الذكور والإناث، وفروق الجندر في خبرات العلاقات مع الموضوع وتأثيرها على البنية المتباينة للبنية الذهنية والحياة النفسية. والمحللون النفسيون مستمرون في افتراضهم بوجود أساس بيولوجي وغريزي للتقسيم الجنسي للأدوار، وللشخصية المرتبطة بالجندر والغيرية الجنسية. واستمرت الكتابات التي تتناول الجندر في التأكيد على الموضوعات الأوديبية والشبقية والتوجه الجنسي، واستمرت في النظر إلى النساء على أنهن ملحقات لطاقتهن الجنسية، واستمرت في التأكيد على الجنسانية الأنثوية والحسد القضيبي والمازوخية والتناسلية والبرود الجنسي أكثر منها على العلاقات مع الموضوع وارتقاء الأنا. إن بحثي هذا هو خطوة في اتجاه الابتعاد عن ذلك الميل. (1978, 53-54 Chodorow)
كان الطرح الأساسي في إعادة إنتاج الأمومة هو أن التحليل النفسي لم ينتبه نظريًا إلى معنى كون النساء هن أول المقدمات الرعاية، وأثر ذلك على التكوين النفسي للجندر. كذلك فإن تأثير الأمهات، كنساء، على ارتقاء الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة، اعتبر أمرًا محسومًا: “النساء يقمن بدور الأم” (Chodorow 1978, 3) كانت هي الكلمات التي بدأ بها الكتاب. وفيه أقدم عددًا من الحجج المرتبطة فيما بينها. بداية، اقترحت أننا لا يمكن أن نتحدث فقط عن علاقة عامة ما بين الأم والطفل، لأن علاقة الأم بابنتها تختلف من البداية عن علاقة الأم بابنها. وكما قلت أخيرًا:
الأمهات، بحكم الجندر (وبغض النظر عن خيالهن الفردي الواعي أو اللاشعوري والغطاء العاطفي الذي يضفينه على ذلك الجندر) يتلقين البنات على أنهن، بشكل ما، مثلهن، ويتلقين الأبناء على أنهم، بشكل ما، غيرهن. وفي المقابل، فان البنات والأولاد بدورهم يتعاملون ويحولون تلك الرسائل الأمومية اللاشعورية، من خلال قدراتهم النفسية الخاصة على التخيل، واستجاباتهم الدفاعية الخاصة ضد القلق والشعور بالذنب، ومن خلال رغباتهم وشغفهم ودوافعهم. (Chodorow 1999b, viii)
بالتالي فإن الابنة والابن يبدآن منذ الطفولة المبكرة في تكوين شعور مختلف بالذات في علاقته بالآخر، بمعنى “أنا” أساسية تستجيب لوعي الأم اللاشعوري والشعوري، المتأثر بالجندر وكذلك خيالها عن طفلها. إنني أطرح أن أشكال الوعي المختلفة هذه تتبلور طوال مرحلة الارتقاء وتخلق نوعًا من التواصل –نوعًا يسمح بالتعاطف والحدس والقدرة على رؤية وجهة نظر الآخر– الذي يميز النساء أكثر مما يميز الرجال، والذي يصبح هو الأساس للقدرة على ممارسة الأمومة. وقد جاء هذا الطرح في سياق لم يشهد اعترافًا من قبل المحللين النفسيين بفروق الجندر في العلاقة ما بين الأم والطفل في المرحلة ما قبل الأوديبية (رغم الاعتراف بمرحلة تناسلية عند سن العامين)، ولكي أدعم حجتي قمت باستنزاف الأدبيات الإكلينيكية القليلة التي تضمنت فروقًا دقيقة في تصويرها لحالات فردية من الأمهات وأطفالهن.
كان التدليل على الحاجة إلى ضرورة إعادة النظر في الارتقاء عبر المرحلة الأوديبية والمراحل التالية لها أمرًا أكثر يسرًا، حيث أن تلك هي المرحلة الخاصة بالجندر من وجهة نظر المحللين النفسيين. لقد استندت هنا إلى الكتابات الكلاسيكية لكل من لامبل دي جروت وفرويد ودويتش وآخرين، لكي أطور الادعاء القائل بأن عقدة أوديب الكاملة لدى الفتيات تستمر لفترات أطول، كما أنها أكثر اكتمالاً من حيث الثنائية الجنسية عنها بين الأولاد، مؤكدة بأن السبب وراء ذلك هو أن موضوع حبها الأول كان امرأة. من هنا فقد تبنيت وجهة النظر بأن برسيفونه (Persephone)، وليس اليكترا Elektra))، هي الأفضل كنموذج أسطوري (انظر/ي .(Chodorow 1944, Kulish & Holtzman 1988 وفي مقدمة مجموعة من المقالات بعنوان “ترتيلة ديميتر” التي تضمنت إعادة صياغة لإحدى مقالاتي الأولى، تعود هيلينا فولاي إلى نظريتي كأساس لتفسيرها التحليلي النفسي هي شخصيًا لديميتر– برسيفونه. إعادة التفسير تلك هي مصدر ما طرحته بأن المثلث الأوديبي الأنثوي يزيد من تغذية الأمومة لدى الفتاة، حيث جنسانيتها الغيرية ثلاثية بمعنى الأم–الأب–الابنة (الطفل) أكثر منها ثنائية، الأمر الذي هو أكثر تمييزًا للرجال. واتساقًا مع هدفي النسوي في الحفاظ على التحليل النفسي والتخلص من التحيز الجنسي، تناولت بالتفصيل عديدًا من الروايات التي وجدتها ضمن الأدبيات والتي قدمت تفسيرًا ديناميكيًا أفضل من ذلك الذي قدمه فرويد في تفسير الحسد القضيبي، أي ملاحظة شاسيجيه– سميرجل أن الفتاة تريد قضيبًا لتكتسب الاستقلالية عن أمها المسيطرة، واستنتاج لامبل دي جروت وطرح روبين بأن الفتاة (السحاقية ضمنيًا) ترغب في قضيب لترضي أمها ذات الجنسية الغيرية، وطرح هورني أن الرغبة غير الشريرة للفتاة في أن تتبول مثل الفتى تستبدل بالرغبة في الحصول على قضيب كموضوع للرغبة الجنسية (الغيرية)، وطرح كلاين وجونز أن الرغبة في القضيب هي دفاع ضد الخوف من فقدان الأعضاء الأنثوية والجنسانية الأنثوية كعقاب على رغبات جنسية أوديبية (غيرية). منذ عدد من السنوات طلب مني أن أكتب مقدمة الطبعة الثانية مما منحني الفرصة أن أبلور حجج ومساهمات الكتاب. إن كتابي يقدم قراءة بأثر رجعي لفترة تقارب خمسة وعشرين عامًا، وينبع من فهم للحياة النفسية بلورته من خلال خبرتي الإكلينيكية، لكنه يصور بشكل دقيق نسبيًا الحجج المحورية في ذلك الكتاب:
عنوان الكتاب يقول كل شيء: إنه كتاب عن إعادة إنتاج الأمومة. ليس بالمعنى الحرفي وإنما من حيث موقعه النفسي داخليًا وفي العلاقة مع الآخرين. إن المساهمة الأهم لهذا الكتاب، في اعتقادي، تكمن في رؤيته لجوانب هامة من الارتقاء الأنثوي وديناميات النفس الأنثوية. إنني أبحث بوجه خاص في العلاقة بين الأم والابنة وكيف أن النساء يخلقن ويعدن خلق تلك العلاقة داخليًا. إنها عملية دورية أدخل اليها منذ لحظة ميلاد الابنة، ومع ذلك فإن طبيعة ارتقاء الأم تكون في هذه اللحظة المبكرة قد حددت ذلك الميلاد وما يليه من ارتقاء وتضفي عليه سماته المميزة. هذا السرد الذي يتناول علاقة الأم بالابنة ومكانها في النفسية الانثوية يحمل بدرجة أو أخرى، وضمنيًا أحيانًا وفي أحيان أخرى بكثير من التفصيل، عددًا من المقارنات: النساء في مقارنة مع الرجال (الذات والنفسية الأنثوية مقارنة بالنفسية الذكورية، الأنوثة والذكورة، الأمهات والآباء)، وبشكل أكثر تحديدًا علاقة الأم بالابنة مقارنة بعلاقة الأب بالابنة وعلاقة الأم بالابن.
بالتحديد في إعادة إنتاج الأمومة، وفي المقال الذي مهد له بعنوان “بنية الأسرة والشخصية الأنثوية“، أطرح أن النساء يستشعرن ذواتهن في علاقتها بآخرين على العكس من الرجال الذين يخلقون ذواتًا تتمنى إنكار أي علاقة أو ارتباط. كذلك أطرح، بشكل عام، أن للأم أهمية شديدة في بناء نفسية الابنة وشعورها بذاتها بحيث يمكن فهم هذه الخبرات النفسية للنساء وتلك الخاصة بالعلاقات بين الأشخاص من خلال هذا النسب الداخلي بين الأم والابنة. في بؤرة النتائج الواعية لتلك العمليات نجد تلك القدرة التي تشعر بها النساء بشكل حدسي أنهن مرتبطات بالآخرين وقدرتهن على التعاطف وشعورهن بالانتماء أو الاعتماد على العلاقات. هذا من ناحية. من ناحية أخرى وعلى العكس من ذلك نجد تأكيد الرجال المذعور على استقلالهم وقلقهم من الحميمية إذا كانت مؤشرًا للاعتمادية. نتيجة أخرى توصلت إليها تتعلق بشعور الكثير من النساء بذواتهن الأمومية وكذلك الطرق التي يستشعر بها الرجال ذواتهم كآباء، والتي يختلفون بها تمامًا عن النساء. كذلك فإنني أطرح أنه من أجل تفسير الاهتمام المفرط والموثق جيدًا لبعض الرجال بمسألة الذكورة والخوف من ألا يكونوا ذكوريين على عكس قلة اهتمام النساء بالأنوثة الأساسية، والأساليب واسعة الانتشار، والتي تكاد تكون عالمية، والتي يعبر بها هذا الانشغال بالذكورة عن نفسه، وتأثر شكل التعبير بالعوامل الثقافية والسياسية. كما أنني أناقش أيضًا حاجتنا إلى التأمل في الأشكال المختلفة لانعكاس عقدة أوديب الذكورية والأنثوية على تشكيلات العلاقة مع الموضوع، ليس فقط من حيث تشكلها بالسمات التقليدية لهوية الجندر والتوجه الجنسي، وإنما أيضًا، وبشكل أساسي، من خلال تداخل العلاقة مع الأم مع رغبات النساء في أن يصبحن أمهات وطبيعة توحدهن وخبراتهن مع مشاعر الأمومة. إن الكثيرات من النساء قد يشعرن بما يشبه الدافع أو الرغبة البيولوجية في أن يصبحن أمهات. لكن هذا العنصر البيولوجي ذاته يتشكل من خلال خيال ومشاعر لا شعورية، تنعكس على إدراكهن للحمل أو الأمومة من خلال علاقة الابنة الداخلية بأمها. إنني هنا أنظر للذاتية الأمومية، بمعنى خبرات الأمهات اللاشعورية والواعية بكونهن أمهات، وبارتباطهن بالطفل/ة أو بالأطفال.(Chodorow 1999b, vii-ix)
في ذلك الوقت، بعدما ساوى فرويد بين القضيب وبين الطفل، فكانت أدبيات التحليل النفسي خالية من أي تفسير لقدرات الأمومة ورغباتها، وباستثناء طرح كستنبرجKestenberg) ) بأن المرحلة التناسلية الداخلية الأولى تقدم من حيث الدوافع للحمل والأمومة، تناول كتاب إعادة إنتاج الأمومة كلا من هاتين الإشكاليتين: كيف تشكّل هذا الميل إلى الأمومة؟ ولماذا ترغب النساء في أن يصبحن أمهات؟9 كذلك، في الوقت الذي كان ينظر فيه إلى الأمهات والنشاط الأمومي حصريًا من منظور الطفل باعتبار الأم هي المحيط الحاضن والوعاء والغاوية أو اللاغاوية، بدلاً من تناولها كخبرات وأنشطة في حد ذاتها، جاء هذا الكتاب ليتناول الذاتية الأمومية، بمعنى الأم كذات.
لقد تجاوز تأثير إعادة إنتاج الأمومة فهم خصوصيات علم نفس النساء. إن كتاباتي المحيطة والمتضمنة لهذا الكتاب تتوقع وتقدم جزءًا من الأعمال التأسيسية ليس فقط للنقد النسوي لمدارس علم النفس التي تفضل الانفصال والاستقلالية عن العلائقية، مثل نظرية الذات في علاقة ونظريات صوت النساء وأخلاقيات النساء، وإنما أيضًا لتطوير التحليل النفسي الارتباطي (Mitchell and Aron 1999). في عام 1974 ادعيت أن “صلابة الأنا” لا تعتمد كلية على صرامة حدود الأنا” (1974, 61 Chodorow)، وفي عام 1979 طرحت أن “الانفصالية تتحدد في سياق الارتباط؛ وأن التمايز يحدث في إطار علاقة” (Chodorow 1979, 102). وقد طرحت الآتي:
إن الطفل يتعلم أن يدرك خصوصيات الأم أو القائم الأساسي على رعايته على خلفية من باقي العالم… إن الانفصالية أو التمايز الملائم لا يتضمن فقط إدراكًا لانفصال أو مغايرة الآخر، وإنما أيضًا إدراك الشخص لذاتيته وخصوصيته كشخص…. بالتالي فإن طريقة فهمنا للتمايز– فقط من منظور الطفل كذات أو من منظور ذواتين متفاعلتين– تؤثر على إدراكنا لماهية الذات الناضجة. (Chodorow 1979, 102-104)
ومن هنا أنتهي إلى أن “التمايز ليس تميزًا أو انفصالاً وإنما أسلوبًا خاصًا للتواصل بالآخرين” ( Chodorow 1979, 107).
ورغم ما كان للكتاب من تأثير عظيم، إلا أنه ولد أيضًا الكثير من النقد، خاصة بين النسويات. بعض القراء لم يرتاحوا إلى تناولي لسيكولوجية النساء، وشعروا بأنني أضفت الكثير من الرومانسية إلى النتائج التي وصفتها. يبدو أن هؤلاء القراء لم ينتبهوا إلى الاهتمام الذي أوليته إلى الصعوبات التي تواجهها النساء في عملية الانفصال والتمايز، كما لم ينتبهوا إلى توثيقي للصعوبات التي تتخذ أشكالاً مختلفة بالنسبة لكل من الجنسين فيما يخص درجة الاقتراب من الأم – فبالنسبة للفتيات هناك الخوف من الإفراط في التوحد وفقدان الشعور المنفصل بالذات، وبالنسبة للفتيان هناك الخوف من الاحتواء وفقدان الذكورة. رغم أنه لا يمكن بسهولة فهم طرحي لعملية التكوين المتمايز لعقدة أوديب بدون استخدام مصطلحات التحليل النفسي (حيث يجب معرفة كيفية تصور نظرية علاقات الموضوع الواقع النفسي لعالم الموضوع الداخلي واللاشعوري، أكثر من فهمك للفكرة الحدسية الأوضح التي تقول بأن النساء علائقيات بطبيعتين)، إلا أن تلك القراءات مالت إلى عدم الاعتراف بأن إعادة إنتاج الأمومة يتناول كذلك النتائج الأوديبية: المثلث ثنائي الجنسية المستبطن، وعقدة أوديب الأنثوية غير المحسومة وغير “المحطمة إلى جزيئات صغيرة“، وعدم التجانس الأوديبي وعقد الجنسية الغيرية في العلاقات بين البالغين، وميل الأم إلى الإفراط في إضفاء الطابع الأوديبي على علاقتها بابنها عنها مع ابنتها. كذلك فإنني أصف الصعوبات التي تواجهها الأمهات في الانفصال عن والاعتراف بذات الطفل، وكذلك الانفصام الإيديولوجي والنفسي في الموقف من الأمهات والآباء الذي يترتب على الأمومة:
النظريات (التحليلية) تعيد إنتاج تلك التوقعات الطفولية من الأم التي تقدم لها وصفًا جيدًا… فهي تطرح أن الأمهات يصبحن رموزًا للاعتمادية والنكوص والسلبية وعدم التأقلم مع الواقع. ومن ثم يصبح الابتعاد عن الأم (والأب) ممثلاً للاستقلالية والفردية، للتقدم والنشاط والمشاركة في العالم الحقيقي…. الفتيات والقنيان يتوقعون ويتقمصون قدرات النساء الاستثنائية على التضحية والرعاية والأمومة ويربطون ما بين النساء وبين مخاوفهم الخاصة من النكوص وانعدام الحيلة. إنهم يمعنون في الخيال بشأن الرجال ويربطون بينهم وبين القيم المثالية والنمو (ص۸۲–۸۲).
ان إعادة إنتاج الأمومة قد خطا خطوات جديدة، ليس فقط نحو مزيد من فهم علم نفس الإناث (والذكور) وإنما أيضًا في طرح أساس نظري جديد لذلك الفهم. في نفس الوقت، ومثل بعض المنظرين الكلاسيكيين، فإنني أسعى بمنتهى الجدية إلى البقاء داخل الإطار المسموح به وأن أبني طرحي على كتابات نفستحليلية سابقة، دون أن أرفض أيًا من أطروحات فرويد، إلا بحرص شديد وبكثير من الشرح والتفصيل، حتى فيما يتعلق بطرحه للحسد القضيبي أو ضعف الأنا الأعلى لدى الإناث. أن ذلك يعطي الكتاب بعضًا من قوته: فالنظرية معقدة ومتعددة الأوجه لكنها لا تحمل غضبًا نسويًا جزافيًا، والذي أعتقد أنه عادة ما ينتقص من حرية القراء في التفكير. قد تكون النظرية متطرفة، لكن الكاتبة لم تكن كذلك. وكما أوردت في مقدمة طبعة عام ١٩٩٩، فإنني لا أعدو كوني غير متسامحة مع التفسير البيولوجي للأمومة. وحيث أنني لم أكن بعد قد أصبحت أمًا، وبسبب حماسي لنسوية السبعينات، فإنني لا أترك مجالاً بالمرة للتأثير المحتمل للطاقة الجنسية (الليبيدو) أو الشبق أو النشوة والرغبة الجسدية للأم أو للحاجة إلى التمثيل والخيال النفسي المرتبط بالنزف أو الثدي أو النشوة أو الحمل أو الرضاعة (قد لا يفاجأ المحلل النفسي بأنني كنت منذ البداية مفرطة في موقفي من نظريات الجسد أكثر من أي موضوع آخر يتناول الحياة النفسية). كذلك، فإن النداء من أجل التشاركية الوالدية في نهاية الكتاب يعتبر بمثابة اعتراف سريع للارتقاءات النفسية ذاتها التي يتناولها الكتاب والتي تتضمن الشغف الأمومي والرغبات وقدرات النساء. كما سبق وأن ذكرت (chodorow 2003c) فإن ذلك النداء سوف يستمر في ملاحقتي من خلال المرضى والطالبات والزميلات الشابات اللاتي أعلنّ أنهن لن ينجبن أطفالاً إلا إذا وافق أزواجهن على المشاركة في رعاية الطفل، وهو ما أعتبره واحدًا من أشكال الدفاع النسوي والثقافي في مواجهة التركيز على الصراعات النفسية الداخلية والتذبذب الداخلي بشأن الأمومة.
إذا كنت أصف أعمالي الأولى وتطورها بكثير من التفصيل فإن ذلك لأن تلك الأعمال مكنتني من التأثير في التحليل النفسي. لا شك أنني لازلت أساهم في ذلك التأثير، كما سوف أصف في الفقرات التالية، لكن مجالنا يتميز بقترة حضانة طويلة ويميل إلى تقدير أول أبناءه: لا أحد ينكر دلالة وأهمية نظرية فرويد حول الدافع المزدوج، أو نظرية البنية أو نظرية القلق الجديدة، لكننا نحتفظ بحب واعتراف خاص بالجميل للأفكار الأساسية الخاصة باللاوعي الديناميكي والجنسانية والأحلام وعقدة أوديب. مع ذلك، فقد نشرت إعادة إنتاج الأمومة في عام 1978 وما زال عملي مستمرًا، والنتيجة الأساسية لتفكيري في ذلك الكتاب كانت هي التطور المهني أكثر منها مزيدًا من الكتابة. لقد تصورت في ذلك الوقت، وكنت محقة في تصوري، أنني قد وصلت إلى أقصى مداي في مجال التفكير النفسي التحليلي، خاصة من الناحية الإكلينيكية والتجريبية فيما يخص التفكير المنطقي بشأن تحليل النفس من الداخل وليس مجرد ملامح النظرية من الخارج، وذلك دون خبرة إكلينيكية ودون تدريب في التحليل النفسي، الذي بدأته في منتصف الثمانينات. بالتالي فان فترة الثمانينات كانت، من حيث التجديد في الكتابة، فترة راحة. وقد كانت تلك نتيجة متوقعة لكوني قد طرحت نظرية جديدة ومعقدة. أضف إلى ذلك استغراقي في عجائب و انفعالات بداية تدريبي في مجال التحليل النفسي، حيث أنه لم تكن لدي أي خلفية إكلينيكية، ناهيك عن أنني كنت في تلك الفترة أعيش سنواتي الأولى كراعية لأطفالي.
مع ذلك، فإن تلك الفترة شهدت مساهمتين تستحقان الذكر. المساهمة الأولى تمثلت في كتاب وهم الأم المثاليةFantasy of the Perfect Morher) ) الذي كتبته بالاشتراك مع سوزان كونتراتو Susan Contratto))، والذي استلهمناه من ملاحظة وحيدة بأن الفكر النسوي يفتقد إلى شيء ما بشأن الأمومة، وأنه يبدو وكأنه يعيد إنتاج كل اللوم والتقديس والانغماس في الارتباط الأول والخوف من الهجران أو الهجوم، وكلها مميزة لفكر التحليل النفسي التقليدي والسائد ثقافيًا. وبالرجوع إلى استنتاجي بشأن الأم باعتبارها شخصًا، والى الخبرة الإكلينيكية الغنية لسوزان كونتراتو ونقدها لتراث لوم الأم الوارد في الأدبيات الارتقائية والإكلينيكية منذ أوائل القرن الثامن عشر (Contratto 1980, 1987) فقد دفعنا بأن موقف الفكر النسوي من الدور الأمومي والناشط الأمومي مثله مثل نمط الفكر النفسي والتحليلي النفسي، من حيث تصويره لتصور واهم في اللاوعي عن الأم المثالية. وأن هذا التصور يعكس ويسقط توقعات طفولية وفهم طفولي على التقييم النفسي والنظريات الثقافية.
إن الفرضية غير المصرح بها في هذا النمط من التفكير هي ببساطة أنه “إذا كان ثمة معاناة نفسية، فإن ذلك لابد وأن يكون بسبب أمي“. وفي كتاب إعادة إنتاج الأمومة اقتبست من أليس بالينتAlice Balent) ) الآتي: “الأم المثالية ليس لديها مصالح خاصة بها… بالنسبة لنا جميعًا يبقى الأمر شديد الوضوح… إن مصالح الأم تتطابق مع مصالح طفلها.. كما أن المقياس العام المعترف به لجودة الأم أو سوئها يكمن تحديدًا في شعور الأم بتطابق تلك المصالح” (ص۹۳، ۹۷).10 إن كونتراتو وأنا ندافع عن نظرة عملية أكثر ثانوية للنشاط الأمومي وعن منظور الأم كفاعل لا مجرد موضوع أو شفرة يجري تقييمها من منظور طفلها. إننا نتناول بشكل خاص الميول المترابطة فيما بينها: إما أن نلوم الأمهات أو أن نبرزهن في صورة مثالية، إما أن ننفي عنهن أي طابع جنسي أو أن نبالغ في إضفاء ذلك الطابع عليهن. كما نوضح أن نهجًا بدائيًا في الفكر والمشاعر– وهو ما قد نسميه اليوم انفصامًا أو غضبًا بارانويديًا أو فصامويًا– يتخلل ما نفترض أنه إدراك محايد أو تجريبي للعلاقة بين الأم والطفل.
المساهمة الثانية (وذات الصلة غير المباشرة بهذا المجلد) تمثلت في قيامي عام ۱۹۸۰ بعمل دراسة استندت إلى مقابلات شخصية مع أولى المحللات النفسيات. قد يكون دافعي الضمني وراء ذلك هو رغبتي في التقدم للتدريب في مجال التحليل النفسي، أو قد يكون بحثًا ضمنيًا عن إعادة الإنتاج المهني للأمومة. وفي إطار ما تفرضه الإقامة في كاليفورنيا من قيود، إضافة إلى تلك المرتبطة بطفلي، وحتمية الموت (حيث أن الكثيرات ممن كنت أرغب في مقابلتهن كن فارقن الحياة، رغم طول العمر غير المعتاد بين المحللين النفسيين)، فقد تمكنت من أن أستمع من هؤلاء النساء إلى تفسير لذلك العدد الكبير من النساء المحللات النفسيات بين الجيلين الثاني والثالث (مقارنة بنسبة النساء في المهن الأخرى) ممن حللهن فرويدFreud) ) وفيرينشي (Ferenczi) وأبراهام (Abraham) وآخرون من الجيل الأول وممن تم تحليلهن بواسطة من قمن بتحليلهم. لقد كنت أتساءل عما هو عليه الحال بالنسبة لهؤلاء النساء، وخاصة عن كيفية فهمهن واستبطانهن لنظريات فرويد عن الأنوثة، والتي كانت بمثابة تحدٍّ وإهانة لنساء جيلي.
ومثلما كان الحال في أعمالي النظرية، يبدو أنني حتى في ذلك المشروع التاريخي والاجتماعي قد بلورت إشكالية جديدة بشأن أمور كانت حتى تلك اللحظة غير لافتة للانتباه أو محسومة. حين بدأت البحث في عام 1980 كان هناك عمل واحد تفصيلي باللغة الإنجليزية عن امرأة تعمل بالتحليل النفسي (Carotenuto 1973). كذلك كان کتاب روازان (Roazan 1971) فرويد وأتباعه يتضمن جزءًا بعنوان “النساء” يضم فصولاً عن برونزويكBrunswinck) ) وأنّا فرويد (Anna Freud) و(دويتش Deutsch) وکلاين (Klein). كذلك فإن كتاب رواد التحليل النفسي(Alexander 1966) ضم أيضًا عددًا من الفصول تناولت شخصيات نسائية. وقد كانت روازان هي الوحيدة التي علقت على ذلك الوجود النسائي. فخلال عشرة سنوات صدرت أكثر من خمس وعشرين سيرة حياتية وسيرة ذاتية عن أوائل المحللات النفسيات، إضافة إلى عديد من الدراسات التي تناولت النساء كوجود جماعي في فترة ما بعد فرويد. اليوم أصبحنا نجد حتى أعمالاً مسرحية وأفلامًا تتناول هؤلاء النساء. في مثل هذا السياق فإن مقابلاتي الثمانين التي كان أكثر من نصفها مع نساء من الجيلين الثاني والثالث، على حين كانت باقي المقابلات مع آخرين عرفوهن (كمتدربين أو أبناء أو بنات أصبحوا هم ذاتهم محللين وزملاء فيما بعد)، إضافة إلى محاولاتی جمع معلومات كمية مقارنة عن النساء في هذا المجال، كلها لم تحمل وعودًا بمزيد من المعلومات العميقة. الأرجح أن القيمة الأساسية لتلك الدراسة كانت تكمن في دفعي بسرعة نسبية إلى التدريب في مجال التحليل النفسي. لم أكن راغبة في دراسة هؤلاء النساء، بل أردت أن أكونهن… أن أصبح مثلهن. وبالتالي فقد نشرت ثلاث مقالات فقط عن أولى المحللات النفسيات (Chodorow 1986, 1989, 1991) كما تم ترجمة مقالة واحدة حول نفس الموضوع إلى الألمانية واثنتين إلى الفرنسية.
ومع ذلك، فإن عملية تجميع تلك المعلومات كانت في حد ذاتها تصلح رواية عن النساء والتحليل النفسي. لقد بدأت بحثي بعد فترة وجيزة من أزمة ماسون وأرشيف فرويد وأيسلر ومالكولم؛ كذلك فإن الكثيرين من الأجيال الأولى شعروا بأنهم لم يستخدموا بشكل جيد من قبل روازان. لقد كانت الكثيرات من المحللات النفسيات مترددات بشأن المقابلات (وهو أمر مفهوم) وكن في حاجة إلى الإقناع، وإلى خطابات التقديم والتوصية (وقد كان الدعم الذي حصلت عليه من روبرت واليرستاین Robert Wallerstein في هذا الشأن شديد الأهمية والقيمة)، وإلى نسخ من كتابي، الخ. على المستوى المؤسسي كنت ما أزال أعمل في إطار قيود العلوم الاجتماعية، حيث تحتاج إلى توثيق ادعاءات من قبيل أن هناك عددًا “كبيرًا” من النساء بين المحللين النفسيين. لكن المؤسسات، إضافة إلى المنظمات الوطنية مثل الجمعية الأمريكية للتحليل النفسي والجمعية البريطانية، كانت مترددة، بل وبدت متشككة حين تعلق الأمر بإطلاعي على معلومات تخص على سبيل المثال قوائم أسماء المحللين تحت التدريب خلال فترة بعينها، كما لو كانوا مرتبكين بشأن حدود وضرورات السرّيّة أو بشأن موقع السرية المرتبطة بالتحليل النفسي (والأرجح أن بعضها لم يكن يحتفظ بتلك المعلومات بشكل منهجي). كذلك، ورغم حدسي بوجود قوي للنساء، فإنني في سبيل دعم حجتي كان لابد وأن أثبت، على سبيل المثال، أن الـ30% من النساء الممارسات هي نسبة عالية في فيينا أو برلين في ثلاثينات القرن الماضي مقارنة بالمهن الأخرى كالمحاميات أو الأكاديميات أو الطبيبات على سبيل المثال. أما النساء اللاتي التقيتهن، فقد شعرن بأن نسبة الـ٢٠ أو ٣٠%، الذي يبدو عاليًا مقارنة بالمهن المعاصرة، ليس نسبة “بهذه الضخامة” على حد تعبير إحداهن. كذلك فإن الحصول على تلك المعلومات بالنسبة لكل موقع يمارس في التحليل النفسي هو أمر غير متاح دون الاستعانة بفريق بحث ميداني يعمل بكل طاقته. كما أن عددًا من العناصر من داخل التخصص جعلت من جمع المادة الإحصائية أمرًا يكاد أن يكون مستحيلاً، مثل البنية التنظيمية للمؤسسات المحلية (الذي يعتبره المحللون النفسيون أمرًا طبيعيًا ومفروغًا منه رغم أنه جدير بالدراسة من حيث تأثيره على المهنة)، ناهيك عن الانتقال الجذري لمراكز التحليل النفسي وتدمير الملفات وهجرة المحللين النفسيين أنفسهم التي سبقت الحرب العالمية الثانية.
مع ذلك فقد تمكنت إلى حد ما من أن أثبت أن مهنة التحليل النفسي في أوروبا والولايات المتحدة في العشرينات والثلاثينات والأربعينات كانت فعليًا تضم نسبة مرتفعة وغير معتادة من النساء الممارسات؛ وأن تلك النسبة ظلت مرتفعة في أوروبا، وخاصة في بريطانيا، في فترة الخمسينات إلى السبعينات؛ ولكنها انخفضت في الولايات المتحدة، حيث بدأ المحللون المهاجرون في التقاعد وحيث ساهم شرط التخصص الطبي، الذي تنفرد به الولايات المتحدة، في التمييز الفعلي ضد النساء. وقد تعرفت، مع باحثين آخرين، على الطابع الأسري للتحليل النفسي – على اشتغال الزوجين بالتحليل النفسي ثم الأباء وأبنائهم الذين ما زالوا بيننا والذين يضيفون للتحليل النفسي طابعًا أقرب إلى الحرفة أو الطائفة. كذلك قدمت وصفًا لما أطلقت عليه اسم “القبعات” المتعددة التي يرتديها المحللون النفسيون –ما بين إكلينيكيين ومدرسين ومنظرين وكتاب ومحرضين ومحركين للمؤسسات– وهي الصفات التي، بالإضافة إلى ما يتطلبه التحليل النفسي من قدر من المعرفة (بالأطفال والأسر والمشاعر والنفس) والقدرة على الاستماع والتعاطف والانتباه إلى الآخرين، والتي عادة ما تميز النساء، سمحت للنساء ليس فقط بالمشاركة، وإنما أيضًا باكتساب التقدير والتفوق في المجال. بل لقد اتضح لي أيضًا أنه على العكس من مجالات الطب النفسي أو علم النفس أو أي مجال طبي أو علمي أو أكاديمي آخر، إن التحليل النفسي قد اعترف بذلك الجزء الجانبي من الممارسة الذي سمح للنساء بالمشاركة على قدم المساواة مع الرجال، وذلك لأن التقدير والتقدم في مجال التحليل النفسي ينبعان في الأساس من الكفاءة الإكلينيكية أكثر من عمل الأبحاث أو الكتابة، أي أن التحليل النفسي لم يكن محله في الجامعات، أو الطب أو الخطابات والعلوم.
فيما يخص نظرية الأنوثة والتي كانت محط اهتمامي مثلها مثل البحث عن العوامل التي يسرت المشاركة النسائية، فإن لقاءاتي مع من عقدت معهن المقابلات كانت هي على الأرجح الخطوة الأولى في طريقي نحو إعادة التفكير والتقييم. في مقالي الانعكاسي “أسئلة السبعينات لنساء الثلاثينات: الجندر والجيل في دراسة لأوائل المحلات النفسيات” (Chodorow 1989)، بدأت أدرك لأول مرة أن رؤيتي لجيلي في مجال التحليل النفسي النسوي، وإن كانت تستند جزئيًا إلى تقدم في المعرفة وتطور في النظرية، كانت إلى حد ما أيضًا نتاجًا لموقعنا الخاص بين الأجيال ولافتقادنا الخبرات الحياتية أو الإكلينيكية. المذهل هو أنه، على العكس من محللي جيل الموجة الثانية (فقد كنا نحن نسويات الموجة الثانية أكثر منا محللات الجيل الثاني) اللاتي اعتبرن أن كل ما هو نظري هو بداهة أيضًا شخصي، كانت هناك قلة من نساء الجيلين الثاني والثالث اللاتي بَدَون وكأنهن “يستلهمن من خبراتهن الحياتية الخاصة” مستجيبات في ذلك بوضوح لدعوة فرويد (1933, 135 Freud). القليل من النساء اللاتي التقيتهن ادعين أنهن يمتلكن –على حد تعبير هنريت کلاینHenriette Klein) )- نظريات “سرية” تختلف مع مفهوم الحسد القضيبي، أو تعتقد ببساطة أن ما قاله فرويد هو محض هراء. لقد كانت هؤلاء النساء في النهاية على درجة من القوة سمحت لهن بالانخراط في كلية الطب، وكانت بعضهن مناضلات راديكاليات، سياسيًا وثقافيًا، ما بين الولايات المتحدة وفيينا في فترة العشرينات والثلاثينات، كما ساهمت بعضهن في أعمال مناهضة للنازية في ثلاثينات القرن العشرين. أما فيما يخص الجانب الشخصي والنظري، فالأرجح أن أفضل من تمثل هؤلاء النساء اللاتي التقيتهن هي مارجريت ماهلرMargaret Mahler) ) التي قالت “إنه لم يخطر على بالها” أن تبحث تطبيق نظريات فرويد على حياتها الخاصة.11 مع ذلك فإن تبدل منظور ونمط تفكير الجيل من وجهة نظر امرأة في أوائل القرن العشرين قد أسفر عن نظرة جديدة. فالحسد القضيبي، الذي حوله فرويد إلى قوة دافعة في عشرينات القرن العشرين، ما كان ليخفي اكتشافًا آخر أكثر أهمية بكثير: تقول روث أيسلرRuth Eissler) ): “بالنسبة لفرويد كانت النساء كائنات جنسية، ذات رغبات جنسية!”
إن كلاً من كتاب وهم الأم المثالية (Chodorow & Contratto 1982) و“أسئلة السبعينات لنساء الثلاثينات” ( Chodorow 1989) يتناول إشكالية وجهات النظر المختلفة بشأن الأنوثة التي يمكن أن تتبناها النساء من مختلف الأجيال ومن المدارس التدريبية المختلفة. مقال “الوهم” يقدم فحصًا إكلينيكيًا للمعتقدات الخاطئة السائدة بشأن الأمهات، أما “أسئلة السبعينات” فقد تناول تحليلاً لوجهات النظر المختلفة التي يتبناها الممارسون بشأن موضوع الأنوثة وذلك من خلال رؤيتي كمتخصصة نسوية في علم الاجتماع. وحين تقوم بمقابلات مع أشخاص متباينين فإنك تدرك إنه لا توجد حقيقة واحدة تشمل كافة النساء والجندر، بل أن كل واحدة ممن التقيتهن كانت لها نظرتها المتفردة الخاصة بها والمتأثرة بجيلها وموطنها الأصلي وخلفيتها المهنية وعلاقتها هي ذاتها بأمها وأسرتها وشخصيتها، إن هذا المنظور –منظور الممارس الإكلينيكي الفرد– هو أكثر ما أبرز بل واحتل موقعًا جوهريًا وأساسيًا في كتاباتي وتفكيري أثناء تدربي ممارستي للتحليل النفسي. فذلك الفرد، كما يعلم جميع الإكلينيكيين، عادة ما يكون منغمسًا في خبرات جسدية ونفسية وفي خيال غير واع مشحون وجدانيًا ومنظم (أو غير منظم) بشأن ذاته الداخلية والآخر. بمعنى ما فإن تلك الملاحظات (البديهية أيضًا) قد شكلت أعمالي منذ عام ۱۹۹٠ حين بدأت أثبت أقدامي في منهج “ما وراء الأريكة” (2003 Chodorow).
لقد جمع كتاب أشكال من الأنوثة والذكورة والجنسانية (Chodorow 1994) بين ثلاثة مقالات وتنبأ ببعض الموضوعات التي طورتها في قوة المشاعر Chodorow 1999b)). ومن الواضح أنني استخدم المصطلحات الثلاثة بصيغة الجمع (وهو استخدام على درجة عالية من الندرة، حتى أن كتاباتي هي المصادر الوحيدة ضمن أرشيف المعلومات الإلكترونية الخاصة بالتحليل النفسي التي تستخدم مصطلحي الأنوثة والذكورة في صيغة الجمع). إن ما أطرحه هو أنه بداية من فرويد لا توجد أنوثة أو ذكورة أو جنسانية واحدة، لقد أخطأنا قراءته كما لو كانت تلك الصيغة الواحدة موجودة فعلاً. كذلك فإننا، على نهج فرويد، شكلنا حالة من الطبيعية المنفردة، ذات التعددية الإكلينيكية والنظرية أيضًا. في المقال الأول من كتاب إعادة قراءة فرويد بشأن النساء (Chodorow 1994) نوهت إلى أنه في إمكاننا استنباط روايتين من كتابات فرويد. الرواية التي اعتدنا قراءتها ترسم الدرب الملتوي والمعروف جيدًا نحو الأنوثة المتعارف عليها – الانتقال من الأم إلى الأب كموضوع، ومن اعتبار المهبل مركزًا للشهوة ومن الإيجابية إلى السلبية كنمط. هكذا يريد فرويد للنساء أن يرتقين. وليزيد من التأكيد على وجهة نظره فقد أطلق على ذلك كله اسم الأنوثة. لكن فرويد نفسه قد التقي بالكثيرات من المريضات غيريات ومثليات الجنسية، اللاتي كان يتولى علاجهن، إضافة إلى ابنته ذاتها التي كانت تتصف بأنوثة غير تقليدية، والكثيرات من أوائل المحللات النفسيات، وكذلك مع المهنة التي ابتدعها والتي قام هو وزملاؤه –لعديد من الأسباب– بتشجيع عدد كبير من النساء على ممارستها، ومن بينهن الكثيرات ممن لهن أفكارهن الخاصة حول الأنوثة. وبالتالي فإننا حين نقرأ فرويد سوف نجد العديد من الشخصيات النسائية المتفردة، المذكور وغير المذكور أسماؤهن، اللاتي يصفهن في مجموعة مقالاته دراسات في الهستيريا (Breuer & Freud 1893-1895)، و“قسم من تحليل حالة هستيريا” Freud 1905a))، و“الأخلاقية الجنسية المتحضرة والمرض العصبي المعاصر” (Freud 1908)، و“محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي” (1916-1917 Freud)، و“التكوين النفسي للجنسية المثلية في حالة امرأة” (1920 Freud)، وجميعهن “كيانات جنسية ذات رغبات جنسية” لا يمكن اختصارهن في “امرأة” واحدة. كذلك سوف نجده في كتاباته التالية يميل إلى تصنيف النساء، إكلينيكيًا وإمبيريقيًا، في ثلاثة مسارات للارتقاء بدلاً من مسار واحد، وهو ما أطلقت عليه فيما بعد (Chodorow 1996-1999c) اسم “أنماط” الارتقاء التقليدية، حيث نمط واحد منها فقط هو ذلك المؤدي إلى “الأنوثة“.
لقد تبلورت أفكاري حول الفردية الإكلينيكية في كتابي قوة المشاعر: الدلالة الشخصية في التحليل النفسي والجندر والثقافة” Chodorow 1999b))، وهو كتاب يخاطب كلاً من المحللين النفسيين والأكاديميين، ويستند مرة أخرى إلى ملاحظة بسيطة: بين العديد من النساء وبعض الرجال الذين قمت بعلاجهم كانت النفس الخاصة في كل حالة متفردة وخاصة بالشخص المعني. إن ما يقدمه لنا التحليل النفسي هو تصور عام لأداء النفسية البشرية، تصور عن البيولوجيا النفسية للنفس البشرية مثلما يقدم لنا علم النفس المعرفي تصورًا عامًا عن المعرفة والإدراك، وهلم جرا. إنني اعتقد أن جوهر هذا التصور هو في خلق المعنى الشخصي أو الدلالة الشخصية، وهي الدلالة التي أفضل ما توصف به كونها تتكون من خلال الطرح والخيال والاستنباط والإسقاط. وبالتالي فإن كل “خبرة” سواء كانت مجسدة وبيولوجية، ثقافية واجتماعية أو “بين شخصية” وعائلية هي نتاج عملية خلق إيجابية تنقح من خلال تلك القدرات الوجدانية في اللاوعي المولدة لتلك الدلالات والتصورات الخيالية الداخلية المشحونة بالمشاعر التي تكونها بشأن الجسد والذات.
إنني أعتقد أن التحليل النفسي هو طرح مناهض للحتمية. وبالتالي فإنني في حواري مع التحليل النفسي أدفع بأن نظريات الارتقاء العامة المستندة إلى مضمون الخيال أو الوجدان اللاوعي –مثل التفسيرات العامة التي لدينا عن الجندر على سبيل المثال أو التفسير الحتمي للجسد كما ورد في كتابات فرويد المتأخرة وليست الأولى، أو عن “أوديب“- إنما تعكس تجريدًا في غير محله. إن الجانب المشترك العام في الأمر يتمثل في الاحتياج، الطلب. إن الوزن القوي للخبرة الجسدية، أو الوزن القوي للخبرات الأسرية المبكرة أو الأهمية الكبرى لأن يوصف المرء أو يعامل كأنثى أو ذكر هي التي تضفي على تلك الخبرات تمثيلاً نفسيًا أو خياليًا، ومع ذلك فإن ذلك التمثيل الخاص الذي يضاف إليها سوف يوضع في سياق التكوين والأداء النفسي الكلي للفرد. حين نطلق على أمر ما صفة أنه “أوديبي” أو “أنوثي” أو “فمي” فإن ذلك لأننا اكتشفنا أنماطًا سائدة تميز الأساليب التي يستجيب بها كثير من الناس لتلك المعاني مما يخلق حالة من الطلب والاحتياج. إلا أننا حين نعمم تلك المعاني وندعي عموميتها فإننا بذلك نقطع من نشاط النفس.
إن معرفتنا بالأنماط تساعدنا على فهم ما نخبره إكلينيكيًا: حين نتعرف على شيء ما سبق أن انسجم في نمط ما فقد نبحث عن مظاهر أخرى ارتبطت في خبرتنا مع نفس النمط. إن تفرد كل شخص على حده وكوننا أيضًا قادرين على التعرف على أنماط في الحياة النفسية يشير أيضًا إلى الحاجة إلى تعددية نظرية أكثر منها انفراد أو عراك نظري، حيث أن المنظرين المختلفين يميلون إلى تناول جوانب مختلفة من الأداء والخيال النفسي وكذلك مجموعات مختلفة من المرضى. إن كتاب قوة المشاعر (Chodorow 1999b) هو بشكل واضح تركيبة نظرية (ما أسميه “كل من/و” بدلاً من “إما/أو“) تستمد مادتها بشكل خاص من لويوالد(Loewald) وكلاينKlein) ) ووينيكوتWinnicott) ) وإريكسونErikson) ). إنني أستعير من هؤلاء المنظرين جهد لويوالد التوفيقي المنتج وطرحه الجذري بأن الأنا والواقع، والذات والآخر، والدافع والموضوع، وعملية التفكير الأولى واللغة كلها تنبع من حيث ارتقائها من تكوين أصلي للأنا– الذات (للمزيد عن لويوالد انظر/ي:Chodorow 2003d ). کما أستعير تركيز كلاين على الإسقاط والاستدماج، وهو ما تطلق عليه اسم “الثنائية” أو تصفية الخبرة الخارجية من خلال خيال اللاوعي والخبرة الداخلية (Klein 1940)، وللمزيد عن كلاين انظر/ي أيضًا: (Chodorow 1999a, 200؛ كذلك استعرت من وينيكوت انتباهها إلى ما هو داخلي وخاص، إلى الذات الحقيقية والانتقالية؛ إضافة إلى تناول إريكسون الجاد للدور الفاعل والطرحي الذي تلعبه النفس الفردية في تنقية وتشكيل الثقافة والتاريخ.
إنني أمد حجتي بشأن قوة المشاعر وسلطة المشاعر وسلطة المعنى الشخصي إلى محاولات أوسع لفهم الجندر والثقافة. فيما يخص الأمور الثقافية التي تحتل جزءًا كبيرًا من الكتاب والتي طالما كانت موضوعات محببة إلى قلبي منذ بدأت دراستي الجامعية، فإنني فقط أسجل اختلافي مع أنثروبولوجيا الذات والمشاعر، ومع أتباع مدرسة ما بعد البنيوية الذين يصرون على أن مشاعر وأحاسيس البشر تفتقد إلى أساس داخلي وعام ومشترك وإنما تتشكل سياسيًا وثقافيًا ولغويًا. في نفس الوقت أطرح على المحللين النفسيين أن أنثروبولوجيا النفس تحليلية تملك تصورًا غنيًا ومعقدًا لكيفية انتقاء البشر للثقافة وإضفاء المعاني عليها، مما قد يساعد في تعميق الفهم النفس تحليلي لما يكثر تفسيره بأنه التعارض بين “الواقع النفسي” و“الواقع الخارجي“. كذلك أضيف أنه في جدالنا بشأن طبيعة التحليل النفسي كـ“علم” قد يكون من المفيد أن نولي الانتباه إلى علم الأنثروبولوجيا، حيث البحث المعمق لدراسات الحالة الفريدة والخاصة بالتفاعلات بين البشر تجعلها الأقرب بين التخصصات من حيث التناول المعرفي والمنهجي.
فيما يخص الجندر والجنسانية فإنني أدفع بأنه لا يمكن فهم تكوينهما الواعي واللاواعي لدى أي شخص بمعزل عن فهم البناء النفسي ككل من حيث المخاوف الرئيسية والأنماط الدفاعية وخيالاته الأساسية عن الذات في علاقتها بالآخر وكذلك فهم العالم الداخلي من حيث خصائصه التي تحكم علاقته بالذات والآخرين (هل الخجل أو الخزي، الحسد أو الشعور بالذنب، لوم النفس على السوء أو الميل إلى تجزيء الذات والآخر هو أكثر ما يميز تلك الخصائص)، وكذلك ميله العام نحو الاكتئابية. كل تلك الأمور تتداخل مع الجندر والجنسانية فيما أطلق عليه اسم “الإيقاع الوجداني” الذي هو أحد العناصر أو المقومات المكونة للجندر (1996, 1999b Chodorow). بالإضافة إلى ذلك نجد عدة عناصر أخرى تساهم في تكوين الجندر. ذلك أن كل شخص –كل واحد وواحدة من هؤلاء المرضى الذين أصبح مسموحًا لي الآن لحسن الحظ أن أعمل معهم– جاء إلى علاقة الطرح وبواسطتها بعالم داخلي يحمل تصورًا متفردًا لصورة الأم والأب والذات (والأخوة). إن التجاهل المتعجرف وحده هو الذي يمكن أن يتجاهل ذلك التفرد الشخصي وأن يضع كل ذلك في كتلة واحدة باسم عقدة أوديب. لقد اعتمد هذا العالم الداخلي على الفردية الخاصة جدا للأب والأم في كل حالة، ليس فقط من حيث الأداء الشخصي لكل منهما للجندر والجنسانية وإنما أيضًا من حيث التكوين النفسي الكلي الخاص بكل منهما كما عبر عنه وعكسه استدماج كل طفل على حده. في العمل التالي الذي يبدأ من عند الفردية الإكلينيكية بدلاً عن “الأنوثة” الكونية أو إعادة الإنتاج الكونية للأمومة أتناول مكونًا آخر من مكونات الجندر ألا هو الثقافة. إنني هنا لا أعتمد فقط على عملي مع مرضى من خلفيات ثقافية متباينة وإنما أيضًا على خبرتي عبر سنوات كثيرة من الانغماس في دراسة الأنثروبولوجيا النفس تحليلية. مثلما هو الحال مع الجسد، الذي لا يولد الحسد القضيبي ولا أي خبرة عامة أخرى أوتوماتيكيًا ومع ذلك يبقى خبرة كونية يتم تنقيتها وتشكيلها بواسطة الإسقاط والاستدماج من خلال خيال اللاوعي، كذلك فإن كل شخص يولد في إطار ثقافة. مع ذلك فإن كل شخص أيضًا يقوم في نفس الوقت بالانتقاء من تلك الثقافة من خلال عدسة إسقاطية واستدماجية خاصة هي في ذاتها نتاج للمنظور الإسقاطي والاستدماجي للأهل والقائمين على رعاية الشخص (ربما يكون إريسكون هو أول منظر في التحليل النفسي يقوم بتناول تلك الأسئلة). بالتالي، فإنني إذ أصف عديدًا من المرضى من أسر الطبقة الوسطى الأمريكية البيضاء فإنني أطرح أننا سوف نجد انتقائية طرحية للثقافة تجميع في نفس الوقت بين النمطية والخصوصية لكل فرد على حدة. كما أرصد نتيجة سائدة للتربية في الثقافات الأبوية الكلاسيكية على وجه الخصوص – “النحيب من أجل الأم” التي لا تتمتع بنفس الحريات أو الفرص مثل ابنتها.
فيما يخص الجسد، هناك بعض النقاط التي اتفق فيها مع فرويد كما ان هناك البعض الآخر الذي اختلف معه. إنني أتفق معه أن كل جسد –من حيث الإثارة والملاحظة والعلاج والرغبة المنبثقة عنه وارتقاءه مع بعض التركيز على المناطق المولدة للشهوة، وفي حالة النساء بالقطع المناطق الإنجابية مثل الفم والشرج والأعضاء الجنسية والجلد والصدر والدورة الشهرية والحمل والرضاعة– يستدعي تمثيلاً نفسيًا يحدد ويساهم في صياغة معنى الجندر. كما إنني أختلف معه من حيث أن تلك الخبرات وتمثيلها تتأثر بالفردية الإكلينيكية والارتقائية، وبأعراض المعطيات البيولوجية والحساسيات الفسيولوجية والأسرة والتعامل والمحيط الثقافي. (في هذا الشأن لا يجوز تجاهل الفرق بين فتاة تولد في أسرة أبوية في محيط ثقافي تقليدي يهيمن عليه الذكور ويثمن إنجاب الذكور وأجساد الأبناء وبين أخرى تولد في أسرة نسوية، مثلية الجنسية.)
بالتالي فإن من نتائج خبرتي الإكلينيكية تمثلت في دفعي وتمكيني من إعادة النظر في علم نفس النساء، وفي عنصرين منه على وجه الخصوص ميّزا منهج التفكير الذي عبرت عنه في كتاب إعادة إنتاج الأمومة والأعمال الأولى. أولاً، ورغم حرصي على عدم التعميم، فإن الكتاب يميل إلى خلق نظرية عامة. فقد كتبته في حقبة النظريات العامة أو الشمولية (البنيوية، الوظيفية، الماركسية) وكذلك حقبة التحليل النفسي الكلاسيكي (الذي كثيرًا ما يواصل التعميم بدون إثبات أو ترخيص). في ذلك الوقت لم يكن لدينا بعد نظريات ما بعد الحداثة أو ما بعد البنيوية لتضبط رؤيتنا وأطروحاتنا النظرية العظيمة. مع ذلك فقد كنت على قدر من الصواب بشأن مسألة الإفراط في التعميم تلك. فمن الواضح أنه بالنسبة لجميع النساء تقريبًا تحتل العلاقة الداخلية والخارجية مع الأم موقعًا محوريًا في عملية الارتقاء. كذلك فإن خبرات المراهقة والبلوغ ونمو الثدي والقابلية للحمل والأمومة ثم الحمل والإنجاب والرضاعة والأمومة نفسها (بما في ذلك التبني أو مشاركة الشريكة في لعب دور الأم) هي فعليًا كلها أيضًا مهمة في ارتقاء جميع النساء (أنظر/ي: Notman 2003). كذلك فإن الفكر الحديث يؤكد منظور الأم–الإبنة لمركب أوديب في الأنثى (2000 Kulish & Holtzman 1998, Holtzman & Kulish). إن الحل الذي طرحته هنا، كما أشرت إلى ذلك في كتابات سابقة، هو أن أفكر في الأمر من منظور أنماط الارتقاء والأنوثة النفسية. إن إعادة إنتاج الأمومة داخل النفس وبين الذاتي على سبيل المثال هو بلا شك نمط سائد. سوف لن نجده في كل المرضى لكن من المفيد أن يكون ذلك النمط في ذهننا وأن نعلم أن التنقية الإسقاطية والاستدماجية لعلاقة الأم بالإبنة هي عنصر محوري في تكوين الشعور بالذات الأنثوية والأنوثة بالنسبة لكثير من النساء(Chodorow, 2004 a) كذلك، وحيث كنت نتاج لنسوية السبعينات، وأحمل نقدًا عميقًا للحتمية البيولوجية في نظریات فرويد، وأفتقد للخبرة الإكلينكية إضافة إلى كوني لم أكن قد أنجبت، أو أرضعت أو مارست الأمومة بعد، فقد بذلت الكثير من الجهد لأنكر أي أهمية للجسد الإنجابي وكنت شديدة الحذر في إلحاق أي دور حتمي بالجسد. لقد أوليت الجسد عمومًا اهتمامًا عابرًا (وكذلك الجنسانية الحقيقية – الشغف، الرغبة، الإثارة، “الميل” غير الجنسي). وفي المراحل التالية (Chodorow 1999b, 2003c) قمت بإعادة استدعاء الجسد والحوافز الإنجابية. وقد اقترحت أنه حتى ولو لم يتم تفعيلها في حمل فعلي إلا أن تلك البيولوجيا تحتاج إلى تمثيل نفسي، رغم أن ذلك التمثيل لن يتحدد أوتوماتيكيًا من خلال بنية ذلك الجزء من الجسد، كما اعتقد فرويد والمحللون الأوائل. وفي مقدمة الطبعة الثانية أرى أن إعادة إنتاج الأمومة، بتصويره المركب لعالم الأم– الابنة الداخلي، يصف كيف أن “الأمومة البيولوجية هي ذاتها تطرح نفسها داخل النفس من خلال عالم الأم –الابنة الداخلي والمصور جسديًا… الأمومة البيولوجية –الحمل، الإنجاب، الشعور بالحافز الإنجابي– تنقى وتشكل من خلال منظور إعادة إنتاج الأمومة داخل النفس وبين الذات“. (Chodorow 1999c, xiv). كذلك فإن إعادة الإنتاج البيولوجي للأمومة يلعب دورًا حين بحثت في الفترة الأخيرة في بعض التقلبات الخاصة بالأمومية ولإعادة إنتاج الأمومة. في كتاب فات الأوان: التأرجح بشأن الأمومة والاختيار والزمن (Chodorow 2003c) قدمت عرضًا لإحدى المظاهر الإكلينيكية، حيث أن الخيالات القاسية والمميتة والقاتلة، بشأن أمومية وأرحام أمهاتهن في علاقتها بأموميتهن وأرحامهن، دفعت بعض مرضاي إلى إثيان أفعال مدمرة، فعلية أو متخيلة، تجاه أرحامهن وإمكانياتهن الإنجابية.
إنني أدفع بأن كل شخص يخلق في النهاية ما أسميه تصويرًا سائدا للجندر. رغم أن الجندر يتكون من عدد من العناصر الأساسية، من خيالات حول الجسد والأسرة والثقافة إضافة إلى إيقاع وجداني مهيمن، إلا أن بعض التفاعل بين الإيقاع الوجداني والنفس الفردية يعني أن الناس قد تختلف فيما بينها من حيث العناصر ذات الأهمية المركزية. فبالنسبة لشخص ما قد يأتي الجسد مع الأهل في المرتبة الثانية الضعيفة، على حين قد يكون الأمر عكس ذلك في حالة شخص آخر. وبالنسبة لامرأة ما قد تكون الأنوثة هي علاقة مثلية الجنسية عابرة للأجيال بين الأم والابنة، على حين قد يكون محور الأمر بالنسبة لامرأة أخرى هو مقارنة عبر الجندر بين ذاتها وأخيها، كما قد يكون في حالة امرأة ثالثة تكوين الذات في علاقتها بالأب عابر للجندر وللأجيال. في حالة أخرى قد يؤدي تطفل الثقافة الأبوية إلى كبح أية محاولة لتقييم شعورها بالأنوثة بحيث يبدو الجسد الفردي والعالم الداخلي وكأنهما مجرد انعكاسات، على حين قد تكون الاحتياجات داخل النفس وأشكال تمثيل الرغبة والإثارة على درجة من القوة، بحيث تجعل من الأبوية أمرًا يكاد أن يكون مهملاً (Chodorow 2004a).
نتيجة لكل من الثقافة والممارسة الإكلينيكية، وحيث قمت بإعادة التأمل في الأنوثة المجسدة، فقد طورت أفكاري بشأن الجنسانية. إن كتاب إعادة إنتاج الأمومة يناقش الجنسانية إلى حد كبير من منظور الكتابات اللاحقة لفرويد، مثل: “بعض النتائج النفسية للتمييز التشريحي بين الجنسين” (Freud 1925) و“الجنسانية الأنثوية” Freud 1931، أي من منظور الجندر أكثر منها من منظور الرغبة الجنسية والخيال. إن الليبيدو الفاعل في “المقالات الثلاث” الراديكاليةFreud 1905b) ) لا يرد لا في مقالات فرويد الأخيرة ولا في كتابي، فقد كنت أكتب في حقبة نسوية تفزع من فكرة الحتمية البيولوجية كما أنها الحقبة التي سبقت مباشرة حقبة السحاقية السياسية والطيف السحاقي (على سبيل المثال: 1980 Rich). وفي هذا السياق لم تكن الجنسانية أمرًا ينطلق، دون أي علاقة بما هو اجتماعي، من الجسد والرغبة؛ بل كانت تتشكل سياسيًا من خلال ثقافة الغيرية الجنسية، وكان من الممكن بل كان لابد أن يتم مواجهتها سياسيًا. لقد أشار كتاب الاتجار في النساء (Rubin 1975) بلا شك إلى السحاقية الأولية التي تكبت رغباتها من خلال أم قمعية في ثقافة غيرية الجنسية، لكن أكثرية الكتابات النسوية حولت الجنسانية إلى اختيار سياسي أو قيد سياسي.
مرة أخرى أبرزت الخبرة الإكلينيكية واقعية وقوة الجنسانية الفردية. لكنني تأثرت أيضًا بعدد من الطالبات اللاتي امتلكن فهمًا لاختيار الموضوع الجنسي تجاوز من حيث تقدمه كل ما أوردته أدبيات التحليل النفسي (انظر/ي: (Stein 1989, 1997; Epstein 12 1991; Martin1996 كذلك يجب ملاحظة أن أولى محاولاتي النظر في مسألة الجنسانية كان لها بعض سمات الغضب النسوي، كرد فعل لعديد من المناقشات التي استمعت إليها حيث كان يشار إلى المثلية الجنسية كعرض قررت أن أكتب مقالاً بعنوان “الغيرية الجنسية كعرض” تناولت فيها ما اسمتيه في مسودات سابقة “تنوع حديقة الغيرية الجنسية“. لقد كان الدافع لكتابة ذلك المقال واللغة التي استخدمتها رد فعل، لكن الفكرة التي استندت إليها في المقال لم تكن كذلك. إن بحثي الذي أعدت تسميته بشكل أقل جدلية وأكثر دقة “الجنسية الغيرية كتسوية وسطية” (Chodorow 1992 ) حاول أن يفسر ما نعرفه نحن المحللون النفسيون بشأن اختيار الموضوع الجنسي الذي يميز أكثريتنا، وأكثرية مرضانا، بل وأكثرية البشر في العالم. إن الخلاصة التي انتهيت إليها تعود بنا مرة أخرى إلى الفردية الإكلينيكية كما كانت نقطة البداية لتركيز كتاباتي على الجنسانية ذاتها. إن المقال يعرض لمختلف المعايير التي اعتبرت المثلية الجنسية مرضية بناء عليها، ويطرح أن تلك المعايير ذاتها قابلة للتطبيق على بعض مظاهر الجنسية الغيرية وبعض مظاهر الجنسية المثلية. وقد ترتب على ذلك نتيجتان: الأولى أن تحديد المرضية يحتمل بل ويستدعي وجود معايير أخرى إلى جانب جندر الموضوع الجنسي في علاقته بجندر الفرد؛ والثانية هي أنه لابد وأن تكون هناك عدة أشكال من الجنسيات المثلية والجنسيات الغيرية.
إن الشرف الذي نلته بعد ذلك بنحو عشر سنوات، بدعوتي لكتابة مقدمة جديدة لكتاب فرويد “ثلاثة مقالات في نظرية الجنسانية” (2000 Chodorow)، أوضح ووضع الإطار المفاهيمي للتمييز سابق الذكر. يميز فرويد بين المثلية والانحراف، بين الانحراف في اختيار الموضوع والانحراف في الهدف. فكلاهما موجود في كل البشر، بل إن فرويد يرى أن أي شخص إما غيري الجنسية أو مثلي الجنسية بشكل مطلق في خياله هو شخص غير طبيعي ويقمع البديل، كما يرى أن جنسانية البشر جميعًا تتضمن بعض العناصر المنحرفة. ومع ذلك، ورغم أن الانحراف يمثل جزءًا من جنسانية البشر جميعًا، إلا أنه يتحول إلى أمر غير طبيعي حين يصبح مطلقًا أو ثابتًا. على العكس من ذلك لا يطرح فرويد تحذيرًا مشابهًا فيما يخص المثلية. ومن منظور العمل الإكلينيكي المعاصر، كما من منظور السياسات الجنسية المعاصرة، يجب علينا أن نعترف أن هذا التمييز ينقل الانحدار المخلخل للانحراف ببساطة إلى تل آخر.13 مع ذلك فإنه بمثابة تقديم للحجة التي طرحتها بشأن “الغيرية الجنسية“: إنه لا يوجد شيء متأصل في جندر الموضوع نسبة إلى جندر الذات مما يجعلنا نعتبر توجهًا جنسيًا بعينه أمرًا مرضيًا. إن مقالات فرويد الثلاث تمدنا بعرض لمنعطفات الجندر يتنافس مع أي تنظير ما بعد حداثي (كل شخص مثلي وغيري الجنسية، مذكر ومؤنث؛ الرجل الأكثر ذكورة يمكن أن يكون مثلي الجنسية والرجل الأكثر أنوثة يمكن أن يكون غيري الجنسية؛ الغيرية والمثلية الجنسية كلاهما تتضمن “استبداد” موضوع وهدف).
لابد وأن تكون هناك جنسانيات غيرية ومثلية متعددة. إنها الفردية الإكلينيكية مرة أخرى. وفي مقال “الغيرية الجنسية” (Chodorow 1992) أطرح أن أيًا من المصطلحين لا يعبر بدقة عن الميل الجنسي للشخص: لا يوجد رجل “غيري الجنسية” ينجذب لجميع النساء دون أي رجل، والشيء نفسه ينطبق على النساء غيريات الجنسية وكذلك الأمر بالنسبة للوطيين والسحاقيات.
إن من يطلق عليهم أو يعتبرون أنفسهم غيري الجنسية يستمدون جاذبيتهم الجنسية من مزيج من طول القامة ولون الشعر الأشقر، أو قصر القامة وتجعيد الشعر وكونهم يهود، أو من كونهم أمريكيين من أصول أفريقية ذوي لهجة جنوبية، وهم يستثارون جنسيًا إما من أفراد جماعتهم العرقية فحسب أو ممن هم خارج تلك الجماعية فحسب. بعض النساء يجدن أنفسهن بشكل متكرر منجذبات لرجال يتضح فيما بعد أنهم مصابون بالاكتئاب، البعض الآخر ينجذب لرجال عنيفين أو عدوانيين، والبعض الثالث قد ينجذب رجال نرجسيين. بعض الرجال ينجذبون لنساء يتميزن بكثرة الكلام والمغازلة على حين ينجذب آخرون لنساء هادئات، يضعن مسافة بينهن وبين محيطهن. البعض يختار أن يعشق أو يتزوج شخصًا شبيهًا بأحد الوالدين (بغض النظر عن أي الوالدين وقد يكون مزيجًا بينهما) على حين يختار البعض الآخر عشيقًا/ة أو زوجًا/ة أبعد ما يكون شبهًا عن الوالدين) ليكتشف في كثير من الأحيان أن الشريك/ة يجسد رغم ذلك بعض الخصال الوالدية، أو ليجد نفسه/ا غير راض/ية إن لم يحدث ذلك). إن لهذه الاختيارات كلها صداها الثقافي وكذلك صداها النفسي الخاص بكل فرد. (ص ۳۸)14
إن الرغبة الجنسية هي مشروع ومنتج فردي نتعلمه، مثله مثل الجندر، في سياق إكلينيكي من الخيال والطرح والوصف لعلاقات فعلية. إنها تتكون من عدد من العناصر الأساسية، بما في ذلك عالم أوديبي وما قبل أوديبي داخلي، وشهوة جنسية شخصية سائدة، وتنظيم للخيال وشعور بالجندر في علاقته بالجنسانية، وانتقائية من الثقافة (بما في ذلك في يومنا هذا شعور بعض المرضى بالحاجة إلى الاختيار والإعلان عن هوية جنسية) الخ.(Chodorow 2003b) وتتداخل الجنسانية مع جوانب أخرى من النفس والذات والخيال، كما يمكن إخضاعها دفاعيًا للعدوان. الجندر ذاته يمكن أن يبهت في وجودها.
لقد بدأت في عام 1969 بحدس أن التحليل النفسي يقدم لنا وسيلة أولية لفهم الجندر ومشكلاته. وبعد مرور خمسة وثلاثين عامًا تعمقت خبرتي الإكلينيكية (وكذلك خبرتي بالحياة) وبدلت من فهمي للرجال والنساء، للذكورة والأنوثة، للجنسانية والرغبة، وبشكل أكثر عمومية للحياة النفسية وكيفية دراستها. إن العدسة التي طالما عدت إلى استخدامها في كتابة هذا المقال، والتي التقطت بأفضل ما يمكن ما اكتسبته من الخبرة الإكلينيكية، كانت هي عدسة الفردية الإكلينيكية. إنها عدسة تولدت من الخبرة، واكتسبت دقتها من قراءاتي ومتابعتي لكثير من نظريات العقل ونظريات التقنية. إن رحلتي نحو الفردية الإكلينيكية والتنوع في الجندر والجنسانية جاءت انعكاسًا لرحلة نحو التنوع النظرية والتقنية، وهو التنوع الذي اعتمدته في كتاباتي الحديثة.
في محاولتي التعبير عن هوية نظرية وتقنية تناسب التنوع والفردية، وفي نفس الوقت تتلائم مع إدراكي لكيفية أدائي لعملي، اخترعت مصطلحًا، بل واعتبر نفسي في بعض الأحوال أخصائية نفسية من مدرسة الأنا بين الذاتية، وهو تناول أصفه بأنه مستمد من لويوالد وإريكسون (2004 Chodorow). إن هذا التناول الذي يبدو وكأنه يحمل تناقضًا إنما يعكس أصولي المزدوجة كنسوية من مدرسة العلاقات بالموضوع، بدأت في مجال الأنثروبولوجيا النفسية، وكمحللة نفسية تدربت في معهد علم نفس الأنا. إن جذور علم نفس الأنا البين ذاتي تمتد إلى علم نفس الأنا، بكل ما يحمله من تركيز حاد واعتراف بالنفس الفردية للمريض، بما في ذلك الدوافع القوية والخيال والدفاعات وأوجه المقاومة والمشاعر القوية الأخرى التي تجعل الهدف الأول للمحلل هو الاستماع إلى المريض/ة لكي يساعد على فهم هذا العالم الخاص والمتفرد والداخلي للنفس – انه عالم لم يتشكل بالضرورة في مرحلة الهنا والآن ولا في ارتباط بالمحلل/ة. من ناحية أخرى نجد جذوره البين ذاتية في الفكر البين شخصي الكلاسيكي، ويشترك مع منظور العلائقية بالموضوع ومنظور العلائقية في الاعتراف بالمجالات الارتقائية والطرح والطرح المضاد، بل ويتفق معها أيضًا في المجال الاجتماعي والثقافي وتأثيرهما. ومن الناحية النظرية فإن علم نفس الأنا البين ذاتي هو نوع من الوسطية الأمريكية بين علم نفس الأنا والتحليل النفسي العلائقي.
لقد كان إريكسون مفكًرا كريمًا ورحبًا في مجال النفس والمجتمع، وكانت له موهبة خارقة للعادة على فهم الأطفال، لكنه لا يستطيع أن يخدم كنموذج للعمل الإكلينيكي. لذلك، فإنني أعتبر أن لويوالد هو المنظّر الوحيد الذي يمكنّنا من تناول الفردية الإكلينيكية بدلاً من فرض تصور أحادي للنفس. إن لويوالد يجسد في رأيي، وبشكل حكيم للغاية، كلاً من منظور علم نفس الأنا وعلائقية الموضوع، فيما يخص الأم– الطفل، والطرح–الطرح المضاد، إضافة إلى نفاذ البصيرة النظرية والرؤية التي تشمل عناصر من كافة النظريات الهامة في مرحلة ما بعد فرويد، في نفس الوقت الذي تبقى فيه قريبة من نظرية فرويد؛ إنها رؤية معقدة للذاتية الإنسانية كهدف إكلينيكي، وتقنية إبداعية وجديرة بالاحترام تبقى دائمًا إلى جانب المريض (Chodorow 2003d).
ومن ناحية أخرى فإنني في كتابي من وراء الأريكة: الالتباس والتردد في التحليل النفسي من حيث النظرية والتطبيق أطرح نفسي “كمنظرة انتقائية تنزع إلى الإنصات” (Chodorow 2003a, 478). لقد وضعت نظريات التحليل النفسي كلها من أجل تفسير بعض الظواهر الإكلينيكية، وخبرتي الخاصة تقول بأنها جميعًا ذات فائدة (لكن كخلفية) في بعض الأوقات ولبعض مرضانا. إنني أسعى إلى “الإنصات إلى“، الذي أؤمن أنه غير مدفوع بالنظرية، وإنما يرشده التركيز على ما تصفه بولاند “بالمريض كآخر متفرد” (1966, 6 Poland)، والذي يميز بعض المحللين من مختلف التوجهات، أكثر من سعيي إلى “الإنصات من أجل” الذي يبدو لي أنه يميز المدارس الأكثر تقليدية (كلاين، علماء نفس الأنا كعملية مغلقة، كوهوت، لاكان، والمحللين النفسيين العلائقيين). إن الاستماع إلى المريض، بدلاً من الاستماع بحثًا عن مظاهر نظرية بعينها أو لتوثيق قناعة معينة بشأن أداء أو مضمون العقل أو العلاقة التحليلية، هو أمر يحترم الفردية الإكلينيكية في أمور الجندر والجنسانية ومجمل الحياة النفسية.
*Nancy J. Chodorow, “Psychoanalysis and Women: A Personal Thirty-Five-Year Retrospect”, The Annual of Psychoanalysis: Psychoanalysis and Women, ed. Jerome A. Winer, James William Anderson, and Christine C. Kieffer, Vol. XXXII, 101-129.
1. منذ سنوات عديدة، وبعد قراءة جيسيكا بنجامين لكتابي إعادة إنتاج الأمومة (Chodorow (1978 ، الذي يمزج في فصله الاجتماعي ما بين أفكار مدرسة فرانكفورت الماركسية والمدرسة البارسوينية البنية– الوظيفية المعادية للماركسية، علقت جيسيكا بنجامين على الأسلوب الاستسهالي الذي اخترت به التوفيق بين متعارضات وكوني بدوت غير مدركة للتناقضات و عدم الانسجام بين النظريات التي رجعت إليها. إنني أرغب في أن أعتقد أنني قد أحسنت اختيار الصحبة: ذلك أنني اعتقد أن فرويد قد عدل رأيه فيما يتعلق بالكثير من العناصر الأساسية في التحليل النفسي (على سبيل المثال نظريات البواعث المتغيرة والانتقال من التناول الوصفي إلى التناول البنيوي) دون أن يتنازل عن وجهات نظره السابقة.
2. إنني إذ أصيغ الأمور بهذه الطريقة، أدرك أن منهجي يعكس مبادئ المنهج الإثني، الذي كان مجال تخصص أيجون بيتنر (Egon Bittner) المشرف على رسالة تخرجي. في ذلك المنهجGarfinkel 1967) ) يحاول علماء الاجتماع التعرف على القواعد والعمليات المسكوت عنها، وغير المسماة، والمفروغ من أمرها، أي افتراضات ما قبل النظرية التي تسمح بتقدم الحياة الاجتماعية.
3. حين كنت في الثالثة من عمري انتقلت أسرتي اليهودية من نيويورك إلى وادي بريسيليكون، التقليدي، شبه الريفي، غير اليهودي في شبه جزيرة وسط سان فرانسيسكو (انظـر/ي: (Chodorow 2002).
4. قد يكون هنا أيضًا تماهي والدي – ومن ثم الكتابة كرجل. قال لي والدي ذات مرة، الذي كان أستاذًا سابقًا في مادة الفيزياء والفيزياء التطبيقية والهندسة الكهربائية، أنه رغم كونه ليس بعالم فيزياء عظيم إلا أن مهارته الخاصة كمنت في قدرته على الجمع ما بين أفكار واكتشافات علمية شديدة التفاوت، تفصل بينها السنوات في كثير من الأحوال، وكذلك قدرته على رؤية الصلة فيما بینها وكافة العناصر اللازمة لجعلها تعمل معًا بشكل جيد في آلة أو عملية جديدة.
5. لقد اتخذت مثالاً هنـا عـالم الاجتماع هوارد بيكرHoward Becker 1986) )، الذي قال إن عالم الاجتماع يمكنه أن يختار بين أن يكتب لرجل الشارع أو أن يكتب لمنظر أوروبي من خريجي الجامعات.
6. كعادتي في أداء واجبي على أفضل وجه، عدت أيضًا إلى دليل التحليل النفسي التابع لجرنستاين وبحثت تحت “الأم –الابنة“، و“النساء“، و“علم نفس النساء“، ودونت كل مرجع وجدته، بما في ذلك المراجع الألمانية واليابانية التي ما كنت لأجدها في المكتبات.
7. عنوان الأطروحة الأصلي “بنية الأسرة والشخصية الأنثوية: إعادة إنتاج الأمومة” يعبر عن جذورها التي عبرت عنها لأول مرة في مقال صدر في عام 1974، يتضمن ملخصًا للكثير مما توسعت فيه لاحقًا في كتابتي للأطروحة والكتاب. لقد كنت في البداية أهتم بعلاقات الأم–الابنة ثم بعد ذلك، في مرحلة متأخرة من اللعبة اكتشفت أن جوهر العلاقة بين الأم والابنة يكمن في إعادة إنتاجها الضمن نفسي والبين شخصي للأمومة. كذلك تتضمن الأطروحة، مثلها مثل الكتاب، تحليلاً لعلاقات الذكور والإناث ومشاكلها التي ظهرت لأول مرة في “اللاتناسق الأوديبي وعقد الجنسية الغيرية“(Chodorow 1976).
8. منذ ذلك الوقت اتخذت وميتشل مسارين مختلفين تمامًا وأحيانًا متعارضين بوضوح فيما يتعلق بالتحليل النفسي والنساء. انطلقت ميتشل من لاكان والفروق الجنسية وانطلقت أنا من نظرية العلاقات بالموضوع البريطانية (إنه لمن باب السخرية أن ميتشل تدريت في مجموعة بريطانية ووضعت مرجعًا أدبيًا رائعًا لكلاين، على حين تدريت انا في معهد علم نفس الأنا أمريكي)، كما انحزت تدريجيًا للإمبيريقية الإكلينيكية الأمريكية والتعرف على الجسد الحقيقي. مع ذلك فإن تناولنا الأول للتحليل النفسي والنساء كان متشابهًا بدرجة لافتة، وكان لكلينا أسلوب بنيوي ضمنيًا في التفكير والتنظير. لقد بدأت ميتشل من هوية ماركسية، أضافت اليها عبر السنين من نظرية النسب الأنثروبولوجية (انظر/ي: 1974, 2000 Mitchell)، على حين بدأت أنا من الأنثروبولوجيا وأضفت إليها من الماركسية كجزء من الهوية السياسية للستينات. كلانا لجأ إلى التحليل النفسي لملء ما شعرت به كل واحدة منا بأنه فجوة كبيرة في الفكر النسوي، ومن ثم أصبحنا محللات نفسيات. لكننا كنا في كتاباتنا المبكرة متشككات تجاه دور الجندر والحتمية الجسدية في التحليل النفسي.
9. لم أكن أتفق تمامًا مع رأي كستنبرج Kestenberg في ذلك الوقت، بل على العكس كنت أحمل نقدًا كبيرًا لها في ضوء تشككي في المدرسة البيولوجية. أما الآن فأشعر بالطبع بتقدير كبير تجاه إبداعها وموقفها الجذري، ليس فقط بالنسبة لزمنها وإنما أيضًا بالنسبة لزمننا. أثناء بحثي في أوائل المحلات النفسيات كان عليّ أن أواجه بشدة أحكامي المسبقة حين وافقت كستنبرج على عمل مقابلة معي، وكانت في غاية الكرم في وقتها وملاحظاتها، لكنها أوضحت أن السبب الرئيسي الذي جعلها ترغب في مقابلتي هو لكي توضح لي مدى سوء فهمي لها.
10. إنها ملحوظة جانبية جديرة بالاهتمام اكتشفتها أثناء بحثي حول أوائل المحلات النفسيات والذي أشرت إليه سابقًا. إن أليس بالينت ومارجريت ماهر كانتا صديقتين مقربتين أثناء الدراسة الثانوية وقد تعلمت ماهلر التحليل النفسي من والدة بالينت التي كانت زميلة لفيرينشي. إن أعمال ماهر عن الانفصال والتفرد، بداية من الأم المنصهرة مع طفلها، ينسجم مع بل ويطور أفكار بالينت الأولى (وقد توفيت في سن صغيرة) عن الحب الأولي والصلة بين الأم والطفل/ة.
11. حين عقدت مقابلة معها في ١٩٨١ حول مقالها الصادر في ١٩٢٧، ادعت لامبل دي جروت أيضًا أن ملاحظاتهـا لـم يكن لها علاقة بسيرتها الذاتية، بل كانت نابعة تمامًا من عملها مع المرضى.
12. إنني أشير هنا إلى الأعمال الأولى المنشورة، لكنني كنت بالطبع قد قرأت تلك الأعمال قبل أن تنشر بكثير.
13. ليس من الواضح لي شخصيًا كيف يمكنني أن أفكر عالميًا بشأن “الانحراف“. فهناك أنواع كثيرة منه. فالانحراف، كما تشير شاسيجيه سميرجل وآخرون (Chasseguet-Smirgel et al. 1985 ) يتدخل أيضًا في التفكير ؛ وعلى الأقل فإن جزءًا من عمل المعالج الإكلينيكي هو أن يقرر ما يمكن احتواؤه وتناوله على أساس من تقدير على أساس الطرد المضاد لكل فرد على حده.
14. لقد اقترفت خطا ثقافيًا في أحد المؤتمرات، حين حاولت أن أشرح هذه النقطة بالفرنسية، حيث أشرت إلى أنه من بين الرجال العديدين المتواجدين في القاعة سوف أكون بالضرورة أكثر انجذابًا لبعضهم وليس للآخرين.
Alexander, F.(1966). Psychoanalytic Pioneers. New York: Basic Books.
Balint, A. (1939). Love for the mother and mother-love. In: Primary Love and Psycho-Analytic Technique. New York: Liveright, 1965, 91-108
Becker, H. (1986). Writing for Social Scientists. Chicago: University of Chicago Press.
Breuer, J. & Freud, S. (1893- 1895). Studies on hysteria. Standard Edition, 2: 1- 309. London Hogarth Press, 1955.
Carotenuto, A. (1973). A Secret Symmetry: Sabina Spielrein Between Jung and Freud. New York: Pantheon.
Chasseguet-Smirgel, J., ed. (1964). Female Sexuality: New Psychoanalytic Views. Ann Arbor: University of Michigan Press, 1970.
…..(1976). Freud and Female Sexuality: The Consideration of Some Blind Spots in the Exploration of the Dark Continent. Internat. J. Psycho. Anal, 57:275-286.
…..(1985). Creativity and Perversion. London: Free Association Books.
Chodorow, N.J. (1972). Being and Doing: A Cross-Cultural Examination of the Socialization of Males and Females. Feminism and Psychoanalytic Theory. New Haven, CT: Yale University Press, 23-44.
….. (1974). Family Structure and Feminine Personality. Feminism and Psychoanalytic Theory. New Haven, CT: Yale University Press, 45-65.
…..(1976). Oedipal Asymmetries and Heterosexual Knots. Feminism and Psychoanalytic Theory. New Haven, CT: Yale University Press, 66-78.
……(1978). The Reproduction of Mothering. Berkeley: University of California Press. Second edition with a new preface, 1999.
……(1979). Gender, Relation and Difference in Psychoanalytic Perspective. Feminism and Psychoanalytic Theory. New Haven, CT: Yale University Press, 99-113.
…..(1986). Varieties of Leadership Among Early Women Psychoanalysts. Women Physicians in Leadership Roles, ed. L. J. Dickstein & C.C. Nadelson. Washington, DC: American Psychiatric Association, 45-54.
…..(1989). Seventies Questions for Thirties Women: Gender and Generation in a Study of Early Women Psychoanalysts. Feminism and Psychoanalytic Theory, New Haven, CT: Yale University Press, 199-218.
…… (1991). Where Have All the Eminent Women Psychoanalysts Gone? Like the Bubbles in Champagne, They Rose to the Top and Disappeared. Social Roles and Social Institutions: Essays in Honor of Rose Laub Coser, ed. J.N. Blau & Goodman. Boulder, CO: Wetview Press, 167-194.
Chodorow, NJ. (1992). Heterosexuality as a Compromise Formation. Femininities, Masculinities, Sexualities. Lexington: University Press of Kentucky, 33-69.
…..(1994). Femininities Masculinities, Masculinities, Sexualities. Lexington: University Press of Kentucky.
….. (1996). Theoretical Gender and Clinical Gender. J. Amer. Psychoanal., Assn., 44 (suppl.): 215-238.
(1999a). From Subjectivity in General to Subjective Gender Particular. Introductory essay to Melanie Klein’s “Mourning and its Relation to Manic- Depressive States.” Female Sexuality: Contemporary Engagements, ed. D. Bassin. North, NJ: Aronson, 241-250.
…..(1999b). The Power of Feelings: Gender and Culture. New Haven, CT: Yale University Press.
…..(1999c). Preface to the 2d ed. In: The Reproduction of Mothering. Berkeley: University of California Press, pp. vii-xvii.
….. (2000). Foreword to Freud’s Three Essays on a Theory of Sexuality. New York: Basic Books, vii-xviii.
……. (2001). Melanie Klein (1882-1960). International Encyclopedia of the Social and Behavioral Sciences. Oxford, UK: Elsevier Science.
…. (2002). Born into a World at War: Listening for Affect and Personal Meaning. Amer. Imago, 59:297-315.
……(2003a). From Behind the Couch: Uncertainty and Indeterminancy in Psychoanalytic Theory and Practice. Common Knowledge, 9: 463-487.
…..(2003b). Les homosexualités comme formation de compromise: La complexité théorique et clinique d’une description et d’une compréhension des homosexualités [Homosexualities as compromise formations: Theoretical and clinical complexity in understanding and portraying homosexualiteis]. Revue inical Francaise de Psychoanalyse, 67:41-64.
…… (2003c). Too Late: Ambivalence about Motherhood, Choice and Time. J. Amer. Psychoanal. Assn., 51:1181-1198.
….. (2003d). The Psychoanalytic Vision of Hans Loewald. Internat. J. Psychoanal., 84:897-913.
…..(2004a). Beyond Sexual Difference: Clinical Individuality and Cross-Generation Same-Sex Relations in the Creation of Feminine and Masculine. Dialogues on Gender, Sexuality and Psychoanalysis, ed. I. Matthis. London: Karnac, 181-203.
(2004b). The American Independent Tradition: Loewald, Erikson and the (Possible) Rise of Intersubjective Ego Psychology. Psychoanal. Dial., 14:207-232.
…& Contratto, S. (1982). The Fantasy of the Perfect Mother. Feminism and Psychoanalytic Theory. New Haven, CT: Yale University Press, 79-96.
Contratto, S. (1980). Maternal Sexuality and Asexual Motherhood. Signs, 5:766-782.
Contratto, S. (1987). Father Presence in Women’s Psychological Development. Advances in Psychoanalytic Sociology, ed. G.M. Platt, J. Rabow, & M. Goldman. Mlabar, FL: Krieger, 138-157.
Dinnerstein, D. (1976). The Mermaid and the Minotaur. New York: Harper and Row.
Epstein, S. (1991). Sexuality and Identity: The Contribution of Object-Relation Theory to a Constructionist Sociology. Theory & Society, 20:825-873.
Fliegel, Z.O. (1973). Feminine Psychosexual Development in Freudian theory: A Historical Reconstruction, Psychoanal, Quart., 42:285-408.
….. (1986). Women’s Development in Analytic Theory. Psychoanalysis and Women, Contemporary Reappraisals, ed. J. L. Alpert. Hillsdale, NJ: The Analytic Press, 3-31.
Foley, H. ed., (1999). The Homeric Hymn to Demeter. Princeton, NJ: Princeton University Press
Freud, S. (1905a). Fragment of an Analysis of a Case of Hysteria. Standard Edition, 7:7-122. London: Hogarth Press, 1953.
…..(1905b). Three Essays on the Theory of Sexuality. Standard Edition, 7: 130-243. London: Hogarth Press, 1959.
…..(1908). Civilized Sexual Morality and Modern Nervous Illness. Standard Edition, 9:181-204, London: Hogarth Press, 1963.
….(1920). The Psychogenesis of a Case of Homosexuality in a Woman. Standard Edition, 18: 145-172. London: Hogarth Press, 1955.
…..(1925). Some Psychical Consequences of the Anatomical Distinction between the Sexes. Standard Edition, 19:248-258. London Hogarth Press, 1961.
….(1931). Female Sexuality. Standard Edition, 21: 225-243. London Hogarth Press, 1961.
……(1933). New Introductory Lectures on Psycho-Analysis. Standard Edition, 22: 112-135. London: Hogarth Press, 1964.
Garfinkel, H. (1967). Studies in Ethno Methodology. Englewood Cliffs, NJ: Prentice Hall.
Grinstein, Al., cd (1956-1975). The Index to Psychoanalytic Writings. New York: International Universities Press.
Holtzman, D. & Kulish, N. (2000). The Feminization of the Female Oedipal Complex, Part I: A Reconsideration of the Significance of Separation Issues. J. Amer, Psychoanal. Assn, 48:1413-1437.
Horney, K. (1926). The Flight from Womanhood. Feminine Psychology. New York: W.W. Norton, 1967, 54-70.
J. Amer. Psychoanal. Assn. (1976). 24 (5): Supplement.
Jordan, J., Kaplan, A., Miller, J.B., Stiver, I. & Surrey, J. (1991), Women’s Growth in Relation. New York: Guilford Press.
Kastenberg, Jn (1956a). On the Development of Maternal Feelings in Early Childhood: Observations and Reflections. The Psychoanalytic Study of the Child, 11:257-291. New York: International Universities Press.
…..(1956b). Vicissitudes of female sexuality. J. Amer. Psychoanal. Assn., 4: 453-476.
…..(1968). Outside and Inside, Male and Female. J. Amer. Psychoanal. Assn. 16: 457-520.
Kelin, M. (1940). Mourning and its Relation to Manic Depressive States. Love, Guilt and Reparation. New York: Delta, 1975, pp. 344-369.
Kulish, N. & Holtzman, D. (1998). Persephone, the Loss of Virginity and the Female Oedipal Complex. Internat. J. Psycho-Anal, 79:57-71.
Lampl-De Groot. J. (1927). The Evolution of the Oedipus Complex in Women. The Development of the Mind: Psychoanalytic Papers on clinical and Theoretical Problems. New York: International Universitics Press, 1965, 3-18.
Martin, K.A. (1996). Puberty, Sexuality and the Self. New York, Routledge.
Mead, M. (1935). Sex and Temperament in Three Primitive Societies. New York: William Morrow.
……(1949), Male and Female. New York: Ciliam Morrow.
Miller, J.B., ed. (1973). Psychoanalysis and Women. New York: Penguin.
…..(1976). Toward a New Psychology of Women. Boston: Beacon.
Mitchell, J. (1971). Woman’s Estate. New York: Pantheon.
….. (1974). Psychoanalysis and Feminism. New York: Pantheon.
…..(2000). Mad Men and Medusas: Reclaiming Hysteria. New York: Basic Books
Mitchell, S.A. & Aron, L. eds. (1999). Relational Psychoanalysis: The Emergence of a Tradition. Hillsdale, NJ: The Analytic Press.
Notman, M.T. (2003). The Female Body and its Meanings. Psychoanal. Inq., 23:572-591.
Poland, W. (1996). Melting the Darkness. Northvale, NJ: Aronson. Rich, A. (1980). Compulsory Heterosexuality and Lesbian Existence. Signs, 5:631-660.
Rivere, J. (1929). Womanliness as a Masquerade. The Inner World and Joan Riviere: collected Papers 1920-1958. London: Karnac Books, 90-101.
Roazen, P. (1971). Freud and His Followers. New York: Knopf. …..(1985), Helene Deutsch. New York: Anchor.
Rubin,, g. (1975). The Traffic in Women: Notes on the Political Economics of Sex.Toward an Anthropology of Women, ed. R. Reiter. New York: Monthly Review Press, 157-210.
Sherfey, M.J. (1966). The Evolution and Nature of Female Sexuality in Relation to Psychoanalytic Theory. J. Amer. Psychoanal. Assn., 14:28-128.
Stein, A. (1989). Three Models of Sexuality: Drives, Identities and Practices. Sociological Theory, 7:1-13.
Stein, A. (1997). Sex and Sensibility: Stories of a Lesbian Generation. Berkeley: University of California Press.
Stoller, R. (1965). The Sense of Maleness. Psychoanal. Quart., 34:207-218.
…… (1968). The Sense of Femaleness. Psychoanal. Quart., 37:42-55.
…..(1976). Primary Femininity. J. Amer. Psychoanal. Assn., 24, 5/Suppl.:59-78
Strouse, J. (1974). Women and Analysis. New York: Grossman.
Winnicott, D. W. (1971) Playing and Reality. New York: Basic Books.
Young-Bruehl, E. (1988). Anna Freud. New York: Summit Books.