الجزء الخامس من السنة الاولى

الجزء الخامس من السنة الاولى

في 1 نیسان «افريل سنة ١٨٩٣

موافق ١٤ رمضان سنة 1310

مصر وبغداد وقـرطـبـا واوريا

(مصر)

ما مثل مصر في الورى بلـدة …سكانها ترتع في نعيمها

نسيمها ألطف شي في الورى …وأهلها الف من نسيمهـا

من قبل فرعون سيتراييس بل من نحو ٢٠٠٠ سنة قبل التاريخ المسيحي كانت دولة الفراعنة زاهية زاهرة، وكانت الآداب والتمدن مع العلوم والمعارف آخذة بالتقدم والنجاح

ولما بيع يوسف الصديق من إخوته الى الإسماعيلية ومنهم الى فونيفار عزيز مصر رأى امرأة سيده راعيل او زلیخا تهز اعطاف المحاسن، وتجر أذيال المفاخر، وتنيه بأنواع الحلي وتتباهي بأوصاف المحامد، وهي كما قال فيها بعض واصفيها رشيقة القد معتدلة الجسم مقوسة الحاجبين ناعسة الطرفين فصيحة اللسان قوية الجنان أو كقول الرقشاء

من رآها يقول ظبية أنسِ …أو هلال جلا ضياءُ السحابا

كانت كما هي العادة عند معظـم نساء الشـرق مـخـضـبـة اليدين والقدمين والأضافر مكحلة الجفن، وكان من حلاها القلائد والأقراط والدمالج والخواتم والخلاخل المصاغة من الذهب والفضة

وكان الرجال في ذاك العصر يشاركون النساء في كافة الهيئات وجميع الأعمال بل وكان للمرأة المركز الأول في معابدهم وولايمهم ومراقصهم بأكثر مما نراهُ الآن بين نساء الأفرنج، وكان لهن في المراقص أثواب لا يلبسنها في غيرها، وهذه الأثواب كانت طويلة رفيعة بيضاء مقطوعة الأكمام مفتوحة الصدر كالاثواب التي يلبسها النساء في المراقص الأفرنجية (الباللو) وهي المعروفة بديكولتيه

وكان الرقص (كما رواه مانيثو المصري وغيره من المؤرخين وعلما الآثار) حلقات مستديرة كنساء البدو وأزواجًا كنساء الإفرنج أو فرادي كنساء الشرق، وكانت البنات تعزف أمامهن بالصنوج والمزمار، ومن كانت أعظمهن في علم الموسيقه وأحسنهن في رخامة الصوت تستحق أن تخدم في المعابد، وكان لهنَّ ملابس خصوصية بيضاء وعليها علامة لنساء أمون القديسات، وهي واسعة ومطبرقة على الصدر حتى آخر الرقبة وطويلة الذيل والأكمام

وهكذا لما دعى يوسف الصديق أباه وإخوته ونساهم في خلال سنة ١٧٤٠ ق.م ليكونوا رعاة لمواشي فرعون انبهرت أعينهم عند مشاهدتهم عظمة المصريين وعلومهم وآدابهم ومعارفهم وتمدنهم، لا سيما مما رأوه عندهم من آلات حراثة الحقول وحصد البقول وصبغ الزجاج بالوان مختلفة ومذهبة، وما كان لديهم من تمهيد سبل التجارة مع الهند وشبه جزيرة العرب، وما اشتهروا به من صناعة التحنيط ورفع الأثقال وتفننهم بأنواع الصاغة الفضية والذهبية

ولم يكن اندهاشهم بأعظم من اندهاش ليا وراحيل سيدتان بنی اسرائيل عند مشاهدتهما ما لنساء مصر من الحرية والكرامة والسطوة والسيادة والاحترام

فهولاء هم نساء ورجال قدماء مصر من عهد أربعة آلاف سنة أو أكثر، وهذه آثارهم تدل على ما كانوا عليه من التمدن والآداب والعلوم والمعارف والصنايع بل ولنا بالأهرام وأبي الهول والمسلات وخرائب مدينتي منف وثيبت وخلافهما من المدن العظيمة وما بها من الهياكل والتماثيل والأعمدة والنقوش والزخرفة شاهدًا على ما كانت عليه هذه الأمة من علو المنزلة ورقعة المقام في عالم التمدن والآداب، بينما كانت أمة الأغريق (قدماء اليونان) تسكن المغاير وتحث المظال

وبعد عشرون قرنًا من ذلك الزمن بينما كانت الاسكندرية زاهية زاهرة بآداب وتمدن البطليموسيين مدة ٢٨١ سنة (أولهم بطليموس واخـرهـم كليوباطرة) كان الغاليـون (قدماء فرنسا) والبريطانيون (قدماء الانكليز) على الفطرة الطبيعية الجرمانيون (قدماء الألمان) معروفون ببرابرة الشمال بزمن كانت به الإسكندرية مخزنًا عامًا لكنوز ومؤلفات علوم المصريين والصينيين والهنديين والكلدانيين والماديين واليونانيين، وكانت هذه المجلدات مجموعة في خزانتي الأم والبنت، فضلاً عما كانت عليه نساء مصر من عهد أو قبل فرعون يوسف من الحرية والآداب والتمدن بعلومهنَّ ومعارفهنَّ آدابهنَّ وعفافهنَّ وحريتهنَّ وملابسهنَّ وعوائدهنَّ وهيئاتهنَّ، ولم يسمع في مدة ۲۰۰۰ سنة امرأة مصرية فقدت عـهـد الطهر والعفاف الاَّ بما ندر لأن القانون المصري الذي وضعه كهنة الأقباط وصار مرعى الأجراء كان يقضى على من سقطت عن دائرة الاعتدال بجدع أنفها وحرمانها من اللوح المكتوب عليه عهد زواجها، ومن باتت مجموعة الأنف ومحرومة من هذا اللوح تحرم من جميع حقوقها المدنية والادبية والعائلية، ولا يعود لها حق الدخول الى المعابد ولا بخدمة الآلهة ولا من الاشتراك في الولائم والمراسح والمراقص بل تصبح كعضو ساقط من كافة الهيئات، وتورث بناتها الذل والعار ولا يمحى عنهن ما لم يندمجن بخدمة المعابد ويحصلن بجدهن ومعارفهن وعلومهن على وسامات الشرف الممنوحة لهن من نساء أمون القديسات لأن من تلألأً على صدرها أحد هذه الوسامات استحقت الاعتبار والاحترام والتعظيم والإكرام

ولذلك كانت المرأة المصرية من أحرص الأمم على الطهر والعفاف ومن أعظمهن تفننًا وعلمًا في معرفة الألحان والعزف على الآلات الموسيقيه وكافة أنواع الرقص والعلوم الرياضية والجنماستيكية

بل وكن يرافقن الرجال في كافة خطواتهم حتى وفي السباحة في النيل والسباق على ظهور الصافنات وهن على الجنب الواحد كنساء الإفرنج الآن وفي صيد الطيور والأسماك وفي العلم والآداب حيث كان التعليم إجباريًا على كل ابنة بلغت سن الثامنة من العمر

وكل زوجة كانت غير كفوء لإدارة البيت وتربية الاولاد يحق لزوجها أن يتزوج عليها ويجعلها تحت سيادة زوجته الجديدة لا يسمع لها رأيًا ولا يطيع لها أمراً

كل ذلك كان مبدأه من حكمة كهنة المصريين الذين أوصلوا مصر والمصريين الى شامخ المجـد وعظيم الفخر بجعلهم المرأة المصرية مصبًا للآداب وعنوانًا للتمدن ومثلاً للفضيلة ونموذجًا للطهر والعفاف، وما ذلك إلا لعلمهم بأن المرأة هي العضو الأكثر أهمية وفائدة في جسم الكون وبصلاحها صلاح الرجل وبفسادها فساده، ومن المعلوم أن الرجل مع معرفته بأنه رأس المرأة وأقوى منها ضلعًا وأشد منها ساعداً وأغزر منها عقلاً وانبل منها فكرًا لا يقبل نفسه أن يكون منحطًا عنها في مقام الفضل ومراتب الكمال بل يجد بملء قوته إلى أن يسبقها في مضمار العلم والآداب، ومتى وجدت المناظرة بين الجنسين عظم حـال الإنسان وارتقى من حسن إلى أحسن حتى يبلغ ذروة المجد والفضل ويعود عمله على نفسه ووطنه بالخيرات والبركات

وقد كفانا بما نراه الآن بين نساء الإفرنج من العوائد والأزياء المأخوذ معظمها عن نساء قدماء مصر، مما سنفرد له فصولاً متتابعة ان شاء الله

البقية تأتي

 

الكهربائية

بقلم حضرة الكاتبة الفاضلة الآنسة مريم خالد وكيلتنا في دير القمر وجبل لبنان

برزت لنا من خدرها بتـدالِ …هيفاء يسخر لحظها بالمنصـلِ

رَمتِ الفواد بأسهمٍ قتالةٍ …واللحظ أنفذ لنبلةٍ في المبتـلى

وبدت طلائع حسنها فتبددت…جند الظلام وكم بها من حجفـل

وتحجبت دهرًا وبانت بعـدهُ …وعلى الورى بجمالها لم تبخـلِ

قامت تسير بسرعةِ فتانـةٍ …فتخلَّفت وكأنها في المحفـلِ

ورقت ذرى الأفلاك تطلب منزلاً….. رحبًا فلاقت فيه أبهج منـــزل

هيهات لا يأتي اللبيب بوصفها ….. أو أن يقوم به قلیل تغزلـى

قالت إحدى المجلدات العلمية في سياق بحث موضوعه الكهربائية في العصر الحاضر ما مؤداه «أنه لو لم يكن قد سبق فسمى هذا العصر بالحديدي، لكان حريًا بأن يسمى بالعصر الكهربائي» فإن هذه القوة قد بزغت في عالم العلم والصناعة بمظهر بديع كامل الإتقان، ولا تزال كما قال البعض بحرًا لا قرار لجدده وفوائده

ولست اتصدي في هذا البحث للإسهاب في تحسين شؤون الآلات الكهربائية ولا أن أتي على ذكر التجارب الكثيرة المتنوعة في هذا الشأن إنما أسلك في ذلك سبيل الإيجاز وإلَّا فالمقام ضيق والبحث واسع تضيق دون الإحاطة به كبار المجلدات

ولقد يعجب الإنسان من تقدم الكهربائية ودخولها في كثير من أعمال هذا القرن العلمية والصناعية، وهي حديثة النشأة ناعمة الأظفار يشف قوامها الفتان عن حداثة السن، وتروى أفعالها العظيمة عن كرم العنصر وطيب المحتدّ. ولو كنت كاتبة بليغة أو شاعرة حاذقة لاقتفيت مثال الكثيرين بالتغزل بمحاسنها بأرق النظم وإبداع النثر غير أنها قد رفعت نفسها عن ذلك فمجاليها أوقع في النفس من قفانبك وإرسالها البرق على جناح السرعة الفائقة أبدع من ترسل الصابي، فيصبح الكلام في ذلك تحصيل حاصل ولو عن غير هوًى في النفس

ولم يترك لنا الأقدمون فيما تركوهُ من الآثار ذكرا الكهربائية، وهي على ما هي عليه من العظمة والمنفعة ولعلهم لم يدركوا عنها ولا انتهوا إلى حل أسرارها وشغلوا عنها أُوتوهُ من الميل إلى الفنون الجميلة والتقدم فيها، فكان من حظ العصور المتأخرة إزاحة النقاب عنها حتى أضاءت في سماء الكون شمسًا نيرة ترسل شعاعها من أقصى الأرض إلى أقصاها.

وما زال أمرها خفيًا حتى نبغ تاليس اليوناني فأبان في جملة اكتشافاته أنه لوفرك الكهربائية بالحرير لا كتسب قوة تمكنه من جذب بعض الأجسام الخفيفة كالريش والقش ونحوها فأكبر اليونانيون الأمر، وزعموا أن في ذلك سرًا عجيبًا لا يدركه أولو الأبصار حتى عدَّ بعضهم الكهرباء في مصاف الآلهة، وهي لعهد اليونان لا تحصى عدَّا. وبعد هذا أهمل أمرها بالكلية بين اليونان وخصوصًا لما حل بهم من الفشل في حرب الرومان، مما دفعهم الى مهاجرة الأوطان، فألقوا الحبل على الغارب وانتشروا في بلاد الله وخلفوا وراءَهم مكاتب وعلومًا جمة أصبحت كلها بضاعة مزجاة بعد أن كانت أسواقها رائجة بينهم نافقة وإليهم يشار البنان ولهم دون غيرهم من قبائل الأرض الألقاب العلمية الشريفة، لذلك العهد ولما أَينعت دوحة العلم بين الرومان نبغ بينهم رجال عظام أخص منهم بالذكر الفيلسوف بليني المشهور الذي ترك لنا مآثر جمة بحيث لا يمحى اسمه من سفر المعارف، فزاد هذا الحكيم على ما أبرزهُ ثاليس المذكور وبحث في الكهربائية الحيوانية وإليك ما قالهُ في بعض هذا الشأن «لوفرك قطعة من الكهرباء بالأصابع تكتسب القطعة قوة وحياة، وتصبح قادرة أن تجذب إليها بعض المواد الخفيفة كالقش وغيره» بيد أن الأقدمين باكتشافاتهم هذه كانوا لم يصلوا إلى شاطئ بحر الحقائق بل كان مثلهم كمثل من يرى منظرًا عن بعد شاسع، فيخبر الذين حوله بما يطرق مخيلتهُ من الرسوم لأول وهلة على البعد المذكور من موضوع النظر، وهكذا فقد أجمع علماء الكهربائية على عدم نسبة قسم من الظفر إلى الأقدمين في هذا المعنى وكان أول من (أنزل قاربه في بحرها الشاسع) من المحدثين الشهير كليرت طبيب الملكة اليصابات الإنكليزية، فإنهُ بعدما اطلع على كتابات من ذكرنا في هذا الشأن شرع في البحث الدائم والسعي المتواصل فأجلى الحقيقة الشهيرة، وهي أن الكهرباء لا ينفرد بهذه المزية بل إن كثيرًا من الأجسام كالزجاج والكبريت والشمع وغيرها يفعل نفس الفعل عند فركه بقطعة من نسيج الصوف أو من جلد الحيوانات.

ومن الغريب أنه وإن كان العلماء قد عرفوا صفات الكهربائية وأفعالها وأكثر نواميسها، فهم تائهون في معرفة حقيقتها، ولذا نرى أن التعاريف المعطاة لها تختلف باختلاف الأزمان والأشخاص الباحثين عنها، فقال البعض أنها عامل طبیعی قوی يظهر فعله بالجذب والدفع ومظاهر أخرى كالنور والحرارة والتحليل الكيماوي، غير أن هذا الحدَّ إنما هو مجموع صفات الكهربائية، ولا يتناول ماهيتها وزعم غيرهم أنها سائل لطيف جدًا يخترق بعض الأجسام على نسب مختلفة، ولا ينفذ البعض الآخر ولعل هذا يقارب الحقيقة ولهم في ذلك آراء متشعبة وأقوال متضارية ولم يعلم أحد الآن أي الصحيح منها من الباطل.

وللكهربائية ثلاثة ينابيع: ميكانيكي وهو أصل كهربائية الفرك، وطبيعي وهو ناتج عن التفاوت في درجة الحرارة في جسم واحـد وكيماوي، وينتج عن اتحاد الأجسام وانحلالها كيماويًا وهو أصل الكهربائية الكلفانية وعليها مدار الكلام. وقد تقدم الكلام أن كهربائية الفرك اكتشفت منذ زمان طويل، وقد اخترع آلات عديدة لإظهارها وتمتاز عن الكهربائية الكلفانية بأن قطر الشرارة فيها أطول منها في تلك غير أن قوتها أضعف جدًا من الكهربائية الكلفانية.

ولو اقتصرت الاكتشافات على كهربائية الفرك لكانت المنافع الناجمة قليلة جدًا ولعلها لم تكن لتتجاوز الامتحانات العلمية، غير أن الحقيقة بنت البحث، وهي ضالة العلماء المنشودة، فلم يمض طويل من الزمان حتى سقط الحجاب عن كنوز الدفائن فانجلي الأمر أخيرًا، وإليك تفصيل الخبر.

كان كلفني أستاذ للتشريح في مدرسة بولونيا، فاتفق أنه رأي ضفدعًا ميتة ملعقة بصنارة نحاسية على مشبك (درابزون) من الحديد، وكانت الضفدع تتشنج شديدًا عندما تمس الحديد، فأشهر هذا العلامة رأيه في هذا الباب، ونسب ذلك إلى الكهربائية الكائنة في ألياف الضفدع، وأن المعدنين المذكورين كانا وسيلة للايصال وسمى الكهربائية المذكورة بالسائل الحي وزعم أنها تسير بين“….”.

لم يرق هذا القول لبعض العلماء وفي مقدمتهم الشهير فولتا، فإنه بعد ٢٧سنة قضاها بالبحث المدقق أبان بأن الكهربائية المذكورة لم تصدر عن الضفدع بل إنها تولدت من القضيبين المعدنيين وأن ألياف الحيوان لم تكن سوى موصل حسن، ويمكن أن يستعاض عنها بغيرها من المواد، وأنكر ما ارتأهُ كلفني واخترع لايضاح ذلك آلة سماها البعض رصيف فولتا وهي مشهورة بين كل دارسي الطبيعيات، وأدّى هذا إلى اختراع البطاريات الكهربائية وأبسطها ما كان مؤلفًا من قطعة من نحاس وأخرى من التوتيا تغمسان في مخفف الحامض الكبريتيك، فيتكون من صفيحة التوتيا الكهربائية السلبية ومن صفيحة النحاس الكهربائية الإيجابية غير أن هذه البطارية لا يدوم فعلها بل إنها تنقطع عنه بعد زمان قصير، ولذا فقد اجتهد بعض العلماء في اختراع البطاريات دائمة الفعل، وقد توفقوا إلى إيجاد ذلك واخـتـرعوا أنواعًا عديدة سـمى أكثرها بأسماء مخترعيها، فمنها بطارية بنس ودانيال ولكلانش ولعل هذه الأخيرة أفضلها، فقد شاع استعمالها كثيرًا في التلغرافات نظرًا لبساطة تركيبها ولدوامها ولمزيد قوتها.

وللكهربائية تأثير ظاهر في أجسام الحيوانات الحية والميتة ويعرف بالتأثير الفيسيولوجي وأخص مفعولهُ ألم وارتعاش وهزَّة تحصل في الجسم عند اتصال قطبی البطارية به، وتشنج في الأجسام الميتة كما مرَّ في امتحانات كلفني، وقد تكون الهزة شديدة إلى حد أن تؤدى لهـلاك الجسم حالاً، وذلك يتوقف على عدد إجراء البطارية وشدتها، وقد فطنت لذلك بعض الحكومات فصارت تستخدمها في إهلاك المجرمين غير أن الرأي العام لم يستحسن هذه الطريقة أيضًا لما يحصل للمقتول من الألم قبل الموت ولكون الجسم يحترق قبل الانفصال، وقد أجرت ذلك حكومة الولايات المتحدة مرة كما جاء في صحف الأنباء، فسلقتها جرائد البلاد بألسنةٍ حداد مع أن الحكومة وضعت غرامة باهظة على كل جريدة تبدي رأيها في هذا الشأن.

«عودُ على بدءِ» أما فعل الكهربائية الطبيعي فعظيم جدًا وأخص مظاهرة النور والحرارة، فإذا كان عدد البطاريات كافيًا وجرى المجرى على شريط دقيق من البلاتين احماه فأنار بنور لامع جدًا، وقد يوضع في كلا القطبي قطعتان من الكربون، ويفصلان عن بعضهما فترتفع الحرارة إلى درجة البياض، ويتكون بين القطبين قوس لامع جدًا وقد توفق أريضي الأميركي مخترع الفونغراف إلى اختراع القناديل الكهربائية الممتازة فأتانا بالنور الكهربائي آية في الغرابة والجمال، وأصبحت الشوارع والبيوت والسفن تنار بهِ، فيصبح الليل نهارًا وتندحر جيوش الظلام أمام جنود العلم والاختراع.

ومعلوم أن بعض المعادن لا يصهر بسهولة غير أن الكهربائية تفعل ذلك كما في البلاتين والأيريديوم، ولم يكن لحدّ الآن صهر الكربون بل قد يحدث أنه يلين إذا كانت البطارية ذات حجم كبير وممتاز بقوتها الشديدة، ولم تقف منافع الكهربائية عند هذا الحد بل أن في أعمالها الكيماوية ما يذهل عقل اللبيب فيقف مندهشًا حائرًا، فقد كشف الحـجـاب عن غلطات العلمـاء بزعمهم أن بعض المواد عناصر بسيطة كالماء ونحوها، فإن الكهربائية حللتها إلى عناصرها الأصلية، ومن أشهر الامتحانات في هذا الباب امتحان دافي فإنه أفسد زعم العلماء بأن البوتاس والسودا عنصران بسيطان وأبان أنهما مركبان من المعدنين السوديوم والبوتاسيوم، وقد شاع استعمال الكهربائية أيضًا للتلبيس بالمعادن كالتذهيب مثلاً، وكذلك في نقل التماثيل والنقود، فأفادت إفادة عظيمة ووفرت كثيرًا من الوقت والتعب وبالنتيجة من الدرهم، ولا أسهب في ذكر المنافع التي طرأت من إدخال الكهربائية في فروع العلم والصناعة.

وأما المظهر الذي تجلت فيه الكهربائية بقوتها وسرعتها المشهورتين فهو التلغراف وناهيك عمَّا له من المنافع الجزيلة والأيادي البيضاء في تقدم هذا العصر وتمدنه وربط العالم بصلات متينة، ونقل الأخبار المهمة بسرعة لا يدركها الوصف، وفي الخبر ما يغنيك عن الخبر، وقد كان إتقان التلغراف كغيره من المخترعات تدريجًا وما ظهر إلى حيز الوجود حتى ادعاهُ كثير من الأمم، وكل يزعم أن الاختراع كان في بلاده غير أن المجمع عليه هو أن مـورس الأميركي صاحب الفضل، وأنهُ هو الذي أوجد التلغراف في حالة الحاضرة وعليه، فإليه دون غيره مرجع الفخر.

هذا وقد تفنن العلماء في إكثار الطرق لإيجاد الكهربائية، فاستعاضوا عن البطاريات بما هو أقل نفقة وأكثر ثباتًا، أعنى بذلك الآلات الكهربائية والمغنطيسية ولما شاع هذا المبدأ تيسر للأستاذ بل اختراع التليفون وهو من أبدع مخترعات العصر ويساوى التلغراف عظمة ومنفعة.

ولما رأى العلماء مـا رأوا من الاتصال بين الكهربائية والمغنطيسية والحرارة والنور طفقوا يبحثون وينقبون كيما يعلمون مصدرًا لكل هذا،فبعد أن كانوا في بداءة هذا القرن يقسمون المغنطيسية وكهربائية الفرك والكهربائية الكلفانية إلى علوم ثلاثة أصبحوا الآن بعد امتحانات ارستد وفراداي ونواميس أمير يشملونها تحت علم واحد ومعلوم أن المغنطيس يمكن صنعه بلف شريط البطارية على قطعة من الفولاذ، وكذلك بأن الأقطاب المتشابهة تتدافع والمختلفة تتجاذب كما في الأقطاب الكهربائية، الأمر الذي دفع العلماء إلى الترجيح باشتراك بينهما وانبعاثهما عن مصدر واحد، والحق يقال أن كثيرين في هذه الأيام يقرون أن الكهربائية والمغنطيسية والنور والحرارة وبالجملة فإن كل ظواهر الطبيعة إنما هي مظاهر مختلفة لقوة واحدة، وهذا مما لا يستغربه العقل نظرًا لما نراه من الشبه بينها.

هذا وقد ظهر من الامتحانات العديدة أن الكهربائية موجودة في كثير من الموجودات إن لم نقل فيها كلها إنما يعوزها وجود الاتصاليات، وقد تظهر بشدة في بطن الحيوان الأمر الذي عرف منذ زمان طويل ذكر ذلك الابشيهلي قال إن من السمك نوعًا يسمى الرعاد، وسبب تسميتهُ بذلك هو أن كل من لمسه ومس شبكة اصطيد بها تأخذهُ الرعدة كما يريد صاحب الحمى ولا تنفك عنه حتى يتركهُ، ومن العجب كيف أن علماء العرب مع إطلاعهم على ما كتبهُ قوم اليونان في هذا الشأن لم يوفقوا بينه وبين ما عرفوه باختيارهم الواسع. ومن أغرب ما يذكر في هذا الباب أنهم استخدموا الكهربائية لجرّ المركبات، ولهم في ذلك طرق متعددة وقد شاع استعمال المركبات الكهربائية في البلاد الغربية شيوعًا يؤكد لنا أنها ستبارى المركبات البخارية، وقد تكلمت في ذلك طويلاً جريدة المقتطف الغراء وأنت على الخبر مفصلاً.

ولقد ظهر تأثير الكهربائية في التمدن الحاضر مما يضيق دون وصفه الكلام المسهب فيه، وكيف أنها غيرت مجاري الأحوال في برهة قصيرة من الزمان، ولعلهم سيستغنون بها عن كثير من القوى الطبيعية المستخدمة في قضاء حاجات الإنسان، ولا يعلم ما يكون من أمرها في المستقبل إن علم المستقبل بيد الله وهو مدبر الأمور.

الثبات

بقلم حضرة الأديبة المصونة الآنسة أدما شقيقة حضيرات الوجيهين الفاضلين أصحاب الرفعة سليم أفندي ونجيب أفندي شقرا، وإحدى اللواتي نلن الشهادة الأولية من مدرسة الإنكليزية بمصر

لا تقل قد ذهبت أربابه …كل من سار على الدرب وصل

ن أرقى الأمم مدنية وأوسعها عمرانًا وأعظمها مكانة وفخرًا إنما هي أكثر ثباتًا ومواظبة على اكتساب المعالي وتحصيل الفضائل، فالثبات مقرون بالسعادة إذ به يصير الفقير غنيًا والجاهل عالمًا والمنحط مرتفعًا.

وقلَّ من جدَّ في أمر يحاوله …واستصحب الصبر إلَّا فاز بالظفر

فالنجاح مرتبط بالثبات، وإذا انفصل أحدهما عن الآخر خسر كل منهما فضيلته وأسمى مطالب اليسر يمكن البلوغ إليها باستخدام القوى العادية كالانتباه والانصباب وأولها الثبات الذي يجعل صاحبهُ مرتاح البال، مطمئن الفكر ناجحًا في انشغاله وأعماله وأخيرًا لابد أن يصل به إلى الدرجة التي يتمناها.

ففي الحرب حينما يكون في ساحة القتال فريقان متساويان عددًا وعِدَدًا وتدبيرًا فثبات فريق نصف ساعة أكثر من الفريق الآخر ينيل الظفر والفخر، فيرجع حاملاً علم النصر والغلبة ولسان حاله يقول:

والحزم كل الحزم في المطاولة …والصبر لا في سرعة المزاولة

وفي الخطوب تعرف الجواهر …ما غلب الأيام إلَّا الصابر

وما بشيٍء يعين الطبيب على شفاء عليله قدر ثباته في عمله، الذي يزيل صعاب الأمور مقتديًا بقول دافافان من إذا انكبت ساعته الرملية انحنى وجمع رملة حبًة حبة كأنه بذر كواكب، فهو إنسان عنى ولنا من الحشرات الصغار مثالاً عظيمًا، فإذا أمعنا النظر في النحلة نراها تكبر بالذهاب، لتقتطف من الأزهار ما طاب لها جمعه، وتزاول العمل بثبات ونشاط يفوقان حد الوصف إلى أن تأتي على آخر عملها، وترى بفرح خلاياتها المملوة من اقراها الشهد تلك الثبات، وكذلك العنكبوت يأخذ بتشييد بيته مبتدئًا بخيط رفيع لا يكاد الإنسان يراه ويواظب على عمله بكل ثبات حتى يصير بيتًا وافيًا باحتياجات بقیه برد الشتاء وحر الصيف.

وما أحسن ما قاله داود النبي في وصف النملة ربة الثبات حيث قال «أيها الكسلان اذهب إلى النملة وتعلم طرقها إلخ» ولنا على ذلك أمثلة كثيرة تستلزم طول المقام.

حكى عن عنترة العبسي أنه اجتمع يومًا ما بأحد أصحابه، فسأله هذا عن غلبته أبطال العرب وكيف كانت كل غزواتك مقرونة بالنصر، فقال له عنترة: يا أخا العرب سأريك ذلك عيانًا فما رآه كمن سمع، فليضع كل منا اصبع صاحبه في فمه، وليشد عليه قدر استطاعته ففعلاً، ولم تمضٍ برهة إلَّا وصاح صديقه بأعلى صوته « أه» فأجابه عنترة ضاحكًا، لو ثبت قليلاً لكنت سبقك للشكوى ولكن الشجاعة صبر ساعة.

ومن نظر إلى تاريخ حياة الذين اشتهروا بالاكتشافات والاختراعات يرى أن نجاحهم لم يكن إلَّا نتيجة ثباتهم، فاسحق نيوتن مكتشف الجاذبية عندما سئل مرة بماذا اكتشف كل هذه الاكتشافات الغريبة أجاب بالتأمل المستديم فيها ووصف أسلوب درسه، فقال: إني أضع الموضوع أمامي وانتظر حتى يبزغ مجده ويصير نورًا كاملاً.

وهذا الفيلسوف لم ينل ما ناله من الشهرة إلا بالاجتهاد والمواظبة، كشأن غيره من المشاهير حتى أنه إذا تعب من درس ارتاح بإبداله بدرس آخر، وقال مرة للدكتور بنتلي إن كنت قد خدمت العالم بشيء فباجتهادي وجلدي، وكذا تاريخ كبلر المكتشف شكل أفلاك السيارات يشهد له بعظيم ثباته الذي انتهى بالنجاح وخلد له ذكرًا جميلاً.

روی لاوديلون العالم بالطيور عن حادثة جرت له بقوله أصابتني مصيبة عطلت مئتي رسم من الطيور التي رسمتها، ولاشت كل تعبي في هذا الفن، فإنني وضعت هذه الرسوم في صندوق وائتمنت رجلاً من معارفي بعد أن طلبت منه أن يحترس عليه كل الاحتراس لأن ضمنه نتيجة أتعابي سنينًا عديدة ثم مضيت لأمر ما، وبعد أن مكنت غائبًا بضعة أشهر رجعت وافتقدت الصندوق الذي كنت اسميه جوهرتي اليتيمة، ولما فتحته وجدت ما تفتت له الأكباد وجدت أن كل أتعابي أضحت فريسة أجرذين كبيرين دخلاه من إحدى جوانبه وقضما كل ما فيه من الأوراق وطحناها طحنًا، وولدا بينها عائلة كبيرة، فصعد الدم إلى رأسي بحرارة شديدة وأصابتني رجفة ورعدة، وانطرحت على الأرض ومضى على عدة أيام وأنا في سبات عظيم، ولما رجعت إلى نفسي أخذت بندقيتي وقلمي وانطلقت إلى الغابات كأن لم يكن من الأمر شي بل كنت مسرورًا بأنی صرت أقدر أن أرسم رسومًا أفضل من الأولى، وهكذا كان لأنه لم يمض على إلَّا ثلاث سنوات حتى عوضت كل ما خسرته“.

فما من عاقل إلا ويعترف بأن الواسطة الوحيدة لنجاح هؤلاء الأفاضل لا بل كل إنسان إنما هي الثبات.

ولا شيء يشجع الإنسان على اقتحام المصاعب ويثبته في عمله مثل الأمل، وما أحسن ما قيل في هذا المعنى.

أعلل النفس في الآمال أرقبها …ما أضيق العيش أولا فسحة الأمل

فحالما تدخل الابنة المدرسة وترى العلوم والفنون الموضوعة أمامها على أنواع شتی تستولى عليها الحيرة ويأخذها الاندهاش، وقد تتصور أنه من رابع المستحيلات وصولها إلى درجة التلميذات المتقدمات في تلك المدرسة، فإن كانت عجولة متقلبة لا ثبات لها غلب تصورها على كل ما تبديه لها معلماتها من التسهيلات والنصائح وانحطت عزيمتها.

ولكنها إذا كانت عاقلة صبورة رتبت أوقاتها وقدمت على اقتحام كل المصاعب واضعة أمامها مستقبلها، فاكرة فيما ستناله من الفخر والشرف بين بنات جنسها، وما ستذوقه من لذة العلوم، فتنهض باكرًا ساعية وراء غايتها الوحيدة ألَّا وهو العلم ذاك الجليس الأنيس والمرشد الحكيم فيزول عن أفكارها برقع الجهل وتنقشع سحبه الكثيفة فتكسب محبة معلميها وثقة رفيقاتها، وتكون ناعمة البال مطمئنة الخاطر بما اكتسبته من العلوم الرفيعة بالعقل بحلل الآداب البهية، فتجد ما كابدته من الأتعاب والأوصاب وتذوق ثمرة صبرها وثباتها، فتطيب نفسًا وتقر عينًا.

ولكنها إذا افتكرت إنها تممت جميع واجباتها وتركت ممارسة العلم بتركها المدارس غير مفتكرة إلا بملاهي هذه الحياة الكثيرة، فلا يمضى عليها زمن طويل إلا وتنسى جميع ما تعلمته وهنا الطامة الكبرى، فتكون كمن حمل مشقات السفر برًا وبحرًا مكابدًا الأتعاب على أنواعها حتى جمع ثروة عظيمة، وكان أهله ومعارفه ينتظرون رجوعه بفروغ صبر ظنًا منهم بأنه يفيدهم بما له فيسد احتياجاتهم ويعلم أولادهم، ولكنه قبل أن رحل عن تلك البلاد وضع كل ما اكتسبه بصندوق وقـفـل عـليـه ورماه بالبحر، فما الفائدة التي يكون قد صنعها إلَّا ضياع أوقاته سدى وفقد ثقة الناس به.

وما أحسن الابنة التي عندما تترك المدرسة تتصور أنها سلمت مفاتيح قصر واسع الأرجاء فسيح الأنحاء، فتدخل القصر وتأخذ في فتح غرفه الواحدة بعد الأخرى بالمفاتيح التي اكتسبتها في المدرسة إلى أن تصل لخزائنه، فلا تترك واحدةٍ إلَّا وتفتحها بكل تعقل وثبات فتطلع على ما فيها من الذخائر ولا تفيد نفسها فقط بل تجعل الفائدة عمومية، فتطرق أبواب الجرائد بنشر المواضيع العلمية والنصائح الأدبية.

ثم لا يبرح من بالها أن عليها واجبات يلزمها بها الله والإنسانية، فتحافظ على سيرتها الحسنة مقدمة واجباتها نحو والديها وأخواتها وصغار عائلتها معلمة أياهم أول كل شي خوف الله، زارعة في عقولهم المبادي الحسنة منتبهة لصحتهم، قائمة بواجباتها البيتية أحسن قيام من اقتصاد وتدبير، سالكة أمام أولادها بالوداعة والصبر، إذ هي القدوة الوحيدة لهم غير منثنية عن عزمها بما تراه أمامها من الصعوبات فلا تقلقلها المتاعب ولا يعتريها الملل والضجر.

لاستسهلنَّ الصعب أو إدراك المني…فما انقادت الآمال إلَّا لصابر

هكذا تكون الابنة التي تبغي رضي الله والناس، فإن زينتها تكون بعقلها وآدابها وفضائلها، وخصوصًا بثباتها في الأعمال المفيدة لا بالزينة والبهرجة والتأنق في الملابس والتصنع في طلاء الوجه، تلك سيئات الغرب اخترناها نحن بنات المشرق من التمدن الأوربي، وتركنا جميع حسناته فعلينا إذا أن نجد في اكتساب الفضائل التي هي أساس كل تمدن والنظر بعين الاعتبار لتلك الفاضلة التي أخذت بهذا المشروع الحسن وفتحت لنا أبوابًا فسيحة لتبادل الأفكار، فها هي فتاتها الزاهرة واقفة تنادي أخواتها المتعلمات وتدعوهنَّ للدخول في ميدانها ولمساعدتها في انتشار المعارف، فعلى كل محبة العلم أن تجب لداعي ندائها وتلبي دعوتها وتثبت على مكاتبتها، وهنا الفائدة المزدوجة، وفي الختام التمس عذرًا من السيدات الفاضلات ربات الأقلام عن هفواتي والسلام.

في المرأة وواجباتها وحـقـوقـهـا

في تدبير المنزل

ملخصًا عن مقدمة كتاب تدبير المنزل المطبوع بمطبعة الآداب

بمصر

أهم دواعي انحطاط الأمـة عـدم تربية بناتهـا وبـقـاؤهن في ظلام الجهل، لأن أبنائها مهما بلغت في التهذيب العقلي والارتقاء العلمي فلا تحوز تقدمًا ولا ارتقاء ما دامت التربية غير مشتركة بينهم وبين البنات، كيف لا والبنات يأتي عليهن زمن يصيرن فيه منوطات بتدبير المنزل وسياستها وتهذيب أخلاق الأولاد.

فإن كن من المتعلمات المهذبات أفدن الأطفال خير إفادة، ونقشن على صفحات قلوبهم قواعد وتعاليم تؤسس عليها حياتهم في المستقبل.

وبالعكس إن كن جاهلات ورؤسهن مزدانة بأنوار الأحجار الكريمة وخالية من شعاع العقل والآداب طبعن في عقول الأطفال صورة جهلن، كيف لا وهن الملازمات لهم على الدوام المطلعات على سرهم وجـهـرهـم خصوصًا في سن الطفولية حيث تكون التربية معهودة إليهن وليس إلى الآباء.

ولا ريب أن كل أمة أغفلت أمر تربية البنات لم تفِ بالحقوق الإنسانية، وفسدت أخلاق أفرادها وضعفت عقولهم وتعطلت أسباب معايشهم، ويسوءني أن المصريين لا يعتنون بهذا الأمر ويفضلون بقائهن في الجهل على تعليمهن، وما ذلك إلَّا خوفًا من فساد أخلاقهن فإنك مثلاً إذا سألت والدة لماذا لا ترسل بناتهـا للمـدرسـة فـتـجـيـبك بعبارتها (لا فائدة في تعليمهن، فإنهن لا يذهبهن إلى الديوان ليكسبن الماهية فضلاً عن أن التعليم يوقعهن في شرك الغرام بمكاتبة الشبان)، ولذا يرحلن الفقيرات من الدنيا كأنهن لم يظهرن منها.

والصواب إنه لا خوف عليهن إذا جـمـعـن بين العلم والمبادي الدينية والأدبية وتوشحن بلباس التقوى وخوف الله تعالى.

ومن منا ينكر فضل الوالدة المهذبة المتحلية بحلى العلم والآداب المتمسكة بعروة الدين الوثقى، فهي تربى أولادها خير تربية وتصرف معظم وقتها في تأييد السلام بمنزلها وبين أولادها وحسم ما يكدر الصفاء.

والفرق بين هذه وبين الوالدة الجاهلة ظاهر كالصبح لذي عينين، فإنك إذا دخلت إلى منزل الأم الجاهلة لا تسمع إلا ضجيجًا وسبًا وضربًا إلى غير ذلك من الدواعي

والشتائم التي تقشعر منها الأبدان، وسببه ضعف شوكة الأم وعدم معرفتها مبادئ التربية الصحيحة.

فالأم الجاهلة مبادئ العلم والتربية إذا طلب منها ابنها الصغير شيئًا وأرادت منعه لسبب من الأسباب أو لأمر لا يمكنها التجاهر به أمام من كـان مـوجـودًا من نسيباتها أو صديقاتها، فتبدره بالسب والقذف والضرب حتى ينتهى أو ربما لا ينتهي عن غيه وهذا العمل الوالدة مما يملأ فؤاد الوالد من البغض والكراهة لها، فضلاً عن تخلقه بأخلاقها الفاسدة من السب والقذف والشتائم ورفع الصوت.

فإذا علمت السيدات أن التربية تعلى شأنهن وتساوى درجتهن بدرجة وتقويهن على مشاركتهم في الأعمال العقلية كالتأليف والتعليم والخطابة ومعالجة المرضى وغيرها لكنَّ يبادرن إلى التعلم.

ومن لهنَّ برجال أخذوا بناصر العلم وشادوا ربوعه الدراسة يجبرونهن على التعلم، وينفقون عليهن المصاريف الطائلة كما يصرفون على الأبناء، والأمر سهل جدًا فإن الرجل إذا قصد تربية أولاده أمكنه ذلك باقتصاد شيء مما يصرفه على الخمرة والتبغ والملاهي، وكم من رجال وآسفاه قضوا نحبهم وهم في زهرة الشباب بسب ما أصابهم من آفات أضرار الخمرة والتبغ بالجسم والعقل.

ولكن كيف ترجي تربية الأولاد إذا كان الوالد يمضى ثلثي الليل بعيدًا عن منزله وامرأته جاهلة وضالة عن أن تربي أولادها التربية الصحيحة لا كالغربيات اللواتي يتهمن بتربية أولادهن باللين واللطف لا بالقسوة والعنف والإكراه والشتائم والضرب.

وكل من سافر إلى إحدى المدن الأورباوية وولج منزل إحدى العائلات رأى الوالد والوالدة والأبناء والبنات مجتمعين إما حول المائدة وإما حول وجلق النار ليصطلوا حسب عاداتهم، وهم يديرون كؤوس الفاكهة أو الأحاديث العلمية المناسبة لسن الأطفال المرقية لملكاتهم المهذبة لطباعهم والأولاد يسألون عن علل بعض الأشياء ومعرفة بعض المسائل المفيدة فيجاوبهن الوالد والوالدة بكل بشاشة ولطف عن أسئلتهم، بعبارة سهلة الإدراك وربما كان الأطفال لا يبلغون من العمر السنتين أو الثلاث حتى يكونوا قد أخذوا في أسباب القراءة وتأسست فيهم مبادئ التهذيب والانقياد إلى الطاعة، ولذلك يخترع الوالدون طرقًا أخرى لتعليمهم كشراء أنواع مخصوصة من الحلاويات مكتوب على كل واحدة منها حرف من الحروف الهجانية، وعندما الولد شيئًا منها تأمره أمه بتركيب كلمة أو انتخاب حرف مخصوص، فإذا عمل ذلك فله وإلَّا فلا حتى يتعلم.

وإذا طلب شيئًا من والدته ورأت أن الضرورة تدعيها بأن لا تجيب طلبه تفهمه باللطف والأنس والرقة علة امتناعها ثم تفرض عليه أحيانًا عقابات خفيفة إذا خالف أمرها، كحرمانه من الرياضية أو الفاكهة وتفهمه أن ذلك بالنظر إلى مخالفته أوامرها. كل ذلك، وهي متباعدة عن النفور بالسب والشتم والضرب وما به تكدير صفو العيش.

«البقية تأتي»

(الصحة في الجنس اللطيف)

«بقلم حضرة الأديبة الأنسة لبيبه حبيقة حكيمة باسبتالية القصر العيني

أبسط كلامي أمام ذوات العصمة وأسواق القول بطريق عام اتوخي فيه النظر من حيث الموضوع شاملاً لاسم عام حيث الاقتصار على زمان مخصوص أو مكان محدود

فالجنس اللطيف أرق إحساسًا وأرق تركيبًا وأسرع انفعالاً وأكثر تعرضًا للأمراض عن الرجل. وعلى هذا وجب أخذ الاحتراس لصيانة صحته من طوارق الأمراض وعوادي الأدواء أكثر مما يلزم لقرينه

وأنتن يا ربات الخـدور قادرات أن تنطقن معى انتصارًا للحقيقة بأن الواحدة منكن ربما لازمت فراشها الأسبوع والأسبوعين إثر انفعال نفساني أو غم أو تكدير ما. وهبن أني بالغت في قـولي هذا أفليست طفولية البنت مـحـاطة بالأخطار مـحـفـوفـة بالمصاعب، بيد أن البنية الأصلية خلقت على وهن لينفاوية غالبًا أو عصبية أحيانًا. وريثما تخرج من دور الطفولية الشديد الوطأة تدخل في طور جديد وخلق حدیث دور استعدادها للقيام بوظيفة أقـول ولا فخرانها سبب بقاء هذا العالم واستمرار النوع الإنساني، لأنها تبذل فيه قوتها وصحتها بل كثيرًا ما تبيع حياتها في سوقه بثمن بخس. وفيه تكون كالزهرة التي تؤثر عليـهـا أقل الفواعل وتعبث بنضارتها أوهى المؤثرات. وفي الحقيقة أن من رآها، وهي منزوية وحدها في مخدعها حزينة مصفرة اللون متبليلة الأفكار يكاد يصدق ما تزعمه العجائز في القرى أن بها مس من الجن أو ألم ذو سـحـر عظيم، وما بها إلَّا أن دورتها الدموية تكدرت حيث تغيرت عن طرزها الأصلى واتجهت كمية عظيمة من الدم إلى الرحم حتى يتهيأ بظاهرة عظيمة هي الطمث. ويصاحب هذا تكدر في المجموع العصبي به تصبح الشابة كمدة وكنا قبل نعهدها بشوشة. ويعسر الهضم ويخف الجسم

فيجب على من يهـمـهـن مـلاحظـة صـحـة الشابة أن يروضن أفكارهن ويذهبن أحزانها وأن يسهلن لها طريق الرياضة الجسمية «أمر لا تنهى عنه شريعة من الشرائع على اختلافها ولا تأباه عادة من العادات مع تنوعها، فعند الأمم الغربية يأمرن بركوب الخيل والسير على الأقدام طويلاً وخصوصًا في الجهات الطلقة الهواء وفي الشرق نعرف أن بيوت الأغنياء تحتوى على الحدائق النضرة والحبشان الواسعة، فهي أنفع من السجن في العجلات المغلقة التي يفسد هواؤها بسرعة»، وأن لا تتناول الشابة إلَّا الأغذية الخفيفة كالحشائش النباتية والألبان واللحوم البيضاء، وتبتعد عن الموالح والمتبلات والمواد الحريفة بأنواعها «وفي أوربا تمنع الشابات في هذا السن عن تعاطي المشروبات، أما في بلادنا فهي ممنوعة في كل سن ممقوتة في كل وقت لأننا والحمد لله نسمع ونرى ما يحل بالرجل الذي يتعاطاها فكيف بالسيدة»، وهنا نشير الى وجوب الاستحمام ولكن بالمياة الفاترة أما الباردة والحارة فلو أنهما مختلفتين إلا أنهما يتحدان في الضرر في هذا الوقت

أما الملابس فأمرها في بلادنا معروف وأقول إنها موافقة جدًا في هذا الزمن وفي غيره. اللهم إلا ما داخلها من دخائل الذي الغربي والتأنق الخارج عن حد الاعتدال كالكورسيـة الضـارة بنمو العظام بل والمهيئة لكثير من أمراض الصدر. والحـزم وخصوصًا ما كان منها ضيقًا أزيد من اللازم أو ذا كعب طويل كما هي المودة الآن وأوفق طرز ما تستعمله السيدات الانجليزيات إذا دعت المودة إليه إذ أن الغربيات يستحسن كثيرًا الزي العربي أو البدويات والحق معهن إذ أنهن أوفر صحة وأنضر أجسامًا وأحفظ للشباب وريعانه من كل الأزياء الأخرى خصوصًا ما كان منها مرتقيًا في التحسين الظاهري أو المدنى الحديث.

وفي الغرب تسعد البنت إذ تجد أهلها يتحفونها بالكتب الأدبية والتهذيبية التي تخفف عنها بعض أحزانها. أو بالشغل على البيانو ولكن بحدود مخصوصة أما في الشرق فنحن لم نزل في معرض الجدال بين صواب تعليم الجنس اللطيف القـرأة والكتابة أم لا فنؤخر الكلام في هذا الصدد حتى يهدأ احتدام غيظ الرجال على الجنس اللطيف الذي يزعمون أنه غير مخلوق فقط الَّا للسجن في أعماق الأرض حتى تنهك جسمه الرطوبة وتتلف صحته العفونة.

ولسنا ندافع في هذا الفصل تطرقققققا لرمي برقع الحياء ولكن لكي تثقف عـقـول البنات اللواتي يصـرن بعد قليل أمهات، فلا يذرعن في عقول أبنائهن بذور الخرافات، فتنمو أذهى وأسرع ما تكون نموًا في هذا الزمن فيعود الضير على الرجل الذي يجهد النفس ويضيع النفيس في تهذيب ابنه ولربما ذهبت أتعابه سدى وما كان أغناه عن السير كل هذا الشوط المتعب. بل ربما أخذت المرأة الجاهلة أحيانًا بنفسها وبغيرها من الكبار يوم تريد المنفعة، ويقودها جهلها الى الوقوع في مهواة الضـرر, فليست هي الجانية على نفسها بل الجناية على من لم يهذبوها قبلاً

«البقية تأتي»

في الأخلاق والـعـوايـد

حفلة العرس

(في سيكمارنجن)

لقد أثبتنا في العدد الرابع زفاف البرنسس المشار إليها وتاريخ الزفاف وعمرها والآن قد رأينا في جريدتي لسان الحال والأحوال ما يناسب المقام فأحببنا نقله تعميماً للفائدة والانتشار

قالت جريدة لسان الحال الغراء نقلاً عن التان:

إن العروسين عند نزولهما في موقف بخارست يدخلان قاعة شادها الأهلون لاستقبالهم وهناك يفد عليهما الوزراء وكبراء المامورين ووفود البلاد مهنئين. ثم يتقدم المجلس البلدي إليهما بتقدمة الخبز والملح على طبق غريب الصنعة، ويتلوه نساء رومانيا فيرفعن الى العروس حقة ثمينة وعت حاصل اكتتاب جمع ليوزع بأمر البرنسس ماری على الفقراء. ثم يركب العروسان عربة يجرها 6 من جياد الخيل فيمسك الرجال كل واحد بزمام جواد ويسيرون بهما إلى الكنيسة حيث يشدو الأسقف والكهنه ترنيمة الشكر لله، وهناك يعقد بحضرة العروسين لاثنين وثلاثين رجلاً باعتبار كل واحد نائبًا من مقاطعة رومانيا إحياء لذكر حفلة زواج البرنس، ويغرس في فناء الكنيسة ٣٢ شجرة شـوح تذكارًا لاثنين وثلاثين عقد زواج حتى إذا انتهت هذه الحفلة يخرج كل رجل بعقيلته، فيقتلع شجرته ويجعلها معه في عربة تجرها أربعة ثيران بيض مذهبة القرون، فتجرى العربة متقاطرات إلى مجمع العلم الروماني حيث تبسط موائد الطعام بحضور العروسين، وعند نهاية الحفلة يدفع العروسان إلى كل عريس من الحاضرين صرة من القطيفة الحمراء ضمنها خمس وعشرون ليرة وصورة العروسين معًا.

وفي العاشر من هذا الشهر ازدان قصر أسرة هوهنزولرن في سيكمارنجن احتفالاً بزواج الأمير فرديناند دی هوهنزولرن وريث عهد رومانيا بالأميرة مارى دى ادنبرج، وقد شهد تلك الحفلة بعض الملوك والأمراء والوزراء وذوى قربي العروسين

ولما كان نحو نصف ساعة من ظهر ذاك اليوم جلس المدعوون على الطعام في إحدى قاعات القصر الرحبة، وكانت ممتلئة بالألوية المختلفة الألوان مكللة بالأزهار كأنما هي جنة يهز الدلال من أعطاف أوانسها أغصان.

بان حتى إذا آذنت الساعة الثانية قرأ الكونت دى وادل وزير أسرة بروسيا صورة العقد وعند الرابعة بارك رئيس الكهنة العروسين حسب الطقس الكاثوليكي.

ولما كانت الساعة السابعة جلس المدعوون على طعام العرس، فشرب والد العريس نخب أسرة هوهنزولرن فالتفت الإمبراطور غليوم قائلاً له:

إن وجودك في صدر هذا المجلس زاد حفلتنا جمالاً وسرورنا كمالاً

ثم انثنى يطرئ الدوق دى كنوف نائب الملكة فيكتوريا والغراندوق الكسيس وربث عهد الروسية

ثم نهض ملك رومانيا عم العريس فقال:

إن شعب رومانيا كان يتوقع هذا اليوم، ويرقب هلاله بوجدٍ ما عليه من مزيد وكأنني الآن بأصوات الفرح والتهليل قد دوت في أرض رومانيا على اتساع أرجائها فاتتنا دلائل ذلك مع البرق الذي أومض على ثغور الدانوب، فأرانا في سيكمارنجن ما يشغل فواد سكان ربوعنا

فأنا الآن بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن شعبي أشرب نخب العروسين وتلاه الدوق دی ادنبورج، فشرب نخب أنسباء العريس.

ولما فرغوا من الطعام ركب العروسان العربة قاصدين قصر كروشانويس حيث يقضيان شهرًا كاملاً، وقد أهدى الإمبراطور غليوم وريث عهد رومانيا نشان النسر الأسود وأتحف رئيس وزراء رومانيا بالنسر الاحمر ثم لقب والد العروس الدوق دى ادنبورج بامير بحر.

وهذا بعض ما علمناه من شـرح حـال العـروسـين نـثـبـتـه نـقـلاً عن جـريدة الاناباندانس بلج.

ولد البرنس فردیناند فيكتور ألبرت متراد في سيكمارنجن في الرابع والعشرين من آب عام 1865 فيكون بلغ اذًا الثامنة والعشرين من عمره، وهو ثاني ولد شقيق الملك شارل وقد دعاه عمه وريثًا للملك بأمر صادر في ۱۸ آذار عام ١٨٨٩ لأن الله لم يرزقه سوى ابنة اغتالتها المنون في زهرة العمر، فألبست أمها ثوبًا من الحزن لا تبليه الأيام وحبيت إليها الاعتزال شأن الشعراء.

ولا يخفى أن الملكة اليصابات (كارمن سيلفا) من أشهر كتبة نساء هذا العصر وشعرائه، وقد قرأنا لها مقالات نشرتها تباعًا في الجرائد تشهد بتوقد الذهن وقـوة التصور في فصاحة عبارة وبلاغة معنى.

والأمير فرديناند هو ملازم بروسيوي التابع الفرقة الأولى من الحرس الرجالة قوى البنية معتدل القامة يزين حسنة الوقار والهيبة، وقد زاد أمته تعلقًا به تخلفه عن الآنسة فاكارسكو التي كان قد علق بها من قبل حرصًا على ملك رومانيا لأن من عوائد حكام تلك البلاد ألَّا يتزوجوا بمن كن من مواطنيهم، وقد سرت أسرة بلجكا بزواج الأمير لأنه من أنسباء الكونتة دى فلاندر ابنة البرنسس دى هو هنزولرن.

أمـا البرنسس ماری دی ادنبورج فقد ولدت في ۲۹ ت 1 عام ١٨٧٥، ولم تبلغ حتى الآن من سنها الثامنة عشرة وهي ابنة الدوق دى ادنبورع ثالث ولد الملكة فكتوريا وأمير في البحرية الإنكليزية، حسنة الخلقة عليها مسحة من الجمال الإنكليزي قوية البنية أخذت من العلم نصيبًا وافرًا، ولها كلف في فني التصوير والموسيقى، فضلاً عن ذلك أنها تحسن ركوب الخيل، فلا تبالي لصحة جسمها بالأخطار وثورة العواطف تتصل بأسرة رونزويك وبأسرة القيصر لأنها حفيدة إسكندر الثاني.

وقالت جريدة الأحوال الغراء:

يتأهب المزارعون في رومانيا لأن يقدموا لولية عهدهم عندما تدخل مدينة بكرش الحاضرة خبز استقبال، وهي عادة جروا عليها من قديم الزمان، وهذا الخبز يكون مركبًا من دم الخنزير والعسل والثوم ودقيق اللوبيا، مسخنًا على رماد الخشب والله أعلم بما يقصدون في هذا المزيج الكريه من الرموز والتجلة، ووليـة العـهـد تضطر لأن تأكل حتى تشبع من الخبز المذكور، فإذا لم تفعل استاء منها الجميع وخيف من العاقبة.

(إنهاض الغيرة الوطنية)

لترقية البضائع الشرقية»

لحضرة الكاتبة الفاضلة الأدبية العقيلة هنا كوراني في بيروت»

قدر على الشرق الهبوط بعد الارتقاء والمقدرُ كائن لا يرد وقضى على أهله بالضعة بعد الرفعة والعلاء، وقضاء الله واقع ليس منه مفر على أن الزمان لا يجور إلَّا ويرحم والبلاء لا يعم إلَّا وينجلي بين ظلمائه شعاع الفرج والنعم، فحمدًا لمن بيده مقاليد الأرض والسماء إذا زال عن شرقنا الكرية وجلا عن محياه الصافي آثار الحطة والذلة بعناية واحسانات حضرة صاحب الشوكة والاقتدار سيدنا ومولانا السلطان عبد الحميد خان الجامع للعدل مع الرحمة والحلم مع الرهبة، مـتـفـردٌ بأوصاف الجـلال والكمال يعلو على الخلق بشـمـائل قل فيها: ربي زده سـمـوًا على كـرور الأيام وأيده بالنصر مدى الأعوام إنك الجبار المتعال.

لقد كرت بنا الأعوام ونحن راقدون، ومرت بنا الأيام ونحن غافلون فات الأوان الذي فيه نهب من كرى الغفلة، ونستفيق من رقاد التهاون فإلى متى نسير في الأرض كمن أضاع رشدهُ وفقد بصرهُ، ونحن في زمان لا تغرب شمس يومه ولا يطلع قمر ليلهِ إلَّا ونشاهد أو نسمع من الغرائب والعجائب، مما يستوقف الأنظار ويذهل الأبصار ويشغل الأفكار فها هي الجرائد الأجنبية مع جرائدنا الوطنية تصرح بما لأهل هذا العصر من الأذهان المتوقدة والذكاء المفرط والغيرة الشديدة على التقدم والارتقاء، فإن ميدان المناظرة بين الغربيين قد ازدحمت في أرضه الأقدام وكثرت في سياقه الأقوام، وقام منادى الجد والعزم ينادي أهل العرف وذوى البصيرة، هلم امتطوا صهوات الإقدام وتسلحوا بسهام الهمة والثبات، وتجندوا تحت لواء الإنسانية وأبرزوا إلى ميدان السباق ولتجرى بين بعضكم حرب في أيكم أشد قوة وأعظم بأسًا وأصلب زندًا في رفع شرف بلادكم وتسجـيـد أوطانكم ونفع بني جنسكم وإخوانكم، فقام الألوف وصـرفـوا العزيمة والفكرة لا بل العمر والحياة في عمل ما يعود على بلادهم وبني جنسهم بالعزة ورفعة الشأن طوعًا لمنادي الوطنية وامتثالاً لداعي الجنسية فرقوا إلى أسمى مراتب الفـخـر ووصلوا إلى ذرى الأمـجـاد،،، وكان من وراء ذلك أنهم أمطروا على بلادهم سحائب الخيرات والنعم، فأزهرت من الأزهار أذكاها نشرًا وعرفًا وأثمرت من الثمرات أشهاها منظرًا وألذها طعمًا أيها السادة الكرام. إذا تصفحنا التاريخ وتأملنا جليًا في سلسلة حلقاته وتبصرنا مليًا في عوامل ارتقا البشر وتقدمهم، ترى أنه طالما كان لصوت الضعيف فيهم قوة تجددت بها العزائم وتأثيرًا ضرم في قلوبهم نار الغيرة، فأحرقت ما هنالك من التكاسل والتراخي، ولاشت ما خفى من الأهواء الباطلة والشعور الردي ثم محصت الجد والنشاط والصبر والثبات، وأشعلت وقود المحبة الوطنية، وقادت الإنسان إلى اقتحام عظائم الأمور وشددته على الثبوت ضد نوازل الارتقاء، وإني الآن أقف لديكم معترفة بضعفي وبنوارة معارفكم وسعة مكارمكم لامنزع لى إلى تعليمكم أو إرشادكم إنما توخيت تذكيركم بأمر ذي بال، وقد كان للذكرى منافع كبرى، وهنا أسأل أرباب الهمة وذوى الوجاهة من أهل بلدتنا الأفضل الذين يذهبون سنة بعد أخرى إلى البلاد الأوروبية ويكابدون مشقات السفر وأتعاب الغربة، ويبذلون الدرهم النفيس في شراء البضايع المختلفة الأجناس والأشكال أن لا يحنقوا على باختیـاری مـوضـوعًـا للكلام إنهاض الغيرة الوطنية لترقية البضائع الشرقية ليساعدهم أيضًا بدورهم في ترويج بضاعتنا الشرقية في الأقطار الغربية، فيشد بهم أزر الوطن وتضمد جراحاته القديمة

لا يخفى على عارف منا ما كانت عليه حالة البلاد من تقدم الحضارة وضخامة العمران، وما كان لأهلها من موارد الغنى ومصادر الخيرات، فقد كانت مدنها حافلة بالسكان تزدحم فيها أقدام التجار من جميع الأقطار، حتى لقد قيل عن مينا مدينة صوران الناظر إليه لا يستطيع أن يرى ماء البحر لتراكم المراكب التي كانت تأتيه من جهات المسكونة الأربع، مقبلة بالكنوز والنفائس من جوهر كريم ودر يتيم ومرجان ثمين وذهب وضـاح وفضـة بيضـاء وغير ذلك من الأطياب والعطارات، ومن ثم تقفل مديرة حاملة من فنون الفينيقيين وأنواع سلعهم وبضائعهم مما يعجز قلم البليغ عن وصف جماله الفائق وإتقانها الدقيق، وهكذا كانت حالة جميع شطوط سوريا ومدنها الداخليه فالأراضي الموحشة المقفرة كانت فيما سلف جنات تخترقها الأنهار وتغرد على أغصانها بلابل الأطيار وهي ترقص طربًا على نغمات نول الحائك ومطرقة الحـداد ورنين الآلات الميكانيكية المختلفة الأنواع، ولو جنت مسهبة عن أحوال قدم البلاد لضاق الوقت وفنى العمر، وأنا بعد على شاطىء ذلك المحيط العظيم إنما اجتزي بالكلام بأنها كانت تقل من السكان خمسة أضعاف أهلها الآن وإنما عن تجارتها وثروتها وعمرانها فحدث ولا حرج.

فما بالنا الآن والحالة التي نحن فيها، هل مادت الأرض بمن فيها فعكست وقبلت الأحوال. أم قامت حرب عوان في عالم الهواء فخربت نظامه وأبدلت تركيبه فغيرت منا الأمزجة والأخلاق أم العتب في ذلك على الزمان وحوادثه ونوازلها كلا إن الأرض لم تزل علي حـالها منذ وجد الإنسان عليها تحيط بها كرة الهواء النقية علي نظام ثابت لا يتغير، والزمان لا تزال شمس نهاره تخترق كل صباح طبقات الأفق بسهام النور، فتبددُ دياجيره وتجلو أوهامه، وتكشف عن وجه الطبيعة برقع الظلام فيتلألأ، مكللاً بقطارات الندي التي تهتز معا بلمعان بهی، مترحبة بقدوم عروس الأيام وقمر ليله لا يزال يتحلى بين عقد نجومه ناشرًا على الأرض حلة الضياء يحدقها بعينه البيضاء كأنه يحرسها من نائبات الحدثان، ولكن هو الجهل حتى تظلم وتعمى القلوب، وتغفل الأفكار وتيبس جراثيم الهمة والنشاط محركات الجد والإقدام، وتفنى عوامل النمو والارتقاء فيستولى التكاسل مع التراخي ويستبد الإهمال مع الإغفال، فتشقى البلاد مع العباد وياللَّه من شر هذا المآل.

فهذا الذي سطا على جدودنا فقهرهم ودك بنيانهم واستنزف ثروتهم ولا شى صناعتهم واخرب تجارتهم أما الآن والحمدُ للمنان، فقد أخذت البلاد بظل مولانا السلطان وعناية دولتنا العلية الباذخة الأركان أن تجدد ماضي عزها وتردّ فاني مجدها نعمت بيننا وسائل الدرس والتثقيف وأسباب الرفعة والفلاح حتى أملنا بلوغ المني وتحقيق الآمال، ولكننا مع ذلك لا نزل بالنسبة إلى من تقدمونا في حاجة كبرى إلى الإصلاح ولا صلاح إلا بالإصلاح.

إننا إذا دققنا البحث في أحوالنا الحاضرة وأرسلنا الاستبصار إلى خفايا أمورنا نرى أنفسنا في حالة تستوجب الشفقة والحنان، ذلك لأننا حملنا الذات ما لا طاقة لها على حمله، فقد أخذنا نتشبه بالغربين بالزي والعادات، ونحن متأخرين عنهم بالعرف والمال بما لا يقاس، ولذا نرى البلاد تئن مثقلة من عناء هذا العمل الشاق على عاتقها الضعيف. فقد كنا قبل أن امتزجنا معهم عائشين بالراحة مقتنعين بما قسمه المولى لنا فكانت المرأة تغزل بيديها لباس عائلتها، وتكسي رجلها وأولادها من تعب نهارها وليلها، فتوفر على زوجها ثقل المصاريف والاهتمام الزائد في كسوة أولاده بخلاف ما نحن عليه الآن فإن الرجل يصل الليل بالنهار سعيًا وراء تحصيل حاجات عائلته، وهو عاجزٌ عن إرضاء خاطر امرأته وأولاده وكثيرًا ما يحمل نفسه أثقال الدين الباهظة لتلبس زوجته على الزي الأخير وتكسي أولادها كأولاد الغربيين، ولذا نسمع الأنين متصاعدًا متواصلاً من صدور الرجال، وهم يرددون الشكوى بقولهمم تبًا لهذه الأحوال ويالها من عيشة مرة لا تطاق فإننا نركض الليل أكثر من النهار، ونحن مع ذلك عاجزون عن القيام بمصاريف العيال وإرضاء ربة الأزياء، فهنيئًا لمن عاش قبل هذه الأيام إنه ممن رحمهم الله إنه من الصـالحـيـن فـيـالـيـتنا لم نولد أو ولدنا في زمـان الغابرين.

البقية تأتى

نابع الافراح الرياضية

لحضرة وكيلتنا الكاتبة الفاضلة السيدة زينب فواز بمصر

ولا خفا أن حضرة حرم حسن باشا راسم كان لها ابنة اسمها احسان هانم خطيبة سعادة محمود باشا رياض، ولما توفاها الله برحمه طلبت والدة العريس حرم صاحب الدولة رياض باشا، أن تلبس النيشان إلى شريفة هائم، وكانت إذ ذاك صغيرة السن فامتنعت والدتها في بادئ الأمر إكراما لأم الفقيدة فألحت والدة المرحومة إحسان هانم إلَّا اتمام أمر زواج شريفه هائم لسعادتلو محمود باشا وألبستها النيشان ووهبتها كل ما كان عندها من جهاز المرحومة ابنتها إحسان هانم، وعليه عندما توجهت لزيارتها كما ذكرنا على حسب العادة أهدتها هدية عظيمة، وهما أربع قطع من الحلى ساعة الماس وعقد لؤلؤ ذو أربعة فروع وفي وسط كل فرع زمردة قدر بيضة الحمام وجـوز أساور ذهب وخاتم ياقوت ثمين يحتاط به البرلنت ثم أهدت للعريس ساعة وسلسلتها مرصعة بالماس والياقوت وكيس دراهم من سلك الذهب وجميع ذلك، غير الذي أهدته للعروس ليلة الحناء، وهو نيشان شبه تاج مرصع بالماس وقيمته 1500 جنيه غير التكاليف وما يتبعه من الملبوسات وغيرها، وهذا التاج أصغر من تاجها الذي سبق ذكره.

وأما المهر الذي وضعه العريس فهو 500 جنيه والهدايا التي أهديت للعروس ليلة الحناء، فمن دولة حميها عقد لؤلؤ فيه ثلاث محابس ياقوت مرصع حولها بالماس بثلاث فروع، ومن حضرة والدة العريس دبوس موضوع فيه رسم العريس من الماس، وهو غاية في الإتقان ودبوس آخـر مـاسي على رسم الهلال يشبك في الصدر ومـن خـالة العريس حضرة أمينة هانم أفندي دبوس ماسي رسم الهلال أيضًا، وقد فرش كل من المشار إليهم تحت أقدام العروس شالين من الكاشمير الفرماش الابيض.

وأما هدايا ذوى العروس، فمن شقيقها سعادة محمد بك راسم دبوس ماسي شبيه بالغزال يضئ كأنه النجم اللامع، ومن والدة المرحومة إحسان هانم ريشة مرصعة بالماس هو من أثمن ما يوجد في جواهرها ومن شقيقها بروش الماس ومن شقيقها الأصغر جوز أساور الماس، ولم تقبل والدة العروس هدية من أحـد والذي أهدته والدة العروس ۲۰۰ بدلة و۲۰۰ شال و50 قطعة من أساور وأقراط وساعات وخواتم وغير ذلك للأتباع والخدم من رجال ونساء، وفي الصباحية أهدت للعريس خاتم من الماس على قدر البندقة الكبيرة.

وأما الذي وهـبـتـه والدة العريس 150 بدلة و١٧٠ شالاً توزعت على الأتباع والخدم من الجنسين، ولم تقبل من أحد هدية، وعملت كما بلغني لكل من المغنيات بدلة بقيمة ٢٥ جنيه كلها بالقصب الفضي، وأعطتهن من النقود كفايتهن حتى لا يأخذن من أحد نقوط على حسب العادة كما قدمنا “51”

رواية

(نانن او حرب النساني)

لحضرة الكاتبة الفاضلة الأنسة إستير أزهري في بيروت

تابع ما قبله»

اخبرني هل سبقت لى معرفته قبلاً

لا أظن ولا أخال له عظيم أهمية لأن ترغب بمشاهدته.

 

إنى أراك حر الضمير

نعم ولكن طالما حرية ضميري لا تجلب علىَّ مكروهًا

وهل تمتد حرية ضميرك إلى أن تعلن أسرار الغير

نعم إذا عاد علىَّ الإعلان بالربح والانتفاع

وهل هذه حرفتك الوحيدة

كل يعمل ما تصل إليه يده وتسمح له مقدرته وظروفه، ولقد قيل أن على الإنسان أن

يسير مع الفلك الدوار ويدور مع الدهر كيفما دار فتبعت هذه القاعدة وعددت الحرف وقلبت الصنائع وأنا منها شاكٍ غير شاكر.

وأية حرفةٍ تحترفها الآن

ما أنا الآن إلَّا خادمك المطيع. قال هذا وخر إجلالاً

الرسالة السابق ذكرها هل هي لديك؟

والامضا المنوه عنه قبلاً هل هي لديك؟

نعم بیدی

فلنتبادل إذًا

أرجوك أن تسمح لى الآن بأن أتجاذب وإياك حديث سررت به، ولا أريد أن أصرفه

جزافًا

لك ما تروم مولاي إذا كان ذلك مما يلزمك

هل لك أن تأتي إلى قاربي أو تسمح لي بالذهاب إليك كي يخلو لنا الجو فنتكلم مليًا

بما نروم حيث إننا بمركز يستوجب كتمانه السر.

لعل تحسن التكلم بلغات أجنبية

إني أحسن التكلم بالأسبانية

وأنا أيضًا أتكلم بها

حسن وما الذي حملك على إنشاء خيانة السيدة…. للديوك ديبرنون

تزلفًا إليه وطمعًا بالحصول على مأمورياته السامية

هل بينك وبين مارل دي لارتيك عداوة

كلا بل على أن أصرح على رؤوس الأشهاد بممنونيتي لها وكدرى العظيم إذا لاسمح الله أصيبت بمكروه

فالمسيو دي كانول عدوك إذًا

لم أرهُ قط ولكنني سمعت بأنه شاب شجاع

أنت تبدى عملك اذا بلا قصد عدوانی

أجل لأني لو غضبت من المسيو دي كانول لدعوته إلى البراز وإني على ثقة تامة من

شجاعته فلا أخاله يرفض طلبی

ارنى الرسالة التي تبرهن خيانة مداموزل ذي لارتيك

هاكها. وهل تعرف كتابتها (قال هذا بعد أن مد يدهُ الى جيبه وأخرج الرسالة)، فنظر إليها الرجل المسن نظرة مفعمة حزنًا وقالنعم إني أعلم كتابتها، ولكن كيف حصلت على هذه الرسالة

تعلم يا مولاي أن سياسة الديوك ديبرتون سببت له حيرة عظيمة وسياسة المسيو مازاران اینجل هیجت شعبًا عامًا في العاصمة

ولكني لا أرى للديوك ديبرنون والمسيومازاران تعلق في الأمر

لا خفا سيدي أن هذين الخبرين قد نتج منهما ثورة عمومية، وقد أخذ كل للانتماء لأحدهما، فالمسيو مازاران يدافع عن الملكة والمسيو ديبرنون عن الملك، والمسيو دى بوفور عن عقيلة دي مونتبازان والمسيو دي لاروشـتـوكول عن عقيلة دى لانكفيل ومجلس الأعيان عن الشعب، ولقد زج المسيو دي كونوي في السجن بمدافعته عن فرنسا أما أنا فلزمت جانب الحيادة ريثما أرى أي الأحزاب يكون الأقوى فالتزم جانبه، ولقد حشدت فرقة لهذه الغاية، وهي تلك التي تراها على شاطي النهر

« البقية تأتي»

مراسلات الجهات

من حضرات السيدات الفاضلات أعضاء جمعية باكورة سوريا في بيروت

حضرة المديرة الفاضلة

لم ندر حين وافـتنا فـتـاتك الغراء أفي يقظة نحن أم في منام، وذاك لعـهـدنا بتماطل الدهر بنيل الأماني ومباعدته عند طلب التداني، ولكن ما عتمنا حين تحقيقنا صحة الخبر إن قلنا أوتيت سؤلك يا موسى على قدر. فلكم حسبنا نوال هذه البغية مستحيلاً، ولكم عددناه غير ممكن الوقوع حتى إذا ما تأملنا به كنا كالمتأمل بالعنقاء والغول. أما الآن فلتبشر المرأة الشرقية بتقدمها ولتسر، فلقد ظفرت على الجهل والغباوة بهمة من نالت في عالم الأدب قصب السبق فأظهرت من حيز الخفاء إلى حيز الوجـود مـشـروعًـا غايته رفع المرأة الشرقية من أدنى دركات الذل والهون إلى أعلى درجات المجد والسود، فاستحقت من سيدات البلاد شكرًا جزيلاً يتكرر بتكرار الأيام وثناء جميلاً يتضاعف بتعاقب السنين والأعوام.

هذا وأننا عند مطالعتنا فتاتك ألفيناها جنة بها من كل فاكهة زوجان بل هي نفثات أقلام أين سحر هاروت من سحر ألفاظها الآخذ بعضها برقاب بعض بحيث لا ترتد إلَّا وقد ملكت القلوب، وسادت على النهي والعقول وعليه فإننا نهنئك أيتها الفاضلة بما صرت إليه من المقام الرفيع الذي أنت به راسخة القدم، ونسأل الله أن يعضد عملك بالفلاح ويدرعك بالنشاط كي تتمكني من تتميم ما أخذت على نفسك القيام به رغبة في تقدم سواك ودمت

بيروت في ۲۱ آذار سنة 1893

وقد ورد لنا من حضرة كاتبة الرسائل في جمعية باكورة سوريا السيدة استير ازهرى هذا الكتاب ندرجه مع الشكر والامتنان

حضرة الفاضلتين السيدة سارة عقيلة اسكندر أفندي إلياس والآنسة هند نوفل المحترمتين.

نتقدم إليكما بملء الرجاء والرغبة أن تلبيا دعوتنا وتنتظما في سلك جمعية تتفق غرضًا وتتحد غاية مع مشروعكمـا العظيم إلا وهي العمل على تقدم المرأة الشرقية وأعزاز الفضيلة فيها. وقصارى المأمول بهمتكما العلية أن لا تضنا على جمعيتنا بالقبول فننال من كرمكما غاية المأمول آه

بملء الافتخار قد قبلنا دعوة حضرات العقائل والأوانس أعضاء هذه الجمعية الأدبية التي يحق لها الاعتبار بين نصيرات المعارف والآداب لما لها من المآثر الماثورة والآثار المشهورة، كما يحق لنا أن نتباهى بثقتها فينا ودعوتها لنا لنكون مع أعضائها سواء في خدمة الجنس والآداب تعزيزًا للفضيلة وسعيًا وراء ما يستلزمه تقدم المرأة الشرقية من حسن الى حسن والله نسأل أن يوفقنا جميعًا إلى ما به التقدم والنجاح بظل ظليل الجناب السلطاني المهاب ويمتعنا بما يسهل لنا سبل الارتقاء انه السميع المجيب

هند» « ساره»

أهم أخبار الشهر

«الأستانة» أنعم جلالة مولانا السلطان الأعظم بوسام الشـفـقة الثاني على حضرة عقيلة جناب الفيكونت جورج دی زغيب نزيل الأستانة حالاً فنهنئها

«أوربا» ستزور حضرة إمبراطورة ألمانيا وجلالة قرينها الإمبراطور رومه عما قليل، ويقال أن هذه الزيارة مجردة لحضورهما الاحتفال بعيد الفضي لجلالة ملك وملكة إيطاليا الذي أصبح قريبًا جدًا.

برحت حضرة إمبراطورة النمسا مدينة ترتيان، شاخصة نحو كورفو اليونانية وقد سافر كل من حضرة الملكة فيكتوريا من بورسموث إلى فلورنسا والبرنسس أوف ولس قرينة سمو عهد إنكلترا إلى البلاد اليونانية تبديلاً للهواء.

روت الستاندرد أن حضرة ملكة ايطاليا وجلالة قرينها الملك سيرافقان حضرة إمبراطورة ألمانيا وقرينها الإمبراطور في زيارتها حضرة ملكة إنكلترة في فلورنسا

قرر مجلس بلدية صوفيا عاصمة البلغار مبلغ 100 ألف فرانك لإنفاقها على الزينة التي ستحتفل بها المدينة المذكورة بقدوم حضرة البرنسس ماری عروس أميرهم البرنس فرديناند.

قدم إلى برلين خمس نسوة من قبل حضرة إمبراطورة الصين ومعهن حاشية عظيمة، ليتعلمن التقاليد الملوكية الألمانية بغية إدخالها إلى البلاط الصيني.

نظمت حضرة اللادي آرثر هل من عقائل الإنكليز نشيدًا وطنيًا، ورفعته إلى اللورد سالسبوری زعيم حزب المحافظين، لينشدهُ المحافظون والمتحدون لدى تجمهرهم في بلفست تجاه التظاهر برفض الاستقلال الإداري، وقد ترجمته نظمًا جريدة المقطم الغراء كما يأتي:

من ذا يصدع شملنا ……. يوم الكريهة والجـلاد

إخواننا إنا على …ما تعهدون من الـوداد

أبدًا بوادٍ نخن واس…تقلا أرلندا بواد

ولسوف تبصرنا عيو …ن الخاينين أولى الفساد

متجهرين وخلفنا…الآلاف من أهل البـلاد

نسعى ونصب عـونـنا …فيكتوريا والاتحـاد

«أميركا » اخترعت إحدى الأمريكيات آلًة يمتنع بواسطتها الدوي بين مدارج عجلات السكة الحديدية، واخترعت غيرها اختراعًا لتخليص الناس من الغرق.

قالت جريدة كوكب أميركا الغراء أن امرأة في نيس من أعمال فرنسا استدعت يومًا أحد قارئي البخت واستكشفته عن مستقبلها، فقال لها إنك ستموتين يوم تلدين وكانت المرأة حبلي، فغرقت في بحار الوساوس كدرًا وحزنًا، وأرسلت وطلبت قرينها من باريس فأتي وسعى جهده لإزالة هذه الوساوس من دماغها فلم يقدر، قالت له إن الذي يزيدني حـزنًا وكآبة هو عزمك على الاقتران بامرأة من أعدائي الألداء، فأنكر عليها الرجل ذلك، وقال لها بحماسة وشهامة إذا قدر الله عليك بالموت كما تزعمين، فأعاهدك على أن أموت بعدك انتحارًا،وكانت هذه العبارة بلسمًا لجروحها ودواء لاستئصال وساوسها فتركها زوجها، وعاد إلى محله التجاري في باريس مستغربًا، أما هي فقد عادت بعد سفره إلى حيز الوساوس، فاستحكمت حلقاتها في صدرها حتى قضت عليها بعد أيام قلائل، فلما بلغ قرينها ذلك أخرة غدارة مسدسة الطلقات وانتحر ولسان

حاله يقول:

من لم يمت بالسيف مات بغيرهِ…تنوعت الأسباب والموت واحدٌ

«سوريه» لقد ساءنا ما رزئت به حضرة صديقتنا الفاضلة الأنسة مريم حداد في بيروت بفقد المرحوم والدها، الذي نسأل له الرحمة والرضوان ولحضرة كريمته وآلها الكرام التعزية والسلوان.

أتانا من حضرة وكيلتنا الأديبة الآنسة مروم شكر الله ثابت تباءُ يبشرنا بدخول الفتاة إلى حلب الشهبا، وإقبال العقائل والأوانس على مطالعتها والإشتراك بها حبًا بتعزيز الفضيلة ورفع لواء الجنس، وقد ذيلت رسالتها بأسماء كثيرات من حضرات الأديبات اللواتي طلبن منها الفتاة اشتراكًا، فنشكر لهن عمومًا ولحضرة وكيلتنا المومأ إليها خصوصًا هذه الشهامة الأدبية والغيرة الجنسية، ولا غرو إذا عقدن الخناصر على تعضيد الفتاة، وهي جريدتهن الوحيدة تحت سماء الشرق، وما نشأت إلا للمدافعة عن حقهن المسلوب، واستلفات أنظارهن إلى الواجب المطلوب وللافـتـخـار بما تدونه في صفحاتها من نفثات نفايس أقلامهن لتكون الفتاة كمرآة تظهر محاسن الحسناء وتجلو جمال الغيداء، ولا عجب إذا رأت من عقائل وأوانس الشهباء نفس المأمول وفي منازلها خدور تسامی بها الظرف وعلى ستورها كتبت آية اللطف، فأغنتها وأغنتنا عن الوصف. وقد جاءنا من طرابلس شام بلاغ يبشرنا بعقد خطبة ابنة العم العزيزة الأنسة عبلى نوفل إلى جناب الشاب الأديب حبيب أفندي غريب، فنهنئ العروسين وآلهما الكرام بهذا العربون السعيد، ونسأل لهما تمام الأفراح مقرونًا بالتوفيق والنجاح

«مصر» زفت حضرة المصونة شقيقة سعادة أحمد بك فريد مدير الجيزة إلى حضرة الوجيه أحمد بك رفعت باشكاتب الدائرة السنية، وكانت حفلة الأفراح في منزل سعادته تامة الإتقان والنظام زاهية بأسباب الهناء والمسرات.

وزفت حضرة كريمة المرحوم سلطان باشا إلى حضرة عزتلو على بك السقراوي باحتفال شائق ونظام فائق، فنهنئهم جميعًا، ونسأل لحضراتهم الرفاء والهناء.

«وفيات» في أوائل الشهر الماضي استأثرت المنون بالمرحـومـة قرينة حضرة الأغومانوس فيليوثاوس رئيس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الكبرى والمرحومة أتينا أرملة المرحوم مخائيل قدسي، وقد احتفل بجنازتهما احتفالاً عظيمًا، فنسأل لهما الرحمة والرضوان ولحضرات آلهما الكرام التعزية والسلوان.

أخبار محلية

بلغنا أن المحكمة المختلطة الاستئنافية قد حكمت لحضرة السيدة ندى أبي شعر بحق الوصاية على ابنها القاصر، وبتسليمها جميع تركة زوجها المرحوم سليم بيطار فنهنئها.

قدمت من طرابلس شام حضرة ابنة العم السيدة زهية عقيلة جناب الوجيـه عزتلو جرجس أفندى نقاش من أعيان طرابلس لزيارة كريمتها عقيلة جناب الأديب وديع أفندي نحاس، فنهنئها القدوم ونسأل لها طيب الإقامة.

ضاق نطاق هذا العدد بالرسائل الواردة إلينا، فأرجئنا منها إلى العدد القادم رسائل حضرات السيدات الفاضلات زينب فواز بمصر ومهجة السوقي وعفيفة أظن بطنطا واستير ازهري في بيروت وماري خليل شميل إحدى تلميذات مدرسة الشويفات في لبنان وروزا ايلتون في ليون ورسالة من طرابلس عنوانها: ماذا يرغب الرجل من زوجته ورسالة ثانية من مصر في حقوق البنت وواجباتها فعفوًا ومعذرة.

«تنبیه»

قلنَّا غلطًا في هذا العدد تحت عنوان الثبات أن حضرة مرسلتها من تلميذات المدرسة الإنكليزية وصوابها من تلميذات مدرسة المرسلين الأميركانيين.

ثم يرى في صدر العدد رسم كتب تحته مدام بالمر سـهـوًا،والصواب هو رسم السيدة برثا هونوري مدام بالمر رئيسة القسم النسائي في معرض شيكاغو التي أبنا فضائلها العميمة في سابق أعدادنا.

«إيضاح والتماس»

لقد ورد إلينا من حـضـرات وكلائنا ووكيلاتنا في القطري المصري والسوري أسماء لم تصل إليهم أعداد الفتاة الماضية وجميعهم من الأفاضل والفاضلات اللائي تعودن على مساعدة المشاريع الأدبية وتنشيط من يقوم بها وامتثالاً لارشادتهما قد أرسلنا من هذا العدد نحو نسخة معنونة بالأسماء المومأ إليها حتى إذا مر 15 يومًا من أجل التسليم، ولم تعد النسخة من قبل المرسلة إليه عد مشتركًا، وقدمنا له الأعداد الماضية مع الشكر والامتنان.

غدا تحتفل الطوائف الغربية المسيحية بعيد الفصح المجيد، فتسديهم مواجب المعائدة سلفًا، ونسأل الله أن يعيده عليهم بوافر المسرات والبركات.

إعلان

قد كلفنا حضرة الأديب إلياس أفندي ذخوره وكيل جريدة المقطم الغراء في الوجه القبلي بتحصيل بدلات الاشتراك بموجب الوصلات التي بيده ممضية بإمضائنا عن صاحبة الجريدة، فأرجو حضرات المشتركين اعتماده بذلك ولهم المنة والفضل

«نسیم نوفل»

وكيلات الفتاة ووكلائها »

في مصر السيدة زينب فواز

في طرابلس شام الأنسة عبلى نوفل

في يافا الآنسة ليزا نوفل

في حمص السيدة ورده فركوح

في بيروت الآنسة استير ازهري

في حلب الآنسة مروم شكرالله ثابت

في دير القمر ولبنان الأنسة مريم خالد

في طرسوس الأنسة جميلة نمور

وفي مديرية البحيرة جناب خالنا إلياس أفندي نحاس أما الوكيل العام في القطر المصرى، فهو جناب عمنا هاني أفندى نوفل.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات