الجزء الثاني: الوعي النسوي والحوار في السياق الأوروبي
تمكين النساء المسلمات في ألمانيا1
كاثرين كلاوزينج (Kathrin Clausing)
مقدمة
تواجه النساء المسلمات في ألمانيا، في سياق سعيهن إلى تحقيق المشاركة الفعالة، العديد من التحديات سواء داخل المجتمع المسلم أو على مستوى المجتمع الألماني ككل. نجدهن، من ناحية، يواجهن الأفكار النمطية الاستشراقية الشائعة التي تنتشر في وسائل الإعلام وفي القوانين (على سبيل المثال، القوانين المسماة“قوانين غطاء الرأس” التي تحظر على المسلمات اللاتي يرتدين أغطية الرأس العمل كمدرسات في ثمان مقاطعات فيدرالية بألمانيا)، وفي السياسة. وعلى الجانب الآخر، نجد المسلمات يواجهن كذلك مشكلات متعلقة بقضايا النوع (الجندر) الناتجة عن الخطابات السائدة حول النساء داخل مجتمعاتهن المسلمة. يتناول هذا الفصل الاستراتيجيات المختلفة التي ابتكرتها النساء المسلمات في ألمانيا بغرض مجابهة هذه الخطابات المتنوعة التي تتعلق بهوياتهن، وكذلك بغرض إعادة صياغة تلك الخطابات. كما يعرض هذا الفصل للسياق الذي تعمل في إطاره هؤلاء الناشطات المسلمات في ألمانيا.
على مستوى التنظيم، نجد أن العديد من المنظمات التي تضم الناشطات المسلمات قد بدأت في الظهور منذ تسعينيات القرن الماضي، وعلى رأسها أربع منظمات يلي ذكرها هنا. تمثل منظمة“شبكة هدى للنساء المسلمات” Huda-Netzwerkfuermuslimische Frauen)) منصة التشبيك الرئيسة على مستوى ألمانيا منذ عام ١٩٩٤. وتقوم الناشطات في هذه المنظمة بإصدار مجلة شهرية تسعى إلى مناقشة قضايا مثيرة للجدل تتعلق بالإسلام من عدة زوايا. كما تهتم المنظمة كذلك بتقديم الاستشارات للمسلمات فيما يتعلق بالمشاكل الشخصية وبخاصة الزواج. أما“مركز الدراسات الإسلامية للنساء” (ZIF) فيُعني في المقام الأول بمجابهة الخطابات الدينية المعادية للنساء عن طريق نشر المقالات والمشاركة في فاعليات الحوار بين الأديان. وترتبط إصدارات المركز ارتباطًا وثيقًا بالاتجاهات العالمية السائدة في الخطابات النسوية الإسلامية التي تستهدف الحوار بين الأديان في المجتمعات المحلية الإسلامية في ألمانيا. ويهتم“مركز ملتقى وتعليم المسلمات” (BFmF) بالمشكلات الاجتماعية التي تعوق المسلمات والمهاجرات إلى ألمانيا (أو إحدى هاتين الجماعتين عن المشاركة المجتمعية الكاملة. وأخيرًا، فقد تأسس“تحالف النساء المسلمات” (AmF) في عام ٢٠١٢ بعد أن ظلت العضوات المؤسسات يعقدن اجتماعات تشبيكية على مدار سنوات ثلاث. وتتجنب هذه المنظمة بوضوح الدخول في أية مساجلات دينية.
تسبب الخطاب السائد عن الإسلام منذ عام ٢٠٠٠ في وأد القضايا التي كانت المنظمات النسائية الإسلامية قد بدأت في مناقشتها في تسعينيات القرن الماضي، ذلك أن هذا الخطاب قد أرغم المسلمات على التركيز على القضايا التي يثيرها حولهن الخطاب ذاته. ولهذا، فسوف يقدم هذا الفصل تفسيرًا للقضايا التي تعنى بها المسلمات مثل العنصرية والإسلاموفوبيا والتقاليد المعادية للنساء، وكيف أسهمت تلك القضايا في صياغة شكل معين لفاعلية النساء المسلمات في ألمانيا.
1- أن تكوني مسلمة في ألمانيا
قبل الشروع في تحليل فاعلية النساء المسلمات في ألمانيا، ينبغي النظر إلى وضع المواطنين المسلمين الأعم في المجتمع الألماني، والخطاب السائد المتعلق بالمسلمين والإسلام هناك. إذ نجد أن صورة المرأة المسلمة (المؤمنة) في الخطاب السائد تتحدد – الأساس – من خلال فكرتين استشراقيتين تعتبران هؤلاء النساء من ناحية ضحايا لأقاربهن من الرجال ومن ناحية أخرى أصوليات خطرات. وقد ازداد شيوع هاتين الفكرتين المرتبطتين بالمسلمات (الغرابة والخطورة) باتساع الظهور الاجتماعي للمسلمات ومطالبتهن بمواقع في المجال العام في المجتمع الألماني (بن Pinn، ۲۲؛ کاکیر Cakir). ولكننا نجد أن تلك الصور والأفكار النمطية عن النساء المسلمات تؤثر بدورها في النظرة إلى الألمان المسلمين بصفة عامة وفي وضعهم بوصفهم مواطنين ألمان، كما تؤثر بشكل خاص في النظرة إليهم في السياسة والإعلام والقانون.
اليمين المتطرف
يتسم المشهد السياسي الألماني بانتشار حملات الضغط من أجل هذا الهدف أو ذاك، كما أنه قد شهد مؤخرًا نقلة حادة من تبني المواقف اليمينية المتطرفة من قبل أحزاب هامشية، إلى تبنيها من قبل الأحزاب الأوسع شعبية. وتلعب تسميات مثل“الإسلام” و“المسلمين” دورًا كبيرًا في هذا الإطار، إذ إنها حلت ببطء خلال العقود الماضية محل خطابات قديمة تتناول الأجانب غير المرغوب فيهم. ويتمثل هذا الاتجاه في مناحٍ عديدة؛ منها خطاب السياسيين الذين يسعون إلى تدعيم صورتهم في المجتمع من خلال اقتراح إجراءات تستهدف حياة المسلمين الدينية وأماكن عملهم وتعليمهم. فعلى سبيل المثال، أصدر وزير داخلية مقاطعة جنوب ساكسونيا في مارس عام ۲۰۱۲ مقترح وثيقة تتضمن إجراءات مناهضة لانتشار التطرف وسط المواطنين المسلمين. وقد جاءت تلك الوثيقة موجهة إلى العديد من“الشركاء في عملية تحقيق الأمن“، مثل المعلمين والموظفين. وتقترح هذه الوثيقة أن يراقب المواطنون، وبخاصة الموظفون أو المعلمون، المواطنين المسلمين المثيرين للريبة ويقومون بالإبلاغ عنهم (أنظر/أنظري وزارة الداخلية بمقاطعة جنوب ساكسونيا). وقد تلا صدور تلك الوثيقة، وعلى مدى عدة شهور، إصدار وزارة الداخلية هناك قائمة بالأفعال المقلقة التي قد يأتيها الموظفون المسلمون، تعتبر على أساسها سلوكيات معينة مثيرة للريبة وتنبغي مراقبتها وإبلاغ السلطات بها، مثل انخفاض الوزن، والصيام، والإسراع في وتيرة التدين، وكثرة السفر إلى دول مسلمة، وإخفاء أية نشاطات خاصة. وتأتي تلك الإجراءات التي تقوم بها وزارة الداخلية في مقاطعة جنوب ساكسونيا متسقة مع سياسة وزارة الخارجية في الدولة الفيدرالية الألمانية، التي أصدرت حملة قومية للملصقات الإعلانية تركز على النزعات المتطرفة لدى الشباب المسلم، وتدعو الآباء والأمهات والأقارب والمعلمين والأصدقاء إلى اللجوء إلى خط ساخن لطلب الاستشارات حال تضررهم من زيادة التدين أو اعتناق الإسلام لدى أبنائهم أو أقاربهم أو تلاميذهم. وقد أعربت المنظمات المعنية بشئون المسلمين والمهاجرين مرارًا عن قلقها إزاء الإجراءات التي تؤدي إلى الوصم والتهميش المتصاعدين بحق المسلمين، والتي تساعد مثل تلك الإجراءات على تفشيها في المجتمع (أنظر/أنظري KRM).
الإعلام
يجنح الإعلام في ألمانيا نحو تبني مقاربة مدموغة بالنوع (الجندر) للقضايا المتعلقة بالإسلام والمسلمين. كما يعيد الإعلام إنتاج الصور النمطية“للمرأة المسلمة” (مما يستتبع ضمنيًا إنتاج صورة نمطية“للرجل المسلم“)، مدعمًا بذلك الصورة التقليدية للمرأة المسلمة“المقهورة“، ومضيفًا إليها تصنيف المرأة المسلمة“الخطرة” التي تشكل كل من أصوليتها الدينية (متمثلة في حجابها) وخصوبتها الزائدة تهديدًا كبيرًا (أنظر/ أنظري شومان Shooman).
القانون
هناك قائمة طويلة بالأحكام القضائية والتشريعات التي أثارت جدلاً في المجتمع الألماني، كما تسببت في عرقلة تطور الخطاب السائد حول المسلمين، أو أسهمت في توفير إطار قانوني للتضييق على حرياتهم الدينية والشخصية. من آخرها الحكم القضائي المسمى“حكم الختان” Beschneidungsurtei 2، (أنظر/أنظري محكمة مدينة كولونيا) الذي تسبب في جدل دولي، ربما لأن صدور حكم قضائي – يحد من حرية المسلمين واليهود معًا عن محكمة ألمانية يثير ذكريات بغيضة من التاريخ الألماني.
وقد صدرت خلال الأعوام الأخيرة عدة أحكام قضائية، بخصوص الشعائر الإسلامية مثل“حكم الصلاة” Gebetsurteil أو“حكم غطاء الرأس” Kopftuchurteil 3، أثرت تأثيرًا واضحًا على فرص المسلمات في سوق العمل. وتعد القضية القانونية التي سأعرض لها فيما يأتي مثالاً على غياب الاتساق الذي يسم الخطاب الاستشراقي المصبوغ بالجندر وعلى تأثيره فيامرأة مسلمة بعينها. ففي مارس عام ۲۰۰۷ رفضت إحدى القاضيات دعوى قضائية تطالب بالطلاق الفوري بين زوجين (أي قبل بدء سنة الانفصال الإجبارية التي تسبق الحكم بالطلاق)، وذلك بسبب المعاناة الشديدة التي تواجهها الزوجة وهي من أصل مغربي، إذ تتعرض للإيذاء البدني من زوجها. وقد جاء في دفع القاضية أنه طالما كان الطرفان ينتميان إلى الخلفية الثقافية نفسها (مواطنان ألمانيان من أصل مغربي) التي لا يعد فيها حق الزوج في تأديب زوجته أمرًا غريبًا، فالزوجة من ثم لا تتعرض لمعاناة شديدة تستلزم الطلاق الفوري (محكمة فرانكفورت). وسرعان ما أحدث هذا الحكم ضجة كبيرة في وسائل الإعلام التي أطلقت على القاضية اسم“قاضية القرآن” Koran-Richterin، مما يعني أنها تحكم بالقانون الإسلامي، وهو الأمر الذي أثار مخاوف عميقة من غزو قوانين الإسلام القروسطية لقوانين أوروبا الحرة العادلة.4 وللأسف، فقد جاءت ردود الأفعال من قبل المنظمات الإسلامية النسائية في الاتجاه ذاته، مقدمة طروحًا بأن تلك الأحكام القضائية تعد دليلاً على أهمية إعادة تفسير آیات معينة من القرآن (وبخاصة الآية 34 من سورة النساء، أنظر/أنظری هدی Huda). ولكن القاضية في تلك الواقعة لم تقصد في الحقيقة“الحكم بالقرآن“، بل كانت تحكم بناء على أفكار مسبقة وصور نمطية تقول بأن المسلمات يخترن القهر والإيذاء طواعية، أو أنهن اعتدن التأديب والإيذاء البدني لأن ثقافتهن الأصلية تحث على العنف بحق النساء (وهو الأمر الذي يستتبع افتراضًا ضمنيًا بأن الثقافة الألمانية مختلفة بشكل ما عن ذلك). وهكذا، تصبح المسلمات غير جديرات بالحقوق والحريات نفسها التي“ناضلت من أجلها النساء ذوات البشرة البيضاء“.
شيطنة غطاء الرأس
يعود إنتاج الصورة النمطية لـ“غطاء الرأس الإسلامي” إلى نشأة الاستشراق ذاته، ولكننا نرى مؤخرًا تأثيرها القوي في الإعلام وصناعة السياسات وحتى التشريع. وربما تكون القوانين التي تنظم تعيين الموظفين الحكوميين (ويقتصر تأثيرها المباشر– في كثير من الأحيان– في النساء اللاتي يعملن معلمات في القطاع الحكومي) هي أكثر الخطابات التي أسهمت في صياغة نظرة المجتمع الألماني للمسلمات، كما دعمت سلبيًا التمييز فيما يتعلق بفرص النساء في سوق العمل. وقد كان لهذه القوانين تأثير قوي وواسع على الأخص في المسلمات في مجالات العمل المتعددة، فأضحت أمثلة صارخة للتمييز على أساس الجندر والعرق.
لقد اتخذت العديد من الدراسات البحثية في ألمانيا من خبرات ومواقف النساء المسلمات اللاتي يرتدين غطاء الرأس موضوعات للتحليل خلال السنوات الماضية (أنظر/ أنظري يسين وفون فيلاموفيتس (Jessenand vonWilamowitz). ولم نر حتى الآن دراسات مستفيضة تسعى إلى الدفع بإجراءات سياسية لمجابهة التمييز ضد المسلمات، رغم أنهن لازلن يعانين من أشكال التمييز المتزايدة، سواء في مجال العمل، أو في سوق العقارات، أو في حقول مهمة أخرى تعوق الاندماج المجتمعي. وتواجه النساء المسلمات أشكالاً متعددة الأبعاد من التمييز تقريبًا على كافة أصعدة الحياة وبصورة متسعة (أنظر/ أنظري شبيب Chbib؛ وكلير Klier؛ وكوروجو Korucu). وتتضمن أشكال التمييز ما يأتي:
۱– غالبًا ما يعد أي اسم ذي وقع أجنبي، أو ارتداء غطاء الرأس، سببًا كافيًا لعدم دعوة المرأة لإجراء مقابلة من أجل وظيفة.
2- غالبًا لا تجد النساء اللاتي يسعين إلى التأهل للعمل كمعلمات أو محاميات فرصًا للعمل. فقد أصدرت ثمان مقاطعات فيدرالية منذ عام ۲۰۰۳ ما يسمى بقوانين الحياد (HRW، ٢٥–٤٠) التي تحظر على المعلمات في المدارس الحكومية ارتداء غطاء الرأس. وقد توسعت بعض المقاطعات في هذا القانون ليشمل العاملات في دور الرعاية والعاملات المدنيات في الشرطة والمحاكم والسجون، مستثنية بوضوح الرموز المرتبطة بالمسيحية واليهودية من ذلك الحظر (أنظر/ أنظري بوز– نیازی Boos-Niazy).
3- تقل غالبًا فرص الطالبات اللاتي يدرسن في أي فرع من فروع الدراسة في الحصول على فترة تدريب أثناء الدراسة بسبب ارتدائهن أغطية الرأس.
4- حتى العاملات المعينات لمدد طويلة في المستشفيات ودور الرعاية يواجهن إنهاء عقودهن جراء الشكاوى التي يقدمها بحقهن الزملاء أو المرضى (أو كلاهما)، بينما يفشل المسئولون في حمايتهن من ذلك الشكل العنيف من أشكال التمييز.
5- تواجه النساء المرتديات أغطية الرأس اللاتي يعملن في قطاعات الخدمات والعقارات تمييزًا واضحًا، فعلى سبيل المثال يتم منعهن من الانضمام للنوادي الصحية أو من السكن الملائم أو من دخول المطاعم (أنظر/ أنظري IR).
وقد نبهت منظمات النساء المسلمات مرارًا إلى تبعات الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية الفيدرالية بألمانيا عام ٢٠٠٣ على النساء المسلمات، إذ لم يكن للحكم تأثير مباشر فقط على المعلمات والممرضات والعاملات بدور رعاية الأطفال والطالبات والتلميذات، ولكن كانت له تداعيات قوية على النساء في مختلف مجالات العمل. وقد ذكر مرصد حقوق الإنسان أن هذا الحكم وتطبيق القوانين التي تبعته يمثلان تمييزًا واضحًا تجاه النساء المسلمات، إذ ينتهك الحقوق الشخصية في حرية العقيدة وفي المساواة أمام القانون (HRW 2)، كما أن الحكم قد أثر بشكل غير مباشر في النساء الباحثات عن عمل؛ لأنهن لازلن يجابهن الأفكار والصور النمطية التي أصبحت الآن لها ما يصوغها ويؤكدها في القانون الفيدرالی (بوز– نیازی –Boos – Niazy),15)
“خطاب الإسلام” يخدم عدة أغراض
وهكذا، يخدم ما يسمى“خطاب الإسلام” في المجتمع الألماني أغراضًا سياسية ومجتمعية متعددة، ويمثل تحديًا يوميًا أمام النساء المسلمات، مما جعل منه كذلك مصدرًا لقلق الناشطات المسلمات على مدار العقد الماضي في ألمانيا. وفي الواقع، يشتت هذا الخطاب الانتباه بعيدًا عن التمييز ضد النساء الموجود بالفعل في مجال العمل فلا يزال الجندر هو الجانب الأكثر شيوعًا على الإطلاق في مسألة التمييز في مجال العمل بألمانيا. فهناك، على سبيل المثال، فرق في المرتبات بين الرجال والنساء تحصل بموجبه النساء على أجور أقل من أجور الرجال بمعدل ٢٩٪ في المتوسط، كما تزداد معدلات الفقر لدى النساء العائلات (فاينمان Weinmann،14) وتزداد احتمالات الفقر في مرحلة الشيخوخة لدى النساء أكثر من الرجال، حيث نجد الشابات أكثر اعتمادًا على أسرهن في الدعم المادي من الشباب (١٤). كما نجد أن النساء نادرًا ما يشغلن مراكز تنفيذية عليا، حيث لا يتجاوز معدل النساء اللاتي يشغلن مناصب قيادية في أكبر مائتي شركة ألمانية نسبة 3% وفق إحصائيات نهاية عام ۲۰۱۱ (هولز Hols,1)
ورغما تقدم، نجد أنه من السهل التعتيم على تلك المشكلات الحقيقية التي تواجه النساء المسلمات على أرض الواقع عن طريق حصر الاهتمام في مشكلات“ثقافية” أخرى، مثل إرغام النساء على الزواج والإساءة إلى الزوجات، وهما مشكلتان يشيع اعتبارهما مشكلات خاصة بالمسلمين دون غيرهم. وكذلك يسهم هذا الاهتمام في إضفاء صبغة نسوية على السياسات المحافظة. ولذا، يمكننا القول بأن مشروع تحرير النساء المسلمات في ألمانيا قد فشل لأنه لم يصادف جهدًا واحدًا يسعى إلى تقييم معدلات البطالة المتزايدة بين النساء المسلمات عن طريق جمع البيانات الإحصائية عن أوضاع النساء الاجتماعية – السياسية (يورداكول urdakul، ١٢٤).
2- وضع المرأة في المجتمعات المحلية داخل ألمانيا
تعد العلاقات القائمة داخل المجتمعات المحلية المسلمة في ألمانيا المجال الآخر الذي يؤثر في فاعلية النساء المسلمات واهتماماتهن، على الرغم من أن ذلك المجال يكاد يكون شبه غائب عن الخطابات المجتمعية السائدة. فعلى الرغم من الزيادة المضطردة التي شهدتها العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية في تعداد المسلمين بسبب قدوم المهاجرين من العمال، لم نشهد ظهور شبكات تواصل بين النساء إلا بنهايات ثمانينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت بدايات سعى الشابات المسلمات إلى البحث عن هوية دينية مختلفة وإيجابية داخل مجتمعاتهن الدينية المحلية.
ولم تكن المساجد في ألمانيا في ذلك الوقت تستقبل النساء على الإطلاق، بل كانت برامجها تخاطب المصلين من الرجال حصريًا (كلينكامر Klinkhammer، ١٥٨). وقد شرعت النساء المسلمات في بناء وطن روحاني لهن وفي صياغة شبكات تواصلهن ومأسستها مع نهاية الثمانينيات من القرن الماضي (١٥٧)، كما شهد العقد الماضي تزايدًا في تأسيس المنظمات القاصرة على النساء، وهو تزايد تعزوه النساء المسلمات إلى غياب منظمات مظلية تعني بقضاياهن (عابد Abid، ۱۰۷). وقد جاء ذلك بسبب ما ذكرناه آنفًا من اقتصار المساجد على إتاحة أداء الشعائر للرجال المسلمين الراشدين دون النساء. وقد بدأت المسلمات بتشكيل“جماعات الأخوات” بهدف تعويض غياب الوطن الروحاني الذي كن يشعرن به وقتها. ورغم ذلك نجد أن“تقويم النساء المسلمات” (Muslim Women’s Almanac) الذي صدر في عام 1996 عن منظمة“هدى” قد أورد أسماء 17″جماعة أخوات” فقط في ألمانيا كلها. وفي نهاية التسعينيات من القرن الماضي أصبحت معظم المساجد في المدن تخصص حجرات ودورات دراسية للنساء (كلينكامر Klinkhammer، 158)، ثم بدأت المنظمات الإسلامية المظلية الكبرى منذ عام ٢٠٠٠ في إجراء إصلاحات تهدف إلى صياغة سياسات تعمل على تضمين النساء، وذلك بتعيين النساء ممثلات لهذه المنظمات أو مديرات أو نائبات فيها.5
وتخدم المساجد في ألمانيا أغراضًا عدة، وتمتد وظائفها إلى أبعد من مجرد كونها أماكن لإقامة شعائر الصلاة. يستخدم الألمان المسلمون المساجد لحضور الدروس والاحتفال بالعطلات، وأيضًا لطلب النصح والاستشارات والتواصل الاجتماعي. ويدل تخصيص أماكن منفصلة للنساء على قيامهن بأعمال مستقلة ونشطة لخدمة مجتمعاتهن المحلية (شبيلهاوس Spielhaus، 65)، ولكن يبدو أن ذلك الانفصال قد خلق مشكلات خاصة به، وذلك لأسباب عدة نفصّلها على النحو الآتي:
1- يؤسس ذلك الانفصال للعزل التقليدي بين الرجال والنساء في مجتمعات منفصلة (عابد Abid، ۱۰۸)، وهو بذلك يقنن الأفضلية الأبوية وغياب المساواة في التعامل. فغالبًا ما نجد حجرات النساء بدون محراب ولا منبر، كما أنها في كل الحالات تقريبًا أقل في الزخارف والزينة، إذا لم تكن خالية منها تمامًا (شبيلهاوس Spielhaus،65 ( يمثل هذا الوضع ما يشبه التأكيد البصري على إعطاء الأولوية لطقوس عبادة الرجال، وهو ما يؤثر بدوره في العلاقات الاجتماعية بين الرجال والنساء وفي الحماس تجاه القيام بالأعمال المجتمعية.
2- ويعني الانفصال كذلك أن نشاطات النساء وتجمعهن للصلاة يحدثان على هامش المسجد، بينما يقع مكان صلاة الرجال– حتى على المستوى المعماري– في قلب المسجد؛ حيث تناقش القضايا الدينية والاجتماعية المحورية.
3- يمكن للرجال التواصل مباشرة مع الإمام الذي يعد غالبًا السلطة الروحانية الوحيدة والناصح الأوحد في المسجد. وللإمام في ألمانيا وظيفة واسعة المدى، وغالبًا ما تطلب منه استشارات أسرية. وبعكس الحال مع الرجال داخل المجتمع المحلي المسلم، نجد النساء اللاتي يرغبن في استشارة الإمام في أمر ما لا يواجهن فقط مشكلة الوصول إليه، ولكن أيضًا كونهن مجهولات بالنسبة له، رغم حاجتهن إلى استشارته بخصوص أمور تكون غالبًا أمورًا شخصية للغاية.
4- وتعكس الأماكن التي تمارس الفصل بين الرجال والنساء ذلك الانفصال الذي يسود العمل داخل المجتمع المحلي وغياب التواصل بين الرجال والنساء داخل ذلك المجتمع. وقد ظهر ذلك في مسح أجري على مساجد في برلين عام ١٩٩٦، حيث لم يذكر الممثلون من الرجال أية نشاطات تقوم بها النساء في المساجد، بينما كانت النساء بالفعل يقمن بالعديد من النشاطات المنتظمة في الأماكن الخاصة بهن (شبيلهاوس Spielhaus،66).
ونرى أثرًا كبيرًا لفتح مجموعة من المساجد خلال التسعينيات من القرن السابق لجمهور أوسع. وكانت تلك الفترة قد شهدت عدة فاعليات مثل“أسابيع الإسلام“Islamwochen و” أيام الأبواب المفتوحة” Tag deroffenen Moschee، التي كان لها أثر كبير في إبراز وجود النساء المسلمات في المجال العام وتسهيل اضطلاعهن بأعمال خارجية ومهام تمثيلية لمؤسساتهن (عابد Abid، ۱۰۹). وغالبًا ما نجد مجالات عمل النساء داخل المساجد مطابقة لأدوارهن التقليدية، ولكنها هنا تؤدى بشكل تطوعي، مثل تحضير الطعام وتوفير التعليم الديني للأطفال وتقديم المشورة الدينية، إلخ (١٠٦).
وقد تبنى عدد من المساجد التي تتحدث التركية، وعلى الأخص تلك التي تشكل جزءًا من منظمات مظلية أكبر، مسئولية تأهيل النساء (والرجال) ليصبحن معلمات وفقيهات دينيات، بل وأصبحت تلك المساجد قادرة على توظيفهن فيها بوصفهن معلمات لفترات طويلة (رغم بقاء ذلك أمرًا نادرًا)، مما مكن النساء من حضور المحاضرات والدروس والمشاركة في نقاشات ذات طبيعة دينية (ياردم Yardim، ٢٨٤).
3- منظمات النساء المسلمات في ألمانيا
كما ذكرنا آنفًا، تتركز نشاطات النساء المسلمات خارج المساجد، وتأتي غالبًا في إطار تنظيمي يتمثل في رابطة أو منظمة منبثقة عن عدة اجتماعات رسمية عقدتها جماعات الأخوات أو عن اجتماعات تشبيكية. وتعمل العديد من منظمات النساء على المستوى المحلي بهدف تأسيس شبكة تواصل عبر الأديان، وبوصفها منصة تستطيع من خلالها النساء المسلمات التواصل مع السلطات المحلية. وتسعى تلك الجماعات النسائية الصغيرة إلى تحقيق أهداف متعددة في وقت واحد، مثل أن تكون منصة لإجراء حوار بين الأديان مع المجتمعات المحلية المجاورة سواء المسيحية أو اليهودية، وأن تكون كذلك أماكن لعب ورياضة أسبوعية للأطفال، وكل ذلك يعد جزءًا من برامجها. كما تنجح هذه المجموعات أحيانًا في إطلاق خدمات تعليمية تمنح شهادات للنساء المسلمات.
وتعد منظمة“هدی” (Huda)6 الأقدم على مستوى ألمانيا. وقد بدأ المشروع عام 1994 بعدد قليل من النساء يقمن بإصدار مجلة شهرية تسمى هدى، ثم أصبحت عام 1996 مجموعة مسجلة بوصفها منظمة تعمل رسميًا. وتتناول المجلة التي تصدرها المنظمة قضايا مثيرة للجدل في الإسلام من زوايا متعددة، كما تقيم حوارات ومناقشات بين الأديان. وسرعان ما أصبحت المجلة منصة لكافة النساء المهتمات بالحوار والنقاش، إذ إنها كانت تشجع التعددية بشكل قوي وواضح. وفيما بعد، ازداد اهتمام مُؤسسات منظمة“هدی” بتقديم الاستشارات للنساء المسلمات، وبخاصة فيما يتعلق بالزواج، مما أدى إلى إطلاق خط ساخن للنساء المسلمات عام ١٩٩٨. وقد شعرت المؤسسات بأهمية تلك الخطوة؛ إذ إن تجربتهن مع قارئات المجلة كانت قد أخبرتهن بأن المؤسسات الموجودة التي تقدم الاستشارات للنساء المسلمات غالبًا ما تسيء فهمهن. وقد تغيرت أنساق تبادل وجمع المعلومات تغيرًا كبيرًا مع انتشار استخدام الشبكة العنكبوتية، كما تطورت بدورها داخل المجتمعات المحلية المسلمة في ألمانيا خلال العقد الماضي. ويبدو أن ذلك كان أحد الأسباب التي أدت إلى انخفاض أعداد المشتركين في مجلة هدى. ولكن تبقى منظمة“هدی” ذاتها من أقوى مؤسسات النساء المسلمات تأثيرًا في جل قضايا الجندر والإسهام في تطوير شبكات اتصال النساء المسلمات، وفي تأسيس منظمات أخرى أكثر نشاطًا للنساء المسلمات في ألمانيا.
ويعد“مركز ملتقى وتعليم المسلمات“- الذي يشار إليه بالاختصارات BFmF 7 المنظمة الإسلامية الوحيدة التي قامت بتأسيسها مسلمات لتوفير فرص العمل للنساء. وتعمل المنظمة على مستوى محلي في مدينة كولونيا وتسعى إلى تشجيع مشاركة النساء المجتمعية عن طريق تنمية مؤهلاتهن وقدراتهن. وتقدم المنظمة دورات لمساعدة النساء في الحصول على شهادات المدارس الثانوية والدبلومات (عن طريق صفحتها على الشبكة العنكبوتية لتعليم الكمبيوتر والتدريس واللغات). كما يقدم المركز خدمات استشارية على مستوى مهني في شئون الأسرة ومشاكل العمل والتوظيف.
ویعنی“مركز الدراسات الإسلامية للنساء” – الذي يشار إليه بالاختصارات ZIF 8 في المقام الأول بمجابهة الخطابات الدينية المعادية للنساء، وذلك بنشر المقالات والمشاركة في منصات الحوار بين الأديان. وتأتي إصدارات المركز متأثرة تأثرًا كبيرًا بمنطلقات الخطابات النسوية الإسلامية السائدة في جنوب شرق آسيا وأمريكا الشمالية. وتعبر الناشطات المنخرطات في المركز عن حاجتهن إلى التعاطي مع التفسيرات الدينية؛ نظرًا لغياب التجديد في النظرة إلى أدوار النوع (الجندر) بين المسلمين، سواء كان ذلك في المجتمعات المحلية التقليدية، أو ذات التوجه الحداثي (إرباكان Erbakan، 58 وما بعدها). كما أن الناشطات هناك قد بدأن مع بدايات التسعينيات من العام الماضي يدركن أهمية ظهور خطاب ديني نسوي على أيدي العالمات والفقيهات المسلمات أنفسهن (74).
أما“تحالف النساء المسلمات“- الذي يشار إليه بالاختصارات AmF 9 فيعد أحدث منظمة للنساء المسلمات، حيث تأسس عام ۲۰۱۰ نتاج جهود سابقة استمرت عدة سنوات. ويتكون التحالف من نساء مسلمات من كافة المجالات في المجتمع الألماني، سواء كن ينتمين بالفعل إلى أحد الاتحادات الألمانية الإسلامية الأربعة الكبرى أو مسلمات لا ينتمين إلى أي من هذه المنظمات الكبرى. كما يضم التحالف نساًء من كل الاتجاهات الإسلامية. ويسعى التحالف إلى أن يكون صوتًا أصيلاً للنساء المسلمات في الخطابات السياسية والإعلامية، كما يتفادي بوضوح أي نوع من أنواع المساجلات الدينية.
خاتمة
تمكنت المنظمات النسائية الإسلامية في ألمانيا من تطوير محور فاعليتها وتحويلها مع بدايات التسعينيات من القرن الماضي عن تشجيع الحوار حول قضايا النوع (الجندر) بين المسلمين إلى مجابهة التمييز المتزايد والمعوقات المجتمعية في المجتمع الألماني مع بدايات عام ۲۰۰۰. وتلعب منظمتا BfmF AmF أكبر الأدوار في هذا الصدد. وبينما تسعى المنظمتان نحو تحقيق الأهداف نفسها (تعزيز قدرات النساء المسلمات على مجابهة وتخطي الصعوبات الناتجة عن المعوقات المجتمعية وعن التمييز)، نجد كلتيهما تستخدمان أساليب مختلفة لتحقيق ذلك الهدف. تعمل منظمة AmF على مستوى فكري وسياسي، حيث تقدم تحليلات سياسية وإعلامية معاصرة، كما تعمل على تدعيم شبكات الاتصال على مستوى ألمانيا. وعلى الجانب الآخر، تسعى BFmF إلى تمكين النساء بأن تساعدهن في الحصول على التعليم الذي يرغبن فيه وعلى شهادات تدعم فرصهن في سوق العمل. وبينما تعد هذه التحركات أساسية في عملية تمكين النساء المسلمات وتعزيز مشاركتهن المجتمعية، فما زالت الحاجة ملحة إلى إقامة حوارات مفتوحة بين المجتمعات المحلية المسلمة في ألمانيا حول قضايا دينية بعينها، وهو مسعى قد يكون له قيمة كبيرة في هذا المجال، إذ يسهم في تطوير الإنجازات والجهود السابقة التي قامت بها منظمات مثل“هدی” و ZIF واستكمال هذه الجهود.
الهوامش
1 أتوجه بالشكر لأمينة لويز بيكير Amina Luise Becker من مركز الدراسات الإسلامية للنساء (ZIF)، وجابرييل بوز نيازي Gabriele Boos-Niazy من مركز تحالف النساء المسلمات (AmF)، وحميدة مهاجيجي Hamideh Mohagheghi من مركز هدی (Huda) على دراساتهن العميقة على مدار ما يقارب العقدين حول فاعلية النساء المسلمات في ألمانيا، والتي تحدثن معى عنها بانفتاح وسخاء في لقاءات شخصية.
2 يرتبط هذا المصطلح بحكم قضائي صادر عن المحكمة الفيدرالية الإدارية في ألمانيا، وهي إحدى خمس محاكم عليا، يفيد بأن منع التلاميذ المسلمين من تأدية شعائر الصلاة أثناء اليوم الدراسي لا يمثل انتهاكًا للحريات الدينية في المدارس الألمانية (محكمة ألمانيا الفيدرالية العليا، ۲۰۰۳).
3 صدر هذا الحكم عن المحكمة الدستورية الفيدرالية الألمانية في العام ٢٠٠٣، وينص على أن ارتداء غطاء الرأس يقع ضمن حدود الحريات الدينية، حتى للمعلمات اللاتي يعملن في الدولة، ولكنه مهد الطرق في الوقت ذاته لأحكام أخرى تحظر على المعلمات ارتداء غطاء الرأس لأسباب دينية على مستوى الولايات الفيدرالية (المحكمة الدستورية الفيدرالية الألمانية، ۲۰۰۳).
4 جاء عنوان مقالة منشورة في مجلة دير شبيجيل Der Spiegl معبرًا عن هذا المعنى“هل تحكمنا الشريعة؟” “?Hapenwirschon die Scharia
…html.50990541-https://www.spiegel.de/spiegel/print/d
أنظر/أنظري كذلك عنوان مقالة تتناول الحكم نشرت في جريدة يومية ألمانية أخرى“الشريعة في ألمانيا؟” (html.825384/https://www.tagesspiegel.de/politik/deutschland/justizskandal-scharia-in-deutschland)
5 يعد الاتحاد الإسلامي التركي للشئون الدينية(DITIB https://www.ditib.de)، وجمعية ملى جوروز الإسلامية ((IGMG https://www.igmg.de واتحاد المراكز الثقافية الإسلامية (VIKZ (https://www.vikz.de)، ومجلس المسلمين المركزي في ألمانيا (/ZMD (https://zentralrat.de)، أكبر المنظمات المظلية في ألمانيا.
6أنظر/ أنظري صفحة“هدى” على الشبكة العنكبوتية (https://www.huda.de).
7 أنظر/أنظري صفحة BFmF على الشبكة العنكبوتية).https://www.bfmf-koeln.de/bfmf-root/German/Default aspx
8 أنظر/أنظري صفحة ZIF على الشبكة العنكبوتية(html.https://www.zif-koeln.de/index2).
9 أنظر/أنظري صفحة AmF على الشبكة العنكبوتية ((https://www.muslimische-frauen.de).
المراجع الإنجليزية
Abid, Lisa J. “Frauen als Integrationsmultiplikatorinnen in Moscheegermeinden,” Imame und Frauen in Moscheen im Integrationsprozess. Eds. Michael Borchard and Rauf Ceylan. Osnabruck: Universitatsverlag Osnabruck, 2011. 105-22.
Boos-Niazy, Gabriele. Kopftuchverbote in deutschland. Presentation for AmF (Aktionsbundnis muslimischer Frauen). April 2012. Unpublished.
Cakir, Naime. “ Muslimische Frauen_in_deutschland. pdf”https://www.agarb.de/cms/images/input_muslimische_frauen_in_deutschland.pdf.
Chbib, Raida. “BfmF Koln: Die Diskriminierung muslimischer Frauen nimmt kein Ende. “Islamfeindlichkeit-Aspekte, Stimmen, Gegenstrategien, Eds. Stephan Bundschuh and Birgit Jagusch. Dusseldorf: IDAe.V., 2008, 39-41.
District Court of Cologne. Verdict from 7/5/2012. 151Ns 169/11. HYPERLINK “ https://www.justiz.nrw.de/nrwe/lgs/koeln/ig_koeln/j2012/151_Ns_169_11_Urteil_20120507.html” https://www.justiz.nrw.de/nrwe/lgs/koeln/lg_koeln/j2012/151_Ns_169_11_Urteil_ 20120507.html.
Destrict Court of Frankfurt/Main. HYPERLINK “https://www.ag-frankfurt.justiz.hessen.de/irj/AMG_Frankfurt_internet?rid=Hmdj/AMG_Frankfurt_Internet/sub/37d/37d46c69-eb29-411a-eb6d-f1cc,,,11111111-2222-3333-4444-100000005003%26overview=true.htm” https://www.ag-frankfurt.justoz.hessen.de/irj/AMG_Frankfurt_Internet?rid=HMdJ/AMG_Arankfurt_Internet/sub/37d/37d46c69-eb29-411a-eb6d-f1cc,,,11111111-2222-3333-4444-100000005003%26overview=true.htm.
Erbakan, Amina: “islamische feministische Theologie – Chance oder Sakgasse?” Frauen in der islamischen Welt – Eine Debatte zur Rolle der Frau in Gesellschaft, Politik und Religion, Eds. Angelika Vauti and Margot Sulzavacher. Frankfurt: Brandes & Apesl, 1999. 57-83.
Federal Administrative Court of Germany (BverwG). Verdict from 30/11/2011. BverwG 6 C 2010. HYPERLINK “https://www.bverwg.de/enid/311?e_view=detail&meta_nr=2809.
Federal Constitutional Court of Germany (BverfG). Verdict from 24/9/2003. 2 BvR 1436/02. https://www.bundesverfassungsgericht.de/entscheidungen/rs20030924_2bvr143602.html.
Holst, Elke, Anne Busch, and Lea Kroger. Fuhrungskrafte-Monitor2012. Berlim: Deutsches Institut fur Wirtschaftsfordchung, 2012.
Huda e. V. Vorsitzende des Frauen-Netzwerks, Karimah Korting-Mahran: “Richterin stellt sich auf die Stufe der Taliban”. 2007. HYPERKINK” https://islam.de/8121.php”https://islam.de/8121.php.
Human Rights Watch. Discrimination in the Name of Neutrality – Headscarf Bans for Teachers and Civil Servants in Germany. 2009. https://www.hrw.org/sites/default/files/reports/germany0209_webwcove.pdf.
Interior Ministry of Lower Saxony. Kernaussagen des Handlungskonzepts zur Antiradikalisierung und Pravention im Bereich des islamistischen Extremismus und Terrismus in Niedersachsen. March 6, 2012. https://www.mi.niedersachsen.de/download/64816.
Interkultureller Rat in Deutschland. Bundesweites Clearingproiekt: Zusammenleben mit Muslimen. Starke Frauen, Schwerer Weg! Zur Benachteiligung muslimischer Frauen in der Gesellschaft. Interkultureller Rat: Damstadt, 2010.
Jessen, Frank and Ulrich von Wilamowitz-Moellendorff. Das Kopftrch – die Entschleierung eines Symbols. Sank Augustin/Berlin: Konrad-Asenauer-Stiftung, 2006. https://www.kas.de/wf/doc/kas_9095-544-1-30.pdf?070807122758.
Kiler, Harald. Diskriminierung vom muslimischen Frauen, Ergebnisse einer Befragung in Brandenburg.Antidiskriminierungsstelle im Buro des Auslamderbeauftagten des Landes Brandenburg: Postdbam, 2002.
Klinkhammer, Gritt. “Islam, Frauen und Feminismus. Eine Verhaltnisbestimmung im Kontext des Islam in Deutschland.” Imame und Frauen in Moscheen Im Integrationsprozess. Eds. Michaek Borchard and Rauf Ceylan. Osnabruck: Universitatsverlag Osnabruck, Humboldt Universitat zu Berlin, 2011. 155-70.
Korucu, Canan. Selbst-und Leitbilder jundger kopftuch tragender Musliminnen turkischer Harkuft in Berlin-Eine qualitative Studie anhand von Leitfadeninterviews. Kiss. Institut fut Erziehungswissenschaft der Technischen Universitat Berlin, 2004.
Krm – Koordinationsrat der Muslime in Deutschland. Plakataktion stellt Muslime unter Generalverdacht – Das Gegenteil von “gut”, ist “rut gemeint”!2012. https://wwww.ditib.de/detail1.php?id=311&lang=de.
MiGAZIN. Das sollen muslimische Radikalisierungsmerkmale sein. June 26, 2012. “https://www.migazin.de/2012/06/26/das-lollen-radikalisierungsmerkmale-fur-muslime-sein/.
Pinn, Irmgard and Marlies Wehner. EuroPhantasien – Die islamische Frau aus westlicher Sicht. Duisburg: Diss, 1995.
Shooman, Yasemin. Muslimisch, wieblich, unterdrucdt und gefahrlich- Stereotype muslimischer Frauen in offentilchen diskursen. 2012. html”https://www.deutsche-islam-konferenz,de/Subsites/DIK/DE/Gedchlechtergerechtigkeit/StereotypMuslima/stereotypmuslima-node.html.
Spielhaus, Riem. “Muslimnnen und ihr Engagement im Gemeindeleben.” Islamisches Gemeindeleben in Berlin. Eds. Riem Spielhaus and Aleza Farber. Berlin: Der Beauftragte des Saenats fur Integration und Migration, 2006. 64-69.
Weinmann, Julia. Frauenund Manner in verschiedenen Lebensphasen. Wiesbaden: Statistisches Bundesamt, 2010.
Yardim, Nigar. “Isla,mische Lehre von Frauen fur Frauen bei Wreachsenen am Beispiel der VIKZ-Gemeinden.” Imame und Frauen in Moscheen im Integrationsprozess. Eds. Michale Morchard and Rauf Ceylan. Osnabruck: Universitatsverlag Osnabruck, 2011. 283-88.
Yurdakul, Gokce, “Governance Feminism und Rassismus: Wie frhrende Vertreterinnen von Immigranten die antimuslmische Diskusion.” Westeuropa und Nordamerika befordern. Staatsburgerschaft, Migration und Minderheiten: Inklusion und Ausgrenzungsstrategien im Vergleich, Eds. Gokce Yurdakul and Michael Y. Bodemann. Wiesbaden: VS Verlag fur Sozialwissenschaften, 2010. 111-25.
بين المسبحة والقرآن
التعاون بين النساء الكاثوليكيات والنسويات الإسلاميات في أيطاليا
أنّا فانتسان (Anna Vanzan)
“لا يمكن اعتبار النسوية الإسلامية ذات أهمية للنساء المسلمات فحسب، ولكنها تقدم لنا كذلك نموذجًا لنسوية بديلة يمكن لكل نساء العالم اتباعها“.
جاء الاقتباس الوارد أعلاه على لسان الناشطة الإيرانية، الداعية إلى تعزيز وجود النساء في المجالات السياسية والثقافية، فريدة ماشيني (Farida Mashini) في مقابلة أجريتها معها أثناء إعدادي كتابي الصادر عن أشكال النسوية الإسلامية (Le donne di Allah)، وقد توفيت في الوقت الذي كنت أكتب فيه هذه المقالة. ولذا، فإنني أود إهداء هذه المقالة 1 لذكراها. وقد بدأت، وأنا أضع هذه الكلمات في حسباني، في دراسة مؤسسات النساء الكاثوليكيات في إيطاليا، التي كانت تعمل على تأسيس حوار مجْدٍ تسعى إلى جعله حوارًا مستديمًا مع نظيراتهن المسلمات، أي هؤلاء النساء المسلمات اللاتي انتقلن من بلادهن الأصلية للعيش في إيطاليا.
كان الحوار بين الأديان – ولا يزال حتى اللحظة الراهنة– أمرًا أبويًا (بمعنى أن الرجال الممثلين لأديان مختلفة يلتقون ويتباحثون مع بعضهم البعض، وهو الأمر الذي يأتي غالبًا بدافع الضرورة الاجتماعية). ثم دخلت النساء تلك الحلبة مؤخرًا، وأخذن في صياغة خطاب جديد بتسليطهن الاهتمام على المبادئ التي تحكم دياناتهن المختلفة وتفاسيرها المعادية للنساء والتي تؤثر بالضرورة في حقوقهن وأدوارهن. ونجد القناعة المبدئية بين النسويات الإسلاميات تقول بأن الدين في حد ذاته ليس مصدرًا للقهر الواقع على النساء، بل إن ذلك يرجع إلى القراءة الأبوية لنصوص الدين. وتجتذب هذه القناعة الكثيرات من النساء غير المسلمات اللاتي ينتمين إلى هوية دينية ما. وهكذا، تتولد عن الحوار بين النساء الكاثوليكيات والمسلمات، ببطء ولكن بإصرار، عدة نتائج إيجابية:1- فهم أكثر شيوعًا للدين الإسلامي والثقافة الإسلامية بين الأديان الأخرى. فبينما تنخرط النساء الكاثوليكيات الإيطاليات في حوارات مع جماعات دينية أخرى (بروتستانتية، بوذية، يهودية، إلخ.)، يصبح وجود النسويات الإسلاميات في مثل تلك الاجتماعات واللقاءات جزءًا من تواصل أوسع يحدث بين الأديان المختلفة. وعندما تشارك النسويات الإسلاميات بفاعلية في الحوار مع نساء ينتمين إلى عقائد مختلفة، فإنهن يقدمن بذلك ردودًا جديدة على ظاهرة الخوف المبالغ فيه من الإسلام (Islamophobia) المنتشرة على نطاق واسع. ۲– صياغة فعالة لمفهوم“الإسلام الأوروبي” الذي يحتاج إلى أجندة واضحة تتعلق بقضايا النساء في تلك المجتمعات لكي يتمكن من الاستمرار وتحقيق الفعالية، وهو أمر لا يمكن أن يضطلع به أحد سوى النساء المسلمات.
يقدم هذا الفصل، بالإضافة إلى عرضه بانوراما للأشكال المختلفة التي يتخذها التواصل بين النسويات الكاثوليكيات والنسويات الإسلاميات في أوروبا – وبخاصة في إيطاليا– بحثًا في إمكانات التطور المستقبلي لدور النسويات الإسلاميات في تخطيه لمواطنهن الأصلية.
من حوار الأديان إلى حوار الجندر/النوع (Gender)
يمثل المسلمون ثاني أكبر جماعة دينية في إيطاليا. وتتضارب البيانات التي بأيدينا حول نسبة المسلمين في البلاد تبعًا للمؤسسة التي تقوم بالإحصاء. ولكن يمكن القول إن المسلمين حاليًا يمثلون ٢٪ من تعداد السكان، أي حوالي مليون ومائتي ألف نسمة.2 وقد لا تبدو الإحصاءات مهمة، ولكن علينا الأخذ في الحسبان أن إيطاليا تعد الدولة التي يقطنها البابا، وهو الممثل الأعلى للسلطة الكاثوليكية.
ينتمي المسلمون في إيطاليا إلى مواطن متعددة، منها في المقام الأول المغرب وتونس، ولكن هناك أيضًا باكستان وبنجلادش ومصر وتركيا وإيران وأفريقيا الوسطى، إلخ. وينتج عن تلك الخلفية المتنوعة لغويًا وثقافيًا وعرقيًا واجتماعيًا تنوع كبير في جماعات المسلمين في إيطاليا، مما يجعلهم حتى الآن غير قادرين على إبرام اتفاق مع الدولة في إيطاليا يمنحهم الوضع القانوني نفسه الذي تحظى به – على سبيل المثال– أقليات دينية أخرى مثل اليهود وشهود يهوه (Jehova’s Witnesses) وغيرها3. وهناك مؤسستان إسلاميتان قويتان في الوقت الحالي في إيطاليا:”اتحاد الجالية الإسلامية في إيطاليا” (Islamic Community in Italy Union – UCOII) الذي يضم غالبية المسلمين المقيمين بإيطاليا، و“الرابطة الإسلامية” (Islamic Religious Community – Co.Re.Is) التي تتألف من -(ويديرها) في المقام الأول – إيطاليين اعتنقوا الإسلام. ويبذل ممثلو كلتا المنظمتين جهدًا واضحًا في التواصل مع نظرائهم من الديانات الأخرى بهدف تحقيق التفاهم المتبادل الساعي إلى التخفيف من حدة التوترات التي تتخلق باستمرار في الحياة اليومية.
وما من حاجة إلى القول بأن حوار الأديان كان يتم – على الأقل على المستوى الرسمي– على أيدي الرجال الذين يمثلون تلك الأديان، مما يعني إقصاء النساء والشباب عن تلك العملية. ويمكن اعتبار ذلك مفارقة كبيرة بالنظر إلى أن“قضية المرأة” تعد من أهم القضايا، حيث يظهر لنا أن“سوء معاملة” النساء المسلمات المزعوم هو أحد العوامل المهمة التي تتسبب في حدوث احتكاكات مع المسلمين، كما أنه يقدم سببًا قويًا لصياغة الأفكار النمطية عن المسلمين. وهكذا، تقع النساء المسلمات، اللاتي يصورهم الأخرون في صورة“مهمشات” في مجتمعاتهم المحلية، ضحايا عملية قهر مزدوج، حيث يظللن هدفًا لنظرة الآخر المحدقة الفاحصة، بينما يستمر حرمانهن من الفاعلية والتعبير عن الذات.
وقد شهد العقدان الماضيان نشاطًا ملحوظًا في إطار عمل المنظمات غير الحكومية والمنظمات النسائية من أجل إقامة حوار مع النساء المسلمات في إطار مناظرات علنية ومشروعات على مستوى الأشخاص العاديين. ولكن لأسباب عديدة لا تزال العملية تبدو طويلة الأمد ومحفوفة بالصعوبات. ويكمن السبب الرئيس لذلك في أن معظم المسلمات لا يرغبن في المشاركة في نشاطات تنظمها مؤسسات ذات توجهات علمانية واضحة، أو تلك التي تتعارض معتقداتها مع المعتقدات الدينية. فمثلاً، تعتبر النساء المسلمات المنظمات التي تتبنى أجندة نسوية واضحة منظمات ذات توجه راديكالي فيما يتعلق بالجندر، ما يجعل مجرد حضور إحدى النساء اجتماعاتها أن تجلب المرأة على نفسها غضب أفراد الأسرة (ليس بالضرورة الرجال منهم فحسب) جراء مشاركتها في مثل تلك النشاطات التمردية.
وهكذا، فلن نندهش عندما نجد أن المسلمات اللاتي تتمحور هويتهن في المقام الأول حول الدين قد وجدن مؤخرًا مساحة مشجعة لإقامة الحوار مع نظيراتهن الكاثوليكيات، اللاتي تجمعهن بهن سمات مشتركة، مثل الموروث الأبوي التاريخي، وصعوبة تنصيب النساء في مناصب دينية عليا، وأهمية إعادة قراءة النصوص المقدسة من منظور الجندر/النوع. وهكذا، يمكن اعتبار المسلمات والكاثوليكيات منخرطات في كفاح من أجل الوصول إلى تفسيرات جديدة للنصوص المقدسة، تعمل كل جماعة منهن في إطار تراثها الديني.
لجنة اللاهوتيات الإيطاليات (Committee for Italian Women Theologians The) والنساء المسلمات
لجنة اللاهوتيات الإيطاليات4 (Committee for Italian Women Theologians The) والنساء المسلمات
في عام ۲۰۰۳، قامت مجموعة من النساء الكاثوليكيات الحاصلات على درجات علمية في اللاهوت“بتأسيس لجنة اللاهوتيات الإيطاليات” (التي سنشير إليها لاحقًا بالاختصارات (CIWT)، بهدف تدعيم دراسات الجندر/النوع في مجال اللاهوت والدراسات المسكونية، ومن أجل تحقيق التعاون مع فقيهات أو عالمات من أديان أخرى. وقد اتخذت CIWT نقطة انطلاقها من اعتناقها فكرة أن تراث الدين المسيحي قد أباح على مدى قرون طويلة رؤية أنثروبولوجية لا – مساواتية بتأكيده تساوي الرجال والنساء أمام الله فقط، ولكن ليس فيما يتعلق بأسرهم وواجباتهم الاجتماعية، لأنه يرى أن هويات الرجال والنساء البيولوجية تختلف، بل وتتصادم، مع بعضها البعض. وقد أدى ذلك الوضع إلى ترسيخ فكرة الاختلاف بين الرجال والنساء، وساعد على تعميق التسلسل التراتبي (hierarchization) في المجتمع، ومن ثم حصر النساء في الأدوار المتعلقة بالمجال الخاص، والحكم عليهن بالاحتجاب المؤسسي والسياسي.
ومن السهل ملاحظة التشابه القوي بين هذا الموقف الذي تتخذه CIWT ومواقف النسوية الإسلامية. ولهذا، فقد شهدت السنوات القليلة الماضية محاولات من جانب CIWT للتواصل مع النساء المسلمات بغية الوصول إلى أرضية مشتركة وتدعيم التعاون معهن.
وقد تمثلت الخطوات الأولى في التعاون مع مؤسسة المسلمات الإيطاليات (Association of Italian Muslim Women- ADMI) التي تأسست في عام ٢٠٠١ بوصفها فرعاً للملتقي الأوروبي للنساء المسلمات (European Forum of Muslim Women). وتتعاون ADMI مع اتحاد الجالية الإسلامية في إيطاليا UCOlI، ويسعيان معًا إلى أن يكونا مرجعًا للنساء المسلمات، وذلك بهدف تدعيم دمجهن في المجتمع الإيطالي وفي الوقت نفسه العمل على حماية هويتهن الإسلامية. كما تهدف المؤسسة إلى تحسين صورة النساء المسلمات وتشجيع الحوار بين الأديان والثقافات بغية تدعيم التفاهم المشترك بين قطاعات المجتمع المدني المختلفة.5 وفي سبيل تحقيق تلك الأهداف ينظم القائمون على ADMI اجتماعات مفتوحة يتنوع فيها المتحدثون ما بين الفقهاء المسلمين ورجال السياسة، وبخاصة في يوم المرأة العالمي (٨ مارس). وفي عام ٢٠١١ شاركت ADMI كذلك في مظاهرتين احتجاجيتين كبيرتين نظمتهما علمانيات إيطاليات تنديدًا بالظلم السائد تجاه النساء.6 ورغم ذلك، فيجب علينا ملاحظة أن ما من عضوة في مؤسسة ADMI تقبل أن يطلق عليها وصف“نسوية إسلامية“، أو“نسوية” على الإطلاق. ويعد هذا الموقف ممثلاً للمنحى الذي تتخذه الغالبية العظمى من النساء اللاتي يتخذن الهوية الإسلامية هويتهن الأولى.
ومن حيث المبدأ تؤكد عضوات ADMI (مؤسسة المسلمات الإيطاليات) أن الإسلام ليس بحاجة إلى النسوية لأن دينهن لا يعتبرهن أدنى شأنًا من الرجال. ولكن على الجانب الآخر نجد غالبيتهن يعترفن بأن عوامل مثل انتشار التفسيرات الخاطئة الكثيرة للقرآن والسنة وتأثير التقاليد (السلوكيات المستقاة من الثقافة التي يشيع الاعتقاد بأنها جزء من الدين)، إلى جانب حرمان الكثير من النساء والرجال من التعليم، قد أدت جميعها إلى تدني مكانة النساء في المجتمعات المسلمة.
وهكذا، فقد سعت CIWT (لجنة اللاهوتيات الإيطاليات) إلى إقامة التعاون مع ADMI (مؤسسة المسلمات الإيطاليات)؛ بهدف تنمية المعارف المشتركة على المستويات النظرية والعملية، بغية الوصول إلى أرضية مشتركة. وينبني الحوار بين CIWT و ADMI على عقد اجتماعات تتناول قضايا مهمة تحضرها أعداد كبيرة من النساء. ومن أهم تبعات ذلك أن CIWT قد قامت – بالفعل– بنشر ثلاثة كتب من وحي التجليات المختلفة للنسوية الإسلامية في إطار سلسلة الكتب التي تصدرها في العلوم الدينية النسائية (٢٠٠٨)7 وهي: ترجمة إلى الإيطالية لكتاب آمنة ودود(Amina Wadud) المرجعي القرآن والنساء (Quran and Woman)، ومجلد يقدم عرضًا لأحدث أمثلة النقاشات المعاصرة الدائرة بين الفقيهات المسلمات ويقدم تعليقات على أفكارهن (جواردي– بيدينو (Guardi-Bedeno، وكتاب عن مفهوم الجسد في الإسلام (كانوس Kanus).8
ويعكس صدور هذه الكتب الاهتمام المتنامي بين المفكرات الكاثوليكيات بتجليات النسوية الإسلامية المختلفة. وقد عقدت جلسات لعرض هذه الكتب في مناسبات عديدة بفضل الجهود المشتركة لـ ADMI وCIWT، لتدعيم التعاون بين المنظمتين، وكذلك بهدف نشر رؤية مختلفة وأكثر إيجابية لقضايا الجندر في الإسلام.
ولكن هذه العملية تواجه عدة مشكلات، أولها أن معظم عضوات ADMI قد هاجرن إلى إيطاليا وهن راشدات، ولذلك لا يُجدن الإيطالية بدرجة تمكنهن من الدخول في مناقشات حول موضوعات دينية متعمقة. ولهذا السبب، تعتمد ADMI في إقامتها الحوار بين الأديان على بضع شابات ولدن في إيطاليا ويمكنهن تحدث الإيطالية بطلاقة. ومع الوقت، يتزايد وعي هذا الجيل الثاني المسمى G2- وهي اختصار لكلمة Generation 2– بضرورة تحقيق مستوى أعلى من المعرفة بالإسلام، لا تتيح لهم فرص المشاركة في الحوار بين الأديان فحسب، ولكن أيضًا المشاركة في المجال السياسي الأوسع.
الجيل الثاني G2
G2 أو“الجيل الثاني” هو الاسم الذي يطلق على أبناء المهاجرين أو أبناء الزيجات المختلطة عرقيًا أو دينيًا، سواء منهم الذين ولدوا في إيطاليا، أو من قدموا إليها في سن الولادة أو أطفال صغار. ورغم أن الانتساب إلى G2 ليس حكرًا على المسلمين، نجد أن الشباب من المسلمين يعملون بحماس واضح في تدعيم قيام روابط جديدة، كما نجد أن الفتيات هن الأنشط في هذا الصدد. فعلى سبيل المثال، نجد أن إحدى الداعيات إلى منظمة المسلمين الشبان (Giovani Msulmani) –التي سوف يشار إليها لاحقاً بالاختصارات GM- هي سمية عبد القادر التي ولدت في إيطاليا عام ١٩٧٨ من أبوين فلسطينيين/أردنيين. وقد أسست سمية مع بعض أصدقائها مؤسسة GM في عام ۲۰۱۱؛ بهدف التوجه إلى كافة المسلمين بين أعمار 14-30. وتهدف المؤسسة إلى تدعيم الصلات بين المسلمين من الشباب وآبائهم والإيطاليين الآخرين على وجه العموم. ورغم أن هذه المؤسسة غير معنية بقضايا الجندر على وجه الخصوص، فقد جذبت بالفعل انتباه عدد كبير من المسلمات الشابات اللاتي يتولين تنظيم الفعاليات العامة والمشاركة فيها.
أما بالنسبة إلى سمية عبد القادر نفسها، فسرعان ما اتخذت صورتها في المجتمع بوضوح صبغة مدموغة بالجندر، بعد ظهور كتابها المعنون بـ أرتدي الحجاب وأعشق الملكة، (2008 Porto il velo, adoro I Queen)،9 وكذلك بعد ظهورها بوصفها ناشطة في فعاليات ملتقى النساء المسلمات الأوروبي (European Forum of Muslim Women) الذي أصبحت عضوة في لجنته التنفيذية عام ٢٠١٠. ولا تعتبر سمية نفسها“نسوية إسلامية“، حالها في ذلك حال العديد من الفتيات الأخريات ممن ينتمين إلى الجيل الثاني (G2)، رغم أن أفكارها التقدمية تتشابه كثيرًا مع طروحات النسوية الإسلامية. كما أنها تشارك في الحوار الدائم مع المنظمات الكاثوليكية، إذ اتخذ التعاون بينهم صيغة أقوى خلال العامين الماضيين، حينما أطلقت بالتعاون مع مسلمات شابات أخريات، وبمساعدة جماعة كاثوليكية إيطالية، مجلة رقمية اسمها ياللا إيطاليا (/Yalla Italia https://www.yallaitalia.it)
ولأن عدد الفتيات ضمن طاقم تحرير المجلة الدائم يصل إلى ٢٢ من إجمالي 10 ٢٨ منذ إبريل ۲۰۱۲، فإن الشئون المتعلقة بالجندر تحظى بتغطية كبيرة فيها، كما أن تلك الأمور يتم تناولها غالبًا بانفتاح يصل إلى حد التحدي، مثل قضايا المثلية الجنسية والتلقيح الصناعي والعنف تجاه النساء، إلخ. وتعبر المحررات عن آرائهن بشجاعة، وهي آراء قد تأتي أحيانًا متعارضة تعارضًا صريحًا مع وجهات النظر الإسلامية والكاثوليكية المحافظة.
وعندما تسأل هؤلاء الفتيات، اللاتي أعمل معهن كثيرًا، عن رأيهن في النسوية الإسلامية، لا يجدن أنفسهن في ذلك“التصنيف“. فجميعهن فتيات مسلمات يكافحن من أجل الحصول على حقوقهن في الوقت نفسه الذي يؤكدن فيه هويتهن الدينية. وبمعنى آخر، فإنهن يكافحن من أجل الحصول على حقوقهن في إطار ديني (إسلامي)، ولكنهن لا يحبذن وصف“نسويات إسلاميات” أو“نسويات” بتاتًا. وقد أقدمت الكثيرات منهن على قراءة تقدمية لأمور الجندر في القرآن والنصوص الإسلامية الأخرى، بينما تعنى أخريات منهن بالنشاطات الاجتماعية. ولكنهن جميعًا يشتركن في نضالهن من أجل الوصول إلى المساواة والعدل بين النساء والرجال، متبنيات في ذلك المسعى إطارًا مرجعيًا إسلاميًا. ويتضح لنا من حياة هؤلاء النساء وعملهن وكتاباتهن أنهن يبحثن عن طريقة لتحقيق التوافق بين عقيدتهن وقيمهن الدينية من ناحية وجوانب الحياة الحديثة المتعددة من ناحية أخرى.11
وعلى المستوى السطحي يبدو التعاون بين هؤلاء الفتيات والنساء الكاثوليكيات أمرًا ممكنًا جدًا، إذ نجدهن يتقن اللغة الإيطالية تمامًا، كما أنهن مندمجات اندماجًا كليًا في مجتمعاتهن المحلية ويرغبن في تضييق الهوة بين مختلف القطاعات. ولكن يشكل صغر سن هؤلاء الفتيات وافتقارهن إلى التدريب الملائم في مجال الفقه أو العلوم الدينية المتخصصة عقبة واضحة في سبيل التعاون المثمر بين المجموعتين، كما تذهب إحدى القياديات في لجنة اللاهوتيات الإيطاليات CIWT، وتقول هذه القيادية:
“إنهن حاصلات على شهادات جامعية، ولكنهن يفتقرن إلى الخلفية اللازمة في الأمور الفقهية، التي تعد ضرورية لإقامة حوارات على مستوى عالٍ معنا. إنهن مسلمات، ولكن طبيعتهن بوصفهن مسلمات أمر يختص بالعقيدة الشخصية، بينما نجدهن غير قادرات على الخوض في نقاشات تتعلق بالنصوص المقدسة أو التكليفات الدينية. إنهن بحاجة إلى تعلم الإسلام بشكل أعمق، حتى يعرفن أكثر عن الاجتهاد قبل أن يمارسنه“.12
ومن اللافت للنظر هنا أننا نجد لاهوتية كاثوليكية تحث الفتيات المسلمات على تدارس الإسلام على مستوى تخصصي. ولكننا على أرض الواقع نجد الكثيرات من المسلمات الشابات يأخذن مثل ذلك الاقتراح مأخذ الجد؛ لأنهن واعيات بأنه السبيل الوحيد لمجابهة سلطة الفقهاء الرجال المطلقة على التفسير. ولهذا، نجد بعض هؤلاء الفتيات يدرسن بالخارج، سواء في بلاد إسلامية بهدف دراسة الفقه التقليدي، أو في أوروبا حيث يمكنهن إعداد أنفسهن ليكن ناشطات وقياديات، وذلك بحضور مقررات دراسية تمكنهن من تنمية مهاراتهن، سواء النقدية أو تلك المتعلقة بدراسات الجندر وعلاقتها بالإسلام.
وتعمل بعض هؤلاء الشابات بالفعل مع نظيراتهن الكاثوليكيات، إن لم يكن على المستوى النظري فعلى المستوى العملي، وعلى سبيل المثال في مجال حقوق الإنسان/المرأة. وفي هذا السياق، تكتسب تجربة رشيدة أهمية خاصة. رشيدة ابنة لأم إيطالية وأب مصري، ويبرز نشاطها في مجال مكافحة ختان الفتيات، وهي الظاهرة التي لا تزال منتشرة على نطاق واسع في موطن أبيها الأصلي ويمتد تأثيرها إلى إيطاليا بسبب الهجرات المتتالية. ويتضح لنا من الفقرة الآتية موقف رشيدة تجاه ختان الفتيات وعلاقته بالإسلام، وكذلك موقفها من النسوية الإسلامية:
“ختان الفتيات ليس من الإسلام، ليس فقط لأنه ما من نص مقدس يأمر به، ولكن أيضًا لأن الإسلام دين وسطي. فقد كفل الإسلام منذ ظهوره للنساء حقوقهن كاملة، وهكذا فإن النسوية الإسلامية تتلخص في اكتشاف أن تلك الحقوق موجودة بالفعل في الإسلام. وبهذا المعنى، تتخذ النسوية الإسلامية موقعًا معاكسًا لذلك الذي تتخذه النسوية الغربية. فالنسوية الغربية تمثل قفزة إلى الأمام بينما يتعين على النسوية الإسلامية النظر إلى الخلف واكتشاف شيء ما موجود بالفعل منذ قرون. وتعرف النسويات الإسلاميات جيدًا أن ختان الفتيات ليس في الأصل ممارسة إسلامية!”.13
تؤكد رشيدة للمسلمين والكاثوليك الذين تتعاون معهم في مشروع مناهضة ختان الفتيات أن تلك الممارسات الرهيبة ليست ممارسات إسلامية. ونجد الأفكار المسبقة في هذا المجال شديدة السطوة ومن الصعب محوها، حيث يعود ذلك إلى أسباب منها أن ختان الفتيات منتشر في بلدان يقطنها غالبية من المسلمين مثل مصر (۹۷٪)، والسودان (۹۰٪)، ومالي (٪۹۲)، وغينيا (۹۹٪).14 وللعمل الذي تقوم به رشيدة تأثير كبير داخل المجتمع الإيطالي، وذلك بفضل أنها ناشطة مسلمة شابة ومتعلمة. وقد أصبح بإمكان العديدين الآن التمييز بين ختان الفتيات بوصفه عادة ثقافية محضة والإسلام بوصفه دينًا. وينتشر ذلك الوعي بنجاح في المدارس ووسائل الإعلام والمجالات العامة الأخرى، ما يساعد على مواجهة الأفكار النمطية المرتبطة بالجيل الثالث من المسلمين الذين على مشارف الوصول إلى سن الرشد.
دور المتحولين إلى الإسلام
نظريًا، يمكن اعتبار النساء اللاتي تحولن إلى اعتناق الإسلام الجسر المثالي بين عامة الناس من الكاثوليكيين والمجتمع المحلي المسلم، لأنهن يعرفن مبادئ الإسلام التي قد درسنها قبل اعتناق الإسلام، ولأنهن على دراية إن لم يكن بالديانة الكاثوليكية بشكل مطلق، فعلى الأقل بقواعد المجتمع والثقافة الإيطالية.
ولكننا نجد في معظم الأحيان أن الذين يعتنقون ديانة أو مذهبًا جديدًا يحاولون إثبات إخلاصهم التام للدين أو المذهب الجديد، حتى لو جاء ذلك أحيانًا على حساب المنطق، حتى يحظوا بقبول جماعتهم المحلية الجديدة التي قد تقاوم في البداية إقامة حوار مع هؤلاء الأعضاء الجدد. وفي أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، كان الرجال الكاثوليك الذين اعتنقوا الإسلام من أوائل الجماعات التي أقامت تواصلاً مع المجتمعات المحلية في إيطاليا.15 وفيما بعد، حل محلهم فاعلون آخرون في المجالين الاجتماعي والسياسي (مثل العلماء الإسلاميين، وعلماء الاجتماع، وغيرهم).
وعلى الجانب الآخر، ففي مجتمع متعصب ضد المرأة مثل المجتمع الإيطالي، ظلت النساء المعتنقات الإسلام غير قادرات – لفترة طويلة – على لعب دور مؤثر في الحياة العامة. وحتى الآن، لا نجدهن ظاهرات ولا يضطلعن بأدوار قيادية في عمليات الحوار بين الأديان إلا في حالات استثنائية بالطبع. وتعد باتريتسيا خديجة دلمونتي (Patrizia Khadija del Mont) أشهر الأمثلة لهؤلاء النساء، فقد كانت كاثوليكية ودرست اللاهوت ثم اعتنقت الإسلام، ولها تجربة ذات أهمية خاصة.
باتريتسيا خديجة في منتصف الخمسينيات من عمرها، وتنتمي إلى عائلة علمانية، ولم تتلق أي تعليم ديني. وقد دفعتها إحدى التجارب الشخصية إلى الاقتراب من الدين (الكاثوليكي)، إذ كانت تعمل لمدة 14 عامًا في منطقة كاثوليكية في أثناء دراستها اللاهوت. وقد بدأت بعد ذلك في قراءة القرآن، ثم اعتنقت الإسلام. أصبحت باتريتسيا خديجة متمكنة في علوم الدين في كل من الكاثوليكية والإسلام، ولهذا سرعان ما أصبحت المصدر الرئيسي التي تقدم لها وسائل الإعلام، والكثير من المؤسسات الأخرى، الدعوات لتتحدث عن“النساء والإسلام.” وفي الوقت ذاته، اكتسبت تقدير المجموعات المسلمة في إيطاليا وأصبحت في عام ۲۰۱۱ نائبة رئيس مؤسسة UCOII (اتحاد الجالية الإسلامية في إيطاليا).
ولا تعتبر باتريتسيا خديجة نفسها“نسوية إسلامية“، رغم أنها تتفق تمامًا مع مشروع“النسوية الإسلامية“:
“إننى شديدة القرب من الخطاب الإسلامي النسوي… لأنه يسعى إلى تفسير النصوص المقدسة، وهو بهذا يتناول لب القضية. وفي الحقيقة، تعود ممارسة السلطة بصورة عشوائية ضد النساء (وليس بوسعنا إنكار الاستغلال المتعسف والمستبد بحق النساء) إلى التفسير الخاطئ لبعض آيات القرآن في بعض المجتمعات المسلمة“.16
تشير وهي كذلك إلى أهمية تطويع هذا المنهج ليناسب السياقات المختلفة، ولكنها تسوق أسباب عدم انتمائها إلى أية مؤسسة نسوية قائلة:
“ربما لو كنت أعيش في دولة عربية، حيث القوانين الخاصة بالنساء في حاجة للتغيير، لكنت كرست حياتي للخطاب النسوي… أما هنا [إيطاليا] فإنني أفضل التعامل مع مشكلات ذات طبيعة أعم… لأننا بحاجة إلى مخاطبة الجميع، وبخاصة الرجال. ما يعجبني في النسوية الإسلامية هو قدرتها على اتخاذ موقف لا تصارعي من الرجال“.
ورغم أن باتريتسيا خديجة لا ترغب في اتخاذ صورة مجرد“المرأة التي تتحدث عن النساء” فقط، فقد ازداد اشتباكها مؤخرًا مع قضايا الجندر. فعلى سبيل المثال، نجدها دائمًا تشارك بإسهامات في موقع إسلام أون لاين (Islamonline /https://www.islam-online.it donne) كما تفضل الكثيرات من النساء المتعاونات مع لجنة اللاهوتيات الإيطاليات CIWT أن يشتركن معها في الحوار، ويقدرن معرفتها الراسخة بالتراث الديني للمسيحية والإسلام.17
وتؤمن باتريتسيا خديجة بفائدة ما تسميه“التلوث” (بمنعى التلاقح بين ثقافتين)، أي التبادل المثمر بين الكاثوليك والمسلمين، وهو مسعى تعمل جاهدة على تنميته:
“إن المجتمع المسلم المحلي هنا أخذ في الازدهار، وأنا أؤمن بالآثار الإيجابية“للتلوث“، التي لا أعتبرها كلمة سيئة، بل هي تشير إلى عملية انتقال سلسة للقيم. هناك قيم غربية حميدة وذات فائدة للمجتمع الإسلامي، وأنا أؤمن بالتواصل بين الكاثوليك والمسلمين، وخبراتي السابقة في هذا المجال إيجابية جدًا“.
وتتقاسم النساء العاملات في CIWT مع باتريتسيا خديجة نقطة الانطلاق نفسها المتمثلة في قراءة وتفسير النصوص المقدسة“بغرض الوصول إلى تفسير يفضي إلى مساواة أعظم بحق النساء“، كما تقول. بالإضافة إلى ذلك، تعني باتريتسيا خديجة في الوقت الحالي بنشر أفكار واحدة من أشهر النسويات الإسلاميات وهي أسماء المرابط (Asmaa Lamrabet) الباحثة والناشطة المغربية من خلال ترجمة كتبها إلى الإيطالية، ودعوتها لمناقشة أفكارها مع النساء الإيطاليات.
وتدلنا السجلات التي توثق مثل هذه اللقاءات المفتوحة أنه حتى النساء الإيطاليات اللاتي يعتبرن أنفسهن“علمانيات” يبدأن في عقد مقارنات بين تراث الكاثوليكية والإسلام من حيث العلاقة بين الدين وحقوق النساء. وقد تعلمت الكثيرات منهن احترام الهوية الإسلامية للنساء المسلمات والتخلي عن فكرة أن الإسلام ما هو سوى“كنيسة معادية للنساء“18.
أسماء المرابط مغربية الأصل، والمغرب هي الدولة التي ينتمي إليها معظم المسلمين المهاجرين في إيطاليا. ولوجود أسماء ولنشاطاتها أثر كبير في التصدي للصورة السلبية المرسومة عن النساء المغربيات في إيطاليا. وغالبًا ما تقوم باتريتسيا خديجة ديلمونتي، نائبة رئيس مؤسسة UCOII، وهي المؤسسة الكبرى للمسلمين في إيطاليا التي تعتبر الأكثر“أصولية” بين المنظمات الإسلامية الأخرى، بتقديم أسماء خلال جولاتها في إيطاليا. وهكذا، يتيح حضور هاتين المرأتين على الساحة الفرصة لظهور بديل ذي مصداقية للصور النمطية السائدة عن نزوع المسلمين الدفين نحو العداء للنساء.
وقد كانت باتريتسيا خديجة أول امرأة مسلمة في إيطاليا تجاهر بتفسيراتها المغايرة حول فكرة الخطيئة الأولى في الفقه المسيحي والإسلامي. ومن المعروف أن فكرة الخطيئة الأولى غير موجودة في الإسلام؛ لأن حواء غير ملومة على حادثة تناول الفاكهة المحرمة، بينما يؤكد التراث الديني المسيحي/الكاثوليكي هذه الفكرة التي نتجت عنها أفكار ظالمة للنساء على مر العصور. ولا تهدف باتريتسيا خديجة من وراء ذلك إلى القول بأن الإسلام أرقى من المسيحية، ولكنها تسعى إلى توسيع قاعدة الحوار بين الديانتين، لا أن تزيد من المصادمات. ولكن بما أن تلك النقطة بالذات تثار من جانب إحدى المتخصصات الضالعات في علوم الديانتين الإسلامية والمسيحية فقد كان لذلك تأثير قوي في التصورات التي تصوغها اللاهوتيات الكاثوليكيات عن النساء المسلمات وعن نظرتهن لفكرة الجندر في الإسلام.
أخبار سارة، وأخبار مزعجة
من السهل ملاحظة أن الحوار بين المسلمات والكاثوليكيات أخذ في التطور والنمو بصورة تمكِّن الكاثوليكيات من طرح مجالات جديدة للنقاش أمام أخواتهن المسلمات، فتمكنهن من نشر أفكارهن ونظرتهن المتعاطفة مع الإسلام على نطاق أوسع. كما يمكن للنساء المسلمات مساعدة نظيراتهن الكاثوليكيات في أن يثبتن للقطاعات المغرقة في العلمانية من المجتمع إمكان الالتزام بالهوية الدينية وفي الوقت ذاته البقاء في حيز الحداثة والولاء للدولة العلمانية. 19
ولكن لا تزال أمامنا المزيد من المشكلات التي تنبغى مواجهتها. فالأفكار السلبية المسبقة لا تزال قوية ومترسخة، ولا تزال تلك المحيطة بفكرة الحجاب في مقدمتها وأخطرها. كما أن المسلمات في إيطاليا يعتنقن أفكارًا متباينة حول وجوب وكيفية تغطية أجساد النساء، ولهذا نجدهن يغطين أجسادهن بأشكال متباينة. وكما أوضحنا من قبل، ينتمي المسلمون في إيطاليا إلى دول مختلفة، ولتنوعهم الثقافي تأثير كبير في فهم النساء المسلمات لطبيعة العرف المتفق عليه لأزياء النساء. يعني الحجاب معاني متباينة للنساء المسلمات حسب اختلافهن أيضًا. فهناك من يؤمن بأن الله قد أمر بذلك، ويتخذن تلك الفكرة أساسًا في كثير من الحوارات التي يقمنها، مما يثير ردود أفعال متبانية لدى جمهورهن، إذ نجد بعض المفكرات الكاثوليكيات يربطن بين فكرة الحجاب وتراثهن الديني (على سبيل المثال يستحضرن ما قاله القديس بولس حين أمر المسيحيات بتغطية أجسادهن)، مؤكدات بذلك أنها مسألة وقت حتى تفعل المسلمات مثلما فعلت المسيحيات ويتخلين عن الحجاب.21 وعلى الجانب الآخر، هناك أخريات لا يعتبرن الحجاب“واجبًا دينيًا“، ويحاولن جاهدات توضيح الفوارق بين الحجاب والدين فيؤكدن أن الحجاب ليس فرضًا إسلاميًا.
ومن نافلة القول أن الفكرة السابقة تثير حفيظة الكثيرات من المسلمات؛ لأنهن يعتبرنها تدخلاً في أمر خاص بهن لا يسمح لهن بالرد عليه بنفس الطريقة. فطبقًا لما أعلم، لم تجرؤ أية امرأة مسلمة على التعليق على تعليمات الكنسية الكاثوليكية تجاه النساء. وعلى أية حال، أرى ضرورة مجابهة ذلك الأسلوب المتعالي في إرشاد المسلمات إلى ما هو أفضل لهن: الحجاب أو عدم الحجاب، أو شكل الحجاب وأسلوبه.
هناك كذلك بعد آخر لظاهرة الحجاب، حيث نجد أن معظم المسلمات اللاتي يشاركن في الحوار من المحجبات، مما يُعَدُّ من جانب الآخرين دليلاً على“أصالتهن” بوصفهن نساء مسلمات. وقد صرحت لي بعض الكاثوليكيات الإيطاليات اللاتي ينظمن هذه اللقاءات المفتوحة بأنهن يفضلن دعوة متحدثات محجبات لأن لديهن“مصداقية” أكثر، إذ إن المسلمات غير المحجبات قد يكن مسلمات مخلصات، ولكن عندما يتحدثن عن إسلام ليبرالي يعتقد الجمهور أنهن يتحدثن عن قناعاتهن الشخصية وأنهن لا يمثلن الآراء الإسلامية“الحقة“. وعلى الجانب الآخر، فإن المحجبات اللاتي يتحدثن عن إسلام ليبرالي ومتعاطف وعادل تجاه النساء، غالبًا ما يعتبرن مثالاً حيًا على صيغة أقل شيوعًا، وإن كانت لا تزال من الإسلام. ولسنا بحاجة هنا إلى القول بأنه ينبغي أن يستبدل بذلك الاهتمام الكبير بالحجاب اهتمام آخر بمعايير أعمق لتصنيف هؤلاء“اللواتي بإمكانهن أن يتحدثن عن الإسلام“، من أجل إتاحة الفرصة لشابات إيطاليات مسلمات غير محجبات يحملن رصيدًا من المعرفة الإسلامية يمكن تداولها مع الجميع.
وعلاوة على ذلك، فعلى المسلمات كذلك تطوير أفكارهن حتى يكون باستطاعتهن الانخراط في التواصل والحوار. فعلى سبيل المثال، نجد أن رفضهن الواسع لمصطلح“النسوية” ومفهومها– بوصفها كلمة موصومة – يفهم غالبًا على أنه استسلام لسطوة السلطة الأبوية. أما بالنسبة إلى اللاهوتيات الكاثوليكيات، فقد تبنين منذ زمن طويل منهج النسوية ومصطلحاتها، ولو جزئيًا. ويمكننا الخلوص إلى أن النساء المسلمات لا يزلن متخوفات من تبني المصطلحات والمنظومات التي قد تُعَدُّ غريبة عن الإسلام، أو حتى ضد الإسلام.22
ولكننا نشهد تغير الظروف في نطاق المسلمين الإيطاليين حتى في هذا الصدد. أسس المسلمون في إيطاليا مؤخرًا، في ديسمبر ۲۰۱۱، منظمة جديدة تسمى“مجلس الأئمة والمرشدين الدينيين الإيطاليين” (Council for Italian Imams and Religious Guides)، وسوف نشير إليه لاحقًا بالاختصارات CIIRG. وقد قام المجلس بتكليف نبراس بريجيتشي (Nibras Breigheche) بمهمة متابعة الحوار بين الأديان، وهي شابة من أصل سوري تعمل في مجال الحوار بين الأديان منذ وقت طويل. وقد استطاعت نبراس، وهي كذلك إحدى عضوات منظمة ADMI, أن تصوغ علاقات جيدة مع المجتمع المحلي وعلى الأخص مع الجماعات الكاثوليكية، إذ إنها تلقي محاضرات بصورة دائمة في المؤسسات الدينية والمدارس. ولا تعتبر نبراس نفسها نسوية إسلامية، ولكنها تقترب كثيرًا من روح النسوية الإسلامية وتتابع تطوراتها، كما تعمل على تشجيع انتشار الأفكار المرتبطة بها. وإلى جانب ذلك، قامت نبراس بتنظيم عدة لقاءات لتبادل الأفكار مع باحثات أكاديميات في مجال النسوية الإسلامية.23
ومن اللافت للنظر كذلك أن نبراس قد أشارت، في سياق قبولها عضوية CIIRG، إلى الدور الذي لعبته العديد من النساء في المجال العام على مدار التاريخ الإسلامي، كما أكدت أن الامتيازات الثورية التي مُنحتها المسلمات في القرن السابع الميلادي قد انتُزعت منهن على مدار التاريخ؛ بسبب استغلال البعض للدين. وهي بذلك تصوغ أفكارها في إطار الخطاب النسوي الإسلامي المعتاد.24
ويمكن القول إن النساء المسلمات يحطمن“مبدأ الصمت” المفروض عليهن بانخراطهن في الحوار مع نساء يعتنقن ديانات أخرى، وهو المبدأ الذي كان له فيما مضي دور كبير في إحاطة قضايا مثل العنف الأسري بغلاف من الغموض. وفي هذا السياق، نجد النساء الكاثوليكيات والمسلمات يواجهن ظروفًا متشابهة، إذ إنهن قد نأين بأنفسهن لمدة طويلة عن مظاهر الاحتجاج الواضحة على العنف الأسري، مفضلات العمل في صمت من أجل الحفاظ على كرامة النساء. ولأن السلوك العنيف تجاه النساء غالبًا ما يصدر عن أقاربهن من الرجال، فقد اتجهت النساء الكاثوليكيات والمسلمات بشكل عام نحو السكوت عن المعتدى عليهن حتى لا يعرّضن سمعة عائلاتهن ومكانتها للإساءة.
ولكن الارتفاع المؤسف في معدلات العنف الأسري (هناك امرأة تُقتل كل ثلاثة أيام على يد أحد أقاربها/أصدقائها في إيطاليا) قد دفع معظم النساء إلى إدراك أهمية المقاومة في هذا الصدد. وتوفر المؤسسات الكاثوليكية حماية متزايدة للنساء بمن فيهن النساء المسلمات، متمثلة في خدمات ملموسة مثل: توفير دور المأوى، والرعاية النفسية، والنصائح القانونية، إلخ. وفي الوقت ذاته، زاد اقتناع النساء المسلمات بأنه ليس بإمكانهن الاستمرار في التعتيم على حقيقة أن العنف الذي يمارس بحقهن غالبًا ما يأتي مغلوطًا باسم الإسلام. وقد شهدت إيطاليا مؤخرًا سلسلة من الجرائم التي ارتكبت بحق نساء وفتيات مسلمات، وبخاصة من منهن من أصول مغربية وباكستانية، بالإضافة إلى العديد من الوفيات، مما دعى الكثيرين إلى إلصاق تلك الأمور بالإسلام معتبرينه دينًا يسمح بالإساءة للمرأة.
ولهذا، فقد لاقي خروج النساء عن صمتهن في هذا الصدد ترحيبًا واسعًا. وعلى سبيل المثال، ذكرت الكثيرات من ضحايا سوء المعاملة في وسائل الإعلام أنه“ما من علاقة بين الضرب والقرآن،” وأن“الإسلام يعتبر النساء مركزًا للأسرة ولا يسمح بممارسة أي نوع من أنواع العنف بحقهن” 25. وقد شاركت النساء المسلمات في بعض المسيرات التي خرجت في إيطاليا يوم ٢٥ نوفمبر ۲۰۱۱ احتفالاً باليوم العالمي للقضاء على العنف بحق النساء. وعلى جانب آخر، فقد أصدرت مجلة إسلام أون لاين، المجلة الرقمية التابعة لمؤسسة UCOII، بيانًا يدين أي نوع من أنواع العنف بحق النساء ويدعو الرجال المسلمين إلى معاملة رفيقاتهم معاملة أفضل.26
الخلاصة
إذا يمكننا إطلاق مصطلح“نسويات إسلاميات” أو“نسويات مسلمات” على النساء المسلمات اللاتي يدركن ضرورة تبني منهج عالمي (أي تفسيرات جديدة للنص المقدس، وطرق تأويل جديدة مدعمة بالوعي بقضايا الجندر، والعمل المشترك مع نساء يشاركنهن الرغبة في الحفاظ على هوية دينية قوية، إلخ)، سواء كانت هؤلاء النساء يستخدمن مصطلح“نسويات” لتعريف أنفسهن أم لا. فعلى أرض الواقع، نجد أن“النسوية الإسلامية” مفهوم متعدد الأوجه يدل بوضوح على أن المسلمات الواعيات بهوياتهن المتعددة يمكنهن التمسك بالتزامهن الديني، وفي الوقت نفسه اقتفاء سبيل العدالة والمساواة.
وها نحن نرى النساء المسلمات في إيطاليا اليوم يعملن بثقة على تمهيد الطريق نحو أرضية وسطية بديلة تسعى إلى صياغة“الإسلام الأوروبي“، وذلك بفضل الحوار العميق القائم مع أخواتهن المسيحيات الكاثوليكيات. وتعرف النساء المسلمات أنه يمكنهن الاعتماد على دعم أخواتهن الكاثوليكيات في سياق سعيهن إلى الحصول على حقوقهن (وهو سعى تقوم به النساء الكاثوليكيات كذلك)، وبخاصة أن الأخيرات يشعرن بأنهن تحت ضغوط متزايدة من قبل المجتمع الأوروبي العلماني.
نجد أن التعاون بين الجماعتين قد جاء في البداية بشكل شبه تلقائي، مبني في المقام الأول على مبدأ عام يقصد خدمة المجتمع، وبخاصة على مستوى ضيق مثل اللقاءات التي كانت تعقد بين مجموعات صغيرة من النساء الإيطاليات اللاتي“تبنّين” نظيراتهن المسلمات. ونشهد حتى الآن استمرار هذا النوع من التعاون في بعض قطاعات اجتماعية – جغرافية من المجتمع، لأن هذا النوع من التعاون مبني في المقام الأول على اللقاءات المحصورة على السيدات من الديانتين، حيث تجد النساء المسلمات بيئة آمنة لطرح أفكارهن. لا نزال نشهد أن التعاون بين الجماعتين آخذ في التوسع على الصعيدين النظري والتطبيقي. ولكننا ما زلنا في انتظار أن نرى ما هو الاتجاه الذي ستسلكه هؤلاء النساء فيما يتعلق بمساعيهن النسوية الناشطة: هل سيتجهن نحو قبول تصنيفات مثل (نسويات/ ناشطات مسلمات أوروبيات) أم لا، وهل سيستكملن مشروعهن الخاص بحوار الأديان، وكيف سيحدث ذلك إن حدث؟
الهوامش
1 بعد متابعني لظاهرة“النسوية الإسلامية” لوقت طويل، وبعد لقاءات متعددة مع فقيهات وناشطات يصنفن غالبًا كنسويات إسلاميات، خلصت إلى أنه ما من“نسوية إسلامية” واحدة، بل أن العبارة تشير إلى واقع متنوع يضم نساًء يناضلن من أجل الحصول على حقوقهن في إطار إسلامي، سواء في بلادهن الأصلية أو في سياقات المهجر.
2 قد تختلف البيانات باختلاف تعريفنا لكلمة“مسلم“. فهناك على سبيل المثال إحصاءات تضم كل القادمين من بلاد مسلمة، بغض النظر عما كانوا معتنقين الدين أم لا، بينما نجد بعض الإحصاءات الأخرى أكثر تشددًا في مسألة التصنيف.
3 في إيطاليا لا يمكن للجاليات الدينية الحصول على دعم الدولة سوى بعقد اتفاق بين الحكومة المحلية وممثلى تلك الجاليات. ويجب أن يوقع على الاتفاق“ممثلو” الدين، وهو أمر صعب للغاية في هذه الحالة لأنه ما من ممثلين رسميين في الإسلام، ولأن الجالية المسلمة في إيطاليا منقسمة من داخلها.
4 الاسم بالإيطالية /Coordinamento Teologhe Italiane/:https://www.teologhe.org”
أنظر/ أنظری موقع ADMI على الشبكة العنكبوتية (باللغة الإيطالية): https://admitalia.org/ar-sa/home.aspx.
6 شهد ربيع العام ٢٠١١ أول مظاهرة احتجاجية. وقد جاءت بشكل تلقائي وضمت مئات الآلاف من النساء. أنظر” أنظرى https://senonoraquando.eu. وقد أيدت منظمة ADMI هذه المظاهرات الاحتجاجية رسميًا وقامت بنشر صور منها على موقعها على الشبكة العنكبوتية.
7 إسم السلسلة “Sui generis”، وهي عبارة لاتينية تعنى في الأصل“فريدة في نوعها“، وهي تشير إلى التفرد في الصفات، ولكن للجزء الثاني من العبارة كذلك تداعيات قريبة من تداعيات كلمة“جندر“.
8 يتناول الكتاب تاريخ الجسد في الديانات السماوية الثلاث.
9 أنظر/ أنظري مدونة سمية: https://sumaya-blog.blogspot.com/
۱۰ منذ شهر إبريل للعام 2012.
11 كل النساء اللاتي أجريت معهن لقاءات (تقريبًا) لا يفضلن وصف“نسويات إسلاميات“. ولكنني أرى أن كل مناضل من أجل حقوق النساء هو“نسوى“، سواء كان / ت تفضل ذلك الوصف أم لا.
۱۲ مقابلات خاصة مع مجلس إدارة لجنة CIWT في نوفمبر ۲۰۱۱.
۱۳ مقابلات خاصة، مارس ۲۰۱۰.
14 طبقًا لبيانات منظمة اليونيسيف (UNICEF). أنظر/ أنظري تقرير المنظمة عن ختان النساء Female Genital Mutilation, a.(html.29994_https://www.unicef.org/publications/index) 2005 “Statistical Exploration
15 أنظر/ أنظری کتاب ستيفانو الييفي (Stefano Allievi) بعنوان I nuovi musulmani, I convertiti all islam، والكتاب الصادر عن“الرابطة الإسلامية” بإيطاليا (Co.RE.IS) بعنوان: Intesa tra la Repubblica Italiana e la Comunita
Islamica in Italia
16 وردت في كتاب فانتسان Vanzan بعنوان Ledonne di Allah، ص ۱۱۰
17 مقابلات خاصة مع إحدى العضوات البارزات في منظمة CIWTK، نوفمبر، ۲۰۱۱.
18 هذه هي إعادة صياغة لعنوان مقالة قصيرة شهيرة عن النساء الإيرانيات كتبتها المؤرخة الشهيرة لتاريخ النساء المسلمات، بيانكا سكارسيا أموریتّی (Bianca Scarcia Amoretti) (١٦).
19 بالرغم من أن إيطاليا لا تعتنق العلمانية كلية (بعكس فرنسا على سبيل المثال)، فهناء نسبة كبيرة من الإيطاليين (من بينهم النساء) يرفضن كافة الأديان خوفًا من طغيان الدين على الحيز الشخصي. وتؤمن النساء اللاتي يلتزمن بهذه الفكرة بأن الأديان أداة رئيسية في تأسيس“التمييز ضد النساء“.
20هناك نزعة عنصرية متضمنة في هذا الرأي، يترتب عليها فكرة أن النساء المسلمات متخلفات بالمقارنة بالأخريات اللاتي حققن التقدم.
21يجدر التأمل في الرأي الذي ذهب إليه العالم الكاثوليكي الشهير باولو برانكا (Paolo Branca) في تعليق له نشرته إحدى الصحف ذات الثقل (Sole ٢٤ ore)، 6 فبراير ٢٠٠٥.
۲۲ إننى على وعى بأنه ما من شكل أوحد ومتسق للنسوية، ولكنني أستخدم المصطلح هنا بوصفه إشارة إلى“حركة تهدف إلى الوصول إلى حقوق وفرص سياسية واقتصادية واجتماعية مساواتية للنساء، والتأسيس لها والدفاع عنها،” أي بالمعنى الذي تفهمه وتستخدمه عضوات CIWT.
۲۳ دعتني نبراس بريجيتشي كثيرًا للتحدث عن النسوية الإسلامية أمام جمهور متعدد الخلفيات (مسلمين وغير مسلمين).
٤ الموقع بالإيطالية:
https://www.islam-online.it/12/2011/nibras-breigheche-nel-direttivo-degli-imam-ditalia/.
25 هذه كلمات أمينة، فتاة مغربية تبلغ من العمر أربعة عشر عامًا زوجها والديها لرجل يكبرها في السن بكثير، ثم تمكنت فيما بعد من الهروب منه ووجدت مأوى يحميها. أنظر أنظري La Repubblica، ۱ مارس ۲۰۱۰.
26 أنظر/أنظري البيان على الموقع:
https://www.islam.online.it/11/2011/contro-la-violenza-sulle-donne-com-ucoii/.
المراجع الإنجليزية
Abdel Qader, S. Porto il velo, adoro I Queens. Milano: Sonzoogno, 2008.
Allievi, Stefano. L nuove musulmani. L convertit all’islam. Roma: Edizioni del Lavoro, 1999.
Ayoub, M. “Christian-Muslim Dialogue: Goals and Obstacles.” The Muslim World 94(July 2004):313-19.
CO.RE.IS. Intesa tra la Repubblica Italiana e la Comunita Islamica in Italia. Milano: La Sictesi Editrice. 1998.
Guardi, Jolanda and Renata Bedindo. Teologhe, musulmane, femministe. Cantalupa: Effata, 2009. Knauuss, Sabina. La saggia inquietudine, ll corpo nell’ebraismo, nel Cristaianesimo e nell’islam. Cantalupa: Effata, 2011.
Scarica Amoretti, Biancamaria. “La rivoluzione iraniana: una chiesa contro le donne? (Iranian Revolution: a Church against Women?).” DWF, Donna, Women, Femme (1981):108-17.
Smith, I. Jane. Muslims, Christians and the Challenge of Interfaith Dialogue. Oxford: Ocford UP, 2007.
Stefano Allievi, I nuovi musulmani, I convertiti all’islam, and Co. RE.IS. Intesa tra la Repubblica Italiana e la Comunita Islamica in Italian 1999.
UNICEF. “Female Genital Mutilation, a Statistical Exploration.” 2005.
https://www.unicef.org/publications/index_29994.html.
Vanzan, Anna. “Exporting (Dis)Honor: The Practice of Honor Killing Among the Pakistani Community in Italy.” The Other Self: Conflict, Confsion or Compromise. Lahore: National Commission on the Status of Women. 2006. 151-58.
—-. Le donne di Allah. Viaggio nei feminism islamici. Milano: B. Mondadori, 2010.
Wadud, Amina. Ll Corano e la donna. Rileggere il Testo Sacro da una prospettiva di genere.
Trans. Guardi-Bedendo. Cantanlupa: Effata,2011.
النسوية الإسلامية في الدول الأوروبية الناطقة بالفرنسية في مرحلة ما بعد الاستعمار
مليكة حميدي
مع حلول القرن الحادي والعشرين، ظهرت نسويات جديدات معنيات بالبحث عن أشكال جديدة للتحرر من منظور ديني ونسوى، وهو المسعى الذي بدأ في أوروبا وبصفة خاصة فرنسا وبلجيكا، مما يعد شكلاً جديدًا من أشكال التدين ظهرت خلال مرحلة ما بعد 11 سبتمبر في عالم تسيطر عليه قيم العولمة، ووسط أجواء سياسية عالمية متوترة شهدت تغيرًا ملحوظًا في النظرة للإسلام.
وقد ظهرت هؤلاء النسويات بصورة واضحة في عام ٢٠٠٤ إبان صدور القانون الفرنسي الذي يمنع ارتداء أية أنواع من الملابس تمثل رموزًا دينية واضحة في المدارس التابعة للدولة. وقد صار ذلك القانون بعدها موضوعًا للنقاش في بلجيكا، وسرعان ما نتج عن ذلك النقاش ظهور قَوى للنساء المسلمات في المجال العام، مطالبات بحقوقهن في المشاركة في الجدل السياسي القائم الذي يتعلق بهن بشكل مباشر. وهنا ظهرت عبارة“هيستيريا الجدل” “du debat l’hysterie”، تلك العبارة التي استخدمها إيمانويل تيري Emmanuel Terry في إشارته إلى موضوع حظر ارتداء غطاء الرأس.
ولم يخفف من حدة ذلك الجدل سوى الظهور المتنامي لهؤلاء النسويات، سواء اللاتي يرتدين الحجاب أم لا، وقدرتهن الواضحة على الفاعلية 22 Mahmood)). وقد شنت هؤلاء النساء داخل جماعاتهن الدينية، وكذلك داخل المجتمع المدني، حربًا ضد“التمييز الجنسي“، إلى جانب الحرب ضد“العنصرية” وأشكال التمييز المتعددة في أوروبا.
ولم يكن لظهور هؤلاء النساء في المشهد العام مجرد قيمة رمزية، ولكنه كان واقعًا ملموسًا في الدوائر الاجتماعية في بلجيكا. فكلما ضاقت القيود على النساء المسلمات، زاد ظهورهن، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى إعادة صياغة الجدل الدائر حول تلك القيود. كما نجد أن هؤلاء النساء يسهمن، بفضل اضطلاعهن بدور محوري في صياغة تاريخهن، في عملية تغيير الصور الاجتماعية النمطية التي غالبًا ما تفرض عليهن من الخارج.
والآن، نجد هؤلاء النساء اللاتي يمثلن رموزًا دينية يواجهن نظامًا مزدوجًا فيما يتعلق بنظرة الآخرين إليهن والأفكار المسبقة عنهن، مما يضعهن في لب مأزق هوياتي وسياسي لا يأخذ في الاعتبار“خصوصية مواقفهن الفكرية“. نجد هؤلاء النساء على الأخص يواجهن مشكلتين رئيسيتين: غالبًا ما تواجه النساء المسلمات الإقصاء داخل جماعاتهن الدينية، كما يجدن أنفسهن في الوقت ذاته مجبرات على النضال للحصول على حق وجودهن بوصفهن نساء مؤمنات في المجال العام. يتسبب ذلك الوضع في خلق إشكاليات لدى هؤلاء النساء حول مفهوم الأنوثة femininity وحول طبيعتهن بوصفهن نساء، كما يؤدي بهن إلى رفض الإسلام التقليدي الذي يعتبرنه، بوجه عام، يمثل ثقافة معادية للنساء. كما تجد هؤلاء النساء أنفسهن مضطرات إلى مواجهة وَصْمِ المجتمع المتسلط لهن بصفات سلبية، والأفكار المسبقة التي تسود في ذلك المجتمع حيالهن. ولكننا نجد أن هؤلاء النساء يستعدن هوياتهن النسوية الكاملة من خلال صراعهن من أجل التحرر. بالإضافة إلى ما سبق، غالبًا ما نجد هؤلاء النساء مقيدات بالصور العديدة التي تعبر عنهن، بدءًا من مرحلة ما بعد الاستعمار التي كان يُنْظَرُ إلى النساء خلالها بوصفهن مواطنات من الدرجة الثانية في حاجة إلى الحماية. وهكذا، تقع النساء المسلمات بوصفهن ضحايا لمفهوم مبهم عن المواطنة، مما يجعلهن يواجهن تمييزًا ثلاثي الأبعاد: جنسيًا وعرقيًا ودينيًا.
ومن هذا المنطلق، تجد النساء المسلمات أنه من الصعب عليهن“تجديد” هوياتهن والمطالبة بحقهن في أن يكنَّ نسويات حتى يتخلصن من كل ما يشير إلى عرقهن، وبصفة خاصة الانتماء الديني.
ومع ذلك، يمكن من خلال متابعة الجدل المجتمعي في بلجيكا وفرنسا أن نلحظ اتجاهًا قويًا داخل الجماعات النسوية نحو تفكيك ذلك الصراع والقبول الكامل لهوياتهن القومية وتراثهن الإسلامي. ولكننا نلحظ كذلك أنه لا تزال النسويات المسلمات يُعتبرن في موقع تابع سياسيًا لرفضهن الالتزام بالقيود المفروضة عليهن.
النسوية: هل هو مفهوم ينطوي على تناقض ما؟
يمثل الإسلام والنسوية للغرب عالمين متصارعين، وبصفة خاصة في الأمور الأيديولوجية والعلمية والسياسية، لكل منهما نظرته الخاصة للعالم، ونسقه المعرفي الخاص، ومنطقه المختلف:
أثارت كذلك الحركات النسوية في الغرب منذ السبعينيات التساؤلات حول الحدود بين المجالين العام والخاص. ويعكس الشعار النسوى“الأمور الخاصة هي ذاتها أمور سياسية” بوضوح مشروع النسويات في نقل كافة أشكال القهر الكامنة في المجال الخاص إلى المجال العام، مما يجعل من قضية تحرر النساء قضية سياسية. وتعد الحركات الإسلامية والحركات النسائية من أكبر الاتجاهات التي شهدتها العصور الحالية، فكلاهما يسعى نحو إعادة تعريف القيم الأساسية والحدود بين الخاص والعام بأساليب مختلفة، بل وأحيانًا متعارضة (Gole n. pag)
الإسلام والنسوية: تأثير متبادل؟
ظهرت العلاقة بين الإسلام والنسوية متأثرة فيما يبدو بذلك الجدل العنيف الدائر في فرنسا وبلجيكا. ويشير ظهور نسوية إسلامية في الواقع إلى وجود ذلك الصراع المرتبط بالنظرة التقليدية من كل منهما تجاه الآخر والأفكار والصور النمطية المتبادلة بينهما. ففي فرنسا، يمكن تفسير الأفكار المتناقضة داخليًا التي تؤجج الجدل حول موضوع حظر الحجاب بأن الظروف الاجتماعية التي تعيش فيها النساء المسلمات تعتبر بعيدة كل البعد عن المساواة مع الرجال. ولا تقتنع العقلية الغربية بأن الإسلام يمكن أن يمنح النساء أية حقوق أو مميزات. ولهذا، فبينما تعتمد النسوية الغربية على قيم وأفكار وأيديولوجيات غربية، تأتى النسوية الإسلامية مبنية على تناقض داخلي، تبعًا لما يراه الغرب، لأنها مبنية على الدين الإسلامي، الذي يمثل قيمًا تتناقض مع تلك التي تنادى بها النسويات الغربيات.
الجدل حول الحجاب
يعتبر الظهور المفاجئ للدين، الذي يتمثل بصريًا في ارتداء الحجاب الإسلامي في المجال العام، تهديدًا وإهانة في الوقت ذاته، إذ إنه يرمز إلى تسلط القوانين الأخلاقية التي يفرضها الدين. ويقع موضوع غطاء الرأس الإسلامي ودلالاته في لب ذلك الجدل، إذ تجعل بعض كتابات النسويات الغربيات عن موضوع الحجاب من النساء المسلمات مجرد كيانات مقهورة. ويأتي ذلك نتيجة البنية الثنائية التي تعتبر فيها النسويات“كائنات حرة” بفضل مقاومتهن للتسلط الأبوى، بينما ينظر إلى المسلمات باعتبارهن“ضحايا القهر” الذي يتمثل رمزيًا في ارتداء غطاء الرأس. وبالرغم من ذلك، نجد العديد من النساء المسلمات لا يَعتبرن ارتداء الحجاب الإسلامي“دليلاً مباشرًا على الخضوع،” ولكن ينظرن إليه بوصفه انعكاسًا خارجيًا مشروعًا لصفات النساء الأخلاقية في الإسلام، مما يمنحهن الحق في لعب دور محوري في الجدل الدائر (49 Gaspard and Khosrokhavar). وهكذا يمثل الحجاب رمزًا لإسلامهن، إذ يقدم تصورًا يتيح لهن إظهار“هوياتهن المحتجبة” التي تيسر بدورها عملية دمجهن في المجتمع دون ذوبانهن فيه 75-92 Khosrokhavar))، كما تيسر عملية تمكينهن خارج نطاق المجال الخاص.
النسوية والمعايير العالمية
تهتم النسويات الإسلاميات في فرنسا وبلجيكا بدراسة فكرة المعايير العالمية في الفكر النسوى، إذ يشكل سعى النسويات الإسلاميات نحو تفكيك النظريات السائدة وإعادة اكتشافهن لظاهرة التعددية في الواقع تهديدًا للمشروع النسوي العالمي الموحد. وقد تمكنت النسويات الإسلاميات في هذا الصدد من صياغة تصورات جديدة للحركات النسوية من خلال مطالبهن الهوياتية، تساعدهن في ذلك حاجتهن المشتركة إلى تحقيق الحرية في وجه البنى التقليدية. وقد بدأت نظرة الاتجاه النسوى الرئيسي الذي يسعى إلى ضمان حقوق النساء بتبنيه أفكار عالمية معيارية وإلى تبني العلمانية المناهضة للسلطة الدينية، تستشعر حرجًا كبيرًا تجاه ذلك النوع الجديد من التدين النسائي. وأدى ذلك الإحساس بالحرج إلى أن يكتسب الخطاب النسوى في واقع الأمر مزيدًا من التطابق في سعيه إلى ترسيخ صورته بوصفه خطابًا عالميًا موحدًا في حين أنه مبنى في حقيقة الأمر على الإقصاء، إذ ينحو نحو تأسيس نظرة معممة نحو النساء المسلمات بغية الحفاظ على“تفوقه الأيديولوجي“. وقد وصفت كريستين دلفی Christine Delphy تلك الظاهرة بأنها تمثل الامتزاج أو التداخل بين التمييز الجنسي والتمييز العنصري الذي ينم عنه الخطاب الذي تتبناه بعض الحركات النسوية في الدول الأوروبية الناطقة بالفرنسية (أنظر/ أنظري Delphy).
يشيع تصنيف النساء المسلمات ضمن فئة هؤلاء الخاضعات للأبد، وهو الأمر الذي يجعلهن خارج أيَّ نموذج عالمي موحد وشامل يأتي غالبًا مقتصرًا على النساء الغربيات المتحررات. ولكننا نجد المسلمات ينجحن في إعادة تعريف هويتهن وصياغتها، مستعينات فى ذلك بالتزامهن وقدرتهن على الفاعلية التي يستقونها من المنظومة الإسلامية ذاتها، بالرغم من إنكار تلك المنظومة لموقعهن بوصفهن نسويات.
أوروبا والنسوية الإسلامية في الجدل المجتمعي
أقيمت في مدن بروكسل وباريس وبرشلونة منذ عام ٢٠٠٤ ثلاث فعاليات تناولت هذه القضية الإشكالية:
1-“النسوية الإسلامية: من المفارقة إلى الواقع“، وهو مؤتمر عقد في عام ٢٠٠٤ في مقر البرلمان الأوروبي ضمن فعاليات الاحتفال بيوم النساء العالمي، والنقاش الذي نظمته شبكة النساء المسلمات في أوروبا Femmes Musulmanes d’Europe في مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل. وقد قامت هذه المجموعة من النساء المسلمات والأوروبيات، التي انبثقت عن منصة مشروع الوجود الإسلامي Muslim Presence، الذي يتفق بدوره مع بعض أفكار المفكر طارق رمضان Tariq Ramadan، بالمشاركة في العديد من الحلقات البحثية التي ناقشت موضوع النسوية الإسلامية.
وفي عام ۲۰۰۳ نظم طارق رمضان1 حلقات بحثية تعليمية بهدف تحقيق تمكين النساء، جاءت مؤكدة على الحاجة إلى خلق فاعلية جديدة تقودها نساء يضطلعن بصياغة خطاب متكامل مبنى على وعى جديد بثقافتهن ودينهن وأنوثتهن. ويدعم طارق رمضان الموقع الفكرى المنبثق من المصادر الإسلامية فيما يتعلق بقضايا مثل المساواة بين الجنسين. يوضح رمضان في كتابه المعنون: المسلمون الغربيون ومستقبل الإسلام Western Muslims and the Future of Islam، وبصفة خاصة في الفصل الذي يأتي تحت عنوان“مولد النسوية الإسلامية”Birth of Muslim Feminism”، التغيرات الأخذة في الحدوث في الدول الغربية فيما يتعلق بقضايا النساء التي دعمها ظهور النسوية الإسلامية (٣٨٣). وقد اهتمت المؤسسات الإسلامية بتلك القضية وتدارستها بعمق بفضل الوثائق القيمة المترجمة والمراجع التي تتعلق بتلك الظاهرة. وهكذا دخلت إشكاليات النسوية الإسلامية مجال المنظمات ونشاطاتها، وبصفة خاصة في فرنسا وبلجيكا.
وقد أثار ذلك التطور حماس شبكة“النساء المسلمات في أوروبا” Muslim Women of Europe التي أشرفت على حوار مفتوح دعت إليه عالمة بومدين -Alima Boumedienne Thierry النائبة عن حزب الخضر، وشاركت فيه مثقفات ومثقفون وناشطات مثل كريستين دلفي الباحثة النسوية الفرنسية من“المركز القومي للبحث العلمي” CNRS، وسعيدة قدة Saida Kadda رئيسة مؤسسة“نساء فرنسيات ومسلمات ناشطات” et Musulmanes engages Femmes francaises وطارق رمضان، ومارينا دا سيلفا Marina Da Silva الصحفية بجريدة لوموند ديبلوماتيك، وإحدى العضوات المؤسسات لشبكة“نسويات من أجل المساواة” legalite Feministes pour. وقد جاء الهدف الأساسي للحلقة البحثية متمثلاً في إبراز فكرة أنه بإمكان الكثيرات من المسلمات الأوروبيات أن يقمن بصياغة عملية تحررهن الشخصي بأنفسهن، في الوقت ذاته الذي يحتفظن بحقوقهن داخل المنظومة الإسلامية. ويجب النظر إلى تلك الديناميات التي بدأت في الظهور في العالمين الإسلامي والغربي على أنها ‘نقطة البدء’ التي تقود النساء المسلمات نحو المطالبة بحقوقهن واستعادة مواقعهن القوية في النقاش الديني الدائر. بالإضافة إلى ذلك، وعلى المدى الطويل، على النساء المسلمات أن يصبحن جزءًا من الحركات العالمية، وأن يسهمن إسهامات فعالة في حركة“النسوية العالمية” بغية الوصول إلى مجتمع أفضل وأكثر مساواتية. وقد شجعت الاجتماعات كذلك مشاركة النساء المسلمات في الحركات النسوية الغربية بهدف العمل المشترك، ذلك أن الحركات الإسلامية والغربية تتقاسم الكثير من الاهتمامات والغايات، مع اختلافها في المحددات الدينية والأيديولوجية.
وقد تضمنت الأهداف الأخرى أمورًا مثل جعل صوت هؤلاء النساء مسموعًا بصورة أفضل، حيث لديهن الاستعداد والقدرة على الأخذ بزمام عملية تحررهن بفضل مشاركاتهن الفعالة في النقاشات المجتمعية، وصياغتهن لخطاب مدنی آخذ في التكامل، وذلك بالرغم من العقبات التي تواجهها هؤلاء النساء. وفي الوقت ذاته تبدو فكرة النسوية الإسلامية التي تحترم حق النساء في التمتع بهوية إسلامية وشخصية إسلامية يمكن أن تتحمل المسئولية المجتمعية وكأنها المدخل المناسب لمواجهة ذلك النوع من التمييز المزدوج.
2-“الملتقى العالمي للنسوية الإسلامية “International Congress of Islamic Feminism. عقدت الرابطة الإسلامية Islamic Junta ملتقاها الأول حول النسوية في عام ٢٠٠٥، حيث أوضح عبد النور برادو2 Abdennur Prado رئيس الرابطة الإسلامية3 – وكان قد اعتنق الإسلام منذ فترة – أن الهدف من وراء الملتقى هو تنمية العلاقات العالمية ودعم النساء اللاتي يكافحن من أجل تحقيق المساواة من داخل الإسلام:”إن هدفنا من وراء تنظيم العديد من الفعاليات… هو أن نبعث برسالة للمجتمع توضح أن الإسلام ليس متطابقًا مع القيم الديموقراطية بما فيها المساواة بين الجنسين فحسب، ولكن بإمكان الإسلام كذلك أن يسهم في تنمية المجتمعات” (Badran 32). وقد ظهرت أثناء الاجتماعات حقيقة أن النسوية الإسلامية قد أضحت واقعًا علميًا، وهو ما تزامن مع تأكيد ندية أندوهار Ndeye Andujar 4 نائبة مدير الرابطة ومنسقة الملتقى خلال الاجتماعات على أهمية تخطى الهوة الواقعة بين المجتمعات المحلية والمسلمين من الأجانب. أما الأولوية الأخرى التي وضعها الملتقى فقد تمثلت في دعم أسس التعاون القوى بين النساء المسلمات والحركة النسوية العالمية، مما يدعم التعاون الدولي من خلال إقامة ورش العمل. وهكذا تصبح الفرصة متاحة أمام النساء المسلمات لشرح الدور الذي تلعبه النسوية الإسلامية في حياة النساء المسلمات الأجنبيات اللاتي يعشن في أسبانيا، إلى جانب الأخريات من غير المسلمات.
وبما أن الهدف الرئيسي كان بناء القواعد القوية التي تتيح فرص التعاون والتواصل المشترك وتدعيمها، فقد عبرت نداي أندوجار عن أهمية نقل المعرفة بالحركات التي تؤسسها النساء المسلمات إلى المجتمعات الناطقة بالأسبانية، إذ يتعلق الأمر بإتاحة الفرصة أمام هؤلاء النساء اللاتي يناضلن من أجل الحصول على حقوقهن للتعبير عن أنفسهن من منظور إسلامي، وليس وفقًا لعقلية غربية بعيدة عنهن يسهل الخلط بينها وبين المتسلط الآتي من الماضي الاستعماري.
وقد قامت آمنة ودود Amina Wadud أستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة كومونويلث في ولاية فرجينيا الأمريكية أثناء الاجتماعات بإمامة المصلين من النساء والرجال في صلاة الجمعة في لحظة عجّت بمعانٍ رمزية ومشاعر قوية. وقد ضمت آخر ثلاثة لقاءات عقَّدها الملتقى العالمي للنسوية الإسلامية مفكرات ومفكرين وناشطات من جميع أنحاء العالم، مسلمات وغير مسلمات ليتدارسن النسوية الإسلامية، ويتبادلن الخبرات والنقاش حول التحديات التي تقابلهن. وقد أثار ملتقى النسوية الإسلامية اهتمامًا كبيرًا ولفت الانتباه عالميًا بشكل قوى، مما جعل تأثيره يتجاوز حدود أوروبا. كما غطت وسائل الإعلام أحداث الملتقى تغطية واسعة، وبذلك أسهمت في نشر المعلومات حول تلك الحركات النسوية.
3-“ملتقى اليونسكو” عقدت مجموعة“الإسلام والعلمانية” Laicite & Islam 5– بتاريخ ۱۸ – ۱۹ سبتمبر ٢٠٠٦ ندوة عن النسوية الإسلامية تهدف إلى إلقاء الضوء على كتابات مجموعة من النسويات الإسلاميات الآخذات في التزايد، من بينهن نساء أمريكيات وباكستانيات وهنود وأسبانيات ونيجيريات وماليزيات وفرنسيات. كما أتاحت الندوة الفرصة لعرض مظاهر انخراط هؤلاء النساء في عمليات التحول الاجتماعي، وبصفة خاصة فيما يتعلق بمقاومة الانحيازات الأبوية وقضية غيات المساواة بين الرجال والنساء، وهي جهود تولدت في إطار إسلامي ولكنها في ذلك الوقت تشكل جزءًا من حركة حقوق الإنسان العالمية. وقد كانت الفرصة متاحة أمام المشاركات والجمهور لمناقشة تجاربهن الشخصية، مما دعم الحوار بين الحضارات وأثرى الأفكار المطروحة حول الإسلام وحقوق النساء. وتحدثت النساء في الملتقى عن أفكارهن وتصوراتهن والأساليب التي يتخذنها في التصدي لكافة أشكال الظلم في نطاق الأسرة والمجتمع. وهنا ظهرت قضية رئيسية هي قضية التعليم، حيث أجمعت المشاركات على أهمية التعليم الذي يعد مفتاحًا لتمكين النساء، كما يمثل لب عملية تعزيز أدوار النساء في المجتمع. وقد انتقدت النسويات الإسلاميات وضع النساء في المجتمعات الإسلامية، واقترحن في هذا السياق مفهومًا بديلاً لحقوق النساء في الإسلام مبنيًا على العودة إلى المصادر الأصلية وإلى قراءاتهن وتفسيراتهن للنصوص المقدسة.
وهناك أديان أخرى شهدت جهودًا مماثلة، ولكن جاء وجه الجدة في الندوة متمثلاً في المقارنة التي عقدت بين النسوية الإسلامية وأشكال النسوية في أديان أخرى، وبالأخص اليهودية والمسيحية، التي شهدت مبادرات ثورية مشابهة مثل إجراء طقوس التكليف Bar-Mitzvah للفتيات في اليهودية، ودراسة الكتاب المقدس تبعًا لتراث ماريا المجدلية في المسيحية.
وهنا نجد أن الاهتمام قد انصب من ناحية على الجذور التاريخية للنسوية العلمانية، التي يغلب الاعتقاد بأنها حكر على الثقافة الغربية، ولكننا في الواقع نجد جذورها في الثقافة الشرقية. وعلى الجانب الآخر نجد أن الندوة قد أكدت على أهمية إقامة الحوار حول موضوعات مثل“الحقوق” و“الحريات” بين النساء المتدينات والنسويات العلمانيات الآتيات من خلفيات اجتماعية وقومية متنوعة.
وأخيرًا فقد رأينا التعديل الأخير لقانون الأسرة المغربي، الذي لم يكن ممكنًا قبل ظهور طروح جديدة مبنية على إعادة تفسير الشريعة وفهمها، والاستعانة بالأحاديث النبوية، وهي نصوص أساسية وأكثر مساواتية. ويتفق علماء الاجتماع في المغرب على أن تلك الخطوة أتت دليلاً على التغير الذي يشهده المجتمع المغربي بفضل ذلك الاتجاه الجديد.
وقد اخترت اللقاءات الثلاث التي عرضتها فيما سبق لأنها في رأيي تلقي الضوء على الجدل الدائر حول الإسلام، وكذلك، وهو الأهم، لأنها تساعد في تعريف العديد من الناس بحركات النسوية الإسلامية في الدول الناطقة بالفرنسية. فقد أبرزت هذه اللقاءات الثلاث حاجتنا إلى إسلام أكثر حرية وتعددية ومساواتية، كما مثلت فرصًا ممتازة للمسلمات الغربيات للتعبير عن أنفسهن.
فجر مرحلة جديدة
من المحلى إلى العالمي: الأنشطة النسوية للتشبيك بين الدول
أضحى الحشد عبر دول متعددة خلال الأعوام القليلة الماضية المنصة التي تمكن النسويات الإسلاميات من نشر خطابهن النقدي الجديد. وليس لدينا الكثير من الكتابات التي تدلنا على الديناميات التي مكنت النساء المسلمات من خلال نشاطات مثل التبادل والحوار والأختية والتواصل من تطوير فاعليتهن، وكيف تتيح تلك النشاطات الفرصة أمام الأيديولوجية النسوية الإسلامية كي تنتقل إلى النطاق العالمي. هنا تقوم الشبكات المقامة بين الدول بدور كبير. وقد درست مينا شريفي– فونك Meena Sharify-Funk الديناميات التي أكسبت النساء القادمات من خلفيات متعددة مزيدًا من القوة والثقة في إطار مساعيهن الداعية إلى العدالة والمساواة، إذ يؤثر ذلك الإحساس الجديد بالقدرة على الاعتماد على الذات تأثيرًا إيجابيًا في نشاطاتهن المحلية.
وبالرغم من وجود عدة دراسات تتناول الفاعلية المحلية التي تمارسها المنظمات النسوية الإسلامية وإسهام تلك الدراسات في صياغة“مجال عام إسلامي“، فلا زلنا نفتقد الأبحاث التي تثبت أن تلك الجهود تأتى مرتبطة ارتباطًا قويًا بالشبكات النسوية العالمية. وقد بدأت ناشطات مسلمات من بلجيكا وفرنسا خلال الأعوام القليلة الماضية في تبنى ممارسات نسوية قائمة على التعاون بين الدول بغرض تحويل المعركة الدائرة ضد التمييز بين الرجال والنساء إلى قضية اجتماعية ذات وجود ملحوظ على صعيد المبادرات الدولية. وتهدف تلك المساعي القوية إلى تشجيع المجتمع الدولي على النظر إلى مجال فاعلية النساء المسلمات من خلال النسق القيمي الإسلامي الذي صاغته النسويات الإسلاميات. ويجب أن ينفتح الحوار الدولى على أيديولوجيات ونظريات هؤلاء النسويات في عصر أضحت فيه الممارسات العالمية أداة مهمة من أدوات تعزيز دور الحوار وتأثيره. وقد أسهمت المؤسسات الإسلامية الفرنسية والبلجيكية في ظهور“مجال عام نسوى إسلامي” بفضل التكامل بين النظرية والتطبيق، وبفضل حركات الاحتجاج المحلية. وينجم عن التحركات التي تقوم بها هؤلاء النساء في دول متعددة تعزيز مواقعهن واكتساب فاعلية أكبر ووضع النظريات النسوية قيد التطبيق سواء من الناحية الفكرية أو النقدية. كما أسهمت تلك التحركات والممارسات التي تضم نساء من دول متعددة في تنمية الشعور بالانتماء لدى المشاركات مما كان له دور كبير في تعزيز الفاعلية والمقاومة النسوية خلال السنوات الماضية، والتي كانت قد بدأت بوصفها مجرد احتجاجات محلية تفتقر إلى لإطار النظري القادر على إعادة قراءة التراث الديني وفهمه. وقد أسهمت التطورات الحديثة في مجالات الإعلام وتكنولوجيا المعلومات في دعم الحركات النسوية العالمية العابرة لحدود الدول، حيث تتيح للناشطات المسلمات من فرنسا وبلجيكا الاطلاع على الكتابات النظرية التي تنتجها المفكرات الإسلاميات في دول أخرى، كما تتيح لهن نشر المعرفة المتعلقة بالموضوعات المهمة على نطاق واسع. وهكذا، تسهم هؤلاء الناشطات في الحركة النسوية الإسلامية العالمية. وتهتم النسويات الأوروبيات المسلمات بالتعاون مع الشبكات العالمية بهدف خلق مسارات للتواصل وتقديم الأفكار الملهمة للنساء في بيئاتهن المحلية. ويسهم التشبيك بين الدول من ناحية في تعزيز القضايا المحلية عن طريق تقديم الدعم للنساء المحليات اللاتي يتبنين تلك القضايا على المستوى الدولي. ومن ناحية أخرى، تسهم المبادرات المحلية في تعزيز الحركات العالمية من خلال عملية الدعم المتبادل.
كما كان لظهور المفكرات والناشطات النسويات في أوروبا الفضل في ظهور بيوت خبرة تطرح وسائل بديلة لتفسير القرآن من منظور نسوى إصلاحي معاصر. يشترك هذا المجتمع“التفسيري” في الرؤية وفي الرغبة في نشر تلك المفاهيم الجديدة بين جماعات المفكرات والناشطات في أوروبا من خلال التواصل والتضامن عبر دول مختلفة.
وينتج عما سبق أمران:
ظهور قيادة سياسية وفكرية نسوية تهدف إلى التغير وتبنّى الإصلاحات.
خلق ثقافة سياسية واجتماعية تهتم بالعدالة والتسامح والالتزام بالقيم المدنية.
نرى النسويات المسلمات الأوروبيات يحققن الإفادة من العولمة؛ لأنها تشجع على خلق أشكال جديدة من المساحات المفتوحة في“المجال العام“، مما يسهل تبادل الأفكار وإقامة الحوار بين المفكرات والناشطات المسلمات من كافة أنحاء العالم.
من الوحدة إلى التعددية: الأنشطة التضامنية النسوية
تنتج النسوية الإسلامية ما يمكن تسميته“الممارسات التضامنية النسوية“، التي تفسح المجال أمام خلق علاقات استراتيجية مع الحركات النسوية الأخرى. كما تخلق النسوية الإسلامية، بتبنيها مبادئ مثل العدالة والمساواة، قيمًا مشتركة جديدة بفضل رؤيتها التي تحقق التوازن بين الولاء الديني والانتماء النسوى. وتتبنى النسويات الإسلاميات مبدأ التكامل بين العالمية والخصوصية الثقافية، كما ينادين بتطبيق قوانين العدالة الاجتماعية مع إبقائهن على مبادئهن النسوية.
وتتفق النسوية الإسلامية، وبخاصة في بلجيكا، مع مبادئ الحركات النسوية الغربية الداعية إلى تمكين النساء في مواجهة أشكال التبعية المختلفة. ويمكننا بصفة عامة القول بأن أوجه التشابه تزيد بكثير عن أوجه الاختلاف؛ بفضل وجود اتجاهات عديدة داخل النسوية الغربية، ولأن الهدف الرئيسي هو تحقيق المساواة بين الجنسين في المجالين العام والخاص.
والآن نجد النساء الأوروبيات اللاتي يعتنقن الإسلام يخضن معاركهن الخاصة من أجل حقوق الإنسان على أصعدة مختلفة في وقت واحد، كما نجد الاستراتيجيات التي يتبنونها مؤثرة تأثيرًا كبيرًا في تحقيق أهدافهن. فهن من ناحية يؤسسن عملهن ودراساتهن على منطلق دینی، بأن يُعِدْن تفسير القرآن من منظور نسوى فيما يتعلق بأوجه التمييز التي يواجهنها في مجتمعاتهن الدينية وفي المجال الخاص داخل البيت (على سبيل المثال قضية الزيجات المرتّبة 6، والعذرية، والعنف الأسرى، وحق العمل والدراسة، إلخ). بالإضافة إلى ذلك نجدهن يتبنين مبدأ التوفيق بين العالمية والخصوصية الثقافية في الوقت الذي يطالبن فيه بحقهن في المساواة بوصفهن مواطنات. ولهذه المطالب بالعدالة والحقوق الاجتماعية جذورها في مجتمعاتهن الدينية وفي تواريخ حيواتهن وفي مذكراتهن الشخصية.
العالمية والإقصاء: تخليص الممارسات النسوية من تأثير الاستعمار
يسود العالم الآن خطاب نسوى يقول بأنه خطاب عالمي، ولكنه ينعكس في أفكار وأفعال إقصائية فيما يتعلق بنظرته إلى النساء المسلمات والنساء المهاجرات باعتبارهن مختلفات. وتضع الحركة النسوية العالمية هؤلاء النساء في تلك التصنيفات لكي تضمن بقاءها في موقع التفوق الأيديولوجي. وتوضح لنا كريستين دلفي العلاقة المعقدة بين التحيز الجنسي والتحيز العنصري الذي ينم عنه الخطاب الذي تتبناه بعض الحركات النسوية التي تعتبر النساء المسلمات أخريات والتي تصبغ صورة الإسلام الجمعية بسمات سلبية في الأساس، مثل القهر، والدونية، والتقليدية، والحجاب، إلخ.
إن عملية الفصل بين“هن” و“نحن” تؤدى بنا حتمًا إلى السير في أرض جاهزة لإنتاج العنصرية، كما ينم ذلك عن اختلال في علاقات القوة بين النساء، حيث تهيمن النساء ذوات البشرة البيضاء على الأخريات عرقيًا (أنظر/ أنظري (Hamidi.
وتستغل المجتمعات الغربية صورة المرأة العربية والمهاجرة في رسم صورة رمزية للتناقض بين عالم غربي مستنير وعالم شرقی بدائی وهمجي. ولهذا فهناك ضرورة لإدراك علاقات التسلط القائمة ليس فقط في صورة تسلط الرجال على النساء، ولكن كذلك تسلط النساء ذوات البشرة البيضاء على النساء الأخريات.
هناك على سبيل المثال، الجدل القائم حول موضوع غطاء الرأس في الإسلام، الذي شغل الدوائر السياسية والحركات النسائية في فرنسا وبلجيكا. فهناك القانون الذي تم التصويت عليه في فرنسا ثم تم تطبيقه في بلجيكا عن طريق اللوائح المنظمة للإدارات المحلية، والذي يهدف إلى محاربة ذلك الرمز النمطي للقهر الذي تعانيه النساء المسلمات: الحجاب. ولكننا نجد هؤلاء الذين يدّعون أنهم داعمين لتحرر النساء في الواقع يدعمون قانونًا يرغم الكثيرات من الشابات على البقاء في البيت – وهو المكان الذي تَعتبره الحركة النسائية رمزًا للقهر. وقد كان الأجدر بالكثير من الحركات النسائية أن توجه جهودها في خدمة أهداف مثل تحقيق التحرر والقضاء على كافة أشكال التسلط بدلاً من توجيه جهودهن كلها إلى ذلك ‘الرمز’ أو إلى المظاهر الشكلية. ولا يمكننا تجاهل أو إنكار الإنجازات التي حققها كفاح النسويات الغربيات، ولكن علينا مراجعة ذلك النموذج والتأكيد على أن النسوية الغربية لا تحتكر دون غيرها حركات المقاومة ضد قهر النساء. وعلينا كذلك التخلص من كل الصياغات الأيديولوجية المسبقة التي تنكر إمكان تحقيق التوافق بين المعارك الدينية والمساعي النسوية.
تنتقد تشاندرا موهانتي Chandra Mohanty في كتاباتها خطاب مشروع النسوية الغربية الذي يخلق فئة مسماة“نساء العالم الثالث“، ويجعل منهن وحدة واحدة خالية من التنوعات والتدرج، كما توضح أن تجربة القهر تعد تجربة غزيرة التنوع، تتأثر بالظروف الجغرافية والتاريخية والثقافية والدينية. ولا يزال هذا النقد الذي قدمته تشاندرا موهانتي وجيهًا حتى اليوم وبعد أكثر من عقد على ظهوره للمرة الأولى. قامت تشاندرا موهانتي بدراسة بعض صور“نساء العالم الثالث” الموجودة في كتابات لنسويات من“العالم الأول” وفي“الإطار المنهجي” الذي يتبنينه للتعامل مع قضايا مثل قضية الختان، حيث وجدت أن الكتابات دائمًا ما تتعامل مع النساء بوصفهن أشياء، أو ضحايا لأنواع متعددة من القهر (“عنف الرجال،“”عمليات التنمية الاقتصادية،“”الاستعمار،“”القواعد داخل الأسرة العربية،“”قواعد السلوك الإسلامي،” إلخ)، وليس بصفتهن فاعلات قادرات على النضال من أجل الحصول على حقوقهن.
وبالرغم من أن نقدًا شديدًا قد لحق العالمية كما نعرفها اليوم جرّاء جنوحها الضمني نحو مركزية الغرب وتحيزها الواضح للقيم الأوروبية، فإن معظم النساء يدركن الحاجة إلى تعريف جديد لمفهوم العالمية، وبصفة خاصة في مجال حقوق الإنسان. ونجد الآن النساء الغربيات اللاتي يعتنقن الإسلام يشرن إلى أهمية صياغة روابط قوية وعلاقات تضامن بين النسويات من كافة الخلفيات الثقافية من أجل بناء تحالف على مستوى الدول وبين الدول بعضها البعض. ومما يجعل للنسوية الإسلامية وجودًا شرعيًا تامًا في الحركات النسوية الغربية أن الجميع يشترك في غاية واحدة: مقاومة قهر النساء وتبعيتهن بكافة أشكالها. وتهتم هذه المقالة بالحركة النسوية التي تأسست في الغرب وانبنت على إعادة تفسير النصوص المقدسة، والتي تدعم الكفاح من أجل تحقيق حرية النساء من داخل الإسلام وليس بأيديولوجيات مفروضة من الخارج. وهناك تشابهات تجمع الحركات النسوية بصفة عامة أكثر من الاختلافات التي تفرق بينها، لأنه بالرغم من وجود اتجاهات مختلفة داخل الحركات النسوية الغربية، فإن كل تلك الحركات تجتمع على أهمية خوض المعركة الفريدة الساعية إلى تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في المجالين العام والخاص. ولهذا يجب تصور– وصياغة– تحالفات على مستوى الدول وبين الدول بعضها البعض، مع الأخذ في الاعتبار النقد الذي واجهته مثل تلك التحالفات من قبل. ومن الواضح أن هناك حاجة شديدة من هذا المنطلق إلى التركيز على الحركات النسوية وحشد المجتمع المدني نحو الإيمان بحق النساء المسلمات الغربيات في المشاركة في النقاشات القائمة حول القضايا العامة والسياسية. كما تبدو لنا هنا أهمية إعادة دمج الفاعلية الاجتماعية والسياسية في الممارسات النسوية. يجب علينا ونحن نعيش في مجتمع متعدد الثقافات والأعراق أن نجابه أشكال القهر المتعددة والمتداخلة، ولهذا نجد مبدأ مثل التعددية يحث على فكرة الاحترام، كما يحتم علينا أن نبعث برسالة إلى كل الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية وأن نؤسس في الوقت ذاته استراتيجيات المقاومة الجمعية في وجه أي نظام ظالم.
خاتمة
تنخرط النسويات الإسلاميات اللاتي يستخدمن خطابًا نسويًا (Cooke ١٦٩–٩٠) في صراع حقيقي من أجل إعادة صياغة الأفكار التي تحدد ملامح هوية نسوية إسلامية جديدة للمرة الأولى، وهو ما سوف يتحقق بفضل عمليات تحليل العلاقات القائمة بداخل الجماعة في المجتمع وإعادة صياغته. وسوف يفتح ذلك الباب أمام مراجعة مفهوم النموذج النسوى، سواء ذلك المعنىّ بالهوية الثقافية المحلية أم المتجه نحو النموذج الغربي– كما هو الأمر في المجتمع البلجيكي. نجد هؤلاء النساء يشعرن بالفخر أن لديهن هوية هجينة تجمع النسوية والإسلام في عملية دينامية تسعى إلى تحقيق الذات وإعادة فهم الدين. يسمح ذلك المشروع الاجتماعي والسياسي والديني– الذي ينجم عن الدمج الممكن بين أمور عدة مثل عملية صياغة الهوية، والخطاب النسوى، والتوجه الاجتماعي، واستراتيجيات الفاعلية – بظهور نوع جديد من الذاتية تبدو للناظر للوهلة الأولى وكأنها متنافرة. يمثل الخطاب النسوي الإسلامي مسعًى نقديًا ظهر نتيجة التشابك بين الدين والنسوية من ناحية، والممارسات النسوية الأفقية وعبر الدولية (المدعومة بنظريات ما بعد الاستعمار) من ناحية أخرى. وهكذا، تستطيع النساء المسلمات وضع: ذلك المسعى المشترك من أجل حقوق النساء في المجتمع المدني وفي داخل جماعاتهن الدينية في سياقه – وهو الأمر الذي يشكل أولوية على أجندتهن السياسية. هكذا يتسنى للنسويات الإسلاميات تصور تلك العملية التحررية وممارستها من منظور إيجابي فعلى وليس من منظور سلبي (بأن ينتقلن من موقع المفعول به إلى موقع الفاعل)، إذ لم يعدن ضحايا عاجزات أمام العنف الذي يمارس ضدهن، ولكن فاعلات قادرات على المشاركة بقوة في عمليات صياغة تطورهن الاجتماعي والتاريخي. وتتشكل هذه الهوية الوليدة، التي تستخدم الخطاب الديني، من خلال التواصل الاجتماعي، كما أنها تتخطى الأفكار المحلية والعالمية في السياق الاجتماعي– الاقتصادي.
الهوامش
1طارق رمضان أستاذ الدراسات الإسلامية المعاصرة بكلية العلوم الدينية أكسفورد، وهو حاليًا“باحث أول” بكلية سانت أنتوني جامعة أكسفورد، وبجامعة دوشيشا في اليابان، ومؤسسة لوكاهي في لندن. وهو أيضًا رئيس شبكة المسلمين الأوروبيين EMN في بروكسل.
2 نشر عبد النور برادو عددًا من اسهاماته في المؤتمرين الأولين اللذين عقدا في برشلونة (٢٠٠٥ و ٢٠٠٧) في كتاب بعنوان“ظهور النسوية الإسلامية” La emergencia del feminismo islamico. برشلونة ٢٠٠٨.
3 منظمة تضم الذين اعتنقوا الاسلام وتعمل على دعم حقوق المواطنة والحقوق المدنية للمسلمين الأسبان في اقليم كاتالونيا. ولها دور تعليمي وتثقيفي لنشر الوعي والحوار بين الأديان من خلال التعاون مع منظمة اليونسكو، وكذلك مقاومة التمييز ضد المسلمين والتعريف بالنسوية الإسلامية في نفس الوقت.
4حائزة على جائزة: من ضمن“العشر مسلمات الأوروبيات الأكثر تأثيرًا” في ۲۰۱۰.
5 تكونت في فبراير ۲۰۰۷ كمبادرة للجمع بين كل من المسلمين والمسيحيين واليهود والعلمانيين والملحدين حول طاولة حوار ونقاش للاسلام في فرنسا وعلاقته بمؤسسات المجتمع والدولة. وتركز المنظمة على قضايا الرأى العام.
6 في مايو/ يونيو ٢٠٠٨ بمدينة روتردام أطلق ملتقى المنظمات الهولندية المسلمة، بمساعدة طارق رمضان وشبكة المسلمين الأوروبيين، حملة لمناهضة فرض الزيجات المرتبة في أوروبا، وهي ممارسة تقوم على أعراف قديمة ليس لهل علاقة بالاسلام، وهي ممنوعة قانونيًا في بروكسل ولندن وباريس وروتردام ومدريد وبولونيا.
المراجع الإنجليزية
Badran, Margot. “Ou en est le feminism islamique?” Critiques Internationales 46(January-March 2010): 25-44.
Butler, Judith. Precarious Life: The Powers of Mourning and Violence. London: Verso, 2004.
Cooke, Myriam. “Multiple Critiques: Islamic Feminist Rhetorical Strategies.” Neopantla: Views from South 1.1 (2000): 91-110.
Delphy, Christine. “De l’affaire dr voile: De l’imbrication du sexisme et du racisme.” www. lmsi.net.
Gasspard, Francoise and Khisrikhavar Fahrad. Le foulard et la republique. Paris: Ed. La Decouverte. 1995.
Gole, Nilufer. “Islamisme et feminism en Turquie.” Confluences miditerranee 27 (1998): 155-62.
Hamidi, Malika. “Racisme idelologie post-coloniale…et les femmes dans tout cela?” 2007.www.giergi.org.
Khosrokhavar, Fahrad. “L’identite volie.” Confluences Mditerranee 16 (1995-1996): 69-83.
Mahmood, Saba. Politicas of Piety: The Islamic Revival and the Feminist Subject. Princeton: Princeton UP. 2005.
Mohanty Talpade, Chandra “Under Western Eyes: Feminist Scholarship and ColonialDiscourse,” Boundary 2.3 (1984): 333-58.
Ramadan, Tariq. Western Muslims and the future of Islam. NY: Oxford UP, 2004.
Sharify-Funk, Meena. “Women and the Dynamics of Transnational Networks.” On Shifting Ground: Muslim Women in the Global Era. Ed. Fereshteh nouraie. NY: The Feminjist P, 2005.