الجزء الرابع من السنة الأولى
فی 1 آذار «مارس» سنة 1893
موافق ۱۲ شعبان سنة 1310
الحياء
إن الحياء هو من أجل الصفات المعتبرة في النساء اللاتي جبلهن المبدع من طين الوداعة والظرف، وأفرغهن من قالب الجمال واللطف، وأودع في قلوبهن معدن الحنو والشفقة ورسم على وجوههن آيات الأنس والبشاشة، وأنزل في مقل عيونهن سحرًا ينفث سـحـر هاروت، وأوجـد من نطقهن درًا يذري الدرر والياقوت، وألبـسـهـن حـبـرًا سماوية وجعلهن مصباحًا ساطعًا في الهيئة الاجتماعية، وغرز في عواطفهن حب التقنع بقناع الحياء ليحفظن به أنفسهن من آفات التطرف والتورط اللذين يحطان بقدرهن في أعين القوم، إذ كل فتاة فقدت مزية هذه الصفة الشريفة كانت عرضًة لمخالب الفساد وسببًا لحرمانها من الحقوق التي يتمعن بها المحصنات الأديبات ويفتخرن بشهرتها المصونات العفيفات.
هذا ولما كان الحياء طبعًا للإنسان الأكثر رقة ولطفًا ولينًا وآدابا، وكانت النساء أرق من جميع المخلوقات عواطفًا وألين عريكة وجانبًا اكتسبت طباعهن جوهرة الحياء اكتسابًا غريزيًا، وسواء كانت المرأة حكيمة أو جاهلة لابد لها من التمسك بعروة الحياء الوثقى نعم إننا نرى صفة الحياء بين هذه وتلك واحدة في الظاهر، ولكن لو أمعنا النظر وراقبنا الحركة لوجدنا عواطف الأولى ملآى بجواهر الحياء سرًا وجهرًا وحـاسـات الثانية مشحونة بذرات التقليد غير المنطبق على الحقيقة إلَّا في الظاهر، وما أقبح ممن تدعى بما ليس فيها وتتردي أحيانًا برداء الصيانة والحياء إيهامًا وغرورًا وخوفًا حيث تعلم أن كل امرأة تتشح وشاح الحياء لا يجسر أحد على مسيسها إلا ويحاكم بموجب القانون في كل زمان ومكان.
وكـان قـدمـاء اليونان والرومان يجعلون للحياء تمثالاً معبودًا، وقد شيد لهُ اليونانيون في أسبرطه وأثينا الهياكل العظيمة كما جعل له الرومانيون هيكلين أحدهما للنساء الشريفات والثاني للنساء العامة، وكانوا يشخصون هذا المعبود بصورة امرأة ذات وشاح يستر هيكلها من الرأس حتى القدم، وهي جالس على قاعدة الحشمة والوقار وإلى جانبها غصن من الزنبق وسلحفات رمزًا وإشارة إلى أن المرأة المحتشمة يجب أن تكون طاهرة نقية كالزنبق الأبيض ومـحـتـجـبـة في خدرها كالسلحفاة في وقارها.
وكـان لم يزل أهالي الشرق من أعظم الأمم مـحـافظة على نـامـوس الشـرف والعرض، ولذلك ما برحوا مواظبين على تأييد الحياء بين النساء اعتقادًا منهم بأن لا حجاب لهن من أعين الطامحين بجمالهن إلَّا الحياء والتحجب، وبناء عليه قد شادوا لهن القصور وأسبلوا على الخدور الستور وأقاموا الحـجـاب على الأبواب رافعين لواء الاحتشام والاحترام، فإن المحب غيور والغيرة هي من دعائم الشرف وأعمدة الشهامة وأعظم شيئًا في الإنسان العظيم هو عزة النفس وعزيز النفس مهما طأطأ للدهر هامه لا يمكن أن يمس العـرف والناموس خـلافًـا لسافل الهمة خسيس الطبع دنئ الخلق ساقط الشرف، فإنه لا يهتم بأمر مثل هذا وسيان عنده الشرف وعدمه والدفاع عن العرض وعكسه حالة كونه يعلم يقينًا بأن الرجل الكريم من يدافع عن عرضه بماله ويفتديه بنفسه، وأن من انتحر في سبيل الدفاع عن محصنته لو كريمته لا لوم عليه ولا حرج.
ولا يخال للقراء أننا نشير بقولنا هذا إلى بعض الأمم الذين أباحوا لنسائهم الظهور فأسفرن البراقع عن الوجوه وبرزن من الخدور وهن كالبدور؛ ليتمتعن بالحرية الأدبية في الهيئات العمومية والنوادي العلمية والمراسح التمثيلية، كلا فإننا نعد مثل هؤلاء الأمم ممن يعتبرون الحياء وجوبيا للنساء كما يعتبره الشرقيون تمامًا غير أن كيفية تأييده مختلف عليها بين الفريقين، فالأول متمسك بها وراثيًا حتى صار الحياء عنده موئدًا بأحكام التقليد والإرهاب، والثاني جعله مرعيًا بأحكام العلوم والمعارف حيث سعی بوجوب احترام المرأة وإعطائها المنزلة الرفيعة في هيئة الاجتماع حتى أنالها هذا الحق وجعلها بمقام تعلم منه ما عليها من الواجب نحو نفسها ورجلها وبيتها وأولادها وخدمتها وآلها ووطنها، وأن يكون لها ما للرجال من حـقـوق إحراز العلوم والفنون والمعارف لتقوى على معرفة المبادي الصحيحة الخالية من إدران الفساد، وتعلم من ذلك أن الحياء وجوبيًا للكمال والعفاف وبدونه تسقط عن عرش كمالها واحترامها.
ومن البديهي أيتها السيدات أن المرأة إذا وجدت ذاتها محترمة معززة الجانب من زوجها وأولادها، ومن يلوذ بها من الخدم والحشم تفرغ معظم جهدها سعيًا وراء صيانة نفسها من جراثيم العيوب، وأن من أدركت بثاقب فكرها وصائب عقلها لذة هذه الشهرة الأدبية لا ترضى لنفسها السقوط من شامخ المجد إلى دركات الانحطاط وحرمانها نعمة الإكرام والاحترام وفقدها تلك السلطة الإدارية والحقوق الأدبية، ولذلك لا تقوى على مداركها قوة الطياشة والجهل ولا يذل بها القدم يومًا إلى ما يعقبه الندم لا سيما إذا كانت المرأة ممسكة بمواجب الدين، فإنه لشاكم من جماح كل أمر يتولد منه الفساد وكفاها بمطالعة الكتب الدينية نذيرًا ومرشدًا إلى معرفة واجباتها نحو قرينها ومعرفته رأسًا لها، وبهذه المعرفة الحصن الحصين لطهرها وعفافها ودوام استحيائها وكما نرى بين الرجال حكيمًا وجاهلاً وصالحًا وشريرًا، هكذا تشاهد بين النساء على اختلافهن بالجنس والمذهب فاضلات وفاجرات، ولذلك لا نقدر أن نحكم على كل فريق منهما إلا بما يوافق أحوال الأمم من تباين الطباع والأميال، ولكل امريء من دهره ما تعود.
وقد يخطئ من يزن الصالح بميزان الطالح، ويحل المعوج محل المستقيم ويدين الكل بخطيئة البعض، فإن العدل لا يأمرنا بأن نجعل النساء الساقطات عن درجات الاعتدال والكمال كالنساء العالمات المهذبات سواًء كن شرقيات أو غربيات، وبالجملة فإن المرأة من زوجها فإن أفسدها كانت شيطانًا رجيمًا، وإن أصلحها كانت ملاكًا كريمًا.
وحسبنا شاهدًا ما نراه من التقليدات الإنكليزية، فإن الرجل منهم لا يقدر أن يأتي أقل عملاً يؤول بتكدير حاسات النساء في الهيئات الاجتماعية، ولا يحق له أن يدخن في قاعات يجتمعن فيها النساء المخدرات، ولا أن يتلفظ بأقل كلمة ذات معان كثيرة أو يشير بأخف إشارة تمس شرف الطهر والعفاف بل يجلس بينهن باحترام وآداب إجلالاً لهن وبرهانًا على ما لهن من التقنـع بالحـيـاء وإن كن سـافـرات الوجـوه وهكذا من مـواجب المرأة الإنكليزية مع ما هي عليه من السلطة الإدارية والسيادة الأدبية أن لا تخرج من بيتها خطوة بدون استئذان زوجها، ولا تعمل أقل عمل بدون اسـتـشـارتـه عـمـلاً بقـول الكتب المقدسة إن الرجل رأس المرأة واعترافًا بأن السلطة المعطاة لهن من الرجال لم تكن إلَّا على سبيل المجاز فقط تلطفًا وتأدبًا.
وهكذا نرى نساء الأميريكات اللواتي يتسابقن إلى العلوم والمعارف بملء الرغبة والنشاط حتى بارين أفاضل الرجال بمحاسن الأعمال، وقلما تجد منهن واحدة في هيئة اجتماعية ما لم تباحثك وتناظرك في المواضيع العلمية والفنية والرياضية خلافًا للشرقيات “ونحن في مقدمتهن»، فإنهن إذا اجتمعن يومًا في منزل ما فلم يتعد حديثهن حدود ما ابتكره الخياطات وما أكلنا وشربنا في يومنا وأمسنا حتى إذا فرغن من هذا وتلك جـردن سـيـوف الانتقام وأسهم الملام على بعضهن بعضًا إلى غير ذلك من مقتضيات القال والقيل، ولوازم التعنيف والتنكيت والتنديد والتبكيت على من سبقته في مضمار العلم والآداب، ولم يكفنا ذلك إلا ونستخف بمن نراها تتحدث بالعلم والسياسة وبالتي امتازت عنا بشكر الألباء الأفاضل، وكانت موضوعًا لحديثهم بالإطراء والإطناب ثم تعنف تلك التي سبقتنا إلى ليس الأزياء الجديدة ونشد النكير على من لا يماثلنا في العادة والأخلاق، وفي بعض الأحيان نفخر بأن نستهجن تقاليدنا القديمة وتطنب بما أخذناه عن نزلائنا من التقاليد البعيدة عن عاداتنا القديمة مراحلاً ونعجب غالبًا بلغة الأجانب خوفًا من أن يلحقنا عـار إذا قلنا لم نتعلم إلَّا لغة آبائنا وأوطاننا، كل ذلك يرجع بالفضل إلى ما ورثناه من المبادئ التي تجعل بعض الرجال إن يسلقوا بالسنة حداد وينسبوا إلينا عدم الكمالات بالوقت الذي لا نجهل فيه حيثية مركزنا في عالم الوجـود ولا ندري إلَّا أن الحياء من الآداب والآداب من الدين، ومن فـقـد الديـن فـقـد الآداب، ومن فقد الآداب فقد الحياء والعقل، فأرجو من حضرات السيدات الفاضلات أن يقدنني بقطع النظر عن العقائد والعوائد أي الحياء منهما أقوى حصنًا الطهر والعفاف أو الحياء الإرهابي أو الحياء الصادر عن علم وآداب ومعارف لازداد لهن
شكرًا وامتنانًا.
“س..”
البرنسيس تريز البافارية
هي شقيقة الملك ليو بولد ملك بافاريا التي لم يثنها جاه الملك وعنفوان الشباب وسامي المجد والترف عن اقتباس العلوم والمعارف، حيث انكبت منذ حداثتها على المطالعة والتعلم حتى نبغت وحازت ما تتمناه من الشهرة الأدبية بين علماء الألمان الأفاضل ثم انعكفت بعدئذٍ على التأليف ليكون علمها مقرونًا بالعمل، فألفت كثيرًا من المجلدات في عوائد الروسية وأخلاق شعوبها وجيوغرافية ممالكها وقوة جنديتها، وغير ذلك مما يتعلق بحكومتها من الدقائق التي تهم ألمانيا عــومًا وحكوماتها المتحدة خصوصًا، ولما عينت مديرة للمكتب الملكي في سانت آن ألفت كتبًا عديدة في بلاد البرازيل وتاريخها وموقعها وحكومتها وإمبراطورها وتقليدات شعوبها إلى غير ذلك مما يحق له أن يخلد في بطون التاريخ.
وبينما كان الفرنسيون يتنازعون حديثًا اندماج النساء في الهيئات العلمية العالية إذ قامت ألمانيا الآن، ونفذت هذا الاقتراح بقبول السيدات الفاضلات في المجامع العلمية ثم تقدم مجمع موتينك العلمي الشهير، ودشن هذا المشروع بقبول البرنسيس المومأ إليها عضو شرف فيه، وهذه المرة الأولى التي قبلت النساء في الدوائر العلمية السامية فنهنئ الجنس اللطيف بمثل هذه الأميرة التي ألبستهن فخرًا لا يزول ومجدًا لا يحول.
الحرية
“لحضرة وكيلتنا الكاتبة الفاضلة السيدة زينب فواز بمصر»
قد ذهب بعضهم أن الحرية موجودة في العالم الحيوي وإنها بمجرد الاقتدار على التصرف بالأعمال وعدم تسلط البعض على البعض، وقال آخرون أنها بمطلق الإرادة حيث أن الإنسان يكون حرًا في كل ما أراد أن يفعله لا مرد لأمره ولا ممانع لحكمه، فبذلك يستحوذ على الحرية وقال البعض الآخر أن الحرية لا وجود لها البتة بل هي اسم بدون مسمى، وقد نرى أن هذا المذهب الأخير قد وافقته المسائل الطبيعية كل الموافقة لأننا نرى الإنسان في ربقة الأسر أكثر مما يظنه البعض حرًا، ودليلنا على ذلك هو ما نشاهده أمامنا من الإنسان لا يمكنه التخلص من الأسر من حيث نشأته إلى حين وفاته، إذ نرى أنه من وقت خروجه إلى عالم الحياة إلى حين بلوغ الرشد يكون أسير أمه أو مربيته ثم من بعد ذلك تستلم أفكاره عوارض الحياة وتهددات الطبيعة مثل الأمراض والأكدار والأوهام وغير ذلك من هذا القبيل.
وهذه القوانين التي عليـهـا نظام العالم الإنساني تفيدنا أن لا حرية في هذا الوجود حيث أنه لا يتم انتظام الممالك إلا إذا كانت أفرادها طبقة فوق طبقة كالجهادية مثلاً تراها درجات بعضها فوق بعض من النفر إلى القائد الأكبر ولا لزوم للتفصيل إذ الأمر واضح.
وكذلك القوانين الإدارية حيث أن الرعية لولا بث الشرائع والأحكام الصارمة لسطت على بعضها البعض، ولكانت الأمم تفنى من جرى ذلك فأين تكون حينئذ الحرية وكيف بالإنسان لو أطلقت له الحرية لافترس القوى الضعيف.
وأما احتياج الإنسان إلى الاجتماع لأجل تحصيل المعاش والانتفاع بما هو ضروری ولابد منه، مثل الفلاحة في الأرض من غرس وزرع والبناء والتجارة والصناعة وغير ذلك من الأشياء التي يحتاج الإنسان في هذه الحياة.
فانظر يا أيها القائل بوجود الحرية ترى كيف أن الزارع منقاد إلى من هو فوقه أو كيف احتياجه إلى الحيوان الذي هو أدنى منه والصانع مزعن لأمر معلمه أو صاحب معمله، والتاجر لا تدور تجارته إلَّا بعملة وكتبة وجمعيات مؤلفة من أفراد ورؤوس كلمتهم فوق كلمة البعض الآخر وهلم جرى.
“البقية تأتي»
رسائل
حضرة الأنسة مديرة جريدة الفتاة المحترمة
أكتب إليك وأنا مستنيرة بأشعة شمس الفتاة «والشمس أضوأ ما تكون فتاًة» التي تجلت عليها فحققت بعض الأماني بل خففت ما كنا نعاني.
أي واقتدار الجنس اللطيف على القيام بمهام الأعمال (وأنه لقسمٌ لو تعلمين عظيم) لقد أنرتِ بمصباح فتاتك الغرء جواء المجلات العلمية، فاشتاقت منا النفوس وناجت ضمائرنا الأجسام من قبل وجودها بقرب إشراق ضياها.
نعم إن الشرق ينبوع الأنوار ومجمع سامي الأسرار ومـا غابت عن شمس المعارف وطلعت في أفق الغرب مدة إلَّا واشتاقت إليه كما يظهر لنا من طلائع الإقدام والعمران والاستعداد والنشاط بين شعوبه وذويه الذين لم يمح آثار مجد أجدادهم حتى الآن شاهدًة على فضلهم الماضي.
وما كان الرجل وحيدًا في الأجيال الغابرة لرفع لواء الحرية وتشييد صروح المدنية بل كان للجنس اللطيف الحظ الأوفر بمشاهدته أسباب العمران ومشاركته بأكثر الأعمال، ومن لا يصدق فليراجع التاريخ فإنه أعدل شاهد وأقوى دليل نعم قد مر على الشرق حين لم يكن فيه شيئًا مذكورًا لكنه لم يلبث أن امتطى صهوة الفخر والمجد، وعاد باتفاق الجنس «النشيط واللطيف” إلى الاهتمام بتشييد ما ضرَّ به الإهمال في بيت التقدم والعمـران رغمًا عـمـا ينكره الغربيون على الشرقيين عـمـومًـا وعلى ربات الخدور منهم خصوصًا.
وقد آن للشرق أن يستعيد مجده التليد وشهرته الغابرة، فلا غرو إذا ارتقي شوطًا بعيدًا من العرفان بواسطة العدالة التي تنعم بها من قبل ملوكه وأمرائه الذين أيدوا المساواة بين الأفراد، فاستوجبوا الشكر والامتنان وخصوصًا منا نحن معاشر الجنس اللطيف إذ أصبح منهلنا من العرفان صافيًا عذبًا بعد أن كادت الواحدة منا مثقلة بحمل تحامل الرجل وامتهان له.
وفي هذا المقام أرجو منك أيتها الأنسة أن تفسحي لي في أعمدة فتاتك الغراء مجالاً لأبث مـا يخطر بالبال، مما يلزم للجنس اللطيف من متعلقات النظام الصحي حتى أكون ممن يخدم جنسه بما تصل إليه يده، وعلى قدر العزم تأتي العزائم واقبلی منى الاحترام مع الإقرار بما لك من الفضل والجميل، وأن يكن لا سابق معرفة بيننا إلَّا بالسمع والأذن تعشق قبل العين أحيانًا، والله أسأل أن يمتعك بنجاح فتاتك الحسناء ويزيدها توفيقًا وإقبالاً.
لبيبه حنيفه
«حكيمة باسبتالية قصر العيني بمصر»
مصر في 15 يناير سنة 93
حضرة صاحبة جريدة الفتاة الغراء حفظها الله
إن بمناسبة تشريف الجناب الخديوي أرجاءنا لافتتاح خط السكة الحديد في جرجا أحببت أن أوافي الفتاة بما لاقى سموه من الاحتفاء بمحطة ديروط، فأقول في الساعة الرابعة بعد الظهر من يوم أمس أقبل القطار المقل سمو الخديوي المعظم، وكان بانتظاره على رصيف المحطة سعادة مدير أسيوط وباقي موظفي الحكومة وأعيان الوطنيين والأجانب وتلامذة المدارس، وبين هؤلاء التلامذة تلامذة مدرسة البنات اليونانية مع رئيستهم الآنسة انسطاطيه بلوناكي، وكانوا متشحين بالملابس البيضاء، فلما أشرف سموه من الصالون هتف الجميع هتاف الدعاء وعلامات السرور والابتهاج ظاهرة على وجوههم، وتقدمت وقتئذٍ إحدى تلميذات المدرسة المدعوة اليتي زكريادي وألقت على مسامعه الشريفة خطبة مضمونها الدعاء بحفظه عضدًا للمعارف في هذه الديار وتشكرت لتنازل سموه باستماع خطبتها، فسر حفظه الله كثيرًا، وأبدي لها علامات الامتنان ثم تقدمت التلميذة مارية بابايني كريمة شقيق الخواجا نقولا زراکوری التاجر الشهير، وقدمت لسموه صحبًة من الأزهار الجميلة فتنازل سموه وقبلها شاكرًا لطفها وبعدئذٍ تقدم تلامذة مدرسة الرياض العلمية وألقوا كثيرًا من الخطب الأنيقة، وبعد أن شكر جنابه العالي مع الذين أقاموا الزينات الباهرة احتفالاً بقدومه المنيف وهم الخواجات نقولا زراكودي وجرجس إبراهيم وأسبطرلي كتسنى وباقى موظفي الحكومة وخلافه ثم قام القطار بقل سموه ووزرائه الكرام شاخصًا نحو أسيوط مشيعًا بأصوات الدعاء والاحتفاء ومصحوبًا باليمن والسلامة، واقبلی منی مزید احترامی.
أولغا ديمتری «كفلاء»
ديروط في 5 فبراير سنة 93
“السيدة خديجه المغربية الأسيوطية»
عند حلول ركاب الجناب العالي حفظه الله مدينة أسيوط تشرفت بين يديه حضرة الشاعرة البليغة السيدة خديجة المغربية، ورفعت لسموه هذه التواريخ البديعة.
«التهنئة الأولى»
في كل عام ذو الجناب المهيب …… يكسو الرعايا ثوب عدل تشيب
إن مر حلى القطر من عـدله…… بالعز والأمن وعيش خصـيب
سياحة العباس أرخ بهـا …… نصر من اللـه وفـتـح قريـب
سنة ۱۳۱۰
«التهنئة الثانية»
دام الخديوي كنز كهف الورى …… نو العز والعزم القوى المتين
قد شرف الأقطار في موكب …… يحفه النصر وعون المعـين
عباســـــــا أرخ ونادي بـه…… إنا فتحنا لك فتحًا مبـــين
سنة ۱۳۱۰
«التهنئة الثالثة»
مرور الخديوى حلا للمـلا …… ويومينذ يفرح المؤمنـون
أمامه نور يمســـی بهِ …… فيا آل مصر ألا تنظـرون
لنصر العزيز وإن أرخـوا…… بهِ جندنا لهم الغاليـون
سنة ۱۳۱۰
حضرة مديرة جريدة الفتاة المصرية
ظهرت الفتاة عقيب الانتظار الطويل منه عالم الخفاء إلى حيز الوجود رافلًة في ثوب البهاء والجمال متوشحة بأكمل الفضائل والجلال متحلية بأثمن المعارف والآداب كيف لا وهي من مبتكرات الأوانس الكاتبـات وفـخـر المصونات المخدرات، فيحق لصاحبتها الفخر والشكر ما طالت الأيام وكرت الأعوام.
وإن مطالعتها بقلبِ يطفح سرورًا وفؤاد يضطرم شوقًا وحبورًا وجدتها جريدة أدبية ذات مواضيع مختلفة تمكن قرائها الكرام من الخوض في عباب معارفها وآدابها وتلذ بنات الشغل والعمل الإمعان في صفحاتها والإفادة من تلاوة عباراتها فبان لي ذلك عما للمحررة من اليد الطولى في فنون الفصاحة والكتابة، وما لها من الجد والهمة في ترقي جنسيتها فأهنئك أيتها الفاضلة بما وهبك إياهُ المولى من الأخلاق الحميدة والسـجـايا الفريدة، طالبًـة مـن كـرمـه أن يديمكِ كنز العلوم والمعارف وينشطكِ في مشروعك العظيم لتنهضي من بقي من بنات جنسكِ في عالم الخـمـول والإهمال إلى روض من المعارف فسيح الآمال.
ويا حبذا لو خصصت أبوابًا للمواضيع التي تسر الجميع ويعم نفعها العموم إذ بلادنا لا تزال مفتقرة لما يليق بجنسنا نشرها ومطالبتها كالخياطة والتطريز وسائر أشغال اليد وتدبير المنزل إلخ.. ومن المعلوم مـا يفيد ويثقف العقل ويرقيه من حالة الغباوة والكسل إلى درجات التقدم والنجاح، ولى رجاء أنه لا يطل الزمـان بـهـمـة من كانت نظيرك حتى يظهر من بنات الشرق ما يحتوى عقلهن من ذخائر الفوائد، فلا تفتخر علينا القبائل العربية بكتاباتهن ولا تتباهى بناتهن برسائل قلامهنَّ.
واقبلي ممن تطلب لكِ الارتقاء والفلاح والخير والصلاح أزكى التشكرات القلبية والتحيات العطرية، ولا زلتِ نصيرة للعلم وكنز للمعارف
مریم حداد
بيروت في ٢٥ كانون الثاني سنة 93
أيتها الآنسة المجيدة
كم أذرفنا الدموع حزنًا وأحنينا الرؤوس ذلاً وأسبلنا الجفون خجلاً عندما كان جنسنا السوري يُحتسب من أثاث البيت عند الرجال، وبالكثير كالحلي تحت الأقفال ثم يعزون إلينا النقص في العقل والآداب ولا يبالون بما سيرجع بالدعوى عليهم في فصل الخطاب، على أن أفلاطون اليوناني وسقراطها ولقمان العرب وسجانها وأمثالهم من مشاهير العالم العلمي لو تركوا لحالهم وتعاملوا بمعاملتنا هذه لكانوا أدنى رتبة في الغباوة وأكثر نقصًا في القوى العقلية حتى لكانوا يعدمون النطق أصلاً أو حجر عليهم منذ الطفولة في معزل عن البشر، فلنسجد لله شكرًا على عنقنا من ربقة الأسر وتبدل عسر أمرنا باليسر في ظل سيدنا ومولانا السلطان عبدالحميد أطال الله عمره بالعز والنصر والإجلال إلى الأمد المديد، فانفتحت لنا بأيامه المكاتب والمدارس وأحيى من معالمنا ما كان دارس ونبغ منها آنسات مجيدات اشتهرن بالفضل والآداب وجميع
محاسن الصفات، فها أنت منهن يا ذات العفاف وقد جئت بواحدةٍ تعد من المحسنات بألاف ألا وهي تلك الفتاة الوحيدة باكورة الآداب المفيدة، فتسابق لاستقبالها السادة والسيدات وتلقوها ترحابًا على الراحات ثبت الله فؤادك وأنالك من هذا السعى المشكور مرادك أمين.
على نوفل
في كانون الثاني سنة63
«الفتاة» نشكر لاحساسات وغيرة سيدات وطنى (الفيحاءِ) الفاضلات وكرائم عشيرتي المصونات مما رأينا بهن من عواطف الحب والوداد، بإقبالهنَّ على معاضدتی بالفتاة، وهي الغيرة الناجمة عن محبة الجنس والوطن، فجزاهنَّ الله خيرًا وعليـه تنشدهن الفتاة قائلة:
تأمُّ ربوعكم شوقًا فتاة …… إلى الفيحاء تنسمها أصولُ
تود بأن صحايفها تباهی…… بأسماكم ويكفيها القبولُ
“هند“
العلم نور
من الواجب علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى ثم رجال عصرنا الذين منحونا حقوقنا بتشييد المدارس لتعليم البنات، فخرجن منها عالمات بما لهن وعليهن من الواجبات، بعد ما كان لهن من الضيق الذي نرى غمامه متلبدًا فوق رؤوس البعض منا ليحجب عنه نور الحقيقة، ولم تزل سراديب الأوهام تتخلل ديارنا الشرقية حتى يتخيل للمار فيها أنه في ليل داج من الجهل، وقد يعسر على أعظم الفلاسفة أن يكشف حجاب الغفلة عن عقول ذلك البعض ويجرهم إلى ميدان الحقايق.
وقد رأيت مما أذهلني ممن لا يعرفن إلَّا ما علمتهن الطبيعة، وهو أني زرت إحدى صديقاتي يومًا لأهنيها بمولود أتاها، فلما دخلت منزلها وجدت به جمعًا غفيرًا من السيدات وقد أتت والدة النفساء إلى مجلسنا مـتـرحـبـة بنا، فأخذنا نتسائل عن المولود هو أنثى أم ذكـر فـمـالت نـحـوى جدته، وقالت لي بصوت منخفض هـو ولد فاحفظي ذلك في سرك لأننا لا نحب أن نعلن ذلك إلَّا بعد السبوع، فقلت لها ولماذا تخفون الولد إلى هذا الوقت تبسمت وقالت لأن الولد مفضل عن البنت، فقلت بماذا مفضل عنها قالت لأن الولد حينما يولد تهتز له السبع سماوات وتفرح له الملائكة، وأما البنت فتبكى الملائكة يوم وجودها في الحياة، فقلت ولماذا إذا لا تريدون أن تظهروا خيرًا تفرح من سماعه الملائكة وتهتز منه السماوات وعلام تبكى الملائكة منها وما الذي تفعله البنت من السيئات حتى تتكدر من وجودها، فقالت إن البنت إذا قعدت في البيت ثقل بركته حتى أن الفيران يدخلون في الشقوق يوم ولادتها. قلت وما السبب في ذلك قالت لأن البنت مكروهة وأقل من الرجل عقلاً حتى إن الله سبحانه وتعالى جعل نصيبها في الرزق بقدر نصف الولد، ولا يخرج من يدها أن تعمل شيئًا غير أنها تأكل وتشرب، وأما الولد فيشتغل ويصرف على البيت قلت: نعم هو كذلك، ولكن لو تعلمت البنت لصارت مثله تعمل كل ما يعمل وتكتسب كما يكتسب هو، فقالت بعد أن رمقتني بعين الاستغراب لا لا يا بنتي أنت عندي عزيزة استغفر الله أنحن إفرنج حتى تعلم بناتنا كالرجال ما عاز الله فقلت كيف أن الأفرنج يجوز لهم أن يعلموا بناتهم ونحن ما الذي يمنعنا من تلك الإجازة قالت: لأن نساءهم يخرجن بدون ستر قلت وما أدخل الستر في التعليم؟ هل العلوم لا تدخل من وراء الحجاب أم كيف أفيدني أفادك الله يا سيدتي؟ قالت نعم يا بنتی سألتيني ربنا يهديك يا حبيبتي أنا أخبرك بالحقيقة، هو أن تعليم البنت القراءة والكتابة مكروه عندنا هذا لا يصح إلَّا عند النصارى فقط، وأمـا عند المسلمين فلا يجوز أبدًا، فقلت لماذا فتحت المدارس لتعليم البنات إذا كان كذلك قالت لأن الناس صارت تقلد النصاري في كل شيء حتى صاروا يغيروا لسانهم، ومن غير لغته غير دينه عندنا لا يمكن ذلك لأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يكره المرأة التي تفك الخط وتعرف القراءة. قلت: من أخبرك يا سيدتي بذلك ونساؤه صلى الله عليه وسلم كن عارفات روايات الأحاديث، وكانت أحبهن إليه أكثرهن رواية وهي السيدة عائشة، فأجابتها إحدى النساء الحاضرات بقولها إن أمينة أمه لا زوجته فقالت: لا لا أمه اسمها خديجة كما أخبرتي بذلك الأفندي «تعنى زوجها»، فقالت لها أخرى ألم تعلمي أننا عندما نقوم من النفاس تعلمنا الداية بقولها (قولي نويت طهر ستنا عيشه وستنا خديجة وستنا آمنه أم الرسول)، فكيف تقولي أن أمه اسمها خديجة، وإذا كنتى لا تصدقيني أسألي الداية فإنها موجودة وكثرت بينهنَّ المجادلة وارتفعت الأصوات وكثر اللغط، وفيهن مثل هذه الحالة وإذا بالأفندى المذكور قد شرف إلى غرفة ثانية ووصل إلينا الخبر بقدومـه فـحـمـدت المولى الذي أتى به ليكون السبب في حل هذه المباحث العلمية والمجادلة الفلسفية، فهرعت زوجتهُ إليه لتسأله وتستفيد بأيتهما أم النبي صلى الله عليه وسلم أهي خديجة أم آمنة فقال لها: إني لا أعلم وسأكشف على الكتاب ولكني أظن أنها خديجة، فرجعت إلينا تلك السيدة فرحة بما قاله زوجها وقالت: ألم أقل لكم إنها خديجة الأفندي عارف، وهو الذي أخبرني أن القراءة مكروهة للنساء حتى أنهُ لما ذهبنا إلى تربة المرحومة بنتى وقعد ابنى محمد يقرأ سورة مريم، فأسكتهُ الأفندي وقال له: يا ابني لا تقرأ سورة مريم أمام النساء لأنهم لا يجوز لهم أن يسمعوها،فقلت لها وما الذي في سورة مريم من المكروه للنساء قالت: لأنها أصلها كانت نبية وكانت لنا ثم أخذتها النصارى وعملوها نبيتهم؛ فلأجل ذلك لا يجوز لنا أن نسمع سورتها فلما سمعت هذا النبأ العظيم نهضت وخرجت وأنا أحمد الله الذي عافانا وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلاً.
وتركت هذه المجادلة والمناظرة التي لا ينفع فيها أسانيد ولا أدلة حتى ولا شهادة الداية التي استشهدن بها في مناظرتهن، فتأملوا يا رجال الشرق كيف إن الإهمال يوقع بالخسران وكيف تأملون النجاح لأولادكم والراحة لأرواحكم وأنتم أو بعضكم تتقلبون على فراش السذاجة والجهل، كيف يجد المرء منكم لذة الحياة وعقيدة بيته ومبنية جرثومة بنية بهذه الصفة، هذا وأني أعلم أن لثلاثة من هؤلاء النساء اثنى عشر بنتًا، فلصاحبة المنزل وهي المتكلمة أربع بنات ولسلفتها التي استشهدت بالداية ثلاث بنات ولابنتها خمس بنات، فإذا كان يخرج من بيت واحد اثنتى عشر بنتًا يعمـرن ١٢بيتًا على أساس من الجهل فلينظر ذوي الألباب.
وهذا غير ما عند السيدات الموجودات في ذاك المجلس، فإني لا أعلم ما لهن من البنات حيث لم يسبق لي بهن معرفة.
وإليكم أوجـه خطابي يا بنات الشرف فـاحـرصن على اكتناز دور المعـارف والمثابرة على الكد في استحصال نفائس العلوم لتعلمن كيف تكون لذة الحياة.
وهذه جريدة الفتاة قد برزت من وراء حجب الخدور، لتمهد لنا سبل الوصول إلى حضارة التمدن والآداب، ولا غاية لها إلَّا النهضة الأدبية لجنسها النسائي فعلينا بمعاضدتها ومؤازرتها لتصل معها إلى طريق النجاح، فنعرف ما لنا وعلينا من الحقوق الأدبية والواجبات الإدارية الموكول أمرها إلينا أعنى بها إدارة البيوت وتربية الأولاد.
وما نشرت لكنَّ هذه العبارة إلَّا كشاهدة نعلم به كيف أن الله سبحانه وتعالى قد خصنا بنعم لا قدرة لنا على آداء الشكر الموازي لهـا، ولكي يطلع على رسالتي هذه العموم ويروا وجوب تعليم البنات أرسلت منها نسخة إلى جريدة النيل الغراءَ حتى يعلم الكل أن كل أمة من الأمم لا تثبت بها جدور أشجار الثمن إلَّا بتعليم نسائها، كما أن لا يعمر البيت إلا بإقامة الأساس وتثبيته على قواعد متينة، وكأننى أسمع صرير أقلام ذاك الشاب الذكي ربيب مهد الفضيلة والآدب محرر جريدة لسان الحال الغراء يناديكن من مدينة لندن بأن هبوا إلى اكتساب الفضائل وارتشاف كؤوس العلوم والتحلى بحلية الآداب، وأن لا تجعلن للجهل بينكن طريقًا ولا تذعنن للكسل فإنه بئس الرفيق.
ومن تريد منكن أن تحقق ما أقوله فلتطلع على عدد (١٤٧6) من جريدة لسان الحال تلك الجريدة المحبوبة منا العزيزة لدينا، نعم هي التي كانت الرابطة الوحيدة لنا بروابط أدبية تلك التي طالما حنت إليها القلوب وتشوقت لمطالعتها الأبصار واستفادت منها العقول.
وبلسانها كنا نسمع خطوات أفكار بعضنا البعض رغمًا عن بعد المنازل والبلدان وإحالة البحور بيننا والجبال، وهناك تعلمن ما نثره من الدرر ذلك الفاضل ومـا نمقه براعه البارع من الترحاب لمجلة فتاتنا، وما وجهه الينا من التنشيط والحض على تشييد دعائم العلم ونشره بين أفراد العالم النسائي، فلنشكر لهذا الشهم بلسان فتاتنا على تلك الاحساسات الشريفة التي تعرب عن المرؤة وحسن مكارم الأخلاق.
زینب فواز
في 18 يناير سنة 93
“مس بنتلي“
مصر في 10 فبراير سنة 93 لصاحبة الجريدة
این ولسون الاسكوتلاندي الجـبـار الذي كان يرفع بأسنانه 78 أقـة ويحمل على كتفه نصف طن وعلى يده حصانًا صغيرًا، ويسير به قليلاً ويوقف العجلة وهي سائرة سراعًا وأين ميلون دوكرتون الذي كان يحمل ثورًا على كتفيه بل مورسی دوساکس الذي طالما كسر نعال الخيل التي يقدمها له البياطرة لهذه الغاية وأين بروستريس المصرى والامبراطور مسكيمليان وغيرهما من أعاظم الأشداء وأكابر الأقوياء. من هذه الفتاة الإنكليزية الجنس الهيفاء القد النحيلة القوام التي حازت قصب السبق في قوتها على صناديد الرجال، فإن ما أبدته في كوبنهاغن (عاصمة الدنيمرك) يوم الاحتفال بعرس عظمة الملك والملكة الذهبي من معجزات القوة دليل على اقتدارها ونشاطها, وكيف لا وقد وقفت في منتصف ذلك النادي الملوكي الرهيب المحفوف بحضور كل من جلالة القيصر والقيصرة وملك اليونان وسمو البرنس أوف ولس وغيره من الأمراء والأميرات، ومع علمها الأكيد بما لعظمة القيصر من عظيم القوة وسمو الهيبة رفعت في يدها عصا البيلياردو، وأشارت إلى الملك جورج اليوناني أن يأتي ويمسك برأس العصا ویشد به نازلاً حتى يمس الأرض إن كان من القادرين، فتقدم الملك وفعل ذلك بفارغ قوته وملء، اجتهاده فلم يستطع إلى إنفاذ المرام سبيلاً.
وقد استغرب القيصر هذا الأمر ونهض إلى حيث أخذ برأس العصا وجذبه نحو الأرض بعنفٍ، فاهتزت الفتاة والعصا معًا ولكن على غير فائدة إذ لم يقدر أن يصل بها إلى الأرض، فتركها القيصر ومد يديه إلى الفتاة ورفعها إلى ما فوق رأسه ثم أنزلها إلى موقفها بكل لطف وبشاشة، فقالت له بفم الاحترام والوقار أن عظمة القيصر لا يستطيع ما فعله الآن إلَّا بإرادتي وبالامتحان يكرم المرء أو يهان، فتبسم القيصر وأمرها أن تجمد في مكانها فوقفت الفتاة كما أمرت فتقدم القيصر ليرفعها كالعادة، قلم يرَ بين يديه إلا عمودًا من حديد لا تزعزعه رياح القوة فتركه والتفت نحو الحضور، وقال إنني لم أرَ في زماني أعظم من قوة هذه الفتاة الحسناء فسبحان الواهب الكريم.
ثم وقفت المس المومأ إليها تجاه الحائط وألقت أصابع يديها عليه، وقالت النشيط منكم يقدر أن يدفعني إلى هذا الجدار، فعاد إليها القيصر ودفعها دفعة تهتز لها الجبال ولكنها لم تؤثر في جسم الفتاة شيئًا، فازداد القيصر اندهاشًا واستدعى حينئذٍ أقوى رجل من الحضور، وأوقـفـه ودفـعـه بيـد واحـدة دفعة كادت تلصقه في الجدار حتى استغرب الموجودون ذلك، كما استغربوا قوة هذه الغادة الهيفاء ثم جاءت الفتاة على كرسي وعليها رجل ما ومسكتها بالسبابة والابهام ورفعتها عن الأرض إلى مقربة من صدرها وانزلتها بتوازن إلى مكانها ثم رفعتها ثانية كالأول بعد أن جلس عليها القيصر وعلى ركبته الملك جورج ثم رفعتها ثالثة وعليها أربعة أشخاص يزنون مع الكرسي ٨٤٠ ليبره ما عدا ثقل هيئة الملوك وأمراء الجالسين على الكرسي ثم فعلت بعدئذ كثيراً من المعجزات الغريبة بالنسبة لقوة الإنسان، وقد أعلن العلماء أن مثل هذه القوة الغربية لا تصدر إلا من كثرة القوة المغنطيسية في الجسم.
هذا وقد كنا بين الشك واليقين فيما نقلته الجرائد عن هذه الفتاة حتى جاءت بنفسها إلى مصر في شهر يناير الماضي، وعرضت هذه المعجزات في إحدى الليالي الزاهية بجم غفير من الأفاضل والأعاظم بين وطنيين وأجانب وأسياد وسيدات، وكان من جملة ما فعلته أنها مسكت في يديها عصا بطول متر ونصف وطلبت من أيِ أراد من الحضور يمسك العصا ويدفعها إلى الوراء إذا كان ذلك لديه مستطاعًا، فتقدم الجميع وعادوا بغير نتيجة وقد بذل حضرة أحمد بك شفيق جميع قوته توصلاً لهذه الأمنية، فتكسرت العصا وظلت الفتاة واقفًة كما هي ثم فعلت فعلة الكرسي كما تقدم ووقفت مستقدمة إليها كل رجل يريد أن يرفعها عن الأرض كما رفعها القيصر بإرادتها فجاءها كثير ورفعوها باختيارها لكنهم لما وقفت وقفتها الحديدية لم يقدر أحد من الحضور على اهتزازها ورفعها فسبحان الخلاق العظيم.
“هند“
باب تدبير المنزل
غير خافٍ على كل ذي لب بأن تدبير المنزل من أعظم الأمور المحتاج إليـهـا الإنسان في عصرنا الحالي احتياج الأرض إلى المياه. كيف لا وهو علم يعرف به اعتدال الأحوال المشتركة بين المرأة وزوجها وأولادها وبيتها وخدمها وطريق العلاج للأمور الخارجة عن سبيل الاعتدال، وقد وضعه العلماء وقررته المدنية توصلاً لدوام الانتظام في كل حـال من أحوال المنزل المادية والأدبيـة ليتمكن صاحبه من رعاية الحقوق المتبادلة بينه وبين كل فرد من أعضاء بيته، وبذلك يعتدل سيرهم ويكسبون السعادة العاجلة والآجلة.
وليس المراد بما ذكر في المنزل هو البيت المكون من حجر وخشب كلا بل به الوئام والوفاق بين الزوجين والوالدين والأولاد والخادم والمخدوم والمتمول والمال إلى غير ذلك من مواجب هيئة الاجتماع في كل زمان ومكان.
وقد اتخذ العرب عن اليونان فن الاقتصاد المعروف عندهم بالأيكونوميا بقصد تنظيم أحوال العائلة وما يتعلق بشؤونها المؤلفة من أهل البيت والخدم حتى ومن سائر متعلقاتهم أيضًا.
وقد كتب بهذا الموضوع الفيلسوف زيتوفون وأرسطوطاليس ما مفاده أن العائلة في عصرهما كانت عندما ترتبط بالعلاقات المادية والأدبية مع بعضها بعضًا تتكون منها الهيئة الاجتماعية وتصير أساسًا للنظامات العمومية السياسية والإدارية التي بنيت على ثلاث دعائم أساسية، وهي سيادة السيد وسلطة الأب وفضل الزوج.
فرب البيت يقوم بحسن تدبير المصالح واتخاذ ما يلزم من الخدم وتشغيلهم وسياستهم وما يتعلق بمصالحهم مع حسن سياسته مع الأولاد وتعليمهم الطاعة والآداب والعلوم والمعارف وما لهم وعليهم من الحقوق المادية والواجبات الأدبية ثم حمايتهم للوالدة والمحافظة عليها وعلى نسائهم، والقيام بما تقتضيه من الحقوق لأحكام سياسة منازلهن مع أولادهن وخدمهن.
أما المتأخرون فقد جعلوا هذا العلم تحت اسم التوفير والاقتصاد السياسي ولهم به کتب عظيمة الأهمية والفائدة.
وبناءً على ما تقدم نستلفت حضرات مكاتباتنا الفاضلات إلى هذا الموضوع المهم لما فيه من اللزوميات للجنس اللطيف، فضلاً عن كونه للمرأة أفقًا تدور على محوره بدور كمالها وكواكب آدابها وتسطع من برجه شمس معارفها واستعدادها، فتعلم ما عليها من الحقوق والواجبات لنفسها ووالديها وزوجها وأولادها وبيتها وخدمها وآلها وذويها ووطنها.
في الأخلاق والـعـوايـد
(تابع الخطبة والصداق والأعراس والزغردة والجلوات والمراقص)
«تابع الأفراح الرياضية»
“لحضرة وكيلتنا الكاتبة الفاضلة السيدة زينب فواز بمصر»
ولما دخلنا من الباب وجدنا فسحة بأربعة لواوين وجميعها مفروشة بالقطيفة والحرير وفي وسطها نجفة «ثريا» بثمانين شمعة وفي كل ليوان مرآة متوسطة الحجم.
ثم دخلنا إحـدى الغـرف فـوجـدناها مـفـروشـة كـالأولى بالقطايف والحـرير والكرنيش المذهبة والشماعدين الفضية والنكفات البلورية وكنايات وكراسی مختلفی الشكل والجنس والزهور الصناعية، وفيها رسم والد العريس ووالد العروس ورسم شقيق العروس.
ثم انتقلنا بعد ذلك إلى غرفة الفضيات التي حدث عنها ولا حرج، ففيها ضمن دواليب من خشب الجوز المنقوش ثلاث صوان كل منها أكبر من الثانية دائرًة وعلى كل جنب منها ١٢صحنًا بأغطيتها 3 وملاحات و۷۲ملعقة و٧٢شوكة و٧٢سكينًا و3كاسات للشوربا و4 طشوط و4 أباريق لغسيل اليدين وصينية للمربا كاملة بأدواتها وطاقم للشاي.
ورأينا فيها ٢٤ قطعة لأغطية القلل و٢٤قطعة منافض للسجاير واقطع على شكل سبت من خوص لوضع السجاير و4 مرآت من الفضة و3 أناجر كبار لوضع الخرقان و3 للحلوى و3 للسمك و7 للفاكهة وقمقمين ومبخرتين وصينيتين للشريات على كل منهما ۱۲ كباية بأغطيتها وقلتين كبيرتين و١٢كباية للماء ومنقلاً للنار موضوعًا على صينيه وفوقه مكبة وجميع ذلك من الفضة الخالصة.
ثم دخلنا إلى غرفة الطعام فوجدنا فيها مائدة مربعة الشكل وعليها كرسيًا وهي كاملة متممة بدواليبها ومصابيحها ومفروشاتها وستايرها.
ثم انتقلنا منها إلى غرفة الحمام، فرأينا فيها كل ما يلزم للرجال والنساء من مرآت ومفروشات ومصابيح وقباقب فضة مذهبة إلى غير ذلك مما لا يسعنا وضعه.
ومنها إلى غرفة الصيني فوجدنا ما يعجز القلم عن وصف ما فيها من الأواني الصينية والهندية والأوربية الفاخرة، ومن أعظم ما رأيت بها طاقم صغير للطعام، وقد كان لحضرة شريفة هانم وهي صغيرة وقد رتبته بيدها فحفظته تذكارًا لأيام طفولتها.
ثم صعدنا إلى الدور العلوي فـوجـدنـاه كـأنه جنة فوق الأرض متممًا كاملاً بمفروشاته وأدواته، ومن ضمن مفروشاته مخدتين مستديرتين «شغل الطاره» وهما شغل يد العروس وهذا لا أقدر أصف ما رأيته من المفروشات الثمينة والأواني العظيمة.
ثم دخلنا إلى الغرفة المختصة لجلوس العروس، فرأينا فيها ما يذهل العقل ويخطف الأبصار حتى يخال للداخل إليها أنه في جوف الشمس لما فيها من بهارج الأواني الذهبية والفضية والجركاش والمصابيح المختلفة والأزهار البديعة بشكلها وألوانها وصفاتها التي يستوقف الأبصار ويدهش الأفكار.
أما الغرفة ففيها سرير من المعدن الأبيض كأنه عرش بلقيس وفـوق سطح السرير كرنيش عريض كأنه التاج على رأس الحسناء وعليـه نامـوسيـة من الحرير الأحمر القاني مشغولة بالقصب الأبيض ذات سحف يتدلى بوشاح فضي وجميعه كأنه سبيكة من ذهب، وفوق المرتبة ملاية مصنوعة من الزرد الفضى «شغل الأبرة»، وهي من شغل يد العروس وكل ما فيها يمثل ضو القمر كما أن غرفة الجلوس تمثل نور الشمس.
وفوق طاولة غسيل الوجه أربع فوط من الحرير الهندي مشغولة بالقصب الفضي يتخلل أطرافهم اللؤلؤ المنظوم، وإلى جانب السرير طاولتان على أحداهما الجواهر والحلى المختصة بالعروسين.
فالحلي التي أهدتها العروس للعريس موضوعة على صينية من الفضة، وهي طاقم زرار للقميص من مـاس ودبوس من الماس لرباط الرقـيـة وعلـبـتـان للسـجـاير مرصعين بالحجارة الكريمة وفم سيجارة من ماس وأربعة منافض سيجارة من الذهب المرصع بالماس وأكياس لوضع الدراهم من ذهب وفضة وكلها باللؤلؤ الكبير وفرشه (حواك) للأسنان ملبسة ذهبا وقالب للطربوش فضة (صب) ومغطى بغطاء مشغول بالقصب واللؤلؤ وثلاث بقج لؤلؤية.
وأما حلى العروس وجواهرها فهي من أبدع الحلى والجواهر مؤلفة من صينية من فضة وعليها تاج مرصع بالزمرد والياقوت والماس كتاب إمبراطوري.
وكردان الماس يملأ الصدر وفي منتصفه حجر الماس قدر ربع ريال مصری وحزام ذهب قفلة الماس، وفيه حجر من الزمرد قدر ربع ريال وأساور من ماس وساعة سلسلة ذهبية ذات حجارة كريمة وبروش الماس نظير الكردان وبروش ثاني أصغر منه ودبوس الماس على شكل زهرة الياسمين وجوز حلق الماس كبير، وآخر زمرد والماس ومشط لشبك الشعر، وهو كرسم التاج “من ذهب» وسلسلة ذهب وبندقي و٢٦ اسورة ذهب «غوشه» وثمانية أكبر منهما «ذهب» محلات باللؤلؤ و7 دبابيس في رأس كل منهما لؤلؤة وبأسفلها ماسة على رسم اللوزة عارية عن شي يمسكها بل أنها مشبوكة بسلك رفيع ومدلاة، وهي تلمع بنورها كالنجم الساطع.
ثم دخلنا إلى غرفة ثالثة للنوم، وهي أقل درجة من الأولى ووجدت تحت السرير هذا «شبشب» مـشـغـول باللؤلؤ وعليه رسم الوردة من الماس، وهو غير الحذاء الذي ذكرته لك في الرسالة الأولى ومنها دخلنا إلى الغرفة الرابعة فوجدناها على أتم نظام وأحسن إتقان وفيها من المفروشات والأواني الفضية كما وجدنا بالأولى، ومنها دخلنا إلى غرفة الفرش فـوجـدنا من صنف المراتب 60 منهم 40 بالقماش المختلف الألوان و۲۰۰لحاف من حرير وقصب و٢٠٠ وسادة و15 بقجه منهم 3 مطرزات باللؤلؤ و 3 محارم مشغولات باللؤلؤ أيضًا.
وفي يوم الخميس خامس يناير خرجت العروس شريفه هانم أفندي لزيارة حرم والدها المصون بعد أن قدمت واجب الشكر لصاحبة الدولة والعصمة والدة الجناب العالي المعظم.
«البقية تأتي»
في المرأة وواجباتها وحقوقها
ليون «فرنسا» في ٢٣ يناير سنة 93
حضرة مديرة الفتاة مداموزل نوفل المصونه
أخبرني أحد أدباء السوريين عن مجلتك العلمية الأدبية، وأنها باكورة الجرائد النسائية في الشرق، فسررت لهذا الخبر وأنا على يقين بأنها ستكون مقدمة النهضة الأدبية في القطري المصري والسوري، وحيث أني من اللواتي يودن لنساء الشرق كل خـيـر ونجـاح وخصوصًا بعد زيارتي سـوريـا ومـصـر في سنة 1876 وسنة 1887 ومعرفتي ببعض سيدات أدبيات فـاضـلات أتقدم الآن بتهنيتك في مجلتك الأدبية النسائية، وقد كفاك بها فخرًا أنها أول جريدة شرقية للجنس النسائي، فأثبت بموقفك العظيم الذي تفـتـخـر به عظيـمـات الغرب وحـبًـا في الجنس والشرف العظيم أعـدك بمواصلة فتاتك بما استطعت إليه سبيلاً، فأقبلي عظيم شكرى وفايق احـتـرامي لشخصك الكريم.
«روزا إيلتون»
« الفتاة» مع الشكر والامتنان لحضرة هذه الفاضلة الأديبة نثبت رسالتها المعربة بقلم حضرة الفاضل الأديب خليل أفندي مطران وهي بحرفها الواحد:
(مكان النساء الاجتماعي والسياسي من القانون الحديث)
إن الموضوع الذي تكلفت على ضيق ذرعى أن أخاطبكِ به يتسع للقانون العمومي والقانون الخصوصي بحيث يتناول حقوق العامة وكل من الأفراد.
فما هو مركز المرأة من القانون الحديث اجتماعيًا وسياسيًا أي في هيئاتها الاجتماعية والمدنية.
وهذا السؤال يؤخذ جوابه من ثلاث مصادر وهم الأسرة (الهيئة العائلية) والمجتمع المدنى والمجتمع السياسي.
فالنساء قد سألن في الأسرة إطلاقًا أوقى للمتزوجة منهن أي أكثر استقلالاً، وفي المجتمع المدني دخولاً في كثير من الصنايع والمهن التي كانت من قبل مخصوصة بالرجال. وفي المجتمع السياسي نصيبًا من الحـقـوق العـامـة وخصوصًا من حق الانتخاب.
وربُّ قائلة منكن أيتها القارئات الكريمات، إن مطالب النساء وبالأخص حقوقهن السياسية ولا سيما في فرنسا لا تزال تحت سلطة التخيل، وإنها لم تخرج حتى الآن إلى عالم الوجود إتماماً لأمانيهن.
فأنا أجيب تلك القائلة بمباحثتها في هذا المعنى على صفحات هذه المجلة الجديدة التي هي باكورة الجرائد النسائية في بلادكن الشرقية الجميلة، والتي أرجو لها كل إقبال ونجاح رجاء عارفة أن هذه المنية لا تكفل إلَّا بمساعدتكن لها بحيث يمكنكن معاضتها وإسنادها في خطتها الحميدة التي تعود على بناتكن فوائدها.
وحيث أرى بأنني قد قضيت واجـبًـا فيما ذكرت عن هذه المجلة فـأعـود إلى موضوعي الذي لا بدع أن يكون المتداول بينكن في هذه الأيام.
فلا خفا إن أول فتاة قبلت في فرنسا دكتورة المحاماة هي كريمة آل شوفين، وقد كانت منذ أشهر تبحث أمام أساتذة مدرسة باريس في موضوع المهن الممكنة للنساء وكانت هذه المدرسة قبل ذلك قد كللت مبحثًا شهيرًا للخاتون أوستروغورسكي في المرأة من حيث القانون العام وعليه تكون هذه المسألة من مسائل التي لا تزال متداولة لهذا العهد، كما تقدم فأعد حضرات القارئات بمقالتي الثانية عن أفكار كريمة شوفين وخاتون أوستروغورسكي على حقوق المرأة.
واكتفى الآن بأن أظهر لهن حالة ما وصلت إليه المرأة، ففي خارج فرنسا لا تسمع إلَّا دويًا بشأن المرأة وحـقـوقها، وهو أشد وأقوى منه في بلادنا الفرنسية وقد اجتمعن في الشمال بموثر تتناظر معتمداته وخصوصًا في فيانا على وجوب تربية الإناث وتدربهن إلى الصناعات والحـقـوق السياسية، وفي الجنوب من وراء البـحـر الأتلانتيكي قد تألفن في واشنطن ليرشحن إحداهن لرئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة الأميركية.
بدعواهن أن الفوضى والذنوب والكحوليات لا تمحى عن وجه الأرض إلَّا بهمم النساء المنتخبات، وكذلك لا نرى أن مطالب المرأة هي أعظم حزبًا في البلاد الإنكليزية السكسونية منها عند الشعوب اللاتينية ولعل ذلك من سبب ناشئ في الطباع والأخلاق ولكن معظمه في الرد الفعلي الناشئ في هذا الأوان من أمر كانت النساء الإنكليزيات السكسونيات مظلومات به، فلما تحررن منه انتقمت لهن الطبيعة بما دعتهن إليه من الاهتمام في المطالب السياسية وخصوصًا ما كان من قساوة القوانين القديمة في السنن الخصوصية القديمة حيث كانت الفتاة منهن إذا تزوجت تجردت منها أكثر حقوقها وصارت حقًا إلى زوجها، ولا تعد قادرة على الحصول عليها ولو أراد زوجها أن يأذن لها بها.
على أن المثريات منهن كن يتذرعن لكل وسيلة يقدرن عليها لتغيير هذا القانون المخل بحقوقهن، حيث كانت البنت به قبل الزفاف تكتسب ما ملكت أيديها باسم رجل أمين تأتمنه على دخلها، فضلاً عن اللواتي كن مصابات حقيقة بسهام الطالبين لأن الرجل كان يتناول ما كسبته زوجته من شغل يدها وينفقه على الخمرة والنساء، ولا يبالي بمعاش زوجته وأولاده ولوازم البيت وإذا شكت المرأة زوجها على سوء تصرفه يعود عليها بالعقاب الشديد، فيزيدها قسوًة وينتقم منها حنقًا بحيث تصبح معه لذة الحياة مرة ولا يسمح لها القانون بالطلاق أو الهجران إلا بدفع مبالغ عظيمة من المال لا تقدر على دفعها من كانت أسيرة لشهوات زوجها وجنائها منقاداً إلى أمره يتصرف به كيفما شاء.
وبالجملة فإن النساء عامة من غنية وفقيرة كن تحت أمر الرجل من الحقوق بل كن بـعـد مـوت أزواجهن لا يحق لهن التصرف في إرث الأولاد، حتى إن الآباء في وصايتهم يمنعون الصلات بين الأمهات والأولاد ودام ذلك القانون إلى عام 1860.
تلك كانت حالة النساء إلى أن قام الفيلسوف الكبير ستيوارت ميل وكتب كتابة في استعباد النساء أما اليوم فقد انقلبت الآية وأصبحت المرأة الإنكليزية متصرفة بنفسها حرة في محاصيل شغلها وفي المبالغ التي تستثمرها وما تملكه يدها من أثاث وعقار، ففاقت بذلك المرأة الفرنساوية ولم يسبقها في حـومـة هذا الميدان إلَّا المرأة الأميريكية التي لا قيد عليها من زوجها كما يتبين من ذلك من القصة الآتية وهي:
إن امرأة أتت قنصلاً للولايات المتحدة للتوقيع وكالة وبرفقها زوجها، وقد استعد للتوقيع الذي يؤذن لامرأنه بذلك، فأوقفه القنصل عن التوقيع وقال له من أنت قال أنا زوجها الشرعي، فأجابه بلطف وأدب لا حاجة لك بذلك بل يكفيك أن تكون شاهدًا لا عاملاً وتم الأمر على هذه الصورة.
وعليه يكون الانقلاب تامًا في أمر النساء بهذا اليوم من حيث القانون الخاص الذي كان لتغييره أعظم تأثير على القانون العام اجتماعًا وسياسيًة، إذ أن المرأة الإنكليزية والأمريكانية عندما أصبحت أمينة على مالها وملكها وحقوقها طلبت التعليم ليكون لها به أعظم مساعد على الحرية والإنطلاق، وإذا تعلمت طلبت الحقوق السياسية بحكم الطبع لأنها اعتبرت نفسها أحق بالانتخاب من رجال كثيرين هي اسمى منهم مرتبة في تثقيف العقل ومعالي الفكر، ولذلك ثارت تلك المعارك من مطالب المرأة في أميركا وإنكلترا كما نسمعه ونراه في هذا الوقت.
أما المرأة الفرنساوية فقد كانت منذ القديم غير مستعبدة للرجل لا من حيث القوانين ولا من حيث الزواج ولا من حيث الأسرة، فإن القوانين كانت تصـرح لها بالحكم والملك وتقول لها احكمي على نفسك وزوجك فإن شئت تصرف بمالك، وإن لم تشائين فلا حق له أن يتصرف به، وإن سلمتيه أموالك فلك الحق أن تسترجعينه منه بأي وقت ترغبين، وإن شئت مزجت مالك بما له أو كان شغل ودخل كل منكما على حدة فلك ما تستنسبين وإن أذنت له استدان وهو معتمدًا على مقتنياتك، وإلا فلا حق له ولا هو مأذونًا بالتصرف بأقل شي منها.
ثم إن الرجل إذا أهانك أو ظلمك فلك بأن تحـاكـمـيـه فيعاقب أو إن شئت أن تتخلصي منه بالهجر أو بالطلاق وهو يدفع لك ما تعيشين فيه.
ثم إن لك حقًا بإدارة المنزل والحكم فيه وأولادك لا يتزوجون إلَّا بمشورتك على الأقل، وإذا فقدت بعلك فأنت الوصية على أولادك شرعًا.
ولما كانت هذه حالة المرأة الفرنسوية كانت أقل اندفاعًا من مطالب سواها لهذا العهد لأن عادة المكتفى أن لا يستدين كمن استحدثت نعمته وزاد في حاضره ما لم يزد في ماضيه على أن المرأة الفرنسوية لم تلبث على حالتها المذكورة بل قد سعت لرفع شانها والدخول في حلقات الأعمال السياسية والحركة الاجتماعية، مما ينبغي لنا أن نبحث في نتائجه فأقول إن أول ما قبلت النساء في الصنائع التي كانت مخصوصة بالرجال كان في خلال عام 1789 إلَّا أن هذا الحق المعطى لهن ظل في حيز القوة إلى هذه الأيام، فدخل في طور العمل وأخذت به النساء تبارى الرجال في ميادين المهن والحرف، وكان ممن أفلحت فيه خصوصًا فن الطب وأول من قبلت من مدارسه في باريس هي مدام مولين بريس بعد أن اجتمع الوزراء للمشورة في مسألتها، واضطرتهم الامبراطورة لإجـابة طلبـهـا ومع ذلك فإنه حتى الآن لا يجد في باريس زيادة عن ۲۰ طبيبة ولا ذلن حتى يومنا هذا ممنوعات عن مـشـاركـتـهـن للرجـال في خـدمـة المستشفيات ولا الممارسة فيها، وقد عينت عام 1886 إحدى النساء معاونة الطبيب الأوبرا الوطني ثم عينت مدام برتيليون حديثًا طبيبة لإحدى مدارس البنات في باريس بواسطة بعض رجال الحكومة.
وأما في الولايات المتحدة يجد نحو 3000طبيبة وفي لندن كثيرات منهن حتى صار أسباب المعاش يضيق بهن، فقصدن بعضهن الهند ويوجد منهن في إنكلترا وفي أميريكا مديرات للمستشفيات بل ومدرسات في مدارس الطب وكلياتها حتى أن 13 دكتورة منهن في نفس مدرسة نيويورك التي جملة أساتذتها 30 والرئيسة على الجميع امرأة.
ثم في كلية بيزا من إيطاليا مدرسة باثولوجيا رئيستها هي مدام كستاني وفي كلية ستوكهلوم مدرسة للرياضة العالية من جملة أساتذتها امرأة.
وقد كان في بولونيا سنة ١٥٣٧ أكثر من امرأة يدرسن الحقوق من دوتا ابنة أكورش الشهير إلى نوفلا الشهيرة التي كانت بجمالها البارع تتبرقع عند إلقاء الدروس.
على أن القانون الروماني كان لا يأذن للنساء بتعلم الحـقـوق ولكن رومـة رأت نساء يخطبن ومنهنَّ الشهيرة هورتنسوى.
هذا وأني لست بباحثة الآن فيما إذا كانت المرأة تصلح للمحاماة الممنوعة عنها في فرنسا وسائر أوربا إلا في رومانيا أما في الولايات المتحدة، فيوجد الآن 150 محامية لدى المجالس الأمريكية ومنهن أصبحن قاضيات في المحكمة الأمينة.
وقد كانت في فرنسا قبل الثورة العظمى نساء قدمن الملك عريضة ملخصها بأنهن يردن أن يتعلمن ليدخلن في الخدمة لا ليغتصين سلطة الرجال بل ليزدن مقامًا واحترامًا ويدافعن عن أنفسهن من طوارئ الفاقة وسوء الحال.
وعما قريب سأتيكِ في رسالة أخرى بشيء من أفكار مداموزل شوفين القائلة في وجوب صلاحية المرأة للمحاماة وغيرها
«البقية تأتي»
رواية
«نائن أو حرب النسائي“
لحضرة الكاتبة الفاضلة الأنسة استير أزهري في بيروت
لما كانت الروايات من أجل العوامل التي تنفي عن قلب الحزين لواعج الكرب وتريحه من المشاق والمصاعب ومعاركة الزمان الذين يكونوا قد حاقوا به وتهبه من الفوائد أنفعها لتهذيبه، ومن الحوادث الذها لتسليته رأت أن أقرع بابها وإن كنت لست من فرساتها وأقدم لبنات الوطن العزيز رواية لا أطيل الكلام في مقدمتها بل حسبي من القول أنها من مؤلفات اسكندر دوماس الشهير الذي اعترف برفعة مكانه في عالم الأدب القاصي والداني لما له من المؤلفات التي هي أشهر من نار على علم وموضوعها إظهار ما للرذائل التي تأتيها الأشرار من التأثير على البررة الاتقياء فتتلفهم، وكل ما يتعلق بهم وتجرعهم غصص المنون من حيث لا يشعرون، وأرجو بأنها ستصادف لدى قراء الفتاة الغراء قبولاً فتجذب إليها سرورهم لأنها والحق يقال حرية بذلك، نظرًا لخلوها من كل ما يوجب تخديش الأذهان أو ما شاكل وبالله المستعان.
الفصل الأول
كان على مقربة من مدينة ليبورن منذ سنوات عديدة قرية جميلة تحدق بها حقول خضراء وحدائق غناء تسر الخاطر وتبتهج الناظر، يزيدها بهاًء مرور نهر دوردوبن في وسطها، وقد قسمها إلى شطرين فعند انعكاس نور الغزالة على مياهه يخال للناظر أنه في فردوس سماوی.
والريح تعبث في الغصون وقد جرى…… ذهب الأصيل على لجين الماء
ولكن الأيام لم تشاء أن تدعها كما هي بل أخنت عليها وسلبتها تلك النضارة إثر ثورة أهلية نشأت بها، فقطعت أشجارها ونضبت مياهها وأقفرت معاهدها وعفت رسومها وتركتها قاعًا صفصفًا تنعق بها الغربان، حتى إن الباحث بها الآن يكاد لا يقدر على اكتشاف ما كان مأهولاً بها حينًا من الدهر.
ففي شهر آبار سنة 1650 وهو تاريخ ابتدا ء قصتنا كانت هذه القرية في أوج زهوها ومعظم إشراقها، فكنت ترى الصيادين على الجانب الواحد من النهر يلقون شباكهم ويسحبونها ملأى من خيراته وبناية عظيمة مشيدة الأركان على الجانب الآخر يتصاعد منها دخان كثيف يكاد يتصل بالقبة الزرقاء، وهو معطر برائحة طعام ذكية تعلمك بالمكان ولولم تقرأ شعاره أنه فندق اكتسب إقبال المسافرين عليه وارتياحهم إليه وإذا قرأت علمت أنه الفندق المسمى بالخليج الذهبي.
ففي مساء أحد أيام شهر (مايو) بينما كان المدعو بالمسيو بيسكاروس عائدًا إلى الفندق التقى بشرزمة يسيرة من الجنود يقودها فارس، وقد تقدم إليه وسأله قائلاً.. هل رأيت يا حضرة الموسيمو بيسكاروس جماعة من صحبي تهم في طلبي.
فسر الموسيو بيسكاروس جدًا لاستماعه أن اسمه يلفظ من فم أجنبي لم تسبق له معرفته من ذي قبل، وافتكر بأن ذلك دلالة على رفعة مكانة وامتداد شهرته وبعد صيته في الآفاق وبين الأنام فخرً اجلالاً، وقال لقد نزل بالفندق منذ هنيهة رجل وخادمة لا غير.
-
امتسلحان هما
-
نعم مولاي وهل ترغب أن أخبر الرجل أنك تريد محادثته
-
كلا لأنه ربما لم تسبق لي معرفته ولكن هل لك أن تصفه لي أو ترينيه دون أن يراني هو.
-
يصعب علىَّ لأنه يروم كما ظهر لى إخفاء نفسه، فإنه أغلق نافذة غرفته حينما رآك ولكنه شاب أهيف القامة نحيفها لم يتجاوز السادسة عشرة من سنه، وهو بالكاد يمكنه رفع السيف الذي على جانبه.
-
لقد عرفت من تصفه فهو أزرق العينين أشقر الوجه يعلو صهوة جواد كحيل ويتبعه
خادم مسنا كأنهُ قد قدَّ من حديد، أما أنا فلست براغب بهِ.
-
إذا فليدخل سيدي منزلي على الرحب والسعة هو ورفقاؤه، وليسترح من مشاق الطريق إذ أني أخالك وإياهم بمكان من الجهد والعناء.
-
أشكر فضلك ولكنني في غاية الانهماك وإذا كنت تتكرم وتفيدني من أين لي أن استأجر زورقا أكون لك من الشاكرين وفي غاية الامتنان.
-
لك بما ترغب فاذهب إلى ذلك البيت المكتنف بالصفصاف فتجد هناك صيادًا يقوم
بما ترغب به.
-
ومن بعد أن شكره على معروف ذهب إلى حيث أشار له، فلقى الصياد ولكنه أخذا يتناول طعامه.
–الاَّ قم وخذ مجازيفك واتبعني ولك مني دينارًا جزاًء لك فأومي إليه الصياد برأسه وهو فرحًا، ونهض من وقته وسار نحو النهر يتبعه الفارس وفرقته ولما انتهوا إلى النهر أخذ الفارس يفحص بارودته بينما كان ينظر على الجانب الآخر منه إلى سهل واسع الأرجاء ممتد الأطراف، وقد شيدت بهِ قلعة تتناهى في الحصانة «تسمى فابر» ثم التفت إلى رفيقه وقال له:
-
هل ترى أحدًا على الناحية.
-
يخـال لي أني أرى جـمـاعـة ولكن شعاع الشمس يبـهـر نظرى ويمنعني عن تحقيق الأمر.
-
لقد أصبت فها هم يتقدمون، ولقد نزلوا بقارب قيامًا بما اتفقنا عليه قبلاً فاذهب بنا أيها الصياد اليهم كي يملون الانتظار.
(المقابلة)
فأطاع الصياد واتجه نحو بناية في منتصف النهر يعلوها راية انذارًا للقادمين من خطر سخرة كبيرة. ولما رأى القارب القادم إليهم اتجاههم نحو تلك البناية مال إليها، وعند اقتراب كل من الآخر قال لأحد القادمين الذي كان يبلغ الستين من العمر وهو طويل القامة عريض الكتفين تشير ملامحه إلى رفعة مكانهُ وعلو منزلتهُ، وكان على رأسهُ قبعة مسترخية الأطراف تخفى جانبًا عظيمًا من وجهه – مالي أراك متنكرًا مولای.
-
سترًا لوجهي عنك
“البقية تأتي“
أهم أخبار الشهر
«المرافع أو الكارنفال»
وموسم الضيف والمضيف
من أعظم الأعياد التقليدية الوطنية لدى الأمم الأكثر مدنية هو أسبوع الكارنفال «المرفع» الذي يرخص للناس فيه باستخدام ساير التقليدات والعوائد في المدن التي عمت بها المدنية، وتوفرت لها أسباب الأمن والراحة، فيتشكل بها الرجل بشكل المرأة والمرأة بشكل الرجل والصعلوك بشكل الجبار والملك بشكل المملوك، وكل من تزيا بزى أمة من الأمم عليهِ أن يكون حافظًا لهيئاتها وتقليداتها وعوائدها وأخلاقها حتى لا يكون التقليد منهُ إلَّا طبيعيًا.
وقد كانت الأمة الفرنسية تلقب هذا الاسبوع بأيام المجون والمسرات، فمن عوائدها القديمة أن موكب الكارنفال عندما يسير في عقد نظامه يتقدمه عجل مسمن مزدان بالزهور والرياحين وأمامه الطبول تدوى وآلات الطرب تصدح إشارة إلى لزوم تسمين العجول بمثل هذه الأيام.
وأما موسم الضيف والمضيف فهو نوع من الكارنفال أو هو نفسه تمامًا، وقد كان مرعى النظام في تقاليد الأمة النمساوية قبل زمن إمبراطورها ليوبولدي حيث كان رب المنزل أي صاحب المضيفة يستقبل الملوك والأمراء (من الجنسين)، وهم متنكرين الوجوه وكل منهم متزيا بزى يخالف الآخر شكلاً وهيئًة، ويقوم بخدمتهم وهم على المائدة، وكانت العادة عند من يريد أن يتخذ لنفسه وظيفة رب المنزل أن يكتب أوراقًا في الأزياء والهيئات وبعضها في صندوق مخصوص ثم يدعى المدعويين قبل أسبوع واحد فيسحب كل منهم من مجموعة هذه الأوراق ورقة واحدة ويعمل بما كان من نصيبه منها بقطع النظر عن المقامات السامية حيث ربما كان من نصيب الملك أو الأمير أن يمثل هيئة فلاح أو نفر جندي، وهكذا الملكة والأميرة تمثل أحيانًا بستانية أو لبائه إذ لم يروا بذلك عـارًا ولا خـجـلاً اعتبارًا لمقام هذا الموسم الذي لم يكن إلَّا للأفراح والمسرات ترويحًا للنفس ورواجًا لحركة الأشغال العمومية التي بها ينتفع الصانع والخادم والفاعل، ولا يضر بالغني والأمير لبذل بعض دريهمات ينفقها لمسراته وأفراحه في سبيل منفعة أبناء جلدته حتى أصبحت هذه المواسم من العوائد التقليدية لا من العقائد الدينية لاشتراك الجميع بها على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم وحيث الشي بالشي يذكر، تذكر لحضرات القراء من ذلك ما كان من موسم الضيف والمضيف إلى صاحب المنزل وصاحبة المنزل.
ففي سنة 1698 مسيحية زار بطرس الأكبر إمبراطور روسيا ليوبولدو إمبراطور النمسا في مثل هذه الأيام تقريبا (أيام المرافع) فرأى الإمبراطور ليوبولدو إكرامًا لنزيله أن يجدد موسم الضيف والمضيف الذي كان قد تقادم عهده حتى كأنه لم يكن شيئًا مذكورًا، فخص لنفسه وظيفة رب المنزل، وأشار إلى زوجته الإمبراطورة أن تكون ربة المنزل أيضًا وأمر عهده الذي كان وقتنئذٍ ملقبًا بملك الرومانيين أن يكون مع أخوته وأخوانه بصفة مساعدين له ولزوجته في هذه المضيفة باستقبال الملوك والأمراء والأميرات والقيام بواجب الخدمة على المائدة وفي مرسح الرقص ثم أمر بسحب الأوراق، فكان منها ما يمثل زي المصريين وأمراء الصين والتـتـر والعجم أو أرباب مشورة الست برومية.
وريثما تم عقد هذا النظام، وأخذ الجنسان في المخاصرة والرقص بحسب أزياء كل أمة وعوائدها في المراقص كان الإمبراطور ليوبولدو وزوجته الإمبراطورة وأولاده وسائر أعضاء عائلته الملكية وقوفًا على القدم يحيون الضيوف، ويقدمون لهم كل خدمة تعود بمسراتهم وانشراحهم بدون أن يروا بذلك عارًا ولا خجلاً، وكان كل من المدعويين يطلب من الإمبراطور حاجة يريدها من الأدوات المعدة في الولـيـمـة، ويخاطبـه كـمـا يخاطب رب المنزل لا بصفته الإمبراطورية.
وممن كان من المدعويين في تلك المضيفة الملك يوسف وقونتس دي ترون وهما على هيئة قدماء المصريين والأرشيدوق كارلوس وقونتس دي ولستين على هيئة الفلمنك في عهد الإمبراطور شارلكان والأرشيدوقة ماريانا والأمير مكسمليان دوهانورة على هيفة شمال الفلمنك، وأمـا بطرس الأكبر فكان على هيئة فلاح إقليم فريرة، وكانوا يخاطبون بلغة ولهجة هؤلاء الفلاحين زملاؤه في المجازوعبيده في الحقيقة.
هكذا كان موسم الضيف والمضيف مرعيًا بين الملوك والأمراء والعائلات في أيام الكرنفال وفي غيرها أيضًا وأما الكرنفال (المرفع) فيزداد رونقًا وبهجًة ونظامًا واتقانًا في المدن التي عمت بها المدنية حيث ملوكها وأمرائها وأعاظم رجالها ومجالس بلديتها يساعدون بالرجال والمال لجان المرافع، ويحضرون بأنفسهم في مراسح تلك الهيئات ویزدادون فرحًا وسرورًا عندما ترشقهم الناس أو ذوى الأزياء المذكورة بالزهور وأنواع الملبس.
وعلى مثل ذلك كانت مصر والاسكندرية في ظهر يوم الثلاثاء الواقع في 15 فبراير سنة ١٨٩٣ مرسحًا عامًا للأفراح والمسرات حيث كان بهما عقد هذا الانتظام مستكملاً لكل هيئة وشكل من الأزياء والمناظر بما لا يقوى القلم على وصفه ولا اللسان عن إيضاحه.
والفضل بذلك عائده لسمو خديوينا المعظم ووزرائه ورجاله العظام الذين أظهروا ارتياحهم ومسراتهم وانشراحهم من هذه المظاهر المسرة، مبرهنين بعواطفهم ومكارمهم على حبهم للوطنية وللرعية، ولا غرو إذا أصبح القطر بأيام سموه المعظم روضًا زاهرًا مثمرًا ومنهلاً صافيًا عزبًا على حد قول القائلة ذات الطهر والعفاف الشاعرة المجيدة عائشة هانم عصمت التيمورية حيث قالت:
ومصر أمست تباهي الكون في طربٍ…… إذ أنت بدر منير في لياليهـا
والبشر يبسم فيها عن صفـا درر …… تزدان في نظمها الزاهي لاليها
لا زال كوكبه العالي يضيء على …… كل البرية قاصيها ودانيها
هذا وقد كان بودنا أن ننشر في صفحات الفتاة كل ما اتصل إليـهـا من المظاهرات المرفعية سواء كان في العاصمة أو بالاسكندرية، غير أننا اكتفينا عن لزوم ما لا يلزم بما نشرته الجرائد الإخبارية اليومية من قبل، والله نسأل أن يديم أسباب السرور والانشراح في أرجاء وادي النيل عموما بظل ظليل الحضرة الفخيمة الخديوية مدى السنين والأعوام.
خطب وأعراس
في الساعة الرابعة بعد ظهيرة ٢٥ يناير الماضي احتفل الإمبراطور غيليوم الثاني بزفاف شقيقته الصغرى البرنسس مرغريت إلى البرنس فريدريك شارل دي هيس في كنيسة القصر الإمبراطوري في برلين احتفالاً محفوفًا بجميع أعضاء العائلة الإمبراطورية وجلالة ملك السكس وسمو ولي عهد روسيا ودوق ادنمبرج وغيرهم من الأمراء والأميرات وعند انتهاء الإكليل أديت مادية ملوكانية ودار الرقص على الأنوار في غرفة القصر البيضا فحضر جميع الوزراء حاملين بأيديهم الشموع المنيرة (وقيل المشاعل) تأييدًا لتقاليدهم القديمة إلى أمام العروسين ودعوهما إلى الرقص ثم داروا حول القاعة، وسلموا المشاعل إلى الغلمان وأخذوا في المخاصرة أما سمو ولي عهد الروسية، فقد أهدى العروس إكليلاً ماسيًا وبعض أواني الشاي غريبة الصناعة عظيمة الثمن.
وهذه العروس هي رابعة شقيقات الامبراطور غيليوم، فالأولى هي البرنسس شارلوت قرينة ولى عهد ساكسونيا ما ينتجن، والثانية البرنسس فيكتوريا قرينة البرنس ادولف دی شوبنورج ليب، والثالثة البرنسس صوفي قرينة الدوق دی سبارطه ولی عهد اليونان.
وفي ٢٥ يناير احتفل بزفاف الأرشيدوقة مارغريت صوفي كريمة الأرشيدوق شارل لويس شقيق إمبراطور النمسا إلى الدوق البروتنمبرج نجل الدوق فيليب (حفيد لويس فيليب) وهي في سن ٢٣ والعريس بسن ٢٨، وقد حضر هذا الاحتفال جميع أعضاء العائلة الإمبراطورية وحضرة ملكة وملك ورتمبرغ ثم توجه العروسان بعد نهاية الإكليل إلى بوهيميا.
ومن أخبار عاصمة السرب أن رجوع الملكة ناتالي إلى الملك ميلان يُعد عرسًا جديدًا، وكانت به الأفراح عظيمة في أنحاء المملكة عمومًا وفي بلغراد عاصمتها خصوصًا، وقد اختلفت الروايات في عقد هذا الاتفاق فمن قائل أنها كانت بعناية جلالة القيصر إذ أمر سفيره في باريس أن يتوسط بينهما بالصلح والوفاق، وقال غيره أن المستر غلادستون هو الساعي في تقرير الصلح بينهما يوم كان في باريس.
يؤكدون خطبة البرنسس لويزا كريمة ولى عهد الدانمرك إلى البرنس أوجين رابع أنجال ملك اسوج ونروج. وإن البرنسس دوبارم عقدت خطبتها إلى البرنس فردينناد أمير بلغاريا.
” من أخبار سوريا ولبنان ومصر والاسكندرية“
زفت حضرة الأميرة كريمة جناب الأمير نجيب أبي اللمع إلى جناب الأمير نسيب نجل جناب الجليل الأمير ملحم حمود شهاب (في لبنان).
وزفت الآنسة اسما كريمة حضرة الوجيه كسرى بك مطران إلى جناب الأديب يوسف أفندى الطباع (في بعلبك).
وزفت الآنسة زهية كريمة جناب الوجيه حنا افندی صراف (من أعيان طرابلس شام) إلى جناب الأديب الدكتور ديمتري أفندي سيوفي، وزفت الأنسة مريم كريمة المرحوم مـخـائيل صـراف إلى جناب الشاب الأديب أنطونيوس أفندى حـسـون (في طرابلس شام).
وزفت الأنسة ماري كريمة جناب الوجيه الخواجا خليل دباس إلى جناب الوجيه جرجي أفندي دباس (من وجهاء مدينة يافا)، وزفت الآنسة روزا كريمة الخواجا جيران قطان إلى جناب الأديب بشارة أفندي عرب وزفت الأنسة حنينه كريمة المرحوم عسیلی إلى جناب الأديب الخواجا بشارة الشامي (وكلاهما من أعيان بيروت).
وزفت الآنسة ماري كريمة جناب الوجيه الخواجا داود ذكور إلى جناب الأديب روفائيل أفندي مشاقه صاحب ومدير جريدة الاتحاد المصرى بالاسكندرية.
وزفت الآنسة برباره توما شقيقة الوجيه الفاضل نقولا أفندي توما إلى حضرة الوجيه الخواجا بطرس طوبيا بمصر.
وزفت حضرة الأنسة كريمة جناب الوجيه عزتلو محمد بك عمر إلى حضرة الوجيه عزتلي محمود بك طاهر بمصر.
(أفراح آل منشى الـكـرام)
من وقف في سراي أرملة المرحوم البارون باخور دى منشي في الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الخميس الواقع في 16 فبراير وراى آل منشى الكرام يحتفلون بزفاف كريمتهم المصونة الأنسة «مداموازل» مرغريت إلى جناب الوجيه الخواجا جاك اجيون ومن حولهم سراة الثغر ووجهائه الكرام من وطنيين وأجانب لا يسعه إلَّا الدعاء لهذا البيت العريق المجد بدوام العز والسعد، ومن شاهد هذا البرج السماوي يتلألأ في ذلك الليل بأشعة شموس تبهر بضيائها النواظر من كل عقيلة تجر أذيال الكمال والظرف وآنسة تتيه بأنواع الدلال واللطف بمرقص عقدت به الخناصر على الخصور والعروس کشمس في سماء الأبهة والجمال تحيطها الكواكب والبدور يقول:
جمالٌ طبيعيَّ حوى كل بهجةٍ …… ولطفٌ بديهي يسلب العقل والقلبا
فنسأل الله أن يجعل هذا القرآن السعيد مقرونًا بالرغد والهناء ودوام المسرات والصفاء.
ما البدر أن سفرت ما الغصن إن خطرت…… ما الظبي أن نفرت ما الدر إن بسمت
ترفع على صفحات الفتاة فريضة التهاني إلى عزيزتنا الأنسة كاتبة كريمة عمنا اسحق أفندى نوفل (في طرابلس شام) بزفافها السعيد إلى ابن العم العزيز عارف بك نجل ذلك الشيخ الجليل المهاب كبير عالمتنا عزتلو أفندم نقولا بك نوفل «أحد أعضاء مجلس المبعوثين في دار السعادة ورئيس مجلس التجارة بطرابلس سابقًا», وقد كان الاحتفال عظيمًا في بيت ولد العريس وأما في بيت والد العروس، فكان مختصرًا على نخب الأهل بسبب شعائر الحداد فمنا للعروسين راجب التبريك والتهاني وتطلب لهما من الله العظيم الرقاء والرفاء ودوام المسرات والهناء.
“فريضة النهائي“
وزفت حضرة دولتلو البرنسس حفيدة المرحوم محمد على باشا الصغير حرم سعاد تلو افندم السيد محمد راتب باشا ابنت وسميت بهية هائم فنهنئهما.
منثورات
أحسن من عواطف مولانا السلطان الأعظم بنيشـان الشـفـقـة ذي الشأن من الرتبة الثالثة إلى صاحبة العفة خاتم افندي حرم سعادتلو إبراهيم حقی افندی مکتوبی ولاية سوريا الجليلة.
وأهدت جلالة ملكة أسبانيا إلى سعادتلو تكران باشا وسعادة مظلوم باشا نيشان الكران كردون ديزيل لاكاتوليك ولحـضـرة عزتلو عبـاني بك نيشان كومندور لاكاتوليك ولحضرة عزتلو محمود بك شریف نیشان کومندور شارل الثالث، وأهدت أيضًا نيشانًا ساميًا من رتبة إيزابلا لي حضرة سعادتلو زكي بك.
ورد من جلالة إمبراطورة النمسا رسالة إلى جلالة الملكة خرستين تفيدها بها أنه يتعذر عليها زيارتها في ارانجوين خيفة أن يشتد عليها الألم العصبي من البرد القارص.
وإن جلالة الملكة فيكتوريا «كما روت النشرة الاسبوعية” مع سمو مقامها اقتفت آثار والدتها، وخصصت وقتً لتعليم أولادها العقائد الدينية بكتاب أصول الإيمان فوق اهتمامها بسياسة مملكتها.
وروت بعض الجرائد أن إحـدى عـقـائل بالـتـيـمـور توفيت عن ثروة تبلغ مليونًا ونصف مليون فرنك أوقفتها جميعها لمدرسة كلية جون قصد إمداد بنات جنسها في طلب الطب.
وقيل من عزم إمبراطورة فريدريكة أن تسافر قريبًا إلى جزيرة هـويت لزيارة والدتها الملكة فكتوريا.
وروت جريدة لسان الحال الغراء أنه في مساء الخميس في ٢6 ك 2 أحيا جناب السري الهمام عزتلو موسى أفندي فريج وحضرة عقيلته المصونة ليلة أنس انتظم بها عقد المسرات بحضور سراة الثغر ووجهائية من الجنسين، ودامت به المخاصرة حتى انفجر الصباح وانصرف الجمهور يطلبون لحضراتهما دوام الهناء والأفراح.
“اعتذار“
ضاق بنا هذا العدد عن إتمام حوادث الشهر من أخبار أوربا وسوريا وإثبات ما لدينا من الرسائل ومنها رسالة علمية لحضرة وكيلتنا الفاضلة الآنسة مريم خالد بدير القمر وموعدنا بنشرها في العدد القادم إن شاء الله.
(وفيات)
توفيت في سبنيه (لبنان) الأميرة الفاضلة المرحومة حبوس عقيلة الأمير مجيد أسعد قعدان شهاب ودفنت بالاحتفال والإكرام في قبة الحدث مدفن الأمراء الشهابيين.
وتوفيت بالاسكندرية في 11 فبراير المرحومة بدره قرينة جناب الخـواجـا انطونيوس حنانيا عن 45سنة قضتها بالطهر ومحاسن الأعمال.
وتوفيت بمصر المرحومة صوفيا كحيل شقيقة جناب الخواجا نقولا كحيل في صباح ۱۲ فبراير عن 73سنة وكانت رحمها الله من الفاضلات.
وتوفيت بمصر في 13 فبراير المرحومة كريمة حضرة عزتلر طوبيا بك كامل ودفنت بما يليق بها من الإكرام، فنسأل لجـميعهن الرحمة والرضوان ولالهن الكرام الصبر والسلوان.
“العفو من شئم الـكـرام“
ورد لنا العدد الأول من جرائد المهندس والثمرة والمدرسة والهدى وجميعها طافحة بالمواضيع العلمية والفوائد الأدبية، وأهدانا جناب الأديب إبراهيم أفندى فارس كتابه المعنون « ظرائف الطائف»، وأهدانا جناب العلامة الفاضل صاحب ومحرر جريدة النيل القراء رسالة خط الإشارة، وأهدتنا حضرة الكاتبة الفاضلة السيدة زينب فواز رواية الهوى والوفاء “وقد أعددنا لها فصلاً للعدد القادم” وبالنظر لضيق المقام قد أخرنا التقريظ للعدد القادم ونحن لفضلهم شاكرين وكذلك نعتذر من جناب سعيد أفندي بستاني بما وقع من سهر الطبع في روايته (سمير الأمير)
إن وكيلتنا في بيروت في حضرة الكاتبة الفاضلة الأنسة استير ازهری المصونة.