التضامن النسوي

الشركاء: اختيار

تأليف:

سارة سالم

يدرك مؤيدو النسوية الذين يعرفون آثار النظام الأبوي (الذكوري) أننا جميعاً في نفس المركب ونواجه نفس مخاطر النظام الأبوي (الذكوري)، وأن قمع المرأة أمر عالمي.

  نوال السعداوي

يعد غياب التضامن بين مؤيدي النسوية داخل مجتمعات بعينها وعلى المستوى الدولي أحد أكبر التحديات التي تواجه النسوية. وفي هذه المقالة، أود أن أتناول بعض الأسباب وراء صعوبة تحقيق التضامن, وأقدم اقتراحاً بأن نظرية التقاطعية1 هي أحد الطرق التي يمكن من خلالها خلق التضامن على مختلف المستويات. ويبدو أن المناقشات والحوارات بشأن معنى النسوية لا تنتهي. وبما أن مؤيدي النسوية مرتبطون بمختلف المواقع والأماكن المتعلقة بالسلطة والامتيازات، فقد كانت وستظل مسألة من يقوم بتحديد وتعريف النسويةمحل جدال. وعلى الرغم من أن النسوية باعتبارها حركةدائمًا ما يقال أنها بدأت في الولايات المتحدة وفي أوروبا في بداية القرن العشرين، إلا أن البعض قد يجادل بأن اتجاهات النسوية في واقع الأمر تواجدت في السياقات العربية حتى قبل ذلك الوقت. وفي مصر، على سبيل المثال، هيمنت عملية الضغط والدفع من أجل تحديث المجتمع من خلال منح المرأة بعض الحقوق التي كانت موجودة في أواخر القرن التاسع عشر، قبل سيطرة أي من هذه الحركات في الولايات المتحدة وأوروبا. إلا أنه نادراً ما يتم الاعتراف بذلك، لأن العالم العربي دائمًا ما يتم رسمه ووصفه على أنه يفتقر إلى حقوق المرأة، مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا. ولهذا السبب تصور النسوية الغربية، النسويةبأنها بدأت في الغرب, بين سيدات الطبقة الوسطى البيض. وقد نشرت الموجة الأولى من النسوية الفكرة التي تفيد أن المرأة غير الغربية أسوأ حالاً من المرأة الغربية، ومن ثم ظهر ذلك النوع من النشاطات الذي انشغل به الكثيرون والتي ينادي بـ إنقاذ المرأة السمراء من الرجل الأسمر“. كما اتجهت الموجة الثانية من النسوية بصفة خاصة إلى النظر إلى تحرير المرأة من حيث التحرير الجنسي، واستمرت في تعميم هذا المنهاج. وفي الحقيقة، أود أن أقول أن الاتجاه نحو التعميم هو المشكلة الرئيسية أمام كثير من أمور النسوية الغربية. وأياً كانت القضايا المحددة ضمن جدول أعمالهم فإنهم يفهمونها على أنها قضايا عمومية وعالمية.

وعلى الرغم من سيادة موجتي النسوية الأولى والثانية، سرعان ما ظهر النقاد من باقي العالم مدعين أن النسوية الغربية كانت تقوم على الإقصاء والاستعلاء العرقي. فالمرأة في نصف الكرة الأرضية الجنوبي أصبحت مرتبطة بالأهداف العامة للنسوية المساواة بين

الجنسين، وهذا يمثل النهاية لمفهوم الأبوية (الذكورية), وحرية الاختيار. ومن ناحية أخرى، فإن الافتراضات التي تتعلق بكيفية الوصول إلى هذه الأهداف وتحقيقها تتمركز حول الغرب، ويبدو أنه لا علاقة لها بحياة المرأة وخبراتها في الدول غير الغربية. ومن ضمن النقد الموجه والذي يتمتع بأهمية خاصة هو أن النسوية الغربية تميل إلى وضع النوع الاجتماعي فوق جميع العلاقات الاجتماعية الأخرى، بدلاً من اعتباره واحداً ضمن الكثير من العلاقات الاجتماعية التي تتقاطع وتتشابك مع بعضها البعض. وقد تحدى ذلك كثير من مؤيدي النسوية من الأفارقة الأمريكيين (الأمريكيين الملونين) والعالم الثالث، حيث يقولون أن العرق والدين والجنسية والجنس ومجموعة أخرى كبيرة من الهويات الاجتماعية تعد جزء جوهرياً من الاضطهاد الذي يواجهونه. فلا يمكن ولا يجب أن يتم وضع نظريات تخص النوع الاجتماعي وحده، بل باعتباره متداخلاً ومتشابكاً مع هويات أخرى.

وقد أدى وضع هذه الأنواع من النظريات إلى التقاطعيةوهو منهج وضعته كيمبرلي كرينشو Kimberle Crenshaw في الثمانينات كمحاولة لتحويل النسوية إلى مشروع أكثر شمولاً. وفي أغلب الأحيان تستخدم كرينشو Crenshaw التشبيه بالكلمات المتقاطعة لشرح التقاطعية: “التقاطعية هو ما يحدث حينما تحاول إحدى السيدات من الأقليات أن تجوب التقاطع الرئيسي في المدينة والطريق السريع الأساسي هو طريق التمييز العنصري“. وقد يكون أحد الشوارع المتقاطعة هو الاستعمار، ثم شارع النظام الأبوي (الذكوري). فهذه السيدة يجب أن تتعامل مع جميع صور القمع وليس فقط أحدها, والتي تتصل معًا لتصنع غطاءً من القمع ثنائي وثلاثي ومتعدد وكثير الطبقات.

ومن الضروري أن نتذكر أن التقاطع ظهر كرد فعل مباشر للطبيعة الإقصائية في كثير من الأحيان للنسوية السائدة. وبالتالي, فإن الانجاز الرئيسي الذي حققته التقاطعية هو أنها أصبحت أكثر شمولاً لمختلف الخبرات, والحقائق والهويات كما أنها صارت أكثر استيعاباً لطريقة عمل السلطة من أجل الإقصاء/ الاحتواء. وهذه الموجة الثالثةمن النسوية والتي تتضمن التقاطعية تشكل تحدياً رئيسياً للنسوية الغربية، ولكن للأسف, لم تتمكن من نزع النسوية الغربية من وضعها المهيمن. ولا زال يصعب تشكيل روابط نسوية متعددة الجنسيات بسبب عدم رغبة النسوية الغربية في الاعتراف بوضعها وامتيازاتها. وحتى يتم قبول حقيقة أن خبرات المرأة تختلف وأن الأنشطة النسوية لا يمكن تعميمها، ستظل بعض الأفكار الخاصة بماهية النسوية سائدة كما ستقوم بإقصاء بعض الناس.

واذا تناولنا حالة مصر, من الواضح أن الكفاح من أجل حقوق المرأة قد بدأ قبل وقت طويل من ظهور الموجة الأولى من النسوية في الغرب. وفي الحقيقة, فإن مصر لها تاريخ طويل من المناظرات والحوارات والمناقشات بشأن قضايا النوع الاجتماعي في المجال العام. وقد كان للمرأة دوراً مركزي في أحداث سياسية واجتماعية واقتصادية لا حصر لها. إلا أن كثير من المناقشات والأحاديث النسوية ذات الصلة بالموجة الأولى جاءت إلى مصر من خلال الهياكل الاستعمارية. ففي أغلب الأحيان تقوم الإمبراطوريات الأوروبية باستخدام المرأة العربية والأفريقية كأداة يمكن من خلالها نزع الشرعية الخاصة بثقافات وحضارات البلاد التي تحتلها. ولم تكن مصر استثناءً. فقد قام كثير من المصلحين المصريين في أوائل القرن العشرين, مثل محمد عبده وقاسم أمين بتشجيع المصريين على تبني قيم وسلوكيات الغرب وبالأخص فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي. وقد أدى هذا إلى تشويش عدم المساواة الشديد بين الجنسين القائم في البلاد الغربية، كما فرض مفاهيم أجنبية عنيفة لكل من النوع الاجتماعي والنسوية على المجتمع المصري وهو مجتمع كان له الحركة النسوية الخاصة به في ذلك الحين.

وكما حدث مع كثير من المجتمعات الخاضعة للاستعمار، أصبحت النسوية الاستعمارية الشكل السائد للنسوية . وقد أدى ذلك إلى وجود معضلة كبيرة بعد عملية إنهاء الاستعمار، حيث رأى الكثيرون أن النسوية تعد من الواردات الأجنبية” – وقد كانت هكذا بالفعل. وعليه انتقلت الحركة النسوية الغربية إلى كل مكان, على الرغم من أنها تقوم بإقصاء كثير من تصورات هوية النساء والنضال النسوي.

ويلعب هذا النوع من الإقصاء دوراً داخلياً أيضاً. ورجوعاً إلى مصر، من الواضح أن الحركة النسوية كانت دائمًا ما تواجه مشكلات في التعامل مع مفهوم الطبقة، ولنتخذ مثالاً لذلك. قام مؤيدو النسوية من الطبقة العليا والمتوسطة والمتأثرون بالأفكار الليبرالية والغربية ذات الصلة بالنسوية, بالسيطرة على المجالات النسوية والمجتمع المدني مما أدى إلى ظهور فن الخطابة والنشاطات النسوية والذي يقولب ويشوه صورة الطبقة العاملة من السيدات المصريات, اللاتي غالباً ما يشعرن بسوء التمثيل. وبدلاً من محاولة العمل مع مثل هؤلاء السيدات، فإن مؤيدي النسوية غالباً ما ينتهي بهم الأمر بالتحدث بالنيابة عنهن حيث يفترضون أنهم يعرفون ما هو الأفضل. ويشبه ذلك الطريقة التي يقترب بها مؤيدو النسوية الغربيون من المرأة العربية.

قد تكون التقاطعية هي الحل لكل من التوترات الداخلية والخارجية ذات الصلة بالنسوية. كما يمكن اعتبار التقاطعية واحد من أهم الانتقادات المتعلقة بالإقصاء والبساطة وإضفاء الجوهرية علي الاتجاهات التي أزعجت النسوية وأضرتها لمدى بعيد. وبدلاً من اعتبار الهويات منفصلة عن بعضها البعض, من المهم أن نفهم طريقة تقاطعها. فالمرأة ليست امرأة فحسب، فهي دائمًا ما تقوم بأشياء أخرى كثيرة. ولذلك فإن خبرة أي امرأة تختلف عن خبرة غيرها من السيدات.

ولتجنب المشكلات التي تتعلق بسوء التمثيل وترسيخ الفئات والهويات, من المهم بالنسبة للباحث أن يكون قادرًا على التفكير الانعكاسي, وعلى استعداد أن يتقبل خطأه, ويتقبل جميع أنواع المعرفة. ويجب أن يتم بناء المعرفة من أسفل إلى أعلى، كما يجب أن يدرك الباحثون والنشطاء والعاملون في المجتمع المدني دورهم في خلق هذه المعارف

 

1 التقاطعية: هو مفهوم يستخدم عادة في النظريات النقدية, ليصف كيف ترتبط الأجهزة القمعية ببعضها (العنصرية، الطبقية, رهاب المثلية,….) ولا يمكن اختبار أي منها بشكل منفصل. أتى المفهوم في البداية من الباحثة القانونية كيمبرلي كرينشو في عام 1989م واستخدم بشكل كبير في النظريات النقدية، خاصة النظريات النسوية, عند مناقشة القمع المنهجي. يجب نسب الفضل إلى كيمبرلي كرينشو في تكوين مصطلح التقاطعيةوتعميم المصطلح بشكل أكبر.

شارك:

اصدارات متعلقة

عيد الأم ما بين الاحتفاء بقيمة الأمومة و ترسيخ الدور النمطي للنساء
خدمات الصحة الجنسية فيما بعد سن الإنجاب ضرورة لتمكين النساء
ختان الإناث في مصر... جريمة تعذيب ضد الإنسانية
حقوق النساء من اجل العدالة والتنمية
الإيدز خطر صامت يهدد حياة النساء في ظل جائحة كورونا
إشكاليات التقاضى فى جريمة التحرش الجنسي
أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان