تقديم
يمثل التغيير المناخي أزمة متعددة الأبعاد بما يحدثه من تأثيرات تتضمن زيادة التحديات والمشكلات الصحية.. وتناقش الورقة البحثية، تلك التأثيرات منطلقة من فرضية أن النساء سيصبحن الأكثر تضررًا، بحكم ما تعانيه أغلبيتهن من هشاشة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
وتناقش الورقة مفهوم التغير المناخي وعدة قضايا من بينها احتمالية تراجع الخدمات العلاجية والصحية، وزيادة معدلات الإصابة بالأمراض المرتبطة بالنوع، وتهدف الورقة إلى قراءة تأثيرات التغيير المناخي على صحة النساء عمومًا، كأداة قياس تساعد في توقع ما قد يلحق النساء في مصر من أضرار.
وتأتي أهمية الورقة البحثية لعدة أسباب من بينها:
أولاً: أن ظاهرة الاحتباس الحراري باتت تحاصر كل الدول، وأن هناك تقارير عدة محلية ودولية تتناول آثار الظاهرة، ثانيًا: من المهم أن يتم تناول تأثيرات الاحتباس الحراري المتعددة على الفئات الاجتماعية المختلفة، ثالثًا: تستفيد الورقة من منظور النوع الاجتماعي في تحليل الظاهرة، رابعًا: أنها تتزامن مع الجهود المحلية الأهلية والحكومية التي تعالج ظاهرة التغيير المناخي. وتتزامن مع حدث مهم وهو مؤتمر المناخ الذي سيعقد بشرم الشيخ.
منذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز، وتنتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي الى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة.
يقصد بتغير المناخ التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. قد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث، على سبيل المثال، من خلال التغيرات في الدورة الشمسية، ولكن، منذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز، وتنتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة. ويوثر ذلك على معدلات هطول الأمطار، والتصحر، والفيضانات، وندرة المياه وتلوثها، وفقدان التنوع البيولوجي على الأرض.
تغير المناخ المارد الذي يهدد الصحة:
التغيرات المناخية التي يشهدها العالم متسارعة الى حد كبير، فبالرغم من وجود الغازات الدفيئة مصدر تغيرات المناخية بشكل طبيعي على كوكب الأرض، إلا أن التدخلات البشرية خاصة فيما يتعلق بطبيعة وحجم استخدام الموارد كان لها الأثر الرئيسي على تغير غير متناسب للمناخ، فمنذ الثورة الصناعية تزايد تركيز الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، نتيجة مباشرة للاستهلاك المتزايد من جانب البشر للوقود الأحفوري، إلى جانب زيادة ممارسات إزالة الغابات، وتربية الحيوانات، وصناعة الإسمنت، فوفق تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (وهو تعاون علمي دولي تم إنشاؤه عام 1988 من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والأمم المتحدة برنامج البيئة) فإن درجات الحرارة العالمية بين عامي 1997 – 1998 سجلت أعلى معدل لها منذ بداية حفظ سجلات درجات الحرارة خلال القرن التاسع عشر، كما أن السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين كانت الأكثر سخونة حيث زاد متوسط درجات الحرارة العالمية 0.4 في خلال مدة وصلت إلى 25 عامًا فقط ومنذ ذلك الوقت أصبح علماء المناخ على ثقة بأن الاحترار العالمي بات أمرًا واقعيًا، وأن تأثير البشر على المناخ كان أمرًا غير قابل للإدراك فيما مضى، وأن ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي، وزيادة معدلات التقلبات المناخية، وارتفاع درجات الحرارة ليلاً وشتاءً، أصبح أمرًا غير قابل للتشكيك فيه. الوضع الذي دفع العلماء إلى إعادة النظر في علم المناخ بشكل شامل، وأصبح ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار 3.5 درجة مئوية أمرًا متوقعًا بحلول عام 2100
فما نعيشه اليوم أصبح أكثر توافقًا مع توقعات العلماء، فقصر فصل الشتاء، وموجات ارتفاع الحرارة في الصيف، والظواهر المناخية المتطرفة من أمطار وعواصف وفيضانات أصبح أمرًا واقعيًا له تأثيراته المتشابكة على الزراعة والصناعة والسكن والتي تصب جميعًا في اتجاه تهديدات وخيمة فيما يتعلق بالصحة على مستوى ظهور أمراض جديدة واتساع قدرة الفيروسات على الانتشار، وانشار أكبر للأمراض المنقولة عبر الحيوانات والحشرات وقدرة القطاعات الصحية على مواجهة تلك التحديات والمتغيرات غير مسبوقة.
فتغير المناخ في واقع الأمر يمثل تهديدًا مباشرًا للعديد من المحددات الاجتماعية للصحة الجيدة، مثل سبل العيش والمساواة، واتاحة الرعاية الصحية وهياكل الدعم الاجتماعي. والذي يريد الأمر صعوبة هو تأثير مخاطر تغير المناخ على صحة أكثر الفئات ضعفًا وحرمانًا، بمن في ذلك النساء والأطفال والأقليات الإثنية والمجتمعات الفقيرة والمهاجرون أو المشردون والأقليات الجنسية وكبار السن، الأفراد الذين يعانون من ظروف صحية كامنة فجميعًا يدفعون فاتورة باهظة الثمن من صحتهم في ظل نظم صحية مصابة بالهشاشة لا تتوافر معها المعايير الأربعة للرعاية الصحية (الإتاحة والوصول والحصول والقبول)، فوفق منظمة الصحة العالمية، تهدد أزمة المناخ بنسف التقدم الذي أحرز على مدى الأعوام الخمسين الأخيرة في مجالات التنمية والصحة العالمية والحد من الفقر، وتهدد أيضًا بزيادة توسيع أوجه التفاوت في الصحة في أوساط الفئات السكانية وفيما بينها. وهي تؤثر تأثيرًا سلبيًا على تحقيق التغطية الصحية الشاملة بطرق شتى – منها زيادة تعقيد الأعباء الحالية للأمراض ومفاقمة الحواجز القائمة أمام اتاحة الخدمات الصحية، وغالبًا في الأوقات التي تشتد فيها الحاجة إليها. ذلك أن أكثر من 930 مليون شخص – نحو 12% من سكان العالم – ينفقون 10% على الأقل من ميزانية أسرهم لتغطية تكاليف الرعاية الصحية. ولما كان معظم أفقر الناس لا يستفيدون من تأمين طبي، فإن الصدمات والضغوط الصحية تدفع بالفعل نحو 100 مليون فرد إلى براثن الفقر كل عام، مع تفاقم هذا الاتجاه نتيجة للتأثيرات تغير المناخ.
فبالرغم من صعوبة تحديد الأماكن الأكثر تضررًا بشكل دقيق بما فنها أين ومتى تحدث ظواهر غير مناسبة في المناخ على خريطة العالم؟ إلا أن حجم المعلومات المتوفرة حتى الآن يمكن أن تضع تصورًا مستقبليًا لنتائج التغيرات المصاحبة للمناخ على مستوى صحة الإنسان، فمن المتوقع أن تزيد معدلات الوفيات لأسباب مألوفة مثل الوفاة الناجمة عن البرد القارص في المناطق المعتاد سكانها على الطقس الحار، وكذلك عن ارتفاع درجات الحرارة في المناطق المعتاد سكانها على الطقس البارد. وهو ما تم دراسته بالفعل على بعض المناطق حول العالم، تلك الدراسات التي حاوات ربط مظاهر التغيرات
من المتوقع أن تزيد معدلات الوفيات لأسباب مالوفة مثل الوفاة الناجمة عن البرد القارص في المناطق المعتاد سكانها على الطقس الحار، وكذلك عن ارتفاع درجات الحرارة في المناطق المعتاد سكانها على الطقس البارد. وهو ما تم دراسته بالفعل على بعض المناطق حول العالم
المناخية المختلفة لأول مرة وعلاقتها بصحة الإنسان وارتفاع معدلات الوفاة المرتبط بتلك التغيرات.
فبالرغم من أن هناك العديد من الصعوبات العلمية التي لم يتم التوصل إليها حتى الآن في التأكد من أن التغيرات المناخية التي حدثت في بعض المناطق هي السبب المباشر والوحيد لارتفاع معدلات الوفيات لكنها في حقيقة الأمر فتحت الباب أمام البحث العلمي الأكثر تدقيقًا حول الأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية على صحة الإنسان سواء على مستوى قدرة المجموعات البشرية المختلفة على التكيف، وتغير أنماط الحياة، أو على مستوى قدرة النظم الصحية الحالية على تدارك تلك النتائج والتدابير والإجراءات التي يجب اتباعها للحد من آثار تلك التغيرات.
فعلى سبيل المثال أحداث التذبذب الجنوبي “النينيو” (ENSO) وهو تحول دوري في نظام المحيط والغلاف الجوي في المحيط الهادئ الاستوائي يحدث كل خمس سنوات في المتوسط، وتستمر تأثيراته ما بين تسعة أشهر إلى عامين ما بين فيضانات وجفاف وظواهر مناخية أخرى، وتؤدى تلك الظاهرة الى جفاف واسع غرب المحيط الهادي، وهطول أمطار غزيرة شرقه.
ففي عام 1997 / 1998 جلب “البينيو” مفاجئات عديدة لم تكن تحدث من قبل، حيث عانى السكان في إندونيسيا والبرازيل مرضًا تنفسيًا واسع الانتشار بسبب الضباب الناتج عن حريق عشوائي للغابات الاستوائية، ومع إعصار “ميتش” في أمريكا الوسطى عام 1998 شهدت المناطق التي أزيلت فيها الغابات زيادة في الفيضانات والانهيارات الأرضية، نتج عن ذلك زيادة في الأمراض المنقولة عن طريق المياه، والحشرات، والقوارض، مثل (الكوليرا، والملاريا، وحمى الضنك وداء البرمائيات)
تلك الأحداث التي جعلت الدراسات المرتبطة بظاهرة (ENSO) المعروفة والمتكررة عبر التاريخ تأخذ مسارًا أكثر تعمقًا في الربط ما بين التغيرات المناخية وتداعيتها على صحة الإنسان فيما يتعلق بدورة الأمراض المعدية المصاحبة للظاهرة، في الكثير من أنحاء العالم، فعلى سبيل المثال الملاريا في شمال شرق باكستان، وسريلانكا، وكولومبيا، وفنزويلا، والتهاب الدماغ في وادي موراي، والتهاب المفاصل الوبائي (فيروس نهر روس) في استراليا وحمي الضنك في جنوب المحيط الهادي، حيث أظهرت التحليلات التاريخية للظاهرة أن خطر انتشار وباء الملاريا زاد بمقدار خمس أضعاف في منطقة البنجاب شبه القاحلة، خلال العام الذي أعقب ENSO وأربعة أضعاف في جنوب غرب سريلانكا في نفس عام النينيو.
ففي نهاية الأمر فإن نتائج ظاهرة (ENSO) ربما تكون أكثر اتساعًا على مستوى العالم في ظل توافر ظواهر جوية متطرفة حيث إنه من المتوقع أن يؤدي الاحترار العالمي إلى زيادة معدلات موجات الحرارة وانخفاض معدلات نوبات البرد إلى زيادة معدلات الوفاة ما بين البشر، وأشارت دراسة حالة لعشر مدن كندية أن مدينة مونتريال على سبيل المثال سوف ترتفع فيها معدلات الوفاة بسبب ارتفاع درجة الحرارة من 70 حالة وفاة سنويًا إلى 240 حالة في صيف متوسط الحرارة بحلول عام 2050
تلك التوقعات تتوافق مع الدعوة التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية في اليوم العالمي للصحة أبريل 2022 والتي دعت فيها قيادات وسكان العالم بضرورة البدء الفوري في اتخاذ تدابير وإجراءات من أجل حماية كوكب الأرض وحماية صحة البشر من الأضرار الناتجة عن التغيرات المناخية، حيث أكدت المنظمة في دعوتها على حجم المخاطر المحتملة بسبب التغيرات المناخية (أن نسبة 99% من الناس يتنفسون هواء غير صحي ناجمًا في الأساس عن حرق الوقود الأحفوري. ويشاهد العالم الذي ترتفع درجات الحرارة فيه البعوض وهو يواصل نشر الأمراض أسرع من أي وقت مضى. وتؤدي الظواهر الجوية المتطرفة، وفقدان التنوع البيولوجي، وتدهور الأراضي، وندرة المياه إلى تشريد الناس وتؤثر على صحتهم. وها هو التلوث والبلاستيك ينتشران في قاع أعمق محيطاتنا وأعالي جبالنا، وقد شقا طريقهما إلى سلسلتنا الغذائية ومجاري دمائنا. وتقود النظم التي تنتج أطعمة ومشروبات عالية التجهيز وغير صحية موجة من السمنة، مما يزيد من انتشار السرطان وأمراض القلب مع توليد ما يصل إلى ثلث انبعاثات غازات الدفيئة العالمية. وتهدد هذه الأزمة الصحية والاجتماعية قدرة الناس على امتلاك زمام صحتهم وحياتهم)
ربما يبدو الأمر منطقيًا، عند الحديث عن أثر التغيرات المناخية على صحة الإنسان، فالكوارث الطبيعة، من فيضانات، وسيول، بجانب ارتفاع درجات الحرارة، والأمراض والأوبئة المرتبطة بها، كلها تداعيات، مرتبطة بالتغير المناخي، بات من المؤكد حدوثها، على جميع سكان كوكب الأرض، ولكن هل يمكن لتلك الأضرار أن تكون ذات بعد جندري هل يمكن أن تختلف في تأثيراتها ما بين الجنسين ؟
ربما تكون الإجابة للوهلة الأولى لا، فارتفاع درجات الحرارة يتعرض ويشعر بها الرجال والنساء، الفيضانات والجفاف والسيول وغيرها من المظاهر المتطرفة للمناخ تطول الجميع الرجال والنساء، ولكن الأمر ليس كذلك تمامًا، فتلك المظاهر المتطرفة لها تأثيرات مختلفة ما بين الخمسين لأسباب عديدة منها أسباب فسيولوجية، وسلوكية، وأخرى أجتماعية واقتصادية.
ليس جديدًا الحديث عن الأعراف والثقافة الاجتماعية التي تميز الرجال عن النساء وتخلق فجوة عدم المساواة ما بين الجنسين، والمعايير والأدوار المحددة داخل المجتمع تساهم بشكل مباشر في انخفاض معدلات دخل النساء عن الرجال، كما تؤثر على الخدمات الطبية المقدمة وجودتها ما بين الجنسين. فلا تستطيع النساء الحصول على بعض خدمات تتعلق بالصحة الجنسية والانجابية بسبب الأعراف الاجتماعية وبعض التشريعات التي تحول دون حصولها على تلك الخدمات سواء لبعد المسافة والتي
تستوجب سفر المرأة إلى المراكز الطبية لتلقي الخدمات فتحول الأعراف الاجتماعية دون سفر النساء دون مرافقة أو إذن الرجال، بالإضافة إلى بعض الخدمات الأخرى المتعلقة بصحتهن الجنسية التي لا تستطيع النساء الحصول عليها دون إذن الرجال مثلاً الجراحات المتعلقة بالرحم.
السلوكيات الاجتماعية التي تعطي الرجال امتيازات عن النساء فنجد الرجال أكثر استهلاك للطاقة فهم يمتلكوا سيارات خاصة أكثر من النساء مما يساهم في ارتفاع نسبة الغازات الدفيئة التي تؤثر على ارتفاع درجات الحرارة، وعلى الجانب الآخر تستخدم النساء مواقد للطهي غير صحية، ينبعث منها الدخان الأسود والذي يزيد من تلوث الهواء فينتج عن ذلك ارتفاع نسب لتصل 2 مليون حالة وفاة سنويًا معظمهم من النساء والفتيات.
ليس جديدًا الحديث عن الأعراف والثقافة الاجتماعية التي تميز الرجال عن النساء وتخلق فجوة عدم المساواة ما بين الجنسين، والمعايير والأدوار المحددة داخل المجتمع تساهم بشكل مباشر في انخفاض معدلات دخل النساء عن الرجال، كما تؤثر على الخدمات الطبية المقدمة وجودتها ما بين الجنسين
يلعب ارتفاع درجات الحرارة دورًا مهمًا في تهديد حياة النساء، حيث أظهرت الدراسات في البلدان المتقدمة أن اختلاف درجات الحرارة عن المعدلات التي اعتادها السكان سواء كانت بالانخفاض أو الارتفاع تؤدي إلى الوفاة، ولكن بنسب مختلفة، فعندما يكون الشتاء دافئا يقل عدد الوفيات، لكنه يرتفع في الصيف والذي يحمل معه ارتفاعًا أكثر في درجات الحرارة بالضرورة اذا كان الشتاء يمتاز بالدفء وكان هذا واضحًا خلال موجة الحر التي تعرضت لها أوروبا عام 2003 حيث كانت نسبة الوفيات بين النساء أعلى من الرجال ومن المتوقع اذا ارتفعت درجات الحرارة درجتين فسوف تزيد نسب الوفيات إلى الضعف.
إن ارتفاع درجات الAحرارة في العديد من البلدان حول العالم يصحبها الإصابة بالملاريا، ووفقًا لما جاء في آخر تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية عن الملاريا في العالم، فقد أشارت التقديرات إلى أن عام 2020 شهد وقوع نحو 241 مليون حالة إصابة بالملاريا و 627 ألف وفاة ناجمة عن المرض في أنحاء العالم بأسره، وهو ما يمثل حوالي 14 مليون حالة أخرى و 69 ألف وفاة إضافية في عام 2020 مقارنة بعام 2019.
ومن المعروف أن البعوض أحد أهم الحشرات الناقلة لمرض الملاريا، ووفق دراسات أجرتها منظمة الصحة العالمية، فإن النساء أكثر عرضة للإصابة بالملاريا، خاصة الحوامل حيث إنهن أكثر جاذبية للبعوض عن النساء غير الحوامل، ففي أفريقيا، خاصة في دولة جامبيا، كشفت الأبحاث عن أن النساء الحوامل تنتج في مرحلة متقدمة من الحمل “28 أسبوعًا فأكثر” زفيرًا أكثر من نظيراتهن من غير الحوامل بنسبة 21% في المتوسط ، والذي يساعد البعوض على اكتشاف العائل من مسافة قريبة نتيجة دفء الجسم، والتيارات الحرارية الرطبة، ورائحة المضيف والمثيرات البصرية كلها عوامل تسمح للبعوض باكتشاف المضيف، وفي أثناء الحمل تزداد درجة حرارة الجلد مما يساعد في تبديد الحرارة خاصة من اليدين والقدمين، كما أن درجة حرارة بطن الحامل أكثر سخونة من غيرها 0.7 درجة تسمح تلك العوامل إلى المزيد من إطلاق المواد المتطايرة من الجلد والتي تتسبب في اجتذاب البعوض أكثر تجاه النساء الحوامل وعند إصابة النساء الحوامل بالملاريا تزداد فرص الإجهاض التلقائي، والولادة المبكرة، وولادة جنين ميت وانخفاض وزن الجنين.
من جانب آخر فإن الخلل الذي يصيب درجات حرارة الجو يؤدي إلى زيادة حالات تسمم الحمل خاصة في الظروف المناخية التي تمتاز بانخفاض درجات الحرارة وارتفاع الرطوبة وهطول الأمطار حيث أثبتت دراسة أجريت في دولة الكويت أن نسب تسمم الحمل كانت مرتفعة خلال شهر نوفمبر والذي يمتاز بانخفاض درجات الحرارة وارتفاع معدل الرطوبة، كما كشفت الدراسة ارتفاع ضغط الدم لدى الحوامل خلال شهر يونيو والذي ترتفع فيه درجات الحرارة وتنخفض الرطوبة فكان هناك معدلات زيادة في تسمم الحمل لدي النساء.
خلال ارتفاع درجات الحرارة المتزايدة التي يشهدها العالم تتزامن ظاهرة ارتفاع منسوب البحر والذي يصاحبه ظاهرة يمكن مشاهدتها في العديد من بلدان العالم والمتمثلة في ثقل الأمطار وتقلباتها ما بين الفصول في أوقات غير المعتاد عليها السكان خلال العام، فمن المتوقع أن يزيد ذلك من تلوث المياه العذبة وفي دراسة أجريت على النساء في بنجلاديش خاصة المقيمات في المدن الساحلية كان هناك ارتفاع في عدد حالات تسمم الحمل والإجهاض التلقائي وضعف وزن الأجنة، الا أن الأطباء المحليين أرجعوا السبب في ذلك إلى زيادة الملوحة في المياه العذبة دون الربط ما بين ارتفاع مستوى سطح البحر وهطول الأمطار.. تلك الظواهر التي تتسبب في ارتفاع معدلات ملوثات الماء.
وترتبط التغيرات المناخية بزيادة نسبة الأمراض والأوبئة والفيروسات المنقولة من الحيوانات والحشرات، فمن المتوقع أن يشهد العقد القادم المزيد من الفيروسات التي تصيب الإنسان سواء كانت معروفة أو مستجدة، ومن بينها وباء جدري القرود، وهو أحد الفيروسات المتعددة التي سوف تصيب البشر نتيجة التغيرات المناخية، الفيروس في الأصل يصيب القوارض وبعض التدينات، وهو أكثر انتشارًا بين الحيوانات في وسط افريقيا وغربها والغابات الاستوائية المطيرة، ونتيجة ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات في طبيعة الأمطار هاجرت أعداد كبيرة من موائل الحيوانات، واقتربت من التجمعات البشرية مما سهل الطريق لانتقال الفيروسات من تلك الحيوانات إلى البشر نتيجة الاحتكاك المباشر، وذكرت منظمة الصحة العالمية بأن ظهور فيروس جدري القرود كان عام 1970 عندما أصيب أحد الأطفال في الكونغو.
إن الخلل الذي يصيب درجات حرارة الجو يؤدي إلى زيادة حالات تسمم الحمل خاصة في الظروف المناخية التي تمتاز بانخفاض درجات الحرارة وارتفاع الرطوبة وهطول الأمطار حيث أثبتت دراسة أجريت في دولة الكويت أن نسب تسمم الحمل كانت مرتفعة خلال شهر نوفمبر والذي يمتاز بانخفاض درجات الحرارة وارتفاع معدل الرطوبة
نقص الخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية من أكثر التهديدات المعرض لها البشر حيث حذر أطباء من أن مرض جدري القرود قد يكون له “تأثير هائل” على خدمات الصحة الجنسية وقدرتها على تقديمها للمحتاجين إليها، إذ تضطر العيادات إلى فرض إجراءات العزل على العاملين فيها، إذا اتصلوا بأي شخص مصاب.
في لندن، حيث تم اكتشاف معظم الحالات العشرين التي تم تحديدها في بريطانيا، منعت عيادات الصحة الجنسية الأشخاص من الدخول إليها تمامًا، وهو تهديد كبير لحياة المواطنين خاصة من النساء اللاتي في احتياج إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية أكثر من الرجال.
ومن جانبها، قالت الدكتورة كلير ديوسناب، مستشارة طب الجهاز البولي التناسلي ورئيس الجمعية البريطانية للصحة الجنسية وفيروس نقص المناعة البشرية، إن العاملين في عيادات الصحة الجنسية “يتعرضون بالفعل لضغط كبير” وإن جدري القرود يزيد الوضع سوءًا، وأضافت الدكتورة ديوسناب “أنه (المرض) يعمل بالفعل على إجهاد قوة العمل وسيكون له تأثير هائل اذا اضطر الموظفون الى عزل أنفسهم، اذا كانوا على اتصال وثيق بشخص مصاب“، وأكملت “أنا قلقة بشأن التأثير المحتمل على الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية بشكل عام“. والتي تشمل الخدمات العلاجية والوقائية مثل الخدمات المتعلقة بتوافر وسائل منع الحمل مما يجعل النساء عرضة إلى حمل غير مرغوب نتيجة نقص خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، في ظل القوانين المقيدة لحق الإجهاض الآمن خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وإذا استمر الوضع كما هو عليه في رفض الخدمات الصحية للمصابين ونقص عدد العاملين والعاملات في قطاع الصحة الجنسية والإنجابية بسبب انتشار الفيروس يعني ذلك تهديدًا لحياة النساء بشكل مباشر، إلى جانب الخدمات المتعلقة بالأمراض المنقولة جنسيًا، وخدمات الرعاية المتعلقة بالمراهقات، فالنتيجة الأخيرة هي أن النساء سوف يصبحن في مرمى النيران أكثر من الرجال.
الأعراف والثقافات الاجتماعية تلعب دورًا محوريًا في الأضرار الصحية المحتمل أن تتعرض لها النساء نتيجة تلك الثقافات ففي المجتمعات الفقيرة ذات المفاهيم الأبوية التي تمارس الاستحقاق على حياة النساء، تفتقر النساء والفتيات إلى المهارات الحياتية التي يمكن أن تساهم في نجاتهن من الظروف المناخية المتطرفة، حيث تحرم النساء والفتيات من تعلم السباحة في الدول ذات الطابع الإسلامي نتيجة اعتبار أن ملابس السباحة لا تليق بالنساء فمن المتوقع في ظروف الفيضانات وهطول الأمطار الغزيرة يصعب على النساء النجاة خاصة في المناطق ذات التضاريس الوعرة.
ومع التغيرات المناخية المتوقعة من تصحر وانخفاض في أنواع عديدة من المحاصيل أو اختفائها سوف يؤدي هذا الوضع إلى فقدان العديد وظائفهم خاصة العاملين في الزراعة، وتمثل النساء النسبة الأكبر على مستوى العالم من العاملين في الزراعة، وبغض النظر عن من المسؤول عن توفير معدلات دخل تضمن للأسرة حياة كريمة، فإن نقص كميات الغذاء أو فقدان الأمن الغذائي تتحمله النساء وفق العديد من الثقافات والأعراف الاجتماعية التي تعزز فرص الفتيان والرجال في الحصول على نسب أفضل من الغذاء، هذا الوضع يؤثر على النساء بالسلب خاصة الحوامل والمرضعات اللاتي يكن في حاجة إلى معدلات تغذية ثابتة ومتنوعة من أجل الحفاظ على حياتهن وحياة الجنين وتوفير مصدر لغذاء الأطفال المتمثل في حليب الأمهات، ففي دراسة أعدتها منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” في دولة فيتنام ما بعد الفيضان الذي تسبب في فقدان العديد من المحاصيل كانت علامات الإجهاد على الأسرة كانت واضحة بسبب انخفاض معدلات الدخل، وكانت النساء أكثر تأثرًا من الرجال حيث تلقوا المساعدات بنسبة أقل من الرجال، كما تلقين كميات طعام أقل من الرجال، أما جانب الخدمات المتعلقة بإنقاذ الأرواح من الفيضان فكان يتم تفضيل الفتيان والرجال عن النساء والفتيات نتيجة للأعراف الاجتماعية التي تتوقع منهم أدوارًا أفضل من النساء في المستقبل.
الأمر بات شديد الوضوح في تأثير التغيرات المناخية على بعض أهم المحددات الأساسية للصحة (الغذاء الهواء، الماء) ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في الاحتياجات الصحية خاصة للنساء، كما أن التغيرات المناخية تعد تهديدًا واضحًا وصريحًا للأهداف الإنمائية للألفية المرتبطة بالتنمية المستدامة.
وتخضع الاستجابة الدولية لتغير المناخ إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ووفق الاتفاقية في المادة الرابعة منها المتعلقة بالتزامات الدول فقرة (و) “أخذ اعتبارات تغير المناخ، إلى الحد الممكن عمليًا في سياستها وإجراءاتها الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية ذات الصلة، واستخدام أساليب ملائمة، مثل تقييمات الأثر، تصاغ وتحدد على الصعيد الوطني، بغية التقليل إلى أدنى حد من الآثار الضارة التي تلحق بالاقتصاد والصحة العامة ونوعية البيئة من إجراء المشاريع أو التدابير التي يضطلعون بها من أجل التخفيف من تغير المناخ أو التكيف معه“.
وبالرغم من أن مصر قدمت وثيقة المساهمات الوطنية للحد من تغير المناخ وفق اتفاقية باريس عام 2015، وبالرغم من الجهود المبذولة من جانب الحكومة للعمل على الحد من التغيرات المناخية وتأثيراتها على مصر، إلا أنه حتى الآن لم تحظ الصحة بقدر كبير من الاهتمام كجزء من تخفيف والتكيف مع التغير المناخي، فتغيب عن مصر دراسات متعلقة بالتغير المناخي وتأثيراتها على الصحة وكيفية معالجة تلك التأثيرات، لذلك نوصي بالآتي:
1 – ضرورة تحديد موازنة تضمن إجراء البحوث والدراسات المتعلقة بالتغيرات المناخية.
2 – التعاون الدولي وفق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ خاصة مع منظمة الصحة العالمية من أجل إعداد برنامج متكامل لتدريب الفرق الطبية لرفع وتعزيز وعيهم بالتغيرات المناخية وتأثيراتها على الصحة خاصة فيما يتعلق باحتياجات النساء الصحية والفئات الهشة والضعيفة.
3 – الشروع في إعداد برتوكول بالتعاون مع وزارة الصحة ونقابة الأطباء والمجلس القومي للمرأة لوضع معايير التعامل المهني مع النساء والفئات الهشة والضعيفة في ظل التغيرات المناخية.
4 – إنشاء وحدة الدعم والمشورة داخل المراكز الطبية المختلفة لدعم وتوعية النساء بآثار التغيرات المناخية على الصحة وكيفية التعامل معها.
5 – الشروع في تعديل القوانين المتعلقة بالصحة وخدماتها بما يضمن تضمين التغيرات المناخية من أجل الوصول إلى تدابير صحية تضمن حصول الفئات الهشة والضعيفة على خدمات طبية تساهم في تخفيف آثار التغيرات المناخية.
1-https://www.un.org/ar/climatechange/what-is-climate-change
العمل المناخي الصادر عن الأمم المتحدة
2- https://www.cmaj.ca/content/cmaj/163729/6/.full.pdt Environment and health 2 Global climate change and health
3- المصدر السابق
4- https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/climate-change-and-health
منظمة الصحة العالمية – التغير المناخي والصحة
5-https://reefresilience.org/ar/stressors/climate-and-ocean-change/el-nino-southern-oscillation/
النينيو التذبذب الجنوبي
6- https://www.cmaj.ca/content/cmaj /163729/6/.full.pdf
Environment and health 2 Global climate change and health
7 – المصدر السابق
8 – المصدر السابق
9-https://www.who.int/ar/news/item/051443–09-who-urges-accelerated-action- to-protect-human-health-and-combat-the-climate-crisis-at-a-time-of-heightened-conflict-and-fragility
بيان منظمة الصحة العالمية تحث على التعجيل باتخاذ إجراءات لحماية صحة الإنسان ومكافحة أزمة المناخ
10- https://www.who.int/publications/i/item/9789241508186
Gender Climate Change and Health
11 – المصدر السابق
12-https://www.who.int/ar/news/item/021443–05-more-malaria-cases-and-deaths-in 2020-linked-to-covid-19-disruptions
زيادة حالات الملاريا ووفياتها عام 2020
13-https://www.who.int/publications/i/item/9789241508186
Gender Climate Change and Health
14 – المصدر السابق
15 –المصدر السابق
16 – الموائل تعني الموطن الأصلي، وفي هذا السياق موائل الحيوانات تعني الحيوانات التي موطنها الأصلي البرية سواء كانت تنتمي للغابات أو للمناطق غير مأهولة بالسكان
17-https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/monkeypox
جدري القردة – منظمة الصحة العالمية
18-https://www.masrawy.com/news/news_publicaffairs/details/20222229744/23/5
المصري اليوم – مخاوف من تأثير تفشي جدري القرود على خدمات الصحة الجنسية
19- https://www.who.int/publications/i/item/9789241508186
Gender Climate Change and Health
20- https://unfccc.int/sites/default/files/convarabic.pdf
اتفاقية الامم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ