التكاليف الاقتصادية والنفسية للطلاق في مصر
تاريخ النشر:
2008
اعداد بواسطة:
القسم الأول
التكاليف الاقتصادية1
١ – مقدمة
منذ سبعينيات القرن الماضى تناول التحليل الاقتصادى مشكلات الزواج والطلاق من زاوية الحوافز الاقتصادية لقرارات الزواج أو الطلاق2. وامتد التحليل إلى مشكلات التوازن العام, بمعنى كيف يتحدد على المستوى الاجتماعى معدل الزواج أو معدل الطلاق3. غير أن الطلاق يثير مشكلات اقتصادية أخرى تتعلق بالرفاهية والتغيرات التي تطرأ على معيشة النساء المطلقات والأطفال من أبنائهن. وفى هذا السياق تبرز مشكلات التكلفة الاجتماعية المترتبة على الطلاق, بمعنى الأعباء التى يتحملها المجتمع لرعاية الفئات التي يؤثر الطلاق تأثيرًا سلبيًا على نوعية حياتهم.
وتتناول دراسات تكاليف الطلاق ذلك الموضوع من زوايا عديدة. ثمة دراسات تقيس مدى انخفاض مستوى معيشة النساء المطلقات، ومدى تأثر حياة أطفالهن تبعًا لذلك4، وفي سياق الاهتمام العالمي بدراسة تكاليف الطلاق عقد في بلاجيو بإيطاليا عام ۱۹۸۹ مؤتمر حضره اجتماعيون وقانونيون، ركزت دراساته على المقارنة بين نظم الطلاق فى عديد من الدول بما في ذلك الدول العربية5. وقد تناول ذلك المؤتمر أفكارًا مختلفة عن التكاليف الاقتصادية للطلاق ومن يتحملها، لكنها لم تكن تهدف إلى القياس الكمي لتلك التكاليف.
هناك دراسات أخرى كانت أهدافها تحديد قيم كمية التكاليف، إلا أنها ركزت على التكاليف التى تتحملها الدولة ويتحملها بالتالي دافع الضرائب لرعاية الفئات التي يؤثر الطلاق على مستوى معيشتها. أجريت دراسة من ذلك النوع عن الولايات المتحدة الأمريكية6 شملت أبناء المطلقات والأطفال الذين يولدون خارج نطاق الزواج ممن نسميهم في بلادنا الأيتام. وأجريت دراسة مماثلة عن الاتحاد الأوربى7 تناولت بالتحليل بيانات ١٤ دولة من أعضاء الاتحاد، ولم تهتم فقط بما تتحمله الدولة من إنفاق بل تناولت أثر ذلك الإنفاق على مستوى معيشة الفئات المستفيدة وعلى مستوى الرفاهية بالتبعية.
جرت أيضًا فى أستراليا دراسة مقارنة لمستويات معيشة المطلقين, وأبنائهم بعد الطلاق8، شملت دراسة التكاليف التى يتحملها المواطنون، وأثر برامج الرعاية التى تتحملها الدولة في هذا الصدد. ومن زاوية أخرى أجريت دراسات عن أثر الإصلاحات القانونية التي جرت في الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضى، وسمحت بالطلاق دون اشتراط مبرر لذلك من أخطاء أى من الطرفين9. وقد اعتبر الباحثون الاقتصاديون هذه الإصلاحات بمثابة حوافز تشجع الطلاق وتزيد بالتالي تكلفة برامج الرعاية الاجتماعية التى يتحتم التوسع فيها نتيجة لزيادته، وهي أعباء يتحملها دافع الضرائب.
وبصفة عامة، فإن الدراسات الاقتصادية لا تتناول الزواج باعتباره مؤسسة اجتماعية فقط بل باعتباره مؤسسة اقتصادية أيضًا، فهو صانع قوى لرأس المال البشري10 والاجتماعي. وترى الدراسات الأمريكية أن تناول الزواج من هذه الزاوية، وتعديل القوانين بحيث تمثل حافزًا للزواج واستمرار الحياة الزوجية وتقليل إنجاب الأطفال خارج هذا الإطار، وخفض معدلات الطلاق يمثل بديلاً اقتصاديًا لبرامج الرعاية الاجتماعية التى تخصص لا لرعاية الفقراء فقط بل لمكافحة الفقر والجريمة أيضًا11.
٢ – الدراسة الحالية
لا توجد دراسات سابقة عن تكاليف الطلاق الاقتصادية فى مصر. ولهذا تعتبر الدراسة الحالية دراسة استطلاعية، يأمل الباحث أن تفتح الباب لمعالجات أخرى في المستقبل. ولكي يتحقق هذا الأمل كان لا بد من الالتزام بمعايير البحث والقياس العملي. هذا يعني تطبيق المعايير الأكاديمية للضبط المنهجي. هذا لا يقلل من قيمة الدراسة ومدى صالحيتها لخدمة عملية التغير الاجتماعي، بل على العكس يجعلها أكثر صلاحية لهذا الغرض نظرًا للضبط العلمى الذى يعطيها أكبر قدر ممكن من الدقة.
وتكاليف الطلاق مثلها مثل أى تكلفة اقتصادية هي عبء يتحمله المجتمع. ودراسة هذا العبء وتقدير حجمه يثير التساؤل عن مبرراته. والتحليل الاقتصادى يبحث دائمًا عن العائد الذي يتحقق مقابل التكلفة. ذلك أن التحليل الاقتصادى ينظر إلى الإنسان باعتباره كائنًا رشيدًا, ويفترض أنه يتخذ قراراته بموجب هذا الرشد لتحقيق منفعة لا لتحقيق الضرر. ولهذا لا يقف التحليل عند الحكايات المأساوية التى يرويها المطلقون، وإنما يتجه إلى قياس حجم المعاناة، ويبحث أيضًا عما وراء ذلك من دوافع.
عند هذه النقطة يلتقى التحليل الاقتصادي والتحليل النفسي، إذ يبحث كلاهما عن دوافع, وهي في التحليل الاقتصادي منافع اقتصادية تبرر اتخاذ القرار. وهكذا تهتم الدراسات الاقتصادية بالعلامات السببية، ومع ذلك فالدراسة الحالية لا تتناول أسباب الطلاق، وتترك هذا الجانب للباحثين الاجتماعيين، فلا تتطرق إليه إلا بصورة عابرة عندما يصبح من اللازم أن تشير إلى العائد الاجتماعي الذي يبرر تكاليف الطلاق.
3 – تحديد المفاهيم
ليس من المنطقي أن نتحدث عن التكلفة أو العائد بدون أن نحدد المقصود بتلك المفاهيم. ويجب ألا نفهم التكاليف باعتبارها رسوم التقاضى وأتعاب المحامين، فهذا هو الجزء الظاهر على السطح فقط والأسهل في الحساب. هذه الرسوم والأتعاب تمثل إنفاقًا لجزء من موارد المجتمع لتحقيق هدف محدد هو الطلاق، وبهذا المعنى فهى جزء من تكلفة الطلاق، غير أن هناك جزءًا آخر من موارد المجتمع يخصص لتعويض المتضررين من الطلاق وهم من تتدهور نوعية حياتهم نتيجة له. وهؤلاء المضررون هم غالبًا من النساء والأطفال.
ويظل هناك جانب آخر لا يمكن تجاهله، فالتدهور المشار إليه بنعكس على المجتمع كله، إذ يترتب عليه انخفاض في إنتاجية أولئك التى تتدهور نوعية حياتهم. وينخفض الناتج القومى بانخفاض إنتاجية هؤلاء ويزداد الانخفاض كلما زاد عددهم. وتمثل النزاعات الزوجية بداية التدهور. والمعروف أن الحياة الزوجية لا تنتهى لحظة صدور قرار الطلاق بل تنتهي فعليًا قبل ذلك، عندما تستحكم الخلافات ويحتدم الصراع بين الزوجين. وهكذا يزداد العبء أو ما نسميه التكلفة كلما طال النزاع.
من هنا يمكن تحديد مفهوم تكاليف الطلاق بأنه جملة ما يخصص من موارد المجتمع للإنفاق على قضايا الطلاق، وتعويض المتضررين بعد حدوث الطلاق، بالإضافة إلى ما يتبدد من موارد المجتمع وما ينقص من دخله نتيجة النزاعات الأسرية.
أما عائد الطلاق فهو الوجه الآخر للعملة. وهو بالتالى ما يحققه المجتمع من مزايا أو منافع نتيجة للطلاق. وقد يبدو هذا متناقضًا مع حكايات الطلاق المأساوية التي تمزق قلوبنا، لكن التحليل الاقتصادى لا يقف عند العواطف، بل يتجاوزها للبحث عما وراءها. وهكذا يمكن أن نرى تكلفة الطلاق باعتبارها ثمنًا لشئ ما. هذا الثمن يدفعه المجتمع راضيًا أو ساخطًا، لكنه يدفعه. وبهذا الثمن يمكن على الأقل وضع حدا لاستمرار النزاع ووضع حد لما ينتج عنه من انخفاض في إنتاجية المتنازعين وتبديد لطاقاتهم الإنتاجية.
ويستطيع المتخصصون في علوم أخرى كالاجتماع وعلم النفس أن يحدثونا عن مفاهيم أخرى في إطار فوائد للطلاق كتحقيق حرية الاختيار وتحقيق التوازن النفسي أو غير ذلك. وقد يطلبون من التحليل الاقتصادى حساب قيمة لتلك الفوائد.
3 – عناصر تكاليف الطلاق
بتحليل تكلفة الطلاق الاقتصادية إلى عناصرها وسنجد أن من الممكن تقسيم تلك العناصر إلى تكاليف مباشرة وغير مباشرة. ومن زاوية معينة، يتحمل أطراف النزاع نصيبًا من الأعباء، ويعتبر ما يتحملونه عبئًا على المجتمع فى الوقت ذاته، فأعباء المجتمع هي في النهاية مجموع الأعباء التى يتحملها أفراده. وتشمل التكلفة بعناصرها هذه تراكمات تحدث قبل إنمام الطلاق القانوني، ومضاعفات تتولد بعده عبر الزمن، فهى ليست فاتورة ثابتة القيمة.
3 – 1 التكاليف المباشرة
تتمثل هذه التكاليف فى الأعباء أو النفقات المالية التى يتحملها أطراف النزاع بصورة مباشرة. وتعتبر هذه الأعباء تكلفة اقتصادية بالنسبة للأفراد والأسر لأنها تخصم من الموارد المتاحة لمعيشتهم. وتعتبر أيضًا تكلفة للمجتمع، إذ هى إنفاق لجزء من موارده كان يمكن استخدامه في أغراض أخرى. وتشمل هذه التكاليف رسوم التقاضى وأتعاب المحامين، والزيادة في نفقات المعيشة التى يتحملها الأطراف بعد الانفصال حين يضطرون لفتح بيوت جديدة، بما في ذلك:
– ما تتحمله المرأة (المطلقة) أو يتحمله أقاربها تضامنًا معها أو كفالة لها.
– ما يتحمله الرجل (المطلق) أو أقاربه المشاركون له أو المتضامنون معه.
٣ – 2 التكاليف غير المباشرة
تتمثل هذه التكاليف في عنصرين:
أولاً: قيمة الوقت الذي يضيع فى النزاع والصراعات الأسرية قبل التقاضي، ثم الوقت الذي يضيع في التقاضي. ويصل هذا كله إلى سنين. ومن الناحية الاقتصادية كان يمكن استخدام هذا الوقت فى أعمال وأنشطة منتجة تحقق دخلاً للأسرة وللمجتمع. وهذا يعنى أن هناك دخلاً لم يتحقق ويشمل:
– ما كان يمكن أن تكسبه المرأة
– ما كان يمكن للرجل أن يكسبه في الوقت ذاته
– ما كان يمكن أن يكسبه كل من تضامنوا مع المرأة أو الرجل في نزاعهما
– تكلفة الفرصة البديلة لوقت القضاة والمحامين والعاملين فى المحاكم وكل من شارك في معالجة النزاع بأى صورة. والفرصة البديلة، هي فرصة استخدام الوقت في أعمال أخرى تحقق تحسنا في أوضاع المجتمع.
ثانيًا: التراكمات والمضاعفات التي تحدث عبر الزمن نتيجة اختلال التوازن في حياة المرأة قبل الطلاق القانونى وبعده، واختلال التوازن فى حياة الأطفال بعد تفكك أسرهم. وتتفرع هنا تفصيلات كثيرة تمثل بنودًا للإنفاق وبنودًا لقيم الفرص البديلة للوقت والإنفاق معًا.
وإدراج تكلفة التراكمات التى تحدث قبل الطلاق القانوني، لا يؤدى إلى المبالغة في تقدير التكلفة الاجتماعية للطلاق، بل على العكس يجعله تقديرًا واقعيًا، إذ يبدأ الطلاق القانوني يوم نطق المحكمة بالحكم، أما الطلاق النفسي فيبدأ قبل الذهاب إلى المحكمة.
٤ – منهجية الدراسة
٤ – ١ تقدير قيمة التكاليف المباشرة
لا تظهر صعوبة كبيرة عند تقدير عناصر التكاليف المباشرة. وكما سبق القول، تشمل هذه التكاليف قيمة رسوم التقاضى وأتعاب المحامين، وزيادة نفقات المعيشة التي يتحملها الأفراد نتيجة النزاع. وقد قدر العنصر الأول على أساس قيمة الرسوم التي تدفع للتقاضي في مراحله المختلفة، مضافًا إليها متوسط قيمة أتعاب المحامين فى المحافظات المختلفة، ونفقات الانتقال إلى المحامين وإلى النيابة والمحكمة. وبناء على متوسط قيمة هذه التكلفة في القضية الواحدة، ومتوسط أعداد القضايا، قدرت جملة هذه التكلفة على مستوى المجتمع.
أما ما يتحمله المجتمع من زيادة فى نفقات المعيشة بعد الطلاق، فيحسب على أساس متوسط نفقات فتح بيوت جديدة للرجل المطلق والمرأة المطلقة، بناء على نسبة المطلقات اللاتي يعشن مستقلات بعد الطلاق. وهذه هي الزيادة الوحيدة التي أخذت في الاعتبار أما الزيادة في نفقات الطعام وغيرها من نفقات المعيشة اليومية للأسر التي تستضيف المطلقات فلم تؤخذ في الحسبان، باعتبار أن النفقات اليومية سوف تحدث في جميع الأحوال، بالاستضافة أو بدونها، وتعتبر تحويلات من أسرة لأسرة دون زيادة في النفقات الكلية.
٤ – ٢ تقدير قيمة التكلفة غير المباشرة
هنا توجد صعوبات يتعين تفكيكها ومعالجة عناصرها كلا على حدة. ومصدر الصعوبات ما يتطلبه التحليل من تقدير قيمة التدهور في نوعية حياة المطلقين. وتكمن الصعوبة في نقطتين، الأولى هى استحالة تقدير ثمن لبعض عناصر الحياة البشرية. أما النقطة الثانية فهى أن تكاليف التدهور لا تظهر كلها دفعة واحدة، وإنما تتولد وتتراكم عبر فترة من الزمن، وقد يستمر تأثير بعض عناصرها مدى الحياة. وبتفكيك الصعوبات يمكن معالجتها باعتبارها قيمة الوقت الذى تستهلكه. وقد تمت معالجة ذلك منهجيًا على النحو التالي.
4 – 2 – 1 قيمة الوقت الذي يستغرقه التقاضي
يستغرق التقاضى وقتًا قد يطول، ويتعين أولاً حساب متوسط فترة التقاضي بمراحله المختلفة، ثم يتم بعد ذلك حساب قيمة لهذا الوقت. وتحسب القيمة عادة بما يسمى في التحليل الاقتصادي تكلفة الفرصة البديلة، وهى فرصة استخدام ذلك الوقت لأغراض أخرى أكثر فائدة للفرد والمجتمع. ويفترض التحليل الاقتصادى عادة أن الأكثر فائدة هو الأعمال الإنتاجية. وهكذا تحسب قيمة الوقت بما كان يمكن إنتاجه خلاله لو انخرط الأفراد المعنيون في أعمال إنتاجية بدلاً من استهلاك وقتهم في المنازعات.
وفيما يتعلق بقيمة الوقت، يفترض التحليل الاقتصادى أن ما يضيفه الفرد إلى الإنتاج يعادل ما يحصل عليه من دخل نتيجة عمله. وهكذا يتعين أن نقدر قيمة الوقت المستهلك حسب أنواع المهن التي يمارسها المتنازعون، ومتوسط الدخل الذى يتحقق فى كل مهنة. ويشمل التقدير ما ضاع من دخل كان يمكن أن يحققه الأطراف المشاركون فى النزاع والمشاركون في تسويته, وهكذا يشمل التقدير وقت الزوجة والزوج.
ويبقى وقت القضاة وموظفى المحاكم، وقد تم تقدير قيمته بنفس الأسلوب أى بمتوسط أجورهم. أما وقت المحامين فقدر بمتوسط ما تقاضوه من أتعاب حسب المعلومات التي توفرت عنها في البحث الميداني. ولا يفترض هنا أن استخدام وقت المحاكم والمحامين كان عبثًا أو لم يكن منتجًا، وإنما يفترض دائمًا أنه يمكن استخدامه في تسويات أخرى تضيف بالضرورة إلى إنتاجية المجتمع، سواء كانت النزاعات البديلة ذات طابع مدنى أو جنائي، أو كانت نزاعات اقتصادية مباشرة.
٤ – ٢ – ٢ قيمة التراكمات والمضاعفات
تتركز التراكمات فى فترة النزاع قبل الطلاق، وقد حسبت تكلفة ذلك النزاع. أما المضاعفات بعد الطلاق فقد أخذ في الحسبان أثر فقدان الزوجة العاملة عملها نتيجة للزواج سواء بناء على طلب الزوج أو بمراهنتها على نجاح الزواج. وتبقى المضاعفات التي تدوم آثارها بصورة أو أخرى مدى الحياة، وأهمها المضاعفات النفسية وخاصة لدى الأطفال. ولا يمكن تقدير قيمة كمية لهذا العنصر، ولكن يمكن الكشف عن مؤشرات كيفية به، وقد ترك هذا للجزء النفسي من الدراسة.
٤ – ٢ – ٣ فوائد الطلاق أو تكاليفه السلبية
أخذت هذه الدراسة فى الاعتبار فوائد الطلاق. وهو ينهى فترة احتقان وتعطل وارتباك, ويقر للمرأة حقها فى الاختيار، وقد تضطر بعده إلى العمل حتى لو لم تكن تعمل قبل الزواج. وهذه النتيجة الأخيرة إيجابية جدًا رغم أنها تزيد من أعباء المرأة المطلقة. ولا غرابة في أن يكون للطلاق فوائد، حين يكون حتميًا وينهى أوضاعًا أكثر سوءًا بكثير بالنسبة للطرفين أو لواحد منهما على الأقل. ووجود فوائد للطلاق هو ما يبرر الخلع، وقد يضيف هذا إلى التكاليف المادية بالنسبة للمرأة، لكن يقابل ذلك فوائد أكثر أهمية وأكثر قيمة. أما بالنسبة للرجل فهو في حالة الخلع مستفيد من الناحية المادية وإن كانت تقابل تلك الفوائد تكلفة معنوية. وقد قدرت فوائد الطلاق وخصمت من تكاليفه لنحصل على صافي التكلفة.
٤ – ٣ مصادر البيانات
توفرت البيانات لهذه الدراسة أولاً من إحصاءات الطلاق التي ينشرها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. وكانت هناك حاجة إلى بيانات عن الأفراد من أطراف النزاع وعن مدد التقاضي وأتعاب المحامين ورسوم التقاضي الرسمية والعرفية. ويقصد بالرسمى هنا ما ينص عليه القانون، أما العرفي فهو ما يدفع فعليًا زيادة عن القيم الرسمية لتيسير كثير من الأعمال داخل المحاكم كما هو معروف. وبخلاف هذا كانت هناك حاجة إلى معلومات عن زيادة الإنفاق على المعيشة والصعوبات والمشكلات والمضاعفات التي تراكمت عبر الزمن. وقد تم الحصول على هذه البيانات من خلال مسح بالعينة.
٤ – ٤ العينة
شملت العينة عدة فئات توزعت بين الوجهين البحرى والقبلى، وبين المسلمين وغير المسلمين، والريف والحضر، والمناطق الشعبية ومناطق الطبقات الأعلى، والذكور والإناث. وقد تم اختيار ثلاث محافظات إحداها تمثل الوجه القبلى وهى محافظة المنيا، والثانية تمثل الوجه البحرى وهى الدقهلية، والثالثة هى القاهرة وتمثل المحافظات الحضرية. وكان حجم العينة النهائي12 ٣٦٨. ولاعتبارات عملية لم تتساو الأعداد من المحافظات الثلاث. وكانت الأعداد في النهاية ۱۱۲، ۱۲۸, ۱۳۳ فى المنيا والدقهلية والقاهرة بالترتيب.
توزيع العينة بين الذكور والإناث
المحافظة |
الذكور |
الإناث |
الجملة |
المنيا |
47 |
65 |
112 |
القاهرة |
53 |
73 |
126 |
الدقهلية |
68 |
65 |
133 |
الجملة |
168 |
203 |
371 |
الجدول رقم ٢
توزيع العينة ما بين الحضر والريف
الفئة |
الذكور |
الإناث |
الجملة |
الحضر |
89 |
78 |
167 |
الريف |
79 |
125 |
204 |
الجملة |
168 |
203 |
371 |
الجدول رقم 3
توزيع العينة حسب الديانة
الفئة |
الذكور |
الإناث |
الجملة |
مسلمون |
146 |
180 |
326 |
مسيحيون |
22 |
23 |
45 |
الجملة |
168 |
203 |
371 |
كان الذكور ١٦٨والإناث ۲۰۳ موزعين على المحافظات الثلاث كما في الجدول رقم (١). وكان من سكان الحضر١٦٧ومن الريف ۲۰٤ موزعين كما هو مبين في الجدول رقم (٢). وكان عدد المسيحيين ٤٥ بنسبة 12.1% كما يبين الجدول رقم (۳).
٤ – ٥ أسلوب المقابلة وأدوات جمع البيانات
جمعت البيانات من العينة من خلال مقابلات فردية، جرت في محاكم الأحوال الشخصية أو في أماكن رؤية الأطفال، وبعضها كان فى منازل أفراد من العينة أو مكاتب المحامين أو مكاتب وزارة التضامن الاجتماعي. واستخدم لهذا الغرض استبيان خاص لكل من الذكور والإناث.
وكان استبعاد المقابلات الجماعية مبنيًا على اعتبارات الحفاظ على الخصوصية لإعطاء المستجيبين أفضل الفرص الممكنة للتحدث بحرية. وهكذا لم يكن مطلوبًا من أحد أن يتحدث عن خصوصياته على مسمع من آخرين، بل أتيح لكل فرد أن يتحدث فى سرية مع الباحثين وحدهم بلا حرج.
5 – النتائج
لم يكن من أهداف هذا البحث استكشاف أسباب الطلاق، ولكن كان من المنطقي أن تعرف أولاً مدد استمرار الزواج وضرورة الطلاق وأسبابه. وهكذا تضمنت الاستبيانات أسئلة عن مدد الزواج وفترات النزاع وأسباب الطلاق وضرورته، وبهذا صار ممكنًا حساب مدد استمرار الزواج ومتوسط فترات النزاع.
5 – 1 مدة استمرار الزواج
تراوح عمر الزواج ما بين أقل من ستة أشهر إلى عدة عقود، غير أن ٧٧% تقريبًا تفسخ زواجهم خلال عشر سنوات. وكان ذلك هو الزواج الأول فى 88.7% من الحالات. وهذا مبين بالجدول رقم (٤). أما ضرورة الطلاق، فقد قرر غالبية الذكور، وبنسبة 82.9%، أنه كان ضروريًا.
الجدول رقم 4
عمر الزواج والزواج الأول
عمر الزواج |
العينة كلها |
الزواج الأول |
||||
العدد |
النسبة % |
النسبة التراكمية |
العدد |
النسبة % |
النسبة التراكمية |
|
أقل من 6 أشهر |
7 |
1.9 |
1.9 |
7 |
2.1 |
2.1 |
7 أشهر إلى عام |
27 |
7.3 |
9.2 |
24 |
7.3 |
9.4 |
1.5 –٢ عام |
48 |
12.9 |
22.1 |
41 |
12.5 |
21.9 |
2.5 –٥ أعوام |
88 |
23.7 |
45.8 |
81 |
24.6 |
46.5 |
٦ – ١٠ أعوام |
115 |
31.0 |
76.8 |
101 |
30.7 |
77.2 |
١١ – ١٥ عامًا |
45 |
12.1 |
88.9 |
40 |
12.2 |
89.4 |
١٦ – ٢٥ عامًا |
31 |
8.4 |
97.3 |
26 |
7.9 |
97.3 |
٢٦ عامًا فأكثر |
10 |
2.7 |
100.0 |
9 |
2.7 |
100.0 |
الجملة |
371 |
100.0 |
329 |
100.0 |
٥ – ٢ أسباب الطلاق
لم يسأل الذكور عن أسباب الطلاق وسئلت عنها الإناث فقط. وقد قدمت 87.7% منهن أسبابًا محددة بينما قالت الأخريات أنهن لم يطلبن الطلاق ولم يعرفن سببه. ويمكن اختزال ما ذكر من أسباب في ۲۱ سببًا، تغطى تسعة منها 83% من جملة الحالات.
أول الأسباب تقتير الزوج فى الإنفاق على بيته أو كسله وميله للبطالة (١٥.٢%). يلى ذلك الخلافات المستمرة حول أمور الحياة عامة مما يعكس عدم التكافؤ (١٤%). ثم يأتي استخدام العنف ضد الزوجة (11.2%)، وبعده الزواج بأخرى (10.7%)، ثم تدخل الأهل وخاصة أم الزوج (١٠.١%) ، ثم هجر الزوج لزوجته (6.7%) ، ثم خيانته الزوجية (6.2%)، فإدمانه (٥.1%) ، وعقمه (5.1%). (انظر الجدول رقم ٥)
الجدول رقم ٥
أسباب الطلاق كما ذكرتها المطلقات
السبب |
التكرار |
النسبة % |
النسبة التراكمية |
تقصير الزوج في الإنفاق |
27 |
15.2 |
15.2 |
عدم التكافؤ |
25 |
14.0 |
29.2 |
العنف المادي والمعنوى |
20 |
11.2 |
40.4 |
الزواج بأخرى |
19 |
10.7 |
51.1 |
تدخل أهل الزوج |
18 |
10.1 |
61.2 |
هجر الزوج لزوجته |
12 |
6.7 |
67.9 |
الخيانة الزوجية |
11 |
6.2 |
74.1 |
إدمان الزوج |
9 |
5.1 |
79.2 |
عقم الزوج |
9 |
5.1 |
84.3 |
أسباب أخرى (۱۲ أسباب) |
28 |
15.7 |
100.0 |
الجملة |
178 |
100.0 |
15.2 |
وبخلاف الأسباب التي سبق ذكرها هناك ۱۲ سببًا آخر تغطى في مجموعها ١٥.7% من الحالات (نفس الجدول). ومن هذه المجموعة عقم الزوجة أو مرضها، وسوء أخلاق الزوج (لدرجة النصب على الناس)، ومرضه (خاصة المرض النفسى)، وعجزه الجنسي أو شذوذه، وسجنه أو غيابه الطويل، وغيرته الشديدة لدرجة الشك في سلوك زوجته، وهناك من جانب الزوجة عدم رغبتها في إتمام الزواج أو الاستمرار فى العشرة دون إبداء سبب محدد.
هكذا تبدو العوامل الاقتصادية سببًا مباشرًا في ١٥.٢% من الحالات. والأرجح أنها تمثل عاملاً يحرك أسبابًا أخرى أو يتداخل معها بعد ظهورها. الإدمان مثلاً يستهلك دخل الفرد ويدفعه للتقتير على بيته، وكذلك تستهلك الخيانة الزوجية جانبًا من دخل الرجل يؤثر على ما يخصصه لبيته، وقد يحدث التقتير بعد استمرار الخلافات الزوجية كرد فعل انتقامى. وكثيرًا ما يرتبط عدم التكافؤ بغنى الزوج لا بعجزه عن الإنفاق، وهنا عامل اقتصادى من نوعية أخرى. وكثيرًا أيضًا ما يقترن العنف المنزلى بعوامل اقتصادية. ومن هنا فإن التأثير المباشر وغير المباشر لتلك العوامل لا بد أن يكون أكبر كثيرًا من النسبة المشار إليها.
وجدير بالذكر أن غالبية المطلقات قررن أن الزواج كان بناء على موافقتهن وأن الزوج لم يفرضه الأهل عليهن. ولم يتدخل الأهل لفرض زوج معين إلا في ٣٣ حالة فقط تمثل نسبة 16.3 من عينة السيدات. وقد تساقطت زيجات هؤلاء اللاتى فرض عليهن الزوج مثلهن مثل من تزوجن برغبتهن، وبمعدلات كانت أعلى في أقصر الفترات وأطولها، ولكنها كانت أدنى أو مساوية في كل الفترات الأخرى، كما يبين الجدول رقم (٦).
الجدول رقم ٦
عمر الزواج الذي فرضه الأهل
المدة |
التكرار |
النسبة% |
|
هذه العينة |
العينة الكاملة |
||
٦ أشهر أو أقل |
2 |
6.1 |
1.9 |
7 أشهر إلى عام |
2 |
6.1 |
7.3 |
1.5 سنة – عامين |
4 |
12.1 |
12.9 |
٣ – ٥ أعوام |
8 |
24.2 |
23.7 |
٦ – ١٠ أعوام |
10 |
30.3 |
31.0 |
١١ – ١٥ عامًا |
6 |
18.2 |
12.1 |
أكثر من ١٥ عامًا |
1 |
6.1 |
11.1 |
الجملة |
33 |
6.1 |
100.0 |
5 –٣ تكاليف الطلاق
٥ – ٣ – ١ التكاليف المباشرة
كما سبق القول، تشمل هذه التكاليف قيمة رسوم التقاضي وأتعاب المحامين، وزيادة نفقات المعيشة التى يتحملها الأفراد نتيجة النزاع. ويعتبر العنصر الأول تكلفة مباشرة للقضية, أما العنصر الثانى فهو تكلفة مباشرة لتفكك بيت الزوجية.
٥ – ٣ – ١ – ١ التكلفة المباشرة لقضية الطلاق
تقدر تلك التكلفة على أساس قيمة الرسوم التى تدفع للتقاضي في مراحله المختلفة, مضافًا إليها متوسط قيمة أتعاب المحامين, ونفقات الانتقال إلى المحامين وإلى النيابة والمحكمة.
وقد تراوحت قيمة الأتعاب التي دفعها أفراد العينة للمحامين من لا شئ (محامون متطوعون) إلى ۸۰۰۰ جنيهًا. وكان المتوسط 850 جنيهًا تقريبًا، والمعتاد أن تكون أتعاب المحامين شاملة رسوم القضايا. وبصورة تقديرية تحسب نفقات الانتقال إلى المحامين والنيابة والمحكمة فى حدود 150 جنيهًا باعتبار أن متوسط عدد الجلسات خلال القضية ١٠ جلسات, ولا يحضر الأطراف فى كل الجلسات بل ينوب عنهم محاموهم. ويضاف إلى ذلك تقدير نفقات القضاة والعاملين بالمحاكم وبصورة تقديرية أيضًا، يخص القضية الواحدة من وقت القاضي ۱۰ ساعات تشمل وقت الجلسات ووقت الاطلاع.
وتحسب عشر ساعات أخرى للأعمال الإدارية، التى يقوم بها موظفو المحكمة بشأن القضية. ويضاف نصيب من وقت الحراسات الأمنية، وبصورة حكمية تحسب لكل قضية خمس ساعات من وقت تلك الحراسات على مدى الجلسات كلها بمعدل نصف ساعة لكل جلسة من جلسات القضية.
ويقدر وقت القضاة على أساس متوسط أجر شهری ۳۰۰۰ جنيهًا للقاضي13، ويعمل القاضي في المتوسط ۲۰۰ ساعة شهريًا تشمل وقت الجلسات والانتقالات والاطلاع والكتابة. وبذلك تكون قيمة الساعة ١٥ جنيهًا، ويكون نصيب القضية الواحدة ١٥٠ جنيهًا، أما الأعمال الإدارية فتحسب قيمتها على أساس متوسط أجر شهرى ٦٠٠ جنيها، مقابل ٢٠٠ ساعة عمل شهريًا. وبذلك يخص القضية الواحدة من هذه الأعمال ما قيمته ۳۰ جنيهًا. ويخصص وقت الحراسات الأمنية بنفس معدلات الأعمال الإدارية، ويخص القضية منها ١٥ جنيهًا.
وعلى هذا الأساس تبلغ التكلفة المباشرة لقضية الطلاق الواحدة ١١٩٥ جنيهًا.
5 – ٣ – ١ – ٢ التكلفة المباشرة لتفكك بيت الزوجية
تتمثل هذه التكلفة فى نفقات فتح بيوت جديدة للمطلقات أو المطلقين بعد تفكك أسرهم. وقد يعيش بعضهم مع أسرته لعدم استطاعته فتح بيت جديد، وتتحمل أسرته في هذه الحالة زيادة في نفقاتها، لكن هذه الزيادة تقابلها ما كان ينفق على ذلك الفرد في أسرته القديمة. تتضمن هذه العملية إذن تحويلات من أسرة لأسرة، لا تزيد معها نفقات المجتمع الإجمالية، غير أنها تنطوى على جانب آخر هو نقص المساحة المتاحة للأهل فى بيتهم, حين يزاحمهم فيه الوافدون الجدد. والواقع أن هذا التزاحم لا تترتب عليه زيادة في تكلفة المنزل أو قيمة إيجاره، ويتركز تأثيره في الأعباء النفسية وتدهور مستوى الرفاهية، وهذه تكلفة غير مباشرة للطلاق. وهكذا تتمثل التكلفة المباشرة أساسًا في تكلفة البيوت الجديدة.
وتوجد ٦٣ مطلقة بنسبة 31% من جملة المطلقات يعشن في مساكن مستقلة خاصة بهن. ومن هذه الحالات ۲۱ مسكنًا وفرها المطلق لمطلقته إما كملكية لها أو بالإيجار، وفي حالتين من حالات الإيجار دفع مقدم إيجار صغير (۲۰۰۰ – ۳۰۰۰ جنيهًا). وفي حالة واحدة وفر أهل المطلقة مسكنًا مستقلاً لها. وفي بقية الحالات وهى ٤١ حالة كان بوسع المطلقة أن توفر مسكنًا مستقلاً لنفسها، كانت تملكه قبل الطلاق (۲۱ حالة) أو اشترته بعد الطلاق (۳ حالات) أو استأجرته (۱۷ حالة).
وقد بلغ عدد المساكن المستقلة المملوكة للمطلقات ٣٤ مسكنًا تشغلها ١٦.٧% من جملة المطلقات، وتتراوح قيمتها من ۱۰ إلى ۳۰۰ ألف جنيهًا بمتوسط قيمة مقداره ٤٨.000 جنيهًا. أما المساكن المؤجرة سواء ما استأجرته المطلقة أو ما استأجره لها المطلق فيبلغ عددها ٢٥ مسكنا تشغلها 12.3% من جملة المطلقات، وتتراوح قيمها الإيجارية من ١٠ جنيهات (إيجار قديم) إلى ٦٠٠ جنيها بمتوسط قدره ٢٤٨ جنيهًا تقريبًا. وجدير بالملاحظة أن المسكن سواء كان مؤجرًا أو مملوكًا يتحمل المجتمع تكلفة بنائه، وبدلاً من أن يعيش فيه زوج وزوجة تعيش فيه المطلقة. أما من طلقها فيعيش في بيت آخر. وهكذا بعد تفكك بيت الزوجية يصير البيت بيتين, في ثلث الحالات تقريبًا.
ويمكن حساب قيمة المساكن المؤجرة برسملة الإيجار. ولما كان متوسط قيمة الإيجار ٢٤٨ جنيهًا، فبرسملة هذه القيمة بمعدل فائدة 10% تبلغ قيمة المسكن المؤجر 30.000 جنيهًا في المتوسط. وبأخذ متوسط عام لقيمة المسكن مرجح بنسبتى الملكية والإيجار يكون المتوسط العام للقيمة ٤٠.٠٠٠ جنيهًا تقريبًا.
٥ – ٣ – ١ – ٣ التكاليف الخفية
يعرف التحليل الاقتصادي ما يسمى اقتصاديات الحجم، وهى إشارة لما يتحقق من خفض في النفقات الإجمالية كلما زاد حجم الوحدة التي يتم الإنفاق عليها، والوحدة هنا هي الأسرة. ينفق كل فرد على الطعام أكثر من متوسط نصيبه من إنفاق الأسرة على الطعام لو عاش منفصلاً عن الأسرة. ولا يقتصر الأمر على الطعام فهناك مصروفات مشتركة مثل استخدام الأجهزة المنزلية والإضاءة والتليفون والسيارة وغير ذلك. ولهذا يزيد مجموع استهلاك الأفراد بعد الطلاق وهو ما يعتبر تكلفة خفية للطلاق. وتشير بعض التقديرات إلى أن تلك التكلفة الخفية تعادل ٥٠% تقريبًا من نفقات الفرد الواحد. وهى تقديرات أجنبية14 يتعين خفضها لكي تعبر عن الواقع المصرى، حيث لا تملك كل أسرة مصرية سيارة على سبيل المثال، ويتباين حجم استخدام الأسر للأجهزة المنزلية الحديثة.
وعلى أى حال، فالوضع عندنا أكثر اختلافًا بكثير. وفى نسبة كبيرة من الحالات يتحول النزاع بين المرأة والرجل إلى صراع قاس يتخذ صورًا غير حضارية. وبالقانون أو بالتحايل عليه لا تحصل المطلقة كنفقة لها ولأولادها, إلا على جزء مما كان يعتبر نصيبهم من دخل الأسرة أثناء الزواج. ولا تحصل في هذه التسوية على نصيب من ثروة الأسرة. وإن حصلت أحيانًا على نصيب لا بأس به فغالبا ما يكون هذا عبر تسوية ودية تتوقف شروطها على مدى تحضر الزوج. وفي حالة الخلع لا يتعين عليها فقط أن تتنازل عن حقوق مقررة في العقد كمؤخر الصداق، بل يتعين عليها أن ترد للزوج ما حصلت عليه منه مقدمًا.
والأرقام هنا مثيرة، ففى عينة هذا البحث التي يبلغ جملة عددها ٣٦٨، تنازلت الزوجة عن حقها في النفقة فى ٣٠ حالة، وتنازلت عن جميع حقوقها في ٢٥٨ حالة. وهكذا كانت نسبة التنازل 77.6%. وأعتقد أن تنازل الفرد عن حقه القانوني والإنساني هو أصدق تعبير عن نوعية الحرية والحماية التى يكفلها له المجتمع. وأسوأ ما في الأمر أن يكون مثل هذا التنازل مسجلاً في محاضر المحاكم بمعنى أن تعترف به المحكمة وتقره وتأخذه في اعتبارها عند إصدار حكم الطلاق. هذه الصورة المخيفة إنما تعكس علاقة بين المرأة والرجل لا يزال القانون يتعامل مع مراحلها البدائية.
وقد نضيف إلى التكلفة الخفية تكلفة ما سبق الإشارة إليه من تزاحم في بيوت الأهل عندما تلجأ إليه الزوجة المطلقة وأولادها. وهى تكلفة غير مباشرة كما سبق القول لكنها غير مرئية، لأن تكلفة المنزل أو قيمة إيجاره لا ترتفع. وباختصار، توجد تكلفة خفية لا يجازف الباحث بوضع تقدير حكمى لها، وكان يتعذر جمع بيانات كافية بشأنها في بحث استطلاعي كهذا البحث.
٥ – ٣ – ١ – ٤ جملة التكاليف المباشرة
في ضوء النتائج السابقة تكون جملة التكاليف المباشرة للطلاق 41.195 جنيهًا للحالة الواحدة التي يتم فيها الطلاق في المحكمة. وتتكون هذه القيمة من جزأين على النحو التالي:
التكلفة المباشرة للقضية ١١٩٥ جنيهًا
التكلفة المباشرة لتفسخ بيت الزوجية 40000
ـــــــــــــــ
الجملة 41195 جنيهًا
هذه القيمة مقدرة بأقل من المتوقع للوقت الحاضر والمستقبل، فهي لا تتضمن التكلفة الخفية، كما أنها حتى فى الجوانب غير الخفية تشتمل على بنود مقدرة بأقل من قيمتها الحقيقية. مثال ذلك وجود إيجارات قديمة لا تزيد عن عشرة جنيهات للشقة، وتكاليف منخفضة قد لا تزيد عن 10.000 جنيهًا للشقة، بحكم أنها قديمة أو فى مناطق ريفية أو عشوائية لا توفر لساكنها بعض الضروريات الأولية كجودة المرافق والتهوية والإضاءة، ويعتبر جمال الشكل فيها من الكماليات غير الضرورية، وتحتوى على أقل الأثاث لكن قيمة الأرض فيها مرتفعة15. وقد كان من المستحيل فى هذا البحث إعادة تقدير تلك القيم.
٥ – ٣ – ٢ التكاليف غير المباشرة للطلاق
تستغرق إجراءات الطلاق وما يسبقها من نزاع وقتًا طويلاً. وقد يتم الطلاق عن طريق المحكمة أو خارجها، وإذا تم خارج المحكمة فهذا لا ينفى وجود نزاع قبل الطلاق. وقد يتم رفع القضية إلى المحكمة ثم يقطع الزوج سيرها بإتمام الطلاق خارج المحكمة. والوقت له قيمة في كل المجتمعات، وله قيمته عندنا بطبيعة الحال، لكن إطالة النزاع أكثر مما تحتمل حياة الفرد يعكس مدى تدني قيمة الوقت فى المجتمع. وهذا يضيف مرة أخرى إلى التكلفة الخفية، وهكذا توجد تلك التكلفة بصورة غير مباشرة أيضًا. وهنا مرة أخرى لا يمكن تقدير التكاليف الخفية, وتقتصر التقديرات على التكلفة الظاهرة فحسب.
٥ – ٣ – 2 – 1 قيمة الوقت الذي يستغرقه التقاضي
بلغ متوسط فترة التقاضى بمراحله المختلفة ۱۸ شهرًا. وتراوحت فترة التقاضي الفعلية من عام واحد تقريبًا إلى ١٥ عامًا. وبلغ عدد قضايا الطلاق التى انتهت المحكمة من نظرها ۱۷۲ حالة بنسبة ٤٦.٤% وفي بقية الحالات كانت القضايا لا تزال منظورة أو انتهت بصدور قرار الطلاق عن الزوج. وكانت الزوجة أحيانًا تتنازل عن حقها في النفقة لتخفيف حدة الخصومة والحصول على حكم الطلاق، وكانت فى أحيان أخرى تتنازل عن كل حقوقها. ويبين الجدول رقم 7 فترات التقاضي.
الجدول رقم 7
فترات التقاضي
النسبة التراكمية |
النسبة % |
التكرارات |
الفترة |
27.9 |
27.9 |
48 |
سنة واحدة |
64.0 |
36.1 |
62 |
1.5 سنة – سنتين |
84.3 |
20.3 |
35 |
2.5 سنة – ٣ سنوات |
91.8 |
7.5 |
13 |
3.5 سنة – ٤ سنوات |
94.7 |
2.9 |
5 |
5 سنوات |
98.2 |
3.5 |
6 |
٦ سنوات |
98.8 |
0.6 |
1 |
7 سنوات |
99.4 |
0.6 |
1 |
9 سنوات |
100.0 |
0.6 |
1 |
١٥ سنة |
100.0 |
172 |
المجموع |
وأساس حساب تكلفة فترات التقاضي كما فى حاسب قيمة الوقت عمومًا، تعطل قدرات الأفراد الإنتاجية وبالتالى تعطل قدرتهم على الكسب، نتيجة التوتر واستهلاك الوقت في إجراءات القضية ومتابعتها. ويوجد هنا ما يسمى فى التحليل الاقتصادى تكلفة الفرصة البديلة، وهي فرصة استخدام ذلك الوقت لأغراض أخرى أكثر فائدة بدلاً من المنازعات. ويفترض التحليل الاقتصادي أن ما يضيفه الفرد إلى الإنتاج يعادل ما يحصل عليه من دخل نتيجة عمله. وهكذا يتعين أن نقدر قيمة الوقت المستهلك بمقدار ما ضاع خلاله من دخل كان يمكن للأطراف أن يحققوه.
والمشكلة التي تظهر هنا أن الزوجة التى كانت متفرغة لبيتها يهدر وقتها وكأنه بلا قيمة إنتاجية. وكثيرًا ما تنفى المرأة نفسها أن النزاع قد عطلها، فهي بدورها حين تنفى ذلك تعبر عن اقتناعها بأن العمل المنتج عمل الرجال وعمل المرأة خارج البيت. وهذا غير صحيح، فالعمل كله منتج، وعمل المرأة فى بيتها يوفر طاقة زوجها بما يسمح له بأن يركز في عمله. وهي بالمثل توفر طاقة أبنائها ليركزوا فى بناء أنفسهم ويستعدوا لدخول سوق العمل. ومن العدل أن يحسب لها على هذا الأساس نصيب من دخل الأسرة، تعارفت المجتمعات فى الدول المتقدمة على أن يكون نصف ذلك الدخل.
وخسارة الرجل خلال تلك الفترة ناتجة عن تعطله الجزئي عن عمله، أما خسارة المرأة فأكبر بكثير فهي لا تتعطل جزئيًا عن عملها بل تتعطل حياتها وتخسر دخلها بالكامل. وعلى هذا تحسب خسارة كل منهما خلال فترة التقاضي كما يلى:
خسارة الرجل = نسبة التعطل × متوسط دخله الشهري
خسارة المرأة = نصف دخل الأسرة (دخل الزوج)
وبحساب هذه الخسائر على أساس البيانات التي وفرتها عينة الدراسة كانت متوسطات الخسارة الشهرية كالآتي:
متوسط خسارة المرأة = ٥٧٢ جنيهًا شهريًا
متوسط خسارة الرجل = ١٠٤٠
ـــــــــــــ
الجملة ١٦١٢ جنيهًا شهريًا
ولما كان متوسط فترة التقاضى ۱۸ شهرًا فإن خسارة الفترة كلها 29.000 جنيهًا.
5 – 3 – 2 – 2 قيمة الوقت الذي استغرقه النزاع
تراوحت فترة النزاع قبل الطلاق من عام إلى أكثر من ١٠ سنوات. وفيما زاد عن ١٠ سنوات توجد حالات متطرفة وصل فيها النزاع إلى أكثر من عشرين عامًا. وفي هذه الحالات المتطرفة كان النزاع فى حقيقة الأمر مستمرًا طوال الحياة الزوجية ومن أول يوم فيها. ويبين الجدول رقم ٨ فترات النزاع قبل الطلاق وقبل رفع القضية.
الجدول رقم ٨
فترات النزاع قبل الطلاق وقبل التقاضي
النسبة التراكمية |
النسبة % |
التكرارات |
الفترة |
38.9 |
38.9 |
136 |
سنة أو أقل |
58.6 |
19.7 |
69 |
1.5 سنة – سنتين |
80.9 |
22.3 |
78 |
٣ – ٤ سنوات |
90.7 |
9.7 |
34 |
٥ – ٦ سنوات |
95.7 |
5.1 |
18 |
۷ – ۱۰ سنوات |
100.0 |
4.3 |
15 |
١١ سنة فأكثر |
100.0 |
350 |
المجموع |
ولا بمثل طول فترات النزاع بذاته أسوأ ما في الأمر، والأسوأ أن يستغرق النزاع فترات أطول كثيرًا من فترات الزواج قد لا يستمر الزواج سوى فترات قصيرة ولكن يترتب عليه فترات نزاع طويلة تالية. وهكذا نجد مقارنة فترات النزاع بفترات الزواج أن النزاع يستغرق فترات تمثل أضعاف فترة الزواج. ويبين الجدول رقم (۹) هذه المقارنة، وفيها نرى فئة كانت فترة النزاع فيها أربعة أمثال فترة الزواج، وإن كانت تلك الحالات المتطرفة قليلة العدد نسبيًا.
ويتضح من ذلك الجدول الأخير أنه فى ٧٤ حالة تمثل ٢١.٦% من جملة حالات النزاع، استغرق النزاع ٠.١ من فترة الحياة الزوجية أو أقل. أما النزاعات التي استغرقت أكثر من 0.1 وحتى 0.25 من فترة الحياة الزوجية فكانت ٧١ حالة تمثل 20.7% من جملة الحالات. وتتصاعد بعد ذلك فترة النزاع مقارنة بفترة الحياة الزوجية، فنجد ٤٩ حالة تمثل ١٤.٩% من جملة النزاعات طال فيها النزاع حتى 0.75 من مدة الحياة الزوجية أو مدة الحياة الزوجية كلها. ونجد بعد ذلك 9 حالات طال فيها النزاع حتى ضعف مدة الحياة الزوجية، وخمس حالات طال فيها إلى ما يزيد عن ذلك وحتى أربعة أمثال فترة الحياة الزوجية.
وعلى وجه الإجمال كان متوسط فترات الزواج ٨ سنوات، ومتوسط فترات النزاع ٣ سنوات.
الجدول رقم ٩
فترات النزاع مقارنة بفترة الحياة الزوجية
النسبة التراكمية |
النسبة % |
التكرارات |
الفترة |
21.6 |
21.6 |
74 |
0.1 أو أقل |
42.3 |
20.7 |
71 |
أكثر من ٠.١ حتى ٠.٢٥ |
70.8 |
28.6 |
98 |
أكثر من 0.25 حتى 0.50 |
81.6 |
10.8 |
37 |
أكثر من 0.5 حتى ٠.75 |
95.5 |
14.3 |
49 |
أكثر من 0.75 حتى 1.0 |
98.5 |
2.6 |
9 |
أكثر من 1 حتى 2.0 |
100.0 |
1.5 |
5 |
أكثر من ٢ حتى ٤ |
21.6 |
100.0 |
343 |
الجملة |
وتحسب قيمة وقت النزاع هنا بنسبة التعطل ولا بد أن تكون أقل من مثيلتها المرتبطة بدعوى الطلاق. وبصورة حكمية نفترض أن التعطل فى هذه الحالة نصف مقدار التعطل في فترة التقاضي. وخسارة المرأة هنا من الصعب تقديرها، ولا شك أن النزاع يؤثر على الطرفين بصورة تفاعلية. فافتقاد السعادة لدى الزوجة ينعكس فى النهاية على حياتها وحياة الأسرة وعلى عملها وعمل الرجل. وإذا كنا افترضنا أن لها نصيبًا في الدخل يساوى نصف دخل الأسرة، فالمنطقي أن تكون خسارتها في تلك الفترة نصف خسارة الرجل. وتظل هناك قيمة لا نستطيع حسابها وهي قيمة افتقاد السعادة ذاتها.
وعلى هذا الأساس تكون خسائر تلك الفترة كما يلى:
متوسط خسارة الرجل = ٥٢٠ جنيهًا
متوسط خسارة المرأة = ٢٦٠ جنيهًا
ـــــــــ
الجملة ۷۸۰ جنيهًا شهريًا
وحيث كان متوسط فترة النزاع ٣ سنوات أى ٣٦ شهراً فإن جملة تكلفة النزاع قبل الطلاق تصل إلى 28.000 جنيهًا تقريبًا.
هذه الخسائر المترتبة على النزاعات الزوجية قبل الطلاق، تعتبر جزءًا من تكلفة الطلاق، على أساس أنها كانت التمهيد له. ولكنها يمكن أن تعتبر تكلفة سوء الاختيار، أو تكلفة عدم تعارف الزوجين بالقدر الكافي قبل الزواج. وجدير بالملاحظة أن هذه التكلفة تمثل استنزافًا للمجتمع يتوقف بإتمام الطلاق. وبهذا التوقف يتحقق ما يمكن اعتباره فوائد الطلاق.
٥ – ٣ – ٣ المضاعفات بعد إتمام الطلاق
لا يمكن حصر كل المضاعفات، ولو تم حصرها فسوف لن يمكن تقدير قيمتها جميعها. وهناك مضاعفات لا بد أن تؤخذ في الحسبان، منها فقدان الزوجة لعملها بعد الزواج بناء على طلب الزوج، وعجزها عن أن تجد عملاً بعد الطلاق أو أن تعود لعملها الذي سبق أن انسحبت منه. ثمة مضاعفات أخرى لا تقل أهمية ولكنها لا يمكن تقديرها فى الدراسة الحالية، وتشمل حالات الضياع والتشتت والاكتئاب والعزلة والانحراف. وتبقى المشكلات النفسية التي قد يدوم تأثيرها بصورة أو أخرى مدى الحياة، وخاصة لدى الأطفال، وهذه سيتم تناولها في القسم الثاني من هذا التقرير.
من هذه الزاوية توجد فئتان رئيسيتان، فئة المطلقات اللاتي يعملن واللاتى لا يعملن. والعمل هنا يمثل ضمانًا للمرأة وحماية لها ولأطفالها فى النهاية، وسنرى الفرق بين الفئتين.
٥ – ٣ – ٣ – ١ المطلقة التي تعمل
تتمثل المضاعفات التى قد تتعرض لها هذه السيدة فى الفرق بين دخلها من عملها مضافًا إليه ما تحصل عليه من نفقة للأطفال وبين الدخل الذي فقدته بسبب الطلاق. ومن هنا تنقسم تلك الفئة إلى قسمين، يكفى عند إحداهما مجموع الدخل من العمل ونفقة الأطفال لتعويض الخسارة التي نتجت عن الطلاق، أما القسم الثانى فلا يكفى مجموع دخله من العمل مضافًا إليه نفقة الأطفال لتعويض تلك الخسارة.
والحقيقة أنه لو أضيف القسمان وأخذت الفئة ككل فلن تكون هناك مضاعفات، إذ في المتوسط العام يزيد الدخل ونفقة الأطفال عن خسائر الطلاق. ولكن لا يمكن الأخذ واقعيًا بهذا المتوسط العام، لأن المجتمع لا يعيد توزيع دخل أفراده فيما بينهم على سبيل التكافل. ويظل التكافل بين الأفراد أمرًا تطوعيًا لا إلزام فيه. ولهذا نفصل ما بين القسمين. وبهذا الفصل توجد 32 من المطلقات العاملات يقل مجموع دخلهن مضافًا إليه نفقة الأطفال بمقدار ۲۹ جنيهًا في المتوسط شهريًا. وتمثل هذه الفئة 15.8% من مجموع المطلقات.
وقد سئلت السيدات عن مدى كفاية النفقة المحكوم بها لتغطية نفقاتهن، وعن مقدار ما يكفى لتعويض انخفاض النفقة. وكان متوسط تقديراتهن لما يحتجنه إضافة إلى النفقة ١٨٠ جنيهًا، وقد كانت تقديراتهن مطلوبة للاسترشاد بها فحسب، وليس من الملزم الأخذ بها. وقد أخذ الباحث بالتقدير الذي توصل إليه، وهو ۲۹ جنيهًا، وذلك على سبيل التحوط حتى لا يوصف تقدير التكلفة في هذه الدراسة بأنه مبالغ فيه.
٥ – ٣ – ٣ – ٢ المطلقة التي لا تعمل
ضمت عينة الدراسة ٧٥ سيدة مطلقة لا تعمل، قدمت ٧٤ منهن معلومات عن دخلهن. ومن بين هؤلاء تحصل ١٦ سيدة على نفقة للأطفال، والعدد الباقى لا يوجد له مصدر دخل يعتمد عليه سوى ما يحصل عليه من الأهل وغيرهم. وبأخذ نفقة الأطفال فى الاعتبار كان متوسط الخسارة الصافية ٥٤٣ جنيهًا لكل سيدة فى تلك الفئة. وتقدم الدولة إعانة اجتماعية للمطلقة التي ليس لديها مصدر دخل تعتمد عليه. ويقع هؤلاء ضمن تلك الفئة، ويفترض أن يحصلن على تلك الإعانة. وتمثل هذه الفئة 39.9% من مجموع المطلقات.
٥ – ٣ – 4 جملة قيمة المضاعفات
تستمر المطلقة تعانى من المضاعفات المرتبطة بانخفاض دخلها إلى أن تتزوج أو يكبر أولادها ويستقلوا. وقد تستمر المضاعفات مؤثرة على حياة أبنائها أنفسهم. فهم قد لا يتلقون تعليمًا جيدًا وبالتالي يدخلون سوق العمل في مهن منخفضة العائد. وتستمر دخولهم منخفضة مدى الحياة. ولكن حساب المضاعفات هنا يتوقف عند المطلقة ذاتها دون أبنائها. وبحساب نسبة إعادة الزواج نجدها متدنية، فقد كانت هناك ٣٠ سيدة تزوجن مرة أخرى ويمثلن نسبة ١٤.٨% من جملة المطلقات. ويفترض أن تتوزع إعادة الزواج عشوائياً بين فئات المجتمع، وهذا يعنى أن تستبعد تلك النسبة من كل من فئتي المضاعفات.
تتعلق المضاعفات إذن بنسبة 85.2% من كل من الفنتين اللتين تعانيان من نقص دخلهما بعد الطلاق. وقد كانت الفئة الأولى تمثل 15.8% من مجموع المطلقات، وباستبعاد احتمال إعادة الزواج تنخفض هذه النسبة إلى 11% فقط من مجموع المطلقات. وتخسر كل سيدة فى تلك الفئة ٢٩ جنيهًا شهريًا فى المتوسط. أما الفئة الثانية فتمثل 36.9% من المطلقات, وباستبعاد إعادة الزواج تنخفض هذه النسبة إلى 25.8% وتخسر كل سيدة في تلك الفئة ٥٤٣ جنيهًا شهريًا في المتوسط.
ويبلغ مجموع أعداد هاتين الفئتين قبل انخفاض تلك الأعداد بإعادة الزواج ١٠٦ سيدة, لديهن على وجه الإجمال ۱۲۰ طفلاً. وإذا افترضنا أن إعادة الزواج تكون في الأغلب من نصيب من ليس لديهن أطفال داخل الفئتين، فسيكون متوسط عدد الأطفال لكل سيدة ممن يتحملن تكلفة المضاعفات 1.6 طفلاً. وسيستمر تحمل هؤلاء للخسائر حتى يكبر أطفالهن، أو يكبر الطفل الأول على الأقل. ويبلغ متوسط عمر الطفل الأول ٩ سنوات16، ومعنى هذا أن تطول فترة المضاعفات لمدة تصل إلى ۱۲ عامًا حتى يبلغ عمر هذا الطفل ٢١ عامًا، ويستقل وتعفى أمه من أعبائه فضلاً عن أن يكون قادرًا على مساعدتها. وعلى هذا الأساس تحسب خسائر التراكمات التى تستمر على مدى ۱۲ عامًا تالية، وتكون تكلفتها كما يلى.
التكلفة للفئة الأولى ۲۹ جنيهًا شهريًا × ۱۲ = ٣٤٨ جنيهًا سنويًا لمدة ١٢ عامًا.
التكلفة للفئة الثانية ٥٤٣ جنيهًا شهريًا × 12 = ٦٥١٦ جنيهًا سنويًا لمدة ١٢ عامًا. وهذه هي الفئة التى تحصل على إعانات من الدولة.
٥ – ٣ – ٥ ملخص تكاليف الطلاق
يمكن الآن تلخيص التكاليف التى يتحملها المجتمع عن كل طلاق على النحو التالي:
التكاليف المباشرة
التكلفة المباشرة لقضية الطلاق 1.200 جنيهًا
التكلفة المباشرة لتفكك بيت الزوجية 40.000
التكاليف غير المباشرة للطلاق
قيمة الوقت الذي يستغرقه التقاضي 29.000
قيمة الوقت الذي استغرقه النزاع 28.000
ــــــــــــــــــ
جملة التكاليف المباشرة وغير المباشرة 98.200 جنيهًا تقريبًا
المضاعفات
للفئة الأولى ٣٤٨ جنيهًا سنويًا لمدة ١٢ عامًا قادمة.
للفئة الثانية ٦٥١٦ جنيهًا سنويًا لمدة ١٢ عامًا قادمة, تسد إعانة الدولة جزءًا منها.
ولا تشمل هذه القيم تكلفة الطلاق الخفية، والتى يعتبر تنازل 77.6% من المطلقات عن حقوقهن القانونية أهم مؤشراتها. ويمكن تعميم هذه النتائج على عدد حالات الطلاق في المجتمع، لتحديد تكلفة الطلاق الإجمالية، ومجموع ما تقدمه الدولة من إعانات للمطلقات.
٥ – ٣ – ٦ تكلفة الطلاق الاجتماعية
بلغت جملة إشهادات الطلاق الصادرة فى مصر ٦٥٣٤٧ عام ٢٠٠٥، وانخفضت إلى ٦٤٣٥٢ عام ۲۰۰٦. ولا يمكن أخذ هذا الانخفاض خلال عام واحد باعتباره اتجاهًا تنازليًا, فالأرقام تشير إلى الإشهادات ولا تشمل القضايا المرفوعة فى المحاكم والتي لم تنته بعد، والتي يجب نسبتها إلى العام التي رفعت فيه. ولا بد أن بيانات 2005 تشمل قضايا كانت مرفوعة قبل ذلك العام، وقد تشمل بيانات ۲۰۰٦ قضايا رفعت عام ۲۰۰٥. هذا التداخل يجعل من الأفضل على سبيل التحوط أخذ متوسط العامين، وهو ٦٤٨٥٠ حالة.
وعلى أساس هذا العدد يتحمل المجتمع تكلفة مباشرة وغير مباشرة مقدارها 6.368 مليار جنيهًا بيانها كالآتي:
تكلفة القضية 64850 × 1.200 جنيهًا = ۰.۰۸ مليار جنيهًا
تكلفة بيت الزوجية 64850 × 40.000 = 2.60 مليار جنيهًا
تكلفة وقت التقاضي ٦٤٨٥٠ × 29.000 = 1.88 مليار جنيهًا
تكلفة وقت النزاع 64850 × 28000 = 1.82 مليار جنيهًا
ـــــــــــــ
جملة التكاليف المباشرة وغير المباشرة 6.38 مليار جنيهًا تقريبًا
أما المضاعفات فتبلغ قيمتها:
للفئة الأولى 64.850 × 11% × 348 جنيهًا = ٢.٥ مليون جنيهًا شهريًا تقريبًا
= ۳۰ مليون جنيهًا سنويًا تقريبًا لمدة ١٢ سنة تالية.
وللفئة الثانية 64.850 × 25.8% × 6516 جنيهًا = ۱۰۹ مليون ج شهريًا تقريبًا
= ۱.۳۰۸ مليار جنيهًا سنويًا تقريبًا لمدة ١٢ سنة تالية.
وبذلك تكون جملة المضاعفات 1.34 مليار جنيهًا سنويًا تقريبًا لمدة ١٢ عامًا.
وتعطى الدولة معاشات للمطلقات اللاتى لا يوجد لديهن مصدر دخل. وبعد زيادة معدلات تلك الإعانات اعتبارًا من أول مايو ۲۰۰۸ أصبح معاش المطلقات 17:
85 جنيهًا للمطلقة التي لا تعول أطفالًا
100 للمطلقة التي لديها طفل واحد
۱۱۰ للمطلقة التي لديها طفلان
120 للمطلقة التي لديها ثلاث أطفال أو أكثر
وتعطى الدولة بالإضافة لهذا منحًا دراسية لأطفال المطلقة بمعدل ٤٠ جنيهًا في العام للطفل الواحد بحد أقصى خمسة أطفال. ويختص بنك ناصر بصرف النفقة مؤقتًا إلى أن تصدر المحكمة حكمها بشأن النفقة.
ولا توجد إحصاءات محددة عن عدد من يتلقين تلك المعاشات. واسترشادًا بنتائج البحث الحالي، كانت نسبة اللاتى ليس لديهن مصدر دخل 36.9% من المطلقات ينخفض إلى 25.8% بعد استبعاد حالات إعادة الزواج. وبتعميم هذه النسبة يكون عدد المطلقات اللاتي يعتمدن على الإعانات 16.750 سيدة تقريبًا. واسترشادًا بتوزيع عدد الأطفال لدى هذه الفئة في عينة البحث يمكن توزيع هذه الفئة من السيدات وأطفالهن على النحو التالي:
عدد الأمهات |
النسبة % |
التكرار |
عدد الأطفال |
6482 |
38.7 |
41 |
0 |
5377 |
32.1 |
34 |
1 |
2379 |
14.2 |
15 |
2 |
1575 |
9.4 |
10 |
3 |
637 |
3.8 |
4 |
4 |
300 |
1.8 |
2 |
5 |
16750 |
100.0 |
75 |
الجملة |
ويفترض أن من لا تتمكن من الحصول على إعانة الدولة لأى سبب سوف تحصل على إعانات لا تقل عنها من أهل الخير ومن الجمعيات الأهلية، وبهذا يفترض أن تكون جملة الإعانات التي يتحملها المجتمع كما يلى:
مطلقات بدون أطفال 550.970 جنيهًا
مطلقات بطفل واحد 537.700
مطلقات بطفلين 261.690
مطلقات بثلاثة أطفال أو أكثر 301.440
ــــــــــــــــ
الجملة 1.651.800 جنيهاً شهريًا
وتبلغ جملة عدد أطفال تلك الفئة 18.908 طفلاً. يقدر أن منهم 14.150 طفلاً في سن المدرسة منهم ۲۲۷۰ طفلاً ليسوا فى المدرسة. وعلى هذا الأساس يكون عدد المنح الدراسية لهؤلاء الأطفال 11.880 منحة، تبلغ قيمتها 475.200 جنيهًا سنويًا تقريبًا. وبذلك تكون جملة الإعانات والمنح الدراسية 2.127.000 شهريًا، وقيمتها السنوية 25.5 مليون جنيهًا تقريبًا.
وبذلك تكون جملة تكاليف الطلاق كما يلى:
تكاليف مباشرة وغير مباشرة 6.38 مليار جنيهًا سنويًا
مضاعفات 1.34 مليار
إعانات من الدولة 0.03 مليار
الجملة 7.75 مليار جنيهًا سنويًا
٥ – ٣ – ٧ فوائد الطلاق
بعد كل هذا يمكن القول عن يقين بأن الطلاق ليس شرًا كاملاً، وإنما له في النهاية فوائد تعوض على الأقل جزءًا من تكاليفه. أولى تلك الفوائد توقف النزيف الذي تسببه النزاعات الأسرية. وقد سبق حساب هذا النزيف ويساوى ۷۸۰ جنيهًا شهريًا لكل حالة طلاق، ويضاف لهذا ناتج عمل المطلقة التى رفضت أن تنسحب من عملها بعد الزواج والمطلقة التي عادت إلى عملها أو وجدت عملاً بديلاً، وكذلك المطلقة التي لجأت للعمل لتعول نفسها وأبناءها. يعوض هذا العمل فى المتوسط ٤٧١ جنيهًا من خسائر الطلاق شهريًا. وقد كانت جملة عدد المطلقات العاملات في عينة البحث ۱۰۲ بنسبة 50% تقريبًا من جملة المطلقات. وهذه نسبة تصل إلى ضعف نسبة مساهمة الإناث بشكل عام فى سوق العمل 18.
وبذلك تكون فوائد الطلاق كالآتي:
توقف النزاعات ۷۸۰ × ۱۲ × ٦٤٨٥۰ = ٦٠ مليون جنيهًا سنويًا
عمل المطلقات 471 × 12 × 64850 × 50% = 183 مليون جنيهًا سنويًا
الجملة ٧٩٠ مليون جنيهًا تقريبًا.
هذا هو الحد الأدنى لفوائد الطلاق، وهو يمثل خفضًا في تكلفة الطلاق على مستوى المجتمع بنسبة ١٠% تقريبًا، وبهذا تنخفض التكلفة الكلية التى سبق حسابها إلى 7 مليار جنيهًا تقريبًا.
٦ – الاستنتاجات
يتحمل المجتمع تكلفة سنوية للطلاق تقرب من ٧ مليار جنيهًا. وتقدير التكلفة بهذا الحجم لا مبالغة فيه، بل لا يزال يقل عن الحقيقة، فهناك تكاليف خفية كان من المتعذر تقديرها في هذا البحث. والجزء الأكبر من تلك التكاليف الخفية سوف يتحمله جيل آخر، هو جيل أطفال الطلاق. وتكلفة الطلاق بهذا الحجم تمثل 1.2% من جملة الناتج القومى بالأسعار الجارية. وانخفاضها إلى النصف يرفع معدل النمو السنوى بمقدار ٠.٦ مقطة مئوية سنويًا، ولو زادت تكلفة الطلاق فسيحدث العكس إذا سينخفض معدل النمو السنوى بنسبة الارتفاع في تكلفة الطلاق.
ويتحمل القانون مسئولية رئيسية في تحقيق تلك التكلفة. فطول فترة التقاضي وحده يكلف المجتمع ۱.۸۸ مليار جنيهًا تقريبًا، بينما يبلغ نصيب رسوم التقاضي وأتعاب المحامين ٧٧.٥ مليون جنيهًا. وهكذا يتسبب طول فترة التقاضي في مضاعفة تكاليف التقاضي أكثر من ٢٤ مرة. ويتحمل المجتمع والقانون معًا مسئولية إطالة فترة النزاع وتبلغ تكلفتها 1.82 مليار جنيهًا، ويدفع المجتمع ثمن فتح بيوت جديدة بتكلفة 2.6 مليار جنيهًا، ثم يدفع ١.٣٤ مليار جنيهًا ثمنًا للمضاعفات.
وبطبيعة الحال تنخفض تكلفة الطلاق لو انخفضت معدلاته ولو أمكن حل المنازعات الأسرية بصورة ودية. وهذا يتوقف على تغير ثقافة المجتمع بما يعنى تغير قيمه وعاداته وتقاليده. وهكذا يمكن القول بأن جزءًا كبيرًا من التكلفة هو في الحقيقة تكلفة الجمود الثقافي، وسوء اختيار شريك الحياة، وتعسف الرجل فى استخدام سلطته. وهذه أمور تجسدها وتكرسها القوانين الراهنة، والتقاليد الموروثة التى يعتبرها بعض الناس ثوابت دينية أو وطنية.
وبنظرة إيجابية تعتبر تكلفة الطلاق التى يتحملها المجتمع حافزًا للعمل على تغيير الأوضاع لتقليل تلك التكلفة. وفى ضوء النتائج السابقة يمكن القول بأن التغيير اللازم له جانب قانونى يجب أن يتجه إلى تقليل مدة التقاضى وتقليل فترة النزاع التي تستنزف طاقات أطرافه. لكن جانبًا آخر من التغيير يجب أن يتجه إلى إيجاد بيئة أفضل لنجاح الزواج وتقليل حالات الفشل. ويبدأ هذا من البداية، بإيجاد بيئة ملائمة لزيادة فرص التعارف قبل الزواج وبناء ظروف مواتية لحل ما يتشأ من خلافات بطرق ودية متحضرة. وهذا تغير ثقافى يبنى على حرية الاختيار والمساواة أمام القانون دون تمييز على أساس الجنس أو الدين.
وإذا كان للطلاق فوائد قدرت بما يعادل 10% من تكلفته، فهذا هو الجانب الكمي من الفوائد، وهناك جانب كيفى هو أن الطلاق يكرس حق المرأة فى الاختيار. وهنا ينطوى التضخم في تكلفة الطلاق على إشارات إيجابية، أهمها أن المرأة فى حالات كثيرة هي التي تطلب الطلاق، وتطلب حتى الخلع، وتتحمل تكلفة ما تطلبه. وهنا يظهر تعسف الرجل واستغلال سلطته الموروثة التي يقرها القانون. لكن التحدى المقابل من جانب المرأة يشير إلى تطور شخصيتها، واتجاهها إلى رفض هذا التعسف والتمرد عليها، وتحمل ما يترتب على ذلك من أعباء تعرفها وتسمعها كحكايات درامية ترويها المطلقات.
1- أعد هذا الجزء من الدراسة الدكتور حمدى الحناوي.
2- Becker G., Landes E. and R. Michael (1977), An Economic Analysis of Marital Instability, Journal of Political Economy, 85, 1141- 1188.
3- على سبيل المثال:
Chiappori, Pierre Andre and Yoram Weiss (2000), Marriage Contracts and Divorce: An Equilibrium Analysis. WP, University of Chicago.
4- على سبيل المثال:
Teachman, Jay, D. and Kathleen M. Paasch (1994), Financial Impact of Divorce on Children and Their Families. The Future of Children, Vol. 4 (1), 63- 83.
5- Lenore J. Weitzman and Mavis Maclean (Editors). (1992) , Economic Consequences of Divorce: International Perspective by New York: Oxford University Press.
6- Scafidi, Benjamin, Principle Investigator (2008). The Taxpayer Costs of Divorce and Unwed Childbearing. First- Ever Estimates for The Nation and all Fifty States. Published by Institute of American Values. Institute of Marriage and Public Police, Georgia Family Council and Families Northwest.
7- Uunk, Wilfred (2004), The Economic Consequences of Divorce for Women in the European Union: The Impact of Welfare State Arrangements. European Journal of Population 20: 251- 285, 2004.
8- Smyth, Bruce and Ruth Weston (2000), Financial Living Standards after Divorce: A Recent Snapshot. Australian Institute of Family Studies, Research Paper No. 23.
9- Stephane Mechoulan (2005), Economic Theory’s Stance On No- Fault Divorce. Review of Economics of the Household 3 (3): 337- 359.
10- عن رأس المال البشرى أنظر: حمدى الحناوى، (۱۹۸۹، 2006)، رأس المال البشري والتنمية الاقتصادية، تأصيل نظرى وتطبيق على مصر. مركز الإسكندرية للكتاب.
11- أنظر Scafidi مرجع سابق، ص 5
12- بعد حذف حالات لم تكن إجاباتها متسقة أو كانت ناقصة بدرجة مخلة.
13- لم تشمل العينة أى قضاة أو محامين، ولكن كان هناك اتصال مباشر بعديد من المحامين أثناء العمل الميداني، وكان هناك اتصال شخصى للباحث ببعض القضاة، كما جمعت معلومات إضافية بشكل غير مباشر بالاتصال بمن لديهم المعلومات ممن اصطلح في أدبيات البحوث على تسميتهم بالمرشدين أو الشخصيات العليمة Key Informers. أما الإداريون في المحاكم ورجال الحراسات فتم اعتبارهم من موظفي الدولة وقدرت متوسطات أجورهم استنادًا إلى البحوث القومية المنشورة عن متوسطات الأجور وعن نفقات الأسرة.
14- Powers, Gordon (2007). The Hidden Costs of Divorce. MSN Finance Site, July 5, 2207
15- ترتفع قيمة الأرض فى المناطق العشوائية بسبب التزاحم الشديد, وتصل قيمتها إلى أرقام تقترب من سعر الأرض في أرقى المناطق الحضرية. وفي المنصورة على سبيل المثال يصل سعر الأرض في بعض الضواحي العشوائية المزدحمة بسكانها إلى ٣٠٠٠ جنيها للمتر.
١٦– لا يتعارض هذا مع ما سبق ذكره عن أن متوسط فترة الزواج ٨ سنوات، فقد كان هذا المتوسط محسوبًا لمجموع الذكور والإناث في العينة وهم ليسوا بالضرورة نفس الأزواج. أما متوسط عمر الأبناء فهو محسوب فقط لأبناء السيدات.
17- بيانات مأخوذة من وزارة التضامن الاجتماعي.
18- كانت نسبة مساهمة الإناث في سوق العمل ٢٤.٧% عام ٢٠٠٥. انظر:
El- Hinnawy, Hamdy (2005), Labor Market Study. Report submitted to the Technical Vocational Education Reform Project (TVET), Supported by the European Union.
يدفع أطفال الطلاق جزءًا هامًا من تكلفته، فى صور مختلفة. قد يضطرون لترك المدرسة، وقد يضطرون للعمل فى أعمار مبكرة ليساهموا في إعالة أنفسهم وإعالة أمهاتهم. وتشير بيانات مئات الأطفال الذين يعيشون فى أسر تفككت بالطلاق, إلى تعرضهم لضغوط نفسية ومادية، لا بد أن تؤدى إلى تشوه بنائهم النفسى. ولا يستطيع أحد أن يتنبأ يقينا بما ينتهي إليه ذلك التشوه إن لم يتم تداركه. والمؤكد أنه يمثل تكلفة تتضاعف قيمتها على مدى عمر الأطفال وهم يكبرون وتكبر معهم مشكلاتهم. ويكفى أن هاك احتمالات أن يصل الأمر ببعض أولئك الأطفال إلى التشرد والانحراف ودخول عالم الجريمة.
ولن تحاول هذه الدراسة النفسية تقدير تكلفة كمية للمضاعفات النفسية لدى الأطفال، إذ أن هذه ليست مهمة الباحث النفسي. ويكفي في هذا الصدد أن يتم التعرف على ما ترك الطلاق لدى الأطفال من آثار سلبية تقود حتمًا إلى تشوه بنائهم النفسى إذا لم يتم تدارك الأمر. وفي هذا السياق يعرف الباحثون السيكولوجيون عدم كفاية استخدام الأدوات الديكومترية للكشف عن الجوانب العميقة في الشخصية, وهي الجوانب اللاشعورية. وبدلاً من تلك الأدوات يستخدم هذا البحث اختبارًا إسقاطياً، يسمح بدراسة متعمقة لنفسية الطفل.
1 – تعريف بالاختبار المستخدم
الاختبار المستخدم هو “اختبار تفهم الموضوع للأطفال“، وهو اختبار وضعه موری وأطلق عليه طريقة تفهم الموضوع، لأنه يهتم بدراسة المعانى الدينامية والاختلافات الفردية في الإدراك الذى تحركه مثيرات مقننة. والمثيرات فى هذا الاختبار صور تعرض على الطفل ويطلب منه أن يتحدث عنها. وبالطبع يدرك الطفل الصورة تبعًا لمشاعره التي تتولد عندما يراها. ونقول في هذا أن الطفل يسقط مشاعره على الصورة. ولهذا تسمى مثل تلك الاختبارات اختبارات إسقاطية، فهى لا تبحث عن معان محددة فى أى صورة بل تبحث عن المعاني التي يسقطها الطفل على الصورة.
لا يتدخل الباحث في سرد الطفل لما يدركه برؤية الصورة، لكنه قد يقاطعه ليسأله عن المعاني التي يقصدها ويطلب منه مزيدًا من الإيضاح. يستدعى الباحث بأسئلته مزيدًا من المعاني التي تستثيرها الصور في ذهن الطفل. وقد لا يستطيع الطفل أن يستعرض المعاني التي في ذهنه بطريقة كاملة، فيقدمها فى أجزاء مفككة وغير مترابطة، وللباحث أن يسأله عما يقصد بلفظ معین نطق به أو عن سبب حدوث شئ ورد ذكره على لسانه. وقد يترك الطفل نهايات مفتوحة فيطلب منه الباحث استكمالها. وهكذا يهتم الباحث باستدعاء ما في ذهن الطفل والاستمرار في الاستدعاء إلى أن يشعر الطفل أن حكايته قد اكتملت.
والاختبار المستخدم فى هذه الدراسة مخصص للأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين الثالثة والثانية عشر. ويتكون من بطاقات عليها صور لم تؤخذ كلها بل تم اختيار ٨ بطاقات منها تحتوى على ما يلى بالترتيب:
-
مجموعة من الحيوانات الصغيرة أمام كل منها طبق وأمام المجموعة إناء كبير يحتوى بعض أشياء صغيرة غير واضحة المعالم.
-
ثعلبان كبيران يشدان الحبل وثعلب صغير يشد مع أحدهما.
-
أسد جالس على كرسى كبير وبجواره عصا وفى يده أنبوبة تدخين (بايب)، وعلى مقربة منه جحر يقف على بابه حيوان يشبه الفأر الصغير.
-
صورة نمر يحاول أن يصطاد فارًا يقفز بعيدًا حتى لا يمسك به.
-
ثعلب يحمل على كتفه حقيبة وفي يده سلة وخلفه ثعلب صغير يركب دراجة, وأمامهما عن بعد يتحرك كائن صغير غير واضح الملامح.
-
حجرة في منزل بها سرير كبير وسرير صغير وبها شباك عريض.
-
مجوعتان من القردة، أولاهما قردان يجلسان على أريكة منزلية يتحدثان، والثانية قرد كبير يجلس على كرسى بلا مساند يتحدث إلى قرد صغير ويشير بسبابة يمناه إلى شئ ما, بينما يضع يده اليسرى خلف ظهر الصغير الذي وقف أمامه وقد انثنت ركبتاه كأنما يستعد للجلوس أو يستند إلى اليد التي وراء ظهره.
-
كلب كبير يجلس القرفصاء ويحمل على رجليه كلبًا صغيرًا.
بهذا الاختبار يمكن الكشف عن شخصيات الأطفال بتحليل إدراكاتهم عن الصور المعروضة عليهم. وبتعبير آخر يتم فحص وتحليل السلوك الادراكي أي ما يراه الطفل ويفكر فيه، تمييزًا عن فحص السلوك التعبيرى الذى يتعلق بالكيفية التى يرى بها الأشياء ويفكر فيها. والصور ذاتها هى حافزات تستثير مشاعر الطفل وتكشف عن اتجاهاته حيال الصور الوالدية فيمكن بالتالي معرفة علاقته بوالديه كزوجين، وأخاييله حين يراهما وقد ضمهما سرير واحد، وكذلك أخاييله حول العدوان الموجه نحو الذات أو نحو العالم الخارجي، وتقبله لعالم الراشدين, ومخاوفه من الوحدة ليلاً، وغير ذلك.
بمثل هذا الاختبار نلم بأطراف البناء النفسى للطفل، دفاعاته ودينامياته. ويتمتع هذا الاختبار بقدرة فائقة على كشف ديناميات العلاقات الشخصية, وتحديد العوامل التي تتصل بسلوك الطفل في الجماعة وفى المدرسة وفى رياض الأطفال وفى البيت. وهو بهذا يمثل أداة نافعة في يد الطبيب النفسى والمحلل النفسي والاجتماعي.
٢ – طريقة إجراء الاختبار
عند إجراء الاختبار يتعين أولاً إقامة علاقة طيبة مع الطفل، مع تقديم الاختبار على أنه مجرد لعبة, لا على أنه اختبار، كلما أمكن ذلك. وكانت التعليمات للباحثة التي تجرى المقابلة أن تقول للطفل أنهما بصدد ممارسة لعبة، وأن عليه فى تلك اللعبة أن يحكى حكاية عن الصور التي يراها يحكى فيها ما يحدث وما تفعله الحيوانات التى فى الصور. وفي الوقت المناسب يمكن توجيه أسئلة للطفل حول ما حدث قبل ذلك وما سيحدث فيما بعد. ويتم تشجيع الطفل واستثارته، وإن كانت مقاطعته مسموحًا بها عندما يكون من اللازم توجيه سؤال إليه. وعلى الباحثة أن تسجل كل ما يقول الطفل. وبعد أن ينتهي الطفل من حكاية القصص, تقوم الباحثة بمراجعتها وتطلب توضيح ما قد يوجد بها من نقاط غير واضحة. وكان يتم تسجيل جميع الملاحظات والنقاط الإضافية التي تتصل بما سبق للطفل أن رواه.
٣ – العينة والمرحلة العمرية ومبررات اختيارها
استقر الأمر على اختيار عينة صغيرة من الأطفال من عمر خمسة أعوام إلى ثلاثة عشر عامًا لدراستها بتعمق. وباختيار هذه المرحلة تجنب البحث المرحلة العمرية الأكبر حتى لا يحدث تداخل بين المشكلات الناتجة عن الطلاق ومشكلات مرحلة المراهقة. وقد طبق الاختبار الإسقاطي على ١١ طفلاً، كان من بينهم ستة من الإناث وخمسة من الذكور، وتوزعت أعمارهم عشوائيًا فكانوا ٤ أطفال في عمر 8 سنوات، واثنان فى أعمار أصغر، ٥ – ٧ سنوات، وخمسة في أعمار أكبر ٩ – ١٣ عامًا.
ويورد الجدول رقم (۱) بيانًا به أسماؤهم الأولى (نكتفى بالاسم الأول لحفظ خصوصياتهم)، وعمر كل منهم والصف الدراسي الذي يتعلم فيه.
الجدول رقم 1
بيان بأفراد الدراسة النفسية المتعمقة
السن |
النوع والعدد |
الأسماء |
الصف الدراسي |
|
أنثى |
ذكر |
|||
5 |
1 |
ميار |
الثاني حضانة |
|
7 |
1 |
حبيبة |
الثاني الابتدائي |
|
8 |
2 |
2 |
ندا، رنا، إبراهيم، وعبد الراضي |
الثاني والثالث الابتدائيين |
9 |
1 |
حسام |
الرابع الابتدائي |
|
10 |
1 |
نوران |
الخامس الابتدائي |
|
11 |
1 |
معتز |
السادس الابتدائي |
|
12 |
1 |
آية |
السادس الابتدائي |
|
13 |
1 |
حسن |
السادس الابتدائي |
|
6 |
5 |
الجملة |
4 – أمثلة للاستجابات
البيانات التي حصلنا عليها ليست بيانات كمية يمكن وضعها في جداول، وإنما هي استجابات كيفية تتمثل في حديث تم تسجيله. ولكي يكون للتحليل معنى في هذا التقرير نورد أمثلة لاستجابات الأطفال.
4 – 1 الطفلة ندا
هي طفلة في الصف الثالث الابتدائى، وتبلغ من العمر ثمانية أعوام، وتعيش مع الأم بسبب طلاق الوالدين. فى الصورة الأولى تقول الطفلة عن الحيوانات الصغيرة أنهم أطفال يمثلون (الأصحاب والأصدقاء فى المدرسة). وهذه الإجابة تعكس تمركز اهتمام الطفلة حول المدرسة والحياة المدرسية، وهى استجابة عادية ليس بها أي نوع من الانحراف.
في الصورة الثانية تقول الطفلة أن الثعلبين الكبيرين اللذين يشدان الحبل هما أب وأم يشدان الحبل (وبعدين هايسيبوا بعض أكيد). تحدثت الطفلة أيضًا عن مشكلات بين الأب والأم (خناق)، وتحدثت عن تدخل البعض لتهدئة الموقف وعن حزن الأب والأم, وأبدت تعاطفًا معهما. وكانت استجابات الطفلة تعكس ضعف الأم وعطفها فهى تقول (الأم الثعلبة ها يصعب عليها الأب (الثعلب) وها تسيب له ديله). وهذه الاستجابات تعبر عن حالة الطلاق التي تعيشها الأسرة، وتعكس الأنماط التقليدية لصورة الرجل والمرأة، القوة فى مقابل الضعف وقلة الحيلة، كما تعكس بوجه عام إدراك الحالة التى يكون عليها الآباء والأمهات فى فترة ما قبل الانفصال.
وفي الصورة الثالثة تصف الطفلة الأسد باعتباره ملك الغابة، وكان في نظرها رمز السلطة والقوة. وكان فى هذا إسقاط لصورة الأب، وفى المقابل تتحدث عن الأشخاص الآخرين وتصفهم بالأفراد الضعفاء والأقل أهمية مثل الفأر الواقف على باب جحره. والفأر هنا رمز للأطفال الصغار.
وفي الصورة الرابعة كان للطفلة تعبير قالت فيه أن القوى (وهو النمر) يريد أن يأكل الضعيف (الفأر). وهذه هى الصورة التى تتمثلها الطفلة عن الأسرة. كيان تحكمه القوة في مقابل الضعف وقلة الحيلة.
وفي الصورة الخامسة تحكى الطفلة عن أم وأولاد يتسوقون المشتريات. وهذه استجابة تعكس صورة عن الحياة الأسرية وصورة الأم الراعية، كما تعكس ارتباط الأطفال بالأم باعتبارها شريان الحياة ومن يعد لهم الطعام. وهذه صورة إيجابية للأم. ولكن الطفلة تتساءل (فين الأب؟). وهذا التساؤل يعكس رغبة لاشعورية فى وجود الأب مع الأسرة برغم أن استجابتها كانت تعكس الأب كمصدر للعقاب.
وفي الصورة السادسة أثارت صورة السرير الكبير رغبة ملحة لوجود الأم والأب سويًا، وأثار وجود السرير الصغير شعورها بأنهما يعتنيان بها وقت المرض.
وفى الصورة السابعة تعكس استجابات الطفلة النظرة التقليدية لوجود الجنسين سويًا رمزًا للرجل والمرأة (الأم والأب) وأشارت إلى وجود “زعل” بين القردين اللذين يتحدثان. وكان هذا يعنى وجود انفعالات سلبية تعكس الحزن والانزعاج. وأشارت الطفلة إلى القرد الذي يتحدث إلى الصغير قاتلة أنه يهدئ مخاوفه. وهكذا استدعت الصورة مخاوف الطفلة وعدم شعورها بالأمن. وهذه نتيجة منطقية جدًا حيث يمثل الأم والأب مصدرًا أساسيًا للأمن والحماية.
وفى الصورة الثامنة تتصور الطفلة أن الكلب الكبير الجالس القرفصاء يضرب الكلب الصغير الذى يحمله على رجليه. وهذا يعكس شعور الطفلة بقدر من العدوان.
وبصفة عامة تعكس هذه الاستجابات أن الأم هى مصدر الرعاية والعناية بالأطفال, وتعكس رغبة الطفلة فى وجود الأم والأب سويًا كما تعكس إحساسًا بالحرمان مع وجود أمل في تحقيق الرغبات التى تتعلق بوجود الأسرة بشكل طبيعي.
4 – 2 الطفلة رنا
طفلة بالصف الثانى الابتدائى، تبلغ من العمر ثماني سنوات. عكست استجابات هذه الطفلة عن الصورة الأولى قدرًا من السعادة، ولكنها لاحظت غياب الأب وعبرت ن ذلك بشكل قائلة (الأب) مش (موجود). وتكمل معبرة عن رغبتها في وجود الأب، فتقول (باباهم في البيت). وتعكس هذه الاستجابات تصور الطفلة لسعادة لا تكتمل إلا فى وجود الأب. وعن صورة الثعلب الذي يحمل السلة والحقيبة عكست استجاباتها مرة أخرى غياب الأب (الأب بعيد) وعناية الأم وحدها بطفلها. وعن مجموعتى القردة، أشارت إلى القردين الكبير والصغير، وكان من الواضح رغبة الطفلة فى أن يكون الأب معها حتى تكون سعيدة (ابنه فرحان عشان معاه باباه). عبارة صريحة وواضحة تؤكد مرة أخرى إحساس الطفلة بأن الأب مصدر أساسي للسعادة. وعن صورة البيت تلوح مرة أخرى نفس الرغبة إذ تتمنى الطفلة وجود الأم والأب فتقول (سرير عليه طفل وسرير كبير عليه الأم والأب). وتعكس الاستجابات أكثر من مرة وجود الأم فقط في حياة الطفلة وارتباط الأبناء بالأم، وعن صورة معلقة على الحائط فى بطاقة مجموعتى القردة، تقول الطفلة أنها صورة الأم. وهكذا تقوم الطفلة باستبعاد الأب على المستوى النفسي والإدراكي وتضعه خارج الصورة بالرغم من اعترافها به. وتظهر الصورة الأخيرة وجود العدوان في حياة الطفلة إذ تتصور أن الصغير يتعرض للضرب.
٤ – ٣ الطفلة حبيبة
طفلة بالصف الثانى الابتدائى, تبلغ من العمر سبعة أعوام. قالت هذه الطفلة عن الصورة الأولى أن الأم قريبة من الأطفال لكنها استبعدت الأب، وبالاضافة لهذا قالت أن الأبناء يشعرون بأن الأم حزينة (الأم زعلانة). وعن الصورة الثانية قالت الطفلة بتعبير صريح “الأب بعيد” ولاحظت وجود الطفلة الصغيرة وقالت أنها مع الأم “بيشدوا الحبل“. وهكذا عبرت بوضوح تام عن المشكلات الموجودة بين الزوجين. وقد اعتبرت الطفلة أن وجودها مع الأم يعطى الأم قوة فقالت “الأم هي اللى هاتكسب علشان معاها الابن” وهذا يعنى أن الأبناء يشعرون بأن وجودهم مع الأم يعطيها قدرًا من القوة وأن الأب بدونهم يشعر بالعزلة والضعف.
وعن صورة الأسد قالت الطفلة بوضوح شديد “هو بابا وهو قاعد زعلان والابن بعيد عنه وهو كمان زعلان“. ثم تعبر ببراءة شديدة وبطريقة لاشعورية عن مشاعرها فتقول “الابن مش ها يرضى يبقى مع الأب“. وهى تعلل ذلك بأن الطفل لا يحب الأب. وهنا يحتمل أن تكون الأم هي السبب فى تولد تلك المشاعر السلبية نحو الأب.
وعن صورة حامل السلة تعكس تعبيرات الطفلة قدرة عقلية عالية، مفصحة عن علاقة بين الأم وابنتها هي علاقة اهتمام حميمية. أما الكائن الصغير الغامض فهو عندها الابن، وهو يشعر بالغيرة بسبب إهمال الأم له مقارنة بالابنة. ويجئ تعبير الطفلة عن ذلك حادًا فتقول أن الولد يعيش في الشارع، وبسبب ارتفاع مستوى ذكائها تقول أنه “لازم يكون مع أمه“.
وعن صورة البيت نرى استجابات واضحة وصريحة دون أى تحريف، تعبر عن رغبة في وجود الأب والأم سويًا (معًا). وتكمل الطفلة بما يفيد أن الأم هى مصدر الاهتمام والرعاية لأطفالها، وما يعكس تجاهل الأب لهم. وفى أكثر من استجابة تنعكس علاقات القوة والضعف والعدوان. وعن صورة مجموعات القردة كانت هناك استجابات صريحة عن الدور الذي تلعبه الأم في تكريس مشاعر الرفض والإهمال تجاه الأب وزوجته (الثانية) ووضعهم في سلة واحدة من الرفض والتجاهل، وأيضًا تكريس مشاعر الكره والعدوان. وفى هذا كله تنعكس بوضوح فكرة الانفصال والخوف من زواج الأب من امرأة أخرى.
وعن صورة الكلب الجالس القرفصاء، نجد استجابة واضحة تعكس بصراحة سوء حالة الأم بدون الأب – حالة من الحزن لدى الطفلة. وتعاطف مع الأم “الأم تعبانه لأن مالهاش حد – بابا قاعد في حته ثانية“. وحالة كره للأب بسبب حالة الانفصال التى يتعرض لها الأبناء – خوف واضح من الفقدان – ويظهر الخوف من فقدان الأم أيضًا في بعض الاستجابات.
4 – 4 الطفل إبراهيم
طفل في الصف الثالث الإبتدائى يبلغ الثامنة من عمره. فى الصورة الأولى عكست استجاباته أنشطة الحياة اليومية وصورة الأم هى الغالبة واختفت صورة الأب باعتباره غائبًا. وفي الصورة الثانية عكست استجابات الطفل غياب الأب بوضوح شديد “الأب بعيد” – بينما الأم قريبة منه وهى مصدر المداعبة والحنان. ويتصور الطفل أن الصراع الدائر بين الأم والأب سينتهى الصالح الأم. هذا على المستوى الرمزى من التمنيات والآمال، أما على أرض الواقع فيكسب الأب، مما يجعل الأم فى حالة انكسار وحزن. هذه هى تصورات الطفل لشكل العلاقة وشكل النهاية.
في الصورة الثالثة كان الأسد رمز السلطة والقوة، يرمز به الطفل للأب بينما يتصور الأم مصدرًا للسند العاطفي، تمثل الشق الحنون. ويبدو الطفل واعيًا إلى أن الحزن الذي يخيم على الأسرة سببه الرئيسى انفصال الأم والأب. وقد تواجدت صورة زوج الأم ولكن غلبت عليها السلبية.
وفى الصورة الرابعة كان النمر رمزًا للخطر الذى يشعر به الطفل، وكانت الأم مصدر الأمن والحماية – ومرة أخرى كانت صورة زوج الأم باهته وسلبية. أما الصورة الخامسة فكانت تعكس الخلافات بين الأب والأم – غياب الأب بشكل واضح – والرغبة الشديدة في استرداد الأب المفقود.
وفي الصورة السادسة عكست استجابات الطفل أن الأم مصدر الرعاية، وكان الشباك المفتوح رمزًا، حيث أكد الطفل ان الأب هو الذى فتحه. وهذه التداعيات يمكن تفسيرها بأن وجود الأب أمل يسعى إليه الأبناء الذين يعيشون في ظل غيابه.
وفي الصورة السابعة يتضح من استجابات الطفل فهمه ووعيه بحالة بين الأم والأب. ويبدى الطفل تعاطفًا واضحًا مع الأم باعتبارها مصدر الحنان وأيضًا باعتبارها كائنًا أضعف أو أقل “جوزها زعلها“. وهنا تتضح رغبة كامنة ولاشعورية تعبر عن أمنيات الطفل في أن يعيش الأب والأم سويًا.
وفي الصورة الثامنة تكرر فى استجابات الطفل التعبير عن زعل الأم. وهذا يعكس حالة الاكتئاب التي تعيشها الأم فى صراعها مع الزوج والتى يشعر بها الأطفال بوضوح.
5 – تحليل الاستجابات
في حالات يعانى فيها الأطفال بعد انفصال الأب والأم, تتوقع أن تتحدد الاستجابات جزئيًا بالعوامل التالية:
-
الحالات الانفعالية الوقتية كالحزن والإحباط والضيق.
-
خبرات الحياة التي تعرض لها الطفل.
-
الجماعة التي ينتمى لها الطفل (المستوى الاقتصادي الاجتماعي)
وفي ذات الوقت نتوقع استجابات غير منطقية وبدائية، واستجابات تنحرف عن تلك التي تصدر عادة عن الأطفال، كما نتوقع فى بعض الحالات عدم إعطاء استجابات مناسبة.
وقد لوحظ في استجابات الأطفال ما يلى:
5 – 1 الإحساس بغياب الأب والاعتماد على الأم
هناك شعور واضح بغياب الأب “الأب بعيد” – “باباهم بعيد – ومش ها ياكل معاهم“, “باباهم مش معاهم” مش ها يروحوا يلاقوه فى البيت” (الطفلة آية), “الأب هو اللي بعيد” (الطفلة نوران)، الأب بعيد ” (الطفل معتز). وقد تكون صورة الأب باهتة فهو في استجابات الطفلة “نوران” إما نائم أو خارج الكادر. والأب لم يكن سعيدًا بهذا البعد فهو “زعلان علشان هم (أولاده) مش معاه” (الطفلة آية), وهو يخرج من حزنه ويشعر بالسعادة عندما يلعبون معًا “يلعبوا سوا” (الطفل معتز). وهو قوى يرمز الأسد لقوته لكنه بعد عراكه مع أسرته حزين “غضبان” (الطفلة نوران).
وقد بقيت الأم فى النهاية مصدرًا للرعاية والأمن، ففى شد الحبل لا ترى الطفلة آية نزاعًا بين الأم والأب فقط وإنما ترى “الأم وابنها جنبها والأب بعيد“، ولا تخفى تعاطفها مع الأم “الأم زعلانه“. أما الطفلة ميار فترى فى الكلب الجالس القرفصاء والذى يحمل صغيرًا على رجليه “ماما وابنها الصغير بتقول له استنى عشان احميك وتروح تنام“. ويرى الطفل حسام في حاملة السلة “الأم .. فرحانة.. عشان هي جنب بنتها“. ويرى الطفل حسن فى نفس الصورة “الأم وابنها هتحميه – فرحانة لأنها بتحمى ابنها” بينما ترى الطفلة نوران “أم هتدخل ابنها الحمام تحميه وتلعبه باللعب ويتفرج على التليفزيون وينام“.
٥ – 2 الأب مصدر القوة
كان الأسد رمزًا للأب عند الأطفال، وكان هذا بطبيعة الحال تعبيرًا عن القوة. وبناء على هذا يرى الطفل عبد الراضى فى لعبة شد الحبل معركة وأن “الأب هو اللى ها يكسب عشان هو جامد وله عضلات“. وبينما تنحاز الطفلة نوران للأم ترى أن وجود ابنها معها يعادل قوة الأب ولهذا “الأم هى اللى هتكسب لأنهم اتنين“. وبالطبع لن يكون الأب سعيدًا لهذه الخسارة “الأب خايف عشان حاسس إنهم هيكسبوا .. وهيزعل ويمشى يروح حتة تانية“.
وقد لا يدرك الطفل مغزى الصراع ويتصور الشد والجذب ما بين الأم والأب لعبة لا يشعر بالحزن إذا كسبها الأب، وإن كان يعرف أن الأم ستشعر بالحزن. كان هذا إدراك الطفل حسام “الأب بعيد والأم جنب ابنها بيشدوا الخيط (يقصد الحبل) بيلعبوا, الأب هو اللى هايكسب. الأم زعلانة عشان الأب كسب. الابن فرحان عشان باباه كسب“.
ولا يرغب الأطفال فى رحيل الأب، ويدرك الطفل حسن أن الأب لا يعانى من الجوع لكنه حزين. ويعبر عن ذلك بقوله “الأسد” قاعد على الكرسى شبعان وزعلان“. وفي الوقت ذاته يرى هذا الطفل أن الأم تبحث عن زوجها “أمهم زعلانه بتدور على جوزها“. ولأن الأسد حزين أيضًا يرى حسن أنه سيبحث عن الأم هو أيضًا “هيدور عليها وهيلاقيها وهتفرح وعيالهم هيفرحوا عشان الأب هييجي يقعد معاهم“.
وتعكس استجابات الطفلة نوران رغبة صريحة في رجوع الأب. عن صورة القرود تتصور أن الكبيرين هما الأب وأخته وأن أخته توصيه على زوجته وأولاده “بيتكلم مع أخته بتقول له خلى بالك من مراتك وعيالك، وبيقول لها هاخلى بالى منهم بس انت خلى بالك من نفسك“. وفي صورة الكلب الجالس القرفصاء يقول أن الأب خرج “راح يشوف أخته وهيجيلهم تانى يعيش معاهم“. ويقول الطفل حسام عن صورة القرود أن القردين الصغير والكبير أب وابنه وأن الأب يطلب من ابنه أن يذهب لينادى أمه ويجئ بها “الابن فرحان عشان واقف جنب أبوه بيقول له روح نادى لأمك وتعال“.
٥ – ٣ إدراك الأطفال لطبيعة الصراع
كانت أصغر الأطفال سنًا وهى ميار ذات الخمسة أعوام تدرك أن هناك نوعًا من الخصام بين الأم والأب ولا تدرك بعد مغزى الصراع. في رعاية أمها لا تشعر بعد بأن هناك ما ينقصها، وعندما تتحدث عن ابتعاد الأب تتصور أنه يعاقب أولاده لأنهم ضايقوه.
في الصورة الأولى عن الصغار “كتاكيت بياكلو والأكل مكفى والأم بتنادى عشان اما يخلصوا يغسلوا إيديهم“. وفى صورة شد الحبل “الأب بعيد والأم وجنبها ابنها بيشدوا الحبل من بعض.. الأب زعلان عشان مش كسب.. والأم زعلانه عشان ما كسبتش والابن اللي كسب عشان بيشد الحبل جامد. كسب وبعدين يروحوا يناموا شوية .. الثلاثة هيروحوا مع بعض ويناموا وياكلوا ويتفرجوا على التليفزيون“.
وعن صورة الأسد الجالس على الكرسى تقول ميار, الأسد “قاعد على الكرسى … وده ابنه الصغير بيبص عليه وباباه قاعد في حاجة في إيده.. وهو زعلان بيفكر وابنه مضايقه“. وعن الحجرة ذات السريرين تتتحدث عن الابن الصغير فى سريره وعناية الأم به، وأما الأب فهو بعيد لأنه فى العمل فى الشغل بيرجع بالليل وياكل هو وماما“. وعن الصور الأخرى لا تتخيل أكثر من وجود الطفل وعناية الأم به ويظل مكان الأب موجودًا “ولما بابا بيجي هيقعد معاه شوية ويقول له لأ لازم تنام“.
وتتضح صورة الصراع أكثر عند الطفلة حبيبة ذات السبعة أعوام. “الأب بعيد والأم ومعاها الابن الصغير بيشدوا الحبل .. الأم زعلانه عشان مش عارفه تشد والأب فرحان. الأم هي اللى هتكسب عشان الابن بيشد معاها والأب هيبقى زعلان أكيد عشان معندوش حد يشد معاه” وهكذا يلعب الابن دورًا هامًا فى ترجيح كفة الأم. ولا يقتصر دور الابن على ذلك فهو غاضب من الأب “الأسد قاعد على الكرسى زعلان والأسد الصغير زعلان قاعد لوحده وده بابا وابنه بعيد عنه ومش بيحبه .. بيفكر يصالح ابنه ويجيبه جنبه والابن مش هيرضى عشان مش بيحبه“.
وتتصور حبيبه معنى خاصًا للأبوة ليس فيه أن يغضب الأب من أولاده ويتركهم ليعيش بعيدًا عنهم. عن الحجرة ذات السريرين تقول حبيبه “سرير صغير فيه نونو بيعيط سرير كبير للأم والأب .. الأب نايم معاهم فى نفس الأوضة .. ماما بتطبطب عليه عشان جعان رضعته ونام وصحى وفرح عشان ماما جت له.. وباباه نايم شايف ابنه بيعيط ومش بيجيله خالص.. الابن زعلان عشان بابا مش بيكلمه لازم الأب هو اللى يجيله“.
لكن حبيبة تعرف أن هناك صراعًا بين الأم والأب ينعكس على الصغار. عن صورة حاملة السلة تقول “الغزالة الأم ومعها بنتها وابنها (الكائن الصغير غير واضح المعالم)”، وتتصور أن ذلك الابن لا يعيش مع الأم وإنما يعيش فى الشوارع “الابن عايش” في الشوارع مش عايش مع مامته ولا بيكلمها بس لازم يكلم مامته” ولهذا تتصور مع الأم ماء ستعطى منه للبنت لتشرب ولن تعطى للولد “والابن عطشان وهى مش هتشربه“.
وفى حكاية حبيبة عن النمر والكائن الصغير الذى تتصوره قردًا، تقول أن الأسد يريد أن يأكل القرد, بينما القرد يحاول أن يتسلق الشجرة ليهرب لكنه لا يستطيع “مش هيقدر يطلع فوق الشجرة .. بيحاول يطلع والأسد قرب ياكله“. ويتضح الأمر أكثر عند الحديث عن صورة القرود. هناك تتصور حبيبة القرد الكبير الذى يتحدث إلى الصغير أما تقول لابنها “ميكلمش دول.. ودول أبوه وواحدة تانية متجوزها“. وهكذا تدرك أن انفصال الأب عن الأم يعنى إمكان أن يتزوج بأخرى. وتتصور حبيبة أن الأب شرير لا يحب ابنه “الناس دول وحشين بيقول على ابنه وحش عشان هو شرير ما بيحبش الأم ولا بيحب ابنه“
وتظل حبيبة تتصور أن الأم ليست سعيدة بغياب الأب. عند الحديث عن الكلب الجالس القرفصاء يحمل صغيرًا على رجليه, تقول عن الصورة “كلبة والكلب الصغير .. بتخليه يعمل حمام .. وهو فرحان عشان مامته بتحبه عشان هي مامته .. وماما زعلانة عشان هي قاعدة تعبانه ومالهاش حد عشان بابا قاعد في بيته في حتة تانية“.
ويزداد إدراك معنى الصراع لدى الأكبر سنًا. ولا بد أن هذا الإدراك يتأثر بسياق الصراع في كل حالة. فقد تكون الصورة لدى بعضهم أن الأم هى سبب الصراع. هكذا تدرك ندا ذات الثمانية أعوام في صورة شد الحبل أن الأب هو الذى بجانب الصغير والأم هى البعيدة، وأن “الأم شادة ديل الأب والأب زعلان وهيقعد يعيط أكيد“. لكنها تتصور أيضًا أن “الأم هيصعب عليها الأب هتروح سايباله ديله“.
ويتناول بعضهم الوجه الآخر للصراع، فيتكلم عن متعة الجلوس مع الأب. تقول رنا عن صورة الأسد “الأسد قاعد على الكرسى زعلان وابنه قاعد فرحان عشان معاه باباه” ويتكرر المعنى مع الحديث عن حاملة السلة “الابن فرحان عشان راكب عجلة والبنت فرحانة عشان ماشية مع مامتها والأم فرحانة ماشية مع أولادها.. هيروحوا يناموا وبعدين يصحوا ويفطروا ويتغدوا ويتعشوا“. ولكنها تتذكر الأب الذى لا تكتمل المتعة إلا بوجوده فتقول “وباباهم في البيت“.
ولدى الطفل إبراهيم، وهو أيضًا ذو ثمانية أعوام، صورة واضحة عن الصراع تتضح من حكايته عن حاملة السلة. يقول إبراهيم “الأم زعلانة واللى مزعلها الأب.. والبنت الكبيرة زعلانة عشان الأب مزعل الأم .. والبنت الصغيرة زعلانة عشان الأب مزعل الأم“.
ومع تقدم عمر الأطفال تتضح لديهم مشكلات الصراع الفرعية بما في ذلك الصراع على حضانتهم. كان أوضح تعبير عن ذلك ما قالته الطفلة آية, ذات الإثنى عشر عامًا، عن صورة شد الحبل. قالت آية “الأم وجنبها ابنها والأب بعيد وقاعدين بيتخانقوا .. الأم زعلانة عشان الأب عايز ياخد ابنها منها وهى مش راضية والأب شكله فرحان .. مش عايش معاهم.. عايش لوحده وهما كمان عايشين لوحدهم .. الابن زعلان عشان مش عاوز باباه ياخده .. عايز مامته“.
هكذا يمكن القول بأن الطفل اعتبارًا من سن السابعة تكون لديه صورة واضحة عن طبيعة انفصال الأم والأب بما يسمى الطلاق، وفى سن الثانية عشر يمكن للأطفال أن يدركوا تفاصيل الصراع.
٥ – 4 رغبة دفينة في عودة الوئام
تعكس استجابات كثيرة رغبة دفينة لدى الأطفال فى عودة الوئام. مثال ذلك استجابات الطفل معتز. عن الصورة الأولى التى لا تحتوى غير الصغار يحكى هذا الطفل عن أسرة متكاملة من أب وأم وأطفال ويقول “عصافير وأسرة سعيدة بياكلوا .. وديك بيصيح“. وعن صورة النمر (يظنه الأسد) يقول أن الأسد يحاول اصطياد الفأر لكنه لن يستطيع ويضيف أنهم يمكن أن يتصالحوا “الأسد مش حيمسكه عشان الفار له جحر وأسرع من الأسد والأسد تخين شوية وهيزهق وممكن يسيب البيت للفار .. وممكن يتصالحوا الفار والأسد لو الأسد غلب وممكن ينام جنبه كمان“. هكذا يبدو شرط الصلح صيانة ماء وجه الأسد فلا يصمم الفأر على أن يغلبه مع أنه يستطيع بصغر حجمه وقدرته على الاختباء في جحره.
مثل تلك الصداقة بين كائن صغير وحيوان قوى كالأسد يتصورها أيضًا الطفل حسام ذو التسع سنوات. وهو لا يتصور الكائن الصغير فأرًا بل قردًا ويقول عنه أنه “قرد فرحان عشان قاعد جنب الأسد وبعدين هيروح ياكل.. القرد الصغير هياكل مع الأسد .. هو صاحبه “. هذه استجابات تحمل معنى رمزياً لعلاقة الأب بالطفل وتعبر عن تمنى الطفل أن يحظى برعاية الأب.
ويقدم الطفل حسن ذو الثلاثة عشر عامًا تصورًا جديرًا بسنه وتعبيرًا واضحًا عن رغبة لاشعورية في لم شمل الأسرة. يقول عن الصغار فى الصورة الأولى هناك “فراخ بياكلوا .. أبوهم معاهم.. بيت وولد والأم معاهم .. فرحانين .. قاعدين بياكلوا وبعد كده يجروا ويقعدوا ويناموا ويلعبوا .. باباهم مش بياكل معاهم عشان هو شبعان .. والأكل مكفيهم“.
هذا الطرح بشكل عام يبدو تعبيرًا عن سلام داخلى وتصالح مع العالم، قد يكون نابعًا من أوضاع خاصة يعيشها هذا الطفل. ربما يعيش في كنف أم وأقارب يعطونه من الأمن ما يحتاج إليه، لكن تظل هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها وهى أن هذا الطرح نابع من التمني في المقام الأول. وبهذا فهو لا ينفى افتقاد الطفل للأسرة المتكاملة، وإنما يؤكده.
٥ – ٥ الصراع والخوف والعدوان
بخلاف تصور الطفل معتز لصداقة الأسد والفأر وتصور الطفل حسام لصداقة الأسد والقرد كانت هناك تصورات أخرى. تحدثت الطفلة نوران عن صورة النمر قائلة أنه يجرى وراء القرد ليأكله، وتصور حالة الصراع بينهما “نمر يجرى وراء القرد عاوز ياكله .. القرد بيجرى هيطلع على الشجر ومش هيلاقيه .. يقعد يدور عليه وأول ما يلاقيه يروح واكله أو يهرب منه تاني“. وهكذا صراع لا يتوقف ولا فكاك منه.
ويقول الطفل معتز عن صورة النمر أن هناك غابة ونمر يطارد فردًا ليأكله. “غابة وده نمر بيجرى ورا فرد عشان ياكله .. هيطلع على الشجرة والنمر هيفضل ينط عليه والنمر مش هيعرف ينط عليه ومش هياكله. والأسد هيروح بيته ويقول ما عرفتش أجيب أكل ويناموا من غير عشا وبعدين يطلع يصطاد غزالة أو زرافة ويجيبها وياكلوا ويناموا“. ربط بين النمر والأسد ومطاردة لا تهدأ، وقد تفشل يومًا لكنها تستأنف بلا هوادة حتى تنجح.
تحدث الطفل عبد الراضى عن صورة النمر قائلاً أنه يريد أن يأكل القرد. ويصور حالة من الصراع بينهما “نمر عاوز ياكل ..القرد هيجرى منه على بيته والنمر هيدور على واحد غيره مش هياكله عشان هيهرب منه يطلع فوق شجرة يستخبى والنمر يقعد يدور عليه“. الصراع هنا ليس عملية عابرة بل هو صراع مقصود ومستمر لن يتوقف.
وعن نفس الصورة يقول الطفل حسام أن أسدًا يريد أن يأكل قردًا، ومرة أخرى يهرب القرد منه فوق شجرة ويظل الأسد ينتظره تحت الشجرة. هذه أمثلة، والحقيقة أن تصور بقية الأطفال يتناول نفس العلاقة بين القوى والضعيف كعلاقة قوامها صراع عدواني لا مجال فيه لأى مصالحة. وكأن القاعدة هى أن القوى يفترس الضعيف إذا تملك منه.
هذا تصور ذهنى مخيف، لا ينطبق إلا على مجتمع بدائى تسوده علاقات القوة البدنية وحدها بما يجعله أقرب إلى الغابة. وينبع هذا التصور من ظروف القهر والحرمان التي فرضت على الطفل فرضًا, من أقرب الناس إليه. وهو يؤدى إلى تشوه البناء النفسي للطفل حيث يشعر بخوف دائم وينعدم لديه الشعور بالأمن.
٥ – ٦ الجوع العاطفى
يعبر الطفل حسن فيما حكاه عن صورة شد الحبل عن خوفه من فقدان الأسرة. قال في حكايته “بيلعبوا وياكلوا ويناموا فى الشارع .. معندهمش بیت .. بيناموا جنب شجرة“. وليس في الصورة شارع ولا أشجار وإنما هو تعبير لاشعورى يسقط به الطفل مشاعره على الصورة.
وعن صورة النمر يقول نفس الطفل أن النمر جائع ويطارد قردًا ويريد أن يأكله. “القرد هيجرى يطلع شجرة والنمر هيفضل يجرى وراه والقرد يقعد فوق خايف ينزل .. النمر هيحاول يطلع مش هيعرف يطلع .. والنمر جوعان عاوز ياكل القرد وممكن ياكل القرد والقرد عمال ينط من شجرة لشجرة تانية. النمر يجوع ويشوف أى حاجة تانية ياكلها“.
ويتحدث نفس الطفل عن صورة القردين الكبير والصغير فى صورة القردة، ويقول أن الصغير خائف وجدته تصرخ في وجهه لأنه أخذ شيئًا من وراء ظهرها, كان معدًا للأكل فأكله هو “عمل حاجة غلط خد حاجة من وراهم حاجة ياكلوها هو أكلها عشان كده بتزعق له“.
هذا الحديث المتكرر عن الجوع ثم الحديث عن سرقة الطعام, يعكس شعور الطفل بحالة من الجوع. وإذا ربطنا بين هذا الشعور وبين افتقاد الطفل للأسرة الذى سبق أن عبر عنه فيجب أن نستنتج أن جوعه ليس بالضرورة جوعًا إلى الطعام فقط بل هو أيضًا جوع عاطفي. ومثل هذا الجوع المادى والعاطفى لا بد أنه عنصر مشترك لدى جميع الأطفال حيث لا تخلو استجاباتهم جميعًا من حديث مماثل ومتكرر عن الطعام.
٥ – 7 الوحدة وافتقاد الحب والأمن
يقول الطفل عبد الراضى عن صورة الحجرة ذات السريرين أن السرير الصغير ينام فيه طفل يصحو فلا يجد أمه أو أباه. وهما لم يهجراه بل تركاه فقط إلى أعمالهما غير أن هذا يتكرر كل يوم. يقول الطفل “سرير نايم فيه عيل صغير وبابا وماما فى الشغل، لما يصحى يدور على أمه وأبوه ويعيط عشان مشيو أو مش هيعرف أمه وأبوه فين … ويستنى لما ييجو يقول لهم اتأخرتوا غبتوا ليه .. يناموا ويصحوا ويروحوا تانى الشغل والصغير يقول خدوني معاكم ويقولوله ما ينفعشى ويسيبوه يقعد يعيط“. هذه الحكاية تعكس خوفًا من الانفصال أو فقدان الأب والأم.
وتقول الطفلة آية عن نفس الصورة أن هناك سريرًا صغيرًا ينام فيه طفلان صغيران وأن السرير الكبير للأبوين لكنهما غير موجودين “سرير مليان أطفال .. سرير صغير .. الأطفال أخوات اتنين نايمين والشباك مقفول ماما هى اللى قفلته .. السرير الكبير لمامتهم وباباهم .. مش موجودين راحوا الشغل والطفلين قاعدين لوحدهم هيرجعوا لما يخلصوا شغل الصبح وبعدين هياكلوا ويناموا ويصحوا ويروحوا الشغل“. وهكذا يذهب الأبوان إلى العمل وهو ضرورة ويتكرر بقاء الطفلين وحدهما. دائرة مفرغة تعكس شعورًا بالوحدة التى يتعرض لها الأطفال بسبب فقدان الأم والأب. وهى وحدة لا بد أن تسبب حالة من الخوف لدى الأطفال كما تعنى افتقاد مصدر الحب والأمن والدفء.
6 – نظرة تفسيرية عامة
في الموقف الإسقاطى يعبر الطفل عن أخاييل مشابهة لتفكير الانسان البدائي، ويلجأ غالبًا إلى الإسقاط حينما يخبر أحاسيس وإشارات غير سارة، إذ يلجأ لتحويل تلك المشاعر إلى العالم الخارجي. هذه عملية يحاول فيها الأنا أن يتخلص من أحاسيس غير مرغوبة واعتبارها خارج الأنا. ويستخدم الطفل هذه الحيلة لتعينه فى السيطرة على القلق والتخفف منه. وهكذا يتخلص من الصراعات العميقة التي يشعر بها بأن يسقطها على الصور التي قدمت له من خلال الاختبار.
من خلال القصص يعرض الطفل للضغوط التى ترجع الى النزعات الغريزية. والغالب أن يستجيب الأنا بالقلق, حين تهدد وجوده وتكامله أخطار تأتى من العالم الخارجي أو العالم الداخلي. ويكفى التهديد الواقع من جراء انفصال الأب والأم تجسيدًا لمثل هذه الأخطار. وقد اتضح وجود خبرات مشحونة انفعاليًا، ظهرت أحيانًا بشكل صريح وأحيانًا بشكل رمزى فيما أسقطه الأطفال على الصور التي عرضت عليهم. ولجأ الطفل إلى وضع نهايات سعيدة للقصص المؤلمة التي يعيشها فى حياته. مع تباين الاستجابات تبعًا للمرحلة العمرية.
تميزت استجابات الأطفال الصغار، الأقل من ٦ سنوات، بالخوف من فقدان الأم باعتبارها موضوع الحب الأول فى حياة الطفل. أما الأطفال في سن ٦ – ١٣ سنة فلديهم حصيلة أكبر من الرموز والألفاظ. وفى هذه المرحلة العمرية يكونون قد تعلموا تصور الأشياء, ويستطيعون بالتالي أن يرمزوا في غيبتها إلى عالم الأشياء برمته وما ينطوى عليه من علاقات. وهكذا كانت استجابات أطفال العينة في هذه المرحلة العمرية أكثر ارتباطًا بالواقع وأقل تحريفًا. أسقطوا مشاكلهم الحياتية على القصص وكان غياب الأب والرغبة في تواجده هو الموضوع الغالب. وكانت النهايات السعيدة للقصص، حيث تواجد الأب مع الأسرة، تعبيرًا عن تلك الرغبة.
7 – ماذا يفعل الآباء بأبنائهم
الآن نسمى الأشياء بمسمياتها. ثمة تشوه نفسى يعانى منه الأطفال في الأسر التي تفككت بالطلاق. مرجع ذلك التشوه ما يعانونه من جوع وحرمان عاطفي. وهم يعانون بدرجات متباينة بطبيعة الحال وبالتالي يحدث التشوه أيضًا بدرجات متباينة، ويقل نوعًا ما حيثما يجد الطفل قدرًا من التعويض عما يعانيه من حرمان. ويتمثل التشوه فى علل نفسية كثيرة، كالخوف والاكتئاب 20، وتنعكس على سلوكياتهم في صورة الانطواء والعزلة أو فى صور العنف والعدوان. ولا تظهر السعادة إلا كنهايات متخيلة لرجوع الأب واكتمال الأسرة من جديد.
نتساءل متى يدرك الطفل حقيقة انفصال أمه عن أبيه. وتجيبنا عينة البحث الرئيسية، إذ تشير إلى أن معرفة الأطفال بحقائق الانفصال تبدأ فى سن الثالثة، إذ يعرف ٣٥% من أطفال العينة ممن هم في ذلك السن أن أبويهم منفصلان. وتزداد تلك النسبة حتى تصل إلى ٧٧% تقريبًا في سن الخامسة (أنظر الجدول رقم ۲) وهم بالطبع لا يدركون تمامًا في هذه السن معنى الانفصال فضلاً عن أسبابه. لكنهم يعرفون الحقيقة حين يلاحظون أنهم لا يرون آباءهم في البيت يوميًا، بل يرونهم فقط في أماكن أخرى وفى أوقات معينة. وهنا يبدأ شعورهم بأنهم مختلفون عن سائر الأطفال. ومن هنا تبدأ المخاطر.
الجدول رقم ٢
مدى معرفة الأطفال الصغار بحقيقة انفصال الأبوين
عمر الطفل |
العدد الكلي |
يعرف |
لا يعرف |
||
عدد |
النسبة |
عدد |
النسبة |
||
3 سنوات |
20 |
7 |
35.0% |
عدد |
65.0% |
4 |
22 |
9 |
40.9% |
13 |
59.1% |
5 |
26 |
20 |
76.9% |
13 |
23.1% |
الجملة |
68 |
36 |
52.9 |
6 |
47.1% |
يبين الجدول رقم (۳) حالات الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة، ويعرض بعض المخاطر التي يتعرضون لها فى حالة الطلاق. ومن ذلك الجدول يتبين أن 70% ممن يدركون معنى الشجار شاهدوا مشاجرات الأم والأب قبل الانفصال. ولا بد أن يشعروا حينئذ أن العالم ينهار من حولهم، وأن يفقدوا الشعور بالأمن.
وبعد الانفصال تحدث مضاعفات أقلها اضطرار الطفل لترك المدرسة، وقد تركها بعد الطلاق 18.2% ممن لم يكونوا فى المدرسة وهم فى سن المدرسة. وكان ٣٧ طفلاً يمثلون 67.3% من نفس الفئة يعملون، منهم ۱۸ (32.7%) تركوا المدرسة بسبب العمل، ومنهم ٢٧ (49.1%) تركوا المدرسة ليساعدوا أمهاتهم فى تغطية نفقات الحياة، وكان بعضهم مضطرًا لذلك حتى قبل الطلاق. ويصبح قدر الطفل الذى يترك المدرسة ليعمل ويعول أمه ألا يتمتع بطفولته, وأن يحرم من مظلة الأمان والحب الأبوى، ويعيش أدوار الكبار وهو لا يزال عودًا طريًا معرضًا للانكسار.
والمتعارف عليه أن المجتمع يوفر حماية للطفل عند الطلاق، وينظم حدا أدنى من الرعاية يفرضها على الأب (باعتباره عائل الأسرة) أو تقدمها الدولة بشكل مباشر أو يقدمها أهل الخير. لكن مظلة الحب الأبوى ليس من السهل تعويضها، ومهما يكن ما يوفره المجتمع من رعاية، يبقى لدى الطفل فراغ كبير أو صغير لا يمكن ملؤه. وتتفاقم المشكلة بسلوكيات بعض الكبار, الذين يفترض أن يكونوا جميعًا حريصين على حماية الطفل من الاستغلال وسوء المعاملة. لكن الكبار أنفسهم يعانون من كثير من الانحرافات. وحتى الآباء يشاركون في تعاسة أبنائهم.
الجدول رقم 3
خبرات لأطفال الطلاق حتى ١٢ عامًا
-
بيان
191
النسبة
العدد المقارن
يعرفون أن هناك انفصالاً
164
78.0%
245
شاهدوا المشاجرات
55
69.5%
236
ليسوا بالمدرسة
10
15.9%
345
تركوا المدرسة بعد الطلاق
108
18.2%
55
يأخذ مصروفًا يوميًا
37
67.9%
159
يعملون
18
67.3%
55
تركوا المدرسة بسبب العمل
27
32.7%
55
تركوا المدرسة ليساعدوا أمهاتهم
183
49.1%
55
لا يراهم الأب بانتظام
129
57.0%
321
لا يدفع نفقتهم بانتظام
117
45.1%
286
لا يستجيب لطلباتهم ويكتفى بالنفقة
191
49.8%
235
تشير البيانات إلى أن ٥٧% من الأطفال حتى سن الثانية عشرة لا يحرص آباؤهم على رؤيتهم بانتظام (الجدول السابق). وبينما يحق للأطفال بحكم القانون أو بالاتفاقات الودية أن يحصلوا على نفقة شهرية من الأب، لا يدفع الآباء تلك النفقة بانتظام فى 45.1% من الحالات. وهى نفقة هزيلة فى معظم الأحيان لا تزيد عن ۲۰۰ جنيهًا فى حوالي ٧٥% من الحالات (أنظر الجدول رقم ٤)، وقد يخص هذا المبلغ أكثر من طفل، وهو لا يمكن أن يغطى نفقات طفل واحد إذا كان المجتمع حريصًا على أن يوفر له حدًا أدنى من الغذاء والكساء والتعليم والرعاية الصحية، كي ينشأ مواطنًا سويًا منتجًا ومفيدًا لنفسه وللمجتمع.
وهناك حالات قليلة تحصل على مبالغ أكبر لنفقة الأطفال. ومن الفئة التي تحصل على أكثر من ٣٠٠ جنيهًا توجد حالة واحدة تبلغ فيها النفقة ۲۰۰۰ جنيهًا شهريًا وحالتان تحصلان على ٦٠٠ جنيهًا، وهذه حالات لم تتقرر لها قيمة النفقة بحكم محكمة بل اتفق عليها الأطراف في تسويات ودية. وهذا يعنى أن هناك من يحاولون الوفاء باحتياجات أطفالهم بقدر استطاعتهم, غير أن الطلاق عبء على كل أطرافه، وهو يؤدى إلى إعادة توزيع الفقر فيما بينهم.
الجدول رقم ٤
النفقة التي يحصل عليها الأطفال
المبلغ |
عدد الحالات |
النسبة % |
النسبة التراكمية |
٥٠ جنيهًا فأقل |
9 |
7.5 |
7.5 |
٥١ – ١٠٠ جنيه |
41 |
34.5 |
42.0 |
۱۰۱ – ۲۰۰ جنيه |
39 |
32.8 |
74.8 |
٢٠١ إلى ٣٠٠ جنيه |
17 |
14.3 |
89.1 |
أكثر من ٣٠٠ جنيه |
13 |
10.9 |
|
الجملة |
119 |
100.0 |
هذه هي الحالات التي أفصح فيها المستجيبون عن مبالغ النفقة
8 – خاتمة
يتعرض أطفال الطلاق لتشوه نفسى بدرجات متباينة. وهم يتعرضون للضغوط التي تسبب ذلك التشوه وهم لا يزالون أصغر من أن يستوعبوا أو يقاوموا ويقول تراث علم النفس أن فرص التشوه يتعرض لها الأولاد فى سن ۹ – ۱۲ أكثر ممن يصغرونهم سنًا. والسبب أنهم في هذه الفترة من العمر يحتاجون إلى التوحد النفسى مع صورة الأب. وإذا كانت تلك الصورة ليست ناصعة فهنا فرصة التشوه. والبنت فى نفس السن تفتقد الأب أيضًا لأنها فى هذه الفترة من عمرها تعيش المرحلة الأوديبية التى تنجذب فيها البنت إلى أبيها، فإذا غاب أبوها فهي عرضة هي الأخرى لتشوه بنائها النفسي.
يؤدى التشوه إلى نتائج كثيرة تتوقف على الظروف التى يمر بها الطفل في المراحل التالية من حياته. وسيكون ثمن تلك التشوهات باهظًا فى المستقبل. لا نستطيع حساب قيمته, لأننا لا نستطيع أن نتنبأ بما سيؤدى إليه التشوه النفسى. قد تنتج هذه التشوهات منحرفين ومجرمين، يصبون عدوانهم على المجتمع الذى حرمهم من طفولتهم. وظهور العنف والعدوان هو نتيجة طبيعية للضغوط المصاحبة التى تحيط بالطفل والحرمان الذى يعانيه، سواء الحرمان المادى أو العاطفى. والنهايات السعيدة التى وضعوها لقصصهم ليست سوى أمنيات ليت المجتمع يتنبه إليها قبل فوات الأوان.
ومن نافلة القول أن الشعوب التى تقدمت تعالج مشكلاتها بعقلانية، بناء على نتائج البحوث العلمية، وها نحن نرى مؤشرات تحذرنا من المستقبل وليس أمامنا غير أن نتعامل مع نتائج البحوث ونأخذ مؤشراتها بجدية.
19- أعد هذا الجزء من الدارسة الدكتورة سلوى عبد الباقي
20- لم يتضمن الاختبار فى هذه الدراسة حالة الاكتئاب، ولكنه يمكن استنتاجه من استجابات الأطفال. والمعروف في علم النفس أن الاكتئاب ليس من أمراض الصغار، ولكن دراسات سابقة كشفت عن وجوده بنسبة عالية بين أطفال المدارس الابتدائية. وكان للباحثة دراسة رائدة في هذا الموضوع. أنظر: سلوى عبد الباقى (۱۹۹۲)، الاكتئاب بين أطفال المدارس. دار النهضة العربية، القاهرة.
ننظر الآن إلى تكاليف الطلاق من زاوية أخرى، في محاولة لإعادة ترتيب العوامل التي تؤثر عليها وتصنعها. من هذه الزاوية يمكن القول بأن العامل الرئيسي هو بطء القانون وجموده. وحين يتعلق الأمر بتغيير القانون ثمة عوامل تعوق ذلك التغيير ويمكن إجمالها في تردد الدولة وتذرعها بنقص الموارد, وانقسام المجتمع وتعدد ثقافاته. وهكذا يتلخص الموقف في مسئولية القانون عن التكاليف، والحوافز والمعوقات الاقتصادية فى طريق تعديل القانون.
۱ – مسئولية القانون عن تكاليف الطلاق
تنبع مسئولية القانون عن تكاليف الطلاق من بطء إجراءات وتقادم نصوصه التي لم تعد تتسق مع ما طرأ على المجتمع من تغير خلال أكثر من ثمانين عامًا مضت منذ صدر القانون. يترتب على هذا نشوء ثغرات يتم استغلالها لإعاقة حسم النزاع وإطالة فترات التقاضي. وعندما ينتهى نظر القضايا بعد سنوات تكون قيم النفقة المحكوم بها مبالغ هزيلة ربما تتسق مع الأوضاع الاقتصادية التي كانت سائدة منذ ثمانين عامًا لكنها لا تتسق مع الأوضاع الاقتصادية الراهنة. وتحت ضغط المعاناة التي تصاحب بطء الإجراءات، ومع توقع الحصول في النهاية على أحكام النفقة الهزيلة، تضطر معظم النساء للتنازل عن حقوقه. ولا يتم هذا في غياب القانون بل تحت مظلته.
لم تزد رسوم التقاضي وأتعاب المحامين عن 77.5 مليون جنيهًا، كما نتبين من الدراسة. لكن تكاليف فترة التقاضي بلغت 1.88 مليار جنيهًا، وبلغت تكاليف فترة النزاع قبل التقاضي 1.82 مليار جنيهًا تقريبًا. معنى هذا أن بطء الإجراءات وانخفاض كفاءة الجهاز القانوني في حسم النزاعات مسئول عن حوالى 3.8 مليار جنيهًا من جملة التكلفة. وهذا يزيد عن نصف التكاليف الظاهرة التى كانت جملتها ٧ مليارات. ولا تقف مسئولية القانون عند هذا الحد بل تمتد إلى المضاعفات التي تترتب بعد الطلاق. وتتمثل تلك المضاعفات فيما يخسره المجتمع نتيجة تدهور معيشة المطلقات وأطفالهن. وكما تشير الدراسة كانت قيمة هذه المضاعفات 1.34 مليار جنيهًا سنويًا لمدة ١٢ عامًا.
وبخلاف التكلفة الظاهرة هناك التكاليف الخفية، ومسئولية القانون عنها أيضًا شديدة الوضوح. ويكفى أن أكثر من 77% من النساء يتنازلن عن حقوقهن للحصول على الطلاق. ولا يحدث هذا التنازل تطلعا إلى فرص الزواج الثاني، ولا لأن لدى هؤلاء النساء ثروات يسعين للاستئثار بها من دون الأزواج. وقد تبين من الدراسة أن أقل من ١٥% من المطلقات يتزوجن مرة أخرى، وأن معظم المطلقات يتدهور مستوى معيشتهن بعد الطلاق. والأرجح أن هذا التنازل عن الحق تعبير عن فقدان الأمل فى عدالة ناجزة تنهى حالة المعاناة المريرة.
بفقدان هذا الأمل لا يتنازل عن حقه من يتنازل فقط، بل يتردد كثيرون غيرهم من أصحاب الحق في اللجوء إلى القضاء، بينما يصبح المعتدون أكثر عدوانية، ويصبح العدوان أكثر عنفًا. ويترتب على عجز القانون وجموده أن يتمادى أصحاب النوايا السيئة في سلوكياتهم الضارة بالمجتمع، فلا يدفعون لأطفالهم بانتظام ذلك الفتات الذى يسمى النفقة. ولنفس الأسباب قد لا ينتهى النزاع بعد انتهاء نظر القضايا، بل يمتد ويتحول إلى حرب انتقامية، يصبح الأبناء وقودًا لها. ويصل الأمر ببعض الآباء ألا يروا أطفالهم. ولا بد أن تترك هذه المعاناة أثرًا لا يمحى على الأطفال تطيل معاناتهم على مدى حياتهم كلها. وينطبق هذا خاصة على من يحرم من التعليم أو يتشوه بناؤه النفسي.
وكلما تأخر تعديل القانون لتبسيط إجراءاته وإلغاء التمييز بين الرجل والمرأة، فسيظل المجتمع يتحمل مزيدًا من الخسائر، وستصل التكلفة النهائية إلى أضعاف قيمتها المقدرة في هذه الدراسة. وقد كانت أفضل التسويات بين الأزواج تلك التى تمت وديًا خارج نطاق القانون. مثل هذه التسويات أعفت أصحابها من تكاليف النزاع والتقاضي، وأتاحت لهم بدلاً من هذا العناء سنوات من العيش فى سلام يمكنهم فيها أن يعوضوا ما فاتهم ويعيدوا بناء حياتهم.
معنى هذا أن ثقافة المجتمع ليست كلها من طراز متخلف وعدواني، وأن هناك ثقافة بديلة تتبناها فئات من مجتمعنا ذاته، يمكن التطلع إليها لإعادة صياغة حياة هذا المجتمع. وتحتاج تلك الثقافة إلى تسليط الضوء عليها وتشجيع انتشارها.
٢ – في الطريق إلى تغيير القانون
لا يستمد القانون مبادئه من فراغ بل يستمدها من المجتمع نفسه. ويلعب القانون دوره من خلال منظومة للحوافز ليست بالضرورة حوافز إيجابية تكافئ من لا يخالفونه، بل لا بد أن تكون في الأساس حوافز سلبية تعاقب المخالفين الذين يفترض أنهم أقلية. والحوافز كلها اقتصادية، سواء كانت تتعلق بالجوانب المالية في قضايا الطلاق أو بجوانب غير مالية. وحتى العقوبات غير المالية هى حوافز ذات أثر اقتصادى، فهى تستقطع من وقت من تفرض عليه ومن جهده ورفاهيته. وعلى الناشطين من أجل تغيير القانون أن يتحركوا في مختلف الاتجاهات, آخذين فى الاعتبار منظومة الحوافز كلها، وأثرها على كفاءة إدارة الموارد. والكفاءة بالمعنى الاقتصادى هى تحقيق الهدف باستخدام أقل قدر ممكن من الموارد مع الحرص على تحقيق أعلى جودة ممكنة.
٢ – ١ كفاءة الدولة في إدارة الموارد
تتحمل الدولة أكبر المسئولية عن تأخر تعديل القانون، ومن المبادئ المستقرة أن الدولة ولى من لا ولى له. بموجب ذلك المبدأ يتعين على الدولة أن توفر الرعاية للمتضررين لا بإعطائهم مبالغ هزيلة لا تسد الرمق بل بإعطائهم معاشات حقيقية تضمن لهم حدًا أدنى من الحاية الكريمة. وغالبًا ما تتذرع الدولة بنقص الموارد، لكنها ذريعة تسقط لو ارتفعت كفاءة إدارة الموارد. والمشكلة أن الدولة حين تتحدث عن نقص الموارد تستند إلى التوازنات القائمة، في حين أنها يجب أن تعمل على إيجاد توازنات جديدة.
الموارد قليلة في ظل التوازنات الحالية. ويقصد بذلك التوازنات التي تنتجها السياسات المتبعة. في ظل تلك السياسات يحقق المجتمع نموًا فى حدود معينة، وتتحقق للدولة إيرادات في حدود لا تستطيع تجاوزها. ولكن تغيير السياسات يؤدى إلى تغيير آفاق النمو وفتح آفاق جديدة للمجتمع والدولة معًا. وفى حدود الدراسة الحالية المتعلقة بالطلاق، يكفى تعديل القانون الذي يحكم العلاقات الأسرية، بما يكفل سرعة حسم النزاعات, وتحقيق العدالة دون تمييز بين الرجل والمرأة، والاعتراف بما طرأ على المجتمع من تغير منذ صدرت مجموعة قوانين الأسرة في القرن الماضي، مع فرض احترام الأحكام وعدم التلاعب أو المراوغة فى تنفيذها. وسيتحقق بذلك خفض كبير في التكاليف التى يتحملها المجتمع، وهو ما يعنى توفير ما يتم إهداره الآن من موارد، وهذا مثال لإدارة موارد المجتمع بكفاءة أعلى.
خفض مدد النزاع والتقاضى إلى النصف فقط يحفظ للمجتمع ما يعادل ٢ مليار جنيهًا مما يتم إهداره الآن. وتحقيق خفض أعلى فى مدد النزاع يوفر موارد أكثر. وإذا أديرت هذه الموارد التى يتم توفيرها بكفاءة فسوف يمكن أن تتحول إلى استثمارات تساهم في التنمية ويتولد منها مزيد من الموارد. وهذا جانب مما يمكن عمله فى اتجاه تحقيق توازنات جديدة. ومن الناحية الاقتصادية يمكن أن يتحقق التوازن عند مستوى معيشة منخفض ومستويات أداء متدنية. وفي مثل هذا التوازن تنخفض الطموحات ويتطلع الناس إلى أجور منخفضة ولا تتحقق سوى استثمارات قليلة، وينخفض الاستهلاك ونقل الرفاهية. ويمكن بالطبع أن يتحقق التوازن عند مستويات معيشة أعلى وفى ظل تطلعات أرقى.
يبقى جانب آخر للآثار التي يمكن أن يحدثها تغيير القانون، وهو دفع الناس لرفع كفاءتهم في إدارة نزاعاتهم. ومجرد الشعور بأن القانون حازم وأنه يحقق عدالة ناجزة بلا إيطاء, ولا يسمح بالظلم أو بضياع الحقوق، يمثل حافزًا للناس لإقامة علاقاتهم على أساس من الاحترام المتبادل للحقوق والواجبات. وهذا الاحترام المتبادل يدفع الناس إلى البحث عن حلول ودية لنزاعاتهم، وهو ما يكمل دور القانون ويقلل ما يتم إهداره من موارد المجتمع في نزاعات يمكن وضع حد لها.
وبغض النظر عن التكاليف الخفية، فإن قيمة الجزء الظاهر حتى الآن من تكاليف الطلاق ليست هينة. وهي تمثل بالتقدير المتواضع الحالى ١.٢% من جملة الناتج القومى بالأسعار الجارية. وانخفاضها إلى النصف فقط يرفع معدل نمو الناتج القومى بمقدار 0.5 نقطة مئوية. وهذا نوع من الكفاءة في إدارة الموارد. وهكذا يمكن مخاطبة الدولة بشأن تغيير قوانين الأسرة أخذًا في الاعتبار ما يمكن تحقيقه من خفض فى التكلفة التى يتحملها المجتمع في ظل التوازن القائم، وأثر هذا الخفض في بناء توازن جديد.
٢ – ٢ كفاءة المجتمع في إدارة موارده
تتحدد كفاءة المجتمع فى إدارة موارده بنوعية الثقافة السائدة فيه. وثقافة المجتمع لها تأثير مضاعف، فهى من ناحية، تؤثر مباشرة على إدارة الموارد التي يملكها الناس ويسيطرون عليها ويديرونها بأنفسهم. وفى حدود ما يتعلق بحالات الطلاق، يعتبر الطلاق نتيجة لعدم التوافق بين الأزواج. ولا ينشأ عدم التوافق بعد الزواج، بل يكون فى الغالب موجودًا من البداية، ولا يتم اكتشافه بسبب قيم وعادات وتقاليد تؤدى إلى تقليل فرص الاختيار الحر. ويمكن القول بأن جزءًا كبيرًا من التكلفة هو في الحقيقة تكلفة الجمود الثقافى، وسوء اختيار شريك الحياة، وتعسف الرجل في استخدام سلطته.
وهكذا لا يؤثر القانون وحده على تكلفة الطلاق. وقد كانت إطالة النزاع والمراوغات والمناورة كلها سلوكيات اجتماعية، تكرسها ثقافة المجتمع من ناحية، وتسمح بها ثغرات القانون وفلسفته وصياغاته من ناحية أخرى. وتغير ثقافة المجتمع هو بالتالى شرط ضروري لتغير القانون وشرط ضرورى أيضًا لتقليل المنازعات. واتجاه التغير الثقافى يحدد اتجاه تغير القانون, ويحدد أساليب حل المنازعات. وبتغير ثقافة المجتمع يمكن أن يتوفر مناخ أكثر ملاءمة لتعارف الأطراف قبل الزواج, فى إطار من الحرية والتسامح والثقة فى الأفراد الراشدين، والاعتراف بحقهم في الاختيار. ومع أن القانون الحالي يعترف بفترة الخطبة لكن ثقافة المجتمع هي التي تحدد مضمون تلك الفترة ونتائجها. ولأن المجتمع لا يتبنى ثقافة موحدة، تتباين فرص الأفراد ومدى الحرية المتاحة لهم للتعارف خلال تلك الفترة.
توفر حرية كاملة فى الاختيار ليزيد التوافق بين الأزواج، وتقل فرص الفشل وتنخفض بالتالي معدلات الطلاق وتكاليفه. والحوافز الاقتصادية يجب أن تكون واضحة في هذا السياق. فالزواج ارتباط طويل الأجل، يتجه أطرافه إلى الاستثمار فيه لكى ينجح، واستثماراتهم فيه تتمثل في تضحيات متبادلة، تبنى على المراهنة على النجاح. وهى مراهنة مبنية على فهم كل طرف للآخر. وعندما يفشل الزواج بعد سنوات من انعقادة يخسر الأطراف ما استثمروه. والخاسر الأكبر هو الذي قدم تضحيات أكبر. ولا يعكس القانون الحالى شيئًا من هذا. وعندما تمارس المرأة حقها في الخلع مثلاً يطالبها القانون برد كل ما قدمه الزوج لها، دون أن يأخذ في الاعتبار ما قدمته هي من تضحيات.
لا يعكس القانون الحالى حقيقة ما طرأ من تغيرات فى نظم المجتمع، وما زال هذا القانون حتى الآن يبنى على تصور علاقة زوجية يقوم الزوج فيها بالإنفاق على الأسرة مقابل طاعة الزوجة وخدمتها له وللأطفال. وتترتب تفاصيل منها الصداق والنفقة عند الطلاق وليس منها دور الزوجة فى نجاح الزوج ونجاح أعماله، وهو دور تمثل العواطف فيه عاملاً أساسيًا، لكن أثر العواطف لا يؤخذ في الاعتبار.
والعواطف لا توجد في التحليل الاقتصادى بصورة مباشرة لكنها توجد فيه بصورة غير مباشرة. فالتحليل الاقتصادى يتناول سلوك الإنسان فى عمليات الإنتاج والاستهلاك، ولما كانت العواطف تؤثر على كل أنواع السلوك فهي إذن متضمنة في التحليل. والحوافز هي الأداة المباشرة أو التعبير المباشر عن وجودها فى كل نظام اقتصادى. وثقافة المجتمع مصدر للمبادئ القانونية، وهى الوسيط الذى يدمج الحوافز السلوكية فى النظام القانونى. وعلى أساس تلك الثقافة تتم صياغة القوانين كقواعد مرجعية يقرها المجتمع لتنظيم أوضاعه بما يعبر في النهاية عن طبيعة العلاقات الاجتماعية والقيم التي يرتضيها ويتبناها أغلبية الناس. وكلما تغير المجتمع كان من اللازم إدخال تغيرات فى القانون تجعله متسقًا مع الأوضاع المستجدة.
٢ – ٣ نحو توازنات جديدة
لقد تغير المجتمع بالفعل ولم يتغير القانون. ولذلك اختل التوازن الاجتماعي، وفي ظل هذا الاختلال يتصرف كل فرد حسب اقتناعه وبما يراه محققًا لمصالحه، ويزداد التحايل على القانون والخروج عليه. وارتفاع تكلفة الطلاق هو إشارة إلى ذلك الاختلال. وإذا كان للطلاق فوائد قدرت بما يعادل ١٠% من تكلفته، فهذه إشارة إلى التغير الذي نتحدث عنه. ما تتحمله المرأة والمجتمع من تكلفة للطلاق هو فى النهاية مقابل إقرار حق المرأة فى الاختيار. وتشير الدراسة إلى أن المرأة في حالات كثيرة هى التى تطلب الطلاق، وقد تطلب الخلع، وتتحمل تكلفة ما تطلبه، ويصل الأمر بها إلى التنازل عن حقوقها القانونية في سبيل ذلك. وضخامة التكلفة هنا تصبح إشارة إيجابية، تقول أن المرأة التى نتعامل معها الآن ليست المرأة التي يتحدث عنها القانون.
يفترض القانون امرأة خانعة ترتعد من صفة النشوز وتخضع لزوجها متنازلة عن كرامتها. ويشير الواقع إلى امرأة أخرى ترفض التعسف وتتمرد عليه وتدفع ثمن تمردها. وهو ثمن مرتفع بكل المقاييس، تؤكد ارتفاعه الحكايات الدرامية التى ترويها المطلقات. ومن هذه الزاوية يمكننا أن تنظر نظرة إيجابية إلى ما يجرى, فلا تخيفنا تكلفة الطلاق، وحكاياته الدرامية. وبدلاً من الخوف تلتقط إشاراته الإيجابية، لنجعل منها حافزًا إلى العمل.
المرأة التي يتحدث عنها القانون هي الآن مجرد امرأة افتراضية، تقبل علاقة مع رجل لينفق عليها. أما المرأة التي كشفت عنها الدراسة فهى تلعب دورها في الأسرة لا من خلال العواطف فقط بل بمشاركة مالية في الإنفاق، أو كعائل أساسى أو وحيد للأسرة. ولا توجد بيانات إحصائية توضح حجم مساهمات المرأة فى هذا السياق، لكن تلك المساهمات يمكن استنتاجها، فهي مشتقة من مجمل التغيرات التى جرت وتجرى فى المجتمع. والتغير لا يبدأ اليوم بل بدأ فعلاً منذ فترة طويلة وما زال مستمرًا. ومؤشرات هذا التغير شديدة الوضوح، نراها على الأقل في مجال التعليم وفي المشاركة في سوق العمل.
الآن لا تختلف نسبة الإناث فى التعليم عن نسبة الذكور، بمعنى أنه لا يوجد فارق إحصائي بين الذكور والإناث في الالتحاق بالتعليم، ويترتب على التعليم دخول سوق العمل. وبالتعليم وبدونه تزداد مشاركة النساء فى سوق العمل، ولكن يكفى الآن مؤشر التعليم. وقد كانت أعداد الطلاب فى المرحلتين الثانوية والجامعية كالأتى عام ٢006/ 2007.
الذكور |
الإناث |
|
٥٦١٤٨٩ |
٦١٢٣٢٢ |
في التعليم الثانوى العام |
١٨٢٣٤١ |
100151 |
الثانوى الأزهرى |
935182 |
٨٥٨٤٢٧ |
في التعليم الفني |
981302 |
899158 |
في التعليم الجامعي |
٢٦٦٠٣١٤ |
٢٤٧٠٠٥٨ |
الجملة |
ولإدراك أهمية هذه الأعداد ننسبها إلى أعداد الذكور والإناث في الفئة العمرية ١٥ –٢٤ سنة، وهى الفئة العمرية التي يجئ منها طلاب المرحلتين الثانوية والجامعية. ولم تتوفر بعد بيانات عن نسبة الذكور إلى الإناث في تلك الفئة العمرية لعام ۲۰۰٦. وفي حدود البيانات المتوافرة، كانت نسبة مجموع الذكور إلى مجموع الإناث في تعداد ۲۰۰٦ هي نفس النسبة لعام ١٩٩٦ وهى 104.7، أى أن الذكور فى مجموعهم كانوا يزيدون عن الإناث بنسبة 4.7% من عدد الإناث في التعدادين. ولم يطرأ إذن تغير على هذا التركيب العمري.
والمتوقع أن تكون النسبة المناظرة بين الذكور والإناث للفئة العمرية ١٥ – ٢٤ عامًا هي نفسها ولم تتغير بالمثل فى التعدادين. وبالرجوع إلى تعداد ۱۹۹6 نجد أن نسبة الذكور إلى الإناث في تلك الفئة العمرية كانت 108.9 ، والمتوقع أن تكون هى نفس النسبة في تعداد ٢٠٠٦ وإذا حدث فيها تغير فلن يكون جوهريًا. وبالمقارنة نجد أن نسبة الذكور إلى الإناث حاليًا في المرحليتن الثانوية والجامعية 107.7 22 وهى تقترب كثيرًا من النسبة المتوقعة، وهذه إشارة إلى أنه لا يوجد فارق إحصائى بين الذكور والإناث.
يترتب على توسع تعليم الإناث زيادة مشاركتهن فى سوق العمل. وقد زادت مشاركتهن بالفعل، وكانت الزيادة سريعة فى العقود الأخيرة ويمكن رصد ذلك منذ تعداد 1986. زادت نسبة مشاركة النساء من 10.5% عام ۱۹۸٦ إلى ١٥.٣% عام ۱۹۹٦ وإلى 24.7% عام ٢٠٠٥. وفي المقابل انخفضت نسبة مشاركة الذكور من 83.2% على 82.2% ثم إلى 80.2% في نفس الفترات بالتوالي 23.
هذه المؤشرات تعنى أن التوازن التقليدى فى العلاقات بين الرجل والمرأة قد انتهى، وأن المجتمع يتجه إلى توازن من نوع جديد. وفى التوازنات الجديدة لا يبقى شئ في موضعه القديم، بما في ذلك سلطة الرجل التقليدية وحجم استقلالية المرأة، وتوزيع المسئوليات داخل الأسرة وعلى مستوى المجتمع. وطبيعي أن تحدث مقاومة شديدة للتوازن الجديد المنتظر، وهذا يفسر تزايد النزاعات الأسرية.
3 – الاستنتاج النهائي
في ختام هذه الدراسة، يمكن القول بأنها ليست مجرد دراسة استطلاعية لتكلفة الطلاق, ولكنها بمثابة دراسة استطلاعية عن ثروة وموارد مهدرة لا يستفيد المجتمع بها، ولم يتنبه المشرع لها، ولهذا لا تعدل الدولة سياساتها لتحافظ على تلك الموارد المهدرة. والمرجح أن المشرع لم يتنبه حتى الآن إلى الحقائق التى تشير إليها تلك الدراسة، لأن الخسائر التي يتحملها المجتمع نتيجة الطلاق تدخل فى إطار ما يعتبر تدميرًا لرأس المال البشرى. ويتجسد هذا النوع من رأس المال فى قدرات الإنسان الإنتاجية. وهذه القدرات هى ما ترجمته الدراسة في قيمة الوقت الذي يضيع دون أن يستفيد منه المجتمع. هذا نوع من القيم لم يدخل حتى الآن في حسابات الناتج القومي، وخسائره غير مرئية. وقد آن الأوان لأن يأخذها المجتمع والمشرع في اعتبارهم.
٤ – توصيات
بهذه الخلفية يمكن التوصية بما يلى:
1 – الدعوة إلى أن يعبر القانون عن التغير الذى يحدث فى المجتمع، وخاصة تغير أوضاع المرأة ومشاركتها مع الرجل في الإنفاق على الأسرة. هذا مدخل إلى تعديل فلسفة القانون الذى يفرض على المرأة الطاعة مقابل الإنفاق عليها.
2 – العمل على تقليل تكلفة الطلاق من خلال إدخال تعديلات قانونية تؤدى إلى تقليل فترة التقاضي.
3 – دعوة المجتمع إلى العمل على تقليل فشل الزواج بتعديل تقاليده بما يتسق مع احتياجات الأنثى المتعلمة، وتعديل إجراءات الزواج لتتاح للمقبلين عليه فرص التعارف الكامل والتأكد من التوافق الإنسانى بينهم، قبل أن يفرض عليهم العيش معًا تحت سقف واحد. ويجب أن يترك للأفراد أن يحددوا بمحض اختيارهم أسلوب التعارف وأن نثق فى اختياراتهم ونوفر لهم الحماية.
4 – مخاطبة الجهات المسئولة عن الإحصاءات القومية لجمع ونشر بيانات تفصيلية تفيد العمل الاجتماعي مثل أعداد الأسر التى تعولها النساء، وسلوكيات الإنفاق داخل الأسرة.
5 – يرتبط التغير الاجتماعى ارتباطًا وثيقًا بالتغير الاقتصادى وقد كان تغير القيم والتقاليد والأعراف شديد البطء نظرًا لبطء النمو الاقتصادى وهو نمو متعثر بشهادة واقعنا الراهن. ومن هنا يجب أن يمتد اهتمام الناشطين على التنمية الاقتصادية، ولا يقتصر على التنمية الاجتماعية.
21 أحد هذا الجزء من الدراسة الدكتور حمدى الجداري.
22- الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، نتائج التعدادت, والكتاب الإحصائي السنوى لعام ۲۰۰۷.
23- حمدى الحناوي
El- Hinnawy, Hamdy (2005), Labor Market Study, Report submitted to the Technical Vocational Education Reform Project (TVET), Supported by the European Union.
٥ – 4 رغبة دفينة في عودة الوئام
تعكس استجابات كثيرة رغبة دفينة لدى الأطفال فى عودة الوئام. مثال ذلك استجابات الطفل معتز. عن الصورة الأولى التى لا تحتوى غير الصغار يحكى هذا الطفل عن أسرة متكاملة من أب وأم وأطفال ويقول “عصافير وأسرة سعيدة بياكلوا .. وديك بيصيح“. وعن صورة النمر (يظنه الأسد) يقول أن الأسد يحاول اصطياد الفأر لكنه لن يستطيع ويضيف أنهم يمكن أن يتصالحوا “الأسد مش حيمسكه عشان الفار له جحر وأسرع من الأسد والأسد تخين شوية وهيزهق وممكن يسيب البيت للفار .. وممكن يتصالحوا الفار والأسد لو الأسد غلب وممكن ينام جنبه كمان“. هكذا يبدو شرط الصلح صيانة ماء وجه الأسد فلا يصمم الفأر على أن يغلبه مع أنه يستطيع بصغر حجمه وقدرته على الاختباء في جحره.
مثل تلك الصداقة بين كائن صغير وحيوان قوى كالأسد يتصورها أيضًا الطفل حسام ذو التسع سنوات. وهو لا يتصور الكائن الصغير فأرًا بل قردًا ويقول عنه أنه “قرد فرحان عشان قاعد جنب الأسد وبعدين هيروح ياكل.. القرد الصغير هياكل مع الأسد .. هو صاحبه “. هذه استجابات تحمل معنى رمزياً لعلاقة الأب بالطفل وتعبر عن تمنى الطفل أن يحظى برعاية الأب.
ويقدم الطفل حسن ذو الثلاثة عشر عامًا تصورًا جديرًا بسنه وتعبيرًا واضحًا عن رغبة لاشعورية في لم شمل الأسرة. يقول عن الصغار فى الصورة الأولى هناك “فراخ بياكلوا .. أبوهم معاهم.. بيت وولد والأم معاهم .. فرحانين .. قاعدين بياكلوا وبعد كده يجروا ويقعدوا ويناموا ويلعبوا .. باباهم مش بياكل معاهم عشان هو شبعان .. والأكل مكفيهم“.
هذا الطرح بشكل عام يبدو تعبيرًا عن سلام داخلى وتصالح مع العالم، قد يكون نابعًا من أوضاع خاصة يعيشها هذا الطفل. ربما يعيش في كنف أم وأقارب يعطونه من الأمن ما يحتاج إليه، لكن تظل هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها وهى أن هذا الطرح نابع من التمني في المقام الأول. وبهذا فهو لا ينفى افتقاد الطفل للأسرة المتكاملة، وإنما يؤكده.
٥ – ٥ الصراع والخوف والعدوان
بخلاف تصور الطفل معتز لصداقة الأسد والفأر وتصور الطفل حسام لصداقة الأسد والقرد كانت هناك تصورات أخرى. تحدثت الطفلة نوران عن صورة النمر قائلة أنه يجرى وراء القرد ليأكله، وتصور حالة الصراع بينهما “نمر يجرى وراء القرد عاوز ياكله .. القرد بيجرى هيطلع على الشجر ومش هيلاقيه .. يقعد يدور عليه وأول ما يلاقيه يروح واكله أو يهرب منه تاني“. وهكذا صراع لا يتوقف ولا فكاك منه.
ويقول الطفل معتز عن صورة النمر أن هناك غابة ونمر يطارد فردًا ليأكله. “غابة وده نمر بيجرى ورا فرد عشان ياكله .. هيطلع على الشجرة والنمر هيفضل ينط عليه والنمر مش هيعرف ينط عليه ومش هياكله. والأسد هيروح بيته ويقول ما عرفتش أجيب أكل ويناموا من غير عشا وبعدين يطلع يصطاد غزالة أو زرافة ويجيبها وياكلوا ويناموا“. ربط بين النمر والأسد ومطاردة لا تهدأ، وقد تفشل يومًا لكنها تستأنف بلا هوادة حتى تنجح.
تحدث الطفل عبد الراضى عن صورة النمر قائلاً أنه يريد أن يأكل القرد. ويصور حالة من الصراع بينهما “نمر عاوز ياكل ..القرد هيجرى منه على بيته والنمر هيدور على واحد غيره مش هياكله عشان هيهرب منه يطلع فوق شجرة يستخبى والنمر يقعد يدور عليه“. الصراع هنا ليس عملية عابرة بل هو صراع مقصود ومستمر لن يتوقف.
وعن نفس الصورة يقول الطفل حسام أن أسدًا يريد أن يأكل قردًا، ومرة أخرى يهرب القرد منه فوق شجرة ويظل الأسد ينتظره تحت الشجرة. هذه أمثلة، والحقيقة أن تصور بقية الأطفال يتناول نفس العلاقة بين القوى والضعيف كعلاقة قوامها صراع عدواني لا مجال فيه لأى مصالحة. وكأن القاعدة هى أن القوى يفترس الضعيف إذا تملك منه.
هذا تصور ذهنى مخيف، لا ينطبق إلا على مجتمع بدائى تسوده علاقات القوة البدنية وحدها بما يجعله أقرب إلى الغابة. وينبع هذا التصور من ظروف القهر والحرمان التي فرضت على الطفل فرضًا, من أقرب الناس إليه. وهو يؤدى إلى تشوه البناء النفسي للطفل حيث يشعر بخوف دائم وينعدم لديه الشعور بالأمن.
٥ – ٦ الجوع العاطفى
يعبر الطفل حسن فيما حكاه عن صورة شد الحبل عن خوفه من فقدان الأسرة. قال في حكايته “بيلعبوا وياكلوا ويناموا فى الشارع .. معندهمش بیت .. بيناموا جنب شجرة“. وليس في الصورة شارع ولا أشجار وإنما هو تعبير لاشعورى يسقط به الطفل مشاعره على الصورة.
وعن صورة النمر يقول نفس الطفل أن النمر جائع ويطارد قردًا ويريد أن يأكله. “القرد هيجرى يطلع شجرة والنمر هيفضل يجرى وراه والقرد يقعد فوق خايف ينزل .. النمر هيحاول يطلع مش هيعرف يطلع .. والنمر جوعان عاوز ياكل القرد وممكن ياكل القرد والقرد عمال ينط من شجرة لشجرة تانية. النمر يجوع ويشوف أى حاجة تانية ياكلها“.
ويتحدث نفس الطفل عن صورة القردين الكبير والصغير فى صورة القردة، ويقول أن الصغير خائف وجدته تصرخ في وجهه لأنه أخذ شيئًا من وراء ظهرها, كان معدًا للأكل فأكله هو “عمل حاجة غلط خد حاجة من وراهم حاجة ياكلوها هو أكلها عشان كده بتزعق له“.
هذا الحديث المتكرر عن الجوع ثم الحديث عن سرقة الطعام, يعكس شعور الطفل بحالة من الجوع. وإذا ربطنا بين هذا الشعور وبين افتقاد الطفل للأسرة الذى سبق أن عبر عنه فيجب أن نستنتج أن جوعه ليس بالضرورة جوعًا إلى الطعام فقط بل هو أيضًا جوع عاطفي. ومثل هذا الجوع المادى والعاطفى لا بد أنه عنصر مشترك لدى جميع الأطفال حيث لا تخلو استجاباتهم جميعًا من حديث مماثل ومتكرر عن الطعام.
٥ – 7 الوحدة وافتقاد الحب والأمن
يقول الطفل عبد الراضى عن صورة الحجرة ذات السريرين أن السرير الصغير ينام فيه طفل يصحو فلا يجد أمه أو أباه. وهما لم يهجراه بل تركاه فقط إلى أعمالهما غير أن هذا يتكرر كل يوم. يقول الطفل “سرير نايم فيه عيل صغير وبابا وماما فى الشغل، لما يصحى يدور على أمه وأبوه ويعيط عشان مشيو أو مش هيعرف أمه وأبوه فين … ويستنى لما ييجو يقول لهم اتأخرتوا غبتوا ليه .. يناموا ويصحوا ويروحوا تانى الشغل والصغير يقول خدوني معاكم ويقولوله ما ينفعشى ويسيبوه يقعد يعيط“. هذه الحكاية تعكس خوفًا من الانفصال أو فقدان الأب والأم.
وتقول الطفلة آية عن نفس الصورة أن هناك سريرًا صغيرًا ينام فيه طفلان صغيران وأن السرير الكبير للأبوين لكنهما غير موجودين “سرير مليان أطفال .. سرير صغير .. الأطفال أخوات اتنين نايمين والشباك مقفول ماما هى اللى قفلته .. السرير الكبير لمامتهم وباباهم .. مش موجودين راحوا الشغل والطفلين قاعدين لوحدهم هيرجعوا لما يخلصوا شغل الصبح وبعدين هياكلوا ويناموا ويصحوا ويروحوا الشغل“. وهكذا يذهب الأبوان إلى العمل وهو ضرورة ويتكرر بقاء الطفلين وحدهما. دائرة مفرغة تعكس شعورًا بالوحدة التى يتعرض لها الأطفال بسبب فقدان الأم والأب. وهى وحدة لا بد أن تسبب حالة من الخوف لدى الأطفال كما تعنى افتقاد مصدر الحب والأمن والدفء.
6 – نظرة تفسيرية عامة
في الموقف الإسقاطى يعبر الطفل عن أخاييل مشابهة لتفكير الانسان البدائي، ويلجأ غالبًا إلى الإسقاط حينما يخبر أحاسيس وإشارات غير سارة، إذ يلجأ لتحويل تلك المشاعر إلى العالم الخارجي. هذه عملية يحاول فيها الأنا أن يتخلص من أحاسيس غير مرغوبة واعتبارها خارج الأنا. ويستخدم الطفل هذه الحيلة لتعينه فى السيطرة على القلق والتخفف منه. وهكذا يتخلص من الصراعات العميقة التي يشعر بها بأن يسقطها على الصور التي قدمت له من خلال الاختبار.
من خلال القصص يعرض الطفل للضغوط التى ترجع الى النزعات الغريزية. والغالب أن يستجيب الأنا بالقلق, حين تهدد وجوده وتكامله أخطار تأتى من العالم الخارجي أو العالم الداخلي. ويكفى التهديد الواقع من جراء انفصال الأب والأم تجسيدًا لمثل هذه الأخطار. وقد اتضح وجود خبرات مشحونة انفعاليًا، ظهرت أحيانًا بشكل صريح وأحيانًا بشكل رمزى فيما أسقطه الأطفال على الصور التي عرضت عليهم. ولجأ الطفل إلى وضع نهايات سعيدة للقصص المؤلمة التي يعيشها فى حياته. مع تباين الاستجابات تبعًا للمرحلة العمرية.
تميزت استجابات الأطفال الصغار، الأقل من ٦ سنوات، بالخوف من فقدان الأم باعتبارها موضوع الحب الأول فى حياة الطفل. أما الأطفال في سن ٦ – ١٣ سنة فلديهم حصيلة أكبر من الرموز والألفاظ. وفى هذه المرحلة العمرية يكونون قد تعلموا تصور الأشياء, ويستطيعون بالتالي أن يرمزوا في غيبتها إلى عالم الأشياء برمته وما ينطوى عليه من علاقات. وهكذا كانت استجابات أطفال العينة في هذه المرحلة العمرية أكثر ارتباطًا بالواقع وأقل تحريفًا. أسقطوا مشاكلهم الحياتية على القصص وكان غياب الأب والرغبة في تواجده هو الموضوع الغالب. وكانت النهايات السعيدة للقصص، حيث تواجد الأب مع الأسرة، تعبيرًا عن تلك الرغبة.
7 – ماذا يفعل الآباء بأبنائهم
الآن نسمى الأشياء بمسمياتها. ثمة تشوه نفسى يعانى منه الأطفال في الأسر التي تفككت بالطلاق. مرجع ذلك التشوه ما يعانونه من جوع وحرمان عاطفي. وهم يعانون بدرجات متباينة بطبيعة الحال وبالتالي يحدث التشوه أيضًا بدرجات متباينة، ويقل نوعًا ما حيثما يجد الطفل قدرًا من التعويض عما يعانيه من حرمان. ويتمثل التشوه فى علل نفسية كثيرة، كالخوف والاكتئاب 20، وتنعكس على سلوكياتهم في صورة الانطواء والعزلة أو فى صور العنف والعدوان. ولا تظهر السعادة إلا كنهايات متخيلة لرجوع الأب واكتمال الأسرة من جديد.
نتساءل متى يدرك الطفل حقيقة انفصال أمه عن أبيه. وتجيبنا عينة البحث الرئيسية، إذ تشير إلى أن معرفة الأطفال بحقائق الانفصال تبدأ فى سن الثالثة، إذ يعرف ٣٥% من أطفال العينة ممن هم في ذلك السن أن أبويهم منفصلان. وتزداد تلك النسبة حتى تصل إلى ٧٧% تقريبًا في سن الخامسة (أنظر الجدول رقم ۲) وهم بالطبع لا يدركون تمامًا في هذه السن معنى الانفصال فضلاً عن أسبابه. لكنهم يعرفون الحقيقة حين يلاحظون أنهم لا يرون آباءهم في البيت يوميًا، بل يرونهم فقط في أماكن أخرى وفى أوقات معينة. وهنا يبدأ شعورهم بأنهم مختلفون عن سائر الأطفال. ومن هنا تبدأ المخاطر.
الجدول رقم ٢
مدى معرفة الأطفال الصغار بحقيقة انفصال الأبوين
عمر الطفل |
العدد الكلي |
يعرف |
لا يعرف |
||
عدد |
النسبة |
عدد |
النسبة |
||
3 سنوات |
20 |
7 |
35.0% |
عدد |
65.0% |
4 |
22 |
9 |
40.9% |
13 |
59.1% |
5 |
26 |
20 |
76.9% |
13 |
23.1% |
الجملة |
68 |
36 |
52.9 |
6 |
47.1% |
يبين الجدول رقم (۳) حالات الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة، ويعرض بعض المخاطر التي يتعرضون لها فى حالة الطلاق. ومن ذلك الجدول يتبين أن 70% ممن يدركون معنى الشجار شاهدوا مشاجرات الأم والأب قبل الانفصال. ولا بد أن يشعروا حينئذ أن العالم ينهار من حولهم، وأن يفقدوا الشعور بالأمن.
وبعد الانفصال تحدث مضاعفات أقلها اضطرار الطفل لترك المدرسة، وقد تركها بعد الطلاق 18.2% ممن لم يكونوا فى المدرسة وهم فى سن المدرسة. وكان ٣٧ طفلاً يمثلون 67.3% من نفس الفئة يعملون، منهم ۱۸ (32.7%) تركوا المدرسة بسبب العمل، ومنهم ٢٧ (49.1%) تركوا المدرسة ليساعدوا أمهاتهم فى تغطية نفقات الحياة، وكان بعضهم مضطرًا لذلك حتى قبل الطلاق. ويصبح قدر الطفل الذى يترك المدرسة ليعمل ويعول أمه ألا يتمتع بطفولته, وأن يحرم من مظلة الأمان والحب الأبوى، ويعيش أدوار الكبار وهو لا يزال عودًا طريًا معرضًا للانكسار.
والمتعارف عليه أن المجتمع يوفر حماية للطفل عند الطلاق، وينظم حدا أدنى من الرعاية يفرضها على الأب (باعتباره عائل الأسرة) أو تقدمها الدولة بشكل مباشر أو يقدمها أهل الخير. لكن مظلة الحب الأبوى ليس من السهل تعويضها، ومهما يكن ما يوفره المجتمع من رعاية، يبقى لدى الطفل فراغ كبير أو صغير لا يمكن ملؤه. وتتفاقم المشكلة بسلوكيات بعض الكبار, الذين يفترض أن يكونوا جميعًا حريصين على حماية الطفل من الاستغلال وسوء المعاملة. لكن الكبار أنفسهم يعانون من كثير من الانحرافات. وحتى الآباء يشاركون في تعاسة أبنائهم.
الجدول رقم 3
خبرات لأطفال الطلاق حتى ١٢ عامًا
-
بيان
191
النسبة
العدد المقارن
يعرفون أن هناك انفصالاً
164
78.0%
245
شاهدوا المشاجرات
55
69.5%
236
ليسوا بالمدرسة
10
15.9%
345
تركوا المدرسة بعد الطلاق
108
18.2%
55
يأخذ مصروفًا يوميًا
37
67.9%
159
يعملون
18
67.3%
55
تركوا المدرسة بسبب العمل
27
32.7%
55
تركوا المدرسة ليساعدوا أمهاتهم
183
49.1%
55
لا يراهم الأب بانتظام
129
57.0%
321
لا يدفع نفقتهم بانتظام
117
45.1%
286
لا يستجيب لطلباتهم ويكتفى بالنفقة
191
49.8%
235
تشير البيانات إلى أن ٥٧% من الأطفال حتى سن الثانية عشرة لا يحرص آباؤهم على رؤيتهم بانتظام (الجدول السابق). وبينما يحق للأطفال بحكم القانون أو بالاتفاقات الودية أن يحصلوا على نفقة شهرية من الأب، لا يدفع الآباء تلك النفقة بانتظام فى 45.1% من الحالات. وهى نفقة هزيلة فى معظم الأحيان لا تزيد عن ۲۰۰ جنيهًا فى حوالي ٧٥% من الحالات (أنظر الجدول رقم ٤)، وقد يخص هذا المبلغ أكثر من طفل، وهو لا يمكن أن يغطى نفقات طفل واحد إذا كان المجتمع حريصًا على أن يوفر له حدًا أدنى من الغذاء والكساء والتعليم والرعاية الصحية، كي ينشأ مواطنًا سويًا منتجًا ومفيدًا لنفسه وللمجتمع.
وهناك حالات قليلة تحصل على مبالغ أكبر لنفقة الأطفال. ومن الفئة التي تحصل على أكثر من ٣٠٠ جنيهًا توجد حالة واحدة تبلغ فيها النفقة ۲۰۰۰ جنيهًا شهريًا وحالتان تحصلان على ٦٠٠ جنيهًا، وهذه حالات لم تتقرر لها قيمة النفقة بحكم محكمة بل اتفق عليها الأطراف في تسويات ودية. وهذا يعنى أن هناك من يحاولون الوفاء باحتياجات أطفالهم بقدر استطاعتهم, غير أن الطلاق عبء على كل أطرافه، وهو يؤدى إلى إعادة توزيع الفقر فيما بينهم.
الجدول رقم ٤
النفقة التي يحصل عليها الأطفال
المبلغ |
عدد الحالات |
النسبة % |
النسبة التراكمية |
٥٠ جنيهًا فأقل |
9 |
7.5 |
7.5 |
٥١ – ١٠٠ جنيه |
41 |
34.5 |
42.0 |
۱۰۱ – ۲۰۰ جنيه |
39 |
32.8 |
74.8 |
٢٠١ إلى ٣٠٠ جنيه |
17 |
14.3 |
89.1 |
أكثر من ٣٠٠ جنيه |
13 |
10.9 |
|
الجملة |
119 |
100.0 |
هذه هي الحالات التي أفصح فيها المستجيبون عن مبالغ النفقة
8 – خاتمة
يتعرض أطفال الطلاق لتشوه نفسى بدرجات متباينة. وهم يتعرضون للضغوط التي تسبب ذلك التشوه وهم لا يزالون أصغر من أن يستوعبوا أو يقاوموا ويقول تراث علم النفس أن فرص التشوه يتعرض لها الأولاد فى سن ۹ – ۱۲ أكثر ممن يصغرونهم سنًا. والسبب أنهم في هذه الفترة من العمر يحتاجون إلى التوحد النفسى مع صورة الأب. وإذا كانت تلك الصورة ليست ناصعة فهنا فرصة التشوه. والبنت فى نفس السن تفتقد الأب أيضًا لأنها فى هذه الفترة من عمرها تعيش المرحلة الأوديبية التى تنجذب فيها البنت إلى أبيها، فإذا غاب أبوها فهي عرضة هي الأخرى لتشوه بنائها النفسي.
يؤدى التشوه إلى نتائج كثيرة تتوقف على الظروف التى يمر بها الطفل في المراحل التالية من حياته. وسيكون ثمن تلك التشوهات باهظًا فى المستقبل. لا نستطيع حساب قيمته, لأننا لا نستطيع أن نتنبأ بما سيؤدى إليه التشوه النفسى. قد تنتج هذه التشوهات منحرفين ومجرمين، يصبون عدوانهم على المجتمع الذى حرمهم من طفولتهم. وظهور العنف والعدوان هو نتيجة طبيعية للضغوط المصاحبة التى تحيط بالطفل والحرمان الذى يعانيه، سواء الحرمان المادى أو العاطفى. والنهايات السعيدة التى وضعوها لقصصهم ليست سوى أمنيات ليت المجتمع يتنبه إليها قبل فوات الأوان.
ومن نافلة القول أن الشعوب التى تقدمت تعالج مشكلاتها بعقلانية، بناء على نتائج البحوث العلمية، وها نحن نرى مؤشرات تحذرنا من المستقبل وليس أمامنا غير أن نتعامل مع نتائج البحوث ونأخذ مؤشراتها بجدية.