الحركة الشيوعية المصرية وقضايا المرأة
قراءة في شهادات الشيوعيات المصريات
ليست هذه القراءة في شهادات عدد من الشيوعيات المصريات سوى محاولة لإثارة موضوع على درجة من الأهمية، وهو موقع المرأة وقضايا النوع الاجتماعي Gender في الحركة الشيوعية المصرية، من واقع شهادات عدد من الشيوعيات، ممن انخرطن مبكرًا في هذه الحركة في أربعينيات القرن الماضي.وهن مجموعة من النسوة ممن كان لهن دورًا رائدًا سواء على صعيد النضال الوطني أو الاجتماعي أو الديمقراطي.وعلى الرغم من أن الشهادات تتوقف عند عام 1965، إلا أن هذا لا يقلل من شأن دراسة هذا الموضوع، فنحن في حاجة إلى نمط من الدراسات النوعية، التي تساعدنا على فهم الروافد المختلفة، التي تشكل المخزون الثقافي والسياسي للحركة النسائية في المرحلة الراهنة؛ خاصة وأن ما يمكن أن نطلق عليه “الحركة النسائية” الراهنة، يتكون من مجموعات غير متجانسة ليس فقط فيما يتعلق بسبل وآليات الدفاع عن حقوق المرأة، وإنما أيضًا فيما يتعلق باختلاف الرؤى حول دور المرأة وطبيعة الصراع الذي عليها أن تخوضه من أجل تحرير ذاتها .
وتعتمد هذه القراءة على الشهادات التي تضمنها العمل الكبير، الذي قام به مرکز البحوث العربية ولجنة توثيق الحركة الشيوعية حتى عام 1965، والذي نشر حتى الآن في ثلاثة أجزاء تضمنت عديدًا من الشهادات لرجال ونساء من قياديي وقائدات الحركة الشيوعية المصرية؛ بالإضافة إلى سلسلة ورش عمل، من بينها ورشة عمل بعنوان “المرأة فى الحركة الشيوعية المصرية حتى عام 1965″.وينبغي تأكيد أن هذه القراءة لا تطمح إلا إثارة الموضوع دون أية استنتاجات أو تعميمات، فهي قراءة عفوية، فالشهادات ذاتها، كما يصفها الدكتور عاصم دسوقي، “تدخل في باب الذكريات أكثر من المذكرات السياسية .. ومن ناحية أخرى .. فإنها تعتبر من باب الرواية الشفهية التي تعتبر في الدوائر الأكاديمية الآن مصدراً حيًا لكتابة التاريخ …”.كما أن مثل هذه الشهادات “تمثل مصدراً مهمًا لتوثيق تاريخ الحركة“، فإنها أيضًا قد تستثير قضايا نظرية أخرى على قدر كبير من الأهمية.وأعنى بذلك على وجه التحديد قضايا العلاقة بين الطبقة والنوع؛ فعلى الرغم من أن مثل هذه القضايا قد شغلت حيزًا كبيرًا من اهتمام المفكرين الماركسيين والحركات الاجتماعية وحركات المرأة منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أنها لم تكن موضع اهتمام كبير في المنطقة العربية بشكل عام، فقليلة هي الكتابات التي تعاملت مع خصوصية قضايا النوع الاجتماعي في إطار النضالات الطبقية.بل يمكن القول أنه دأب الفكر الماركسي – إلى حد كبير في هذه المنطقة على إعطاء الجانب الأكبر من الاهتمام للقضية الوطنية، وقضايا الصراع على حساب قضايا أخرى, وفي مقدمتها قضايا المرأة.
ما من شك أنه في ظل أنساق أبوية، كما هو الحال في المنطقة العربية، كان يجدر إيلاء اهتمام خاص بقضايا المرأة.ولا أقول – كما يحلو للبعض – عزل هذه القضايا عن مجمل الصراعات الاجتماعية والسياسية والثقافية الأخرى، بل ما أعنيه هو خلق علاقة تفاعلية بينها.فقد تأكد إلى حد كبير صحة النقد الموجه للمعالجات الماركسية التقليدية، التي تزعم أن المرأة سوف تتحرر تلقائيا بتحقق التحرر الطبقي.فالقهر الذي تتعرض له المرأة لا يمكن النظر إليه بسهولة، وكأنه جزء كمي من القهر الطبقي العام.ومن هنا كان رد اتجاه ملحوظ داخل حركات المرأة نحو دمج قضايا النوع الاجتماعي، داخل سياق النضالات الوطنية أو الاجتماعية الأخرى .
وعلى أي حال، أتصور أننا في حاجة إلى إعادة النظر مليا في تلك العلاقة بين النضالات الوطنية والطبقية والنوعية، ليس فقط على مستوى الأفكار، وإنما على مستوى ممارسات كل من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني على حد سواء، وربما يكون هذا هو الهدف المتواضع لهذه القراءة.
أولاً: إشارات إلى خصائص الحركة النسائية في مصر:
في البداية أود الإشارة إلى بعض نتائج عمل، كنت قد قمت به في إطار دراسة عن الحركات الاجتماعية في مصر، وتضمنت هذه الدراسة جزءاً خاصًا عن “حركة” المرأة في مصر.وقد خلصت هذه الدراسة إلى افتراض أساسي، هو هيمنة مقتضيات النضالات السياسية على مقتضيات عدد كبير من المطالب النوعية، وفي مقدمتها النضالات النوعية المرتبطة بالمرأة كفئة اجتماعية .
وجاء في هذه الدراسة أنه “على الرغم من الإنكار الأيديولوجي والاجتماعي، الذي تعرضت له المرأة، فقد وقفت جنبًا إلى جنب مع الرجال في النضالات الوطنية والنضال ضد الاستعمار واتخذت نضالات المرأة بعدًا سياسيًا كان له الأسبقية على نضالاتها الحقوقية والنوعية، على الأقل لعقود طويلة من الزمان.فقد تشكلت حركة المرأة في خضم معارك سياسية ضد الاستعمار، الأمر الذي أعطى لهذه الحركة طابعًا خاصًا من منظور العلاقة بين المطالب السياسية والاجتماعية الشاملة والمطالب الفئوية للنساء.فعلى الرغم من أن مسألة المطالبة بحقوق المرأة الاجتماعية والقانونية قد تواصلت منذ البدايات الأولى لعملية التحديث في مصر، إلا أن هذا المسار كان متفاعلاً طوال الوقت مع مسار النضالات الوطنية …..”
وفي الواقع أن الأمر لا يتعلق بما إذا كان هذا الطابع سلبيًا أم إيجابيًا، إلا من منظور أن السياسي كان مهيمنا بشكل ملحوظ على المطالب النوعية.ومع ذلك فإن الربط بين القضايا السياسي والنوعي يعد أمرًا مطلوبًا في نظر عديد من ممثلات حركة المرأة في مصر. فتؤكد نوال السعداوي الطابع السياسي للحركات الاجتماعية بشكل عام، فليس هناك حركة ذات طابع اجتماعي فقط، بل دائمًا ما يقترن الطابع الاجتماعي بالسياسي.وينطبق هذا أول ما ينطبق على الحركة النسائية والتي هي حركة اجتماعية سياسية، فهي حركة ضد القهر الطبقي والأبوي (في الدولة والعائلة)، وضد الهيمنة الخارجية .
أما فريدة النقاش فتخلص إلى وجود سمات محددة لنشأة واستمرار الحركة النسائية في مصر، وهذه السمات هي:
أولاً: أن الحركة النسائية وضعت قضايا التحرر الوطني والاستقلال والديمقراطية والتعليم العام وحقوق الجماهير بصفة عامة في مقدمة أولوياتها، ثم تأتي المطالب النسائية الفئوية في نهاية المطاف.
ثانيًا: في حدود استقراء هذا التاريخ الطويل للنشاط النسائي، يلاحظ أن الكثيرات من القائدات النسائيات قد تقبلن بشكل طوعي التفسيرات المحافظة للنصوص الدينية، ولم تدخل الحركة النسائية في أي مرحلة من مراحلها في جدل مع النصوص الدينية، إلا مع بداية عقد الثمانينيات.
ثالثًا: أنه في حين استطاعت الحركة النسائية كسب المعارك على ثلاث جبهات ممثلة في حق العمل، وحق التعليم، وحق المشاركة السياسية.. فلا يزال الصراع دائراً على جبهتين هما: جبهة الحقوق المدنية، والمساواة في قوانين الأسرة والأحوال الشخصية .
ووفقًا للشهادات التي تتعرض لها في هذا المقال، لا شك أن دور المرأة السياسي والنضالي في هذه المرحلة المبكرة.. أي منذ الأربعينيات، من الأمور التي لا يمكن تجاهلها بأي حال، حيث تكشف هذه الشهادات عن تفاني المرأة في العمل السياسي المنظم وغير المنظم، سواء تعلق الأمر بمبادرات خاصة مثل المشاركة في الانتخابات الطلابية والنقابية، أو فيما يتعلق بقدرتها على القيام بأعباء العمل الجماهيري الحزبي، وتحمل تبعات العمل السياسي من سجن واعتقال وتحرشات أمنية تصل لحد الإيذاء البدني.وأكثر من ذلك، فإن غالبيتهن انخرطن في العمل السياسي وهن أمهات لأطفال رضع.وفي مجتمع لا يلعب فيه الرجل دورًا كبيرًا في تربية الأولاد، كان واضحًا من الشهادات أنه لم يكن هناك ما هو أكثر إيلامًا من أن يفصل السجن بين الأم وأطفالها الرضع .
ومع ذلك فبقدر ما تكشف الشهادات عن جوانب إيجابية، فإنها تكشف أيضًا عن جوانب سلبية فيما يتعلق بوضع ودور المرأة داخل الحركة الشيوعية.وعلى سبيل التوصيف، يمكن القول بأن ثمة محددات شكلت السياق العام لأولويات الحركة، وبالتالي كان لها أثر بين على قضايا المرأة، ومن أهم هذه المحددات:
1 – القضية الوطنية والتحرر من الاستعمار والتي بدت على قائمة أولويات الحركة .
2 – تمصير الحركة في مواجهة هيمنة الشيوعيين والشيوعيات اليهود والأجانب .
3 – تعميل الحركة أو إضفاء الطابع العمالي عليها .
4- خضوع النشاط النسائي للشيوعيات لمقتضيات العمل الجماهيري في القضايا الوطنية والاجتماعية .
هذا فيما يتعلق بالعوامل التي أثرت على موقع قضايا المرأة في جدول أعمال الشيوعيين آنذاك.يضاف إلى ذلك وضع المرأة ذاتها داخل الحركة، أو ما يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة داخل التنظيمات الشيوعية؛ حيث بدا واضحًا من الشهادات هيمنة الرجل داخل التنظيمات الشيوعية بوصفه المعلم أو القائد أو حتى الزوج، وكذلك تسييس العلاقات الزوجية والعاطفية.وهكذا يمكن القول بأن قضايا المرأة قد خضعت لنوعين من الهيمنة، ربما يكون أحدهما يغلب عليه الطابع الموضوعي، والآخر يغلب عليه الطابع الذاتي: وهما هيمنة السياسة، وهيمنة الرجل، أو الثقافة الأبوية حتى لو مارستها امرأة .
هذه هي المحاور التي سنتعرض لها ببعض التفصيل من واقع الشهادات.ولكن يجب أن نضع في الاعتبار أيضًا أن هذه الرؤية أو الطريقة في المعالجة (أي المنظور النوعي بمعناه المتعارف عليه الآن) قد لا تكون بالضرورة مقبولة من قبل عدد كبير من النساء من حيث المبدأ. ولكن على أي حال، أعتقد أن الأمر يستحق أن ينظر إليه من كافة الزوايا.وفي ضوء ما سبق.. يمكن أن نستعرض بعد ملاحظاتنا على النشاط النسائي داخل الحركة الشيوعية خلال مرحلة ما قبل 1965، فلا شك أن أنشطة النساء داخل هذه الحركة لم تخل من مطالب نسائية، ولكن السؤال: ما حجم وأبعاد هذه المطالب ؟ وما موقعها في إطار السياق العام للمطالب الوطنية والاشتراكية التي طرحتها الحركة الشيوعية آنذاك ؟
لا يسع القارئ لكتاب أنجي أفلاطون “نحن .. النساء المصريات” الصادر عام 1949، إلا أن يبدى إعجابه بالرؤية الثاقبة في الدفاع عن حقوق المرأة، ويمكن القول بأن الرؤية لتي يتضمنها هذا الكتاب لو قدر لها أن تتحول إلى برنامج عمل حقيقي للقوى الشيوعية، لكانت قضية حقوق المرأة في مقدمة القضايا التي دافع عنها الشيوعيون. لكن, في حقيقة الأمر، أن شهادات الشيوعيات تكشف أن قضايا المرأة لم تحظ بالاهتمام الكافي على المستوى التنظيمي، أو على مستوى الممارسة .
وقد تعددت الأنشطة التي مارستها المرأة في إطار الحركة الشيوعية، سواء على صعيد التعبئة الجماهيرية، أو فيما يتعلق بتوزيع المنشورات والبيانات وحضور مؤتمرات وتنظيم تظاهرات إلخ. ولكن كانت القضايا المتعلقة بالمرأة تحديدًا، رغم وجودها، غير واضحة المعالم وعفوية ومؤقتة.ولم تكن التوجهات الحزبية تخدم قضايا المرأة، بقدر ما كان النشاط النسائي خادمًا للتوجهات الحزبية ومقتضيات العمل الجماهيري، وسوف أضرب بعض الأمثلة من الشهادات توضح هذا الافتراض.
تحدثنا سعاد زهير عن مشاركتها في أحد المؤتمرات النسائية عام 1944، وهو المؤتمر التأسيسي لاتحاد النساء الديمقراطي الذي عقد بباريس؛ فباعتبارها كانت نشطة داخل الحركة الشيوعية، فقد أرسل إليها هنري كورييل لإبلاغها بترشيحها لحضور المؤتمر.والواقع أن منطق الترشيح والمشاركة يكشف زعمى بشأن خضوع العمل النسائي المقتضيات التوجهات الحزبية .
وتوضح لنا سعاد ملابسات الترشيح، التي يتضح منها أنها كانت تعكس الصراعات الحزبية، أكثر مما تعكس توجهات حقيقية إزاء قضايا المرأة، فتقول: “وعرفت من كورييل أن إنجي أفلاطون ستسافر للمؤتمر، وبدأت أعرف خلفية موضوع ترشيحي، وهو أن أنجي كانت مشتركة في تنظيم آخر، وكان لابد من البحث عن أحد يمثل تنظيمه (أي تنظيم كوريل)، مسألة صراع بين الأحزاب.المهم قابلت أنجى ونحن أصدقاء، وسألتها عن التقرير الذي ستقدمه، فقالت لي: أنها ستقدم تقريرًا عن الاحتلال الإنجليزي“.ويبدو أنه لم يكن لدى سعاد زهير أو حتى مجموعة هنري كورييل تصور محدد عن كيفية المشاركة في المؤتمر، سوى حضوره لتحقيق هدف وحيد وهو التواجد الحزبي، وتكمل سعاد زهير كلامها قائلة “فأنا فكرت أن أكون ممثلة عن العاملات، وكنت أعرف من العاملات وطبعت توكيلا، وظللت ألف المصانع والشركات والمستشفيات ومصالح التليفونات، وأجتمع معهن، على أني صحفية، وأسألهن عن مشاكلهن، وآخذ نقاط بها، ثم أقول لهن أنني سأسافر لمؤتمر، فيوقعن لى على التوكيل.. “. قد يفهم من ذلك، أن تحديد موضوع المشاركة لم يكن سوى مبادرة من سعاد زهير، وليس تعبيرًا عن سياسة مجمو عة حزبية محددة .
وهذا المنطق هو الذي يجعلنا نفترض أن النشاط النسائي كان يعتمد بالأساس مبادرات عدد من النساء، ولهذا كان النشاط النسائي لحد كبير عفويًا وغير مدعوم من التنظيم الحزبي، فتبدو مثل هذه الأنشطة كمجرد مبادرات لدعم العمل الجماهيري الحزبي، وبالفعل .. فقد تعددت مثل هذه المبادرات ولكن وفق هذا المنطق .
ومن بين هذه المبادرات ما تشير إليه سعاد زهير بشان مبادرة بينها وبين أنجي أفلاطون، فتقول: “طلبت من أنجي أن تنضم معي لكي نستطيع أن نقوم بعمل شيء مختلف، فوافقت، وأنشأنا لجنة لخريجات الجامعة باعتبارها ستكون عملاً جيدًا، كما فكرنا في عمل لجنة للعاملات، وبدأنا نعد لها، ودعونا بعض السيدات، وفي يوم الاجتماع المحدد، فوجئنا بأن فاطمة راشد وضعت لنا الكراسي في الطرقة، حتى لا تبهدل العاملات الصالون، فثرنا أنا وأنجى واستقلنا” (المرأة في الحركة الشيوعية المصرية، ص 17) .
وتقول جنيفيف سيداروس في شهادتها: أريد أولاً أن ألقي الضوء على نشاطنا في الحركة النسائية.كانت عنايات أدهم – فيما أظن – التي أقنعتنا بدخول “رابطة فتيات الجامعات والمعاهد“، ولكن بعد حل الرابطة تم التفكير في بناء تنظيم نسانی جدید، فذهبنا إلى سيدة قبطية اسمها “ماتیلدا جريس” لتكون عنوانا للتنظيم وعقدنا اجتماعًا كبيرًا في صالة بيتها في شارع رمسيس، وكانت السيدة مرحبة جدًا بتأسيس التنظيم النسائي.ولكن أخطأنا حينما وضعنا في أسماء مجلس الإدارة بعض المشتغلات بالسياسة مثل أنجي أفلاطون، وجاءت السيدة ثائرة جدًا بعد العرض على الداخلية، وقالت لنا لماذا لم تقلن لى أن هؤلاء لهم اتجاه سياسي ؟ وهو ما أودى بجهودنا لعمل تنظيم نسائي مع “ماتیلدا جريس” للفشل .
وتضيف جنيفيف: “والشيء نفسه حدث حينما حاولنا إنشاء مركز في روض الفرج لمحو الأمية وتعليم الخياطة وخلافه.كما أن الدكتور شريف حتاته كان سيفتتح عيادة.ولكن هذه الأسماء المعروفة للأمن – مثل أنجى أفلاطون أيضًا. – أعاقت المركز” (شهادة جنيفيف سيداروس: من تاريخ الحركة الشيوعية، شهادات ورؤى: الجزء الثالث، الطبعة الأولى 2000) .
وكما تكشفت الشهادات عن عفوية وتلقائية المبادرات النسائية .. فإنها تكشف أيضًا عن عدم وجود ملامح واضحة لرؤى نسوية، وهذه مفارقة إذا نظرنا إلى الوعي الكبير بقضايا المرأة التي عبرت عنها أنجي أفلاطون في كتابها “نحن ….. النساء المصريات “, فكما سبق أن قلت إن القضايا النسوية بدأت دائمًا في موقع التابع لأنشطة الحزب في مجال العمل الجماهيري.وهذا ما تؤكده فاطمة زكي التي كانت أول فتاة تنتخب في اتحاد طلاب كلية العلوم في نهاية الأربعينيات.وكان من بين الأنشطة التي تقوم بها إصدار مجلة بعنوان “هي“، وعندما سوئلت إذا ما كانت هذه المجلة معنية بقضايا المرأة فقط، أجابت: “لا هي فقط كان اسمها هكذا ..” (المرأة في الحركة الشيوعية المصرية،ص 45 ) .
ويبدو من كلام فاطمة زكي أن هناك شيئًا غير واضح.. ففي حين قامت هي نفسها بأنشطة دفاعا عن المرأة العاملة، إلا أننا قد نستشف في سياق شهادتها أن قضية المرأة لم تكن لها أولوية.وقد يؤكد هذا ما ذهبنا إليه بأن النشاط النسائي كان خاضعًا ليس فقط للعمل الجماهيري الأوسع، وإنما كان لاحقًا لقضايا أخرى، اعتبرت أكبر في نظرها.
فمن ناحية أولى، تقول فاطمة زكي: “فبمجرد أن تمت الوحدة بين إسكرا والحركة المصرية شكلت إنجى (أفلاطون) مكتباً نسائياً، وكنا نجتمع في بيتها …ونقوم بعمل برنامج، ونرى نشاط الجمعيات الأخرى، وماذا تفعل بالنسبة للسيدات، وندرس مطالب العاملات“.. وتضيف فاطمة زكي “والذي ساعد إنجي على ذلك أنها تزوجت شخصًا تقدميًا، وكان لديها شيء من الاستقلالية” (المرأة في الحركة الشيوعية المصرية، ص 49).
ولكنها في موقع آخر تقول: “عندما حدث انقسام 1948.وضعنا في برنامج “م.ش.م.” [المنظمة الشيوعة المصرية ] مطالب المرأة، لا أتذكرها الآن“. وتضيف “وتصوروا شيئًا عجيبًا، لم توضع القومية العربية، ووضعت قضايا المرأة.فقلت كيف هذا يا جماعة ؟ فقالوا عندك حق، وأضيف جزء عن القومية العربية ليلة المؤتمر“.وفي الموقع نفسه تقول: “خلاف ذلك كان هناك “اتحاد العاملات” الذي أسسته “حكمت الغزالي“.وكنا نعمل أنا وحكمت في شبرا الخيمة في مكتب عاملات تابع لقسم الرجال، لأنني عندما خرجت من قسم الطلبة، كنت لا أحب أن أعمل مع النساء، فطوال عمري أعمل مع الرجال..”(المرأة في الحركة الشيوعية المصرية: ص 50 ) .
أزعم أن عدم الرغبة في العمل مع النساء ليس موقفًا نفسيًا خاصًا، بقدر ما ينم عن موقف أيديولوجي سياسي، يتأسس على أن تحرر المرأة مرتبط بما يتحقق من إنجاز في القضايا “الكبرى” الوطنية أو الطبقية .
وهناك أنشطة نسائية أخرى جاءت من منطلق سياسي وطني، وعكست في الوقت ذاته طابعاً نوعيًا .. تقول وداد مترى “… استطعت من خلال مهنتي – كمدرسة فلسفة … أن أحقق ما كنت أريده.وفي الطريق كنت أشرك تلميذاتي في أية معركة.وشجعتهن على عمل مجلات الحائط .. والتي تتعلق بمعظم القضايا الوطنية وقضايا التحرر، وبشكل خاص قضية الجزائر، ويسعدني أنني كرست جزءًا كبيرًا من وقتى وجهدي من أجل هذه القضية … وقد توجت كل هذه الأنشطة بمظاهرة نسائية كبيرة، ضمت كل فئات الشعب وقادتها السيدة “سيزا نبراوي” مع كل رموز الحركة النسائية والوطنية في مصر، كما ضمت بعض طالبات من سوريا وبلاد عربية أخرى، وكان هدف المظاهرة هو المطالبة بإنقاذ المجاهدة الجزائرية “جميلة بوحريد” المحكوم عليها بالإعدام من سلطة الاستعمار الفرنسي، تمت هذه المظاهرة في مارس 1957، وتوجهت إلى مقرر الأمم المتحدة بجاردن سيتى وقدمت مطالبه..”(المرأة في الحركة الشيوعية المصرية، ص 33 ).
وعلى الرغم من وجود مكتب خاص للمرأة في بعض التنظيمات الشيوعية آنذاك – حسب كلام فاطمة زكي – إلا أنه من الواضح أن القضية الرئيسية آنذاك لم تكن إضفاء الطابع النوعي على هذه التنظيمات، بل تمصير الحركة باعتبار غلبة النشطاء الأجانب وخاصة اليهود عليها، وكذلك إضفاء الطابع العمالي بسبب هيمنة أعضاء الطبقة الوسطى عليها.بكلمات أخرى، فقد كانت قضية المرأة مطروحة كمبادرات من قبل عدد من الشيوعيات وخاصة إنجي أفلاطون، ولكنها لم تكن ذات أولوية مقارنة بالقضايا الوطنية والسياسية والتنظيمية الأخرى .
ويبدو أن بعض المطالب النسائية قد بدت أكثر وضوحًا من قبل الشيوعيين والشيوعيات في ظل السلطة الناصرية.ويمكن تفسير ذلك جزئيًا، بحل القضية الوطنية أو مطلب التحرر من الاستعمار، وتوقف مطلب تمصير الحركة، الأمر الذي فتح الباب أمام مطالب أخرى في ظل السلطة الوطنية .
وهذا مثلاً ما حدث في النضال من أجل إقرار هذا حق المرأة في الترشيح والانتخاب في دستور 1956، وهي المعركة التي تحدثنا عنها سعاد زهير في شهادتها، والتي اتهمت درية شفيق بأن أحد أسباب انخراطها في هذه المعركة هو تحقيق كسب إعلامي شخصی (شهادة سعاد زهير: من تاريخ الحركة الشيوعية، شهادات ورؤى: الجزء الثالث، الطبعة الأولى 2000 ) .
وفي ذلك أيضًا. ما ذكرته وداد متري؛ حيث تقول “عندما أعطى جمال عبد الناصر للنساء حق الانتخاب والترشيح، وهذا الحق كانت المرأة محرومة منه لسنوات طويلة، ومثل ما أقول دائمًا أن هذا الحق لم يأت من فراغ، بل هو نتاج أجيال وأجيال، فبدأنا في هذا الوقت … حملة في جميع قرى المنوفية، لنجعل النساء يقيدن أسمائهن في جداول الانتخاب” (المرأة في الحركة الشيوعية المصرية، ص 29).
وهذا ما نجده كذلك في شهادة ثريا إبراهيم، والتي تقول: “كانت شعاراتنا في انتخابات 1957 الأجر المتساوى للعمل المتساوي، أجازة وضع بالمرتب.وكنا نقول للسيدات العاملات ذلك، .. كنا نقول لهن لابد أن تطالبن بدور حضانة … كانت لدينا مجموعة مطالب نشد بها انتباه العاملات، وأن ذلك يشدهن بالفعل …” (شهادة ثريا إبراهيم: من تاريخ الحركة الشيوعية، شهادات ورؤى: الجزء الثاني، الطبعة الأولى 1999 ).
من كل ما سبق .. يتضح أن قضايا المرأة كانت مطروحة، ولكنها لم تكن تشكل ركنًا أساسياً في التنظيمات، بل تركت لعدد من النساء الشيوعيات ليطلقن مبادرات خاصة في إطار استراتيجية أوسع للعمل الجماهيري.وقد يرى البعض أن هذا الإطار الأوسع قد يكون إيجابيًا، وقد يرى آخرون أن هذا ليس صحيحًا دائمًا، فكثيرًا ما تم التضحية بالقضايا النوعية، وفي مقدمتها قضايا المرأة لصالح ما يسمى بالقضايا الكبرى .
من الملاحظ، وفق شهادات النساء الشيوعيات في فترة الأربعينيات والخمسينيات، أن الرجل كان دائمًا هو مدخل المرأة إلى الانضمام للتنظيمات الشيوعية، فهو الذي لعب دورلا كبيرًا في توجيه المرأة نحو الانضمام إلى هذا التنظيم أو ذاك، كما أنه هو الذي يحدد لها ما يجب أن تقرأه.ويزداد دور الرجل بصورة ملحوظة إذا كان زوجا للمرأة.وعلى الرغم من صعوبة تعميم مثل هذا الاستنتاج، إلا أن ما ورد في شهادات بعض الشيوعيات المصريات يجعله أمرًا مقبولاً.
وتكشف إحدى الشهادات بصراحة ووضوح عن هذا الوضع، فتقول سعاد زهير: “هناك مشكلة كانت تقابلنا وهي أن السيدة التي كانت متزوجة من رجل شيوعي، كانت دائمًا تسير في خطه، وهو الذي يقدمها …. وهذا شيء طبيعي، وهذا ما فعله معى فتحي (تقصد زوجها فتحى الرملي) فجعلني أكتب في الصحف، وعندما كان يؤسس تنظيمًا جماهيريًا كنت أشترك فيه.. وعندما أثيرت قضية فلسطين، أيد كل الشيوعيين قرار التقسيم الذي طرحه الاتحاد السوفيتي، أما فتحى وأنا بالتالي فقد أخذنا موقف مضادًا …” (المرأة والحركة الشيوعية، ص22) .
ويأتي في ثنايا شهادة سعاد زهير ما يؤكد ذلك في علاقتها بزوجها، فهي رفضت أن تكون منظمة بسبب رفض زوجها لأن تكون كذلك.ولم تتحرر إلا بعد انفصالها عن زوجها فتقول “وبعد انفصالي عن زوجي كان لي حرية الاختيار … وفي سنة 1956 انضممت إلى حدتو [الحزب الشيوعي المصري ] …. وكنت وقتها وضعت خطة لحياتي المستقلة بأن أول aشيء أفعله هو استرداد لقبى العائلي، فيصبح اسمى سعاد زهير … وأبحث عن عمل ثابت لكي أستطيع أن أكون مستقلة سياسيًا” (شهادة سعاد زهير: شهادات ورؤى: الجزء الثالث، الطبعة الأولى 2000) وعقب ذلك خاضت سعاد زهير معركة نسائية بالدرجة الأولى حول حق المرأة في الانتخاب، أثناء وضع دستور عام 1956، وهو ما سيشار إليه لاحقًا .
والواقع أن صراحة سعاد زهير هذه، تتأكد في سياق الشهادات من خلال اللغة المستخدمة، حيث يغلب تعريف الشيوعيات من خلال أنها زوجة فلان.كما يلاحظ أنه على الرغم من ارتباط الشيوعيات ببعضهن على المستوى التنظيمي، وقيامهن بأنشطة مشتركة، إلا أن هذا الارتباط كان يتم في الغالب عبر وساطة الرجل، الذي له السلطة العليا داخل التنظيم .
ومن ناحية ثالثة بدا واضحًا في بعض التنظيمات خضوع العلاقة بين الرجل بالمرأة (أو الزوج والزوجة) لمقتضيات التنظيم الحزبي، في إطار نمط أبوى واضح، فإلى جانب التحكم في منطق هذه العلاقات، فقد استخدمت أيضًا وكأنها إحدى أدوات الضغط أو التفاوض داخل التنظيمات الشيوعية.وقد برزت هذه الظاهرة بقوة في أحد التنظيمات وهو تنظيم م. ش. م. (المنظمة الشيوعية المصرية).ومع الأسف الشديد أن الفاعل الرئيسي في هذه الممارسات كانت امرأة وهي أوديث حزان مسئولة التنظيم في م. ش. م. ذلك التنظيم الذي انضمت إليه أيضًا فاطمة زكي وثريا شاكر وعدد آخر من الشيوعيات .
تقول ثريا شاكر (وشهرتها ثريا حبشي نسبة إلى زوجها فوری حبشی): …”بعد ذلك جاءت فترة الانقسام والمجموعة التي كانت فيها انشقت، وأصبحت م. ش.م … وهكذا أصبحت أنا في م. ش. م، وفوزي كان وقتها في تنظيم آخر، وكان في المعتقل… فجاءت لي أيامها مسئولة التنظيم (أوديت) وقالت لي حاولي تكلمي فوزي وتجنديه في تنظيمنا، فأخبرتها أنني سأحاول ذلك وبالفعل كنت أتحدث مع فوزي في الزيارة القصيرة أكثر الوقت في هذا الموضوع، وكانت هي بعد كل زيارة تسألني ماذا فعلت معه و.. و.. فأقول لسه شوية إلى أن قالت لابد أن تهدديه بأنك سوف تتركيه .. لأن هؤلاء الناس خونة … فقلت لها أنا متأكدة أن فوزى ليس خائنًا .. ولما كنت لم أنجح في جذب فوزي لتنظيمنا…. ولم أستطع تنفيذ قرارات التنظيم في ذلك الوقت، فوجئت بأنهم نحونی جانبًا ولم يعودوا يتصلوا بي ..” (شهادة ثريا شاكر: من تاريخ الحركة الشيوعية، شهادات ورؤى: الجزء الأول الطبعة الثانية 2000 ) .
وليست هذه الواقعة الوحيدة في استخدام العلاقات الزوجية لفرض قضايا تنظيمية.قفي شهادة أخرى نجد واقعة أخرى وهي ذات صلة بالتنظيم ذاته م. ش. م (المنظمة الشيوعية المصرية)، حيث تحدثنا جنيفيف سيداروس في شهادتها عن شخصية تحمل لها تقدير كبير، وهي سعدية عثمان، والتي كانت وقتها طالبة بكلية العلوم، فتقول: “ومن مواقفها أيضًا بعد انتهاء علاقتنا مع م. ش. م، أنها كانت تقيم مع زوجها في بيت والدته … وكان أهله قد أثثوا له عيادة ليعمل فيها بوصفه طبيب أسنان، ولكنه قال لأهله أنه مسافر لإنجلترا.بينما هو استأجر شقة صغيرة في الجيزة.وقفت سعدية مع زوجها الذي أصبح بدون عمل … وقد طردت سعدية من م. ش. م، لأنها كانت تتجادل وتختلف مع أوديت حزان كثيرًا فأعطوا لزوجها عزت أمرًا ان يطلقها. ويجوز أن الأمور التي أخذوها على عزت أنه لم يطلقها.. » (شهادة جنيفيف سيداروس: من تاريخ الحركة الشيوعية، شهادات ورؤى: الجزء الثالث، الطبعة الأولى 2000).
ويبدو أن أوديت حزان كانت هي المثال الفريد، وفقًا للشهادات، فيما يتعلق بتسييس العلاقة بين الرجل والمرأة من أعضاء التنظيم.ففي شهادة لأحد الرجال وهو محمد سيد أحمد، يصف أوديت بأنها كانت ستالينية بحق.ويحدثنا محمد سيد أحمد عن واقعة خاصة حيث قررت أوديت وزوجها لأسباب أمنية الاختفاء تمامًا عقب فرض الأحكام العرفية بعد حرب فلسطين الأولى عام 1948. ويقول محمد سيد أحمد “ثم قررا حبسى معهما في غرفة أخرى بالشقة نفسها … كنا ثلاثة ومعنا زميل وزميلة تم عقد “قران رسمی” بينهما فقط لحمايتنا والظهور أمام البواب بمظهر المقيمين، دون سواهما في الشقة“. ويضيف، وذلك “دون السماح لهما بممارسة الجنس فعليا بدعوى أن الزواج تلبية لحاجة “حزبية” وهي حمايتنا في هذه الشقة…. فذات مرة تجرأ الزوج وأبدى رغبة في أن ينام مع زوجته.. فشتمته أوديت وبهدلته، وقالت إن الزواج تنظيمي فقط، ولا يكسبه أي حق على الزميلة زوجته ! “.
ويقول أيضًا محمد سيد أحمد بأن أوديت فعلت ذلك مع كثيرين من كادر التنظيم.بل كان هو شخصيًا أحد هؤلاء حيث يقول “بل وطالبتني أنا شخصيًا، إذ حرمتنى أوديت أن تظل زميلة كنت على علاقة بها وقتذاك (دون أن ألتقى بها وقتئذ بدعوى الأمان)، (ولو بالمراسلة فقط)، بحجة أن تشبثها بهذه العلاقة كان بهدف الزواج، لا من أجل النضال“.وقد دخل صاحب الشهادة في أزمة عميقة بسبب ذلك، وكان يفكر في قتل أوديت، وكذلك في الانتحار.وكان يقول لها ذلك “أنا كثير الحلم بأني أقتلك. وكانت هي ترحب بمثل هذه الاعترافات، وترى فيها تنفيسًا عما في قلبي، وتطهراً من “الصديد” الذي يملأ مخی !” (شهادة محمد سيد أحمد: من تاريخ الحركة الشيوعية، شهادات ورؤي: الجزء الثالث، الطبعة الأولى 2000) .
ومع ذلك … فإن الشهادات تضمنت ما يشير إلى دفاع المرأة عن استقلاليتها في مواجهة الرجل.ولكن هذا ليس ملحوظًا بالقدر الكافي في الشهادات، ومن المواقف البارزة في هذا موقفًا يتعلق بإحدى الشيوعيات اليهوديات، والتي لم يكن زوجها شيوعياً وهي “ليفكى ياناكاكيس“، حيث تقول سعاد زهير أن ليفكى “كانت لكي تحضر الاجتماعات لابد وأن تحدث مشاجرة بينها وبين زوجها تصل إلى الضرب أحيانًا كثيرة، فكانت تقاوم مقاومة شديدة” (المرأة في الحركة الشيوعية المصرية، ص 10).وتستحضر أيضًا فاطمة زكي موقف إحدى الشيوعيات اليهوديات، وهي ميري كوهين، فتقول “وهذه لها موقف لا ينسى أبدًا، فقد رفضت السفر مع أهلها إلى إسرائيل، وعندما ترك لها والداها ألف جنيه مساعدة في زواجها أخذت المبلغ وسلمته للحزب..”(المرأة في الحركة الشيوعية المصرية، ص 9 ).
لا شك أن شخصية مثل أوديت حزان، بغض النظر عن وصفها البيولوجي بأنها أمراة، كانت حاملة قيم تنظيمية حزبية اتسمت بالطابع الأبوى.إن مثل هذه المواقف تتخذ أهميتها ودلالتها من أنها مورست في تنظيمات راديكالية، كانت تزعم أنها جاءت لتحرر البشر من كافة أشكال القهر الاستعماري والبرجوازي والتقليدي.ومع ذلك فقد خلفت ضحايا من بين أعضائها، حتى وهى مجرد نواة صغيرة، فما بالنا لو أنها امتلكت زمام السلطة.
قد تكشف هذه القراءة لشهادات مجموعة من الشيوعيات عن أن قضايا المرأة لم تكن تشغل حيزًا يذكر من اهتمام القوى الشيوعية مقارنة بالقضايا الوطنية والطبقية.وقد لعبت بعض الشيوعيات أدواراً، أو بالأحرى قدمن مبادرات يمكن وصفها بالخاصة، من أجل بعض المقاربات العفوية لقضايا نسائية.ومع ذلك يمكن الزعم بعدم وجود استراتيجيات فكرية أو سياسية بين المجموعات الشيوعية لمعالجة التفاعلات بين القضايا الوطنية والطبقية والنوعية.وعلاوة على ذلك، فثمة مؤشرات على أن القيم التنظيمية الحزبية كانت تتسم بطابع أبوى، حيث جرى توظيف العلاقات الإنسانية بين النساء والرجال في الحركة لمقتضيات التنظيم الحزبي.كما أن هناك شهادات تؤكد أن الزوج/ القائد له دور كبير في توجيه مسار زوجته على مستوى العمل السياسي والانتماء الحزبي.وعلى أي حال.. يجب تأكيد أن هذه مجرد انطباعات، تحتاج إلى درجة أكبر من التدقيق العلمي.