نظـرة ثانيـة إلـى “تحت أعين غربية“:
التضامن النسوي من خلال النضالات ضد الرأسمالية *
أكتب هذه المقالة وقد استحثني إليها عدد من الأصدقاء، وأكتبها بقدر من الخشية، ملقية نظرة ثانية على عدد من الموضوعات والآراء المتضمنة في مقالة كتبتها منذ ما يقرب من ستة عشر عامًا. وإنها لمقالة تصعب كتابتها، آخذها على عاتقي بتردد وتواضع – شاعرةً مع ذلك أنها مهمةٌ واجبةٌ لكي أتحمل مسئولية أفكاري بصورة أكثر اكتمالاً، وربما أيضًا لكي أفسر ما كان لها من تأثير في الجدالات الدائرة في النظرية النسوية.
إن مقالة “تحت أعين غربية“[ انظر/ انظري ترجمة عربية لهذه المقالة في المصدر الآتي: تشاندرا تالبيد موهانتي، “أمام أعين غربية: البحث النسوي والخطابات الكولونيالية“، في أصوات بديلة: المرأة والعرق والوطن في العالم الثالث، تحرير وتقديم هدى الصدة، ترجمة هالة كمال، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ۲۰۰۲، ص ٥١ – ٩٢.] (١٩٨٦) لا تمثل أول ما نشر لي من “دراسات نسوية” فحسب، وإنما هي أيضًا تظل المقالة التي تسجل وجودي في المجتمع النسوي الدولي. 1 كنت وقت كتابة هذه المقالة بالكاد قد انتهيت من رسالة الدكتوراه، في حين أني اليوم أستاذة جامعية في دراسات النساء. أصبحت، إذن، كلمة “تحت” بالنسبة إلى أعين غربية” هي أقرب إلي “داخل“؛ وذلك في ضوء مكاني داخل المؤسسة الأكاديمية الأمريكية.2 كان الموقع الذي كتبت منه مقالتي – وقتئذ – يتشكل من حركة نسائية عابرة للقومية (transnational) ونابضة بالنشاط، في حين أن الموقع الذي أكتب منه اليوم يختلف بشكل كبير. فمع الاتجاه المتعاظم نحو خصخصة المجال العام (privatization) وتحويل المؤسسات العامة إلى شركات تجارية (corporatization) تزايدت صعوبة تبين وجود حركة نسائية من هذا القبيل في الولايات المتحدة (بالرغم من الانتعاش في الحركات النسائية حول العالم)، وأصبح الموقع الذي يتيح لي المشاركة والنضال يتمثل أكثر فأكثر في الأوساط الأكاديمية الأمريكية. فقد أصبحت الحركات النسائية في الولايات المتحدة تزداد ميلاً إلى المحافظة، كما أصبح أغلب النشاط النسوي الراديكالي المناهض للعنصرية يقع خارج إطار هذه الحركات. وعلى ذلك، فإن جزءًا كبيرًا مما أقوله هنا مرتبط ومتأثر بموقعي الأساسي بوصفي معلمة وباحثة أكاديمية، لقد حان الوقت كي أراجع مقالة “تحت أعين غربية” بهدف إيضاح أفكار قد بقيت في مقالة عام 1986 مضمرة وغير معلنة في النص، وبهدف تطوير وتاريخ الإطار النظري الذي قمت – وقتئذ – برسم خطوطه العريضة. وكذلك فإني أود أيضًا أن أتولى تقييم الكيفية التي تمت بها قراءة هذه المقالة أو سوء قراءتها، والاستجابة لأمثلة النقد الموجه إليها وأمثلة الاحتفاء بها. وقد آن الأوان كي أنتقل – صراحة – من مسألة النقد إلى إعادة البناء، وحتى أحدد معالم القضايا الملحة أمام النسويات في بدايات القرن الواحد والعشرين، وأطرح السؤال الآتي: كيف يمكن لـ “تحت أعين غربية” – العالم الثالث داخل الغرب وخارجه – أن يتم استطلاعها وتحليلها عند لحظة تأتي بعد الأولى بعدة عقود، ما الأسئلة النظرية والمنهجية التي أراها ذات إلحاح بالنسبة إلى سياسة نسوية مقارنة في هذه اللحظة من التاريخ؟
في ضوء ما يبدو لي من استمرار تأثير “تحت أعين غربية“، وفي ضوء تجاربي مع البحث الأكاديمي النسوي ومع شبكات الاتصال النسوية العابرة للقومية، فإنني أبدأ بعرض ملخص الأطروحات المحورية في “تحت أعين غربية” واضعة إياها في سياق من معطيات فكرية وسياسية ومؤسسية. وإنطلاقًا من هذا النقاش، أتولى شرح الطرق التي تمت بها قراءة مقالتي وتعيين موقعها، في سياق عدد من خطابات البحث الأكاديمي المختلفة، والتي كثيرًا ما تراكبت فيما بينها. كما أنني سوف أتناول بعض التعليقات المفيدة على المقالة، سعيًا وراء مزيد من الإيضاح لتعدد معاني الغرب والعالم الثالث وما إليه، ولكي أثير من جديد قضايا العلاقة يعرف بالكوني (the universal) وما يعرف بالخصوصي (the particular) في إطار النظرية النسوية، ولكي أجعل بعض الآراء التي ظلت محجوبة أو مبهمة في كتابتي السابقة ظاهرة بوضوح.
سأعني نفسي أولاً بالنظر إلى ما طرأ على فكري من تغير عبر الستة عشر عامًا المنصرمة. ما التحديات التي تواجه الممارسة النسوية عابرة القومية، في بداية القرن الواحد والعشرين؟ وماذا طرأ من تطورات وتحولات في إمكانات العمل النسوي؟ ما السياق الفكري والسياسي والمؤسسي الذي له أثره في تشكيل تحولاتي الفكرية وفي تحديد التزاماتي الجديدة عند اللحظة التي أكتب فيها هذه المرة؟ ما فئات التماهي البحثية والسياسية التي قد تغيرت منذ عام ١٩٨٦؟ وما الذي ظل باقيًا كما هو دون تغيير؟ إني أرغب في إجراء حوار بين المقاصد، والتأثيرات، والاختيارات السياسية التي كانت وراء “تحت أعين غربية” في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، ونظيراتها مما قد أنتهى إليه في الوقت الحالي. وأنا أتمنى أن يستحث ذلك التماهي أخريات (أو آخرين) على طرح أسئلة مماثلة، حول مشروعاتنا الفردية والجمعية في الدراسات النسوية.
تحرير البحث الأكاديمي النسوي من النزعة الاستعمارية: 1986
لقد قمت بكتابة “تحت أعين غربية” على سبيل اكتشاف وبلورة نقد للبحث الأكاديمي “النسوي الغربي” الذي يتناول نساء العالم الثالث عبر الاستعمار الخطابي (discursive colonization) لمادة حياة نساء العالم الثالث ونضالاتهن. أردت كذلك أن أظهر ارتباط القوة والمعرفة في العمل البحثي النسوي الممتد عبر الحدود الثقافية (cross-cultural)، الذي يظهر تعبيره في منهجيات تتسم بتعميمات خاطئة انطلاقًا من مركزية أوروبية (eurocentrism)، تخدم الاهتمامات والمصالح الشخصية الضيقة، للنسوية الغربية. وكذلك، فقد رأيت أنه من الأهمية بمكان إبراز الارتباط بين البحث الأكاديمي النسوي والتنظيم السياسي النسوي، مع لفت الانتباه إلى حاجتنا لفحص “الدلالات السياسية للاستراتيجيات والمبادئ التحليلية التي نستخدمها“. كما أردت أيضًا أن أرسم موقع الدراسة والبحث الأكاديمي النسوي داخل إطار سياسي واقتصادي عالمي يهيمن عليه “العالم الأول“.3
تَمَثَّلَ أكثر أهدافي بساطة في إيضاح ضرورة إيلاء العمل النسوي العابر للحدود الثقافية اهتمامًا بالسياسات المصغرة (micropolitics) المتعلقة بمسألة السياق والذاتية والنضال، وكذلك أيضًا السياسات الكلية/ واسعة النطاق (macropolitics), الخاصة بالأنساق والعمليات الاقتصادية والسياسية العالمية. وقد ناقشت دراسة ماريا مايس Maria Mies (۱۹۸۲)، عن صانعات الدانتيلا في بلدة نارسابور بالهند بوصفها مثلاً يبين كيفية إجراء هذا النوع من التحليل متعدد الطبقات – في سياق يحدده (contextual) – من أجل إظهار كيف أن ما يتصف بالخصوصية كثيرًا ما تكون له أهمية ودلالة كونية؛ وذلك دون استخدام ما هو كوني لمحو ما هو خصوصي، ودون افتراض وجود هوة بين المصطلحين غير قابلة للالتئام. وقد كان تحليل ماريا مايس ينطوي على استخدام للمادية التاريخية بوصفه إطارًا أساسيًا وتعريفًا للواقع المادي ببعديه، البعد المحلي الدقيق من ناحية، والبعد الكوني النسقي (systemic) من ناحية أخرى. ولقد كتبت – وقتذاك – مطالبة بتعريف العالم الثالث والاعتراف به ليس فقط من خلال منظور القهر، وإنما في إطار من التعقيدات التاريخية والنضالات العديدة التي تمت في سبيل تغيير أشكال القهر هذه، وعلى ذلك فقد كتبت داعية إلى تحليلات من داخل سياقات مرتبطة بواقع (grounded) له حيثيته واعتباره الخاص (particularized)، مع ربطها بأطر سياسية واقتصادية على نطاق أوسع، بل حتى على نطاق عالمي. ولقد وجدت في رؤيتي عن تضامن نسوي عبر الحدود مصدرًا للإلهام، بالرغم من أن هذه الرؤية هي الأمر الذي بقي غائبًا عن نظر العديد من القارئات (أو القراء).
وقد استطاعت سيلفيا والبي Sylvia Walby (۲۰۰۰) في إطار تحليلها الواعي لرأيي الذي يتبنى مفهوم “سياسات الموقع” (politics of location)[Politics of Location هـو مصـطلح ابتدعتـه الكاتبة والناشطة النسـوية أدريان ريتش Adrienne Rich عـام ١٩٨٤ لتنـاقش عبـره الأبعـاد المرتبطـة بكونهـا أمريكيـة بيضاء في سياق السياسات النسوية الأوسع وعلاقـات القـوى المحلية والعالمية. وأصـبح – بشكل عام – مفهومًا يدعو النسـويات إلـى تحديـد وتحليل تأثيرات أبعاد مـواقعهن (الشخصية والاجتماعية والجغرافية – السياسية، إلخ) في ما يُكَوِّنَه مـن وجهـات نظـر وما ينتجنه/ يدعينه من معرفة، وقد تبنت هـذا المصطلح تشـاندرا موهـانتي، وانطلقت منه لتناقش فكرة تكوين تحالفات مؤقتة استراتيجية حـول قضايا معينة، بغض النظر عن قضية الاختلافات (على أساس الطبقة والعنصر والقومية، إلخ) أو دون طمسها.] – رؤية وتدقيق ما أتحدث عنه من العلاقة بين الاختلاف والمساواة. وهي تلفت الانتباه أيضًا إلى وجود حاجة إلى إطار مرجعي مشترك بين النسويات الغربيات والنسويات من مدرسة ما بعد الاستعمار (post – colonial) ونسويات العالم الثالث، بهدف تحديد المسائل الجديرة بأن تحسب في بنود الاختلاف. وهي تؤكد في رؤية نافذة أنه:
كثيرًا ما يتم تأويل كتابات موهانتي وغيرها من نسويات ما بعد الاستعمار على أساس أنهن يدعمن فقط فكرة المعارف الجزئية أو المرهونة بسياق إنتاجها (situated knowledges)، وذلك في التعليقات التي تقرب كتاباتهن إلى مدارك العامة. وحقيقة الأمر أن موهانتي تدّعي، عبر حجج مركبة ودقيقة، غير مباشرة، أنها على حق وأن (العديد من) اتجاهات النسوية الغربية البيضاء ليس فقط مختلفًا وإنما أيضًا يجافيه الصواب. وبذلك فهي تفترض وجود سؤال مشترك، ومجموعة مشتركة من المفاهيم، وفي النهاية إمكان مشروع سياسي مشترك مع النسوية البيضاء. وهي تأمل أن تدفع، بالحجة، النسوية البيضاء إلى الاتفاق معها. فهي لا تقنع بأن تدع النسوية الغربية البيضاء بوصفها معرفة نابعة من سياق إنتاجها، هانئة في منظورها المحلي والجزئي. كلا، فهي لا تفعل ذلك. إنها تطالب بحقيقة تقترب إلى حد أكبر من منزلة الحقائق الكونية، وهي تأمل أن تحقق ذلك بقوة الحجة. (Walby 2000. 199)
إن قراءة سيلفيا والبي للمقالة تتحدى الأخريات (أو الآخرين) إلى التفاعل مع تصوري عن مشروع سياسي نسوي مشترك ينتقد تأثيرات الدراسات النسوية الغربية عن النساء في العالم الثالث، ولكن في إطار من التضامن والقيم المشتركة. إذ إن إصراري على خصوصية الاختلاف إنما يقوم على رؤية عن مساواة منتبهة إلى الفوارق في القوة/ السلطة داخل مختلف جماعات النساء وفيما بينها. لم أكن أجادل أشكال التعميم، ولا كنت أبدي تفضيلاً للمحلي على النسقي، أو لأهمية الاختلاف على القواسم المشتركة، ولا للبعد الخطابي على ذلك المادي.
لم أقم بكتابة مقالة “تحت أعين غربية” بوصفها شهادة على استحالة وجود بحث أكاديمي عابر للثقافات يقوم على مبدأ التساوي ويخلو من النزعة الاستعمارية، ولا قمت بتعريف النسوية “الغربية” ونسوية “العالم الثالث” بشكل فيه تضاد لا يسمح بإمكان التضامن بين نسويات الغرب ونسويات العالم الثالث.4 ذلك، فإن هذه هي الطريقة التي كثيرًا ما تمت بها قراءة هذه المقالة واستعمالها.5 لقد تساءلت كثيرًا عن سبب تكون هذا الشكل من التضاد الحاد، ولعل استعراض السياق الفكري والمؤسسي الذي كتبت من داخله مقالتي وقتها، وكذلك التحولات التي أثرت في طريقة قراءتها منذ ذلك الحين، قد يوضح مقاصد هذه المقالة ومزاعمها.
على الصعيد الفكري، كنت أكتب متضامنة نقاد الفلسفة الإنسانوية (humanism) المتمركزة حول أوروبا، الذين لفتوا الأنظار إلى افتراضاتها الكاذبة في تعميماتها الكونية ذكورية المنطلق. وكان مشروعي مرتكزًا إلى إيمان حاسم من جانبي بأهمية الخاص بالنسبة إلى الكوني؛ إيمان بدور المحلي في تحديد الكوني وإلقاء الضوء عليه. فسعيت بدافع من تلك القضايا إلى جذب الانتباه إلى الثنائيات أو التضادات (dichotomies) المتبناة في هذا الإطار المعمم كونيًا والملازمة له، وكذلك إلى نقد “النسوية البيضاء” من قبل النساء الملونة (women of color) ونقد “النسوية الغربية” من قبل نسويات العالم الثالث اللآتي يعملن في إطار التحرر من النزعة الاستعمارية (decolonization) بوصفها منظومة فكرية. وكنت ملتزمة سياسيًا وشخصيًا ببناء تضامن نسوي عبر الحدود ليس له نزعة استعمارية. كنت مؤمنة بمشروع نسوي أكثر اتساعًا من ذلك الذي يحمل نزعة استعمارية وينشغل بذاته، والذي رأيته يظهر في كثير من الدراسات النسوية وفي الحركة النسائية العامة.
كما كان عملي مؤخرًا بالتدريس في مؤسسة أكاديمية أمريكية بيضاء في الأساس، له أثر شديد في كتابتي وقتئذ. فقد كنت مصممة على استخدام هذا الحيز من أجل خلق موقع للباحثات من العالم الثالث، والمهاجرات وغيرهن من المهمشات مثلي، اللآتي وجدن أنفسهن مستبعدات من، الدراسات النسوية الأمريكية الأوروبية السائدة وداخل مجتمعاتهن أو يُساء تمثيلهن داخلها. وقد كان مصدر إشباع عميق لدي أن أتمكن من فتح حيز فكري للمشتغلات بالبحث الأكاديمي من نساء العالم الثالث/ المهاجرات، كما حدث في المؤتمر الدولي الذي ساعدت على تنظيمه، تحت عنوان اختلافات مشتركة: نساء العالم الثالث ومنظورات نسوية (أوربانا، إلينوي، ۱۹۸۳). فقد أتاح هذا المؤتمر إمكان وجود مجتمع نسوي عابر للحدود متحرر من الاستعمار، كما عزز يقيني بأن “الاختلافات المشتركة” يمكنها أن تشكل قاعدة تضامن عميق، وأنه لابد لنا من أن نناضل لتحقيق ذلك الهدف في مواجهة علاقات القوة غير المتكافئة بين النسويات.
كانت كذلك ثمة آثار عديدة – شخصية ومهنية – ترتبت على كتابتي هذا المقال. وتتراوح تلك ما بين أن يتم تصويري في هيئة “الابنة العاقة” للنسويات البيض إلى عَدِّي مرشدة فكرية للباحثات في العالم الثالث أو المهاجرات؛ ما بين دعوات إلى المحاضرة أمام جماهير من النسويات في مختلف المحافل الأكاديمية، إلى نصائح بأن أركز في عملي المتعلق بالتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة بدلاً من اللهو والعبث “بالنظرية النسوية“. إن الإقدام على مواقف تتسم بعدم الولاء لهو أمر له ثمن يُدفع، كما له مكافآت تجْنَى، غير أنه حسبي القول بأنه ليس لدي ما أندم عليه ولست أشعر بغير الرضا العميق إزاء قيامي بكتابة “تحت أعين غربية“.
إني أعزو بعض السبب في طريقة قراءة مقالتي وسوء فهمهما إلى الصعود الكاسح الذي عرفه تيار ما بعد الحداثة في الأوساط الأكاديمية الأمريكية خلال العقود الثلاثة الأخيرة. ومع أنني لم أطلق على نفسي أبدًا وصف “ما بعد حداثية” إلا أنه من المهم أن نتأمل بعض الشيء في الأسباب التي دعت إلى إدراج أفكاري تحت هذا العنوان الملصق.6 ففي الواقع، إن رغبتي في التنويه إلى دور الاستحواذ والهيمنة الذي لعبته فلسفة ما بعد الحداثة تشكل أحد الأسباب التي دفعتني إلى هذه المراجعة لـ “تحت أعين غربية” في الوقت الحالي،7 وإنها لقراءة غير صحيحة إذ يتم تأويلي على أساس أني ضد جميع أشكال التعميم وأني أهتم بوضع مبدأ الاختلاف فوق ما هو مشترك، إن هذه القراءة غير الصحيحة تحدث في سياق خطاب ما بعد حداثي مهيمن، ينعت كل التفسيرات التي تجد صلات نسقية بأنها “كلية” “totalizing” ويشدد فقط على ما يطبع الهويات والبنى الاجتماعية من قابلية للتحول والإنشاء.
نعم، لقد استعنت بفكر ميشيل فوكو لأضع الخطوط العريضة في تحليل القوة/ المعرفة، ولكني استعنت كذلك بفكر أنور عبد الملك لأظهر التوجه الحاكم لبنية معينة من بنيات القوة الإمبريالية والتأثيرات المادية التي تنجم عنها، وكذلك استعنت أيضًا بأعمال ماريا مايس (۱۹۸۲) لأبرهن على الحاجة إلى تحليل مادي يربط بين الحياة اليومية والسياقات والأيديولوجيات المحلية المتأثرة بـ (النوع) تحليل من جهة، والسياقات والأيديولوجيات السياسية والاقتصادية الأوسع، عابرة القومية، المرتبطة بالرأسمالية، من جهة أخرى. إن الأمر الذي يثير اهتمامي حقًا هو أن أفهم كيف ولماذا تم تفضيل فكرة “الاختلاف” على “القواسم المشتركة” في تأويل مقالتي، وإني أدرك أن كتابتي تترك هذا الإمكان مفتوحًا، فلقد كتبت مقالتي عام 1986 أساسًا بدافع التحدي لما في الخطابات المتمركزة حول أوروبا من كونية كاذبة، وربما لم أتخذ موقفًا منتقدًا بشكل كافٍ لما في خطاب ما بعد الحداثة من إعلاء لشأن الاختلاف فوق القواسم المشتركة8. والآن، أجدني راغبة في التشديد – من جديد – على الصلات بين المحلي والكوني. ففي عام ١٩٨٦، كانت أولويتي تتمثل في أن قوم بإبراز مسألة الاختلاف، ولكني الآن أريد أن أسترد – أن أكرر ذكر – معناه الأكثر اكتمالاً الذي كان موجودًا دائمًا، والذي يمثل ما يربطه بالكوني. في كلمات أخرى، يتيح لي هذا النقاش أن أشدد – من جديد – على كيفية أن الاختلافات ليست أبدًا “اختلافات” فحسب، ففي معرفة الاختلافات والخصوصيات ما يجعلنا نرى الروابط والقواسم المشتركة بشكل أفضل، إذ ما من حدود أو تخوم كاملة تمامًا أو حاسمة الجزم. وإن التحدي ليتمثل في أن نعرف كيف تسمح لنا الاختلافات بتفسير الروابط ونقاط عبور الحدود بصورة أفضل وأدق، كيف يسمح لنا تحديد الاختلاف بالنظر في الهموم الكونية بصورة أكثر اكتمالاً. تلك هي النقلة الفكرية التي تفسح مجالاً لاهتمامي بأن تقوم النساء من مختلف الجماعات والهويات ببناء تحالفات وأشكال تضامن، عابرة الحدود.
وإذن، ما الأمور التي تغيرت وتلك التي بقيت على حالها فيما يخصني؟ ما المسائل الفكرية والسياسية الملّحة بالنسبة إلى الدراسات النسوية والتنظيم النسوي عند هذه اللحظة من التاريخ؟ أولاً، فلأقل إن مصطلحي العالم الغربي والعالم الثالث تظل لهما قيمة سياسية وتفسيرية في عالم يستحوذ على التعدد الثقافي و“الاختلاف” ويذيبهما من خلال تحويل كل شيء إلى سلعة (commodification) وتشجيع الاستهلاك. بيد أن المصطلحات التي قد ألجأ إليها في الوقت الحالي لا تقتصر على هذين المصطلحين، فعلى أساس أن الولايات المتحدة والمجتمع الأوروبي واليابان تمثل معًا مراكز القوة الرأسمالية في بواكير القرن الواحد والعشرين، وبازدياد تواجد العالم الثالث والرابع داخل الحدود القومية لتلك البلدان بعينها، وكذلك مع تزايد بروز السكان الأصليين داخل أمم العالم الأول في أرجاء العالم، ونضالهم لتحقيق السيادة، لم يعد مصطلحًا العالم الغربي والعالم الثالث يفسران الشيء الكثير بقدر ما يفعل التصنيف في فئتي الشمال/ الجنوب (North/ South) أو عالم الثلث/ عالم الثلثين
.(One- Third/ Two – Thind Worlds)
إن الشمال/ الجنوب هو تقسيم يُستخدم في التفرقة بين الأمم والجماعات التي لها الحظوة، وبين الأمم والجماعات المهمشة اقتصاديًا وسياسيًا، كما هو الحال مع تقسيم غربي/ غير غربي، وفي حين أن المقصود من هذه المصطلحات هو التمييز – بصورة عامة – بين النصف الشمالي من الكرة الأرضية والنصف الجنوبي، من البديهي أن الأمم المرفهة وتلك المهمشة لا تنتظم تمامًا داخل هذا السياق الجغرافي. ويبقى مع ذلك أن هذا التصنيف بوصفه نوعًا من التسمية السياسية التي تسعى إلى التمييز بين “من لديهم” (“haves”) و“من ليس لديهم” (“have nots”)، فهو يمتلك في حقيقة أمره قيمة سياسية معينة، ونجد مثالاً على ذلك في صياغة أريف ديرليك Arif Dirlik لمصطلح الشمال/ الجنوب بوصفه تمييزًا مجازيًا بالأحرى عن كونه تمييزًا جغرافيًا، يشير فيه الشمال إلى مسارات الرأسمالية عابرة القوميات والجنوب إلى فقراء العالم المهمشين، بغض النظر عن انتمائهم الجغرافي. 9
إن لغة عالم الثلث وفي مقابله عالم الثلثين – كما وضع تفصيلها جوستافو أستيفا ومادو سوری براکاش Gustavo Esteva & Madha Suri Prakash (۱۹۹۸) – أجدها لغة مفيدة على وجه الخصوص، لاسيما فيما يتصل بالعالم الثالث/ الجنوب والعالم الأول/ الشمال. فهذه المصطلحات تمثل ما يطلق عليه أستيفا وبراكاش أقليات اجتماعية (social minorities) وأغلبيات اجتماعية (social majorities)، وهي فئات تحددها الوعية الحياة التي تعيشها الشعوب والمجتمعات في كلٍّ من الشمال والجنوب.10 إن الميزة في مصطلح عالم الثلث/ عالم الثلثين بالنسبة إلى مصطلحات مثل العالم الغربي/ العالم الثالث والشمال/ الجنوب تكمن في أنه يبتعد عن الثنائيات الجغرافية والأيديولوجية التي تثير الالتباس. وبتركيزه على نوعية الحياة بوصفها قاعدة للتمييز بين الأقليات والأغلبيات الاجتماعية، يلفت تصنيف عالم الثلث/ عالم الثلثين النظر إلى مناطق الاتصال ونقاط الانقطاع بين من لديهم ومن ليس لديهم، داخل حدود الأمة، وكذلك بين الأمم وجماعات السكان الأصليين. كما تبرز هذه التسمية انسيابية وسطوة القوى العالمية التي تقوم بإحلال جماعات من الناس في موضع أغلبيات/ أقليات اجتماعية بشكل ينطوي على عدم تكافؤ، يظل تقسيم عالم الثلث/ الثلثين غير جوهراني (nonessentialist)، في حين أنه يدرج تحليلاً للقوة/ السلطة والفاعلية الإنسانية له أهمية حاسمة، ومع ذلك فإن الشيء الذي يبقى غائبًا عنه هو ذلك التاريخ الاستعماري الذي يتميز مصطلحًا العالم الغربي/ العالم الثالث بقدرتهما على جذب الانتباه إليه.
كما يوضح هذا النقاش حول اللغة المصطلحية، فإننا لازلنا نعمل مستخدمين لغة تحليلية غير دقيقة ولا كافية، إذ ليس متاحًا لنا عند لحظة أو غيرها سوى تلك اللغة التحليلية التي لها أن تقرب إلينا – على أوضح ما يمكن – معالم العالم كما نفهمه، يمثل هذا التمييز بين عالم الثلث وعالم الثلثين – وأحيانًا بين العالم الأول/ الشمال والعالم الثالث/ الجنوب– يمثل اللغة التي اختار استخدامها الآن. ولأن لغتنا تتسم – في الواقع – بعدم الدقة فإنني لا أميل إلى أن أدع أية لغة تتجمد في مكانها بلا حراك، واللغة التي استخدمتها عام ١٩٨٦ يجب أن تنفتح على إمكان تدقيقها والبحث فيها، لا على مأسستها.
وفي النهاية، أريد إمعان التفكير في قضية مهمة لم أتعرض لها في مقالة “تحت أعين غربية“؛ ألا وهي مسألة نضالات السكان الأصليين، وهي مسألة تلفت أنظارنا إليها راديكا موهانرام Radhika Mohanram في النقد الذي كتبته عام ١٩٩٩ لمقالتي. إذ تشير إلى وجود اختلاف بين طريقة فهم الأمة بوصفها قائمة على “التعددية الثقافية” (“multicultural”) (وهو الفهم السائد في الولايات المتحدة) وفهم الأمة بوصفها “ثنائية الثقافة” (“bicultural”)، وهو ما يدعو إليه الأهالي الأصليون في آوتياروا (Aotearoa) في نيوزيلندة. كما تقول إن مفهومي عن السياق المشترك للنضال يوحي بوجود تحالفات منطقية بين عدد من النساء السود: نساء الماوري، النساء الآسيويات، ونساء جزر المحيط الهادي، في حين أن نساء الماوري يرين التعددية الثقافية– أي التحالفات مع النساء الآسيويات – تُقَوِّضُ حقوق الأهالي الأصليين وتتهدد الثنائية الثقافية القائمة، ويفضلن أن يقمن تحالفهن مع الباكيها (Pakeha)؛ أي الشعب الأنجلو– سلتي، الأبيض [موهانرام ۱۹۹۹، ص ۹۲– ٩٦].
إني أسلم بأن التمييز بين الثنائية الثقافية والتعددية الثقافية يطرح مشكلة عملية على صعيد التنظيم وبناء التحالفات، وبأن النسويات من الماوري لهن تاريخ ووضع لا يمكن تصنيفه ضمن التحليل الذي طرحته حتى هذه اللحظة. إن نضالات النساء من السكان الأصليين التي لا تتبع مسارًا قائمًا على التضمينات والإقصاءات الحاصلة في إطار عمليات التسيد والسيطرة الرأسمالية والعنصرية والقومية – ومن قبل نمط الجنسانية الغيرية – هذه النضالات لا يمكن تغطيتها بسهولة في نطاق فئات من قبيل “العالم الغربي” و“العالم الثالث“،11 ولكنها – أي هذه النضالات – تصبح بادية للعين في ضوء تعريف عالمي الثلث/ الثلثين، بل إن لها مكانة محورية في هذا التعريف؛ نظرًا لأن مطالبات الأهالي الأصليين بالسيادة، وطرقهم في الحياة وممارساتهم البيئية والروحانية، تجعل لهم أهمية مركزية بالنسبة إلة تعريف الغالبية الاجتماعية (عالم الثلثين). وما دام إحداث نقلة على صعيد المصطلحات المفاهيمية فحسب هي خطوة لا تشكل ردًا مكتملاً على نقد راديكا موهانرام، فإني أعتقد أن هذه النقلة توضح أوجه القصور في استخدامي السابق لمصطلحي العالم الغربي والعالم الثالث وتتصدى له. ومما يثير العجب أنه في سياق “تحت أعين غربية” كان بوسعي أن أعرّف نفسي بانتمائي إلي فئتي العالم الغربي والعالم الثالث معًا؛ انطلاقًا من واقع التعقيدات التي تكتنف وضعي داخل عالم الثلث. غير أنني الآن – كما كان حالي أيضًا وقت أن كتبت المقالة الأولى – أجد لي ساقًا فئة منهما وساقًا في الأخرى، فأنا من عالم الثلثين داخل عالم الثلث. فبالرغم من أنني أشكل بوضوح جزءًا من الأقلية الاجتماعية بكل امتيازاتها، فإن اختياراتي السياسية، ونضالاتي، ورؤيتي عن التغيير، تضعني كلها في جانب عالم الثلثين. ومن ثم، فإنني في صف عالم الثلثين، وإنْ كنت أظل أحمل امتيازات عالم الثلث، وأنا أتحدث بوصفي شخصًا بجد موقعه في عالم الثلث، ولكن من داخل حيز ورؤية الجماعات المناضلة في عالم الثلثين، وبالتضامن معها.
ثمة تحولات طرأت على الخريطة السياسية والاقتصادية للأمم والمجتمعات البشرية خلال العقدين الماضيين، كما مرت التخصصات المعرفية ومجالات الدراسة في المؤسسة الأكاديمية الأمريكية بتحولات في خرائطها الفكرية. فعلى سبيل المثال، يمثل ميلاد دراسات ما بعد الاستعمار وظهورها على الصعيد المؤسسي ظاهرة حديثة نسبيًا، كذلك الحال أيضًا مع ما حدث في الوقت نفسه من تراجع في المكاسب التي كانت قد حققتها أقسام الدراسات العرقية ودراسات العنصر في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. وتعد دراسات النساء حاليًا مجالاً دراسيًا قد تأسس تمامًا، وله أكثر من ثمانمائة برنامج وقسم جامعي في المؤسسة الأكاديمية الأمريكية.12 وكذلك فقد حققت النظرية النسوية والحركات النسوية عابرة القومية مستوى مهمًا من النضج، فمنذ أوائل الثمانينيات من القرن العشرين وثمة قدر أكبر من الظهور قد تحقق لحركات ونضالات النساء، العابرة للحدود القومية، والتي أسهمت فيها جزئيًا المؤتمرات العالمية للنساء التي تولت الأمم المتحدة عقدها على مدى العقدين الماضيين.
على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، ثمة اضمحلال في قدرة الحكم الذاتي لدى بعض الدول الأشد فقرًا، يقابله على الجانب الآخر تنامٍ في أهمية المؤسسات عابرة القوميات مثل منظمة التجارة العالمية، كذا التنامي في أهمية الهيئات الحاكمة مثل الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن الدور المتعاظم للشركات التجارية الكبرى (corporations) الهادفة للربح. فقد صار هناك إحدى وخمسون شركة، ولا نقول دولة، تدخل في عداد أكبر القوى الاقتصادية في العالم، وأصبحت منظمة العفو الدولية تراقب في تقاريرها الشركات الكبرى إلى جانب الدول (Eisenstein 1998 10). هذا بالإضافة إلى أن هيمنة اتجاهات الليبرالية الجديدة (neo-liberalism) جنبًا إلى جنب تطبيع القيم الرأسمالية، تمثل عوامل تركت أثرًا كبيرًا في قدرة الأفراد على تحديد اختياراتهم على صعيد الحياة اليومية في أوساط الجماعات المهمشة اقتصاديًا، مثلما في أوساط الجماعات المتميزة اقتصاديًا في كافة أرجاء المعمورة.
إن صعود الحركات الدينية الأصولية بشعاراتها الغارقة في الذكورية والمتسمة غالبًا بالعنصرية، يضع نضالات النسوية حول العالم أمام تحدٍ هائل. وأخيرًا، فإن “الطريق السريع لنقل المعلومات“[ ظهر هذا المصطلح في التسعينيات في الولايات المتحدة، والمقصود به وسائل وشبكات الاتصال الرقمية، وخصوصًا الإنترنت، التي تهيئ إمكانات تناقل المعلومات بصورة فائقة السرعة وعظيمة النطاق.] (“informational highway”) وعمق اللامساواة الكامنة فيه، وتنامي اتجاهات عسكرة الكرة الأرضية وتذكيرها (militanization and masculinization)، يصاحبهما النمو في حجم النشاط التجاري المرتبط بقطاع السجون (the prison industrial complex) في الولايات المتحدة،[يشير هذا المصطلح إلى جماعات مصالح تمثل منظمات تتكسب من عملها مع أو في قطاع السجون، مثل مؤسسات خاصة للتهذيب والإصلاح، شركات تستعين بالسجناء للعمل بأجور زهيدة، شركات مقاولات لبناء السجون، وتجار أجهزة المراقبة الإلكترونية. ويعتني النقد الموجه إلى هذا النظام بإبراز تقاطع مصالحه المادية مع مصالح الحكومة التي تميل إلى استخدام السجون بوصفها حلاً لمشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية، واعتماد النظام على أنساق من التمييز العنصري والطبقي و(النوعي) والخوف من الأجانب… إلخ.] تطرح كلها تناقضات عميقة في حيوات جماعات النساء والرجال في معظم بقاع العالم. وإني أؤمن بأن هذه التحولات السياسية نحو اليمين، ومعها تلك الهيمنة الرأسمالية العالمية، والخصخصة، ومظاهر الكراهية المبنية على الاختلاف الديني أو العرقي أو العنصري، هي مسائل تفرض تحديات حقيقية وملموسة أمام النسويات، وإني لأسال – في هذا السياق – ما الترجمة الفعلية لفكرة أن نكون منتبهين للسياسة المصغرة التي تشمل الحياة اليومية ومنتبهين في الوقت نفسه للسياسات الأوسع نطاقًا التي تعيد استعمار ثقافات الناس وهوياتهم في أرجاء العالم، إذ إن طريقة تفكيرنا في الجانب المحلي في ما هو عالمي أو لما هو عالمي، وبالعكس، دون اللجوء إلى ترهات عن الاختلاف لها نزعة استعمارية أو تستدعي النسبية الثقافية – هذه الطريقة لها أهمية حاسمة في هذه الخارطة الفكرية والسياسية. ومن ناحيتي، أرى هذا النوع من التفكير متوقفًا على مقاربة مادية تاريخية منقحة، تضع في حسبانها عوامل العنصر و(النوع).
تظل السياسة التي تكتنف العمل البحثي النسوي العابر للثقافات من موقع الفضالات النسوية في العالم الثالث/ الجنوب موضعًا تحليليًا يفرض علىَّ الاهتمام به.13 فالمنظومات الفكرية التحليلية المتمركزة حول أوربا تواصل ازدهارها، بينما أظل ملتزمة بمعاودة خوض النضالات المعنية بنقد صريح لتأثير الاستعمار الخطابي في حياة النساء المهمشات ونضالاتهن. كما أن التزامي الأساسي يتمثل في بناء روابط بين البحث الأكاديمي النسوي والتنظيم السياسي. ومن ثم، فإن الإطار التحليلي – الذي استخدمه – في الزمن الراهن– يظل بالغ الشبه بالإطار الذي وجهت عبره نقد ي السابق لنزعة المركزية الأوروبية. غير أنني أنظر الآن إلى التوجهات السياسية والاقتصادية للرأسمالية بوصفها مقامًا للنضال أكثر أهمية وإلحاحًا. لا زلت أتمسك بإطار تحليلي يلتفت إلى السياسة المصغرة المتعلقة بالحياة اليومية، مثلما يلتفت إلى السياسة الكلية المعنية بالسيرورات الاقتصادية والسياسية العالمية؛ فالصلة بين الاقتصاد السياسي والثقافة تظل لها أهمية حاسمة بالنسبة إلى أي شكل من أشكال التنظير النسوي، كما أنها حاسمة بالنسبة إلى عملي. وليس الإطار الفكري هو الذي تغير إذن، لكن المسألة ان السيرورات الاقتصادية والسياسية العالمية قد ازدادت قسوة وتوحشًا؛ الأمر الذي أدى إلى تفاقم التفاوتات الاقتصادية والعنصرية و(النوعية)، مما يستدعي العمل على كشفها في حقيقتها، وإعادة استجلائها وتنظيرها.
وبينما انصب اهتمامي فيما سبق على التمييز بين الممارسات النسوية “الغربية” وتلك النابعة من “العالم الثالث“، وبينما عاملت القواسم المشتركة بين هذين الجانبين بوصفها قليلة الشأن والأهمية، أصبح محور اهتمامي الآن متمثلاً فيما اخترت أن أطلق عليه ممارسة نسوية عابرة للقومية ومناهضة للرأسمالية، فضلاً عن اهتمامي بإمكانات – بل في حقيقة الأمر ضرورات – التضامن والتنظيم النسوي العابر للقومية المضاد للرأسمالية. وفي حين كانت مقالتي “تحت أعين غربية” تقع في سياق المراجعة النقدية للفلسفة الإنسانوية الغربية والنزعة المركزية الأوربية والنسوية الغربية البيضاء، فإن مثل هذه المقالة إذ تكتب في الوقت الحالي لا بد لها من أن تجد موقعها في سياق المراجعة النقدية للرأسمالية العالمية (أي حول مناهضة العولمة) وعملية تطبيع القيم الرأسمالية، والسطوة غير المعترف بحجمها التي يتمتع للحدود الثقافية. بها مفهوم النسبية الثقافية داخل الأعمال البحثية ومناهج التدريس النسوية العابرة للحدود الثقافية.
إن “تحت أعين غربية” كانت تسعى إلى جعل فِعال القوة/ السلطة الخطابية ظاهرة للعيان، وإلى لفت الأنظار نحو الأمور التي تم حذفها خارج التنظير النسوي، ألا وهي التعقيد المادي، والحقيقة، والفاعلية الموجودة في أجساد نساء العالم الثالث وحيواتهن. وتلك – في حقيقة الأمر– الإستراتيجية التحليلية نفسها التي ألجأ إليها – الآن – لجذب الانتباه إلى ما لم يحظ بالملاحظة أو بالتنظير أو بمكان داخل عمليات إنتاج المعرفة بشأن العولمة. وبينما تمثل العولمة جزءًا لا يتجزأ من الرأسمالية – والرأسمالية نفسها ليست بالظاهرة الحديثة – فإني أعتقد – في الوقت الراهن – في ضرورة أن تشكل النظرية والمراجعة النقدية والنشاط السياسي المعنيين بمناهضة العولمة محورًا رئيسًا في اهتمامات النسويات. بيد أنه لا ينبغي أن يفهم من ذلك أن علاقات البطريركية والعنصرية وأبنيتها المصاحبة للرأسمالية قد غدت أقل إشكالاً في الوقت الحالي، ولا أن مناهضة العولمة تُعَدُّ ظاهرة متفردة، فأنا – شأن العديد من الباحثات (أو الباحثين) والناشطات (أو الناشطين) – أؤمن أن الرأسمالية كما يجري عملها الآن إنما تعتمد على تفاقم علاقات الحكم (relations of rule)[Relations of rule مصطلح تستعيره تشاندرا موهانتي من عالمة الاجتماع دوروثي سميث Dorothy Smith للإشارة إلى بني القوة/ السلطة والسيطرة المتعددة والمرنة التي لا تنبع من مركز واحد (الدولة مثلاً)، وإنما تمارس فعلها وتحدث أثرها (سلبًا أو إيجابًا) في واقعنا اليومي، من خلال مؤسسات مثل المدارس ونظم الرعاية الصحية والقوى العسكرية والنظم القضائية والأسواق ووسائل الإعلام.] وتتسبب فيها؛ و وهي علامات تتسم بالعنصرية والبطريركية والتعصب الجنسانية الغيرية.
ما أنواع المنهجيات النسوية والاستراتيجيات التحليلية التي تفيد في إظهار آليات القوة/ السلطة (وإبراز حياة النساء) داخل خطابات تتسم – صراحة – بخلوها من التحيز (النوعي) والعنصري؟ تعد الاستراتيجية محل هذا النقاش مثلاً على كيفية تحليل الرأسمالية وشتى علاقات الحكم المرتبطة بها من خلال مراجعة نقدية نسوية عابرة للقومية ومناهضة للرأسمالية. وتستند تلك المراجعة النقدية إلى المادية التاريخية، وتضع مسألة (النوع) المتقاطع مع العنصر (racialized gender) في مركز تفسيراتها واهتمامها. ويجعل هذا التحليلُ نقطة بدايته ومرتكزه في موقع جماعات النساء التي تعاني النصيب الأكبر من التهميش – النساء الفقيرات من كل لون، داخل الأمم الغنية وأمم الاستعمار الجديد (neocolonial nations)- أي نساء العالم الثالث/ الجنوب، أو عالم الثلثين14. وإني لأؤمن بأن اختيار حياة جماعات النساء المهمشة مرتكزًا قائمًا على تجربة حياتية ومرتكزًا تحليليًا يمثل الاختيار الذي يمدنا بالمنظومة الفكرية الأكثر احتواءً (the most inclusive paradigm)، ومن ثم الأصلح للتفكير في العدالة الاجتماعية، ويفسح هذا المنظور ذو الاعتبار (particularized) مجالاً لرؤية عن العدالة الكونية أشد واقعية وأكثر اتساعًا.
يقف مثل هذا التفكير على النقيض التام من التفكير انطلاقًا من جماعات “المصالح الخاصة” (special interest thinking)؛ إذ لو نظرنا إلى الحيز الذي تشغله بعض جماعات النساء الأشد حرمانًا من حقوقها على مستوى العالم وفكرنا من داخله، فسوف تزداد فرصتنا في تكوين رؤية عن مجتمع عادل وديمقراطي قادر على معاملة جميع مواطنيه بإنصاف. وعلى الجانب المقابل، إذا بدأنا التحليل من – وحصرناه في – حيز الجماعات الأكثر حظوة، فمن شأن رؤانا عن العدالة أن يصبح لها طابع إقصائي (exclusionary) لأن الحظوة تعمي بصر أصحابها عن أولئك الذين لا يحظون بالامتيازات نفسها. إن الانطلاق من حيوات جماعات النساء المهمشة ومصالحها، يجعل لنا قدرة التعرف على سير فِعال القوة/ السلطة وإظهارها للعين – أي قراءة درج الامتيازات من قاعدته إلى قمته. ونحن نحتاج إلى نظرة في اتجاه علوي أكثر من الاتجاه العكسي؛ لأنه من الضروري للشعوب المستعمَرة أن تكون على معرفة بنفسها وبالمستعمِر. وهذا المكان المهمش يُظهر للعين تلك السياسة التي تكتنف المعرفة وما يصاحبها من استثمارات القوة/ السلطة، حتى يتسنى لنا أن ننخرط في العمل على تغيير استخدامات القوة/ السلطة وسوء استخدامها. وينهل هذا التحليل من مفهوم الامتياز المعرفي أو المنظور المعرفي المتميز (privilege epistemic) كما وضعته صاحبات نظرية المنظور من منطلق نسوي (feminist standpoint) (التي تستمد جذورها من مفهوم المادية التاريخية عند ماركس ولوكاش) وكذلك من مدرسة الواقعيين ما بعد الوضعيين (postpositivist realists) الذين يقدمون تحليلاً للتجربة والهوية والتأثيرات المعرفية النابعة من الموقع الاجتماعي للأفراد أو الجماعات.15 وتُعَدُّ وجهة نظري إذن وجهة نظر مادية و“واقعية“، وهي بمثابة النقيض المضاد لمذهب النسبية ما بعد الحداثية (postmodernist relativism)، فأنا أعتقد في وجود صلات سببية بين المواقع والتجارب الاجتماعية المهمشة من جهة، وقدرة الفاعلين البشريين (human agents) على شرح ملامح من المجتمع الرأسمالي وتحليلها. ويجد هذا المنظور التحليلي أساسه في المادية التاريخية، ولا يعني ما أزعمه أن كافة مواقع المهمشين مواقع تدر معرفة خطيرة الشأن عن القوة/ السلطة ومظاهر الإجحاف، بل أعني أنه في إطار نسق رأسمالي شديد الاندماج والتكامل تعطينا الرؤية من موقع النساء من الأهالي الفقراء ونساء العالم الثالث/ الجنوب منظورًا هو الأكثر احتواءً وتضمينًا من بين منظورات القوة/ السلطة النسقية.
في عديد من حالات التمييز العنصري – في مجال البيئة على سبيل المثال – حيث يتم استهداف أحياء الفقراء الملونين بوصفها مواقع جديدة لبناء السجون وإلقاء المخلفات السامة، ليس من باب المصادفة أن النساء الفقيرات من السود والهنود الحمر والأمريكيات الجنوبيات هن اللآتي يتزعمن حركات الكفاح ضد التلوث الناتج عن نشاطات الشركات التجارية الكبرى، فثمة ثلاثة من كل خمسة مواطنين أمريكيين من أصول أفريقية أو لاتينية يعيشون بالقرب من مواقع النفايات السامة، كما أن ثلاثة من بين مقالب النفايات الخطرة الخمسة الكبرى تتواجد في قلب مجتمعات يمثل السود والملونون 80% من مجموع سكانها (Pardo 2001. 504- 511). ومن ثم، فإن أفكارهن وتأملاتهن النقدية إزاء حياتهن اليومية بوصفهن نساءً فقيرات من عرقيات ملونة هي – على وجه التحديد – ما أتاحت هذا النوع من التحليل لبنية القوة/ السلطة التي أفضت إلى الانتصارات العديدة عرفها النضال ضد العنصرية البيئية.16 وهو أمر فيه درس وعبرة للتحليل النسوي.
وعلى نحو مشابه، تطرح العالمة النسوية فاندانا شيفا Vandana Shiva – وهي واحدة من أكثر زعماء الحركة المناوئة للعولمة ظهورًا – مراجعة نقدية ذات فائدة؛ إذ تلقي ضوءًا على اتفاقيات حقوق براءة الاختراع وحقوق الملكية الفكرية (patents and intellectual property rights) التي أجازتها منظمة التجارة العالمية منذ عام 1995؛ 17 فهي تقول ومعها آخرون (أو أخريات) من نشطاء حركات حقوق البيئة وحقوق الأهالي الأصليين (indigenous rights) إن منظمة التجارة العالمية تجيز عمليات القرصنة البيولوجية (biopiracy)، وتنخرط في عمليات القرصنة الفكرية، بتمييزها لدعاوى الشركات الكبرى المنطلقة من مصالحها التجارية – وهي دعاوى تنطلق من أنساق غربية من المعرفة في مجالي الزراعة والطب– على حساب المنتجات والمبتكرات الناشئة من تقاليد المعرفة المحلية. ومن ثم، فإن منظمة التجارة الدولية – عير تعريفها الأطر المعرفية العلمية الغربية بأنها تمثل النسق العلمي الذي له وحده الشرعية – تتمكن من إعطاء توقيعها على براءات تنقل منتجات المعرفة الأهلية (مثل شجرة النيم Neem في الهند) إلى الشركات الرأسمالية الكبرى بوصفها ملكية فكرية لها تحظى بالحماية من خلال اتفاقيات حقوق الملكية الفكرية. ومن محصلة ذلك أن وصلت نسب تسجيل براءات اختراع الأدوية والعقاقير الطبية المشتقة من أنساق علاجية أهلية إلى مستويات هائلة. وأستشهد هنا بكلمات فاندانا شيفا:
من خلال تسجيل البراءات، تتم قرصنة المعرفة الأهلية باسم حماية المعرفة ومنع القرصنة. إن خبرة آبائنا وأجدادنا وفلاحينا بالبذور هي معرفة تقوم المؤسسات الأمريكية والعلماء الأمريكيون بادعائها لأنفسهم ويتولون تسجيل براءتها على أساس أنها من اختراعهم. ويعود السبب الوحيد في جواز مرور مثل هذا الموقف إلى أن ثمة إطارًا عنصريًا يكمن وراء المسألة برمتها. وهو إطار مفاده أن المعرفة النابعة من العالم الثالث ومن الشعوب الملونة ليست بمعرفة، غير أن تلك المعرفة نفسها حالما يضع الرجال البيض – الذين لديهم رأسمال – أيديهم عليها، فجأة يصبح هذا هو الإبداع… إن براءات الاختراع ما هي إلا إعادة لعرض الاستعمار الذي يُدعى الآن العولمة والتجارة الحرة. (Shiva et al 2000. 32)
ليس هذا التباين الصارخ بين أنساق العلم الغربية من جهة، والأطر المعرفية والأنساق الطبية الشعبية من جهة أخرى، بالقضية الوحيدة في هذا المعرض. ذلك أن قدرة القوى الاستعمارية والشركات الرأسمالية الكبرى على تعريف العلم الغربي، والتعويل على القيم الرأسمالية المتعلقة بالملكية الخاصة، والمكسب بوصفها تمثل النسق المعياري الوحيد، هو ما يعطيها قدرًا هائلاً من صلاحيات القوة/ السلطة.
وعلى ذلك، تخضع المعارف الأهلية – التي غالبًا ما تتولد وتُستخدم بشكل جماعي على يد النساء القبليات والفلاحات في حياتهن المنزلية والمحلية والعمومية – تخضع هذه المعارف للأيديولوجيات التي تنتجها منظومة علمية غربية مرتبطة بمصالح الشركات الكبرى، حيث لا يمكن استيعاب حقوق الملكية الفردية إلا في شكل من أشكال التملك والخصخصة، ومن ثم تتعرض كل الابتكارات التي هي جماعية – والتي كانت قد نشأت عبر الزمن في الغابات وفي المزارع – إما للتملك أو الإقصاء؛ نظرًا لأن تصور المشاعية الفكرية (intellectual commons) – حيث يتم جمع المعرفة جماعيًا وتداولها المنفعة الجميع، وحيث لا يمتلكها أحد ملكية خاصة – يعد تصورًا مناقضًا تمامًا لمفهوم الملكية الخاصة والامتلاك الذي يمثل الأساس الذي تقوم عليه اتفاقيات حقوق الملكية التي تجيزها منظمة التجارة العالمية. ومن ثم، تؤدي فكرة الملكية الفكرية الجماعية بين النساء القبليات والفلاحات – في حقيقة الأمر – إلى إقصائهن من مبدأ الملكية بفعل تسهيلها لعملية القرصنة البيولوجية على أيدي تكتلات الشركات الرأسمالية الكبرى.
هذا التمركز في تجارب نساء الهند من القبليات والفلاحات وأطرهن المعرفية هو الذي جعل تحليل فاندانا شيفا لحقوق الملكية الفكرية والقرصنة والعولمة تحليلاً ممكنًا، إذ اتخذت من ممارسات النساء الأهليات ومعارفهن نقطة بدئها في “قراءة” بنية القوة/ السلطة “طلوعًا” من أسفل إلى أعلى حيث السياسات والممارسات التي تجيزها منظمة التجارة العالمية، وهو ما يجعل من هذا التحليل مثالاً جليًا على المقصود من سياسة نسوية عابرة للقومية مناوئة للرأسمالية.
يبقى أن فاندانا شيفا لم تقل عن (النوع) كل ما كان بوسعها أن تقوله، إذ ينبغي ألا ننسى أنها تتكلم – على وجه التحديد – عن عمل النساء ومعارفهن التي تجد مرتكزها في التجارب المعرفية الخاصة بجماعة من أكثر جماعات النساء تهميشًا، جماعة النساء القبليات والفلاحات الفقيرات في بلاد الهند الغائبة عن النظر والمستبعدة من الحسابات الاقتصادية القومية والدولية، إن تحليلاً يعير الاهتمام إلى تجارب الحياة اليومية لدى النساء القبليات وإلى السياسة المصغرة التي تكتنف نضالاتهن التي ما هي في النهاية إلا أمثلة نضال ضد الرأسمالية، إنما يلقي الضوء على السياسة الكلية والنسقية المرتبطة بعمليات إعادة الهيكلة العالمية (global restructuring)، وهو تحليل يشير إلى عمق تداخل المحلي والخصوصي مع العالمي والكوني، كما يشير إلى الحاجة إلى تكوين تصور مفاهيمي عن قضايا العدالة والإنصاف عبر لغة تتجاوز حدود البلدان. وبكلمات أخرى، يحمل هذا النمط من القراءة رؤية عن نسوية لا تحدها حدود، من حيث كونه يبرز الحاجة إلى تحليل ورؤية تضامن عابر لحدود الملكية المخصخصة التي فرضتها منظمة التجارة العالمية.
تقدم هذه الأمثلة المخصوصة منظومة فكرية هي الأكثر تضمينًا أو اشتمالاً؛ لفهم دوافع العولمة وتأثيراتها كما صنعتها منظمة التجارة العالمية. ومن الطبيعي أنه لو كنا نقدم على هذا التحليل ذاته – من داخل حيز الإطار المعرفي الذي يضم مصالح الشركات التجارية الغربية – لما صار ممكنًا أن نخرج بتحليل يعزز أهمية المعرفة الأهلية المستندة إلى علاقات التشارك الجماعي بدلاً من العلاقات التراتبية الهادفة إلى تحقيق الكسب المادي. ومن ثم، فإن مسألة النساء الفقيرات من القبليات والفلاحات – وما لديهن من معارف وما لهن من مصالح – تغيب عن النظر داخل هذا الإطار التحليلي نظرًا لأن فكرة الملكية الفكرية المشاعية – على الأخص – تقع بالضرورة خارج نطاق مبدأ الملكية المخصخصة والمكسب الذي يشكل قاعدة ترتكز اليها مصالح الشركات التجارية. إن القضية التي تجابه حركة نسوية عابرة للقومية تتعلق بوضوح بالرؤى عن المكسب والعدالة كما تتجسد هذه الرؤى داخل هذين المنظورين التحليليين المتعارضين، فالاعتناء بمبدأ المكسب مقابل مبدأ العدالة من شأنه إيضاح النقطة التي سبق وأشرت إليها عن دلالة الموقع الاجتماعي والمنهجيات التحليلية الاشتمالية. وحقيقة الأمر أن موقع النساء القبليات الاجتماعي – كما أسهبت في شرحه فاندانا شيفا – هو الذي يسمح لمفهوم عريض واشتمالي عن العدالة أن يقع في محط اهتمامنا. وبالمقابل نجد أن الموقع الاجتماعي للشركات الكبرى ومصالحها المنحصرة في ذاتها هو الذي يشكل الدافع إلى خصخصة حقوق الملكية الفكرية بدعوى تحقيق المكاسب للنخب.
إن ما تطرحه فاندانا شيفا هو في الأساس بمثابة مراجعة نقدية للخصخصة العالمية التي تتعرض لها المعارف الأهلية. فنحن أمام قصة صعود المؤسسات العابرة للقوميات من قبيل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والمؤسسات البنكية المالية، والهيئات الحاكمة المتعدية للحدود القومية (مثل اتفاقية الاستثمارات المتعددة الجنسيات). وقد كانت تأثيرات هذه الهيئات الحاكمة في الشعوب والجماعات الفقيرة في أرجاء العالم مدمرةً. فالنساء والبنات في مختلف بقاع العالم – لاسيما في العالم الثالث/ الجنوب– أكثر من يرزح تحت وطأة العولمة، على أصعدة جوهرية. فالنساء والبنات الفقيرات هن اللواتي يُصَبْنَ بأكبر قدر من الضرر بفعل تردي أحوال البيئة، وبفعل الحروب والمجاعات، وخصخصة الخدمات وانسحاب دور الحكومات التنظيمي، وتراجع دور الدولة الراعي، وإعادة هيكلة العمل مدفوع الأجر والعمل غير مدفوع الأجر، وتعاظم ممارسات الرقابة، والحبس في السجون، وما إلى ذلك، مما يجعل من قيام حركة نسوية دون حدود ومتجاوزة للحدود أمرًا ضروريًا لمواجهة مظالم الرأسمالية العالمية. لا زالت النساء والبنات يمثلن 70% من فقراء العالم، كما يشكلن الجزء الأكبر من عدد اللاجئين حول العالم، وهن يمثلن 80% من عدد النازحين من العالم الثالث/ الجنوب في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وتقوم النساء بثلثي حجم العمل على صعيد العالم، في حين يستحققن أقل من عشر الدخل العالمي. كذلك تحظى النساء بأقل من واحد في المائة من الممتلكات على مستوى العالم، في حين أن أقوى ضربات الحروب والعنف المنزلي والاضطهاد الديني تبقى من نصيبهن.
وتقول المنظرة السياسية النسوية زيلا أيزنستاین Zillah Eisenstein إن الرأسمال العالمي في ثوبه التمييزي العنصري و(النوعي) يتولى تدمير المساحات العامة/ الاجتماعية التي تشملها الديمقراطية في الدول القومية، فقد أعادت الرأسمالية المعبرة عن مصالح الشركات الكبرى تعريف المواطنين في صفة مستهلكين، بينما تحل الأسواق العالمية تدريجيًا محل الالتزامات بالمساواة الاقتصادية والجنسوية والعنصرية (Eisenstein 1998، وخصوصًا الفصل الخامس).
وعلى أجساد النساء والبنات وحيواتهن من العالم الثالث/ الجنوب–عالم الثلثين – تكتب الرأسمالية العالمية سيناريو قصتها. وعبر الالتفات إلى تجارب هذه الجماعات من النساء والبنات – وعبر التنظير لها الذي يمكننا من إماطة اللثام عن حقيقة الرأسمالية بوصفها نسقًا معوقًا من التمييز الجنسي والعنصري – يمكننا تكوين رؤية عن كيفية المقاومة ضد الرأسمالية. ومن ثم، فإن أي تحليل لتأثيرات العولمة لابد أن يعطي المكانة المركزية لتجارب تلك الجماعات المخصوصة من النساء والبنات ونضالاتهن.
وتدعّي جريس لي بوجز Grace Lee Boggs – مستندة إلى مفهوم أريف ديرليك Arif Dirlik عن “الوعي بالمكان (place consciousness) بوصفه المقابل الراديكالي للرأسمالية العالمية” (۱۹۹۹)- أهمية قيام نشاط سياسي مدني يعطي مثلاً على الكيفية التي يُظْهرُ بها التركيز على نضالات الجماعات المهمشة صلة هذه النضالات بالنضالات الأوسع ضد العولمة. تشير جريس لي بوجز إلى أن:
الوعي بالمكان يشجعنا على أن ننضم معًا حول تجارب محلية مشتركة، وأن نتنظم حول آمالنا في مستقبل مجتمعاتنا ومدننا. ففي حين لا تعبأ الرأسمالية إطلاقًا بالناس أو البيئة الطبيعية في أي مكان بعينه – لأنها بوسعها علي الدوام أن تخلفه وراءها وتنتقل إلى أناس آخرين وأماكن أخرى – يهتم النشاط المدني المتمركز حول مكان ما بصحة وسلامة الناس والأماكن.(Boggs 2000. 19)
إن النساء بفضل ما لهن من أهمية مركزية في حياة أحيائهن ومجتمعاتهن يتولين مواقع القيادة في هذه النضالات. وتبدو تلك المسالة واضحة جلية في حالة النساء الملونات اللواتي يناضلن ضد العنصرية البيئية في الولايات المتحدة، كما هي واضحة فيما تقوله فاندانا شيفا عن النساء القبليات في نضالهن ضد إزالة الغابات ونضالهن من أجل ملكية فكرية مشاعية. إنها إذن حيوات وتجارب ونضالات البنات النساء في عالم الثلثين التي تكشف عن حقيقة الراسمالية في أبعادها العنصرية والجنسوية، والتي توفر سبلاً مثمرة وضرورية لتنظير المقاومة ضد الرأسمالية وإحداثها.
ولست أرغب في أن يظل هذا النقاش حول الرأسمالية نقاشًا ذا صفة عمومية دون أن أحدد معناه في سياق تلك الحيوات التي يقوم بتشكيلها وعبرها، وهي هنا حيوات البنات والنساء أكثر من أي فئة أخرى، بالرغم من أنني أعد نفسي ملتزمة تجاه حيوات كافة الناس الذين يعانون الاستغلال. بيد أن خصوصية حيوات البنات والنساء تشمل الآخرين، من خلال تجاربهن الخاصة ذات الاعتبار والموضوعة في سياقها. ونحن إن تركنا تلك التجليات المحددة للعولمة على أرض الواقع – وهي تجليات تتسم في هذه الحالة بالتمييز (النوعي) والطبقي والعنصري– إن تركناها خافية عن النظر، ودون الحد المناسب من التنظير، فلن تفعل أية مراجعات نقدية –حتى الأشد راديكالية منها – إلا أن تجعل نساء وبنات العالم الثالث/ الجنوب غائبات عن الصورة. ربما لم تعد القضية تخص “أعين غربية“، وإنما هي بالأحرى مسألة كون الغرب في الداخل، ومسألة كيف يواصل بلا انقطاع عمليات إعادة التركيب والتسوية على أصعدة عالمية وعنصرية و(نوعية). ودون الإقرار بذلك تغدو الصلة الضرورية بين العمل البحثي النسوي/ الأطر التحليلية والعمل التنظيمي/ مشروعات النشاط السياسي مستحيلة، فالأطر التحليلية المعيبة والقاصرة لا تولد إلا أشكالاً بلا فاعلية من العمل السياسي والتخطيط الاستراتيجي الهادف إلى التغيير الاجتماعي.
ما المراد قوله من التحليل أعلاه؟ المراد هو أننا – نحن الباحثات والمعلمات النسويات – يجب أن نستجيب إلى ظاهرة العولمة بوصفها موضعًا بالغ الأهمية لدراسة عمليات إعادة استعمار الشعوب، لاسيما في عالم الثلثين؛ فالعولمة تقوم باستعمار حيوات النساء وكذلك الرجال في أنحاء العالم، وتجعلنا في حاجة إلى شروع نسوي مناوئ للإمبريالية ومناهض للرأسمالية ومرتبط بسياقاته، من أجل تعرية – وإظهار – الأشكال المتعددة والمتراكبة من استبعاد حيوات النساء. كما يتعين علي الناشطات والباحثات أن يتولين تشخيص – وإعادة تصور – أشكال من المقاومة الجماعية تستخدمها النساء، على الأخص في حيواتهن اليومية داخل مختلف مجتمعاتهن. هذا الاستغلال الذي يتعرضن له بشكله المحدد في هذه اللحظة من الزمن، ووضعهن الذي يحمل إمكان امتياز معرفي، وكذلك الأشكال المخصوصة من التضامن بينهن – تلك هي العوامل التي يمكن أن تشكل قاعدة لإعادة تخيل سياسة تحريرية تستهل بها هذا القرن.
لقد تَشَكَّلَ السياق الذي كتبت فيه مقالتي “تحت عيون عربية” – في أواسط الثمانينيات من القرن العشرين – من حركة نسائية ناشطة سياسيًا وبادية للعيان، ثم لم تعد هذه الحركة موجودة في ذاتها الآن. وعوضًا عن ذلك أستمد إلهامي من حركة أكثر بعدًا، وإن كانت ذات مغزى؛ ألا وهي حركة مناهضة العولمة في الولايات المتحدة وحول العالم. ويغلب أن تتولى النساء النشاط في مثل هذه الحركات، بالرغم من أن الحركة لا تتمحور حول قضايا (النوع). وعلى ذلك، أود أن أعيد تعريف مشروع فك النزعة الاستعمارية، لا أن أتخلى عنه، وهو مشروع يبدو لي أكثر تعقيدًا في الوقت الراهن بالنظر إلى التطورات الأكثر جدةً في مجال الرأسمالية العالمية. ففي ضوء ما هو قائم من تضافر معقد في الأشكال الثقافية، لم يعد أهل العالم الثالث، داخله أو خارجه، يعيشون تحت أعين غربية فحسب وإنما هم يعيشون أيضًا داخلها. وهذا الإقدام على نقل الاهتمام من “تحت أعين غربية” إلى “تحت وداخل” مساحات هيمنة عالم الثلث يقتضي منا إعادة تشكيل مشروع القضاء على النزعة الاستعمارية.
وهكذا، لم تعد التأثيرات الاستعمارية القائمة في البحث الأكاديمي النسوي الغربي تقع في مركز اهتماماتي. ولا يعني ذلك أن المشاكل التي وضعت يدي عليها في مقالتي السابقة لم يعد لها وجود الآن، وإنما يعني أن هذه الظواهر قد أخذت حقها في التعليق عليها من قبل غيري من الباحثات النسويات. وبالمقابل، بينما نجحت حركة مناهضة العولمة منذ البداية في جذب نشاط النسويات، لم تمثل محورًا رئيسًا تنتظم حوله حركات النساء على الصعيد القومي في الغرب/ الشمال. وفي الوقت نفسه – وبفضل موقعهن الاجتماعي وموقعهن في شبكة علاقات القوة– جعلت نساء العالم الثالث/ الجنوب من الحركة المناهضة للعولمة محورًا للنضال الدائم. وتلك هي – مرة أخرى – الخصوصية السياقية التي يجب أن تمثل المنطلق لتكوين الرؤية الأكثر اتساعًا، إن نساء عالم الثلثين ما انفككن ينظمن أنفسهن سياسيًا في مواجهة الآثار المدمرة للرأسمالية العالمية، كما كن على مر التاريخ يقمن بتنظيم الحركات ضد الاستعمار وضد التمييز العنصري. على هذا المحمل، يمكن القول إن النساء ما فتئن يقلن كلمتهن بالنيابة عن الإنسانية جمعاء.
بدلاً عن تقديم عرض شامل للأعمال النسوية التي تناولت قضايا العولمة، سعيت إلى أن أرسم خارطة لمواقع نسوية تشتبك من خلالها مع هذه القضايا، وآمل أن تنجح هذه المحاولة الاستكشافية في جعل اختياراتي وقراراتي السياسية واضحة شفافة، وأن تهيئ للقارئات (أو القراء) حيزًا مثمرًا يحرك الفكر ويدفع إلى العمل الخلاق على طريق النضال النسوي. وبالرغم من أن القضايا التي أتساءل عنها في الوقت الراهن هي – إلى حد كبير – قضاياي نفسها عام ١٩٨٦ فهي تختلف الآن بعض الشيء، فأنا أود أن أتعرف بصورة أفضل على عمليات عولمة الرأسمالية، وعلى طرق – وأسباب – استعمارها من جديد لأجساد النساء وعملهن. نحن في حاجة إلى معرفة التأثيرات الحقيقية والملموسة لعمليات إعادة الهيكلة العالمية في النساء وفقًا للعوامل العنصرية والطبقية والقومية والجنسوية، وفي شتى المجالات مثل المؤسسة الأكاديمية، وأماكن العمل، والشوارع، والبيوت، والفضاءات الإلكترونية (cyber spaces)، والأحياء السكنية، والسجون، والحركات الاجتماعية.
ما الذي يعنيه أن نجعل من مناهضة العولمة عاملاً رئيسًا في التنظير والنضال النسوي؟ لكي أعطي مثلاً يوضح أفكاري بشأن مناهضة العولمة، ينبغي أن أسلط الضوء على موقعين بعينهما من مواقع إنتاج المعرفة عن الرأسمالية. الموقع الأول هو موقع تعليمي (pedagogical)، ويشمل تحليل شتى الاستراتيجيات التي يجري استخدامها في تدويل (internationalization) (أو عولمة globalization) مناهج دراسات النساء في كليات الولايات المتحدة وجامعاتها.18 وأزعم أن هذه الحركة نحو تدويل منهج دراسات النساء والمناهج التعليمية التابعة لها تمثل إحدى الطرق الرئيسة التي يمكن عبرها أن نقتفي أثر خطاب النسوية العالمية، في الولايات المتحدة، وتتضمن الطرق الأخرى كي نتتبع خطابات النسوية العالمية أن نقوم بتحليل الوثائق والنقاشات التي أسفر عنها مؤتمر النساء الذي عقدته الأمم المتحدة في بيجين، وبطبيعة الحال خطابات البرامج التليفزيونية الرائجة والصحف والمجلات، المتعلقة بالنساء في مختلف أرجاء العالم. أما الموقع الثاني للعمل البحثي ضد العولمة الذي أتولى إبرازه فهو خطاب ناشئ عن نوع معين من النشاط السياسي ضد العولمة يتميز بتحرره من التحيز (النوعي) أو العنصري.
ولنلتفت الآن إلى الصراعات حول مسألة نشر قاعدة معرفة نسوية عابرة للثقافات من خلال استراتيجيات تعليمية تعمل على “تدويل” منهج دراسات النساء. إن قضية “خط اللون (المنوّع)” (“the (gendered) color line”) لا تزال قائمة، إلا أنه صار من الأسهل – في الوقت الراهن– النظر إليها بوصفها جزءًا من تطورات الرأسمالية العالمية والعابرة للقوميات. وفي حين أنني اخترت أن أسلط الضوء على مناهج دراسات النساء فما أقوله ينطبق أيضًا على المناهج الدراسية في أي تخصص معرفي أو في أي مضمار أكاديمي يسعى إلى تدويل منهجه الدراسي أو عولمته.
أزعم كذلك أن مسألة “تدويل” دراسات النساء تمثل تحديًا لا يختلف كثيرًا عن قضية إدخال منظور العنصرية في دراسات النساء(“racializing” womens studies) في الثمانينيات، من حيث إن السياسة المحيطة بالمعرفة تلعب في الحالتين الدور نفسه تقريبًا.19
إن المسألة التي أريد أن أبرزها إذن هي سياسات المعرفة في سد الفجوة بين “المحلي” و“العالمي” في دراسات النساء، حيث لا تقل أهمية طريقة تدريس المادة “الجديدة” في دراسات النساء عن أهمية محتواها نفسه بالنسبة إلى الصراع حول قضايا المعرفة والمواطنة داخل المؤسسة الأكاديمية الأمريكية. إن طريقة إنشائنا المناهج وتحديدنا مبادئ التدريس المستخدمة في وضع هذه المناهج موضع التنفيذ، هي – في النهاية – مسألة تحمل معها دلالاتها وتبعاتها. كما أن طريقة تحديدنا مكان كل سردية من السرديات التاريخية للتجربة بالنسبة إلى غيرها، وطريقة تنظيرنا المسالة الصلة العلائقية (relationality) بوصفها مسألة تاريخية وفردية وجماعية في آن واحد، هي التي تحدد كيف نتعلم وماذا نتعلم حين نجتاز الحدود الفاصلة بين مختلف الثقافات ومختلف التجارب.
من واقع عملي مع جماعات أكاديمية نسوية في الولايات المتحدة، 20 سوف أصف ثلاثة نماذج تعليمية تستخدم في “تدويل” منهج دراسات النساء، وأقوم بتحليل سياسة المعرفة التي يجري فعلها في كل حالة منها. يستند كل منظور من تلك المنظورات إلى تصورات معينة عن المحلي والعالمي وعن فاعلية النساء وعن الهوية القومية، ويقدم كل نموذج دراسي قصصًا مختلفة وطرقًا مختلفة لعبور الحدود وبناء الجسور. وأشير هنا إلى نموذج “دراسات نسوية مقارنة” أو “التضامن النسوي” بوصفه أكثر الاستراتيجيات التعليمية جدوى ونفعًا بالنسبة إلى العمل النسوي العابر للحدود الثقافية. فهذا النموذج على الأخص هو الذي بوسعه أن يهيئ طريقة للتنظير تهتم بجوانب التعقيد العلائقي (relationality) في فهم التجربة، والموقع (location)، والتاريخ؛ بحيث ينطلق العمل النسوي العابر للحدود الثقافية من دراسة سياقات معينة لها اعتبارها الخاص نحو إنشاء تصور حقيقي عن البعد الكوني والممارسات الديمقراطية بدلاً من تلك الاستعمارية. ويمكننا من خلال هذا النموذج تطبيق فكرة “الاختلافات المشتركة” بوصفها أساسًا يقوم عليه تضامن أكثر عمقًا، عبر الاختلافات وعبر علاقات القوة غير المتكافئة.
نموذج النسوية السائحة (Feminist-as-tourist model): يمكن أن نطلق على هذا المنظور ومنهجه الدراسي عنوان النسوية بوصفها مستهلِكًا دوليًا (the feminist as international consumer) أو بنبرة أقل ترفقًا مسئولية النساء البيض أو نموذج الخطاب الاستعماري (the white women`s burden or colonial discourse model)[ تشتق المؤلفة هذا التعبير مـن فـكـرة “مسـئولية أو عـبء الرجـل الأبيض” (the white man`s burden) انظري مقالة مرينالينا سينها: “تحديـد موقـع المـرأة الهنديـة” للاطـلاع علي نبذة في هذا الصدد.]. 21 وهو يشمل استراتيجية تعليمية يجري فيها عمل طلعات استكشافية قصيرة داخل ثقافات غير الأوربية الأمريكية، والتعرض إلى ممارسات ثقافية معينة تعكس تمييزًا جنسيًا، بنظرة تحكمها في النهاية المركزية الأوروبية الموجودة في “دراسات النساء“. فما يفعله هذا المنظور هو أنه يُبقى السردية الأمريكية – الأوروبية الحاكمة للمنهج الدراسي على حالها، ويقوم باستخدام أمثلة من ثقافات غير غربية أو ثقافات العالم الثالث/ الجنوب ليُكمل هذه السردية و“يضيف” إليها. وإذن، نحن هنا أمام قضية قديمة العهد، فالأثر الذي ينجم عن هذه الاستراتيجية توليد انطباع واضح لدى الطلبة والمدرسين عن وجود اختلاف ووجود مسافة بين المحلي (مُعَرَّفًا بصفته الأنا، والوطن القومي، وما هو غربي)، والعالمي مُعَرَّفًا بصفته الآخر، اللاغربي، والعابر للقوميات). ومن ثم، تظل النظرة إلى المحلي تغذيها افتراضات قومية المنشأ، أي تمثل الولاياتُ المتحدة أو الدولة القومية الأوروبية الغربية السياقَ المعياري. وبما أن التصورات عن المركز والهامش يعاد إنتاجها من منطلق المركزية الأوروبية، فإن هذه الإستراتيجية لا تفعل سوى حفظ علاقات القوة/ السلطة وتراتبياتها على حالها دون أن تغير منها شيئًا.
ومثالاً على ما يحدث في هذا الإطار، يمكن إضافة مادة تحضيرية في الدراسات النسوية، تدرس ضمن المنهج في خلال اليوم أو الأسبوع الإلزامي، عن قضية وفيات النساء بسبب المهر في الهند (dowry deaths)، أو النساء العاملات في مصانع نايك في أندونيسيا، أو أنساق السلطة الأموية قبل عهد الاستعمار(pre – colonial matriarchies) في غرب أفريقيا، ونترك في الوقت نفسه الهوية الجوهرية المثبتة للمرأة النسوية الأمريكية – الأوروبية السائرة على درب التحرر، دون مساس بها، ومن ثم، تصبح العاملات الأندونيسيات في مصانع نايك والنساء اللآتي يلاقين حتفهن بسبب قضية المهر في الهند نائبات عن مجموع كل النساء في هذه الثقافات، فلا نرى النساء في سياق حياتهن اليومية (مثلما نرى النساء الأمريكيات – الأوروبيات)، وإنما في هيئة صور تنميطية فقط. وهكذا، يتم تجميد مبدأ الاختلاف في حالة النساء غير الأمريكيات – أوروبيات، فلا نرى الاختلافات بينهن داخل سياقاتها بكل تناقضاتها. وتقوم هذه الاستراتيجية التعليمية في اجتياز الحدود الثقافية الجغرافية على منظومة فكرية تنتمي إلى فلسفة الحداثة. وبذلك يصبح الجسر المعرض بين المحلي والعالمي – في حقيقة أمره – بمثابة هوة تمتلئ بنظرة منغمسة في الذات، إذ يؤكد هذا المنظور الشعور بكيان المرأة “النسوية الأمريكية/ الأوروبية المتطورة“، وبينما يوجد قدر أكبر من الوعي بعدم استخدام أسلوب “أضف وقلِّب” في تدريس الموضوعات المتعلقة بالعنصر والنساء الملونة في الولايات المتحدة، لا يبدو هو الحال مع “تدويل” دراسات النساء. ففي هذا السياق يُفترض أن للتجربة طابعَ الثبات وعدم الحركة، ويتم تجميدها في قوالب الفئات الأمريكية أو المتمركزة حول أوروبا. ولأن النسوية في ضوء هذه المنظومة الفكرية يتم تأويلها دائمًا أو فعليًا بوصفها أمريكية – أوروبية في منشأها وفي تطورها، تؤكد حيوات النساء من خارج هذا السياق الجغرافي ونضالاتهن هذه السردية النسوية (الحاكمة master) أو تُناقضها. ويمثل هذا النموذج النظير الدراسي المقابل للعمل البحثي النسوي الغربي، الاستشراقي والاستعماري، الذي ظل قائمًا فيما مضى من عقود، وهو في حقيقة الأمر النموذج السائد في الوقت الراهن. تنطوي إذن هذه الاستراتيجية على عملية صنع “اختلاف العالم الثالث“، وعلى خلق صور واحدة لا تتغير ولا تتنوع عن نساء العالم الثالث/ الجنوب، فيما يمثل تباينًا واضحًا مع صور النساء الأمريكيات – أوروبيات، اللواتي يمتلئن بالحيوية، وتتسم حيواتهن بالتغير والتعقد، ويشكلن ذواتًا مركزية (central subjects) في منظور هذا المنهج الدراسي.
نموذج النسوية المستكشفة (feminist-as-explorer model): يجد هذا المنظور التعليمي منشأه في الدراسات الإقليمية (area studies)، حيث تمثل المرأة “الأجنبية” موضوع المعرفة والذات القائمة بفعل المعرفة (the object and subject of knowledge)، يندرج هذا المنظور في مشروع فكري أوسع يعني نفسه فقط ببلدان لا تشمل الولايات المتحدة. ومن ثم، فإن المحلي والعالمي كليهما يعرف – هنا – بصفته غير أمريكي – أوروبي، كما أن اختيار الدولي بوصفه محور الاهتمام والدراسة يوحي بأنه يقع خارج حدود الدولة القومية للولايات المتحدة ولا يشملها. فضلاً عن أن قضايا المرأة و(النوع) والنسوية تقوم على فئات مكانية/ جغرافية وزمنية/ تاريخية تنتسب إلى سياقات أخرى. إن لتلك المسافة من “الدار/ الوطن” (“home”) أهمية جوهرية في تحديد ما هو الدولي داخل هذا الإطار، وبالتالي قد تترك مثل هذه الاستراتيجية شعورًا لدى الطلبة بالاختلاف والانفصال “بيننا وبينهم“، على غرار” لكم دينكم ولنا ديننا“. بيد أن هذا المنظور الاستكشافي، على خلاف نموذج النسوية السائحة، يمكنه تهيئة فهم أكثر عمقًا وأبرز سياقًا لبعض القضايا النسوية الموجودة في مناطق جغرافية وثقافية قائمة بذاتها. غير أنه ما لم تتم دراسة هذه المناطق المتمايزة في إطار يوضح علاقتها الواحدة بالأخرى، فلسوف نجد أنفسنا – غالبًا – أمام قصة معهودة من قصص النسبية الثقافية، بمعنى أن الاختلافات مسألة منفصلة ونسبية، بلا صلة بين هذه الثقافات أو أساس مشترك للتقييم. ويتم هنا إدراج المحلي والعالمي تحت بند واحد يسوي بينهما هو بند الدولي الذي يستبعد – بحكم التعريف – الولايات المتحدة من مسألة الفهم والتقييم. وحين يكون الخطابُ خطابَ النسبية الثقافية، تحاط كل قضايا القوة/ السلطة، والفاعلية البشرية، والعدالة والمعايير المشتركة للنقد والتقييم بستائر من الصمت. 22
وفي معظم الأحوال تُعَامَلُ هذه الاستراتيجية التعليمية في إطار دراسات النساء بوصفها أكثر طرق “تدويل” المناهج الدراسية حساسية واعتناءً بالخصوصية الثقافية، فيتم على سبيل المثال إضافة مواد دراسية منفصلة عن “النساء في أمريكا اللاتينية” أو “أدب نساء العالم الثالث” أو “النسوية ما بعد الاستعمار” إلى منهج يعتني معظمه بالولايات المتحدة، في سبيل “عولمة” قاعدة المعرفة النسوية. وقد تتسم دراسة هذه المواد بالدقة أو التعقيد المطلوب، ولكنها تظل تعامل بوصفها منفصلة تمامًا عن المشروع الفكري الذي يكتنف دراسات العنصر والعرقية في الولايات المتحدة.23 فلا ينظر في الولايات المتحدة بوصفها جزءًا من “الدراسات الإقليمية“، تمامًا مثلما لا يعد الأبيض لونًا من ألوان البشرة حين يثار ذكر الشعوب الملوّنة. ومن المحتمل أن هذه مسألة مرتبطة بالتاريخ المعين المتعلق بمأسسة “الدراسات الإقليمية” داخل المحافل الأكاديمية في الولايات المتحدة وارتباطه بالإمبريالية الأمريكية. ومن ثم، فإن المناطق المطلوب دراستها/ فتحها تعد “هناك في مكان ما“، وليست أبدًا هنا داخل الولايات المتحدة. إن واقع كون الدراسات الإقليمية في المحافل الأكاديمية بالولايات المتحدة كانت تمولها الحكومة الفيدرالية، ويُنظر إليها بوصفها مشروعًا سياسيًا يخدم المصالح الأمريكية الجيوسياسية، يشير هذا الواقع إلى أهمية أن نقوم بفحص توجهات هذه المجالات الدراسية ومصالحها المعاصرة، لاسيما من حيث صلتها بمنطق الرأسمالية العالمية. وبالإضافة إلى ذلك، كما تقول إيلا شوهات Ella Shohat فقد حان الوقت “لإعادة تصور كيفية دراسة مناطق وثقافات بطريقة تعلو فوق الحدود المفاهيمية المتأصلة في خرائط جغرافيا عالم الحرب الباردة” (Shohat 2001. 1271). ولعله بات من الضروري الاعتناء بتفحص موقع الدراسات الأمريكية، على الأخص بسبب شروعه حديثًا في التركيز على الاتجاهات الإمبريالية للولايات المتحدة، غير أن الدراسات الأمريكية لا تدرج في نطاق “الدراسات الإقليمية” إلا في القليل النادرة.
تتمثل مشكلة استراتيجية النسوية المستكشفة في أن العولمة ظاهرة اقتصادية وسياسية وأيديولوجية تعمل على ضم العالم أجمعه – بشتى جماعاته – تحت لواء أنساق خطابية ومادية يرتبط بعضها ببعض ويعتمد بعضها بعضًا، حيث إن حيوات النساء يرتبط بعضها ببعض ويعتمد بعضها بعضًا أيضًا، حتى وإن لم تتطابق فيما بينها، وذلك بصرف النظر عن اختلاف المناطق الجغرافية التي تعيش في رحابها. ومن ثم، يؤدي هذا الفصل بين الدراسات الإقليمية ودراسات العنصر والعرقية إلى فهم الشأن العالمي أو تدريسه بوصفه وسيلة لتجنب مواجهة العنصرية في الداخل والهيمنة الرأسمالية والاستعمارية، وفرض نمط الجنسانية الغيرية بوصفها عناصر محورية في عمليات السيطرة العالمية والاستغلال والمقاومة. ويصبح العالمي أو الدولي مدركًا بمنأى عن العنصرية، كما لو أن العنصرية ليس لها أهمية مركزية بالنسبة إلى سيرورات العولمة وعلاقات الحكم في هذا العصر. ومثالاً على تلك الاستراتيجية التعليمية في سياق المناهج الدراسية الأعم نشير إلى الفصل الاعتيادي لمادة “ثقافات العالم” عن مواد دراسات العنصر والعرقية. ومن هنا، نرى أهمية التعرف على صور تمثيل النساء (غير الأمريكيات – أوروبيات) التي تحركها هذه الاستراتيجية التعليمية، وعلى علاقة هذه التمثيلات بالصور الضمنية لنساء العالم الأول/ الشمال بوصفها محاور تحليل. وإذن، ما نوع القوة/ السلطة التي تجرى ممارستها في إطار هذه الاستراتيجية؟ ما أنواع التصورات/ الأفكار عن الفاعلية والمقاومة التي يجرى تعزيزها؟ ما التأثيرات المحتملة لهذه النسبية الثقافية في طرق فهمنا للاختلافات والمساحات المشتركة بين جماعات النساء في مختلف أرجاء العالم؟ هكذا، ينطوي نموذج النسوية المستكشفة على مشاكله، وأرى أنه لا يمثل وسيلة مناسبة لبناء قاعدة معرفة نسوية عابرة للثقافات؛ لأنه في سياق عالم متضافر تحكمه توجهات قوة/ سلطة وسيطرة واضحة، لا تفعل تفسيرات النسبية الثقافية إلا أن تعطي ستارًا لممارسة القوة/ السلطة.
نموذج التضامن النسوي أو الدراسات النسوية المقارنة (feminist solidarity feminist studies model or comparative): تقوم هذه الاستراتيجية الدراسية على فرضية مفادها أن تعريفات المحلي والعالمي لا تتم على أسس جغرافيا طبيعية أو أراضٍ، وإنما يوجدان معًا في وقت واحد، كما أن أحدهما يشكل الآخر. وبالتالي، تغدو الصلات والعلاقات بين المحلي والعالمي مسألة ينبغي تسليط الضوء عليها وبخاصة أنها صلات مفاهيمية ومادية وزمنية وسياقية.. إلخ. ويتخذ هذا الإطار موقفًا مقارنًا، فيهتم بتحليل مسار القوة/ السلطة وتوجهها أيًا كان محتوى المادة التي تُدَرِّسُ في إطار دراسات النساء. كما أنه يتخذ من مسافة البعد، وكذلك القرب (الخصوصي/ الكوني)، استراتيجيته التحليلية.
ومن ثم، فهو يرى أن الاختلافات والمساحات المشتركة مسألتين تتواجدان في كل سياقاتهما داخل علاقة ارتباط وتعارض أو توتر، فتصبح علاقات التبادل والمسئولية المشتركة والمصالح المشتركة أمورًا يتم إبرازها فيما يمثل ركيزةً تدعم فكرة التضامن النسوي. فلا يتم مثلاً – داخل هذا الإطار – تدريس مادة عن النساء الملونة في الولايات المتحدة مع إضافات من النساء البيض أو نساء العالم الثالث/ الجنوب، وإنما مادة دراسية مقارنة تعرض الترابط بين تواريخ النساء الملونة وتجاربهن ونضالاتهن في الولايات المتحدة والنساء البيض ونساء من العالم الثالث/ الجنوب. وبممارسة هذا النوع من التدريس المبني على منهج المقارنة والمنتبه إلى قضايا القوة/ السلطة، تتولى كل تجربة تاريخية إلقاء الضوء على تجارب الآخرين. ومن ثم، لا يتمثل محط الاهتمام في مجرد تقاطعات العنصر والطبقة و(النوع) والأمة والجنسانية داخل مختلف جماعات النساء، وإنما في العلاقة التبادلية والتبعات المشتركة؛ الأمر الذي يوحي بأهمية الالتفات إلى التداخل بين تواريخ تلك الجماعات. فضلاً عن ذلك، يصبح الاهتمام متمحورًا في الآونة نفسها حول التجارب الفردية وتلك الجمعية في القهر والاستغلال، وفي النضال والمقاومة. وهكذا، يمكن للطلبة أن يبتعدوا عن منظور “أضف وقلِّب” أو المنظور النسبي – “منفصل عني لكن مساوٍ لي” أو (مختلف عني)- نحو منظور علاقة تبادل واشتراك في تحمل التبعات. ويتطلب هذا المنظور التضامني فهم الخصوصيات والاختلافات التاريخية المنطلقة من التجربة (experiential) في حيوات النساء، مثلما يتطلب فهم الروابط التاريخية وتلك المنطلقة من التجربة بين النساء من جماعات قومية وعنصرية وثقافية مختلفة. ومن ثم، فهو يقترح تنظيم مناهج دراسية حول السيرورات والتواريخ الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بشتى جماعات النساء في مجالات مهمة مثل العمل في تجارة الجنس، وسياسة العسكرة، والعدالة البيئية، والمصالح والنشاطات التجارية المتعلقة بالسجون، وقضايا حقوق الإنسان، والبحث عن نقاط الاحتكاك والاتصال وكذلك الانقطاع. ومن المهم تسليط الضوء باستمرار ليس فقط على روابط السيطرة وإنما أيضًا على روابط النضال والمقاومة.
إن منظومة عالم الثلث/ عالم الثلثين تجد معناها ومكانها الطبيعي داخل نموذج التضامن النسوي، فبدلاً من اللجوء إلى فئات مثل العالم الغربي/ العالم الثالث أو الشمال/ الجنوب أو محلي/ عالمي التي تعد فئات متعارضة غير وافية، يسمح التمييز عالم الثالث/ عالم الثلثين باكتساب المعرفة وإكسابها الخاصة بمساحات التقارب والتباعد داخل جماعات النساء المهمشة وجماعات النساء المميزة، وفيما بينهما، على أصعدة محلية ودولية عديدة. وبالتالي، تتحول فكرة داخل/ خارج في حد ذاتها – التي هي ضرورية للاحتفاظ بمسافة المحلي/ العالمي– وتتبدل من خلال استخدام منظومة الثلث/ الثلثين، حيث ينبغي النظر إلى الفئتين الأخيرتين على أساس أن كل واحدة منهما تحتوى على الاختلاف/ التشابهات، الداخل/ الخارج، المسافة/ الجوار. ومن ثم، يمكن وضع مسألة عمل النساء في الجنس، والاتجاه إلى عسكرة العالم، وقضايا حقوق الإنسان.. إلخ، في إطار يعتني بأبعادها المحلية والعالمية المتعددة، وذلك باستخدام منظومة الثلث/ الثلثين، والأقلية الاجتماعية، والأغلبية الاجتماعية. إن ما اقترحه – إذن – هو النظر في منهج دراسات النساء في جملته، ونحاول استخدام نموذج التضامن النسوي المقارن كلما/ أينما أمكننا.٢٤
وأشير إلى هذا النموذج باسم نموذج التضامن النسوي المقارن؛ لأنه يتطلب منا – فضلاً عن تركيزه على التبادلية والمصالح المشتركة – وضعَ أسئلة عن الصلات الموجودة وتلك المقطوعة بين حركات النساء الناشطات سياسيًا حول العالم. فهو بدلاً من صيانة مفاهيم النشاط والفاعلية في إطار أمم وثقافات ذات حدود فاصلة لا صلة بينها، يسمح هذا المنظور بصياغة مفاهيم الفاعلية والمقاومة التي تجتاز حدود الأمة والثقافة. وأعتقد أنه لا يجب في ممارسة التدريس النسوي الاكتفاء بتقديم الطلبة إلى عالم من البحث الأكاديمي المخصص، وإنما يجب كذلك أن نتصور إمكان النشاط السياسي والنضال خارج المؤسسة الأكاديمية. إذ يمكن للتربية السياسة من خلال التدريس النسوي أن تعلم الطلبة ممارسة المواطنة الإيجابية في سياق هذه النضالات من أجل العدالة.
إن السؤال الذي أعاود طرحه يسعى إلى توضيح الطرق التي تعمل من خلالها مناهج التدريس على تكملة المنطق السائد للعولمة أو على تعضيده أو على مقاومته. كيف يكتسب الطلبة معرفة عن التفاوتات بين النساء والرجال في أرجاء العالم؟ وعلى سبيل المثال، تحول مناهج التدريس الليبرالية التقليدية أو النسوية الليبرالية دون التفكير على نحو تاريخي ومقارن، كما أن المناهج النسوية الراديكالية غالبًا ما تولي جل اهتمامها إلى (النوع) وحده، وكذلك تخفي مناهج التدريس الماركسية دور العنصر و(النوع) بتركيزها على الرأسمالية. إني أسعى إلى خلق مناهج دراسية تسمح للطلبة بالتعرف على التعقيدات والخصوصيات والترابطات بين جماعات النساء، بحيث تصبح مظاهر القوة/ السلطة، والحظوة، والفاعلية، والخروج عن الصف، أمورًا مرئية، وجاهزة لنشتبك بها.
يزعم أريف ديرليك في مراجعته النقدية الصائبة لدراسات ما بعد الاستعمار وموقعها على الصعيد المؤسسي، أن التاريخ المؤسسي الذي اكتنف دراسات ما بعد الاستعمار، وقيام مفاهيمه بالتشديد على التاريخي والمحلي بوصفهما مضادين للنسقي والعالمي، يفضي بهذه الدراسات إلى أن تُستوعب داخل منطق العولمة وتذوب فيه25. وفي حين تبدو مقولة ديريك على شيء من المبالغة، ينبغي أن تظل مسألة تفكك النزعة الراديكالية ومسألة الانصهار(assimilation) مثارًا لقلق واهتمام المنخرطات (أو المنخرطين) من بيننا في المشروع النسوي. إن مناهج التدريس النسوية المعنية بالتدويل في حاجة إلى رد فعل مناسب ووافٍ لمواجهة العولمة. فنماذج الدراسة والتدريس المتمركزة حول أوربا – ومعها نماذج النسبية الثقافية (ما بعد الحداثية) على حد السواء– من السهل أن يتم استيعابها وذوبانها داخل منطق الرأسمالية في مرحلتها الأخيرة لأن هذا المنطق هو في جوهره منطق ينزع ظاهريًا إلى فك المركزية (decentralization) وإلى تراكم (accumulation) الاختلافات. وعلى الجانب الآخر، فإن النموذج الذي أطلق عليه نموذج الدراسات النسوية المقارنة/ التضامن النسوي، من شأنه أن يقف في مواجهة هذا المنطق بإقامة منظومة من “الاختلافات المشتركة” التي لها خصوصيتها التاريخية والثقافية، بوصفها قاعدة التحليل والتضامن، وبوسع مناهج التعليم النسوية المناهضة للعولمة أن تروي قصصًا بديلة عن الاختلاف، والثقافة، والقوة، والفاعلية. بوسعها أن تشرع في تنظير التجربة والفاعلية والعدالة من منظور عدسة تنزع نزوعًا أكبر نحو تجاوز الحدود الثقافية.26
بعد قرابة عقدين من تدريس مواد الدراسات النسوية في الفصول الدراسية بالولايات المتحدة، يبدو لي واضحًا أن الطريقة التي تكون بها نظرياتنا عن التجربة والثقافة والذاتية – فيما يتعلق بالتواريخ والممارسة المؤسسية والنضالات الجماعية – تقرر نوع القصص التي نرويها في حجرات الفصول الدراسية وتحددها. فإن كنا تريد أن ندرّس هذه الحكايات بشكل يتعلم معه الطلبة أن يتعاملوا بديمقراطية – لا بنزعة استعمارية – مع تجارب مختلف جماعات النساء في سياق مواقعها المتباينة مكانيًا وزمنيًا، فلن يكون هذا المنهج الدراسي المتمركز حول أوربا ولا ذاك الذي يفسر كل شيء بالتعددية الثقافية بالمناهج التي تصلح للاستخدام. إن سرديات التجربة التاريخية لها في الواقع أهمية حاسمة فيما يخص التفكير السياسي، لا لأنها تقدم نسخة غير وسيطة عن “الحقيقة“، وإنما لأنها يمكنها زعزعة استقرار الحقائق المسلمة إلينا، فتعين للجدال موقعًا في سياق تعقيدات الحياة التاريخية وتناقضاتها. وفي هذا السياق، تصبح الاتجاهاتُ الواقعية ما بعد الوضعية postpositivist realist)) في تنظير التجربة والهوية الثقافية، ذاتَ نفع في إنشاء سرديات دراسية وتعليمية تتعرض للعولمة وتحاربها أيضًا.27 وتربط هذه التنظيرات الواقعية – صراحةً – بين منظور المادية التاريخية في فهم مسألة الموقع الاجتماعي ومفهوم المنظور المعرفي المتميز (epistemi privilege) وعملية إنشاء الهوية الاجتماعية. ومن ثم، تشير إلى التعقيدات في سرديات الشعوب والجماعات المهمشة في إطار يبرز مبدأ العلائقية (relationality) بينها بدلاً من الانفصال. تلك أنواع الحكايات التي يلزمنا أن نغزل منها نسيج نموذج التضامن النسوي بوصفه نموذجًا لمناهج الدراسة.
إن أجساد النساء والبنات تحدد الديمقراطية: متحررة من العنف والاعتداء الجنسي، متحررة من سوء التغذية والتدهور البيئي، حرة في تخطيط أحوال أسرتها، حرة في ألا تكوّن أسرة، حرة في أن تختار حياتها وتفضيلاتها الجنسية. (Zillah Eisenstein, Global Obscenities 1998)
يزداد في الوقت الحالي وجود أعمال بحثية لها جدواها إذ تتخذ موقفًا نقديًا من ممارسات العولمة وتأثيراتها.28 وبدلاً من الاستعراض الكامل لهذه الأعمال، أريد توجيه الأنظار إلى عدة قضايا من بين أكثر القضايا التي تثيرها جدوى وفائدة. ولنلتفت إذن إلى قراءة نسوية لحركة مناهضة العولمة حتى أقدم ما يدعم دعوتي إلى علاقة تحالف أعمق وأوثق بين حركات النساء، ومناهج التدريس النسوية والتنظير النسوي العابر للثقافات، وتلك الحركات السائرة في مناهضة العولمة.
أعود إلى سؤال سابق: ما الآثار الملموسة المترتبة على عمليات إعادة الهيكلة العالمية، فيما يتعلق بأجساد النساء “الحقيقية” المتأثرة بعوامل العنصر والطبقة والقومية والجنس، النساء في المحافل الأكاديمية وأماكن العمل والشوارع والبيوت والعوالم الإلكترونية والأحياء والسجون، وفي الحركات الاجتماعية؟ وكيف نتعرف على الآثار (المنَوَّعة)، أي التي تختلف من النساء إلى الرجال، في سياق الحركات المناوئة للعولمة؟ إن عددًا من التحليلات الأكثر دقة وتعقيدًا لمركزية دور (النوع) في فهم العولمة الاقتصادية تهتم بمحاولة ربط مسائل الذاتية والفاعلية والهوية بمسائل الاقتصاد السياسي والدولة. وتطالب هذه الأعمال البحثية – على نحو مقنع – بإعادة التفكير في الأنساق البطريركية والذكورية المهيمنة من حيث علاقتها بالعولمة والمذاهب القومية في عصرنا هذا، وهي تسعى أيضًا إلى إعادة تنظير الجوانب (المنوَّعة) في العلاقات المعاد صياغتها الخاصة بالدولة والسوق والمجتمع المدني، من خلال المواقع التي لا نتوقع أو نتنبأ بأن تنطلق منها المقاومة ضد تأثيرات عمليات إعادة الهيكلية المرتبطة بالعولمة، والتي يغلب عليها أن تكون مدمرة.29 وهي تعتمد على عدد من المنظومات الفكرية التخصصية والمنظورات السياسية، في دعم ادعائها بمحورية (النوع) بالنسبة إلى عمليات إعادة الهيكلية العالمية، زاعمة أن إعادة تنظيم (النوع) تمثل جزءًا من الاستراتيجية العالمية للرأسمالية.
إن النساء العاملات من أوضاع طبقية وعنصرية واقتصادية معينة لا غنى عنهن من أجل سيرورة الاقتصاد العالمي الرأسمالي، فليست المسألة أن النساء هن أفضل من يرشح لتولي أنواع معينة من الأعمال والوظائف فحسب؛ بل أيضًا يجرى من بين النساء تفضيل أنواع معينة – الفقيرات من نساء عالم الثلث والثلثين، من الطبقة العاملة، من الوافدات/ المهاجرات، لشغل أسواق العمل المؤقت “المرنة” هذه. وما تم رصده من تزايد في هجرة النساء الفقيرات في عالم الثلث/ الثلثين بحثًا عن فرص العمل وراء الحدود القومية أمر يرتبط بتنامي “تجارة الخادمات” الدولية (Parrenas 2001) وخطف النساء وتهريبهن للعمل في أنشطة دولية مثل التجارة والسياحة الجنسية.30 كما تحتاج العديد من المدن الكبيرة حول العالم إلى الخادمات والأعمال المنزلية التي توفرها النساء الوافدات والمهاجرات، كما أدى انتشار سياسات الإصلاح الهيكلي حول العالم إلى خصخصة عمل النساء عن طريق نقل مسئولية الرعاية الاجتماعية (social welfare) من الدولة إلى المنازل وإلى النساء الموجودات فيها، فضلاً عن أن صعود الحركات الدينية الأصولية مقرونًا بنزعات وتيارات قومية محافظة – تمثل جزئيًا رد فعل على الرأسمالية العالمية ومتطلباتها الثقافية – قد أدى إلى المراقبة والتحكم في أجساد النساء في الشوارع وفي أماكن العمل.
كذلك فإن سياسة رأس المال العالمي تؤكد – من جديد – على خط اللون أو الفوارق العنصرية في البنية الطبقية التي تبلورت لها حديثًا، وبوضوح في سجون عالم الثلث. إذ أدت تأثيرات العولمة وفك المنظومة الصناعية على صناعة قطاع السجون في عالم الثلث إلى إخضاع أجساد النساء الفقيرات في عالم الثلث/ الثلثين الوافدات والمهاجرات، للضبط والربط خلف قضبان السجون المخصخصة. وتزعم أنجيلا ديفيز وجينا دنت (Angela Davis and Gina Dent 2001) أن الاقتصاد السياسي لسجون الولايات المتحدة والمؤسسات العقابية التجارية في الغرب/ الشمال تسلط ضوءًا ساطعًا على تقاطعات (النوع) والعنصرية والاستعمارية والرأسمالية. فكما تسعى مصانع وأماكن عمل الشركات التجارية العالمية إلى ضبط – وتنظيم – عمل النساء الفقيرات من العالم الثالث/ الجنوب ومن الوافدات/ المهاجرات، فإن سجون أوربا والولايات المتحدة ترتهن داخلها أعداد فائقة الحد من النساء الملونة والمهاجرات والنساء المنحدرات من أصول أفريقية وآسيوية وأمريكا اللاتينية ممن لم يحصلن على حق المواطنة في أماكن إقامتهن.
إن جعلَ (النوع) والقوة/ السلطة مسألتين واضحتين مرئيتين في عمليات إعادة الهيكلة العالمية أمرٌ يتطلب النظر إلى جماعات النساء من البلاد الفقيرة ممن ينتمين إلى عنصريات وطبقات معينة، وتحديدهن بالاسم ورؤيتهن إذ يتشكلن في هيئة عاملات في قطاعات نشاطات جنسية ومنزلية وخدمية، وممن هن سجينات ومديرات للمنازل وراعيات للأطفال والعجزة والمرضى. وفي تباين الاهتمام بعملية إنتاج العاملات، تركز باتريشيا فرناندز– کيلي وديانا وولف (Patricia Fernandez-Kelly and Diane Wolf 2001, 1248 in particular) على جماعات الشباب السود في حواري الولايات المتحدة، من أولئك الذين يَعُدُّهم الاقتصاد العالمي “زائدين عن الحاجة” (“redundant”)، أي لا حاجة له بهم، وهو وضع ينعكس بالصلة على تواجد أعداد فائقة منهم خلف أبواب السجون في الولايات المتحدة. وتزعم الباحثثان أن هؤلاء الشباب الذين يصلح أن يدخلوا في عداد العمال يتم تركهم خارج الحلقة الاقتصادية، وأن “عدم وجود ما يصلهم ببنية تفتح أمامهم أبواب الفرص” هو ما يؤدي إلى تحول هؤلاء الشباب الأمريكيين – أفريقيين إلى استراتيجيات خطرة ومبتكرة للبقاء، فيما يصارعون لإعادة اختراع أشكال جديدة من الذكورة.
ثمة تزايد أيضًا في الاهتمام النسوي بكيفية أن خطابات العولمة – في حد ذاتها – خطابات (منوَّعة) وبكيفية إنتاج أشكال ذكورة مهيمنة وتعبئتها في خدمة عمليات إعادة الهيكلة العالمية. تناقش ماریان مارشان وآن رونیان (Marianne Marchand and Anne Rumyan2000) الاستعارات والرموز (المنوَّعة) الموجودة في لغة العولمة، التي يتم عبرها تمييز أنواع معينة من اللاعبين (actors) والقطاعات وإيثارها على غيرها: السوق فوق الدولة، العالمي فوق المحلي، التمويل فوق التصنيع، وزارات المالية فوق الرعاية الاجتماعية، والمستهلكين فوق المواطنين، كما تزعمان أنه يتم تأنيث الشق الأخير وتذكير الشق الأول (ص۱۳) وأن عملية (التنويع gendering) هذه تجعل التراتبيات اللازمة لنجاح العولمة تبدو وكأنها طبيعية. كذلك تحدد شارلوت هوبر (Charlotte Hooper 2000) نوعًا من الذكورة الأنجلو– الأمريكية المهيمنة نشأ حديثًا من خلال عمليات إعادة الهيكلة العالمية، وهي ذكورة تلقي بأثرها على العمال من الرجال والنساء في إطار الاقتصاد العالمي. 31 وتزعم شارلوت هوبر أن هذه الذكورة الأنجلو– أمريكية لها ميول مزدوجة، فهي تحتفظ بصورة ذكورة مقدامة على رأس الحربة من ناحية، في حين تستعين على الجانب الآخر بصور أكثر مسالمة ولطفًا للمديرين التنفيذيين (CEO’s) ومعها مهارات إدارية غير تراتبية (ومؤنثة)، ترتبط بالعمل بروح الفريق المتعاون وبالاندماج في شبكات علاقات العمل والزمالة.
وبينما يتحرك البحث الأكاديمي النسوي في اتجاهات مهمة ومفيدة من حيث مراجعته النقدية لعمليات إعادة الهيكلة العالمية وثقافة العولمة، لا زلت أريد أن أطرح مرة أخرى عددًا من الأسئلة نفسها التي طرحتها في عام ١٩٨٦. فأنا أعتقد أنه بصرف النظر عن الاستثناءات العرضية، تظل معظم الأعمال البحثية الراهنة تنزع إلى إعادة إنتاج تصورات “مُعَولمة” معينة عن النساء. فكما توجد ذكورة أنجلو– أمريكية تنتج في خطابات العولمة وعبرها.32 ومن المهم أن نسأل أيضًا عن ماهية صور الأنوثة التي يجري إنتاجها؛ حيث توجد بشكل واضح الصورة المعولمة المنتشرة عن عاملة المصنع المراهقة، والعاملة المنزلية، والعاملة في تجارة الجنس. وكذلك هناك عاملة الخدمات المهاجرة، واللاجئة، وضحية جرائم الحرب، والسجينة من النساء الملونة التي هي أيضًا أم لأطفال وتتناول المخدرات، وهناك ربة البيت المستهلكة…إلخ. كما أن هناك أيضًا الأم رمز الأمة والوطن/ المستودع الديني للثقافة والأخلاق التقليدية. وتتقابل هذه الصور التمثيلية للنساء – في حقيقة الأمر – مع نساء حقيقيات، إلا أنها أيضًا غالبًا ما تتولى مهمة تمثيل التناقضات والتعقيدات التي تكتنف حيوات النساء وأدوارهن. وبعض هذه الصور –مثل صورة فتاة المصنع أو عاملة الجنس– غالبًا ما تشير إلى مواقع جغرافية في العالم الثالث/ الجنوب، بيد أن العديد منها يمثل نساءً يتناثرن في كل بقاع العالم، في حين يظل أكثرها يميل إلى تمثيل نساء من عالم الثلثين، وبعضها نساء من عالم الثلث، أو إلى امرأة من عالم الثلثين تقطن في عالم الثلث. إن بيت القصيد – هنا – أن النساء من العاملات أو الأمهات أو المستهلكات، ولكننا أيضًا كل هذه الأشياء في آن واحد. ولذلك فإن تصنيف النساء في فئات أحادية أو خالية من التنوع الداخلي كما يحدث في إطار خطابات العولمة يحصر الأفكار والتصورات عن التجربة والفاعلية والنضال في إطار محدود. وتوجد صور أخرى حديثة نسبيًا تظهر كذلك في هذا الخطاب، مثل صور عاملة حقوق الإنسان أو الداعية في منظمات غير حكومية، والناشطة الثورية والإدارية في الشركات الرأسمالية، كما يوجد أيضًا خط فاصل في صور لها سمة المغالاة والزيف عن حال المرأة بصفتها إما ضحية مستضعفة أو قوية ممكّنة، وهي بلا شك صور ينفي بعضها بعضًا. نحن إذن في حاجة إلى أن نسعى إلى اكتشاف كيف يترجم هذا الخط الفاصل نفسه على صعيد فئات الغالبية/ الأقلية الاجتماعية أو عالم الثلث/ الثلثين. فالسؤال هنا هو: من هم الذين تصبح فاعليتهم قيد الاستعمار؟ ومن هم الذين يؤثرون بالتميز في سياق تلك المناهج التعليمية وتلك الأعمال البحثية؟ تلك هي إذن تساؤلاتي الجديدة للقرن الواحد والعشرين. 33
ولأن الحركات الاجتماعية مواقع حاسمة الأهمية في إنشاء المعرفة وإنشاء الجماعات والهويات، ثمة أهمية قصوى في أن توجه النسويات اهتمامهن إلى تلك الحركات. وقد أثبتت الحركات المناوئة للعولمة في السنوات الخمس الأخيرة أنه لا ينبغي لنا أن نكون شركة متعددة الجنسيات، أو أصحاب القرار المتحكمين في تمويلات، أو مؤسسة حاكمة عابرة للأوطان، حتى نتمكن من اجتياز الحدود القومية. وتمثل هذه الحركات ضد العولمة إذن محلاً مهمًا لفحص عمليات إنشاء مواطنة ديمقراطية عابرة للحدود، بيد أن وصفًا سريعًا للحركات المناوئة للعولمة يبدو ضروريًا الآن.
على خلاف الوضع بالنسبة إلى الحركات المناهضة للاستعمار في أوائل القرن العشرين التي كانت ترتبط بأراضٍ وأوطان، فإن الحركات المناوئة للعولمة لها مناشئ مكانية واجتماعية عديدة. وهي تشمل حركات بيئية ضد الشركات التجارية مثل نارمادا باتشاو أندولان (Narmada Bachao Andolan) في وسط الهند، وحركات ضد العنصرية البيئية في جنوب غرب الولايات المتحدة، كما تشمل حرکات صغار المزارعين ضد الشركات الزراعية (antiagribusiness) حول العالم. كما أن حركات المستهلكين إبان الستينيات، وحركات الناس ضد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للمطالبة بإلغاء الديون ومناهضة برامج الإصلاح الهيكلي، والحركات الطلابية ضد المصانع ذات الأحوال المتردية في عملها (sweatshops) في اليابان وأوربا والولايات المتحدة، كلها تمثل أيضًا جزءًا من أسباب نشأة الحركات المناوئة للعولمة. فضلاً عن ذلك، تلعب الحركات الاجتماعية في أواخر القرن العشرين – القائمة على الهوية (الحركة النسوية، الحقوق المدنية، حقوق الأهالي… الخ.) – بالإضافة إلى حركة العمال في الولايات المتحدة في ثوبها الجديد إبان التسعينيات، كلها لعبت دورًا مهمًا في تاريخ حركات مناهضة العولمة. 34
وفي حين كانت النساء موجودات بوصفهن قائدات ومشاركات في معظم حركات مناوئة العولمة، لم يظهر برنامج عمل نسوي إلا مع حركة “حقوق النساء بصفتها حقوق الإنسان” التي ظهرت في أعقاب مؤتمر بيجين، كما ظهر في إطار بعض حركات السلام والعدالة البيئية. وبصياغة أخرى، على الرغم من محورية عمل النساء في سيرورة الرأسمالية العالمية، لا يبدو أن العمل المناهض للعولمة قد استقى أهدافه من التحليل النسوي والاستراتيجيات النسوية. ومن ثم، فإنني بينما کتبت داعيةً إلى ضرورة أن تكون النسويات مناهضات للعولمة، أكتب الآن داعية إلى ضرورة أن يصبح نشطاء (أو ناشطات) ومنظِّري (أو منظرات) حركة مناهضة العولمة من النسويين/ النسويات. إن معظم حركات مناهضة العولمة لا تلتفت إلى (النوع) بوصفه فئة تحليلية وأساسًا للتنظيم السياسي، وفي الوقت نفسه لا تبدو مناهضة العولمة (ولا نقد الرأسمالية) مسألة محورية في مشاريع التنظيم السياسي النسوي، لاسيما في العالم الأول/ الشمال. وفيما يخص حركات النساء، فإن شعار “الأختية شأن عالمي” (Sisterhood is global) الذي مَثَّلَ شكلاً من أشكال تدويل الحركة النسائية، قد انتقل الآن على أرضية “حقوق الإنسان“. وهذه النقلة اللغوية من “النسوية” إلى “حقوق النساء” يمكن أن تسمى بعملية تعميم الحركة النسوية، أي إدخالها في التيار العام، فيما مَثَّلَ محاولة (ناجحة) لوضع قضية العنف ضد النساء تحت أنظار العالم ومحل عنايته.
ولو أمعنا النظر في محور حركات مناهضة العولمة لوجدنا أجساد النساء والبنات وعملهن يقع في قلب هذه النضالات. على سبيل المثال، في حركات حماية البيئة والتوازن البيئي – مثل حركة شيبكو (Chipko) في الهند – وفي حركات الأهالي ضد مناجم اليورانيوم وتلويث لبن الثدي في الولايات المتحدة، لا نجد النساء يتولين أدوار الزعامة فحسب، وإنما نرى أجسادهن الواقعة تحت التمييز (النوعي) والعنصري، تمثل مفتاح كشف – ومحاربة– عمليات إعادة الاستعمار التي فرضتها الشركات الكبرى بتحكمها في البيئة. إن نقاشي السابق عن التحليل الذي قدمته فاندانا شيفا عن منظمة التجارة العالمية والقرصنة البيولوجية من المنظور المعرفي لنساء الهند القبليات والفلاحات يعطي مثالاً يؤيد هذا الادعاء، كما يؤيده أيضًا مفهوم جريس لي بوجز عن “النشاط السياسي المرتبط بمكان محدد” (“civic place-based activism”) (Boggs 2000. 19). وبالمثل، نرى في حركات المستهلكين ضد الشركات الكبرى، وفي حركات صغار المزارعين ضد الشركات الزراعية، وفي الحركات المناوئة لظروف العمل المتردية في المصانع (antisweatshop movements) – نرى النصيب الأكبر من الضرر واقعًا على أجساد النساء بوصفهن عاملات ومزارعات ومستهلكات/ ربات بيوت.
كانت النساء وما زالت تتولى أدوار الزعامة في عدد من التحالفات العابرة للحدود، ضد الظلم والإجحاف الذي تسببه الشركات الكبرى، ومن ثم فإن جعل (النوع)، وجعل أجساد النساء وعملهن مسائل مرئية وظاهرة للعين، وتنظير هذا الظهور بصفته جزءًا من عملية تسعى إلى بلورة سياسية أكثر تضمينًا واشتمالاً، إنما هي جوانب بالغة الأهمية بالنسبة إلى موقف نقدي نسوي مناهض للرأسمالية. ويعد الموقع الاجتماعي للنساء الفقيرات الملونات المنتميات إلى عالم الثلثين مكانًا مهمًا لانطلاق التحليل النسوي، بل مكانًا حاسم الأهمية؛ ذلك أن إمكان تميز المنظور المعرفي لهذه الجماعات من النساء يفسح سبيلاً لإماطة اللثام عن حقيقة الرأسمالية ومجالاً أمام رؤية عن عدالة اجتماعية واقتصادية عبر حدود الأوطان.
ويبدو أن عملية تذكير خطابات العولمة التي تناولتها هوبر Hooper 2000 ومارشان ورونیان Marchand and Runyan 2000 بالتحليل، يضارعها من الناحية الأخرى التذكير الموجود ضمنًا في خطابات حركات مناهضة العولمة. فبالرغم من أن جزءًا كبيرًا مما كتب عن حركات مناهضة العولمة يسجل محورية الطبقة والعنصر، وأحيانًا الأمة، في نقده وفي حربه ضد الرأسمالية العالمية، فإن (النوع) المُعَنصر (racialized gender) يظل فئة لا يسجل لها وجود. للنوع المتقاطع مع العنصر أهميته في هذا السياق؛ لأن الرأسمالية تقوم باستعمال أجساد النساء، على أساس جنسهن وعنصرهن، في سعيها خلف المكسب المالي على الصعيد العالمي. وكما سبق وزعمت، فإنها غالبًا تجارب ونضالات النساء الفقيرات الملونات هي التي تهيئ المجال لتواجد أكبر حد من الاشتمال والتضمين بوصفه سمة تميز التحليل المعني بالنضالات ضد العولمة وكذلك السياسة التي تكتنفها.
وعلى الجانب المقابل، يبدو أن العديد من الممارسات الديمقراطية وجوانب النسوية المتوجهة إلى السيرورات (process – oriented) قد جرى مأسستها داخل عمليات اتخاذ القرار في بعض هذه الحركات ضد العولمة. ومن ثم، فإن مبادئ عدم التراتبية، والمشاركة الديمقراطية، والمفهوم القائل بأن الشأن الشخصي ما هو إلا أيضًا شأن سياسي، تظهر كلها بأشكال متنوعة، داخل السياسة المناهضة للعولمة. وبالتالي، يُعَدُّ إدراج (النوع) وبرامج عمل النسوية ومشاريعها – بشكل واضح وصريح – داخل هذه الحركات وسيلة لتأصيل المسائل بصورة أدق، كما يهيئ الفرصة لأرضية أكثر مواتاة للتنظيم السياسي. وبطبيعة الحال، تعني بلورةُ النسوية داخل إطار من عمل مناهض للعولمة الشروعَ في تحدي ما يسم هذا العمل من نزعة ذكورية غير مصرح بها. فعبر نقد الرأسمالية العالمية ومقاومتها، والكشف عن محاولات تطبيع قيمها الذكورية والعنصرية، يمكننا أن نشرع في بناء ممارسة نسوية عابرة للقومية.
تتوقف ممارسة نسوية عابرة للقومية على بناء مظاهر التضامن النسوي عبر تقسيمات المكان والهوية والطبقة والعمل والمعتقدات.. إلخ. وفي هذا الزمن الذي يتسم بتشظٍ بالغ، يبدو بناء هذه التحالفات أمرًا بالغ الصعوبة، وفي اللحظة نفسها تبدو الحاجة إليه أبلغ ما تكون. وتقوم الرأسمالية العالمية بتدمير هذه الإمكانات مثلما تقوم أيضًا بطرح إمكانات جديدة. على الناشطات النسويات المشتغلات بالتدريس أن يخضن نضالاً مع أنفسهن وفيما بينهن حتى يفتحن أبواب العالم بكل تعقيداته، على مصارعها، أمام طلابهن. كذلك يتعين على المدرسات (أو المدرسين) – في ضوء التركيبة المتعددة العرقيات والعنصريات لكيانات الطلبة – أن يتعلمن من طلابهن. إذ تربطنا الاختلافات والحدود القائمة لكل هوية من هوياتنا أحدنا بالآخر – في حقيقة الأمر – أكثر مما تقطع السبل بيننا. وعلى ذلك، تتمثل المغامرة أو المشروع الذي نحن بصدده في بناء مظاهر وأشكال من التضامن القائم على المعرفة وحسن الإدراك والتأمل الذاتي.
إنني لم أعد أحيا تحت نظرة أعين غربية وفقط، إذ أحيا أيضًا داخل هذه النظرة وأتفاوض معها كل يوم. وقد جعلت من إيتاكا في نيويورك مقرًا لسكني وحياتي، ولكن بدون أن أنسى أبدًا أنني من مومباي في الهند. ويأخذني عملي الذي يجتاز حدود العنصر والطبقة إلى أماكن ومجتمعات حول العالم تترابط فيما بينها – إلى نضال له سياق تضعه النساء الملونات ونساء العالم الثالث، نضال يجد له موقعًا أحيانًا في عالم الثلثين وأحيانًا في عالم الثلث. ومن ثم، فإن الحدود هنا ليست في حقيقة أمرها حدودًا ثابتة. إن عقولنا يجب أن تكون مستعدة للحركة والتنقل مثلما يفعل رأس المال، حتى نتعرف على مساراته ونتخيل محطات وصول بديلة.
* Chandra Talpade Mohanty, “Under Western Eyes’ Revisited: Feminist Solidarity through Anticapitalist Struggles”, in Signs: Journal of Women in Culture and Society, 28:2 (2002), 499- 535.
____________________________
1 – تمتعت مقالتي الأولى “تحت أعين غربية” بتاريخ متميز، حيث كان يعاد طبعها تقريبًا عامًا وراء عام منذ 1986، منذ أن نشرت لأول مرة في المجلة اليسارية باونـدري Boundary 2 (1986) كما تمت ترجمتها إلى اللغات الألمانية والهولندية والصينية والروسية والإيطالية والسويدية والفرنسية والأسبانية. كما نشرت في مجلات ومجموعات المختـارات الأدبية المتخصصة في النسوية، ودراسات ما بعد الاستعمار، والعالم الثالث، ودراسـات الثقافات، وظلت حاضرة في دراسات النساء، ودراسـات الثقافات، والأنثروبولوجيا، والدراسات العرقية/ الإثنية، العلوم السياسية، التربية والتعليم، ومناهج علـم الاجتمـاع. كذلك جـرى الاستشهاد بها والاقتباس منها في العديد من الأعمال، وأحيانا الاشتباك معها بشكل جدي، كما كانت أحيانًا محلاً لقراءات خاطئة، وفي أحيانٍ أخـرى استخدمت إطـارًا تحضيريًا في مشروعات نسوية ذات طبيعة بين ثقافية.
2 – شكرًا لزيلا أيزنستاین Zillah Eisenstein على توضيحها هذا الفارق.
3 – كنت قد عرفت وقتذاك ما يوصف بـ“نسوي غربي” على النحو الآتي: “من المؤكد أن الخطاب النسوي الغربي والممارسة السياسية، لا يتسمان لا بالأحادية ولا بالتجـانس علـى صعيد الأهداف أو المصالح أو التحليلات، إلا أنه من الممكن رؤية نوع من الترابط المنطقـي فـي تأثيراتهما ناتج عن موقف ضمني يتخذ “الغرب“، (بكل التعقيدات والتناقضات الموجودة فيـه) بصفته المرجع الأولى على الصعيدين النظري والعملي. وليس المقصود من إشـارتي إلـى “نسوي غربي” الإيحاء على أي نحو بأنه كتلة واحدة مصمتة، وإنما بالأحرى كنـت أحـاول جذب الانتباه إلى التأثيرات المتشابهة لمختلف استراتيجيات النصوص الكتابية؛ حيث يصنف المؤلفون “الآخرين” (Others) بوصفهم من هم ليسوا بغربيين، ومن ثم فهم يرمزون ضـمنيًا إلى أنفسهم بوصفهم غربيين” (Mohanty 1986. 334). وأشرت وقتها إلى أنه بالرغم مـن أن مصطلحات مثل العالم الأول والعالم الثالـث تعد إشكالية من حيث إنها توحي بوجود تشابهات مبسطة أكثر مما ينبغي، ومن حيث إنها تقوم بتسطيح الفروق الداخلية، فإني لا زلت أستخدمها لأنها اللغة المصطلحية المتاحة أمامنا وقتها. لقد استخدمت هذه المصطلحات وأنا ألـم تمـامًـا بأوجه القصور فيها، مقترحة اللجوء إلى استخدامها بشكل استدلالي مؤقت (heuristic) ونقدي وليس بشكل يتقبلها دون سؤال. وسوف أعود هنا فيما بعد إلى مناقشة هذه المصطلحات.
4 – استخدم فئات نسويات العالم الغربي والعالم الثالث بطريقة توضح أنهـا ليستبفئات مجسـمة (embodied) أو محددة جغرافيًا أو مكانيًا، وإنما تحيل إلى مواقع ومنهجيات سياسية وتحليلية يجري العمل بها. فتمامًا كما يمكن لامرأة من منطقة العالم الثالث الجغرافية أن تكون نسـوية غربية من حيث التوجه، يمكن لامرأة نسوية أوروبية أن تستخدم منظورًا تحليليًا نسويًا مـن العالم الثالث.
5 – يعطي التحليل الذي أجرته ريتا فيلسكي (Rita Felski 1997) حول المقالة مثلاً على ذلك. ففي حين أنها تقرأ مبدئيًا المقالة بوصفها تشكك في أية نظرية اجتماعية واسعة النطاق (أي ضد التعميمات)، فإنها تكمل قائلة في سياق آخر، إن ما أقوم به من “تشديد على الخصوصية يقيده اعتراف بقيمة التحليلات النسقية للتفاوتات العالمية” (ص١٠). وأظن أن قراءة ريتا فيلسـكي تجعلنا نتبين شيئًا من عدم الوضوح في مقالتي، فيما يشكل النقطة التي آمل أن ألقي الضـوء عليها. كذلك ثمة قراءة مشابهة تدعى أن “البنية ذاتها التي تقف موهانتي ضدها في “تحت أعين غربية“، – وهي عالم ثالث متجانس وعالم أول يعادله – إنما تتجلى بشكل ما من جديد في “رسم/ خرائط النضال“،“Cartographies of Struggle” (Mohanram 1999, 91). وهنا أظن أن راديكا موهانرام تتعامل مع الدعوة إلى التحديد والخصوصية كما لو أنها تتعارض مع دراسة التفاوتات النسقية العالمية. غير أنني أجد نقدها الآخر لمقالتي أكثر إقناعًا، وهي نقطة أعـود اليها فيما بعد.
6 – انظر/ انظري على سبيل المثال ما تم من إعادة طبع ومناقشة لمقالتي في:
Nicholson and Seidman 1995; Warhol and Herndal 1997; and Philips 1998.
7 – لقد كتبت بالاشتراك مع جاكي الكسندر عن بعض تأثيرات الاتجاه المهيمن لما بعد الحداثة في الدراسات النسوية؛ انظر/ انظري مثلاً مقدمة الكتاب الآتي: (Alexander and Mohanty 1997).
8 – حتى يصبح موقفي أكثر وضوحًا، أريد القول بأنني لست ضد كافة الرؤى والدروس المستفادة من تيارات ما بعد الحداثة والاستراتيجيات التحليلية التي تستخدمها، فقد وجدت نصوصًا مـا بعد حداثية عديدة ذات نفع في أبحاثي، كما أني لا أتردد في استخدام أية منهجيات أو نظريات أو رؤى جديدة أحدها تزيدني علمًا وفهمًا بالنسبة إلى قضايا أرغب في بحثها، سـواء كانـت ماركسية أو ما بعد حداثية أو واقعية ما بعد وضعية… إلخ. أما ما أود عمله هنـا فهـو أن أضطلع بمسئولية جعل الاختيارات السياسية التي قمت بها وقتها واضحة وصريحة، وأن أشير كذلك إلى الهيمنة الخطابية التي يحظى بها فكر ما بعد الحداثـة فـي الأوساط الأكاديمية الأمريكية، وهو أمر أؤمن بأنه يشكل السياق المؤسسي الرئيس الذي يحيط بطرق قراءة “تحت أعين غربية“.
9 – “The Local in the Global,” in Dirlik 1997.
۱۰– استيفا وبراكاش (Esteva and Prakash1988. 16- 17) يعرِّفان هذه التصنيفات علـى النحـو الآتي: “الأقليات الاجتماعية هي تلك الجماعات في كل من الشمال والجنوب، التـي تجمعهـا طرق متجانسة من الحياة العصرية (الغربية) في كافة أرجاء العالم، وهي عـادة مـا تتبنى الأطر الفكرية الأساسية للحداثة بوصفها منهاجًا لها، كما أنها عادة ما تكون مصنّفة في عداد الطبقات العليا من كل مجتمع ومنغمسة في المجتمع الاقتصادي الذي يدعى القطاع الرسـمي. أما الأغلبيات الاجتماعية فلا يتاح لأفرادها فرص منتظمة في الحصول على أغلب السلع والخدمات التي يعرّف بها “مستوى المعيشة” المتوسط في البلاد الصناعية. ويعكس تعـريفهم “للحياة الجيدة” الذي تشكله تقاليدهم المحلية، يعكس قدرتهم على الترعرع من دون “مساعدة” تقدمها “القوى العالمية“. وهم بشكل مباشر أو ضمني لا “يحتـاجون“، ولا يعتمـدون علـى مجموعة “الخيرات“، التي تعد بها تلك القوى، ومن ثم تجمعهم حرية مشتركة برفضهم “للقوى العالمية“.
11 – لست بصدد القول بأن النسويات من أهالي البلد يرين الرأسمالية مسألة غيـر ذات بـال فـي نضالاتهن (ولا هذا ما تقصده راديكا موهانرام)، فنحن نجد في أعمـال Marie Anna Jaimes Guerrero, Winona La Duke, and Huanani- Kay Trask مراجعات نقدية قوية للرأسمالية ولما في عنفها الهيكلي من تأثيرات في حياة الجماعات المحلية. انظر/انظري: Guerrero 1997; La Duke1999 and Trask 1999.
12 – في الواقع نحن الآن نجد جدالات عن “مستقبل دراسات النساء” و“استحالة دراسات النساء“. انظر/ انظري الموقع الإلكتروني “The Future of Women’s Studies” التابع لبرنامج دراسـات النسـاء فـي جامعـة أريزونـا، تاكسـون، ۲۰۰۰، علـى الموقـع التالي:-
https://info.center.ccit arizona.edu/ws/conference. وانظري كذلك Brown 1997.
13 – انظر/ انظري على سبيل المثال:
Aihwa Ong (1987); Saskia Sassen (1991, 1998); Interpol Growl and Caren Caplan (1994); Ella Shohat (1998, 2001); Avtar Brah (1996); Lisa Lowe 1996, [with David Lloyd] 1997); Uma Narayan (1997); Lila Abu-Lughod (1998): Kamala Kempadoo (1998); Chela Sandoval (2000): Jacqui Alexander (forthcoming).
14 – للاطلاع على مقاربات مشـابهة، انظـر/ انظـري أعمال
Zillah Eisenstein, Maria Mies Dorothy Smith, Cynthia Enloe, and Saskia Sassen (e.g., Eisenstein 1978, 1994, 1996, 1998, 2001; Miles 1982, 1986; Smith 1987; Enloe 1990, 1993; and Sassen 1991, 1996, 1998).
ثمة نموذج ريادي من نماذج هذا المنظور تجده في بيان “النسوية السوداء” (۱۹۸۲) الذي أطلقته The Combahee River Collective في أوائل الثمانينيات.
15 – انظر/ انظري نقاشات حول مفهوم “تميز الإطار المعرفي” (epistemic privilege) في مقـالات
S. Mohanty (2000), Moya (2000), and Macdonald (2000) in Moya and Hames-Garcia 2000. see esp. 58- 62, 80- 87, and 211-12.
16 – نجد نماذج من نشاط النساء الملونات في الكفاح ضد العنصرية البيئية في:
MELA (see Pardo 2001), the magazine Color Lines, and Voces Unidas, the newsletter of the South West Organizing Project, Albuquerque, New Mexico.
17 – انظر/ انظري Shiva et al. 1997، وللاطلاع على رأي مثير للتفكير حول المعارف الأهلية انظر/ انظري Dei 2000
18 – أقوم فيما يلي باستخدام مصطلحات الرأسمالية العالمية (global capitalism) وعمليات إعـادة الهيكلة العالمية (restructuring global) والعولمة (globalization) بالتبادل، للإشارة إلـى عملية/ سيرورة إعادة تنظيم عالمية على أصعدة اقتصادية وأيديولوجية وثقافية تجـري عبـر حدود الدول القومية، بفعل نشاطات الشركات الكبرى ومصالحها.
19 – في حين كانت الدفعة الأولى تجاه “تدويل” مناهج التعليم العالي في الولايات المتحدة نابعة من قيام الحكومة الفيدرالية بتمويل الدراسات الإقليمية أثناء فتـرة الحـرب البـاردة، صـارت المؤسسات الخاصة بعد ذلك – مثل ماكارثر (MacArthur) وروكفيلر (Rockefeller) وفـورد فاونديشن (Ford Foundation) – هي التي تؤدي الدور المطلوب، لاسيما ما يتعلـق بمنهج دراسات النساء.
20 – هذا العمل عبارة عن مشاركة في عدد من المراجعات لبرامج دراسات النساء، ومراجعـات لمقالات ومخططات بشأن برامج ومناهج تدريس نسوية، وورش عمل حول مواضيع محـددة ومحادثات مع باحثات ومدرسات نسويات على مدى السنوات العشرة الأخيرة.
21 – تشير إيلا شوهات إلى ذلك باسم المقاربـة “الأسـفنجية/ التجميعية” (the “sponge /additive” pproach)، وهي تتناول “الآخرين” عبر المنظومات الفكرية نفسها النابعـة مـن الولايـات المتحدة، فتنتج “سردية نسوية متجانسة، رئيسة“. انظر/ انظري Shohat 2001. 1269 -72
22 – للاطلاع على نقد قاطع لمبدأ النسبية الثقافية والأطر المعرفية التي تدعمها، انظـر/ انظـري Mohanty 1997 chap. 5
23 – من المهم أيضًا أن نفحص وأن نتنبه إلى نزعة القومية الكامنة في دراسات العنصر والعرقية ودراسات النساء ودراسات الجنسانية المثلية (gay and lesbian studies) في الولايات المتحدة.
24- ثمة كتاب يضم مجموعة مقتطفات أدبية مختارة تعطي أمثلة لما أشير إليـه باسـم نمـوذج التضامن النسوي أو الدراسات النسوية المقارنة. انظر/ انظـري Lay, Monk, and Rosenfelt 2002
25 – انظر/ انظري Borderlands Radicalism”. in Dirlik 1994″. انظري أيضًا هذا التمييـز بـين “دراسات ما بعد الاستعمار” و“فكر ما بعد الاستعمار“: بينما يولي فكر ما بعد الاستعمار عناية كبيرة إلى قضايا الاقتصاد المحلي والعالمي، نجد دراسات ما بعد الاستعمار لم تتطرق كثيرًا إلى هذه القضايا (Loomba 1998- 99). هذه الصياغة وضعتها آنيا لومبا، إلا أن العديـد مـن النفاد التقدميين أشاروا – هم أيضًا – إلى هذه النقطة الأساسية. وهذا الفارق له أهمية كبيـرة، وأعتقد أنه يجوز القول بصدقه أيضًا على حالة “الفكر النسـوي” و “الدراسـات النسوية (أو دراسات النساء)”.
26 – في حين أنه لا توجد – على حد علمي – أية دراسة اعتنت بوضع تصور فكـري لهـذه الاستراتيجية التعليمية كما فعلت هنا، فثمة تشابه كبير بين عملي وأعمال باحثين مـن أمثـال
Ella Shohat (1998, 2001). Susan Sanchez- Casal and Amie Macdonald (2002), and Jacqui Alexander (forthcoming).
27 – انظر/ انظري خصوصًا الآتي:
Satya Mohanty (1997, 2001), Linda Alcoll (2000), Paula Moya (2000), and Shari Stone – Mediatore (forthcoming).
۲۸ – هذه العبارة مقتبسة من (Eisenstein 1998. 161)، ويظل هذا الكتاب واحدًا من أكثر التحليلات الذكية والمفهومة والمعقدة لجوانب العنصر والطبقة و(النوع) في سيرورات العولمة.
29 – ثمة أعمال عديدة تتناول علاقة العولمة (بالنوع)، ولست أدعي أن هذا الاستعراض يغطى مجموعها. وألجا هنا إلى ثلاثة نصوص بعينها لأقدم ملخصًا نقديًا للتحليلات التي أعد أعظمها جدوى ونفعًا وتحديًا للفكر:
Eisenstein 1998; Marchand and Runyan 2000; and Basu et al 2000
30 – انظر/ انظري مقالات في Kempadoo and Doezema 1999 and Puar 2001
31 – للاطلاع على آراء مماثلة انظر/ انظري أيضًا Bergeron 2001 and Freeman 2001.
32 – على أن خطابات العولمة تشمل السرديات المؤيدة للعولمة التـي تـروج لليبرالية الجديدة والخصخصة، كما تشمل أيضًا خطابات في مناهضة العولمة يتم إنتاجها بواسطة صاحبات (أو أصحاب) الاتجاهات التقدمية، والنسويات، والناشطات (أو الناشطين) في حركة مناهضة العولمة.
33- توجد أيضًا أعمال بحثية نسوية تزيد من تعقيد هذه التصورات “المعولمة” الموحدة عن النساء.
انظر/ انظري دراسة إيمي ليند حول منظمات النساء في إكوادور (Amy Lind 2000)، وعمل آيلي ماري تريب عن شبكات العلاقات الاجتماعية التي تكونها النساء في تنزانيا ((Aili Marie Tripp 2002، وانظر/ انظري كذلك Aihwa Ong 1987 و Kimberly Chang and L.H.M Ling 2000. للاطلاع على دراسات حول مسألة إعادة الهيكلة العالمية في منطقة المحيط الهادي الآسيوية.
34- هذا الوصف مستقى من: Brecher, Costello and Smith 2000. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من تحليلي لحركات مناهضة العولمة مبني على هذا النص، بالإضافة إلى مادة وردت في مجلات مثل: Color Lines, Z Magazine, Monthly Review, and SWOP Newsletter
Abu-Lughod, Lila. 1998. Remaking Women: Feminism and Modernity in the Middle East. Princeton, N.J.: Princeton University Press.
Alcoff, Linda 2000. “Who’s Afraid of Identity Politics?” In Moya and Hames-Garcia 2000, 312- 44
Alexander, M. Jacqui. Forthcoming. Pedagogies of Crossing. Durham, N.C.: Duke University Press.
Alexander, M. Jacqui, and Chandra Talpade Mohanty, 1997. Feminist Genealogies Colonial Legacies, Democratic Futures. New York: Routledge.
Basu, Amrita, Inderpal Grewal, Caren Kaplan, and Liisa Malkki, eds. 2001. “Globalization and Gender,” special issue of Signs Journal of Women in Culture and Society, 26: 4.
Bergeron, Suzanne, 2001. “Political Economy Discourses of Globalization and Feminist Politics.” Signs 26 (4): 983-1006.
Boggs, Grace Lee. 2000. “School Violence: A Question of Place.” Monthly Review 52 (2) 18-20.
Brah, Avtar. 1996. Cartographies of Diaspora: Contesting Identities, London: Routledge.
Brecher, Jeremy, Tim Costello, and Brendan Smith, 2000. Globalization from Below The Power of Solidarity. Cambridge, Mass.: South End.
Brown, Wendy. 1997. “The Impossibility of Women’s Studies.” Differences: A Journal of Feminist Cultural Studies 9 (3): 79-101.
Chang, Kimberly, and L. H. M. Ling. 2000. “Globalization and Its Intimate Other: Filipina Domestic Workers in Hong Kong.” In Marchand and Runyan 2000, 27- 43.
Combahee River Collective. 1982. “A Black Feminist Statement.” Reprinted in All the women Are White, All the Blacks Are Men, But Some of Us Are Brave, ed. Glonia T.
Hull, Patricia Bell Scott, and Barbara Smith. Old Westbury, N.Y.: Feminist Press.
Davis, Angela, and Gina Dent. 2001. “Prison as a Border: A Conversation on Gender Globalization, and Punishment.” Signs 26 (4): 1235- 41.
Dei, George J. Sefa 2000. “Rethinking the Role of Indigenous Knowledges in the Academy.” International Journal of Inclusive Education 4 (2): 111- 33.
Dirlik, Arif. 1994. After the Revolution: Waking to Global Capitalism. Hanover, N.H: Wesleyan University Press.
Dirlik, Arif. 1997. The Postcolonial Aura: Third World Criticism in the Age of Cll Capitalism. Boulder, Colo: Westview.
Dirlik, Arif. 1999. “Place-Based Imagination: Globalism and the Politics of Place Re A Journal of the Ferdinand Braudel Center for the Study of Economics Historical System, and Civilizations 22 (2): 151- 87.
Eisenstein, Zillah. 1978. Capitalist Patriarchy and the Case for Socialist Freedom New York: Monthly Review.
Eisenstein, Zillah. 1994. The Color of Gender: Reimagining Democracy, University of California Press.
Eisenstein, Zillah. 1996. Hatreds: Recialized and Sexualized Conflicts in the Te Century. New York: Routledge.
Eisenstein, Zillah. 1998. Global Obscenities: Patriarchy, Capitalism and the Lure of Cyber- fantasy. New York: New York University Press.
Eisenstein, Zillah. 2001. Manmade Breast Cancers. Ithaca, N.Y.: Cornell University Press.
Enloe, Cynthia. 1990. Bananas, Beaches and Bases: Making Feminist Sense of International Politics.Berkeley: University of California Press.
Enloe, Cynthia. 1993. The Morning After: Sexual Politics at the End of the Cold War. Berkeley: Universtiy of California Press. Esteva, Gustavo, and Madhu Suri Prakash. 1998. Grassroots Post-modernism: Re-making the Soil of Cultures. London: Zed.
Felski, Rita. 1997. “The Doxa of Difference.” Signs 23(1): 1-21.
Fernández-Kelly, Patricia, and Diane Wolf. 2001. “A Dialogue on Globalization.” Signs 26(4): 1243 – 49.
Freeman, Carla. 2001. “Is Local: Global as Feminine: Masculine? Rethinking the Gender of Globalization.” Signs 26(4): 1007-39.
“The Future of Women’s Studies.” 2000. University of Arizona, Tuscon, Women’s Studies
Department; on-line at https://info-center.ccit.Arizona.edu/ws/conference.html.
Grewal, Inderpal, and Caren Kaplan, eds. 1994. Scattered Hegemonies: Post-modernity and Transnational Feminist Practices. Minneapolis: University of Minnesota Press.
Guerrero, Marie Anna Jaimes. 1997. “Civil Rights versus Sovereignty: Native American Women in Life and Land Struggles.” In Alexander and Mohanty 1997, 101- 25,
Hooper, Charlotte. 2000. “Masculinities in Transition: The Case of Globalization. In Marchand and Runyan 2000, 59-73.
Kempadoo, Kamala. 1998. “Introduction: Globalizing Sex Workers’ Rights.” In Kempadoo and Doezema 1998, 1-28.
Kempadoo, Kamala, and Jo Doezema, eds. 1998. Global Sex Workers: Rights, Resistance. and Redefinition. New York: Routledge.
La Duke, Winona. 1999. All Our Relations: Native Struggles for Land and Life. Cambridge, Mass.: South End.
Lay, Mary M., Janice J. Monk, and Deborah Silverton Rosenfelt, eds. 2002. Encompassing Gender: International Studies and Women’s Studies. NY: Feminist Press, CUNY Press.
Linda, Amy. 2000. “Negotiating Boundaries: Women’s Organizations and the Politics of Restructuring in Ecuador.” In Marchand and Runyan 2000, 161-75.
Loomba, Ania. 1998-99. “Postcolonialism or Postcolonial Studies.” Interventions: International Journal of Postcolonial Studies 1 (1): 39-42.
Lowe, Lisa, and David Lloyd. 1997. The Politics of Culture in the Shadow of Capital. Durham, N.C.: Duke University Press.
Macdonald, Amie A. 2000. “Racial Authenticity and White Separatism: The Future of Racial Program Housing on College Campuses.” In Moya and Hames-Garcia 2000, 205 -28.
Marchand, Marianne H., and Anne Runyan, eds. 2000. Gender and Global Restructuring:Sightings, Sites and Resistances. New York: Routledge.
Mies, Maria. 1982. The Lace Makers of Narsaspu: Indian Housewives Produce of the World Market. London: Zed.
Mies, Maria. 1986. Patriarchy and Accumulation on a World Scale: Women in the International Division of Labour. London: Zed.
Mies, Maria, and Vandana Shiva. 1993, Ecofeminism. London: Zed.
Mohanram, Radhika. 1999. Black Body: Women, Colonialism, and Space. Minneapolis: University of Minnesota Press.
Mohanty, Chandra Talpade. 1986. “Under Western Eyes: Feminist Scholarship and Colonial , Discourses.” Boundary 2 12(3): 333-58.
Mohanty, Satya P. 1997. Literary Theory and the Claims of History: Postmodernism Objectivity, Multicultural Politics. Ithaca, N.Y.: Cornell University Press.
Mohanty, Satya P. 2001. “Can Our Values Be Objective? On Ethics, Esthetics, and Progressive Politics.” New Literary History 34 (4): 803- 33.
Moya, Paula. 2000. “Postmodernism, ‘Realism’, and the Politics of Identity: Cherrie and Chicana Feminism.” In Moya and Hames-Garcia 2000, 47-101.
Moya, Paula. 2002. Learning from Experience: Politics, Epistemology, and Chicana/o Identity. Berkeley: University of California Press.
Moya, Paula, & Michael Roy Hames-Garica, eds. 2000. Reclaiming Identity: Realist Theory and the Predicament of Postmodernism. Berkeley: University of California Press. Narayan, Uma. 1997. Dislocating Cultures: Identities, Traditions, and Third-World Feminism. New York: Routledge.
Nicholson, Linda, and Steven Seidman, eds. 1995. Social Postmodernism: Beyond Identity Politics, Cambridge: Cambridge University Press.
Ong, Aihwa. 1987. Spirits of Resistance and Capitalist Discipline: Factory Women in Malaysia. Albany, N.Y.: SUNY Press.
Pardo, Mary. 2001. “Mexican-American Women Grassroots Community Activists: “Mothers of East Lost Angeles.” In Women’s Lives: Multicultural Perspectives, ed. Gwyn Kirk and Margo Okazawa- Rey, 504- 11. Mountain View, Calif: Mayfield.
Parrenas, Rhacel Salazar. 2001. “Transgressing the Nation State: The Partial Citizenship and “Imagined Global Community” of Migrant Filipina Domestic Workers.” Signs 26(4): 1129 – 54.
Phillips, Anne, ed. 1998. Feminism and Politics. Oxford University Press.
Puar, Jasbir Kaur. 2001. “Global Circuits: Transnational Sexualities and Trinidad.” Signs 26(4) L 1039- 67.
Sánchez-Casal, Susan, and Amie Macdonald. 2002. Introduction. Twenty-First Century Feminist Classrooms: Pedagogies of Difference and Identity. London: Palgrave. Sandoval, Chela. 2000. Methodology of the Oppressed. Minneapolis: University of Minnesota Press.
Sassen, Sakia. 1991. The Global City: New York, London, Tokyo. Princeton, N.J.: Princeton University Press.
Sassen, Sakia. 1996. “New Employment Regims in Cities: The Impact on Immigrant Workers.” Journal of Ethnic and Minority Studies (JEMS) 22(4): 579-49.
Sassen, Sakia, 1998. Globalization and Its Discontents: Essays on the New Mobility of People and Money. New York: New Press.
Shiva, Vandana, Rebecca Gordon, and Bob Wing. 2000. “Global Brahmanism: The Meaning of the WTO Protests: An Interview with Dr. Vandana Shiva.” ColorLines: Race, Color, Action 3(2): 30- 32.
Shiva, Vandana, Asfar H. Jafri, Gitanjalil Bedi, & Radha Holla-Bhar. 1997. The Enclosure and Recovery of the Commons: Biodiversity, Indigenous Knowledge, and Intellectual Property Rights. New Delhi: Research Foundation for Science, Technology, and Ecology.
Shohat, Ella, ed. 1998. Talking Visions: Multicultural Feminism in Transnational Age. New York: New Museum of Contemporary Art.
Shohat, Ella. 2001. “Area Studies, Transnationalist and the Feminist Production of Knowledge.” Signs 26(4): 1269-72. Shohat, Ella, and Robert Stam. 1994. Unthinking Eurocentrism: Multiculturalism and the Media. New York: Routledge.
Smith, Dorothy E. 1987. The Everyday World as Problematic: A Feminist Sociology. Boston: Northeastern University Press.
Stone- Mediatore, Shari. Forthcoming. Reading across Borders. New York: Palgrave.
Trask, Haunani- Kay. 1993. From a Native Daughter: Colonialism and Sovereignty in Hawaii. Monroe, Maine: Common Courage.
Tripp, Aili Maric. 2002. “Combining Intercontinental Parenting and Research: Dilemmas and Strategies for Women.” Signs 27(3): 793- 811.
Walby, Sylvia. 2000. “Beyond the Politics of Location: The Power of Argument.” Feminist Theory 1(2): 109- 207.
Warhol, Robyn, and Diane Price Herndal. 1997. Feminisms: An Anthology of Literary Theory and Critisism. New Brunswick, N.J.: Rutgers University Press.
Ahmed, Leila. 1992. Women and Gender in Islam: Historical Roots of a Modern Debate. New Haven, Conn.: Yale University Press.
Anti- capitalism. 2001. Special issue of Socialist Review, vol. 28, nos. 3- 4.
Barnet, Richard J., and John Cavanaugh. 1994. Global Dreams: Imperial corporations and The New World Order. New York: Simon & Schuster.
Basu, Amrita, ed. 1995. The Challenge of Global Feminism: Women’s Movement in Global Perspectives. Boulder, Colo: Westview.
Currie, Jan, and Janice Newsom, eds. 1998. Universities and Globalization: Critical Perspective. London: Saga.
Jayawardena, Kumari. 1995. The White Woman’s Other Burden: Western Women and South Asia during British Colonial Rule. New York: Routledge.
Jayawardena, Kumari, and Malathi de Alwis, eds. 1996. Embodied Violence: Communalizing Women’s Sexuality in South Asia. New Delhi: Kali for Women.
Jhabvala, Renana. 1994. “Self-Employed Women’s Association: Organizing Women by Struggle and Development.” In Dignity and Daily Bread: New Forms of Economic Organizing among Poor Women in the Third World and the First, ed. Sheila Rowbotham and Swasti Mitter, 114- 38. New York: Routledge.
McClintock, Anne, Aamir Mufti, and Ella Shohat, eds. 1997, Dangerous Liaisons: Gender, Nation, and Postcolonial Perspective. Minneapolis: University of Minnesota Press.
Mitter, Swasti. 1994. “On Organizing Women in Casualized Work: A Global Overview.” In Dignity and Daily Bread: New Forms of Economic Organizing among Poor women in the Third World and The First, ed. Sheila Rowbotham and Swasti Mitter, 14-52. New York: Routledge.
Moghadam, Valentine M. 1994. Identity Politics and Women: Cultural Reassertions and Feminisms in International Perspective. Boulder, Colo: Westview.
Mohanty, Chandra Talpade, Ann Russo, and Lourdes Torres, eds. 1991. Third World Women and the Politics of Feminism. Bloomington: Indiana University Press.
Noble, David. 2001. The Digital Diploma Mills: The Automation of Higher Education. New York: Monthly Review.
Volpe, Letti. 2001. “Feminism vs Multiculturalism” Colombia Law Review 101: 1181- 1218.
Waterman, Peter. 1998. Globalization, Social Movement, and the New Internationalism. London: Mansell.