تعاني النساء بشكل عام من مشكلة التغير المناخي وجموح ظواهره، لكن الحوامل والأجنة معرضات للخطر بشكل خاص وأصبحن يدفعن الفاتورة الأعلى.
ووفقاً للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، فإن النساء أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ من الرجال، ويرجع ذلك إلى كونهن يشكلن غالبية فقراء العالم ويعتمدن بشكل أكبر على الموارد الطبيعية.
لكن هناك مجموعة فرعية واحدة من النساء معرضات بشكل خاص للخطر، هن النساء الحوامل وأجنتهن للعديد من الأسباب.
أمراض تصيب الحوامل بسبب تغير المناخمع ارتفاع درجات الحرارة والانبعاثات العالمية يرتفع تأثير تغير المناخ على الصحة العامة، فعلى سبيل المثال يؤدي المزيد من ملوثات السيارات ومحطات الوقود الأحفوري والدخان الناتج عن حرائق الغابات إلى تدهور جودة الهواء.
وتدهور جودة الهواء يعني أن الفئات السكانية المعرضة للخطر، مثل النساء الحوامل والأجنة في طور النمو، هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب وأمراض الجهاز التنفسي ومشاكل الصحة العقلية.
وفقًا لمراجعة شبكة “JAMA” لعام 2020 التي قيّمت أكثر من 32 مليون ولادة في الولايات المتحدة، يؤدي تفاقم تلوث الهواء والتعرض للحرارة المرتبط بالمناخ إلى زيادة المخاطر على صحة الأم والجنين والرضع.
وخلال المراجعة، وجد الباحثون دليلاً ثابتًا على أن التلوث في الهواء والحرارة يؤثر على نتائج الحمل، بما في ذلك ولادة جنين ميت وانخفاض الوزن عند الولادة ومعدلات الولادة المبكرة.
وعلّق روبا باسو، رئيس قسم وبائيات الهواء والمناخ في حماية البيئة في كاليفورنيا والمؤلف المشارك لدراسة “JAMA”: “ملوثات الهواء المجهرية لديها القدرة على التوغل في رئتي الأم، ما يهدد صحتها الرئوية”.
وأضاف: “يمكن أن تنتقل الملوثات إلى المشيمة ما يؤدي إلى التهاب يمكن أن يسبب سكري الحمل أو تسمم الحمل، أيضا يمكن أن تضغط الحرارة الشديدة على الأم وتسبب ردود فعل من الدوار إلى السكتة القلبية”.
أيضا أكدت المراجعة أن الأمهات الأكثر تعرضاً للتهديد هن المصابات بالربو والأقليات، خاصة النساء ذوات البشرة السمراء.
الحرارة وتأثيرها على صحة الحوامل
يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة الضغط على الأم والجنين، حيث وجدت دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2020 صلة بين سكري الحمل والحرارة الشديدة.
وأصدرت الكلية الأمريكية لأطباء التوليد وأمراض النساء هذا الصيف إرشادات حول الصلة بين درجات الحرارة القصوى ونتائج الولادة غير المنتظمة.
حتى الإعصار يمكن أن يضع الأمهات الحوامل تحت ضغط إضافي كافٍ لدرجة أن الطقس يمكن أن يؤدي إلى معدلات أعلى للولادات المبكرة.
ورغم عشرات الدراسات والمؤتمرات التي عقدت لبحث تأثيرات تغير المناخ على الإنسان والحيوان والبيئة، فإن عدد الأبحاث التي ناقشت هذه المخاطر على الحوامل ضئيل.
وقالت كيلي ديفيس، رئيسة ابتكار المساواة في الولادة بمنظمة “National Birth Equity Collaborative”، إن مناقشات المناخ الوطنية والدولية، مثل قمة الأمم المتحدة، تتجاهل الاحتياجات الفورية للمجتمعات المهمشة بما في ذلك الحوامل.
ونقلت شبكة “سي بي إس نيوز” عن ديفيس قولها: “في كثير من الأحيان تكون أهداف تغير المناخ سامية للغاية وكل هذه الأشياء مهمة، لكنها تمحو الطوارئ والمخاوف البيئية التي تواجهها النساء والحوامل كل يوم”.
بينما قالت سكاي ويلر، باحثة أولى بقسم حقوق المرأة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن التهديدات المناخية تؤدي إلى تفاقم أزمة صحة الأم ومع ذلك فإن قلة من الناس يدركون الخطر.
وأجرت المنظمة الحقوقية الدولية مراجعة حديثة شملت 105 صفحات رسمية للسلامة الحرارية وخطط العمل المناخي ومبادرات الاستدامة في 18 مدينة أمريكية رئيسية، بما في ذلك 15 مدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان بإجمالي 32 مليون شخص.
وخلصت مراجعة “هيومن رايتس ووتش” إلى أن “هناك المزيد من المعلومات العامة حول حماية الحيوانات الأليفة من درجات الحرارة الشديدة أكثر مما هو موجود حول النساء الحوامل”.أبرزت المجلة الدولية لأمراض النساء والتوليد كيف تؤثر أزمة المناخ بشكل غير متناسب على الحوامل والأطفال، خاصة في المجتمعات المحرومة والمهمشة.
وقال أطباء التوليد وأمراض النساء إن أزمة المناخ الحالية تمثل خطراً واضحاً وقائماً على الحوامل وتطور الأجنة والصحة الإنجابية للنساء والفتيات حول العالم.
ونتيجة للاستهلاك البشري المستمر للوقود الأحفوري، أدت أزمة المناخ إلى زيادات قياسية في الفيضانات وحرائق الغابات والجفاف والأمراض المنقولة بالنواقل وارتفاع درجة الحرارة العالمية.
وتؤدي هذه الظروف البيئية إلى تفاقم الحرارة والأمراض المرتبطة بتلوث الهواء، وكذلك الأمراض المنقولة بالنواقل التي تضر بصحة الإنسان.
مثلا يُعزى التعرض المفرط للحرارة إلى وفيات أكثر من أي خطر مناخي آخر، كما تقلل الحرارة الشديدة من إنتاج المحاصيل والأمن الغذائي والمياه النظيفة والآمنة.
ويرتبط ما سبق بالزيادة في انخفاض الوزن عند الولادة والخداج والإملاص والتشوهات الخلقية للجنين، مثل عيوب القلب وتقلص القدرة المعرفية وأمراض ارتفاع ضغط الدم عند الأم وانفصال المشيمة.
ويطلق احتراق الوقود الأحفوري جسيمات أقل من 2.5 و0 ميكرون، على التوالي، التي تضر بشكل خاص بالرئتين والقلوب والمشيمة.
وتُعزى الوفيات العالمية الزائدة والخداج وانخفاض الوزن عند الولادة واضطرابات ارتفاع ضغط الدم لدى الأمهات وضعف الخصوبة وتراجع النجاح في الإخصاب في المختبر، إلى هذه الانبعاثات الجسيمية.
والأمراض المنقولة مثل الملاريا وحمى الضنك وداء البلهارسيات وزيكا وشاغاس ليست سوى عدد قليل من الأمراض المتوقع انتشارها.
ولا تُعزى الملاريا إلى ملايين الوفيات فحسب، بل أيضاً إلى نتائج الحمل السلبية بما في ذلك وفاة الجنين داخل الرحم والولادة المبكرة وتقييد نمو الجنين وانخفاض وزن المواليد.
ويرتبط تغير المناخ بالتلوث الكيميائي السام، فمثلاً يستخدم الوقود الأحفوري في إنتاج البتروكيماويات للمواد الكيميائية المستخدمة في البلاستيك والمنتجات الاستهلاكية المسببة لاضطرابات الغدد الصماء.
وتوجد هذه المواد الكيميائية بشكل عام في النساء الحوامل ويمكن أن تزيد من مخاطر الآثار الصحية الضارة، بما في ذلك السمنة والسكري ومشاكل الخصوبة والسرطان واضطرابات النمو العصبي.
وحذر الأطباء من تردد صدى الآثار الضارة لتغير المناخ عبر الأجيال، إذ يولد الأفراد مهددين بالإصابة بأمراض السمنة والاضطرابات الأيضية والعيوب الخلقية والحساسية والنمو العصبي والخلل النفسي وسوء التكيف مع المزيد من التأثيرات المناخية خلال حياتهم.
ودعا الاتحاد الدولي لجمعيات النساء والتوليد “FIGO” الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى تنفيذ سياسات تعالج الأسباب الجذرية لتغير المناخ، الذي يشكل تهديداً وجودياً لجزء كبير من البشرية، باعتبارها الطريقة الوحيدة لتقليل تأثير تغير المناخ على صحة النساء والفتيات.
شارك: