الجسنانية والنوع الاجتماعي في سياق مرض الأيدز
ترجمة:
بقلم:
الجسنانية والنوع الاجتماعي في سياق مرض الأيدز
ملخص:
لقد أصبح النوع الاجتماعي آداة مفاهيمية تلعب دورًا رئيسيًا في فهم نشوء وباء فيروس نقص المناعة البشرية وتطوره على مستوى العالم، وقد زودنا بذلك بطريقة فعالة لإدراك أن بنية العلاقات القائمة بين الرجال والنساء هي عنصر مركزي في مختلف الأوبئة، كما دعم ذلك فهمنا أن عدوى فيروس نقص المناعة البشرية تتعدى كونها مرضًا أو خبرة فرديتين. ولكن مع ذلك يظل للنوع الاجتماعي كمفهوم نقاطه العمياء، يدفع هذا المقال بأن ثمة أربع قضايا ذات أهمية قصوى في فهمنا لكيفية انتقال وباء نقص المناعة البشرية وتطوره، وأن هذه القضايا الأربع لا يمكن فهمها على الوجه الأمثل باستخدام تحليل يقوم على النوع الاجتماعي وحده بالضرورة، وهي وضع النساء المستضعف الذي يجعلهن أكثر عرضة للعدوى، واستحقاقية الرجال للوم، واهتمامات الشباب الجنسية والثقافات الجنسية المهمشة. يقترح المقال استخدام الجنسانيةsexuality كإطار لتحليل هذه القضايا،{ اعتدنا في مجلة قضايا الصحة الإنجابية على ترجمة sexuality إلى “الشئون الجنسية” تفاديًا للجدل الدائر حول الكلمة، خاصة وأنه لا يوجد تعريف واضح للمصطلح حتى بين المتحدثين بالانجليزية، لكن هذا المقال وضعنا أمام ضرورة اختيار ترجمة محددة للمصطلح. أكثر الترجمات الشائعة هي “الجنوسة” و“الجنسانية” وقد مللا لاستخدام الترجمة الأخيرة }. ويسعى إلى استغلال التطورات التي توصل إليها البحث النقدي في مجال الجنسانية للإضافة إلى النوع الاجتماعي كوسيلة لرفع قدرتنا على الاستجابة لأزمة فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز.
- Some Consideration on Sexuality and Gender in the Context of AIDS November, 2003 11 (22) Gary W. Dowsett
جميع الحقوق محفوظة لمجلة قضايا الصحة الإنجابية ٢٠٠٧
كلمات مفتاحية:
الأدوار والقضايا المتعلقة بالنوع الاجتماعي الجنسانية { طرحت مجموعة من الخبراء في لقاء تشاوري دولي عن الصحة الجنسية عدة تعريفات حول الصحة الجنسية والحقوق الجنسية والجناسنية. ويمكن الوصول لهذه التعريفات على موقع منظمة الصحة العالمية، مع الأخذ في الاعتبار أنها لا تعبر بشكل رسمي عن موقف المنظمة. ذالك رأينا الإشارة إلى هذا التعريف للمساهمة في إثارة النقاش حول مفهوم الجنسانية. “الجنسانية بعد مركزي من الإنسانية، وتشمل الجنس وأدوار وهويات النوع الاجتماعي، والتوجه الجنسي، والمتعة والحميمية، والإنجاب. ويتم معايشة والتعبير عن الجنسانية بالأفكار والتخيلات والرغبات والمعتقدات، والتوجهات والقيم، والسلوكيات، والأدوار والعلاقات. ورغم أن الجنسانية قد تتضمن كل هذه الأبعاد، فليس بالضرورة معايشة أو التعبير عنها كلها باستمرار. وتتأثر الجنسانية بالتفاعل بين العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والإثنية والتاريخية والدينية والروحية“}.، فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، النظرية الاجتماعية.
قد لا يبدو من المستغرب أن نقول أن النوع الاجتماعي والجنسانية أمران مختلفان، ولكن الاختلافات في ما بينهما أكثر عمقاً مما هو معتقد في العادة ولها تبعاتها في ما يتعلق بالكيفية التي نفهم بها مختلف أوبئة فيروس نقص المناعة البشرية في العالم. يهيمن النوع الاجتماعي أكثر من أي متغير آخر أو لنقل بنية اجتماعية لأغراض هذا المقال، على الوباء. (1) يعرف قاموس أوكسفورد للإنجليزية النوع الاجتماعي كالتالي: “(استخدام نسوي على الأخص) اسم، كلمة لطيفة للإشارة إلى جنس الإنسان، يقصد بها في العادة التأكيد على الاختلافات الاجتماعية والثقافية في مقابل الاختلافات البيولوجية بين الجنسين“. وبهذا المعنى، يمكن أن يقصد من النوع الاجتماعي في بعض الأحيان الإشارة إلى خصائص تقسيم الجنسين البيولوجيين إلى فئتين واضحتي الاختلاف من الأشخاص ذوي الخصال والقدرات المختلفة (وفي العادة غير المتساوية أيضًا). لا سيما في ما يتعلق بوضعهم في المجتمع وحقوقهم والموارد المتاحة لهم أو التي يمتلكونها بالفعل.
ومع ذلك، إذا أدركنا أن ثمة ما هو شديد المنهجية في ما يتعلق بهذا التقسيم (وهذه اللامساواة)، وأن هذا التقسيم يجري في عمق تاريخ العديد من المجتمعات وثقافاتها بشكل يصعب معه القول إنه من قبيل المصادفة أو إنه مجرد “خيارات” ثقافية، يمكن عندئذ أن ننظر إلى النوع الاجتماعي على إنه أمر أكثر فعالية وتأثيرًا عما هو متصور، ويمكن عندئذ أن تعتبره من بين الأسس التي يقوم عليها تنظيم الحياة اليومية نفسها وأنظمتها بشكل يبدو “طبيعيًا – وبشكل ليس واضحًا لنا على الدوام – بحيث يبدو الأمر كما لو كانت الحياة دائمًا وأبدًا على هذا النحو. هذه القدرة التنظيمية والحتمية التاريخية هي ما نسميه البنية الاجتماعية، وباستخدام النوع الاجتماعي بهذا المعنى، نجده أقرب الى العرق / الإثنية أو السن / الجيل أو الطبقة الاجتماعية / الطائفة الاجتماعية، عندما يعمل كمبدأ تنظيمي؛ بحيث ينقلنا من إدراك الاختلافات والتقسيم، إلى إنتاج الاختلاف وتنظيم هذا التقسيم (واللامساواة) بشكل تراتبي. وهذان المفهومان للنوع الاجتماعي، أحدهما كوصف للاختلاف والتقسيم والآخر كمبدأ منظم للبني الاجتماعية، مهمان في فهم ما يحدث في ما يتعلق بوباء فيروس نقص المناعة البشرية حول العالم.
يؤسس النوع الاجتماعي لمعظم النماذج الوبائية التي نستخدمها لوصف فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. فهو يستخدم بشكل فضفاض لوصف الأوبئة في آسيا وإفريقيا بشكل خاص، وبالتالي يضمن في إثره آخرين من المصابين بالفيروس أو المتأثرين به في متنوع من الثنائيات المتعارضة أو الآثار اللاحقة. ويقصد بذلك أن إحدى أهم الطرق التي يوصف بها فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز هي التمييز بين معدلات الإصابة بين النساء وبين الرجال كفئة تحليل أولية. وفي الواقع، فإن ذلك شديد الأهمية لأن سرعة معدلات إصابة النساء تزداد يومًا بعد يومًا مقارنة بمعدلات إصابة الرجال في العديد من البلدان والأقاليم. يرجع هذا الاختلاف إلى حد ما إلى الطبيعة البيولوجية للنساء (وذلك جزئيًا لأن النساء يسهل انتقال العدوى إليهن أثناء الجماع المهبلي عن الرجال)، ولكنه يعود أيضًا إلى أسباب بنيوية ولا سيما مسألة عدم المساواة – السائدة تقريبًا في جميع أنحاء العالم – بين النساء والرجال في ما يتعلق بحصول النساء على الموارد الاجتماعية والاقتصادية، والتي عادة ما تجعلهن لا حول لهن ولا قوة وتزيد من فقرهن وافتقارهن إلى المساواة وتعرضهن لعواقب وخيمة (مثل العنف الجنسي، واللجوء للعمل الجنسي لدر الدخل على سبيل المثال). وإن هذه التحليلات البنيوية الأعمق للنوع الاجتماعي لذات أهمية قصوى لفهم هذا الوباء المتنامي. (۲)
لكن التركيز على النوع الاجتماعي أدى إلى عدم القاء الضوء الكافي على العديد من غير ذلك من الطرق التي ينتقل بها الفيروس والتي تتسم بنفس القدر من البنيوية. معظم الشباب في العديد من البلدان على سبيل المثال، معرضون لخطر الإصابة بالفيروس. وحتى إذا كانت الشابات من الأكثر عرضة للخطر، فإن الشباب هذه الأماكن معرضون أيضًا لزيادة خطر الاصابة في بالفيروس، وبالتالي فإن للعمر / الجيل أثرًا أيضًا مثله مثل النوع الاجتماعي. وبالمثل، كان الوباء ولا يزال قويًا في العديد من البلدان ما بين المثليين وغيرهم من الرجال النشطين جنسيًا مع رجال آخرين ( “يسمون في العادة الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال“). وتشهد جمهوريات آسيا الوسطى زيادة سريعة في معدلات الإصابة بالفيروس نتيجة لتنامي تعاطي المخدرات بالحقن والعمل فى مجال الجنس التجاري، كما تشهد زيادة سريعة في الأمراض المنقولة جنسياً (وهي عامل مساعد مهم بالنسبة للإصابة بالفيروس).
يدفع هذا البحث بأن النوع الاجتماعي يجب أن يحتل المكانة التي تليق به بين هذه القوى وغيرها من القوى البنيوية التي تدعم تنامي وباء فيروس نقص المناعة البشرية مثل عدم المساواة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، والفقر، وحركات الهجرة الجماعية واللجوء والحروب والفترات الانتقالية التي تشهدها بعض البلدان على المستويين الاجتماعي والثقافي من جراء العولمة. ولكن الحجة الرئيسية التي يبرزها هذا المقال هي أن الجنسانية – كبنية اجتماعية أيضًا – غالباً ما تهمل مقارنة بكل القوى الأخرى، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن طريقة تفكيرنا بشأن النوع الاجتماعي عادة ما تشمل الجنسانية أو تمنعنا من التفكير في الجنسانية بشكل واضح.
لا يبدو أنه من الممكن التشكيك في أهمية النوع الاجتماعي ومنطقه. بالطبع يوجد جنسين بيولوجين، ذكر وأنثي، وأية استثناءات لذلك إنما تثبت القاعدة. ومع ذلك، فإن الاختلافات الفعلية بين الجسد الإنساني الذكوري والأنثوي ضئيلة للغاية – عينان أذنان، فم واحد، عمود فقري، قدمان وقلب واحد ودماغ واحدة… إلخ. حقا هناك اختلافات: فالخلايا التناسلية للجنين نفسها تنقسم فيما بعد إلى نوعين مختلفين في العادة من الأعضاء التناسلية، على الرغم من أن من ولدوا مزدوجي الجنس يستنكرون بشكل متزايد محاولات الطب الأحيائي لحشرهم في بوتقة أحد الجنسين أو الآخر. وبالفعل نجد في العديد من ثقافات البلدان كالهند وإندونيسيا وتونغا والفلبين وتايلاند وأستراليا وأمريكا الشمالية وأوروبا (وبلدان أخرى) أشكالاً اجتماعية قائمة منذ أمد بعيد، وأخرى حديثة تعززها التكنولوجيا. حيث التقسيم إلى ذكر وأنثى غير واضح أو معكوس أو متحول وتتزايد الإشارة إلى هذه الأشكال جميعها بمصطلح “الترانس جندر” ويقصد به أن هذه الأشكال تتخطى تقسيم النوعين الاجتماعيين التقليدي (مع وجود اعتراضات إزاء كون هذا المصطلح “غربيًا” بشكل مميز. وبالتالي احتمالية كونه غير ملائم). بمعنى آخر يبدو أن العديد من الثقافات قد وجدت وتجد سبلاً للحياة مع أكثر من جنسين اثنين.
تقدم الأدبيات النفس – اجتماعية الخاصة بالاختلاف بين الجنسين قياسًا لاختلافات ضئيلة، ولكن معظم هذه البحوث توضح أن الرجال والنساء متشابهون بشكل يفوق كثيرًا اختلافهم، ومع ذلك، وأي ما كانت الخصال المشتركة، فإن اختلافاتنا هي التي تهيمن على الخطاب الحالي إلى حد يصعب معه إدراك الاختلافات الأكثر دراماتيكية القائمة ما بين أفراد الجنس الواحد. فإذا أخذنا الخصال السلوكية في الحسبان، سنجد أن الاختلافات التي يمكن الوقوف عليها عند مقارنة نفس الجنس عبر الثقافات تفوق في العادة أوجه التشابه بين الرجال والنساء في ثقافة واحدة. فلننظر على سبيل المثال الى مسألة تحظى بالتعليق المستمر، ألا وهي المقابلة بين السلوك العام المحافظ للمجتمعات ذات الأغلبية الأنجلوسكسونية وبين المجتمعات المنبثقة عن الثقافات اللاتينية في ما يتعلق بالشئون الجنسية أو أشكال التعبير عن ردود الفعل العاطفية، سنجد أن الرجال والنساء داخل كل ثقافة أكثر تشابهًا في ما يتعلق بالسلوكيات والخصال الثقافية من تشابه أفراد كل من الجنسين عبر الثقافتين المختلفتين. كذلك تعلم أيضًا أن ما يطلق عليها الخصال والسلوكيات الذكورية أو الأنثوية هي متغيرات تتبدل مع مرور الوقت وفي ظل اختلاف الظروف، فهذه الخصال غير ثابتة عبر الثقافات والتاريخ، وإطالة الشعر إنما هو مثال بسيط على ذلك.
يمكنني أن أستمر في سرد أوجه التشابة والاختلاف أو الافتقار إليها إلى ما لا نهاية، ولكن النقطة التي أود التركيز عليها هي هيمنة فكرة الاختلاف والتقليل من أهمية “التشابه” في طريقة فهمنا للنوع الاجتماعي والنتيجة هي أننا نولي للنوع الاجتماعي، الذي نفهمه على إنه اختلاف بين الجنسين، أهمية كبرى ونضعه في المرتبة الأولي في التحليلات التي نقوم بها بشكل يكاد أن يكون تلقائيًا لا بشكل نقدي. على سبيل المثال، عادة ما ينظر حول العالم إلى مسألة أن النساء أكثر فقرًا من الناحية الاقتصادية من الرجال على إنها اختلاف يقوم على النوع الاجتماعي، وعلى أن هذا الاختلاف من السمات المميزة والمحددة للنوع الاجتماعي، ومع ذلك هناك العديد من النساء شديدات الثراء في العالم ورجال شديدي الفقر إلى حد كبير، وبالتالي قد لا يكون النوع الاجتماعي هو السمة الوحيدة التي تعرف الفقر والتوزيع غير المتساوي للثروات، بل وربما يحجب النوع الاجتماعي غير ذلك من البنى والهياكل التي تقوم عليها اللامساواة الاقتصادية.
إن هذا التركيز على النوع الاجتماعي بوصفه اختلافًا بين الجنسين هو أول أهم خصائص النوع الاجتماعي التي يتشبع بها تفكيرنا حول فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، وقد كان التحليل القائم على النوع الاجتماعي مفيدًا للغاية إلى حد ما، ولكنه أصبح يستخدم الآن في العادة بشكل ضعيف كبديل لكلمة “نساء“، للإشارة إلى ما يحدث للنساء كمجموعة في سياق الفيروس / الإيدز عوضًا عما ينتج الاختلافات بين عرضة الرجال وعرضة النساء للإصابة بالوباء وكيف أن إصابة الرجال بالوباء مرتبطة بإصابة النساء والعكس صحيح. لقد قدمت التحليلات التي تقوم على أن “النوع الاجتماعي = النساء” قدرًا كبيرًا من الوصف المفيد لوضع النساء، ولكنها لم تقدم إلا نادرًا تحليلاً للكيفية التي تشكل بها هذا الوضع وهيكله، وهذه التحليلات غالبًا ما تحجب الاختلافات بين النساء، فهي تحجب الاختلاف الشديد مثلاً بين حيات النساء في الجنوب والشمال. كذلك فهذه التحليلات لا تخبرنا إلا قليلاً عن حياة الرجال، مما يعني إننا نركز في فهم الوباء على الفرق بين الرجال والنساء أولاً قبل أن نركز على غير ذلك من فروق، مثل التوجه الجنسي أو السن / الجيل أو تعاطي المخدرات أو الفقر أو الاقتصاد الجنسي للعمل الجنسي أو الثقافة الجنسية الخاصة بمجتمع بعينه.
ولكن ذلك بالتأكيد ما هو إلا “الجنس” وقد استخدم هنا كمتغير، حيث إن تحليل “النوع الاجتماعي” أمر آخر. إن التمييز بين “الجنس – النوع الاجتماعي” بعد حقًا واحدًا من أكبر الثنائيات المفاهيمية التي هيمنت على فكر القرن العشرين، وهي فكرة لا ينقصها الجدل (لا سيما في المناقشات النسوية). (3 -5) وإذ نبسط الأمور فإن هذا التمييز يعزز فكرة إن الجنس هو طبيعة بينما النوع الاجتماعي تربية أو تنشئة. فنحن نولد وقد تحدد جنسنا بيولوجيًا ولكن المجتمع هو الذي يقولبنا في نوع اجتماعي بعينه، وأجسادنا مادة خام تُشكل وتُصب في قائمة من الأشكال المستمدة من الثقافة، من بينها شکلان رئیسیان، وهما الرجال والنساء. فنحن كيُفنا اجتماعيًا” (إذا كنا لنستخدم أحد مصطلحات النظرية الاجتماعية الأقل دقة) أو مدربون اجتماعيًا لنعيش في شكلين من الشخصية والسلوك: الشكل الأنثوي أو الشكل الذكوري. وبهذه الصيغة، يبالغ النوع الاجتماعي من الاختلاف الجنسي، إلا أن الأمور لا تسير في الواقع على هذا النحو، فهي أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير كيفما يوضح لنا ذلك باستمرار عمل حركات نسوية ما بعد الاستعمار ودراسات النقدية الذكورية. ونظرية الجنسانية ما بعد البنيوية، على النوع الاجتماعي.(6 – 9) كذلك فإن تزايد التعبير عن مطالب الأشخاص الذين لا ينتمون إلى أحد النوعين الاجتماعيين بعينهما، الذين يشملهم تعبير “الترانس جندر“، في العديد من البلدان. قد أوضح أن كل المطالبات السطحية والفوقية بنظام قائم على نوعين اجتماعيين جنسيين هي في الواقع غير كافية ومخلة لفرط تبسيطها، بل هي أكثر من ذلك إذا تمسكنا بالموقف القائل بأن النوع الاجتماعي ما هو إلا تمييز مشكل اجتماعيًا.
تدخل العديد من القوى الأخرى في إنتاج الحيوات والأجساد، ويبدو أن القليل من نظرية النوع الاجتماعي الجديدة والأكثر تعقيدًا قد وجد طريقه إلى الخطاب الخاص بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. لا تزال صناعة الإيدز تعتمد على أشكال الفهم القديمة للأسس البيولوجية التي يقوم عليها النوع الاجتماعي كثنائية، والتي شكلت الولع بالصحة الجنسية والإنجابية على امتداد القرن العشرين. وهذه هي ثاني خصائص النوع الاجتماعي الذي تستحوذ عليه مسألة الإنجاب البشري لمنطقه الخاص، بحيث يعتبر كل ما عدا ذلك أفكارًا ثانوية تلي حقيقة إننا كفصيلة يمكن لمعظمنا أن نحمل وأن ننجب أطفالاً، والبعض منا يحمل بالفعل بين الفينة والفينة. وواقع الأمر إننا سنجد إننا نفتقر إلى الخصوبة بشكل كبير إذا فكرنا لوهلة في الأعداد الهائلة – التي لا يمكن حسابها إلا بالزليون والكيلوترليون – من البويضات والحيوانات المنوية التي تجاهد للقاء بعضها البعض ولا تصيب هدفها في أغلب الأحيان، فكروا في كم الجماع الجنسي الذي يتم في هذه اللحظة على وجه الأرض. مما لا شك فيه إن معظم هذه الأفعال الجنسية (ولكن ليس كلها طبعًا) تحدث والقائمون بها لا يفكرون إلا في منع الحمل بأطفال.
لقد ورث فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز الكثير من هذا الولع بالصحة الإنجابية نتيجة للجهود المبذولة في القرن العشرين لتحسين الصحة الإنجابية والحد من تعاظم النمو السكاني على كوكبنا وخفض معدلات وفاة الأمهات والأطفال حول العالم، والجهود المبذولة حديثًا لخفض عبء الأمراض المنقولة جنسيًا. وهذه بالفعل قضايا قيمة تستحق الدفاع عنها وتستحق الهيمنة التي تحققت لها على جدول أعمال المنظمات والمؤسسات من أمثلة منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومجلس السكان وغيرها من الوكالات الوطنية والدولية وثنائية الأطراف. كذلك طورت صناعة البحث الأكاديمي على مدى الأعوام نماذج وأدوات لرصد التقدم المحرز والنظر في المسببات والآثار المختلفة في مجال الصحة الإنجابية، وقد لاقى ذلك نجاحًا كبيرًا (بما في ذلك في العلاقة بينها وبين العقم أو عدم القدرة على الإنجاب). وقد هيمنت الصحة الإنجابية للنساء بوجه خاص منطقيًا وعن استحقاق على هذه الأجندة. ومع ذلك فإن التحدى المحدد لفيروس. نقص المناعة البشرية / الإيدز كان ولا يزال يكمن في تعلم التفكير في التعبير الجنسي كما هو قائم بالفعل في الثقافة والتاريخ، وكما تشكل في إطاراهما. تحديدًا أينما يتقاطع هذا التعبير أو لا يتقاطع في آن واحد مع الإنجاب – لأن معظم أنماط الانتقال الفيروسي التي تنفرد بها عدوى فيروس نقص المناعة البشرية لتوجد في هذه الأماكن. لقد شكل اكتساب فكر جديد بشأن الجنسانية (لا الصحة الإنجابية والجنسية فحسب) تحديًا للأطر والأنماط القائمة المستخدمة في التفكير حول الجنس (بما في ذلك علم الجنس والأبحاث الكلاسيكية أيضًا حول الجنس (10، 11)، وإنه لفي إطار هذا التحدي ليتخذ هذا المقال مكانًا له.
إن تراث استحواذ الصحة الإنجابية على النوع الاجتماعي هو واحد من أكبر القوى التي تدفع التفكير حول الفيروس / الإيدز، فالمرء نادرًا ما يتشكك في ملائمة هذا الإرث للموضوع أو تحيزاته أو سوء تطبيقه، ونادرًا ما نخضع هذه العوامل للتقييم. فهو يصبغ تفكيرنا بشأن كون النساء أكثر عرضة للإصابة بالفيروس – وهذه القضية من أكبر الفرضيات ذات الصلة بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز – ويدعم التقسيم الزائف للنساء إلى مصادر للعدوى (في العادة عاملات جنسيات) من ناحية وضحايا أبرياء (في العادة زوجات) من ناحية أخرى، وهي رؤية نراها كثيرًا في الخطاب الحالي حول الفيروس / الإيدز حتى إذا كانت عبارة “ضحايا أبرياء / مذنبين” تعتبر الآن غير مقبولة. لقد وصفت النسوية الأسترالية أن سومرز هذه الطريقة من التفكير بشأن النساء والجنس مرة بعبارة شهيرة، وهي “العاهرات الملعونات في مقابل شرطة الرب“(12). ومن المستغرب أن هذه العبارة تخرج إلى الوجود غالبًا، وإن كان بشكل أقل تجريدًا، في الحالات التي يتم فيها يتناول وضع النساء المتزوجات في إفريقيا في إطار المناقشات الخاصة بما يطلق عليه الأوبئة “الناتجة عن ممارسة الجنس مع الجنس المغاير” هناك. (١3)
إضافة إلى ذلك، يكمن هذا الولع بالصحة الإنجابية إلى حد كبير وراء تركيزنا على الشباب، وفي هذه الحالة تظهر فرضية حمل المراهقات أو الحمل غير المرغوب فيه مع تربص الفقر المدقع بهن. كذلك يشكل الولع بالصحة الإنجابية الأرضية التي يقوم عليها فهمنا لزيادة انتشار الإيدز تاريخيًا بين الرجال فى فرضية مسؤولية الرجال إلى الحد الذي دفع برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز إلى عنونة حملته العالمية لمكافحة الإيدز في ۲۰۰۰ – ٢٠٠١ بالعنوان التالي: “الرجال يصنعون فارقًا” وذلك للنظر بعمق في الفهم السائد بشأن كيفية كون الرجال عرضة للإصابة بالفيروس / الإيدز ومحاولة تغييره. وأخيرًا فإن تركيز النوع الاجتماعي بهذا الشكل على الصحة الإنجابية يربط تهميش العاملين بالجنس وغيرهم من الرجال المثليين والرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال ويصبه من جديد في فرضية الانحراف، لأنه متى كانت العلاقات بين الرجال والنساء في ما يتعلق بالجنس هي محور الاهتمام، يفترض أن تكون هذه العلاقات طبيعية لأنها تتسق مع القاعدة العامة (بمعنى ما هو مألوف ومنتشر، أو المعدل الإحصائي)، وبالتالي تصبح غير ذلك من ميول جنسية أو أشكال التعبير الجنسي “خارجة عن القاعدة” أو المعيار، وبالتالي غير طبيعية.
وفي هذا الإطار، فإن فشل النوع الاجتماعي في وضع تصور مفاهيمى للجنسانية يوقع بنا أشد الضرر، فحتى في أكثر تحليلات النوع الاجتماعي عمقًا وتعقيدًا وأرفعها مستوى، تختزل الجنسانية لتصبح مجرد مكون من مكونات النوع الاجتماعي. (١٤) وواقع الأمر هو إن الجنسانية عادة ما تدرج تحت مظلة العواطف والعلاقات في إطار الأسر وأشكال العلاقات السائدة في ظل الثقافة السائدة بين النساء والرجال. وبالتالي، تصبح الجنسانية في برامج التثقيف الجنسي على سبيل المثال جزءًا صغيرًا من الإنجاب البشرى بدلاً من تناول أبعادها المتعلقة بالمتعة أو الرغبة. ويختزل مفهوم الجنسانية إلى مجرد آلية (أو ناقل للجراثيم) في الاهتمامات الديموغرافية الخاصة بالصحة الإنجابية وسكان العالم، فالنساء يحملن أو يلتقطن الأمراض عن طريق الجنس. وهو شر لا بد منه في العديد من الأديان، ولكن هذه الأديان تعتمد في منطقها على المخاوف المتعلقة بالميراث والذرية والنسل، وهكذا فهى معنية بشكل كبير بمسألة التحكم في خصوبة النساء وضمان كون ورثة الرجال بالفعل أبنائهم ومن صلبهم، وفي كل هذه الأشكال تختزل الجنسانية إلى أفعال وترتيبات العلاقة بين الرجال والنساء ونزعاتهم وقدراتهم الإنجابية، ولا سيما النزعات الطبيعية التي يشتهي فيها أفراد جنس ما الجنس الآخر (بمعنى المفهوم الغربي السائد حول العلاقات مع الجنس الآخر، الأحادية، والجنس الإنجابي (بمعنى اقتصار الممارسات الجنسية على النكاح المهبلي فحسب في إطار الزواج).
ثمة طرق أخرى لفهم الجنسانية كبناء من الأفكار كقائمة متنوعة من أشكال الخطاب والأحاسيس، كتجسيد لأشكال مختلفة من المتعة وكتشكيل الخيارات لموضوع الجنس، وكتجل لا نهاية له لأصناف الرغبة. قد تكون هناك طرق أكثر إفادة لفهم فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز إذا نظرنا إليه على إنه “وباء يصيب الأشخاص الذين يمارسون الجنس“، (15) بمعنى إنه مشكلة تتعلق بالجنسانية لا بالصحة الإنجابية فحسب.
ما الذي يمكن أن يحدث إذا كنا لننظر بشكل جاد في ما يلي:
– أن فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز هو في الواقع وباء ذو صلة بالرغبة الجنسية:
– أن الفيروس ينتقل في العديد من الأماكن من خلال أفعال جنسية تحدث خارج نطاق العلاقات الجنسية المغايرة المعيارية (بين النساء والرجال) ذات البعد الانجابي الحتمي، أي العلاقات من خلال الجنس التجاري، أو التي يقوم بها الرجال الذين يمارسون الجنس خارج إطار الزواج سواء كان ذلك مقبولاً ضمنيًا أم لا. أو أي اتصال جنسي شرجي بين الرجال والنساء.
– أن المؤسسات تنتج أنظمة جنسانية تضع الجنس في شكل عملة تصب الرغبة وتقولبها لخدمة أغراضها الخاصة (على سبيل المثال استخدام الجنس كنوع من العقاب في السجون)، مما يوضح من جديد كيف تطوع الرغبة فعليًا. (١٦)
– أن الاقتصاديات الجنسية (16) لثقافاتنا تدعم أنماط انتقال فيروس نقص المناعة البشرية (“الاقتصاديات الجنسية” يقصد بها القوى والموارد التنظيمية التي تدعم على سبيل المثال، العمل الجنسي في بيوت الدعارة أو السياحة الجنسية أو العادات القائمة منذ أمد بعيد المتعلقة بممارسة الجنس في ما بين الرجال التي نجدها في بيئات أو ثقافات بعينها. (17 – 19)
– أن بعض الثقافات الجنسية المعينة تنتج – في حالات الفقر – أنماطًا معينة من الاستضعاف تجعل الناس أكثر عرضة للإصابة بالفيروس مثل العمل الجنسي الذي يقوم به أطفال الشوارع في العديد من البلدان والمنتمون إلى الهجرا في جنوب آسيا (الذين لا هم رجال ولا نساء ويدخلون تحت فئة الترانس جندر ).
– إن معدلات غير معلومة لإنتقال الفيروس تحدث بسبب الممارسات الجنسية التي تتم بين الرجال ومعظمها لا يقع في إطار الخطابات أو الثقافات الفرعية “المثلية” التي تشكل أقلية، وهي متنوعة بحيث يكون من المضلل تصنيف هؤلاء الرجال على إنهم أيضًا رجال أو جزء من جنسانية ذكورية فريدة.
– أن تعاطي المخدرات عن طريق الحقن في العديد من البلدان ذو صلة عميقة ومعقدة بالحياة الجنسية، على سبيل المثال، في العمل في مجال الجنس أو في ما يتعلق بالنشاط الجنسي لأغراض الترفيه، إضافة إلى كونه أسلوبًا آخر من أساليب تعاطي المخدرات. (20) (مما له مغزی استخدام بعض من يتعاطون المخدرات لتعبيرات مثل “الاحساس بالصُلب“، أو كلمة دخول من الإبرة” وهى ما يحمل إقراراً بأن الحقن فيه ما يمثل شكلاً من أشكال الرغبة). {تستخدم كلمة penetration في الانجليزية بمعنى دخول الحقنة الى الجسد، وكذلك بمعنى إيلاج العضو الذكرى. المحررة}.
لا يقصد مما سبق الدفع بأنه لا مكان للنوع الاجتماعي في فهمنا لفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، ولكننا ندفع بضرورة الوصول إلى فهم أكثر إسهابًا وعمقًا للكيفية التي يعمل بها النوع الاجتماعي، وكيفية اتصاله بالقوى الأخرى التي يقوم عليها بناء الحياة الاجتماعية والجنسية، فقد اعتقد على سبيل المثال لفترات طويلة جدًا أن الأوبئة في العديد من البلدان الأفريقية تحدث بسبب العلاقات الجنسية المغايرة واعتبرت العاملات بالجنس المجموعة المسؤولة في الأغلب عن انتقال العدوى. وقد لاحظ عدد كبير من المحللين – الذين يعتمدون على النوع الاجتماعي في تحليلهم – أن العديد من الرجال متورطون في ذلك، ولا سيما زبائن العاملات بالجنس وشركائهن. وأنه ثمة حاجة للنظر في ميول الرجال الجنسية وفهمها بشكل أفضل بوصفها من العوامل المساهمة أيضًا في انتشار الوباء. كذلك فإن فهم الثقافات التي تنتج هذه الأنماط من الميول الجنسية للرجال قد يكون مفيدًا في فهم كون هؤلاء الرجال أكثر عرضة بشكل خاص للعدوى بفيروس نقص المناعة البشرية. وقد أكدت البحوث الحديثة أن فئتا الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال ويمارسون الجنس الشرجي مع النساء قد أهملا ابستومولوجيا في عملية تقدير الكيفية التي ينتقل بها الفيروس في العديد من هذه البلدان الإفريقية نفسها. وتقدير الكيفية التي يمكن أن ينتج بها الفيروس نتيجة لعادات ثقافية وقوى اجتماعية بخلاف العلاقات الجنسية المغايرة التقليدية بين الرجال والنساء فحسب.(21)
كذلك فإن جماعات الرجال التي تمارس الجنس مع رجال في بعض البلدان قد تكون في خطر مضاعف للإصابة بالفيروس لأسباب تختلف عن تلك التي تؤثر على الرجال المثليين في الغرب. على سبيل المثال، في معظم ثقافات جنوب آسيا يوجد الكوثيس، وهم رجال، معظمهم شباب يشبهون النساء أو يتصرفون مثلهن، ويمارسون الجنس مع رجال آخرين، على الأغلب أكبر سنًا ومتزوجين، في بعض الأحيان مقابل نقود. هؤلاء الرجال لا ينتمون لفئة “الترانس جندر” ولا للمثليين، ولكنهم يعتبرون أنفسهم شكلاً ثقافيًا مميزًا من أشكال الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال في جنوب آسيا ولا يمكن اختزال كونهم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس إلى مجرد كونهم رجالاً، بل إلى إنهم يمارسون الجنس مع ذكور يمارسون بدورهم الجنس مع نساء عرضة بشكل كبير للإصابة بالفيروس، فشركائهم من الرجال يمارسون الجنس مع عاملات بالجنس ومع أخريات. ولا يسع فرضية “مسؤولية الرجال” شديدة التبسيط التي يدفع بها النوع الاجتماعي أن تتعامل مع كون الكوثيس عرضة بشكل خاص للإصابة بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية إلا بإعلان أنهم “ليسوا رجال“. (۲۲)
في محاولة فهم الوباء في أمريكا، قد تبدو المعدلات العالية – بشكل غير متناسب – لإصابة الأمريكيات من أصل أفريقي في الولايات المتحدة بالفيروس مجرد اختلاف يتعلق بالأساس بالنوع الاجتماعي، ولكن العرق – بوصفه بنية اجتماعية – أمر يجب أخذه في الحسبان بالتأكيد في فهم هذا الخطر المضاعف، حيث إن الرجال الأمريكيين من أصل أفريقى يصابون هم أيضًا بافيروس بشكل غير متناسب. كذلك ينبغي أن تلعب العوامل المركبة التي تشمل تعاطى المخدرات بالحقن مع اللامساواة الاجتماعية دورًا في فهمنا لهذا الوباء. ومع ذلك فإن الأبحاث الحديثة على الرجال الملونين الذي يمارسون الجنس مع الرجال سرًا (بمعنى المنخرطين في الجنس مع رجال آخرين ولكنهم لا يعتبرون أنفسهم مثليين) تظهر وجود ثقافات متغيرة ولكنها قائمة منذ أمد بعيد حول ممارسة الجنس في ما بين الرجال، وأغلبهم متزوجون، والتي قد تكون هي أيضًا من العوامل التي تزيد من انتشار الفيروس في الولايات المتحدة، والتي سيكون لها عواقب على الرجال الذين يمارسون الجنس أيضًا مع شريكاتهم من النساء. (23) إن ذلك ليس مجرد وباء بسيط يتعلق بالنوع الاجتماعي بوصفه اختلافًا أو فرقًا فحسب، ولكنه يتعلق أيضًا بأنماط متقاطعة من التعبير الجنسي الإنساني وغيره من القوى الاجتماعية المعقدة.
وإذا كان لنا أن نتناول أوبئتنا المختلفة والمتنوعة بالتحليل من منطلق الجنسانية أو الثقافات الجنسية كالتي أشرنا إليها، فإننا قد نطور رؤية مختلفة تمامًا للكيفية التي ينتقل بها الفيروس، والعوامل التي تبطئ أو تسرع من انتقاله، والعوامل التي تشكل أنماطه في أماكن معينة. ويمكننا عندئذ أن تفهم إنتقال الفيروس بشكل مختلف. لا كإرادة فردية (أو خطأ أحدهم) بل كأمر ناتج عن ثقافات مختلفة من الرغبة، ثقافات تضعه في إطار بنيوي، مثل السياحة الجنسية والجنس المؤسسي والإجباري في السجون أو الجامعات، أو حتى الجنس بين النساء (حيث تتطلب حالة حديثة من انتقال الفيروس بين امرأتين مثليتين إعادة التفكير بشكل سريع في الخطر المرتبط بممارسة الجنس بين النساء(24)). ويمكننا أيضًا أن نواجه التفسيرات التي تقر بالتراتبيات القائمة في الجنسانية التي تفضل أشكالاً معينة من النشاط والاتجاهات الجنسية وتهمش أخرى، والتي تنزع الشرعية عن الرغبات التي تعتبر مقبولة في ثقافات معينة، في ثقافات أخرى. ويمكننا عندئد أن نحسب حسابًا لحقيقة أن انتقال الفيروس يحدث من خلال العلاقات التي تتم في إطار اقتصاديات جنسية تشكل هيكلها على مر التاريخ وفي إطار أنماط متنوعة من ممارسة الجنس أو الرغبة في شركاء جنسيين أو ممارسة الجنس في إطار قائمة من المعاني المختلفة عن الالتزام أو الحب كجنس غير إنجابي، كمتعة، كامتياز، كسلطة أو حتى كإذعان.
كذلك يجب أن نأخذ في الاعتبار القوى الاجتماعية المتغيرة التي تضع الجنس في مجالات عمل مختلفة (مثل الاغتصاب في الحروب، المغامرات الجنسية في الإجازات، أو التمزق الأسري الذي تشهده العائلات أثناء هجرة اللاجئين، أو نتيجة للتحضر السريع في العالم النامي الذي يتسبب في تحول الأنواع التقليدية من الحياة الأسرية والارتباط وتغيرها). إن كل هذه القوى تقدم مثالاً (وهناك أمثلة عديدة أخرى) على حالة يتزايد العرض الأشخاص فيها للإصابة بالفيروس، وبالتالي تتزايد احتمالات انتقال الفيروس، وهي تفوق تلك التي تقدمها المصطلحات المضللة والمخلة إلى حد كبير من فرط تبسيطها للأمور والتي عادة ما نستخدمها بشكل عفوي، مثل مصطلح “الوباء الناتج عن ممارسة الجنس مع الجنس المغاير” لوصف معظم أشكال العدوى التي تحدث أثناء ممارسة الجنس بين الرجال والنساء. إن لم ليكن كلها. وكما دفعت كارول جنكينز طويلاً – وهي عالمة شهيرة في مجال الأنثروبولوجيا ذات خبرة طويلة في العمل في آسيا والباسيفكي في ما يتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز فإن تسمية أي انتقال للفيروس قد يحدث أثناء حالة اغتصاب عصابة لامرأة ما بأنه ناتج عن “ممارسة الجنس مع الجنس المغاير” لا يأخذ في الاعتبار أن الرجال المصابين فى مثل هذا الحدث قد أصيبوا بالعدوى على الأغلب من خلال الحيوانات المنوية لرجال آخرين (هل سنصفه إذًا على إنه انتقال من نفس الجنس أو مثلي في هذه الحالة؟).
والمثال الكلاسيكي على الهفوات السهلة، التي يقع فيها بسهولة التحليل الذي يعتمد على النوع الاجتماعي وحده، يتعلق بالميول الجنسية للشباب، فبحوث الثقافات المقارنة توضح باستمرار وجود ثقافات جنسية متنوعة وخالقة للتنوع بين الشباب. 25 – ۲۷ ففي بعض الثقافات، يبدأ النشاط الجنسي مبكرًا، ويرتبط بفئة عمرية محددة، ويكون بالتأكيد غير إنجابي في تركيزه وممارسته. والشباب يخرجون بشكل ملحوظ بطرق مبتكرة لإشباع ميولهم الجنسية، سواء نظر الكبار إلى هذه الميول على إنها غير ناضجة أو غير ملائمة أو مقلفة. لقد وضعت الثقافة الشبابية حول العالم الشباب في موقع جديد وزودتهم بقوائم مشروعة من الاهتمامات والإمكانيات ذات الصلة بالشهوة الجنسية. يمكننا أن نفهم أوبئة فيروس نقص المناعة البشرية بين الشباب بشكل أفضل إذا نظرنا إليها على إنها قد شكلت في سياق ثقافات جنسية ناشئة ومعولمة ولا تتعلق فحسب بقضايا التمييز بين الشباب والشابات وصحتهم الإنجابية.
وفي الوقت نفسه، وجد منذ عهد قريب أن الرجال المهتمين برجال آخرين موجودون في ثقافات أنكرت وجودهم وأنكرت كونهم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس على مدى عقدين من الوباء. وفى الواقع فإن أولئك الذين قد عملوا مع مجتمعات الرجال ذات الرغبة الجنسية في الجنس المماثل منذ بداية الوباء لا يدهشهم أننا نكتشف عادات من الرغبة الجنسية المثلية في بعض البلدان من أمثلة زمبابوي على الرغم من إصرار الرئيس موجابي على أن مثل هذه الأشياء ما هي إلا ممارسات غربية منحلة. وما زلنا نرى الزعماء الأسيويين يرفضون بإباء الاعتراف بثقافاتهم القائمة منذ أمد بعيد من النشاط بين أفراد الجنس الواحد في الوقت الذي تزايد فيه عدد العروض المقدمة عن النشاط الجنسي في ما بين الرجال في هذا الإقليم على مدى ثلاثة أعوام من المؤتمرات الدولية حول الإيدز. ولو لم تكن التبعات بمثل هذه المأساوية، لكنا قد اختلفنا مع العديد من البلدان الإسلامية التي تنكر قرونًا من الإرث الفني والأدبي التي مجدت الحب بين الرجال (28)، بينما هي تواجه تنامي الوباء في بلدان مثل إندونيسيا وماليزيا ونيجريا والعديد من جمهوريات آسيا الوسطى(29) ومن الواضح أن الدين لا يحمي من الفيروس بشكل كافي.
وفي الوقت نفسه، فإن نفاق الكنائس المسيحية لا يعرف حدودًا، والقادة السياسيون يسيرون على هوى الأجندة الأخلاقية للجناح اليميني، ويرجع ذلك بالأساس إلى خوفهم من أن يعترف في النهاية بالجنسانية على إنها في حالة من السيولة وغير ثابتة وغير مفهومة في إطار الثنائي مفرط التبسيط الخاص باشتهاء الجنس المغاير أو اشتهاء الجنس نفسه – كشيء يأبى الخضوع بسهولة للتحكم الأخلاقي والسياسي، يمكن للميول الجنسية أن تأخذ، وهي تأخذ بالفعل العديد من الأشكال المختلفة، وذلك مع مرور الوقت وفي أماكن مختلفة. وعلى امتداد عمر الشخص أو في لحظات معينة (كما أشار إلى ذلك الفريد كلسي وآخرون منذ ما يزيد على ٥٠ عاماً (30، 31)، وذلك أمر قد قتل بحثًا وعرفته الخبرات الإنسانية ووثقته. ولا يسع التحليل القائم على النوع الاجتماعي وحده أن يفسر التنوع الهائل في الرغبات الجنسية وأشكال التعبير عنها، وإن محاولات إنكار ذلك عائق خطير أمام الجهود التي نبذلها لوقف هذا الوباء.
كذلك فإننا تضاعف من إرتباكنا إزاء الطبيعة الجنسية لوباء نقص المناعة البشرية لا بالخلط بين الجنس والنوع الاجتماعي فحسب، بل أيضًا بالتفكير في الجنس بوصفه مجرد “سلوك“. إن البحوث المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز تختزل النشاط الجنسي إلى مجرد سلوكيات، وهو أمر محزن ومؤسف. إن الأغلبية العظمى من البحوث غير الطبية الحيوية حول الفيروس / الإيدز بحوث سلوكية، وهي تستخدم في العادة منهجيات المسوح من حساب عدد المرات التي يمارس فيها الناس الجنس، ومع من، والأوضاع التي يفضلونها والمكان والوقت وسبب ممارسة الجنس وتقدير مستويات خطر الإصابة بالعدوى وما إلى ذلك. ويظهر تفحص المجلات وخلاصة الأوراق العلمية الخاصة بالمؤتمرات العالمية والإقليمية الضخمة حول الإيدز هيمنة النظرة إلى الجنس بشكل كبير على إنه سلوكيات. ومع ذلك فإن مفهوم السلوكيات يجرد الجنس من أي معنى ومتعة، ونتيجة لذلك، تهمل كيف يتحدد المعنى والمتعة وفقًا للسياق، وكيف يمثل السياق الثقافة، وكيف تتشكل الثقافة على يد التاريخ والخطاب. عندما تكون السلوكيات وحدها هي الدافع الذي يقود فهمنا للوباء نفشل في إدراك أن العديد من المحددات الاجتماعية للسلوك تكمن في ما وراء الفهم الواعي للأعمال والقرارات الفورية، بمعنى أن السلوكيات الجنسية هي ممارسات متأصلة اجتماعيًا.(32) وإذ نعجز عن فهم محددات خطر فيروس نقص المناعة البشرية ومحددات العرضة للإصابة به بوصفها محددات اجتماعية بالأساس – ويقصد بإجتماعية إنها ذات صلة بالعلاقات والسياق والثقافة والسياسية والاقتصاد والتاريخ وإنها رمزية ومنطقية نعجز عن فهم أفضل طريقة للتدخل ووقف الوباء.
كذلك فإننا في العادة في هذه المسوح السلوكية نهتم بجنس الشريك في العملية الجنسية أكثر من اهتمامنا بمعنى ممارسة الجنس دون واقي ذكري، أو يفهم الظروف التي قد تجعل القائم بالفعل يخاطر في سياق بنية اقتصادية جنسية بالمتعة أو الحميمية أو الانتماء الاجتماعي أو عمل من أعمال تحقيق الذات. وتوضح البحوث التي أجريت فى منتصف التسعينيات في ما بين الشباب في سبعة بلدان – نامية بتفويض مما كان آنذاك يعرف بالبرنامج العالمي للإيدز التابع لمنظمة الصحة العالمية، والتي استكملها برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز – أهمية تغير المعاني الجنسية والثقافات الجنسية والهويات الجنسية في انماط النشاط الجنسي. وأشكال العلاقة بين الشركاء الجنسيين ومختلف المعاني المتعلقة بالجنس الآمن بالنسبة للشباب الذي يعيشون ثقافات تشهد تغيرات سريعة (٣٣) إن ذلك أكثر تعقيدًا بكثير من علاقات النوع الاجتماعي حتى إذا كان يتضمنها، والأمر لا يختلف كثيرًا بالنسبة للكبار.
إن الأصوات المطالبة بتحريك تفكيرنا نحو رؤية أكثر بنيوية للنوع الاجتماعي لما يشار إليه في بعض الأحيان بـ “القوة القائمة على النوع الاجتماعي” أو بتعبير أفضل “التراتبية القائمة على النوع الاجتماعي” تتحرك في الاتجاه الصحيح، ولكن هناك ميل قوي لأن تقودنا هذه الصياغة من جديد إلى افتراضات حول “كون النساء أكثر عرضة للإصابة عن الرجال “و“مسؤولية الرجال“. إننا فعليًا بحاجة إلى المزيد من التصورات البنوية مثل الجنسانية، لتقدم لنا تحليلات موازية. والأمر صحيح أيضًا بالنسبة لغير ذلك من البنى الاجتماعية القوية: العرق / الإثنية، والسن / الجيل، واللامساواة الاقتصادية (سواء كانت قائمة على الطبقة أو الطائفة الاجتماعية المغلقة على نفسها) والتغيرات السياسية والثقافية الناتجة عن العولمة والتحدي الذي أتمنى أن نرانا نواجهه يكمن في اختبار الافتراضات التي تقوم عليها وجهات نظرنا قبل استخدام النوع الاجتماعي تلقائيًا – بحجة استخدامه سابقًا – لفهم فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، كما يكمن التحدى أيضًا في التوقف والتفكير قبل أن نقول “الأوبئة الناتجة عن مدارسة الجنس مع الجنس المغاير” أو نفترض أن “النساء أكثر عرضة للإصابة بالفيروس” أو أن نزج بكل الرجال سويًا في مفهوم اللامسؤولية الجنسية للرجال، أو عندما نختصر الفئات المعقدة من التعبير الجنسي في تعبير “الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال“، وهو التعبير الذي نجده مستخدمًا في كل مكان على الرغم من إبهامه الذي لا أمل في اتضاحه.
يفترض أن يكون قد اتضح لنا جميعًا الآن إنه مع استمرار نمو الأوبئة بهذا الشكل السريع والمتزايد، فإن النماذج إلى نستند إليها غير كافية، فالنوع الاجتماعي لا يقدم إلا جزءًا من التحليلات التي نحتاج إليها، وهذا الموقف لا يقصد به معاداة النوع الاجتماعي بقدر ما هو دعوة إلى إدراك إسهام النوع الاجتماعي المهم كإطار مفاهيمي في ما يتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، والحاجة إلى الجمع بينه وبين نقاط القوة النظرية والإمكانيات النقدية لغيره من التحليلات. ولا سيما التحليل الذي يقوم على الجنسانية كمجال للدراسة. ولزيادة فهم الكيفية التي يتبع بها الفيروس مساره من خلال سكان هذا الكوكب. قد نحتاج جديًا إلى إدراك أن بنية الحياة الاجتماعية تقوم إلى حد كبير على الجنس.(34) وبالتالي فإن الجنسانية كمجال نقدي للبحث والتنظير والتحليل قد تقدم بعض الإجابات الجديدة التي نحن في أمس الحاجة إليها.
إن تبعات هذا التحول بالنسبة للحرب ضد فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز شديدة الأهمية، فإن التزام الصمت والكتمان في ما يتعلق بالجنسانية الإنسانية هو أحد السبل المحورية في التعتيم على نواحي الرغبة المرفوضة ولجعلها بالتالي عرضة للقمع والإضطهاد. لكن هذا الكتمان لن يحمى الناس من فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. ولن يؤدى إنكار الممارسات الجنسية والثقافات المبنية عليها إلا إلى تفاقم الوباء. وحتمًا ستكون مواجهة واقع الحيوات الجنسية المعقدة للمواطنين في أي بلد صعبة، ولم يجد أي بلد ذلك سهلاً في ما يتعلق بالفيروس / الإيدز، ولكن تاريخ الوباء يعلمنا أن كل بلد سيكون عليه في آخر الأمر أن يقوم بذلك. ليس فقط في ما يتعلق بالجنسانية ولكن أيضًا. في ما يتعلق بتعاطي المخدرات والعمل الجنسي وميول الشباب الجنسية وافتراضاتهم بشأن الممارسة الطبيعية مع الجنس المغاير الذي يخفي التنوع الهائل في الممارسات الجنسية بين الرجال والنساء. وإن عدم مواجهة هذه الحقيقة وهذا الواقع وعدم تنفيذ برامج تثقيف جنسي جيدة تتناول الجنسانية بشكل واقعي، وعدم تقديم حملات تثقيف للصحة العامة تقدم معلومات حقيقية عن الفيروس والجنس والمخدرات ومخاطرها. وعدم تزويد الناس بالواقي الذكري (ومعدات الحقن)، وعدم القيام بذلك بطرق تعكس واقع الثقافات الجنسية وفي الأماكن التي تخرج فيها هذه الثقافات (مثل السجون والمدارس من بين أماكن أخرى كثيرة)، إن عدم القيام بكل ذلك ثمنه باهظ، وهو وفاة المزيد والمزيد من الأشخاص بسبب الإيدز.
هذه الورقة نسخة معدلة من من ورقة كتبت في الأصل لمداخلة شفوية فى جلسة عن النوع الاجتماعي والاختلافات الجنسية في المؤتمر الدولي الرابع عشر للأيدز، برشلونة يوليو ۲۰۰۲
* أستاذ مساعد، قسم العلوم الاجتماعية الطبية، كلية ميلمان للصحة العامة، جامعة كولومبيا، نيويورك، الولايات المتحدة.
بريد إليكتروني gd2 106 @ Columbia.edu
1-Connell RW. Gender. Cambridge: Polity Press, 2002.
2-Liguori AL, Lamas M. Commentary: gender, sexual citlzenship and HIVJAIDS. Culture, Health
and Sexuality 2003;5(1 ):87-90
3-Rubin G. The traffic in women. In: Reiter RR. editor. Tward an Anthropology of Women.
New York: Monthly Review Press, 1975.
4-Pubin G. Thinking sex: notes for a radical theory of the politics or seuay
Parker R, Aggleton P, editors. Cuture, Society and Sexuality: A Reader. London: UCL Press,
1999.
5-Gatens M. Acritique of the sex- gender system, In: Allen J. Patton P, editors. Beyond
Maxism? Leichhardt, NSW Intervention Publications, 1985.
. Reprinted in:
6-Butler J. Gender Trouble: Feminism and the Subversion of ldentity. London: Routledge and
Kegan Paul, 1990.
7-Parker R, Barbosa RM, Aggleton P. Framing the Sexual Subject The Politics of Gender,
Sexuality and Power. Berkeley: University of California Press, 2000.
8-Hodgson DL Gendered Modernities: Ethnographic Perspectives, New York: Palgrave, 2001
9-Whitehead SM. Men and Masculinities. Cambridge: Polity Press, 2002.
10-Weeks J, Holland J, Waites M, editors. Sexualities and Societies: A Reader. Cambridge
Polity Press, 2003.
11-Bancroft J, editor. The Role of Theory in Sex Research. Bloomington: Indiana University
Press, 2000.
12-Summers A. Damned Whores and God’s Police. Revised edition. Ringwood VIC: Penguin,
1994.
13-Patton C. Inventing AIDS. New York: Routledge, 1990
14-Connell RW. Gender and Power. Sydney: George Allen and Unwin, 1987.
15-Crewe M. Case study. Southern Africa. Oral presentation in: Track E Symposium–Educating
Desire: Case Studies in HIV/ AIDS and Sexuality Education. XIV International Conference
on AIDS, Barcelona, July 2002.
16-Dowsett GW. Practicing Desire: Homosexual Sex in the Era of AlDs. Stanford: Stanford
University Press, 1996.
17-Law L. Sex Work in Southeast Asia The Place of Desire in a Time of AlDS. London:
Routledge, 2000.
18-Ryan C, Hall CM. Sex Tourism Marginal People and Liminalities. London: Routledge, 2001.
19-Murray SO, Roscoe W. Boy Wives and Female Husbands: Studies in African Homosexualities
New York: Palgrave, 1998.
20-Dowsett GW, Turney L, Woolcock G, et al. Hepatitis C Prevention Education for GW Dowsett
/Reproductive Health Matters 2003,11(22):21-29 28 Injecting Drug Users in Australia: A
Research Report Canberra: Commonwealth Department of Health and Aged Care, 1999.
21-Brody S, Potterat JJ. Assessing the role of anal intercourse in the epidemiology of AIDS in
Africa. International Journal of STD & AIDS 2003;14:431–36.
22-Dowsett GW. HIVIAIDS and homophobia: subtle hatreds, severe consequences and the
questions of origins. Culture, Health and Sexuality 2003; 5(2):121-36
23-Denizet-Lewis B. Double lives on the down low. New York Times Magazine 2003:3 Augus
(Section 6):28-33, 48, 52-53.
24-Kwakwa HA, Ghobrial MVW. Female to female transmission of human immunodeficieney.
virus. Clinical Infectious Diseases 2003,36:e40-41.
25-Cleland J, Ferry B, editors. Sexual Behaviour and AIDS in the Developing World. London:
Taylor and Francis, 1995.
26-Shaw C, Aggleton P. Preventing HIVIAIDS and Promoting Sexual Health among Especia ly
Vulnerable Young People. WHO/ HIVI2002.03. Geneva: WHO, 2002.
27-Dowsett GW, Aggleton P. A Comparative Report on Studies of Contextual Factors Affecting
Risk-Related Sexual Behaviour among Young People in Developing Countries. Geneva
UNAIDS, 1999
28-Murray SO, Roscoe W. Islamic Homosexualities: Culture, History, and Literature. New York:
New York University Press, c. 1997.
29-UNAIDS. Epidemic Update 2002: Geneva. At: <http://www. unaids.org/worldaidsday/2002/
press/Epiupdate. html>
30-Kinsey AC, Pomeroy WB, Martin CE. Sexual Behavior in the Human Male. Philadelphia: WB
Saunders, 1948.
31-Kinsey AC, Pomeroy WB, Martin CE, et al. Sexual Behavior in the Human Female. Philadelphia:
WB Saunders, 1953.
32-Bourdieu P. The Logic of Practice. Nice R. translator. Stanford: Stanford University Press,
1990 [1980].
33-Dowsett GW, Aggleton P, Abega S-C, et al. Changing gender relations among young people:
the global challenge for HIVI AIDS prevention. Critical Public Health 1998;8(4): 291-309.
34-Connell RW, Dowsett GW. The unclean motion of the generative parts. In: Connell RW,
Dowsett GW, editors. Rethinking Sex Social Theory and Sexuality Research. Philadelphia:
Temple University Press, 1993.