التنقيب التاريخي والوثائقي وإعادة بناء تاريخ المرأة
تاريخ النشر:
2016
اعداد بواسطة:
التنقيب التاريخي والوثائقي وإعادة بناء تاريخ المرأة
هل للمرأة تاريخ منفصل؟
هذا هو السؤال التي حاولت –في البداية –المدرسة التاريخية النسوية الإجابة عنه والتنظير له ماذا تعني الدراسة المنفصلة لتاريخ المرأة عن تاريخ الرجل أو المجتمع بصفة عامة؟ هل المقصـود بتاريخ المرأة» تسليط الضوء على الكتابة التاريخية عن النساء وأدوارهن وإنجازاتهن فحسب، ومن ثم تكريس تهميشهن التاريخي في الماضي واستمرار عزلين في الحاضر؟ إلا أن الدارسين والمنظرين لهذا التيار –الذي اهتم في الغرب منذ بداية السبعينيات بإظهار دور النساء الفاعل في التاريخ وتأطيره–أجمعوا على أن الهدف الأساسي من «تاريخ المرأة» هو إضـافة الحلقات المفقودة في السرديات التاريخية التي أغقلت إسهامات النساء، وبذلك تكون الكتابة التاريخية عن النسـاء استكمالاً للصورة واستعادةً للفهم الشامل لكل عناصر التاريخ الإنساني دون نقصان.
لا تكمن أهمية البحث في «تاريخ النسـاء» في اعتباره شكلا آخر من الانحياز المعاكس ولكن في مجينه: إن التنقيب عن أدلة تاريخية جديدة، أو تحليل أدلة قديمة من وجهة نظر المرأة المؤرخة، أو حتى في حالة عدم وجود مادة تحليل هذه الفجوات الصـامنة ومغزاها واستنطاقها، كلها آليات للبحث من شأنها أن تثري دراسة التاريخ ونظرياته بصفة عامة.
هنا علينا رصـد منيجين للبحث في هذا المجال: المنهج الأول الأكثر مباشرة هو التركيز على إعادة بناء دور المرأة بوصفها فاعلة مؤثرة وصانعة للتاريخ: والمنهج الثاني يغوص أعمق من هذا ويتطرق إلى إعادة تقييم المعايير الثابتة التقليدية الخاصة بالتاريخ نفسه، أي إنه كي يكون لهذا الحقل البحثي إضافة حقيقية في مجال التنظير والمعارف الإنسانية يجب ألا يتحول إلى مجرد ملحق مضاف دون إحداث تغيير في منهجية التاريخ وقوانينه، ومن ثم إعادة تقويمه وكتابته.
حتى نعرف ما المقصـود بإعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر المرأة بالتحديد. أو من وجهة نظر تأخذ في الحسبان (الجندر) –التشكيل الثقافي والاجتماعي لأدوار الجنسين –أشير إلى أعمال كاتبتين من الغرب كان لهما تأثير كبير في مجال التطوير النظري حول مسألة التاريخ للنساء من ناحية، وإعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر المرأة من ناحية أخرى، الكاتبة الأولى هي جردا لرنر Gerda Lerner، وكان لها عمل رائد في وقته يقع في جزأين، رصـدت في الجزء الثاني منه الوجود التاريخي الفاعل للنساء منذ العصور الوسطى «المظلمة» حتى القرن التاسع عشر، وكان الهدف منه غالبية النساء بأنهن «خارج التاريخ»، تقول لزنر: «إن الإنسان طالما استخدم التاريخ ليجد اتجاهاته تاسيس هذا الحقل البحثي، وكانت أهميته تبرز في تصحيح الاعتقاد الخاطع والتصدي لتعريف أو يحددها في المستقبل؛ إلا أن النساء قد حرمن من معرفة تاريخين وأدوارهن في الماضي، ولذلك لم يستطعن صباغة نظرية اجتماعية نابعة من معرفة الذات، أو وضع تصور/ مشروع فكري لمجتمع في المستقبل لا تبرر فيه الاختلافات بين الجنسين السيادة والقهر».1
أما الكاتبة الثانية في جون سكوت، التي تركز في كتاباتها على محور إعادة تحليل منطق التاريخ نفسه، وآليات التقسيم إلى فترات نهضـة وركود، ومعايير التقييم، والحُكم على التجارب التاريخية للنساء والرجال، وما يندرج في التاريخ الرسمي، ومحاولة الخروج من المرجعيات التقليدية إلى السرد التاريخي… إلى آخره وكذلك تحليل طبيعة تجارب النساء الخاصة سواء الأسرية أو الاجتماعية التي لم تتأت بالمثل للرجال، وهي كلها إشكاليات تستلزم فحص التاريخ الاجتماعي لكل الفئات المهمشة في التاريخ الرسـمي –وليس النساء فحسب – وفحص معضلة التراتبية والتوزيع غير المتساوي للقوة والتأثير بين عناصر المجتمع، (وهي ما تطلق عليه بالتحديد «سياسات» التاريخ).2
يندرج تحت هذا المنهج دراسات عديدة ظهرت تعيد قراءة العصور الأوروبية الماضية وتقييمها، وتعيد النظر في الأحكام والتصورات التقليدية التي ظهرت بشـأنها، وذلك عند النظر إلى أحوال النساء على وجه الخصوص، مثلا يجد مؤرخو القرون الوسطى المحدثون أن حدوث المسموح به اجتماعيًا وثقافيًا في مجالات كثيرة من الحياة لم تكن مرسومة بالصرامة والجمود الذي نتخيله عن هذه العصـور أو حتى مقارنة بتلك الحدود نفسها في عصرنا الحديث، وأن ديناميكية الحيز العام والخاص كانت مختلفة تمامًا وتتمتع بمرونة وتنوع، مما أتاح للمرأة في غالبية الأحيان حياة بعيدة عن أيديولوجية التنميط الحداثي لشخصية كل من الرجال والنساء، وقد أدى هذا إلى مناقشـة التسميات المعروفة للعصـور التاريخية في أوروبا مثل «عصـور الظلام» أو «عصـر النهضـة» أو «العصر الحديث»، وبالتالي المناقشة حول مسار الحضارة الغربية نفسها؛ فربما لم تكن عصـور «ظلام» كامل بالنسبة للنساء اللاتي فُتحت لهن فرص التدين الجماعي أو الفردي والتصوف وكتابة المذكرات والإلهامات الصوفية والكشفية، وكذلك فرص التجارة والزراعة وتملك الأراضي، وربما لم تكن هناك «نهضة» لهن في القرون التي تلت، بدءا من القرن السادس عشر عند بدايات تغير وسائل الإنتاج والاستهلاك بلوغا إلى الثورة الصناعية والحديث في القرن التاسـع عشـر، وما تبعها من تشكيل السوق وآلياته وحركته منفصلاً عن مجال الأسرة الخاص، ويرى المؤرخون الآن أن النساء في الغرب فقدن الكثير من حقوق المشاركة في العمل العام، وأعمال التجارة والزراعة، والحريات في مجال الدين وخلافه، فقدن ذلك مع صعود الطبقة الوسطى وسيادة قيم «الاحترام» (Respectability) والتنميط/ التشكيل لشخصيات الرجال والنساء مع رسـم للحدود أو المجالات الخاصة المسموحة لكل فئة أو نوع التحرك داخلها.
هكذا تم فرض قيود اجتماعية وثقافية على المرأة بسبب الانفصام الذي حدث وقتها بين الحيز العام والحيز الخاص، الذي لم تعرفه العصور الوسطى بهذه الصرامة، فلم يكن هناك من يتعرض لمسألة «خروج» أو «تجاوز» النساء لمجالين «الطبيعي» أو «فطرتين» عندما كن يشتغلن بالتجارة والربح، بل ويشتركن في الحروب والقتال.3
هذه هي بدايات تقسيم العام والخاص في التاريخ الأوروبي الذي تبعه تحجيم دور النسـاء في دائرة الخاص – أي المنزل والعائلة والأطفال والخدم –وقصـرهن على هذا المجال فقط، مع ترويج أفكار الخضوع النفسي والمعنوي وضعفهن واعتمادهن على الغير، في مقابل ارتباط الرجال بالفضاء العام وأعماله في المجتمع الخارجي والسيطرة والقوة، وقد استمر هذا التطور في التكريس لأنماط معينة من السلوك الأنثوي والذكوري حتى بلغ ذروته –على سبيل المثال – في العصر الفيكتوري ببريطانيا (ق 16) ومنظومة القيم التي أرساها ونشرها.4
أي إننا نستطيع أن نرصـد أربعة محاور في هذا المجال. هي أيضًا بمثابة مراحل زمنية في دراسـة تاريخ المرأة:
أ–انطلاقًا من الفرضية التقليدية أن النساء لم يصنعن تاريخًا سياسيًا أو حربيًا بالمعنى الرسمي تتسم هذه المرحلة – كما أشرنا – بالبحث في المصادر عن الدور المنسي لنساء كان لهن دور في تاريخ الحكم والسلطة مثلين مثل مشـاهير الرجال، وهو مجال الاهتمام بالتوثيق والتأكيد على فئة «الشهيرات الرائدات اللآتي يصبحن علامات رمزية بارزة – وكأنها الاستثناء – في مسيرة التاريخ، فهي محاولة لوضع حكايات النساء المكتشفة داخل القوالب المرسومة بالفعل – وفي مجالات أنشـطة الرجال وإنجازاتهم نفسها–قياسًا على معايير ذكورية سابقة. (كأن نقول إن حتشبسوت حکمت مثلها مثل الرجال، وشجرة الدر قادت البلد في صـرامة الرجال، أو إن رابعة العدوية وصلت إلى مستوى عال من القداسـة والتصـوف مثل أعبد الصوفيين وأتقاهم). وقد شهدت بدايات القرن العشرين كاتبات – مثل: زينب فواز، وقدرية حسين –حاولن إنتاج أعمال تاريخية تسلط الضـوه على المرأة تحديدا، وتضيفها إلى الذاكرة الجماعية.5 كذلك برزت في آخر القرن محاولة الكاتبة المغربية فاطمة المرئيسي في السلطانات المنسيات (١٩٩٤).
ب–أما المنهج الثاني، فهو بحث في الأسباب التي أدت إلى هذا النسيان أو التناسي في التوثيق التاريخي، وبالتالي في ذاكرة المجتمع؛ أي البحث في: كيف تم –عن عمد أو دون وعي – إقصاء الأدوار العامة المؤثرة للمرأة؟ ما هي بالضبط الأخطاء التي وقعت في مهمة التأريخ للرجال والنساء؟ يدل ذلك على افتراض البشـرية حول أعمال الرجال والنسـاء وطبيعتهم؟ ومن الذي يحدد الفرق بين مجال العمل العام والرسمي الذي يستحق التدوين والعمل الأسري الخاص غير المهم المتواري عن العيون؟ كأن نقرأ مثلاً تواريخ الطبري والمسعودي والمقريزي… إلخ، ونكتشف مساحات «الغياب» الضخمة وليس التواجد – باستثناء نسـاء الخلفاء والسلاطين والجواري، أي النساء اللاتي لهن علاقة مباشرة مع دائرة السلطة والحكم والطبقة العليا فقط)، ويرى المحللون أن هذه الدراسات تتعامل مع الجانب السلبي فقط، وتُظهر المرأة في الماضي هدفًا للقهر والظلم، وبالتالي الضعف والاستكانة وعدم الفاعلية.
ج–تركز الدراسات في المنهج الثالث للبحث على «المجلات الخاصـة» بأنشـطة النساء والمقتصـرة علمين دون الرجال، وذلك لاستكشاف «الخبرة الحياتية الأنثوية» –مثل الأعمال التي ارتبطت تقليديًا بالمرأة كالتمريض، والتوليد، والتطريز، والغزل، والطبخ، والمهام الرعائية للأطفال، والعمل المنزلي… إلخ – ثم تحليل هذه الأدوار النسائية من منطلق تعزيز أهميتها ورفع قيمتها، وليس من منطلق الحط من شأنها أو الاستهانة والاستخفاف بها أو تقديرها تقديرًا منخفضًا (لأن ذلك هو المنظور الذكوري التقليدي)، أي دراسة مساحة الخصوصية الأنثوية التي تمنحها هذه الأنشطة للنساء، ثم بحث آليات التمكين والمقاومة وتحقيق الذات التي يستخدمنها لصالحهن من داخل منظومة القهر نفسها؛ أي إن النساء يظهرن في هذه الحالة في صورة أكثر إيجابية وفاعلية في العملية التاريخية.
د–أما التيار الذي يجسد – بحق – الهدف من دراسة تاريخ المرأة فهو التيار الساعي في نهاية المطاف إلى «الدمج» (وليس فقط الإضـافة التابعة)، وكذلك إلى الاستفادة من منظور النوع (الجندر) في التحليل التاريخي، لأن ذلك من شأنه أن ينسحب على الفئات والطبقات المهمشـة الأخرى – أي التاريخ الاجتماعي بصفة عامة.
وتتبع مثل هذه الدراسات إحدى وسيلتين: إما استنطاق التفاصيل العارضة في المصادر الموجودة فعلا وتحليلها لاستخلاص نتائج جديدة، أو التنقيب عن مصادر غير مكنشفة من قبل –في شكل وثائق قانونية أو سجلات فضائية أو حجج وقفيات… إلخ – لتحليل صـورة المجتمعات وطبيعة العلاقات الاجتماعية التي تعكسها.
تاريخ النساء في المجتمعات الإسلامية
ظهرت مؤخرًا العديد من الأبحاث القيمة في مجال الدراسات التاريخية للشرق العربي، التي تركز على تاريخ النساء في المجتمعات الإسلامية والعربية قبيل العصر الحديث بصفة عامة، التي أثبتت وجود مساحات واسعة من الحركة والفعالية في المجال العام، وكذلك ممارسة الحقوق القانونية الشرعية، التي تقلصت مع بدايات «التحديث» –الذي صاحب فكرة «الدولة القومية» بأطرها وأنساقها الإدارية والقانونية والاجتماعية والسياسية الصارمة –محاكاة للنموذج الغربي لمؤسـسـات الدولة الحديثة، وتأثرًا بتدخل الترشيد البريطاني مثلاً في حالة مصـر في مجالات عدة. وتمثل أعمال مهمة مثل دراسات (أميرة سئيل، وعفاف لطفي السيد مارسو، ونيللي حنا، وجوديث تاكر، ونيكي كدى) هذا الاتجاه نحو إعادة النظر في افتراضـات الركود والتخلف في فترات معينة من تاريخنا، مثل العصر العثماني بداية من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر وبداية حكم محمد علي.
توضح أميرة سنبل السبب في مثل هذه الافتراضـات والتعميمات قائلة: «لقد تسبب تصـور الحقبة الحديثة أنها طرف النقيض للحقبة «التقليدية» في حدوث سوء فهم للعديد من موضوعات تاريخ المرأة المسلمة، وقد تميزت الأبحاث التي تتناول تاريخ المرأة في الشرق الأوسط في عصوره الأقدم بندرتها، وذلك نظرا لتركيز اهتمام تلك الدراسـات على العصر الحديث، فالمؤرخون النسـويون يفضلون التركيز على دراسة دخول التحديث إلى المجتمعات الشرق أوسطية».6 وتثبت دراسات أميرة ســـنبل أنه في مجال قوانين الأسرة والطلاق على وجه الخصوص بالرغم من تغيرات وضـع المرأة المسلمة الظاهرية التي جلبها التحديث، إلا أن «المرأة في المجتمع الإسلامي التقليدي كانت نشطة إلى حد بعيد، واشتركت في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأحوال الشخصية والقانونية والعلاقات الاجتماعية والعلاقات بين الجنسين»، وأن التحولات التاريخية الحداثية في القرنين الأخيرين «قد تسببت في تدهور القدرة على النشاط الاجتماعي وبخاصـة بالنسبة للمرأة… ففي أثناء عملية بناء الدولة القومية امتدت يد الدولة إلى الأسـرة وقوانين الأحوال الشخصية، فوضعت لها المعايير وأصلحتها وحدثتها مما كان له أثر عميق على أحوال النساء».7
إن إعادة اكتشاف المجتمعات العربية والإسلامية مثل مصـر أو غيرها بقناتها المختلفة –لاسيما النسـاء – يعد خطوة على طريق فهم الواقع الحالي ونشـأة العصر الحديث فهما يستند إلى حركة ذلك التاريخ، فيفسر لنا مثلاً الدكتور رؤوف عباس معضلة إهمال التاريخ العثماني واتهامه بالاضمحلال والتقليدية الانعزالية من قبل المدرسة الاستشراقية في مقدمة ترجمته كتاب نيللي حنا، تجار القاهرة في العصر العثماني (١٩٩٧): «إن المجتمعات يمكن أن تتطور وفق سياق تاريخي مختلف عن النهج الغربي، كاشفة عن فساد الاستنتاجات التي توصل إليها المستشرقون في دراساتهم حول العصر العثماني عامة، وتطور مصر في ذلك العصر بخاصة… (تأكيدًا) أن الثقافة الوطنية العربية الإسلامية توفرت لديها في هذا العصر مقومات التطور، وأن قدوم الغرب لم يكن بعثا للحياة في مجتمعاتها، وإنما كان من معوقات تطورها»8. ففي هذا الكتاب تعيد المؤلفة تكوين سيرة شاهبندر التجار في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر من شتات ما جمعته من سجلات المحكمة الشرعية، فتنقل بذلك صـورة حية للواقع الاقتصادي وكذلك الاجتماعي لهذه الطبقة في ذلك الوقت، وتثبت بالدليل أن التعميمات حول الانفصال الكامل بين المجالين العام والخاص لا يعتمد عليها: «فلم تكن الحركة منقطعة بين المجال الخاص والمجال العام، ولم تكن العواجز منيعة بين المجالين، فبين الأبيض والأسـود كانت هناك دائمًا مساحة واسعة للظلال الرمادية واعتمدت الحركة بين المجالين، فبين الأبيض والأسـود كانت هناك دائما مساحة واسعة للظلال الرمادية واعتمدت الحركة بين المجالين، فبين الأبيض والأسـود كانت هناك دائمًا مسـاحة واسعة للطلال الرمادية واعتمدت الحركة بين المجالين على اختلاف المعايير والظروف».9 ولم تعش النساء منعزلات بل تولين إدارة شؤون أعمالهن وأمور أملاكهن ونظارة أوقاف العائلة أو إنجاز بعض الأعمال في المحكمة، ولم تكن هناك حواجز معينة تفصل بين مساكنهن وبعضها البعض أو بينها وما يقع خارج البيت: «وهكذا نجد أن كلمة الاحتجاز (أو العزلة) التي يستخدمها الباحثون كثيرًا عندما يتحدثون عن الزوجات في مجتمعات الشرق الأوسط، التي تحمل مضمونًا يشبه الاعتقال، كلمة مضللة، عندما ننظر إلى الوضع عن قرب. فبالرغم من تمحور الحياة العائلية حول البيت، ارتبطت النساء بالمجتمع الخارجي بروابط عدة، والواقع أن وضع نساء القاهرة كان أفضل مقارنة بوضع النسـاء الفرنسيات أو الإنجليزيات المعاصرات لهن. وعلى سبيل المثال كانت المرأة الإنجليزية – في عصر ستيوارت –تفقد حقها في الملكية بمجرد زواجها، ويقوم زوجها بكل ما يتعلق بها من أعمال فتصبح عالة عليه تمامًا، لأن الزواج يحولها –من الوجهة القانونية –إلى قاصر، ولم يكن وضع المرأة في فرنسا قبل الثورة أحسن حالاً، حيث كان الزواج يعطي الزوج حق الولاية النامة على أملاك زوجته».10
حتى بعد هذه الفترة بنحو قرن ونصف قرن من الزمان – أي أواخر القرن الثامن عشر قبيل تولي محمد علي حكم مصر –كان للنساء دور بارز في الأعمال المالية، وتوضع دراسات عفاف لطفي قبيل تولي محمد على حكم مصر – كان للنساء دور بارز في الأعمال المالية، وتوضح دراسات عفاف لطفي السيد مارسـو أن لهذه الحقبة أوضاعها الاقتصادية اللامركزية، وأن نشاط المرأة التجاري والاستثماري للأرض الزراعية (لا سيما امرأة الطبقة المتوسطة البرجوازية) كان فعالاً، ويمتاز بالحرية والاستقلالية التي حرمت منها بعد ذلك. وحتى دور النساء من الطبقة العامة الشعبية باعتبارهن موردات للبضائع ثم تحجيمه بسبب طغيان بضائع مستوردة بديلة وأنساق أوروبية للحياة والمتاجر وسـوق العمل، فالقدر الكبير الذي كانت النسـاء يمتلكنه – من حرية التصرف في أموالهن وثرواتهن وتجارتهن بلغ بهن حدًا من التمكن والسيطرة – ثم اختفاؤه تمامًا في العصـر الحديث إبان سيطرة النسق الاقتصادي المركزي القيمي للاستعمار البريطاني: «فبعد انتهاء القرن (التاسع عشر) وفرض الاستعمار الإنجليزي مسيطرته على مصر، تفاقم الوضع الهامشي لامرأة الصفوة مع هيمنة الفكرة البريطانية عن الأنثى بأنها «سخيفة» و«عاطفية» و«لا منطقية»، وقد قلد الرجل المصري سيده البريطاني في ذلك التصور الذي وجده مقنعًا».11
وفي اعتقادي أن هذه الصـورة تنطبق كذلك بصفة عامة على ما يسمى بالعصـور الإسلامية الأولى والوسـطى، بدءًا من الدولة الأموية والعباسية وحتى العصر المملوكي في مصـر والـشـام في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، التي هي محور معظم محاولات التنقيب والكشف التاريخي التي قمت بها. وتنتمي أبحاث هدى لطفي لهذه الحقبة، ولكنها تعتبر من الدراسات التاريخية القليلة التي تسلط الضـوء تفصيليًا على تاريخ النساء فيما قبل الحداثة بقرون عدة من خلال المصـادر المهملة، منتبهة إلى المساحة الواسعة التي كانت تشغلها النساء في الحياة العامة واختلاف المعايير الاجتماعية التي تحكم حياة الرجال والنساء.
كذلك أفرز التنقيب الوثائقي المكثف للدكتورة أميرة سنبل عن حالات حقيقية لتواجد النساء بالمحاكم يسجلن عقودًا للبيع والشراء والطلاق والخلع والنفقة والوصاية… إلخ، ويرفعن قضـايا للمطالبة بحقوقهن القانونية ويسجلن معاملاتهن التجارية والمالية، مما يفتح نافذة على الواقع الاجتماعي والثقافي والممارسة القانونية في الولايات العثمانية –وبخاصة مصر.
وهكذا تحقق هذه الدراسات أولاً، رسم الصورة الكاملة غير المنقوصة لتاريخ الأمة عن طريق تصغير تاريخ المرأة مع التاريخ العام، ثانيًا: دمج التاريخ الاجتماعي والثقافي وأسئلته وإشكالياته مع التاريخ السياسي الرسمي، ثالثًا: نقد الحداثة أو على الأقل إعادة النظر في فرضياتها ومعطياتها على الأخص ما يتعلق بحياة النساء في المجتمعات الإسلامية والخطابات الثقافية التي تشكلت بشأنهن.
نماذج ودلالات من تاريخ المرأة في المجتمعات الإسلامية
المحَدِّثات
اشتغلت النساء في العصر المملوكي (ق ١٤–١٥) بمهنة التدريس في الحفل الديني، وكن عالمات أسـتاذات تبوأن موقع المعلم المتخصص بمجالس وحلقات الدرس في المساجد والمنازل لإلقاء الدروس والمحاضرات في علم الحديث على الطلبة الرجال، ومنحهم إجازات علمية تشهد بتحصيلهم العلمي في كتب بعينها، تقابلنا في المصادر تفاصيل كثيرة حول شخصية المحدثة، وطبيعة عملها، وبيانات عن عملها واختصاصها، واختلاطها بزملائها من العلماء والمحدثين الآخرين في المجال نفسه هناك نموذج المحدثة فاطمة ابنة القاضي كمال الدين محمود القاهرية المولودة عام 1451م. ومراسلاتها مع محمد شمس الدين السخاوي (١٤٢٨ –١٤٩٧م) المحدث والمؤرخ صاحب قاموس الأعلام الضوء اللامع، ولقد أثنى السخاوي على براعتها وتفردها بوصفها محدثة وشاعرة. وضمن في کتابه أبياتًا كثيرة من أشعارها وعناوين قصائدها، وكذلك سجل لنا تبادل الحوارات والآراء والنقد والألغاز بينه وبينها، ثم بينها وبين علماء آخرين في شكل تبادل طرح أسئلة وإجاباتها.
يدفعنا تاريخ المحدثات بصفة عامة إلى إعادة النظر في أمور كثيرة، من بينها:
( أ ) انخراط المرأة المسلمة في حفل تعليمي مفي هو مجال تدريس العلوم الدينية في هذا العصر المبكر، دون مناقشة أو مشكلة موضـوع الثقة في قدرات المرأة العقلية أو حيثياتها الدينية للقيام بهذا العمل.
(ب) التدريس لطلبة رجال لم يتحرجوا بل فخروا بتلقي العلم من هذه الشـيخة أو هذه العالِمة المحدثة… إلخ، مما يشـي بعد وجود عقد أو حـسـاسـيات جراء التغير في «علاقة القوة» المفترضة بين الطرفين، بل إننا نقرأ مرازا في تواريخين إشارات إلى صفة «الرياسة» (فلانة كانت «رئيسـة» أو «ذات رياسـة»)، بمعنى تحقيق الامتياز والتفرد في مجال التخصـص والوصول إلى منزلة «الرئاسـة العلمية» أو المرجعية، واستحقاق الاحترام والإجلال من طلبتها والعلماء الآخرين، نذكر على سبيل المثال المحدثة نشـوان ابنة الجمال عبد الله بن العلاء (توفيت 1475م) في القاهرة، التي اشتهرت «بالدين والتدبير والعقل وعلو الهمة والكرم…» حتى إن قـاضـي الحنابلة العز الكناني «لم يكن يقوم لمن يدخل عليه بينه من النساء غيرها».
(ج) عنصر «الملازمة» و«المجاورة» المذكورة في هذه التواريخ تعكس صورة غير متوقعة عن عملية تبادل الخبرات العلمية بين العلماء والعالمات في أماكن مثل مكة، والمدينة، وبيت المقدس.
(د) صفات «العقل» و«الدراية» و«الفهم» و«حسن التدبير» و« الوجاهة» المذكورة باستمرار لوصف المحدثات، يجعلنا نعيد النظر في إشكالية التركيز على «نقصـان العقل» في الخطابات الدينية للفقهاء والمفسرين الموجودة في علوم التفاسير والفقه مثلاً، وكذلك انشغال الكتاب في العصر الحديث بشـرح هذا المفهوم وتوسيعه وإضفاء عليه صبغة علمية وسيكولوجية.
(ه) نالت المحدثات وعملين كل القبول والمديح والاحترام المجتمعي في ذلك الوقت، ولكن لم يتم تعيينين في المؤسسات الرسمية مثل المدرسة أو دار الحديث.12
اشتغلت النساء بالفقه والإفتاء، وسُجلت أراؤهن الفقهية في بعض المصادر، على سبيل المثال عمرة بنت عبد الرحمن من الجيل الثاني من الصحابيات (ت ۹۸ هـ) التي اعتبرت المصدر والمرجع لعدد من الأحكام الشرعية، واستشهد يحكم من أحكامها مالك في الموطأ، وأطلق عليها «العالمة». وتخصـص عدد من الفقهات في مجال الفرائض والحسـاب (المواريث) – أي في موضوعات فقهية حسابية معق بعيدة عن الموضوعات النسائية البحتة – مثل: أمة الواحد بنت عبد الله الحسين المحاملي (ت 377 هـ) وغيرهن كثيرات وصولاً إلى القرن العاشر الهجري، والشيخة عائشة الباعونية الدمشقية (توفيت ۹۲۲ هـ) التي كانت مفتية ومدرسة وأيضًا أديبة صوفية لها الكثير من المؤلفات في الشعر الصوفي والمدائح النبوية. مرة أخرى تلفت نظرنا تواريخ الفقهات والمفتيات إلى عدة أمورة.
( أ ) تشـير قضية علاقة المرأة بالتفقه والإفتاء في التاريخ الإسلامي المبكر إلى غياب الجدالات الحديثة حول قلة خبرة المرأة بالعلوم الدينية، أو عدم صلاحيتها بسبب الطبيعة الفطرية أو الوظائف البيولوجية، أو صعوبة المجال عليها… إلخ.
(ب) حدوث الاختلاط والاتصال بين الجنسين في مجالات العلم بطبيعة دون حساسية، ودون الحاجة إلى تبريره أو رفضه.
(ج) إشكالية الأعمال الفقهية للنسـاء المشـار إليها وإلى عناوينها دون العثور على أي من هذه المخطوطات حتى الآن، إلا إننا نظل على استنتاجنا أن بعض الفقهات قد سجلن أو جُمعت لهن أراؤهن وشروحهن الفقهية، ولكن هل فقدت جميعها وكيف ولماذا؟
(د) مارست المرأة «المفتية» (كما كان يطلق عليها في المصادر الإفتاء في دوائر المجتمع غير الرسمية، قبل «مؤسسة» الإفتاء في العصر العثماني وصبغة بالمركزية السياسية، مرة أخرى عندما يتحول «المفتي» إلى منصـب سـياسـي موحد وممثل للدولة بالتعيين من قبل السلطة الحاكمة تخسر المرأة، وتزداد ذكورية السلطة والمعرفة الدينية.13
لم يكن للنساء في المجتمعات الإسلامية قبل الحديثة تاريخ مهم في مجال العلوم الدينية فقط، ولكن ثبت اشتغالهن بالعلاج والتطبيب وتواجدهن في المؤسسات العلاجية والمستشفيات، بل تولت ابنة شهاب الدين بن الصانع في مصر (حوالي القرن الحادي عشر الهجري) مشيخة الطب بدار الشفاء المنصوري، وكان يشار إلى ممارستهن للطب بأنها «مهنة» و«صناعة» –أي احتراف في أنواع وتخصصات عدة مثل الكحالة» (أمراض العيون) و«جراحة الحروب» و«القبالة» (أمراض النساء)، ومرة أخرى لا تخلو هذه الاكتشافات من دلالة بالنسبة لإعادة بناء تاريخ المرأة في مجال العمل العام منها:
(أ) علاقة النساء في المجتمعات الإسلامية الوسيطة بممارسة مهنة الطب وفروعه المختلفة علاقة قديمة.
(ب) إعادة تعريف فروع الطب والنظر إلى البني والممارسات التقليدية باعتبارها ممارسات طبية سبقت «تحديث» المهنة الذي جاء به الفرنسيون والبريطانيون – إلى مصر –في القرن 19. فخمرت المرأة وتقلص نشاطها الطبي، وتم إقصاؤها عمدًا من قبل الإدارة البريطانية وحرمانها من فرص الترقي؛ وبسـبب نظريات البريطانيين حول «علاقة القوة والقيادة» بين الرجال والنساء لم يسمح للنساء أن ينخرطن في مهن الطب الحديث حتى لا يصبحن طبيبات سواء بسواء مع الرجال، لكن تم الاحتفاظ بهن ممرضات فقط.
(ج) إعادة النظر حول مسألة الاختلاط في مجال المهنة والثقة في المرأة؛ حيث تقابلنا أمثلة غير متوقعة عن علاج النسـاء للرجال، وعن قيامهن بعلاج الجروح وتركيب الأدوية والمراهم واستخدامها، فهناك زينب الأودية (العصر الأموي) التي أطلق عليها في المصادر «طبيبة» بني أود «العارفة بالأعمال الطبية» و«الخبيرة بالعلاج»، التي كانت متخصصة في طب العيون. وكانت تداوي الرجال والنساء من الرمد وغيره، ويشير الطبري في تاريخه إلى «متطببة» عالجت جرحًا لامرأة في كتفها… وهكذا.
(د) لا نجد في تاريخ هذه الشخصيات اندهاشا من انخراط المرأة في هذا المجال العلمي الطبي، أو شروطًا توضع لخروجها إليه إذن فقد عملت المرأة دائما منذ قرون، وكانت جزءًا من الحيز العام حتى عصر الدولة العثمانية، وغير صحيح أنها لم تخرج إلا في العصر الحديث فقط. أو أنه يجب «العودة» إلى «التقاليد الإسلامية» الأصيلة حيث المكوث بالمنزل، بل إن كتاب العصر الحديث هم الذين انشغلوا بالقاء طلال الشك على قدرة المرأة على العمل الجاد الصعب، وقللوا من الثقة فيها بحجة «طبيعتها الفطرية العاطفية» و«وظائفها البيولوجية»، فعرقلوا – أي صـعّبوا – تواجدها في العمل العام بحجة دورها الحقيقي داخل «مملكة البيت» والمنزل ومتطلباته…. وهذه الحجج لم يكن لها أي وجود في النصوص القديمة عند الحديث حول الطبيبات والمعالجات… إلخ.
بالرغم من ذلك نقف مرة أخرى عند إشكالية معينة: لماذا التناقض التدريجي في التاريخ للنساء في التراث الإسلامي، وفي تواجدهن في الأعمال التاريخية على مر السنوات كلما اقتربنا من العصر الحديث؟ هل يعبر ذلك عن غياب المرأة الحقيقي من الساحة أم تنامي التقصير في التوثيق والاتجاه إلى التهميش؟14
هناك تاريخ ثري للعابدات الزاهدات والصـوفيات في العصور الإسلامية الأولى، فقد وردت أسماء وتراجم المجموعات كبيرة في قواميس أعلام «الصالحات» و«الوليات» و«المصطفيات» (كما كان يطلق عليهن) للكتاب المعروفين أمثال الأصفهاني وابن الجوزي والسُلمي… إلخ.
ولكن عادة ما يتم اختزالهن جميعا في شخصية واحدة فقط هي رابعة العدوية، التي يشـوب سيرتها ظلال أسطورية عديدة. كذلك يوجد سـوء فهم لهذا التاريخ بالنظر إليه أنه يمثل تراجعا وانسحابا وانزواء للمرأة أو هروبا من المجتمع، في حين أن القراءة المتأنية لتفاصيل التأريخ تشي بالعكس في غالبية الأحيان، مما يدفعنا إلى تفكيك بعض هذه الافتراضـات مثل أن العبادة تقود إلى الوحدة والانعزال. إن طبيعة المجتمعات الإسلامية في ذلك الوقت خلقت الفرص لالتقاء العابدات بالصوفيين والعبّاد الآخرين، وعقد حلقات الدرس والذكر والدعاء، والتقاء المريدين والمسافرين من أقطار بعيدة لسؤالهن وأخذ العظة والبركة، والتعلم منهن أصـول العبادة والتقرب إلى الله والذكر والدعاء.
فهناك من اشتهرن وذاع صيتهن في الأقطار، وتم توثيق إعجاب النـاس بـدعـاء فلانة، أو مشاهدتهم صلوات فلانة أو حفظهم أبيات صوفية والهامات كشفية عن لسان فلانة أخرى… إلخ. أي إن تاريخ الصـوفيات هو تاريخ نلحظ فيه ازديادًا في رؤية النساء وظهورهن وليس في اختفائهن أو احتجابهن، إذن هناك الكثير الذي قد تعيد التفكير فيه مثل:
أ –علاقة المرأة الصوفية بالفضاء العام والمساجد وحلقات الوعظ والدرين، والتواجد الظاهر بالأماكن المقدسـة مثل البيت الحرام وبيت المقدس، والقيام بالصلوات والدعاء عيانا، فقد تم رصد، في كثير من الأحيان، وسائل تعبدمن ودعواتهن… إلخ.
ب –الاختلاط وحرية الحركة والتنقل والسفر للتواصل مع المريدين والصوفيين والعبّاد.
ج–أفكار المساواة التامة أمام الله، والاستقلال الذائي في ممارسة العبادات والتواقل، وتحقيق الذات والثقة بالنفس، واكتساب قوة روحانية داخلية تجعلين يتجاهلن النظرة الدونية إليهن، وكذلك القيود الاجتماعية البشرية المصطنعة أمام طريق التواصـل مع الخالق العظيم.
د–إسهام «روحانية المرأة» في تطور حركات الزهد والتصوف والحب الإلهي والصـور الشعرية الصوفية، وهناك نماذج كثيرة إلى جانب رابعة العدوية، مثل فاطمة النيسابورية، وشعوانة العابدة الأبلية.15
ثمة دراسة لا تزال قيد البحث/ الكتابة* وفي طريقها إلى الانتهاء عن قطاعات النساء اللاتي كانت لهن معاملات تجارية كبيرة أو صغيرة اتخذت أشـكالا عديدة، مثل امتلاك الأراضي والمنازل والحوانيت، واستئجار الأماكن، إذ كانت لهن كذلك مهن كثيرة في سوق العمل.
يتم رصـد معظم هذه الأنشـطة عن طريق التنقيب الوثائقي لإثبات ملكية المرأة للمال والثروة وحجمها وطبيعتها، ثم تصـرفها فيها أو إدارتها لها بالاستثمار أو البيع والشراء. وجدنا أنه علينا ملء الفراغات والمساحات، والاستدلال على الظواهر من المعلومات المختصرة لنلخص إلى استنتاجات مهمة حول علاقة النسـاء بالمال والحياة الاقتصادية في هذه المجتمعات، ثم خصائص التمكين والاستقلالية التي منحتها لهن.
1-هناك تاريخ منسي للنساء في العصور الإسلامية الوسطى وما قبل الحديثة، إذ يتم عادة القفز عليه من العهد النبوي إلى العصر الحديث مباشرة.
٢–التفاصيل العارضـة الصـغيرة وتعليقات المؤرخين والوثائق المحفوظة كلها مهمة ودالة لكشف النقاب وتحليل ومعرفة المغزى من وراء ذلك كله.
3-عقد المقارنات بين الفترات التاريخية وسيلة اكتشـاف تطور الحياة الاجتماعية والعامة للنسـاء أو تراجعها، كذلك تفكيك المفاهيم المغلوطة عن الحداثة وما قبلها ومعرفة تراكم الأفكار الثقافية عن عمل المرأة والحياة الأسرية والمجال العام والاختلاط والمساواة… إلى آخره
* أميمة أبو بكر، “التنقيب التاريخي والوثائقي وإعادة بناء تاريخ المرأة، مراجعة في خطابات معاصرة حول المرأة: نحو منظور حضاري، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ٢٠٠٧.
1-Gerda Lerner, The Creation of Feminist Consciousness, vol. II, New York: Oxford University Press, 1993.
2-Joan Scott, “Gender and the Politics of History (N. Y: Columbia Univ. press, 1998) “Gender: A useful” category of historical analysis,” in Women’s Studies International, ed. Aruna Rao. N. Y: Feminist Press, 1991 Feminism and History (Oxford Univ. Press, 1996).
3-انظر/ي دراسات مثل سوزان موشيه ستیوارد:
Susan Mosher Stuard (ed.), Women in Medieval History and Historiography (Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 1987(
4-انظر/ي أيضًا رينات برايدنثال:
Renate Bridenthal (ed.), Becoming Visible: Women in European History (Boston: Houghton Mifflin Company, 1997.
5-زينب فواز، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور (۱۸۹۹)؛ قدرية حسين، شهيرات النساء في العلم الإسلامي (1924).
6-أميرة سنبل، النساء والأسرة وقوانين الطلاق، ترجمة: رؤوف عباس، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ١٩٩٩. ص ١٤، (نشر بالإنجليزية ١٩٩٦).
7-المرجع السابق، ص ۱۹.
8-نیللی حنا، تجار القاهرة في العصر العثماني: سيرة أبو طاقية شاهبندر النجار، ترجمة وتقديم رؤوف عباس، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، ١٩٩٧، ص 15.
9-المرجع السابق، ص ۲۳۲.
10-المرجع السابق، ص ٢٣٥.
11-Afaf Lutfi al-Sayyid Marsot, Women and Men in 18th Century Egypt, Austin: University of Texas Press, 1995, p. 57
12-انظر/ي الدراسة الكاملة، أميمة أبو بكر، “المحدثاث في التاريخ الإسلامي – القرن 14 و15″، مجلة هاجر، العدد 5/ 6، القاهرة، دار نصوص، ۱۹۹۸.
13-انظر/ ي الدراسة الكاملة، هدى السعدي وأميمة أبو بكر. المرأة والحياة الدينية في العصور الوسطى بين الإسلام والغرب، أوراق الذاكرة: ٢، القاهرة: ملتقى المرأة والذاكرة، ۲۰۰۱.
14-انظر/ي الدراسة الكاملة: أميمة أبو بكر وهدى السعدي، النساء ومهنة الطب في المجتمعات الإسلامية (ق م –١٧م)، أوراق الذاكرة: 1، القاهرة: ملتقى المرأة والذاكرة، ١٩٩٩.
15-انظر/ ي الدراسة الكاملة، أميمة أبو بكر، “قراءة في تاريخ عايدات الإسلام“، في زمن النساء والذاكرة البديلة. تحرير هدى الصدة وأميمة أبو بكر، القاهرة: ملتقى المرأة والذاكرة، ١٩٩٨، ص١٤١ –١٦٢. * صدر لاحقا: أميمة أبو بكر وهدى السعدي، النشاط الاقتصادي الحضري للنساء في مصر الإسلامية، أوراق الذاكرة، ع 4، القاهرة: مؤسسة المرأة والذاكرة، ۲۰۰۷.