الجزء الثالث: الفكر الإسلامي القانوني: نظرية وممارسة

التصنيفات: النساء والأديان

من أين نأخذ شرع الله؟ قضية قيادة المرأة السياسية: رؤية جديدة لحوار قديم

نيفين رضا

مقدمة

في ركاب الربيع العربي وشبابنا يطمح إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ذهب المصريون لصناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات برلمانية حرة بعد الثورة (نوفمبر ۲۰۱۱)، وظهرت نتيجة الانتخابات بفوز أعضاء تيار الإسلام السياسي على غالبية الأربعمائة وثمانية وتسعين مقعد، واضمحل التمثيل السياسي للمرأة من الأربع وستين مقعد الواهية في عصر مبارك إلى ثمانية مقاعد فقط في مجلس الشعب الجديد. وتناسبت هذه النتائج مع ما تردد من النداء بشرع الله، وبتطبيق الشريعة الإسلامية على البلاد، فكأن شرع الله شئ سهل ومعروف، توارثناه عن آبائنا ولن نختلف فيه، متناسين الخلافات التاريخية الجسيمة التي دارت في إطار الشريعة، وأبعادها إلى يومنا هذا، فهذه الخلافات تجاوزت الفروع ووصلت إلى أصول الشريعة نفسها، وتحديد العلاقة بين هذه الأصول، خاصة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة اللذان يمثلان أهم مصادر النصوص الأولية، فالمشكلة في الغموض الذي يشوب هذه العلاقة في مذاهب أهل السنة والجماعة والتناقض بين بعض نصوص القرآن والحديث، فماذا نصنع في الحالات التي يتعارض فيها القرآن مع حديث ما؟ هل نأخذ بالقرآن أم نأخذ بالحديث؟ وما هي أبعاد خياراتنا على أرض الواقع ومتطلبات العصر؟ في هذا البحث سأتناول مسألة التعارض في أصول الشريعة، وذلك من خلال إشكالية تناقض النصوص الأولية المتعلقة بقضية قيادة المرأة السياسية. سأبين طابع الشريعة المتغير، تفاوتها وإمكانياتها بالنسبة للمرأة والقيادة السياسية.

والمقصود بالشريعة في هذا البحث هو ما توارثناها عن الدولة العباسية من الفقه حسب المذاهب الأربعة والمذهب الجعفري، وهي المذاهب التي تحدد معالم الشريعة اليوم وتختلط بها في مفاهيم وخطاب المنادين بشرع الله، وتختلف هذه المذاهب عن كتاب الله المعجز الذي لا عوج فيه، الصالح لكل زمان ومكان، فالمذاهب منتج بشري، أنتجه رجال معروفون بأسمائهم وتراجمهم وكتبهم، مفاهيمهم قابلة للصواب والخطأ ومرتبطة بظروف الزمان والمكان. فبهذا التعريف نفرق بين ما هو حقًا من عند الله (تعالى) ونستطيع أن نسميهشرع الله، وما هو من صناعة البشر ولا يجوز أن ننسبه إلى الله.

والحوار حول مسألة التناقض ليس بجديد على الفكر الإسلامي، بل له جذور تاريخية قديمة تبدأ من نهاية القرن الأول الهجري والنزاع الذي شب بين أهل الرأي من ناحية وأهل الحديث والخوارج من ناحية أخرى حول معنى الإيمان، واستمر الحوار عبر التاريخ. وفي عصرنا الحالي يأخذ أشكالاً عديدة، لعل أهمها في هذه اللحظة التاريخية هو الخلاف حول أهلية المرأة للولاية العظمى أو العامة، بما تتضمنه من تولى المرأة مناصب سياسية عليا، وذلك لما يتعلق بهذه القضية من مفاهيم مرتبطة بالقيادة الرشيدة التي هي من أهم حاجاتنا اليوم.

سأبدأ البحث بعرض أهم الأدلة الداعمة لحق المرأة في تولي مناصب سياسية عليا وذلك من خلال قصة ملكة سبأ في سورة النمل وتأثيرها المؤثرة في مفاهيمنا ومتطلباتنا العصرية لقياداتنا السياسية ونظم الحكم، ثم سأتناول أهم الأدلة التي تستند عليها المذاهب الفقهية، وذلك من خلال حديث شريف، وسأبين بعض النقاط المتعلقة بإسناده ومتنه، ثم أعود إلى الوراء للقرن الثاني الهجري والمحاورات الدائرة حول معنى الإيمان، مبينة الحجج التي استند إليها أبو حنيفة النعمان بن ثابت (المتوفي سنة 150 ه /767 م) وأصحابه في قولهم إن الإيمان هو التصديق، ثم سأبين أهم الأدلة التي استند إليها الخوارج وأهل الحديث في قولهم إن الإيمان يشمل التصديق والعمل، وأهم التطورات من أجل حل مشكلة تعارض النصوص عبر الزمان، مبينة أن المشاورات حول حاكمية القرآن وحاكمية الحديث ليست بشيء جديد على الفكر الإسلامي، بل لها سوابق، واشترك فيها كبار الأئمة، وفي أهم نقاط العقيدة الإسلامية، وسأنهي البحث بعرض أحدث التطورات على الساحة العالمية، وكيف تقوم ناشطات الحركة النسائية بتوظيف مقاصد الشريعة للتطوير من داخل الشريعة نفسها. موقعي في هذا الحوار هو بوصفي عالمة وباحثة متخصصة في الدراسات القرآنية والإسلامية وناشطة في الحركة النسوية الإسلامية.

سورة النمل

سأبدأ حديثي عن قصة ملكة سبأ بتناول سورة النمل بوصفها وحدة، وأتبع هذا المنهاج لأنني أرى أن الكتاب نفسه يبين لنا منهجية تناوله، إذ إن الله يصفه بأنهكتاب أحكمت آيته ثم فصلت من لدن حكيم خبير” (هود، ۱)، فالقرآن إذًا يفصل بعضه بعضًا، والسورة هي الوحدة الأساسية التي نظم الله (تعالى) بها كتابه والتي تبين سياق الكلام. ومن ناحية أخرى فالله يتوعد من يتخذ القرآنعضين” (أي يقسمونه إلى جزئيات صغيرة متفرقة ليسهلوا على أنفسهم الأخذ ببعضه وترك بعضه)؛ إذ يقول:”كما أنزلنا على المقتسمين. الذين جعلوا القرءان عضين. فوربك لنسئلنهم أجمعين. عما كانوا يعملون” (الحجر، ٩٠٩٣)، ولذلك لا يكفي تناول القرآن من حيث آيات أو مقاطع صغيرة منفردة، دون النظر في بقيته، ومن الأفضل محاولة فهم سياق الكلام في السورة ككل كلما أمكن ذلك، ثم النظر في سائر القرآن لرؤية إن كان هناك ما يضيف إلى المعنى شيئًا.

ونهجي هذا يصنف تحت التفسير النسوي الإسلامي الذي من معالمه الاهتمام بالروابط الداخلية للنص، وبالنواحي التربوية والإنسانية وما قد تتضمه من معالجة منظومةالتطفيف الجنسيمتى ظهرت معالمها، استكمالاً لخطى بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن (المتوفاة سنة ١٩٩٨م) وآمنة ودود، وأسماء برلس، ونعمت حافظ برزنجي، وربما أيضًا سلوى العوا، وغيرهن، ويصنف النهج بصفة عامة تحت تفسير القرآن بالقرآن، وقد اجتمع السلف والخلف على أنه أفضل طريقة لتفسير القرآن (ابن تيمية، ٩٣١٠٥؛ الزركشي، ٢: 175-176؛ السيوطي، 4: 174؛ الذهبي، 1: 31-36)، وقد اهتم قلة فقط من علماء السلف بوحدة وتناسق السور، وتصنف كتاباتهم تحت علم المناسبة أو النظم (أنظر/أنظري Reda،(“ Holistic Approaches”، وأهم من كتب في ذلك الباقلاني (المتوفى سنة 403 ه/13 ١٠م) في تناوله سورتي غافر وفصلت (الباقلاني، ٨١٥)، وبرهان الدين البقاعي (المتوفي سنة 885ه/١٤٨٠م) في كتابه نظم الدرر. وقد أدرك مفسرو القرن العشرين وما بعده أهمية هذا النهج، واهتم الكثير منهم بالسورة بوصفها وحدة، مثل عبد المتعال الصعيدي (المتوفى سنة ۱۹۷۱م) وحسن الترابي ومحمد دراز (المتوفى سنة ١٩٥٨م) ومحمد عزت دروزة (المتوفى سنة ١٩٦٤م) وسيد قطب (المتوفى سنة ١٩٦٦م) ومحمد الغزالي (المتوفى سنة ١٩٩٦م)، وعلى الساحة العالمية أمين أحسن إصلاحي (المتوفى سنة ١٩٩٧م) والطباطبائي (المتوفى سنة ١٩٨١م) وأشرف علي ثنوي (المتوفى سنة 1943م) ومحمد فاروق الزين وأنجليكا نویورث Neuwirth، ونيل روبنسن Robinson، وماتياس تسانسر Zahniser، وغيرهم، فدراسة السورة بوصفها وحدة ليست بشيء جديد لا محليًا ولا عالميًا، بل هو الأفضل والأليق بمفاهيمنا واحتياجاتنا اليوم.

سورة النمل هي السورة السابعة والعشرون في القرآن الكريم، وهي مكونة من ثلاثة وتسعين آية، وحسب قراءتي لها يربطها موضوع واحد هو السلطان وكيفية توظيفه، وتتكون من جزئين، الجزء الأول يغطي ثلثي السورة تقريبًا، ويتناول أربع قصص تصور استخدام البشر للسلطة التي أفاء الله عليهم بها، تبدأ بقصة موسى وفرعون، ومصر كانت قوى عظمي في ذلك الوقت، وتليها قصة سليمان وملكة سبأ، وهي قوة أصغر مما قبلها، ثم قصة صالح والرهط من قومه، والرهط في نظامهم القبلي أقل سلطانًا من الملكة في مملكتها، ثم قصة لوط وقومه وما تصوره لنا من سوء استخدام السلطان على المستوى الفردي الشخصي. وجميع هذه الأقوام والأنظمة المتدرجة في السلطان تفشل في استخدامه استخدامًا لائقًا مما يؤدي بها إلى الهلاك، ماعدا ملكة سبأ التي قادت شعبها إلى الفلاح، وتمثل هذه المرأة مثال القيادة السياسية الرشيدة، وتشغل قصتها أربع صفحات أي ثلث السورة، والقصص الثلاث الأخرى الثلث الثاني، وبذلك يكون التركيز على قصة ملكة سبأ، وبينها وبين سائر القصص تضاد يوازنها ويعكس سمو إدارتها لشؤون شعبها. أما الجزء الثاني من السورة فيشغل آخر ثلث في السورة تقريبًا، ويدور حول قوة الله عز وجل وقدرته في خلقه، وعلاقته بالجزء الأول علاقة تضاد يوازن ويكمل لنا تصوير السلطان وكيفية توظيفه، ولعله المقصد والمغزى الذي يبين أن في نهاية الأمر السلطان لله جميعًا يمتحن به من يشاء من البشر، سواء كانوا ممن منَّ عليهم بالنبوة أو ممن منَّ عليهم بالسلطة، مما يؤكد نجاح ملكة سبأ في القيام بمسئوليات السلطان، وبذلك نرى أهمية موقع قصة ملكة سبأ في السورة، وكيف أن سائر أجزاء السورة تتفاعل معها وتعكس معناها وتزيد من أهميتها.

قصة ملكة سبأ

تتميز قصة ملكة سبأ بالروائع والطرائف التي تلقي الأضواء على كيفيات وفعاليات استخدام البشر للسلطان، ليست بموضوعنا اليوم إلا فيما يتعلق بالقيادة السياسية البحتة التي لا تتلقى وحيًا مباشرًا من الله. وتظهر مميزات بلقيس من أول كلمة تفوهت بها كما وردت في الآيات الآتية:”قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتابٌ كريم (۲۹) إنّه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم (30) ألا تعلوا علي وأتوني مُسلمين (۳۱) قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعًة أمرًا حتى تشهدون” (۳۲).

فهي بذلك تخبر قومها بالوقائع بطريقة متزنة ولا تخفي عنهم شيئًا، مما يعكس شفافيتها، وكلمةأفتونيتفيد معنى الاستفتاء وهو من أهم أليات الديمقراطية، وكلمةملأفييأيها الملأتوحي بالامتلاء والتضمين فيشمل الخطاب جميع فئات قومها الممثلين بأشرافهم وسائر قادتهم بدون استثناء، وإذا قرأنا هذا المقطع مع آية الشورىأمرهم شورى بينهمالمستخدمة في عصرنا الحالي للاحتجاج للديمقراطية، تصبح هذه القصة بمثابة تفصيل وبيان لكيفية إتمام الشورى على مستوى دولة بأكملها لها كيان موحد ونظام سياسي قائم، والشورى ليست الخاصَّة الوحيدة المتعلقة بمفاهيمنا العصرية للقيادة المسئولة والتي يمكن استشفافها من هذه الآيات، فكلمةما كنت قاطعًة أمرًا حتى تشهدونتنص على أن بلقيس تجعل الشفافية منهاجًا لحكمها، وإشهاد الملأ وتضمينهم في إدارة شؤون البلاد يؤكد أسلوبها الديمقراطي الشفاف.

وتواصل القصة مجراها وتظهر لنا خصائص جديدة لأسلوب حكم بلقيس في الآيات الآتية:”قالوا نحن أولو قوةٍ وأولو بأسٍ شديد والأمر إليك فأنظري ماذا تأمرين (33) قالت إنَّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون (34) وإني مُرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون” (35). في الآيات السابقة يفتخر قوم بلقيس بقوتهم العسكرية واستعدادهم لمواجهة سليمان، وتركوا الأمر لها، لتتخذ القرار النهائي، مما يذكر بنظم الدول الحديثة التي يحتاج فيها الرئيس إلى موافقة وتفويض من مجلس الشعب لإعلان الحرب ولاتخاذ القرارات الجسيمة الأخرى، فالمعاملات الدائرة بين بلقيس وشعبها تفوق زمانها، وتعبر عن مطامح عصرية، ولعل اختيار بلقيس للحل الدبلوماسي أيضًا يعبر عن مفاهيم عصرية ومطامح تتعلق بالحاكم وأولوياته، إذ لم تختر الحرب ولكن بعثت بهدية لتبدأ بها المشاورات السلمية، وذلك حتى لا تعرض شعبها للحرب والمهانة.

وتتوالى أحداث القصة، ولم يتقبل سليمان الهدية التي أرسلت بها إليه، وتوعد شعبها بالحرب، ولم تضعف بلقيس وتختبئ داخل جدران قلاعها، بل خرجت لتتشاور معه، مما يبين شجاعتها، وحرصها على سلامة شعبها وحقن دمائهم، وأراها سليمان آيتين حسيتين، فلم تماطل وأسلمت معه لرب العالمين، فبذلك أبدت هذه الملكة قدرتها على مواكبة التغيرات الزمنية السريعة واتخاذ القرارات المناسبة في وقتها، وإعطاء كل ذي حق حقه، إلى جانب اتصافها بالدبلوماسية، والحفاظ على كرامة شعبها ومشورته.

ولعل البعض يقول إنها في نهاية الأمر لم تحكم، بل أسلمت لسليمان، فحكم هو، وهذه القراءة لا تتماشى مع النص القرآني وكلمةمعفيأسلمت مع سليمان لرب العالمين؛ إذ إن كلمةمعتدل على الصحبة، والآية تفيد أنها أسلمت لله كما أسلم سليمان من قبل، ولم تستسلم لسليمان، وقد جاء ذكر بلقيس في التوراة (سفر الملوك الأول، 10: ١١٣)، فإن قرأنا النصين معًا، نجد أن التركيز في القرآن على ما يظهر كيفية توظيف بلقيس للسلطان الذي أفاء الله به عليها، بينما التركيز في التوراة هو على رحلة مجيئها لزيارة سليمان وعلى بيان حكمتها ومحاوراتها معه، وهداياها له، مما يظهر الوقع التاريخي لهذه الملكة، فلم ينساها بنو إسرائيل أبدًا ولا مبادرتها بالقدوم ولا سعة عقلها، وتبين التوراة أنها عادت إلى بلادها معززة مكرمة، لم ينقص من سيادتها شيئًا، لتستمر في حكم بلادها، وبذلك يتبين أن دعوة أن بلقيس أسلمت لسليمان وتنازلت عن حكم بلادها له لا أساس لها لا في القرآن ولا في السرد التاريخي القديم الذي يسجله التوراة.

وكذلك نرى تصويرًا قرآنيًا رائعًا لكيفية القيادة، نستطيع أن نتذوقه ونفهم أبعاده جيدًا من خلال أحداث الثورات التونسية والمصرية وانتفاضات سائر الشعوب العربية، والطريقة التي عامل بها الحكام شعوبهم، فالنموذج الذي تقدمه لنا ملكة سبأ مطمح آمال الشعوب العربية اليوم في رؤسائهم ونظم حكمهم، فيا ترى ماذا لو كان هؤلاء نشأوا وترعرعوا على قصة ملكة سبأ وتعلموا من خلالها كيفيات القيادة؟ ألم نخسر الكثير بإهمالنا لهذا المثال وقدرته الكامنة لتطوير مفاهيم القيادة؟

ويقدم لنا القرآن الكريم نموذجًا أخرًا للقيادة فرعونوهو في أسلوب تعامله مع شعبه والأقلية الدينية التي اتبعت موسى نقيضًا تامًا لبلقيس، مع أنه أعطي الفرص نفسها، وجاءه مرسال من ربه بآيتين حسيتين، نفس العدد الذي جاء بلقيس، ولكنه كان مثال الحاكم الأوتوقراطي (المنفرد) المستبد إذ قال للناسأنا ربكم الأعلى” (النازعات، ٢٤)، ولم يتردد في استخدام العنف وتعريض شعبه للهلاك، وصار به الأمر إلى أنه لم يتقبل الآيتين اللتين أراهما إياه موسى، ولا مشورة خبراء السحر من شعبه، وتمادي في البغي على الأقلية الدينية المستضعفة في أرضه، وأدى بمن هم تحت رعايته إلى الغرق والخسران. ولعل التضاد بين التصوير القرآني لبلقيس ومثله لفرعون يعكس الفجوة بين المنظومتين: منظومة الديمقراطية والشورى والمساواة بين الناس الممثلة في بلقيس ومنظومة الأوتوقراطية (الحكم المنفرد) والطاعة العمياء والبغي على المستضعفين الممثلة في فرعون. وفي قراءتنا اليوم للنموذجين لعلنا نستطيع أن نقول إن نجاح الحاكم لا يتعلق بكونه ذكرًا، وإن كان في قمة القوة والجبروت كفرعون في زمانه، ولكن نجاح الحاكم مرتبط بصفات مثل الديمقراطية والشفافية والدبلوماسية والعدل والقدرة على مواكبة التغيرات الزمنية السريعة وحفظ كرامة شعبه وحقن دمائه، مما قد توفق فيه النساء أيضًا، وسورة النمل تعرض علينا سبقًا تاريخيًا لهن وبرهانًا على أعلى مستوى.

ومن الجدير بالذكر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أيضًا اتبع أسلوب الشوري، إذ أمره الله بها (آل عمران، ١٥٩)، مع أنه لم يكن في حاجة إلى مشورة أصحابه والله يشير عليه، فكيف إذًا نفهم أمر الله له بمشورتهم؟ لعل الجواب عن هذا السؤال هو أن أصحابه كانوا في حاجة إلى تعلم كيفية القيادة، فكان الغرض من تعامله معهم بأسلوب الشوري تعليميًا تربويًا، حتى لا يظنوا أن الطاعة العمياء أسلوب مناسب لتعامل رئيس مع مرؤسيه، فبذلك نجد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي يتنزل عليه الملك بوحي كان يتبع أسلوب بلقيس نفسه وليس أسلوب فرعون.

ولعل البعض ينظر للنبي (صلى الله عليه وسلم) ويستكفي به بوصفه مثالاً للقيادة السياسية الرشيدة، ومشكلة ذلك أن هؤلاء عادة ما يستخدمون النبي وسلم للاحتجاج للأسلوب الأوتوقراطي الاستبدادي في القيادة، فيلصقون الاستبداد بالنبي (صلى الله عليه وسلم)، وينتظرون من اتباعهم الطاعة العمياء، متناسين أن كان يتنزل عليه الوحي من الله تعالى، فطاعة النبي (صلى الله عليه وسلم) ليست لشخصه ولكن لكونه رسول الله (تعالى)، يبلغ عنه رسالاته، أما هم فهم من فئة البشر غير الأنبياء، لأنهم لا يتنزل عليهم الوحي، فيجب عليهم أن يعتبروا بالمثل الذي من نفس فئتهم، وهو بلقيس، حتى لا ينتهي بهم الأمر إلى أن يمشوا في خطى فرعون وينشروا المنظومة الأوتوقراطية.، فيعلمونها لأتباعهم والأجيال الصاعدة.

حديث أبي بكرة

فلماذا إذًا يشك بعضنا في أهلية المرأة لتولي مناصب سياسية عليا وقدرتها على التفوق فيها ويترددون في دعمها في ذلك مع وجود هذا المثال المعبر داخل القرآن الكريم؟ والجواب على هذا السؤال هو أن تراثنا الفقهي منع النساء من شغل مثل هذه المناصب (الجزيري، 1: 543، 5: 618؛ ابن رشد، 1: 155، 4: ٢٤٣؛ أبو يعلى الفراء، 31، 60)، وإن لم يذكر كبار الفقهاء الذين كتبوا في الأحكام السلطانية الذكورة في شروط الإمامة (الماوردي، 6؛ أبو يعلى الفراء، ٢٠)، وحجة مانعي النساء تاريخيًا لا تقوم على نص قطعي صريح من القرآن الكريم، ولكنها مبنية على حديث شريف رواه صحابي اسمه أبو بكرة نصه كالآتي:”لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارسًا ملكوا إبنة كسرى قال: لن يفلح قومّ ولوا أمرهم امرأة“.

وهذا الحديث صحيح، فقد أخرجه البخاري (كتاب المغازي # ٤٤٢٥؛ كتاب الفتن # ۷۰۹۹) وغيره في صيغ مشابهة (أحمد بن حنبل # ٢٧٥٣٤، ۱۹۸۸۸، 19960، 19964، 19994؛ الترمذي #٢٢٦٢؛ النسائي # 5904 ؛919)، ورغم دقة البخاري في اختيار أحاديثه، فهناك بعض التساؤلات المتعلقة بإسناد الحديث ومتنه يجب أن نأخذها في الاعتبار، لعل أولها هو تاريخ أبي بكرة، فقد كان من سكان البصرة في عهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وسافر منها إلى المدينة ليقذف رجلاً وإمرأة بالزنا، ولم يوفق في الإتيان بأربعة شهود، وجلده عمر بن الخطاب ثمانين جلدة، ولم يختلف أحد من العلماء والفقهاء الكبار بمن فيهم ابن تيمية وابن الأثير وغيرهم في أنه لم يتب ولا يجوز الأخذ بشهادته أبدًا (ابن تيمية، تفسير سورة النور 73؛ ابن الأثير، 5: 39)، وذلك عملاً بالآية الآتية:”والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا وأوليك هم الفاسقون” (النور، 4).

فالشخص الذي كشف لنا الله إفكه ووصفه بالفسق ونهانا عن الأخذ بشهادته أبد الدهر، كيف إذًا نعتبره ثقة، ونأخذ بروايته، ونبني عليها حكمًا شرعيًا ظالمًا؟ ألا يتعارض ذلك مع مضمون الآية؟ وقد فرق السلف بين الرواية والشهادة ولكل منهما معايير، ولكن كيف تكون معايير الرواية التي يشرع على أساسها الأحكام أقل من معايير شهادة الشهود في المحاكم؟ فمعايير الرواية في حاجة شديدة إلى إعادة النظر؛ لأنه ليس هناك أدني ممن وصفه الله بالإفك والفسق ونهانا عنه، القاذف المجلود الذي أقام عليه الحد عمر بنفسه، المشهور بالعدل، وإن كان قد قبلت رواية مثل هذا في أهم كتب الحديث فيا ترى هل هناك من خبايا أخرى قد فاتتنا؟

ولقد بينت رائدة الخطاب النسوي الإسلامي في العصر الحديث فاطمة مرنيسي بعض الأسباب السياسية التي توضح أهمية أبي بكرة ورواياته في دعم الخلافة الأموية مما قد يفسر لنا اهتمام فقهاء الدولة الأموية به(61-49,Mernissi)، ولكن هذا لا يبين لنا لماذا استمر السلف في الأخذ بأحاديثه وتجاهل النصوص القرآنية منذ قيام الدولة العباسية إلى يومنا هذا، ولعل السبب في التشبث بصحة هذا الحديث ليس إلا الرغبة في استمرار التطفيف الجنسي وإيجاد أي مبرر له، فيستوفي الرجال لأنفسهم جميع حقوق الولاية بأنواعها المختلفة، ويُخسرون النساء، فالتطفيف هو الثمن القليل الذي يكسبه من يرفع لواء منظومته، ولفظالتطفيفمستوحى من سورة المطففين، التي يتوعد الله فيها المطففين، الذين يبخسون الناس حقوقهم، ومصطلحالتطفيف الجنسييشير إلى ظاهرة التطفيف على أساس جنسي، يوجه إلى المرأة بسبب كونها امرأة فقط لا غير، وليس لأي جريمة قد ارتكبتها أو ذنب قد اقترفته.

أما بالنسبة إلى متن الحديث، فقد رأينا قصة ملكة سبأ التي قادت شعبها إلى الإسلام، وهو الفلاح، إذ يقول الله (تعالى) عن المؤمنين:”أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون” (البقرة، 5)، وبذلك أفلح قومها بولايتها لهم ولم يخيبوا، أما فرعون فهو رجل، ولم يفلح قومه بتوليه زمام أمورهم، فالذكورة أو الأنوثة إذًا ليست بضمان لنجاح الحاكم أو فشله، وبذلك يخالف القرآن متن هذا الحديث. والوضع الآن أننا أمام نصين متناقضين أحدهما قرآن كريم والآخر حديث شريف، وتراثنا الفقهي تجاهل النص القرآني واتخذ الحديث حجة، وقام بتطبيقه على الأنظمة الحاكمة، فكيف إذًا نتعامل نحن الآن مع هذين النصين في ظل ظروفنا واحتياجاتنا السياسية اليوم مع الحفاظ على مصداقيتنا التاريخية؟

الحلول الثلاث التقليدية

ولعل ماضينا الفقهي العريق الذي أورثنا هذه المشكلة بقادر على أن يفاجئنا بحلوله وبتنوعه الفكري، فقد واجه علماء السلف مشكلة تناقض القرآن الكريم مع الأحاديث الصحيحة، التي لها أسانيد تمتد حتى النبي (صلى الله عليه وسلم)، وتعاملوا معها بطرق مختلفة قد تساعدنا في فهم خياراتنا اليوم وأبعادها الفقهية والعملية. ولعل أول وأهم سابقة كانت في عصر الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت وأصحابه، حين أدى تعارض القرآن والحديث إلى خلاف عقائدي حول مفهوم الإيمان، وقد بلغنا من المصادر الأولية ما يكفي لرسم معالم هذا الحوار، فأبو حنيفة ينسب له عدة كتابات، منها رسالة أبي حنيفة إلى عثمان البتي (أبو حنيفة 1367ه [١٩٤٨م])، وهي الرسالة الوحيدة التي لم يختلف على صحة نسبتها علماء الشرق والغرب، وتدور حول مضمون الإيمان هل هو التصديق فقط أم يشمل العمل أيضًا، ولعل أطول كتابات الشيخ الجليل وأشملها تصويرًا لحجته هو كتاب العالم والمتعلم (أبو حنيفة 1367ه [١٩٤٨م) وقد حفظ في عدة مخطوطات ونشر أكثر من مرة في العصر الحديث (أنظر/ أنظري Schacht)، ومن أشهر محققي الطبعات الجديدة الشيخ الكوثري، والكتاب يصور حوارًا ممتدًا على هيئة أسئلة وأجوبة دارت بين أبي حنيفة وبين تلميذ له، وينسب هذا الكتاب لأبي حنيفة، على أنه العالم الذي يمن على المتعلم ببنات أفكاره، وفي أغلب الظن لم يكتبه أبو حنيفة بيده، بل كتبه تلميذه، أبو مقاتل حفص بن سلم السمرقندي، كما جاء في إسناد الكتاب، ومحتوى الكتاب ومحتوى رسالته إلى عثمان البتي فيهما تشابه كبير من ناحية الموضوع، والصياغة، والحجج المستخدمة، ونوعيتها، مما يؤكد دقته التاريخية.

يصور لنا كتاب العالم والمتعلم موقف أبي حنيفة وأتباع مذهبه، فهم استندوا إلى حجج من القرآن الكريم ليبينوا أن العمل يختلف عن الإيمان، وأن الإيمان هو التصديق فقط، بينما احتج خصومهم بحديث شريف ليبينوا أن الإيمان يتضمن العمل، ودعموا حجتهم بالأسانيد المرفوعة حتى النبي، وقولهم له عواقب على صانع الكبيرة، فيعتبر غير مؤمن، وفتحوا بذلك باب التكفير، والمكفَّر وضعه مزعزع في المجتمع، لا يأمن على حياته وعرضه وماله، سواء كان كافرًا حقًا أم أصيب ظلمًا وبهتانًا.

ونص الحديث مذكور في الكتاب وهو كالآتي:”إن المؤمن إذا زنى خلع الإيمان من رأسه كما يخلع القميص من رأسه، ثم إذا تاب أعيد إليه إيمانه” (أبو حنيفة، ٢٤). وقد ذكر الشيخ الكوثري محقق طبعة مطبعة الأنوار بالقاهرة رواية أخرى مشابهة نصهالا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن” (أبو حنيفة، ٢٤)، ولها صيغ وأسانيد مختلفة (العسقلاني # ٦٧٧٢، ۱۲: 59-64)، تضم نخبة من ألمع الأسماء، نستطيع من خلالها أن نعلم من هم الذين يمثلون الرأي المضاد لأبي حنيفة وأصحابه في الحوار الفكري الذي دار حول معنى الإيمان، وذلك إن نظرنا إلى الأسماء المعاصرة لأبي حنيفة، ومنها اثنان من كبار المحدثين، هما عكرمة مولی ابن عباس (المتوفى سنة 106 ه /٧٢٥ م)، وابن شهاب الزهري (المتوفى سنة ١٢٤ه /٢ ٧٤١ م)، وعكرمة مذهبه معروف، فهو من الخوارج، ومنظومتهم الفكرية معروفة، تكاد أن تندثر اليوم فيما عدا الإباضية في عمان ومناطق قليلة أخرى. أما ابن شهاب، فهو من أهل الحديث، وأخذ عنه كبار محدثي زمانه، وهو أول من استخدم الإسناد (ابن أبي حاتم الرازي، ۱: ۲۰)، ومنظومتهم الفكرية في ازدهار وانتشار حتى اليوم ضمن فكر أهل السنة والجماعة الغزير (ابن أبي يعلى، 16، ٢٥، ۱۳۰، ۲۰۳، ٢٨٦، ٢٩٥، ۳۱۳، 343).

وكان جواب أبي حنيفة أن هذا الحديث يتناقض مع نص الآية الكريمةواللذان يأتينها منكم” (النساء، ١٦) مما يفيد أن الزناة من المؤمنين وليسوا من الكفار، كما احتج بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) لن يأتي بما يخالف القرآن قط، مستشهدًا بالآيةولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين” (الحاقة، 45)، فبذلك يصبح أحد الخيارات عندما يتناقض القرآن الكريم مع حديث ما هو أن نأخذ بالقرآن ونترك الحديث المتناقض.

ورد أهل الحديث على أبي حنيفة بحديث آخر، نصه:”من قال في القرآن برأيه فليتبوأً مقعده من النار” (الترمذي، كتاب تفسير القرآن #٢٩٥٠٢٩٥٢)، فإذا قرأنا هذا الحديث في الظروف الزمنية المحيطة بأبي حنيفة وابن شهاب والصراع الفكري بين أهل الرأي وأهل الحديث، نرى أن هذا الحديث أضعف موقف كل من يحتج بالقرآن، لأنه قد يتهم بالرأي، أو من يستخدمه للطعن في متون الأحاديث، مما يدحض من حاكمية القرآن على صحة الحديث، ويرفع من حاكمية الحديث، واستقلاله عن القرآن بوصفه مصدرًا للتشريع، مما يدخل تحت مبدأالسنة قاضية على القرآن وناسخة له” (الدرامي # 586 – 590؛ أبو حامد الغزالي، 1: 80-81؛ القرضاوي، ٩)، فبذلك يصبح خيارنا الثاني المتماشي مع تراثنا أن نأخذ بالحديث ونترك القرآن، خوفًا من مقعد في النار، وعواقب ذلك الخيار هو أن نستمر في دعوتنا بأن الشريعة الإسلامية تحرم على المرأة الولاية العظمى أو العامة بما في ذلك المناصب السياسية العليا وما يترتب على هذا الادعاء من تداوله بين الناس تحت شعار شرع الله.

وقد قام الشافعي بتطوير خطاب أهل الحديث ليكون أكثر قابلية عند الناس، وحاول إيجاد حل وسط للمشكلة مع الحفاظ على حاكمية الحديث، فأنكر أن القرآن والسنة قد يختلفان (الرسالة # 419، 480، 537، 570، 606-607، ٦٢٩، ٦٣١٦٣٢، 637-638، 644، 1613-1614)، مما أغلق باب تدبر متون الأحاديث ونقدها حسب موافقتها للقرآن، وقال إن القرآن لا ينسخ الحديث ولا الحديث القرآن، ولكن القرآن ينسخ بالقرآن فقط، والسنة بالسنة فقط (الرسالة # 311-345، 604-616؛ الأم، 7: ٢٧٣٢٨٦)، وأبعاد هذا النهج في قضية قيادة المرأة السياسية والنصوص المتعلقة بها هو أن ننكر وجود أي تعارض بين حديث أبي بكرة والقرآن، لا في متنه ولا في إسناده، فيكون الطريق أمامنا مفتوحًا للأخذ بحديث أبي بكرة دون عرقلة من القرآن، لأنه بالطبع لا يخالفه، ونستمر في مفاهيمنا المألوفة للقيادة، وبذلك تصبح محصلة هذا الحل مثل الذي سبق، وإن اختلفت الافتراضات الأولية.

وقد بين القرضاوي أن بعض كبار الأئمة، مثل أحمد بن حنبل، قد تحرجوا من عبارةالسنة قاضية على الكتابولم يجرؤوا على قولها، وفضلوا عليهاالسنة مبينة للكتاب” (القرضاوي، 51)، وقد وضع الشافعي حجر الأساس لهذه الفكرة (الرسالة # ۱۰۱، ۱۲۹، ٢٥٧، ۳۰۰، 490-516, 605، 646)، ولعل هذا التوصيف للعلاقة بين القرآن والسنة هو الأوسع انتشارًا وتأثيرًا عبر التاريخ، وهذا خيارنا الثالث، وإن اتبعنا هذا المنهج في تعاملنا مع النصوص الأولية المتعلقة بقضية قيادة المرأة السياسية، نظرنا إلى حديث أبي بكرة على أنه يشرح لنا كيف نفهم قصة ملكة سبأ، فنقرؤها قراءة مغلوطة أو معكوسة على أنها مثال للقائد الضعيف الذي لن يفلح قومه، فتصبح بذلك جميع الصفات التي تتحلى بها بلقيس من معالم ذلك القائد الفاشل، صفات مثل الديمقراطية والاستفتاء والشفافية والقدرة على مواكبة التغيرات الزمنية السريعة وتقبل الدعوة للإسلام والعدل وحفظ كرامة الشعب وحقن دمائهم، ولعل هذه القراءة تبين لنا لماذا تحرج قادتنا من التأسي بهذه الصفات عبر القرون، وذلك لكون بلقيس امرأة، الجنس الذي لا يصلح للقيادة السياسية والذي حتمًا ما يؤدي بشعبه إلى الخيبة والضياع.

الحلول العصرية

لم تنقطع عجلة الفكر في العصر الحديث، وقد قدم بعض قمم الفكر الإسلامي في مصر حلولاً جديدة لهذه المشكلة، لعل أبرزهم يوسف القرضاوي ومحمد الغزالي. فأما القرضاوي فمما اشتهر به أنه اقترح أن يفهم الحديث في ضوء القرآن الكريم (القرضاوي، ٩٣١٠٤)، أي أن يفسر بطرق تتماشى مع النص القرآني، وهذا حل عام له وجاهته قد ينجح في حالات كثيرة حين لا تكون الفجوة بين القرآن والحديث كبيرة إلى هذه الدرجة، ولكن في حالة حديث أبي بكرة يتعسر. ومما اشتهر به محمد الغزالي هو نقد أحاديث الأحاد، وهذا الحديث منها، وقد ربط بين هذا الحديث وحادثة تولي فتاة عرش كسرى ببلاد فارس (محمد الغزالي، 55-60)، ففسره حسب ظروف الزمان والمكان، وخصه بتلك الحادثة ولم يعممه على النساء جميعًا، وهذا هو خيارنا الرابع، وهو قراءة الحديث من خلال ظروف الزمان والمكان المحيطة به، وهو منهج معروف في يومنا هذا، قد تكلم به غيره، ونجده أيضًا فيما ورد عن الأزهر الشريف في دفع شبهات المشككين على موقع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الإلكتروني، ويتصف هذا المنهج بسعة العلم وبراحة الصدر، ونتاج تطبيقه في حالة حديث أبي بكرة تتراوح بين قصر فاعليته على الماضي فقط، وبين قصرها على ظروف مشابهة لظروف قوم كسرى، فيهون وقع الحديث على النساء فلا يمنعن من جميع المناصب القيادية، ولكن بعض المناصب ذات الخاصية العامة فقط، أو أعلى المناصب السياسية فقط.

ولقد حاول البعض دعم حديث أبي بكرة بآيات قرآنية، لتقوية حجتهم وتبرير منعهم النساء من المناصب السياسية العليا، وأشهر هذه الآيات هي آيةالرجال قوامون على النساء” (النساء، 34)، التي يرون أنها تعطي الرجال سيادة على النساء وحق تقويمهن، وقد رد الغزالي على هؤلاء مبينًا أن سياق الآية ينطبق على الرجل في بيته وأسرته فقط (محمد الغزالي، 55). وفعلاً سياق الكلام في هذه الآية لا علاقة له بالولاية العظمى أو العامة، على عكس قصة ملكة سبأ وحديث أبي بكرة، كما أن تفسير هذه الآية على أنها تعطي الرجال سيادة على النساء وحق تقويمهن وتأديبهن قائم على تجاوز لغوي، إذ ينسبها هؤلاء إلى تقويم الرمح، كأن الله قالالرجال مقومون للنساءوليسالرجال قوامون على النساء، وهذا التفسير لا يوافق مفردات النص وسياقه، ولا يوافق ما جاء في سائر القرآن، فقد جاء في سورة التينولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، والمرأة إنسان، وما دام الله قد خلقها في أحسن تقويم فليس لبشر أن يدعي محاولة تحسينه. والتفسير الصحيح الذي يتماشى مع سياق الآية (34 من سورة النساء) ومفرداتها هو أن تنسبقوامونإلى الرجل يقوم على شأن أهله، بما فضله به الله من نصيب في الميراث، وبما ينفق من ماله الخاص، أي بمعنى توفير المؤنة والكفالة والإعالة لهن، فحق النساء في المؤنة من أزواجهن لا يمنعهن من العمل والكسب وتولي مناصب قيادية عليا إن شئن، ولعله يعفي المرأة من لزوم كسب الرزق والإنفاق على نفسها تعويضًا لها عن الوقت الذي تبذله في الحمل والرضاعة وسائر الأعمال المتعلقة بالأمومة بعيدًا عن ممارسة مهنتها أو نشاطها العام.

ولعل السبب في الاحتجاج بهذه الآية رغم عدم تناسب سياقها مع الولاية العامة هو بحكم العادة، فقد تعود الناس على منظومة التطفيف الجنسي التي يستوفي فيها الرجال جميع حقوقهم وإذا شرعوا للنساء يُخسرونهن، وعلى استخدام هذه الآية بتفسيرها المتجاوز للاستدلال عليها. ويضم القرآن الكريم نفحات أخرى تخاطب تلك المنظومة، لعل أهم هذه الدرر ما جاء في سورة النحل الآيات ٥٨ ٥٩؛ إذ يخاطب فيها الله التمييز بين الذكور والإناث منذ لحظة الولادة، واشمئزاز الآباء من ولادة الأنثى، وتفكرهم في إنهاء حياتها أو إبقائها على قيد الحياة ولكن في حالة هوان واستضعاف، أي وأد نفسي واجتماعي، وتصف الآية الكريمة مثل هؤلاء بسوء الحكم، ويدخل كل من يسعى في خفس وضع المرأة في المجتمع في نطاقها، بمن فيهم من يحاول تحريم الولاية العظمى عليهن، فالقرآن الكريم ليس فيه ما يؤيد ذلك.

قوة فكر أبي حنيفة

وبذلك نرى ثلاث حلول متوارثة من مناهج السلف للتعامل مع الأحاديث المتناقضة، وحلول جديدة عصرية تتلاءم مع مفاهيمنا اليوم وأولوياتنا، ولعل أقوى كل هذه الحلول حجة هو ما قدمه لنا أبو حنيفة، ففكره أقرب الخيارات للقرآن الكريم، وأيضًا أكثرها عدلاً للنبي (صلى الله عليه وسلم) وتنزيهًا له، فقد فضل أبو حنيفة أن يكذب من يدعي على النبي الأحاديث المتناقضة، بدلاً من أن يظن في النبي سوء الظن، إذ يقول أبو حنيفة:

أكذب هؤلاء ولا يكون تكذيبي لهؤلاء وردي عليهم تكذيبًا للنبي صلى الله عليه وسلم، إنما يكون التكذيب لقول النبي عليه السلام أن يقول الرجل:”أنا مكذب لقول نبي الله صلى الله عليه وسلم، أما إذا قال الرجل:”أنا مؤمن بكل شيء تكلم به النبي عليه الصلاة والسلام غير أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يتكلم بالجور ولم يخالف القرآن، فإن هذا القول منه هو التصديق بالنبي وبالقرآن وتنزيه له من الخلاف على القرآن، ولو خالف النبي القرآن، وتقول على الله غير الحق لم يدعه الله حتى يأخذه باليمين، ويقطع منه الوتين، كما قال الله عز وجل في القرآن. (أبو حنيفة، ٢٤٢٥)

يبين لنا قول أبي حنيفة منهاجه في التعامل مع الأحاديث، وأنه يؤمن بجميع ما جاء به النبي (صلى الله عليه وسلم) ويأخذ به، ما عدا الأحاديث المخالفة للقرآن، لعدم تصديقه إياها، لأن النبي لا يتحدث بالجور، وهناك آيات أخرى في القرآن تؤيد حجته، لعل أهمها الآيات 79 -80 من سورة آل عمران:”ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (۷۹) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبين أربابًا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون” (۸۰). هاتان الآيتان تبينان لنا أننا نعرض أنفسنا للكفر إن اتخذنا من النبي ربًا، وتبين لنا الآية 64 من سورة آل عمران والآية 31 من سورة التوبة معنى كلمةأربابمن خلال تاريخ بعض أهل الكتاب الذين اتخذوا من أحبارهم ورهبانهم أربابًا، وأن التوحيد الإسلامي ليس من خصائصه اتخاذ الأرباب من دون الله، وأرباب أهل الكتاب معروفون لغويًا وتاريخيًا (Reda “Holistic Approaches“، 237-234؛ رضا، أصول، ۱۳)، فيهودية اليوم تعرف باسميهودية الأرباب” Rabbinic Judaism نظرًا للدور المحوري الذي يلعبه فيها الأرباب، فهم العلماء والفقهاء الذين يبينون للناس ما هو حرام وما هو حلال في الشريعة اليهودية، ويناديهم اتباعهم بكلمةربيبمعني سيدي أو رئيسي أو أستاذي أو المربي تبعي. إذًا، فلا يجوز لنا أن ننسب إلي النبي (صلى الله عليه وسلم) ما يخالف القرآن، فنحلل به الحرام ونحرم به الحلال، وبذلك نتبع من سبقنا من الأقوام الخطوة بالخطوة والقذة بالقذة والنعل بالنعل، ولعل هاتان الآيتان تظهران لنا قوة فكر أبي حنيفة وكيف أنه ينزه النبي عن مثل ذلك، ويحفظ خصائص التوحيد الإسلامي المميز، ويبتعد عن النهج الذي تصفه الآيتان بالكفر.

ولعل نهج أبي حنيفة أيضًا أوسع المناهج إدراكًا لعواقب الأحاديث المتناقضة على المجتمع واستخدامها للبغي على الناس، ففي زمن أبي حنيفة كان نتاج سوء استخدام الحديث هو انتشار آفة التكفير، وفي زماننا نحن الضرر من حديث أبي بكرة هو بغي الحكام على المحكومين، لتجاهل أنماط القيادة الرشيدة ونقصانها في المجتمع، إلى جانب البغي على النساء في الوظائف السياسية العليا، ولعل قوة فكر أبي حنيفة ونتاج تفعيله على أرض الواقع يبين لنا لماذا لقبه بعض السلف بالإمام الأعظم (أنظر/ أنظري المكي؛ الكردري)، وإن أسهم الجميع بأفكار قيمة.

مقاصد الشريعة

هكذا نرى سخاء تاريخنا الفكري حفاوته، وأن قضية الأحاديث المتعارضة مع القرآن ليست بجديدة، بل لها سوابق، واشترك في مناقشتها كبار الأئمة، ولم يتردد بعضهم في ترك الأحاديث المتناقضة، وفي الأخذ بما جاء في القرآن الكريم، كما رأينا تأصل الاتجاه المعارض الذي يرفع كفة تلك الأحاديث، والجهود التي بذلت في محاولة الوفاق. وتراثنا الفقهي فيه روائع وقمم فكرية أخرى لها فاعليتها في يومنا هذا مثل فقه المقاصد القائم على أصل الاستصلاح (أبو حامد الغزالي، 139-144 Ramadan، 20-3)، وأهميته في يومنا هذا هو أنه الدعامة الثانية التي يقوم عليها خطاب الإصلاح الديني بصفة عامة، والخطاب النسوي بصفة خاصة، وذلك بعد الدعامة الأولى وهي القرآن الكريم، وعلى سبيل المثال ما يقوم به ناشطاتمجلس شورى مبادرة النساء الإسلامية للروحانية والمساواة” (WISE) المنبثق عن منظمة ASMA الجمعية الأمريكية للتقدم الإسلامي بالولايات المتحدة، اللاتي يوظفن مقاصد الشريعة للتطوير من داخل الشريعة نفسها، فيتدارسن كيفية مواءمة مواقفهن الفكرية لمقاصد حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وذلك إلى جانب النصوص الأولية والثانوية الفقهية والتاريخية ونواحٍ أخرى عصرية، فيجمعن بذلك بين خير ما يقدمه لنا ماضينا وحاضرنا.

ومما يؤكد أنه لا مجال للخلاف على قوة قصة ملكة سبأ بوصفها حجة في الإطار الفقهي المقاصدي هو أن المصلحة التي يحققها تغيير نمط القيادة تصنف تحت المصلحة المعتبرة التي لا خلاف عليها، لاعتمادها على نص صريح، وليس تحت المصلحة الباطلة التي تتعارض مع نص قطعي أو المصلحة المرسلة التي اختلف فيها السلف. واليوم يستخدم فقه المقاصد في نطاق أوسع من المصلحة المرسلة، فيستخدم بوصفه حجة تدعم النصوص في حالة المصلحة المعتبرة، فإن اتخذنا من مقاصد الشريعة وسيلة للمقارنة بين منظومة الأوتوقراطية والطاعة العمياء والتطفيف الجنسي ومنظومة الديمقراطية والشورى والمساواة من ناحية أخرى، سنكتشف فشل الأولى في حفظ الحياة والنسل والعرض والمال، بينما تحفظ منظومة الديمقراطية والشورى والمساواة جميع مقاصد الشريعة كما تبين في قصة بلقيس، إذ حقنت دماء شعبها وحفظت نسله وأعراضه وأمواله عندما فضلت الدبلوماسية على الحرب، وإسلامها حفظ للدين، كما أن حرصها على الاستفتاء والشفافية يحفظ عقول شعبها، إذ يمنحها ما تحتاجه للنمو وتطوير الفكر.

خاتمة

وفي الختام ونحن في ركاب الربيع العربي، مقبلين على بناء البلاد من جديد، ونتطلع إلى نظم سياسية عادلة وقيادات فعالة، وشعوبنا تطالب بشرع الله، وقد رأينا بعض الصعوبات المترتبة على هذه الدعوة من خلال إشكالية تعارض حديث نبوي مع نص قرآني، والحلول المختلفة المستوحاة من ماضينا وحاضرنا، فأيهم سنختار؟ فإن أردنا أن نترك للقرآن فاعليته في ظروفنا السياسية الحالية، وأن نستلهم منه آليات الديمقراطية المنشودة والقيادة السياسية الرشيدة، فليس أمامنا إلا أن نأخذ بالقرآن وقصة ملكة سبأ لأنها وحدها توفر لنا مثالاً متكاملاً عصريًا من نفس فئة قادتنا السياسيين، وهي فئة البشر الذين لا يتنزل عليهم الملك بوحي، ولا يوجد مثال آخر يفصل لنا هذه الصفات بهذا الشكل المتكامل في القرآن الكريم كله. إذًا، الديمقراطية والشفافية وسائر الصفات المنشودة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقضية قيادة المرأة السياسية، وذلك لأننا إن أردنا التأسي بمثال بلقيس، فلا بد أن نعترف بأنها أنثى، وأن الإناث أيضًا قد يتفوقن في أعلى المناصب السياسية. وسأنهي هذا البحث بسؤال موجه لكل من يهمه أمر السياسة والدين معًا: لماذا جعل الله هذا المثال الرائع امرأة؟ ألم يكن بمقدوره أن يأتي برجل؟ فكيف إذًا نقرأ كونها أنثى من موقعنا ههنا اليوم في مصر؟ هل نقرؤه على أنه دليل على علم الله بظلم عباده للمرأة عبر القرون الماضية وتعبير عن عدم رضاه؟ أم هو إنذار من الله (تعالى) بأننا لن ننعم بحكام راشدين ولا نظم سياسية عادلة حتى نعدل نحن أيضًا ونمكن للنساء في الأرض؟ أم نقرؤه على أنه رسالة للنساء أن ينهضن لأن الأمور لن تستقيم إلا بهن؟ أم الموضوع أكبر من ذلك وهو اختبار مصداقية دعوانا باتباع كلام الله وأننا حقًا نريد شرعه الذي أنزله لنا في كتابه؟ كلها قراءات وتساؤلات جديرة بالتأمل.

المراجع العربية

ابن أبي يعلى، أبو الحسين محمد بن محمد. طبقات الحنابلة. القاهرة: مطبعة السنة المحمدية، ١٣٧١ ه /١٩٥٢م.

ابن الأثير، عز الدين أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري. أسد الغابة في معرفة الصحابة. أشرف على التحقيق محمد صبيح؛ اشترك في التحقيق محمود فايد، محمد عاشور، محمد البنا. القاهرة: المكتبة التعاونية، [١٩٦٤۱۹۷۳م].

ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم. تفسير سورة النور. بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٠٢ ه /١٩٨٣م.

مقدمة في أصول التفسير. القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي، [ ۱۹۸۸م].

ابن حنبل، أحمد بن محمد، المسند. شرح أحمد محمد شاكر. القاهرة: دار المعارف، 1377ه/١٩٥٨م.

أبو حنيفة النعمان بن ثابت العالم والمتعلم: رواية أبي مقاتل عن أبي حنيفة رضي الله عنهما ويليه رسالة أبي حنيفة إلى عثمان البتي ثم الفقه الأبسط رواية أبي مطيع عن أبي حنيفة رحمهم الله. تحقيق محمد زاهد الكوثري. القاهرة: مطبعة الأنوار، ١٣٦٧ه [١٩٤٨م ].

إصلاحي، أمين أحسن. تدبر القرآن. لاهور: ١٩٦٧١٩٨٠م.

الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب. إعجاز القرآن. تحقيق أحمد صقر. [القاهرة]: دار المعارف، ١٩٦٣م.

البقاعي، برهان الدين أبو الحسن إبراهيم بن عمر. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور. تحقيق عبد الرزاق غالب المهدي. بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٢٧ ه /٢٠٠٦م.

الترابي، حسن، التفسير التوحيدي. [الخرطوم]: هيئة الأعمال الفكرية، 1418 ه /١٩٩٨م.

الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة. الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي. تحقيق مصطفى محمد حسين الذهبي. القاهرة: دار الحديث، 1419 ه /١٩٩٩م.

ثنوي، أشرف علي، بيان القرآن. كراتشي ولاهور: ۱۹۳۲م، نشر أولاً ۱۹۰۸م.

الجزيري، عبد الرحمن. كتاب الفقه على المذاهب الأربعة. بيروت: دار الثقلين، 1419 ه /١٩٩٨م.

الدرامي السمرقندي، عبد الله بن عبد الرحمن. سنن الدرامي. بيروت: دار الكتاب العربي، 1407ه/١٩٨٧م.

دراز، محمد عبد الله. النبأ العظيم: نظرات جديدة في القرآن. تقديم عبد العزيز المطعني القاهرة: دار القلم للنشر والتوزيع، ١٤٣٩ ه ٢٠٠٨م.

دروزة، محمد عزت. التفسير الحديث. القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، ١٩٦٢١٩٦٤م.

الذهبي، محمد حسين، التفسير والمفسرون. القاهرة: مكتبة وهبة، ١٤٢٤ ه /٢٠٠٣م.

الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي. كتاب الجرح والتعديل. تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول. بيروت: دار الكتب العلمية 1408 ه /١٩٨٨م.

رضا، نيفين.”أصول الديمقراطية في الإسلام“. الجزء الأول. المصري اليوم. ٢١ أغسطس، ۲۰۱۱، ص ۱۳.

الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله. البرهان في علوم القرآن. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة: دار التراث، د.ت.

الزين، محمد فاروق. بيان النظم في القرآن الكريم. دمشق: دار الفكر، ٢٠٠٤ م.

السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن. الاتقان في علوم القرآن. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. القاهرة: دار التراث، د.ت.

الشافعي، محمد بن إدريس. الرسالة. تحقيق أحمد محمد شاكر (من أصل بخط الربيع بن سليمان كتبه في حياة الشافعي). [القاهرة]:د. ن, ۱۳۰۹ه [۱۹۳۹م].

كتاب الأم. تحقيق محمد زهري النجار, القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، ١٩٦١م.

الصعيدي، عبد المتعال. النظم الفني في القرآن، القاهرة: مكتبة الآداب، د.ت.

الطباطبائي، محمد حسين. الميزان في تفسير القرآن. بيروت: المطبعة التجارية، ١٩٧٠١٩٨٥م.

عبد الرحمن، عائشة (بنت الشاطيء). التفسير البياني للقرآن الكريم. القاهرة: دار المعارف، د.ت.

العسقلاني، أحمد بن حجر. فتح الباري بشرح صحيح البخاري. القاهرة: دار الريان للتراث، 1409ه/١٩٨٨م.

الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد بن محمد. المستصفى من علم الأصول. [القاهرة]: المكتبة التجارية الكبرى، 1356ه/۱۹۳۷م.

الغزالي، محمد السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث. القاهرة: دار الشروق،١٤٢٧ه/ ٢٠٠٦م.

المحاور الخمسة للقرآن الكريم, القاهرة: دار الشروق، ١٤٢٧ه/ ٢٠٠٦م.

نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم. القاهرة: دار الشروق، 1413ه/١٩٩٢م.

الفراء، أبو يعلى محمد بن الحسين، الأحكام السلطانية. تحقيق محمد حامد الفقي. القاهرة: مصطفى البابي الحلبي، ١٣٨٦ ه/١٩٦٦م.

القرضاوي، يوسف. كيف نتعامل مع السنة النبوية: معالم وضوابط. الرياض: مكتبة المؤيد، ١٩٩١م.

قطب، سيد. في ظلال القرآن. القاهرة: دار الشروق، 1417ه/١٩٧٢م.

الماوردي، علي بن محمد بن حبيب البصري. الأحكام السلطانية والولايات الدينية. القاهرة: دار الفكر، 1404ه /١٩٨٣م.

المكي، الموفق بن أحمد مع محمد بن محمد بن شهاب (ابن البزاز) الكردري. مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة. حيدر آباد الدكن: مطبعة دائرة المعارف العثمانية، 1311ه/١٩٠٣م.

المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. النموذج الإسلامي لتحرير المرأة. القاهرة: وزارة الأوقاف، ۲۰۱۲. <.https://elazhar <asp.133/com/qadaiaux

النساني، أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب. السنن الكبرى. قدم له واعتنى به وخرج أحاديثه أبو أنس جاد الله بن حسن الخداش. الرياض: مكتبة الرشد ناشرون، ٢٠٠٦م.

المراجع الإنجليزية

El-Awa, Salwa. Teztual Relations in the Qur’an: Relevance, Coherence and Structure. London: Routledge, 2006.

Barazangi, Nimat Hafez. Women’s Identity and the Qur’an: A New Reading. Gainsville: UP of Florida. 2004.

Barlas, Asma. “Believing Women.” Islam: Unreading Patriarchal Interpretations of th eQur’an. Austin: Austin UP, 2002.

Mernissi, Fatima. Women in Islam: An Historical and Theological Inquiry. Trans. Mary Jo Lakeland. Oxford: Basil Blackwell, 1991.

Neuwirth, Angelika. Studien zur Konposition der mekkanischen Suren (Studies on the Composition of Meccan Suras). Berlin: Walter de Gruyter, 1981.

Ramadan, Tariq. “ljtihad and Maslaha: The Foundations for Governance. “ Islamic Democratic Discourse: Theory, Debates, and Philosophical Perspectives. Ed. M. A. Muqtedar Khan. Oxford: Lexington Books, 2006. 3-20.

Reda, Nvin. “Holistic Approaches to the Qur’an: A Historical Background.” Religion Compass 4.viii (2012): 495-506.

—-. “The Good’ Muslim. Bad’ Muslim Puzzle? The Assertion of Muslim Women’s Islamic Identity in the Shari’a Debates in Canada.” Debating Shari’a: Islam. Gender Politics and Family Law Arbitration. Eds. A. Korteweg and J. Selby Toronto: U of Toronto P. 2012. 231-256.

Robinson, Neal. Discovering the Qur’an: A Contemporary Approach to a Veiled Text. London: SCM P. 1996.

Schacht, Joseph. “Amina. Qur’an and Women: Rereading the Sacred Text from an Women’s Perspective. NY: Oxford UP, 1999.

Zahniser, Matthias. “Major Transitions and Thematic Borders in two Long Suras: al-Baqara and al-Nisa’.” Literary Structures of Religious Meaning in the Qur’an. Ed. Issa J. Boullata Richmond: Curzon, 2000.

تأملات في بعض القراءات النقدية للفقه الإسلامي في أدبيات النسوية الإسلامية ودلالتها في السياق المصري

ملكي الشرماني

مقدمة

إن نقطة بداية نسوية الإسلامية بوصفها مشروعًا معرفيًا حديثًا هو إنتاج معرفة ترسي فكرة المساواة والعدالة بين الجنسين وتعضدها من منظور إسلامي. ومازال يدور جل علمي حول ماهية هذا المشروع وكيفية تنظيره وتحديد مناهجه وأطره التأويلية وتقييم إنتاجه ودلالة هذه المعرفة في الإصلاح الإجتماعي والتشريعي من أجل تحقيق المساواة والعدالة بين الجنسين.

ما يتفق عليه المشاركون في هذا الجدل هو أن النسوية الإسلامية مشروع معرفي يسهم فيه عالمات مسلمات علي وجه الخصوص (وبعض العلماء المسلمين) منذ بداية التسعينيات في الغرب وفي بلاد إسلامية مختلفة مثل إيران وماليزيا ومصر. والمساهمون في هذا المشروع ليسوا فقط من علماء وعالمات متخصصات في علوم الدين الإسلامي بل البارزين منهم من خلفيات علمية أخرى مثل العلوم الإنسانية والاجتماعية، ولكن ما يميز هذه النخبة الجديدة من المشاركين في المشروع المعرفي للنسوية الإسلامية هو فهمهم الجيد للعلوم الدينية بفروعها المختلفة وسعيهم في دراستهم إلي التفاعل مع النصوص الدينية والتراث الديني بهدف مراجعة القراءات السائدة في هذا التراث المجحفة للمرأة والتوصل إلى قراءات عادلة مبنية أولاً وأخيرًا على مرجعية إسلامية.

هناك أعمال مختلفة في أدبيات النسوية الإسلامية، بعضها يركز على القرآن وعلم التفسير مثل أعمال الكاتبات أمينة ودود وأسماء برلس وأميمة أبو بكر، بينما بعض الأعمال الأخرى تتناول القرآن والحديث معًا والعلوم التأويلية الخاصة بهما. كما أن هناك أعمالاً تركز علي دراسة ومراجعة تراث الفقه ولا سيما عملية استنباط الفقهاء الأوائل لأحكام الزواج والطلاق والحضانة والميراث وغيرها من الأمور المعنية بالعلاقات الأسرية وحقوق وواجبات الأفراد فيها. تتضمن هذه الأعمال دراسة تاريخية تحليلية لأدوات الاستنباط التي استخدمها الفقهاء الأوائل والمسلمات والتي تبنوها، الخاصة بالمرأة والرجل وعلاقة هذه المسلمات برؤى وآراء هؤلاء الفقهاء عن الجنسين وحقوقهما وواجباتهما في السياق التاريخي والاجتماعي الذي عاشوا فيه.

تندرج أعمال الكاتبتين زيبا مير حسيني وكيشيا عليّ تحت أعمال النسوية الإسلامية المعنية بتراث الفقه، وفي اعتقادي تكمن أهمية هذا النوع الأخير من الأعمال في شيئين اثنين، أولاً: تساهم هذه الأعمال في إنتاج معرفة دينية بديلة تعطي شرعية للجهود التي تقوم بها جهات مختلفة في البلاد الإسلامية والتي تهدف الي تعديل وإصلاح قوانين الأسرة الحديثة المستمدة من أحكام الفقه. فمعظم قوانين الأسرة المعاصرة بصرف النظر عن الفروقات بين قوانين البلاد المختلفة لا تعطي المرأة المسلمة حقوقًا عادلة ومتساوية مع الرجل بل تعضد هذه القوانين منظومة واجبات وحقوق للرجال والنساء مبنية على علاقة تراتبية بينهما حيث يقع على المرأة ظلم وإجحاف شديدان.ثانيًا: يلعب مشروع النسوية الإسلامية المعني بالفقه دورًا مهمًا في تفكيك الخطاب المجتمعي والديني المعاصر المهمش للمرأة وإنتاج خطاب بديل يتبنى نظرة مغايرة للمرأة بوصفها إنسان خلقه الله مساويًا للرجل وتتساوى معه في حق الكرامة الإنسانية وحرية الاختيار والعدالة.

أهداف الورقة

في هذه الورقة أسعى إلى هدفين:

الهدف الأول: إلقاء الضوء على نقطتين محوريتين في القراءة النقدية التي تقوم بها كل من كيشيا علي وزيبا مير حسيني لتراث الفقه الإسلامي فيما يخص المرأة وعلاقتها بالرجل وأدوارهما وحقوقهما في إطار منظومة الزواج.

والهدف الثاني: هو استخلاص دلالات ما تطرحه الكاتبتان في السياق المصري فيما يتعلق بقوانين الأسرة.

خلفية هذه الورقة

تأتي قراءاتي التحليلية لأعمال زيبا مير حسيني وكيشيا عليّ تمهيدًا لدراسة شاملة يتم التحضير لها وسوف تتناول إشكاليات العملية التأويلية في بعض الأعمال المختارة من الأدبيات العالمية والمصرية التي تتفاعل مع تراث التفسير والفقه والحديث فيما يتعلق بالمرأة والرجل وعلاقتهما وأدوارهما وحقوقهما.

أيضًا بعض أوجه التحليل الذي سأعرضه في هذه الورقة مبني على النتائج التي توصلت إليها في دراسة سابقة قمت بها عن محكمة الأسرة وقوانين الأسرة الحديثة التي صدرت في مصر منذ عام ۲۰۰۰ (أنظر/أنظري الشرماني Al-Sharmai) ولقد تم جمع المادة البحثية لهذه الدراسة من خلال إجراء مقابلات مع 300 سيدة ورجل (۲۳۹ سيدًة و61 رجلاً). كان ٢٠٠ من هؤلاء المبحوثات والمبحوثين من المتقاضيات والمتقاضين في محكمة الإسرة. أما المائة الباقية فقد تم اختيارهم من خارج المحكمة لرصد ودراسة تجاربهم في الخطوبة وفسخها، وفي الزواج والطلاق. وكان عدد النساء والرجال في هذه المائة الأخيرة متساويًا. كما قام الفريق البحثي المكون من كاتبة هذ الورقة وباحثتين أخريتين (سوسن شريف وفيروز جمال) بإجراء مقابلات مع العاملين في مكاتب التسوية في محكمة الأسرة وحلقات نقاشية بؤرية مع محامين ومحاميات. كما أجرت كاتبة هذه الورقة أيضًا مقابلات مع قضاة في محكمة الأسرة وشخصيات مختلفة من المجتمع المدني وعلماء الدين والمفكرين الذين لعبوا دورًا إما في عملية الدعوة إلى وإصدار القوانين الجديدة أو في معارضتها ومنع إصدارها. كما قامت كاتبة هذه الورقة بإجراء ملاحظة جلسات محكمة الأسرة في عدة دوائر وتحليل الأحكام الصادرة عنها.

وأخيرًا التحليل المعروض في هذه الورقة مبني أيضًا علي تحليل محتوي عشرين رسالة مرسلة الي بريد الجمعة بجريدة الأهرام في الفترة من سبتمبر ٢٠١٠ إلي مارس ۲۰۱۲.

I – منظومة الزواج في الفقه: قراءة زيبا مير حسيني وكيشيا عليّ

زيبا مير حسيني (إيرانية مسلمة) متخصصة في علم الأنثروبولوجي القانوني وعلى وجه الخصوص قوانين الأسرة المسلمة وعلاقتها بالفقه الإسلامي، وكيشيا عليّ (أمريكية مسلمة) متخصصة في الدراسات الإسلامية وخاصة الفقه الشافعي. وقبل أن أبدأ بطرح النقطة المحورية الأولى في أعمال الكاتبتين لزم التنويه إلى أربع مسلَّمات تقرهما الكاتبتان بوصفها نقطة البداية لقراءاتهما النقدية:

1- الفقه نتاج جهد بشري فكري عظيم للفقهاء الأوائل، واستهدف هذا الجهد استنباط الأحكام من القرآن والسنة لتنظيم شئون المسلمين.

٢هذا التراث الفقهي متكامل ومتجانس في منهجه وأدواته في استنباط الأحكام.

3- إلا أن هذا التراث المعرفي هو أيضًا نتاج سياقه التاريخي وما شكل هذا السياق من افتراضات معينة بخصوص الأنوثة والذكورة والجنسوية وعلاقة الزواج، وهذه الافتراضات كان لها تأثير كبير في الأحكام التي استنبطها الفقهاء الأوائل والتي أصبحت على مدى العصور الدعائم الشرعية (وفيما بعد القانونية) التي تشكل منظومة الزواج.

4 – قوانين الأسرة الحديثة في البلاد الإسلامية مستمدة من هذا التراث الفقهي مع الإقرار بأن عملية الأخذ من التراث الفقهي تمت بطرق عشوائية، متباينة وانتقائية، وفي إطار النظم والمؤسسات القانونية للدولة الحديثة.

إذن، ماهي منظومة الزواج في الفقه الإسلامي التي تتمحور حولها القراءة النقدية لدى الكاتبتين؟

قراءة زيبا مير حسيني (Mir-Hosseini)

تركز قراءة زيبا مير حسيني النقدية للفقه الإسلامي أيضًا على إشكالية منظومة الزواج كما يُعرفه الفقهاء. فترى مير حسيني أن الفقهاء الأوائل عرفوا الزواج بكونه عقد نكاح الهدف الأساسي منه هو جعل المعاشرة الجنسية بين طرفي العقد شرعية. وتضيف الكاتبة أن الفقهاء الأوائل شبهوا عقد النكاح بعقد بيع حيث يشتري الزوج حق الاستمتاع ببضع زوجته. وتستدل على ذلك بتعريفات كثير من الفقهاء للزواج منها قول الفقيه المالكي سيدي خليل:” عندما تُنكح المرأة فهي تبيع جزءًا من نفسها، في السوق يشتري المرء بضاعة وفي الزواج يشتري الزوج بضع المرأة” (81,”Classical Fiqh”). وتستدل أيضًا بمقولة الإمام أبي حامد الغزالي:”إن النكاح نوع من رق فهي رقيقة له فعليها طاعة الزوج مطلقًا في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه” (۸۱).

وبناًء علي هذا المفهوم الفقهي للزواج ترى الكاتبة أن الفقهاء شكلوا هيكلاً تتشابك فيه حقوق وواجبات الزوجين. وترى مير حسيني أن حقوق الزوجين في هذه المنظومة تنقسم إلى فئتين: الفئة الأولى هي الحقوق والواجبات الشرعية التي ترتبط إرتباطًا وثيقًا بالتعريف الفقهي للزواج ولها آثار وعواقب شرعية محددة إذا تم الإخلال بها، وهي التمكين والطاعة بوصفهما واجبين على الزوجة وحقين للزوج، والإنفاق بوصفه واجبًا على الزوج وحقًا للزوجة. بينما هناك فئة أخرى من حقوق وواجبات أخلاقية ليست لها شرعية ملزمه ولا تمثل الدعامة التي ترتكز عليها المنظومة الفقهية للزواج وهي تلك التي تتعلق بالمفاهيم القرآنية مثلالمعروف“”المودة“”السكن“”الرحمة“”الإحسان، والتي وردت في إطار المبادئ القرآنية التي تحكم علاقة الزواج.

قراءة كيشيا عليّ (Ali)

تتبني كيشيا عليّ قراءة مماثلة لزيبا مير حسيني فهي ترى أنه رغم التنوع في أحكام الفقهاء سواء في المذاهب السنية أو الشيعية لكن لاتزال هناك منظومة واحده للزواج في كل المذاهب. وتقول إن الفقهاء الأوائل عرفوا الزواج بأنه عقد نكاح بموجبه ينتقل إلى الزوج نوع من تملك زوجته، وعلى وجه الخصوص أعضائها الجنسية مقابل الصداق الذي يدفعه الزوج إلى زوجته وبموجب هذه الملكية التي يحصل عليها الزوج عن طريق إبرام عقد النكاح تصبح المعاشرة الجنسية بين الزوجين شرعية. كما أن هذه الملكية هي التي تعطي للزوج الحق المنفرد في إيقاع الطلاق (5,Sexual Ethics). وتضيف كيشيا أن الفقهاء الأوائل كثيرًا ما شبهوا هذه الملكية التي يحصل عليها الزوج بموجب عقد الزواج بملكية الرجل لجاريته، رغم أن الفقهاء أشاروا أيضًا إلى وجود فروق بين النوعين من الملكية فمثلاً يملك صاحب الجارية حق بيعها لأن ملكيته لها شاملة، جامعة، وغير مشروطة، بينما الزوج يملك فقط حق الاستمتاع بزوجته ولا يملكها كلها ولا يحق له بيعها.

وبالتالي، في إطار هذه المنظومة تتمحور الحقوق والواجبات الأساسية للزوجين في مفهومي التمكين والطاعة من ناحية، والإنفاق من ناحية أخرى، بمعنى أن الواجب الأساسي على الزوجة في هذه المنظومة هو أن تُمكن زوجها من نفسها، وحق الزوج الأساسي هو أن يستمتع بها جنسيًا، وعلى الوجه الآخر فالواجب الأساسي للزوج هو أن يدفع للزوجة مهرها وأن ينفق عليها. وتبرهن كيشيا على قراءاتها لهذه المنظومة وما يترتب عليها من واجبات وحقوق زوجية بذكر تعريفات الفقهاء الأوائل من المذاهب المختلفة للزواج والمقصد منه حسب فهمهم. على سبيل المثال، تذكر الكاتبة مقولة الإمام الشافعي في كتاب الأم:”فلما كان من حقها عليه أن يعولها ومن حقه أن يستمتع بها ويكون لكل على كل ما للزوج على المرأة وما للمرأة على الزوج” (5:132 Al Umm).

كما أن الكاتبة تتناول بالتحليل الأحكام الفقهية المتعددة في المذاهب المختلفة الخاصة بحق الزوجة في العلاقة الجنسية حيث إنها تبين أنه رغم إقرار الفقهاء بأن للزوجة الحق في المعاشرة الجنسية فهذا الحق ثانوي وغير مساوٍ لحق الرجل، بل يعتبر بعض الفقهاء أن هذا الحق غير مهم إلى درجة أنهم يرون أن حرمان الزوجة منه لا يعطيها الحق في الطلاق. مثلاً تذكر كيشياعليّ إنه رغم إقرار جمهور الفقهاء بحق المرأة في طلب الطلاق إذا كان الزوج عقيمًا ولم يدخل بها منذ إبرام عقد النكاح، فقد رأى بعضهم في الوقت نفسه أنه متى تمت المعاشرة الجنسية حتى ولو مرة واحدة فقط، فلا يحق للمرأة أن تطلب الطلاق إذا امتنع زوجها بعد ذلك عن معاشرتها، وتستشهد الكاتبة بهذه المقولة من كتاب الحنفي رد المحتار:”بعد المرة الأولى تصبح المعاشرة حقه“(13, Sexual Ethics). إلا أنها تستثني الفقيه ابن تيمية من هذا الرأي، وترى أن إشكالية هذه الرؤية تكمن في خلقها لعلاقة تراتبية بين الزوجين حيث تتركز السلطة في يد الزوج، كما أنها تعطي حقوقًا متباينة وغير متساوية للزوجين، وأخيرًا وهو الأخطر، تحصر هذه المنظومة محور الزواج في ثنائية التمكين والإنفاق، بينما تتناقض هذه الرؤية للزواج مع التعريف القرآني له الذي يركز على السكن، والمودة والرحمة.

إذن، ما الذي يمكننا أن نستخلصه من إشكاليات هذه المنظومة الفقهية للزواج وما دلالتها في السياق المصري؟

أرى أن هذا المفهوم الفقهي للزواج وأدوار الزوجين حاضر وبصورة جلية في قوانين الأحوال الشخصية. فالمادة الأولى من قانون رقم ٢٥ لعام ١٩٢٠ والمعدل بقانون رقم ٢٥ لعام ١٩٢٩ ورقم 100 لعام 1985 تقول:”تجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا أسلمت نفسها إليه ولو حكما حتى لو كانت موسرة أو مختلفة معه في الدين“. كما أن مادة ۱۱ مكرر من نفس القانون تقول:”إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق توقفت نفقة الزوج من تاريخ الامتناع وتعتبر ممتنعة دون وجه حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية“.

إذن، تعكس المادتان السابق ذكرهما نفس التعريف الفقهي للزواج على أنه علاقة قائمة على ثنائية: التمكين والطاعة مقابل الإنفاق. وإحدى دلالات هذه المنظومة هو أن العلاقة الجنسية بين الزوجين تصبح في المقام الأول والأخير حق للزوج. ورغم أن قانون الأحوال الشخصية المصري يقر حق الزوجة في المعاشرة الزوجية ضمنيًا حيث يعطيها الحق في طلب الطلاق إذا تضررت من الزوج لأسباب عديده من ضمنها العجز أو الإساءة الجنسية، فهذا الحق يظل ثانوياً وغير مُفعل في معظم الأوقات. ويظهر هذا بوضوح في عملية التقاضي في قضايا الطلاق المنظورة في محاكم الأسرة. مثلاً في دراستي السابقة عن محكمة الأسرة في مصر وجدت في قضايا الطلاق التي جرت ملاحظة وقائع جلساتها في المحكمة وتلك التي أجريت بشأنها مقابلات مع أطراف الدعوى، وجدت أن في الحالات التي وقع فيها عنف جنسي على المتقاضية من قبل زوجها (مثل الضرب والإهانة مع المعاشرة بالإكراه قبل أو بعد المعاشرة) أنه قلما يشكل هذا العنف جزءًا من الدعوى. وربما يعود هذا إلى صعوبة كسب قضية طلاق بناًء على حجة العنف الجنسي وهذا في رأيي راجع لثنائية التمكين الجنسي والإنفاق الموجودة في القانون والمأخوذة من المنظومة الفقهية للزواج (أنظر/أنظري الشرماني“(Al-Sharmani, “Legal Reform”). وقد ظهر أيضًا في مقابلاتي مع أخصائي التسوية وخبراء المحكمة حيث يتبنى هؤلاء العاملون بالمحكمة والمشاركون في عملية التقاضي تعريفًا ضيقًا للعنف الجنسي من قبل الزوج ينحصر في معاشرة زوجته من الدبر، بينما في رأيهم تقع المعاشرة بالإكراه أو الضرب والإهانة قبل أو بعد المعاشرة في النطاق المبهم الذي لا يعتبرونه بالضرورة عنفًا أو يبرر طلب الطلاق.

إذا ما خرجنا من إطار منظومة الزواج في القانون سواء في نصه أو في تطبيقاته في المحاكم، نجد أن هناك خطابًا مجتمعي يتبنى أيضًا مفهومًا للزواج مستوحًا من المنظومة الفقهية وإن لم يتطابق معه حيث يختلف عنه في بعض الأشياء ويضيف عناصر أخرى لأدوار الزوجين وإن لم تكن هذه التغييرات أو الإضافات بالضرورة في صالح المرأة. وألقي الضوء على مفهوم الزواج في هذا الخطاب من خلال نافذتين: الأولى من واقع آراء وتجارب 300 مبحوثة ومبحوث الذين تم إجراء مقابلات معهم في إطار الدراسة السابقة عن محكمة الأسرة. وكان متوسط عمرهم 18-60 عامًا وتنوعت وظائفهم ما بين باعة جائلين، خادمات بيوت، عاملين بالمصانع، عمال بناء، مهندسين، محامين، مدرسین، موظفين في هيئات حكومية، إلخ. كما تنوع المستوى التعليمي للمبحوثين والمبحوثات من خريجي جامعات إلى حاملي الشهادة الابتدائية. والثانية من خلال رسائل القراء في بريد الجمعة في جريدة الأهرام التي تم جمعها وتحليلها لهذه الورقة.

بالنسبة إلى أهم النتائج المستخلصة من المقابلات مع المبحوثات والمبحوثين التي أود أن أشير إليها فيما يتعلق بمفهوم الزواج في الخطاب المجتمعي المصري، يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:

أولاً: كثير من المبحوثات كن يعملن قبل الزواج، وبعده، وفي حالات انتهاء الزيجة. كما أن عدد المبحوثات اللاتي كن يعملن بعد الزواج فاق عدد اللاتي كن يعملن قبل الزواج، بينما في العدد الأكبر للمبحوثات العاملات كان في حالات الطلاق. أيضًا اشتركت كل المبحوثات مع أزواجهن في تأثيث شقة الزوجية، كما أنهن لم يحصلن على أي مهر حيث كان مقدم الصداق مبلغًا رمزيًا والمؤخر مؤجل إلى حين الطلاق أو وفاة الزوج. حتى في حالات الطلاق قلما حصلت المبحوثات على المؤخر بسبب تعنت الزوج ومشقة عملية التقاضي من حيث التكلفة في الوقت والمال، بالإضافة إلى صعوبة تنفيذ الأحكام المتعلقة بالمستحقات المالية للزوجة مثل المؤخر ونفقة العدة.

إذن، في تجارب الزواج على أرض الواقع يقع على كاهل المرأة دور أساسي في الإنفاق سواء كان هذا الإنفاق قبل الزواج وموجه إلى تأثيث مسكن الزوجية، أو إذا كان هذا الإنفاق بعد الزواج وموجهًا إلى احتياجات الأسرة. وبينما دور المرأة الاقتصادي في منظومة الزواج فيما يخص أعباء تأثيث منزل الزوجية متوقع ومقبول من قبل الرجل وأسرته والمجتمع المحيط فدورها في الإنفاق بعد الزواج يشوبه كثير من الإشكاليات. ففي كثير من الأحيان يكون هذا الدور ضرورة اقتصادية ولكنه لا يؤدي بالضرورة إلى علاقة متوازنة أو أكثر صحية بين الطرفين أو يعطي المرأة خيارات وقوة.

بمعني آخر، الدور الذي تقوم به كثير من نساء مصر المتزوجات مثل المبحوثات المذكورات أعلاه في كسب دخل عن طريق العمل وإنفاق هذا الدخل على أزواجهن وأطفالهن لا يؤدي بالضرورة إلى تمكين هؤلاء النساء. فهناك من المبحوثات من كن يعملن لأن الزوج لم يكن يقوم بدوره الفقهي والقانوني المفترض بوصفه عائل الأسرة، ورغم أن هؤلاء النساء هن اللاتي يقمن بجزء كبير من الإنفاق على الأسرة فهذا الدور لا يترجم إلى حقوق قانونية أو شرعية يحصلن عليها. ورغم هذا الدور الاقتصادي الفعال الذي تقوم به الزوجة، يبقى دورها في قوانين الأسرة وفي الخطاب الديني هو دور الزوجة السلبية التي يجب عليها طاعة زوجها وتمكينه من الاستمتاع بها مقابل إنفاقه عليها. ولا تتساوى هذه الزوجة مع زوجها في حقوق الطلاق والولاية على الأطفال. وترى مبحوثات أخريات أنه رغم أن عملهم ضروري ولاسيما في الأوقات التي يعجز أو يمتنع فيها الزوج عن الإنفاق فإنهن يدفعن ثمنًا كبيرًا في قيامهن بهذا الدور، لأن في حالات عديدة تكون ظروف العمل سيئة للغاية من حيث بعد مكان العمل عن المنزل، وعدم وجود وسائل مواصلات غير مكلفة ومتاحة بسهولة وساعات عمل طويلة ومرهقة دون تمتعهن بحقوق العاملين المهمة والأساسية حسب المعاهدات الدولية وقوانين العمل المصرية. بالإضافة إلى عبء العمل والسعي إلى كسب دخل، تقوم هؤلاء النساء بكل أعباء رعاية الأطفال وتدبير شئون المنزل دون مساعدة من أزواجهن. كما أن في بعض الحالات يقع نزاع بين الزوجين حول دخل الزوجة ومن الذي يتصرف فيه وعلى ماذا ينفق.

ثانياً: أن مفهوم طاعة الزوج حاضر ومقبول من معظم الأزواج وبعض الزوجات ولكنه ليس مرتبطًا في رأيهم بالإنفاق فقط بل يعني أشياء متعددة ومختلفة عندهم. مثلاً لدى كثير من المبحوثين والمبحوثات اعتقاد سائد بأن على الزوج دور قيادة الأسرة وهذا الدور بالتالي يتطلب طاعته من قبل الزوجة والأولاد. ولكن حين تقصيت منهم ماذا تعني هذه الطاعة وكيف تطبق في واقع حياتهم اليومية، وجدت كثيرًا من التباينات. ففي رأي بعض المبحوثات فكرةالزوج القائدقائمة على مدى قدرته على تلبية احتياجات الزوجة والأطفال، ليست المادية بل أيضًا المعنوية. وطاعة الزوج في هذه الحالة تعني بالنسبة لهؤلاء النساء احترامه وتقديره وليس بالضرورة الخضوع له. على الوجه الآخر رأى كثير من المبحوثين وبعض المبحوثات أن طاعة الزوج تعني أن يؤخذ برأيه وينفذ في كل أمور الزوجة. وجدير بالملاحظة أن لدى بعض المبحوثين احتياج ورغبة في أن تلعب زوجاتهم دورًا رئيسيًا في قيادة الأسرة.

وكانت هذه التباينات في الاعتقادات والممارسات فيما يخص ثنائية الطاعة والإنفاق مرتبطة إلى حد ما بالفروق في المستوى التعليمي والخلفية المهنية للمبحوثين والمبحوثات.

ثالثًا: رأى كثير من المبحوثين والمبحوثات أن المعاشرة الزوجية هي في الأساس حق للزوج. ولكن أجمع الكثيرون منهم (من الرجال والسيدات) على أهمية أن تبنى هذه العلاقة على رضا الطرفين وأن تراعى فيها احتياجات الزوجة وإستعدادها البدني والنفسي. ولكن تبقى النقطة المحورية وهي أن أغلبية المبحوثين والمبحوثات يرون أن العلاقة الزوجية هي في الأساس حق الزوج وواجب الزوجة. وهذه الرؤية كانت حاضرة أيضًا بقوة في رسائل الزوجات والأزواج المرسلة إلى بريد الجمعة. فجدير بالذكر أن في أغلبية هذه الرسائل (سواء كانت من الزوجة أو الزوج) يشار دومًا إلى العلاقة الجنسية بين الزوجين بوصفها حقًا للزوج وواجبًا على الزوجة. مثلاً في رسالة مرسلة إلى بريد الجمعة في ٢٤ فبراير ۲۰۱۲ بعنواننصف ساعةيشتكي صاحب الرسالة من عدم تأدية زوجته لواجباتها الزوجية في تلبية رغبته في المعاشرة الجنسية كلما أراد ذلك وعاتب الزوج زوجته بأنها تتعلل بأسباب مثل مرض طفلهما أو شعورها بالقلق بسبب ضائقة مالية يمرون بها لتعتذر عن العلاقة الزوجية.

الملاحظ أن في عرض الزوج لمشكلته يستخدم لغة تؤكد على فكرة أن المعاشرة الجنسية بين الزوجين هو حق للزوج وواجب على الزوجة. بطبيعة الحال هناك إشكالية منهجية في تحليل اللغة المستخدمة في رسائل بريد الجمعة لأن محرر الصفحة يقوم في الأغلب بإعادة صياغة الرسائل. ولكن رغم هذه الإشكالية كانت فكرة أن المعاشرة الزوجية حق للزوج في المقام الأول منعكسة ليس فقط في رسائل بريد الجمعة بل موجودة أيضًا في الآراء التي عبر عنها المبحوثون والمبحوثات في دراسة محكمة الأسرة.

وتعكس رسائل بريد الجمعة أيضًا إفتراضات عن طبيعة المرأة واحتياجاتهاالجنسية. مثلاً، هناك طرح سائد في هذه الرسائل بأن عدم أهمية حق المرأة في المعاشرة الزوجية يرجع في الأساس إلى طبيعة المرأة الفسيولوجية التي حسب هذا الطرح لا تجعلها تحتاج إلى الجنس مثل الرجل، وبالتالي تستطيع أن تستغني عنه إذا لزم الأمر.

على سبيل المثال، أرسلت زوجة صاحب الرسالة السابق ذكرها رسالة إلى بريد الجمعة بعنوانأشياء بسيطةبتاريخ ۲ مارس ۲۰۱۲ ودافعت الزوجة عن موقفها. رأت أن سبب مشكلتها مع زوجها هو أنه لا يراعي حالتها النفسية والبدنية حين يطلب منها المعاشرة الجنسية ولا يفهم الجهد الكبير الذي تقوم به في تربية أولادهما الثلاثة ورعاية البيت. والجدير بالذكر أن الزوجة ذكرت سببًا آخر لمشكلتها مع زوجها وهو أنه لا يقدر حسب رأيها الاختلاف في طبيعة المرأة والرجل من حيث رغباتهما واحتياجاتهما الجنسية. باختصار، كانت رؤية هذه الزوجة هي أن العلاقة الزوجية من حق زوجها ولكنه يسرف في طلب هذا الحق ولا يحسن الوقت الملائم للمطالبة به. كما ترى هذه الزوجة أن العلاقة الزوجية واجب عليها قبل أن تكون حقًا تريده أو تطلبه، بل على العكس ترى أن طبيعتها الفسيولوجية، بالإضافة إلى أعبائها الحياتية تحول دون رغبتها في هذه العلاقة.

وأخيرًا، أود أن أشير إلى بعض الفروق ذات الدلالة بين مفهوم الزواج في الفقه وفي الخطاب المصري العام حيث يركز الأخير على دور المرأة بوصفها ربة منزل وأمًا وراعية للأسرة. وهذا الخطاب الحداثي يجعل هذا الدور مكملاً لدور الرجل بوصفه عائل للأسرة ويرى أن التكامل بين الدورين هو ما يحقق التوازن والاستقرار في الأسرة. ولكن تجارب الزواج على أرض الواقع تبين أنه حتى حين يلتزم الزوجان بثنائية الإنفاق والتمكين لا يؤدي هذا بالضرورة إلى التكامل أو التوازن في إطار علاقة تراتبية.

رابعاً: كان الشعور السائد لدى كثير من المبحوثين والمبحوثات هو أن الزواج يمثل تجربة مليئة بالتناقضات. فمن جهة الزواج هو الدرب الذي يقره الشرع والقانون والثقافة والمجتمع لكل من يسعى إلى حياة مستقلة، وعلاقة عاطفية، وحياة جنسية شرعية. ولكن من جهة أخرى، يمثل الزواج أيضًا أعباء مالية للمرأة والرجل. كما أنه مصدر قلق وخوف بسبب مصاعب ومخاطر اختيار شريك الحياةالمناسبوالأمين، والخوف من فشل الزيجة وما يصاحب ذلك من خسارة في الموارد المادية وغير المادية.

ويمكن القول إن هذه المصاعب والمجازفات قد تصاحب أي تجربة زواج ولكن ما يميز الواقع المصري (وغيره من البلاد الإسلامية) ويزيد من هذه الصعوبات في هذا السياق هو عدم تواؤم منظومة الزواج من المنظور الفقهي المنعكس في قوانين الأحوال الشخصية مع متطلبات الواقع اليومي الذي يعيشه كثير من الرجال والنساء وتعارضها مع تحقيق حق المرأة في الكرامة والمساواة والعدالة، وهو الحق الممنوح لها في القرآن.

II. الخلط بين الفقه والشريعة:إشكاليات استخدام مرجعية التراث الديني وسلطته في الخطاب العام المعاصر في المجتمعات الإسلامية

مما يزيد من إشكالية المنظومة الفقهية للزواج من وجهة نظر زيبا مير حسيني وكيشيا عليّ هو الخلط بين الفقه والشريعة في الخطاب العام المعاصر. تُعرف زيبا مير حسيني الشريعة بأنهاإرادة الله الكاملة والتي تجلت للرسول (عليه الصلاة والسلام) من خلال الوحي (25. “Towards Gender Equality”). بمعنى آخر، ترى زيبا مير حسيني أن الشريعة هي:”نموذج إلهي مثالي يمثل روح ومسار النصوص الدينية الموحاه، فالشريعة درب يهدينا إلى العدالة (٢٦). وتفهم كيشيا الشريعة على أنها قانون إلهي موحى (Revealed Law Marriage and Slavery)، 3. وفي رأي الكاتبتين يمكن ملاحظة تداعيات طمس الحدود الفاصلة بين الفقه والشريعة على المستويات الآتية:

أولاً: في معظم الأوقات حين يطرح الفقه والشريعة وكأنهما نفس الشيء في الخطاب العام المعاصر في المجتمعات المسلمة فإن الذي يتم التعتيم عليه أيضًا هو حقيقة تاريخ الفقه الإسلامي، حيث كان مشروعًا تأويليًا مرنًا ومفتوحًا يعتمد في الأساس على مناقشات واختلافات فكرية بين الفقهاء، كما كان هناك دائمًا داخل هذا النظام التأويلي مساحة للرأي المخالف.

ثانيًا: يصرفنا الخلط بين الفقه والشريعة عن إلقاء الضوء على المنهجية التي تبناها الفقهاء الأوائل والأدوات التأويلية التي استخدموها مثلاً في تعريف الزواج واستنباط الأحكام التي تحدد واجبات وحقوق المرأة والرجل، حيث سيمكننا التعريف الدقيق لهذه المنهجية من الوقوف على المفاهيم والافتراضات الاجتماعية التي تبناها هؤلاء الفقهاء عن المرأة والرجل والتي بالقطع كان لها دور في تشكيل العملية التأويلية والأحكام التي استنبطوها.

والمثال على ذلك هو تحليل كيشيا عليّ لحكم الإمام الشافعي في حرمان الزوجة الناشز من النفقة الزوجية (أنظر/ أنظري (“A Beautiful Example”. فهي ترى أن الإمام الشافعي في كتابه الأم، حاد عن مبدأ التقيد بالنص في العملية التأويلية حسب أصول الاستنباط التي وضعها هو نفسه في كتابه الرسالة. فالشافعي عرف نشوز الزوجة بالامتناع عن أداء واجبها في تمكين زوجها من نفسها. وحسب الآية القرآنية رقم 34 في سورة النساء. هناك ثلاث خطوات متسلسلة عرضها النص القرآني لتعامل الزوج مع الزوجة الناشز: أن يعظها فإن لم يفلح ذلك يهجرها في الفراش وإن لم يفلح ذلك يضربها. ورغم الآليات الواضحة المذكورة في النص القرآني للتعاملل مع نشوز الزوجة، رأى الشافعي أن الحكم الفقهي في الزوجة الناشز هو أن يسقط حقها في النفقة. هذا على الرغم من أن هذا الحكم ليس له أي أساس يمكننا أن نستنبطه سواء من النص القرآني أو أحاديث الرسول عن نشوز الزوجة. وترى الكاتبة أن استنباط الشافعي لهذا الحكم الفقهي رغم عدم دعمه له بنص قرآني أو حديث إنما يعكس مدى تأثر الشافعي بمفهوم الفقهاء الأوائل عن الزواج بكونه مبنيًا على ثنائية الإنفاق مقابل الطاعة والإتاحة الجنسية.

كما أن إلقاء الضوء على منهجية الفقهاء الأوائل ستمكننا من كشف الصوتين المتناقضين في داخل منظومة الفقه، وهما صوت الأبوية والتراتبية الذي يعرف الزواج بأنه نوع من الملكية، والصوت الآخر الساعي إلى تحقيق مقصد المسار القرآني إلى العدالة في العلاقة بين المرأة (أنظر/ أنظري مير حسيني،“ Muslim Women”s Quest, (“Mir-Hosseini”.

وبالتأكيد نجد إشكالية الخلط بين الفقه والشريعة في السياق المصري، وبالأخص في الخطاب المجتمعي المناهض لإصلاح قوانين الأحوال الشخصية، ويشترك أطراف عديدة في هذا الخطاب سواء رجال قانونيين، علماء وعالمات دين، عاملين بجمعيات مدنية، مفكرين. ويختلف النهج الذي يتبناه هؤلاء، ويبقي المشترك بينهم طرحهم للفقه بوصفه تراثًا دينيًا ذا صفة مقدسة غير قابلة للمراجعة وكتلة صماء ثابتة وغير متغيرة.

ونجد مثالاً لهذا الفهم والطرح في مقالة كتبها ونشرها الأستاذ المحامي منتصر الزيات في جريدةالمصري اليوم” (١٩ أبريل، ۲۰۱۱) بعنوانقوانين الهانم“. انتقد الأستاذ الزيات في هذه المقالة قوانين الأحوال الشخصية الجديدة التي صدرت في عهد مبارك وذكر الكاتب على وجه الخصوص قانون الخلع والتعديلات التي استحدثت في قانون الحضانة. كان رفض الأستاذ الزيات لهذه القوانين مبنيًا على حجتين: الحجة الأولى هي أن هذه القوانين حسب رأي الكاتب من صنع السيدة سوزان مبارك ولخدمة أجندات خاصة بها وبالنظام السابق، وكان تداعياتها حسب رأيه هو هدم الأسرة المصرية. ورغم أن هذه الحجة تطرح إشكاليات كثيرة من المهم مناقشتها فسأركز هنا على حجته الثانية وهي أن القوانين الجديدة كما يدعي الأستاذ الزيات تخالف الشريعة الإسلامية، وما يعنيني هنا إلقاء الضوء على أسلوب عرض الحجة الذي يتبناه الكاتب والذي يعكس طمس الحدود بين الفقه والشريعة، واستحضار المرجعية المستمدة من مفردات فضفاضة وغير محددة مثلالشريعةوشرع اللهلعرض حجته دون الإفصاح عن فهمه للفقه أو الشريعة وتعريفه الذي يستند عليه. مثلاً، يقول الأستاذ الزيات في مقاله:”شرعت سوزان قانون الخلع بطبعة مصرية شاذة لا تعرفه الشريعة ولم تقصده، خلع يصدر عن تدليس وتزوير يخفي صداقًا غير مكتوب تنكره المرأة وتستند إلى المكتوب في وثيقة الزواج” (الزيات 17, Al-Zayat) ).

فالكاتب هنا يعترض على قانون الخلع المصري الذي يطالب مقدمة الدعوى بأن ترد مقدم الصداق للزوج وتتنازل عن المؤخر، وبناء على ذلك تحصل علي حكم الطلاق إذا استوفت القضية بقية الإجراءات. في رأي الأستاذ الزيات رد المرأة لمقدم الصداق فقط مخالف للشريعة في هذه الحالة حيث إنه في العادة يكتب مبلغ رمزي وغير مطابق للمبلغ الفعلي كمقدم الصداق في عقود الزواج المصرية. وما يغفل عن ذكره الأستاذ الزيات هو أن في الواقع المصري عادة ما يسهم كلا الزوجين في تأثيث منزل الزوجية ونادرًا ما تحصل الزوجة على صداق من الزوج.

أما رأيه أن قانون الخلع المصري مخالف للشريعة، ففي الحقيقة اختلف الفقهاء فيما يجب على الزوجة أن ترده لزوجها لتحصل على الخلع. منهم من أجاز أن ترد الصداق فقط ومنهم من أجاز أن تدفع الزوجة أكثر من ذلك إذا تراضى الزوجان على ذلك، ومنهم من ركز على حُرمة أن يدفع الزوج زوجته إلى طلب الخلع حتى يضطرها إلى التنازل عن حقوقها المالية. بمعني آخر، هناك آراء فقهية متعددة حول هذا الأمر. إذن، يستخدم الأستاذ الزيات كلمة الشريعة بتعميم ليبني حجته على مرجعية هذا المفهوم، في حين أنه يغفل ذكر النقاشات الفقهية حول موضوع التسوية المالية في الخلع. وجدير بالذكر أن في أجزاء أخرى من نفس هذه المقالة يستخدم الكاتب كلمة الفقه مرتين: مرة ليشير إلى جيهان السادات التي علي حد قولهلصمت آراء مرجوحة في الفقه الإسلاميومرة أخرى في آخر جملة في مقاله التي يقول فيها:”لم أزل على اعتقادي أن قوانين الأسرة لا تنبغي أن تخرج عن الإطار المتفق عليه في المذاهب الأربعة“. وتلخص هذه الجملة الأخيرة الموقف الفكري للكاتب في هذه القضية: أولاً هو معني بعلاقة قوانين الأحوال الشخصية بتراث الفقه وليس الشريعة، وثانيًا أنه يعكس فهمًا معينًا لهذا التراث الفقهي حيث يعتبره قانونًا إلهيًا مباشرًا غير قابل للمراجعة، كما يتجاهل كل مساحات التنوع والاختلاف في هذا التراث.

الخلاصة

في الخلاصة أحب أن أنوه إلى ثلاث نقاط:

النقطة الأولى: ركزت في هذه الورقة علي نقطتين محوريتين مشتركتين في قراءة كيشيا عليّ وزيبا مير حسيني للفقه الإسلامي. وأحب أن ألقي الضوء أيضًا وبإيجاز على بعض الفروق ذات الدلالة بين الكاتبتين في رؤيتهما للبديل عن منظومة الزواج في الفقه وفي دور المساواة بين الجنسين في الخطاب الديني الذي ينبع من مشروع النسوية الإسلامية.

مع ترى كلا الكاتبتين أن تفكيك إشكالية منظومة الزواج في الفقه هو الخطوة الأساسية والأهم من أجل خلق معرفة جديدة تمكن من إصلاح قوانين الأسرة، وتؤكدان أن هذه المنظومة تتعارض المفهوم القرآني للزواج المبني على المودة والسكن والرحمة والمعروف. كما تريان أن البديل عن المفهوم الفقهي للزواج هو المفهوم القرآني لأنه يؤكد على مبادئ ومعان مهمة تشكل الأرضية اللازمة لخلق منظومة جديدة للزواج في الإسلام مبنية على علاقة شراكة وتقدير متبادل بين الزوجين.

إلا أن كيشيا عليّ ترى أن القرآن وإن كان يطرح بديلاً أفضل لتعريف الزواج من التعريف الفقهي، إلا أنه يتبني رؤية مماثلة للفقه في فهمه للحقوق الجنسية للزوجين. مثلاً تشير الكاتبة إلى أن الخطاب الإلهي في كل النصوص القرآنية المتعلقة بالأحكام المنظمة للمعاشرة الزوجية موجه دومًا إلى الأزواج بينما يتم الإشارة إلى الزوجات بضمير الغائب وليس بوصفهن متلقيات للخطاب. بمعنى آخر ترى كيشيا عليّ أن المرأة في هذه النصوص القرآنية تشكل فقط موضوع الخطاب وليست طرفًا في الخطاب الذي يدور بين المشرع الإلهي والزوج، مما يعضد من الفهم الفقهي للعلاقة الزوجية بوصفها حق للزوج فقط.

لا تتطرق قراءة زيبا مير حسيني مباشرة إلى هذه الإشكالية في النصوص القرآنية المعنية بالحقوق الجنسية للزوجات والأزواج. ولكن الكاتبة تؤكد دومًا على أهمية الربط بين مشروع مراجعة تراث الفقه والمشروع التأويلي للقرآن الذي يتطرق إلى إشكاليات مثل معنى الخطاب القرآني والمستويات المتعددة لفضاء المعنى في القرآن. وترى زيبا مير حسيني أن أعمال الكاتب الراحل نصر حامد أبو زيد وبعض علماء الدين الإيرانيين المعاصرين مثل حسن يوسف إشكافاري ومحسن كاديفار تُعَد بداية لعملية الربط بين المشروعين السابق ذكرهما من أجل إنتاج البديل المعرفي لإشكالية العلاقة التراتبية بين الرجل والمرأة وتهميش الأخيرة في علوم الدين وخطابه المعاصر السائد في مختلف البلاد الإسلامية.

يظهر اختلاف آخر بين الكاتبتين، فترى كيشيا عليّ أن فكرة المساواة بين الجنسين مفهوم حداثي لا أساس له في التراث الإسلامي بفروعه المعرفية المختلفة. على الجانب الآخر، ترى زيبا أننا وإن كنا في هذا الزمان لا نتصور عدالة دون مساواه (وهذا مرتبط جزئيًا بالخطاب المعاصر لحقوق الإنسان) فهذه العدالة المبنية على المساواة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتحقيق مقاصد الشريعة التي تتطلب دومًا المرونة والديناميكية في استنباط وتنفيذ الأحكام. وهذه الرؤية في نظر الكاتبة مدعمة بحقيقة التنوع في تطبيق أحكام الفقه على أيدي القضاة والفقهاء المسلمين على مر العصور وقبل إقامة الدولة الحديثة وتقنين قوانين الأسرة. إذًا فالعدالة القائمة على المساواة وإن كانت متوائمة مع العصر الحالي وتطلعات المسلمين المعاصرين فهي أيضًا تبقى في الأول والآخر مبنية على مرجعية إسلامية سليمة.

إذن، ترى كلاً من كيشيا عليّ وزيبا مير حسيني أهمية التشابك مع تراث الفقه ليس فقط لأسباب معرفية ولكن أيضًا لأسباب سياسية بما أن فلسفة الفقه في الزواج وأحكامه مازالت تشكل دعائم قوانين الأسرة المسلمة الحديثة. وترى كلا الكاتبتين البدائل في النص القرآني من حيث مبادئه العامة مثل العدالة والمساواة بين مخلوقات الله والإحسان. ولكن كيشيا عليّ كما سلف ذكره ترى أن للنص القرآني نفسه إشكالياته التي قد تتعارض مع تحقيق عدالة قائمة على المساواة الكاملة للمرأة المسلمة. ولكن ما غفلت عنه كيشيا عليّ ويمكن إستنباطه من خلاصة تحليلات زيبا مير حسيني هو أن نجاح النسوية الإسلامية بوصفها مشروعًا معرفيًا وسياسيًا يحتاج إلى عملية إنتاج معرفة ممنهجة وشاملة يتم فيها الربط بين المنظور القرآني والفهم أو التطبيق الفقهي.

أتفق مع هذا الطرح الأخير لسببين:

  • هناك أعمال مثل كتابات نصر حامد أبو زيد وخالد أبو الفضل تنتج معرفة تنظر إلى عملية تأويل النص القرآني والعلاقة بين المفسر والنص. هذه المعرفة في اعتقادي ستسهل من عملية التوصل إلى قراءات بديلة للقراءات السائدة في التراث الديني التي تدعم تهميش المرأة المسلمة ووضعها في منزلة أقل من الرجل المسلم، وعدم إعطائها الحقوق التي تحقق لها العدالة سواء في نطاق الأسرة أو المجتمع. بل وأزعم أن حل الإشكالية التي أثارتها الكاتبة كيشيا عليّ فيما يخص النص القرآني نفسه يمكن أن تتحقق في إطار المعرفة الناتجة عن مثل هذه الأعمال التي تسعى إلى نظريات جديدة تفتح الأبواب لفهم جديد لطبيعة النص القرآني وكيفية التفاعل معه في العملية التأويلية.

  • تندرج بعض أعمال النسوية الإسلامية تحت المشروع التأويلي للقرآن في كونها تنتج معرفة جديدة عن التوحيد بوصفه مفهوم قرآني وأساس علاقة الإنسان المسلم بربه وكيف تتناقض الرؤية القرآنية للتوحيد مع المنظومة الأبوية Patriarchy التي هي أساس العلاقة التراتبية بين الرجل والمرأة فـي التـراث الفقهي. على سبيل المثال، تطـرح كتابات أسماء برلس وأمينـة ودود هذه الرؤيـة (أنظر/ أنظـري Wadud; Barlas).

النقطة الثانية: أود أن أشير إلى المشروع التأويلي المعاصر الذي يتبناه علماء وعالمات دين في مصـر والـذي يـطـرح قـراءات نقديـة للفقه الإسلامي بدرجات متفاوتة مثل أعمـال الراحل د. عبد المعطي البيومى ود. آمنة نصير ود. زينـب رضـوان وجمـال البنـا، ولا مجـال هـا لاستعراض طروحات هؤلاء العلماء والعالمات، إلا أنـي أحـب أن أذكر أن القراءات النقديـة فـي أعمالهم اقتصـرت فـقـط علـى مراجعـة أحـكام فقهية معينة ولكنهـا لـم تتناول إشكالية التعريف الفقهي لمنظومـة الـزواج، ولكن الأستاذ جمال البنـا هـو الوحيد الذي طرح قراءة نقدية جذرية للتراث الفقهـي ومـن ثـم فـإن منهجـه يستحق دراسة متأنيـة فـي مشروع النسوية الإسلامية.

أمـا النقطـة الأخيـرة فـهـي أنني أرى أهميـة مناقشـة وحـل إشكالية المنظومة الفقهيـة للـزواج والخلط بين الفقه والشريعة في السياق العالمي والمصري، والتي تكمـن فـي ثلاثة أشياء هي:

أ) التعبير عن إشكالية المعرفة الدينية وعلاقتنـا بـهـا، بمعني كيف نعرف هذا التراث المعرفي ومحتـواه وحـدوده ودوره في حياتنا، وكيـف نـعـرف ماهيـة الشريعة والفقـه، وكيـف نـحـدد مشروعية أو سلطة أنواع مختلفـة مـن التأويلات القديمة والحديثة.

ب) التعبير عن إشكالية سياسية حيث إنها تتعلق بأوجـه اسـتخدام المعرفة الدينية وتطبيقها في إطار التشريع القانوني وتداعيات ذلك.

ج) أرى أن المنظومة الفقهيـة للـزواج تعبر عن إشكالية أخلاقيـة إيمانيـة لكل مسلمة ومسلم يؤمنـان بدينهمـا وبقيمة ومرجعية التراث المعرفي لهذا الدين، ولكنهما في الوقت نفسه لا يتقبل ضميرهما الإنساني أن الله سبحانه وتعالـي وهـو الـعـادل الكريـم قصــد مـن الـزواج أن يكون علاقة تراتبيـة تكـون المـرأة فيهـا الطـرف الأضعف أو الأدنى وتتحول فيها إلى شيء يملكـه الـزوج بموجب دفعـه الصـداق والإنفاق عليها.

المراجع الإنجليزية

Ali, Kecia. Sexual Ethics and Islam: Feminist Relfections on Qur’an, Hasith and Jurisprudence. Oxford: Oneworld Publications, 2006.

—-. Marriage and Slavery in Islam. Boston, MA: Harvard UP, 2010.

—. “’A Beautiful Example’: The Prophet Muhammad as a Model for Muslim Husbands. “Islamic Studies 43.2 (2004): 273-91.

Barlas, Asma. “Believing Women. “Islam: Unreading Patriarchal interpretations of the Qur’an Austin, TX: U of Texas P. 2002. 254.

Ministry of Justice. Personal Status Laws of Egypt: Law No. 25 o f1920, and its amendments Law. No 25 of 1929 and Law No. 100 of 1985.

Mir-Hosseini, Ziba. “Classical Fiqh, Contemporary Ethics, and Gender Justice. “New Directions in Islamic Thought: Exploring Reform and Muslim Tradition: Eds. K. Vogt, L. Larsen, and C. Moe. London and NY: l, B. Rauris, 2009. 77-88.

—. “Towards Gender Equality: Family Laws and Shri’a. “Wanted: Equality and Justice in the Muslim Family. Ed. Zainah Anwar. Kuala Lumpur: Sisters in Islam and Musawah, 2009. 23-63.

—. “The Construction of Gender in Islamic Legal Thought and Strategies for Reform.” Hawwa: Journal of Women of the Middle East and the Islamic World 1 (2003): 1-28.

—-. “Muslim Women’s Quest for Equality: Between Islamic Law and Feminism. “Critical Inquiry 32 (2006): 629-45.

Al-Shafi’i, Muhammad b. Idris. “Bab al-raiu la yajidu ma ynfiqu ‘ala imra’atihi (Chapte’ on men who cannot financially support their wives)” Kitab la-nafaqat. (Chapter of Maintenance). Vol 5. Al-Umm. Beirut: Dar al-Kutub al-’ilmiya, 1993.

Al-Sharmani, Mulki. “Egyptian Family Courts: Pathways to Women’s Empowement?” Hawwa: Journal of Women of the Middle East and the Islamic World 7 (2009): 89-119.

—-. “Legal Reform, Women’s Empowerment, an Social Change: The Case of Egypt. “ IDS Bulletin 41.2 (2010): 10-17.

Wadud, Amina. Qur’an and Women: Rereading the Sacred Text from a Women’s Experience. Oxford and NY: Oxford UP, 1999.

Al-Zayat, Montassir. “Qawanin el-hanim (The Lady’s Laws). “ Al-masry al-Youm. April, 19,2011.17.

شارك:

اصدارات متعلقة

النسوية الإلغائية في فلسطين
نصائح من اجل بيئة عمل آمنة للنساء
نصائح للنساء لضمان السلامة خلال الحمل والولادة والوقاية من كوفيد19
الإجهاض القسري في نيجيريا وسؤال العدالة الانجابية
اغتصاب وقتل طفلة رضيعة سودانية في مصر
نحو وعي نسوي : أربع سنوات من التنظيم والتعليم السياسي النسوي
شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10