الحركة النسائية في إيران في أعقابِ الثورة
تُطرحُ هذه المقالة (ضمن كتاب نساء إيران… الصراعُ ضد السلفيين)، للكاتبة الاشتراكية الايرانية ” قرح أزاري – ” المعضلات الجديدة.. وربما الاستثنائية التي تواجه المرأة الإيرانية. فالمرأة الإيرانية كان لها دورٌ نضالي هام.. وربما حاسم في انتصارِ قوى الثورة.. والإطاحة بنظام الشاه.. بالمعنى الذي يكون فيه لكلِّ عنصرٍ جماهيري وزنه النسبي، وتفاعله في سياق عمليةٍ ثورية.
ورغمَ الأثر الهائل لتفاعلِ القوى الديمقراطية في إنجاز الثورة.. إلا أن ثمارها سقطت في فمِ القوى السلفية.. التي لم تكتفِ بإبعاد وعزل كل العناصر الديمقراطية والاشتراكية واليسارية على وجه العموم، وحرمانها من المشاركة في مؤسسات السلطة، ومقاعد النظام، بل شرعت في مطاردتها وتصفيتها بلا هوادة.. في حرب إبادة إجرامية نادرة… وكأنما أزالت الثورة نظام طاغيةٍ واحد.. لتأتي هذه المرة بطغاة من نوع جديد. ومما يفاقمُ الكارثة.. أنهم مسلحونَ بأيدولوجية سلفية… تضع في أيديهم أسلحةً فذة من التبرير الكامل الشامل. الذي لا يُمكن رده، فهم مكلفون بتحقيقِ عدالة مقدسة.. حتى لو اقتضى الأمر تصفية وإعدام نصف الشعب الإيراني، غير مستثنية الغلمان والفتيات دون العاشرة!! مادام الأئمة يملكونَ الفتاوي التي تُشرعُ لكل عمل إجرامي.. فتعتبر كل امرأة – غير محجبة بمثابة داعرة يُطبق عليها الحد.. !! وكلُّ صبى يوزع أو ينقل منشورات معارضة… ملحدًا ولا مناص من إعدامه طالما يُعارض الحكومة الإلهية، فمع حكمِ الأئمة وجدت المرأة الإيرانية نفسها وقد جُردت من أبسط الحقوق التي حظيت بها في زمنِ الشاه.. على تفاهتها.. وحُرمت الآن من أي وظيفةٍ اجتماعية.. وعُوملت فقط على المستوى البيولوجي.. كزوجة.. وأم.. ليس لها حق الوصاية على أطفالها، فهي مجرد معمل للحمل والولادة والرضاع.. كالماشية والدواجن وما أشبه.
إن نظام الطغاة الجديد.. باسم الدين هذه المرة.. يضعُ أمام القوى الديمقراطية والثورية.. ومن بينها المرأة الإيرانية، مهامًا بالغة الصعوبة، على كل المستويات.. الأيدولوجية والسياسية والعسكرية، ومن ثم فلا شك أن هذا الكتاب وأي كتبٍ أخرى مشابهة يُعد أداةً هامةً في هذه المهام النضالية.
الحركة النسائية في إيران في أعقابِ الثورة
يستعرضُ المقال نهوض الحركة النسائية الإيرانية انطلاقًا من حدث ارتجت له الأوساطُ الإعلامية والسياسية، وذلك حين خرجت آلاف النساء الإيرانيات في مارس ١٩٧٩، (يوم المرأة العالمي في شوارع إيران، معلنات مطالبتهن بالحرية والمساواة). وكان لهذا الحدث دوي عظيم ومغزى شديد الأهمية بالنسبة لبلد له مثل هذا التاريخ الطويل في قمعِ المرأة ” فبدا للوهلة الأولى أن المرأة الإيرانية قد نفضت عنها غبار مئات السنين، وخرجت من سباتٍ عميق تتحدى أسس النظام الأبوي. ولكن مع الأسف، فقدت التطورات اللاحقة في جمهورية إيران الإسلامية هذا التصور، وبشكلٍ خاص بعد موجة القمع التي بدأت في يونيو ١٩٨١، والتي لم تلبث أن حرمت نشرات التنظيمات النسائية كلها وأغلب المنظمات اليسارية. بل إنها كبلت المرأة من جديد بقيودها التقليدية، وبحماس يُذكر بحكم الكاجار أثناء القرن التاسع عشر“.
وترى الكاتبة أنه بالرغم من كل الضربات التي وجهت لحقوق المرأة في إيران وللحركة النسائية بوجهٍ خاص، فإن قضية المرأة هناك قد تعمقت وبرزت خلال السنوات الأخيرة، كقضية رئيسية بصورةٍ لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإيراني كله.
ويصعبُ التعامل، كما تقول الكاتبة، مع هذه القضية بمعزل عن الأحداث السياسية العامة، أي وضعها خارج الصراع الطبقي وإسقاط الشاه وحكمه، لنرى فقط الردة التي حدثت في وضعِ المرأة، خاصةً بعد الإصلاحات التي أجراها نظامُ الشاه لبعض القوانين الخاصة بالمرأة، (مثل حق الانتخاب وقوانين الزواج والطلاق وإتاحة المزيد من فرص العمل لها). فلم تكن هذه الإصلاحات إلا جزءً من التحول الرأسمالي، والذي اتسم بالتبعية منذ اللحظة الأولى، فلم يمس جوهر العلاقات الاجتماعية والاقتصادية.
فظل نظامُ الشاة، ” نظامًا وحشيًا، استبداديًا فاسدًا منغمسًا في زهوه بنفسه وممارسته لسلطته المطلقة بدلاً من تأسيس بناء تحتى اقتصادي اجتماعي، وإحداث إصلاحات بالمجتمع“. وقد طَبعت هذه السمة للنظام كل الإصلاحات الخاصة بالمرأة بطبيعتها . فاستأثر النظام بهذه القضية، وقامَ هو بالدعاية لها. ولم يظهر في هذه الحقبة أي تنظيم نسائی مستقل، بل التحقت المرأة الثورية بصفوف الحركة السرية المعادية للشاه. ولم ينظر لقضية المرأة كقضيةٍ لها استقلالها، بل عقدت الآمال على الثورة المقبلة بما ستجيء به للمجتمع من ديمقراطيةٍ وحرية واستقلال، واعتبرت جزءً لا يتجزأ من قضية المظلومين التي سيتمُ حلها في أعقاب الثورة ضدالشاة ” فلم يروا أي داع للمطالبة بالمزيد من الحقوق للمرأة بينما الجميع يفتقدون لحقوقهم كمواطنين“.
“وبالتالي، لم تطرح أي أهداف للمرأة أثناء الأحداث الثورية وانتفاضات ١٩٧٨، ولم يبرز وعيٌ نسائي مستقل. وبالرغم من ذلك، فالمساهمة الجماهيرية الواسعة للمرأة في الأحداث الثورية دفعت في اتجاه وعيها بذاتها ودعمت ثقتها بنفسها. ولكن مع الأسف، كانت الإمكانيات الكامنة التي أطلقتها تلك الفترة في اتجاه تحرير المرأة. تتعرضُ للإخماد كلما ازدادَ الطابع الديني السلفى للثورة، وأصبحت له السيطرة الأيدولوجية. وفي حين جرى تشجيعُ جماهير النساء على الإضراب والتظاهر والقيام بالمسيرات، متحديات الرصاص والموت، إلا أنه فرض عليهن التسليم بفكرٍ صاغَ هويتهن باعتبارهن مخلوقات ضعيفة ذات إمكانيات محدودة، وحقوق أدنى من حقوق الرجل. وفي ظلِّ النظام الجديد طرح على المرأة العودة إلى دورها الأول كزوجة وأم. الأمر الذي رفضته النساءُ اليساريات وكثيرٌ من النساء المتعلمات والعاملات. وكان هؤلاء هنَّ النواة التي تشكلت حولها الحركة النسائية في إيران بعد الثورة” .
معَ تفاقم الوضع الثوري في إيران، اتخذت الأحداثُ وتيرةً شديدةَ السرعة استحال معها انتقالُ السلطة بشكلٍ سلمي (كما كان يرغب باذرجان ورجالُ الخوميني الآخرون)، ودخلت المرأةُ مجال الكفاح المسلح. فشاركت بأعدادٍ كبيرة في الانتفاضة، سواء كقوات مساندة، أو في توفير الطعام والدواء أو كمحاربةٍ وراء المتاريس.
وشاركت قوى اليسار “فدائيي ومجاهدي الشعب“، في الانتفاضة، ولعبت دورًا قياديًا في المراحل الأولى في الاستيلاء على ثكنات الجيش في طهران.
ومع تأسيس حكومة مهدي باذرجان في فبراير 1979، تم تسليم ادارة الإذاعة والتليفزيون الى قطب زادة (الذي اعدم فيما بعد). وكان من حاشية الخوميني في المنفى ومعروفًا بمعاداته للطلبة اليساريين. فما لبث أن انقض على هذا الجهاز ليطهره من كل العناصر اليسارية، بل ويكدسه بالعناصر السلفية المؤيدة للخوميني. “وكانت النتيجة الأولى لذلك هي إقالة كل المذيعات أو إجبارهن على ارتداء الزي الإسلامي، ثم إلغاء كافة البرامج الفنية وبرامج التسلية، بالإضافة إلى الاستغناء عن المغنيات والحد من إذاعة الموسيقي“.
وتقولُ الكاتبة، وفي مجالِ المهنِ القانونية بدأ رجالُ الدين الذين تم تعيينهم في مناصب بارزة في وزارة العدل في شن حملةٍ ضد ممارسة النساء لأعمال القضاء. وفرضوا إلغاء برامج التدريب لخريجات كليات الحقوق، وردًا على ذلك، تشكلت جمعيةُ النساء المحاميات، لتقوم بحملة احتجاجية ضد تلك الضغوط، وقد تبين نوايا السلفيين في العمل على تصفية وجود المرأة في كل نواحي العمل القانوني.
وعلى نطاق أوسع، بدأت تنتشرُ الشائعات حولَ إلغاء قانون حماية الأسرة، الذي كان يُشكلُ تعديلاً إصلاحيًا في القوانين الخاصة بالزواج. وفي ظل هذا الوضع قام الكثيرُ من الأزواج بتخطى محاكم حماية الأسرة – التي أنشئت لتحكم في قضايا الطلاق وحضانة الأطفال – وأصبح هؤلاء الأزواج يستطيعون الحصول على الطلاق غير المشروط، وشهادات الزيجات المتعددة من مكاتب التوفيق العمومية“.
وقد وصلت تلك التطورات إلى ذروتها في الأيامٍ السابقة على يوم المرأة العالمي، في 8 مارس من ذلك العام. وهكذا تشكلت لجنةٌ من ثلاثة من التنظيمات النسائية (تأسست في أعقاب الثورة) بهدف تنظيم عمل احتجاجی حاشد بهذه المناسبة، يرفعُ صوت المرأة الإيرانية في وجه الهجمة الموجهة إليها من قبل النظام الجديد. وقد شهد هذا اليوم حشدًا من 15000 امرأة تجمعنَ في مبنى صغير بالكلية الفنية بجامعة طهران” . وكان من بينهن رباتُ البيوت والعاملات والمعلمات والموظفات والطالبات وبصفة خاصة تلميذات المدارس اللاتي ألغت مدرساتهن مقررات اليوم الدراسي واصطحبن التلميذات إلى المؤتمر. وبدأ التخريب من قبل العناصر الرجعية منذُ اللحظة الأولى تقريبًا. فتم تعطيل مكبر الصوت، مما أدى إلى منع الأعداد الكبيرة خارج القاعة من الاستماع لما يحدث بالداخل. ومعَ نمو مشاعر الغضب والاستيلاء، قررت المؤتمرات بداخل القاعة الانضمام إلى المؤتمراتُ بالخارج والقيام بمسيرةٍ تصلُ إلى مكتب رئيس الوزراء.
وفور خروجهنَّ إلى الشارع، انضمت إلى المسيرة نساء أخريات، فوصلَ العددُ إلى 30.000. وتفرقت المسيرة فيما بعد إلى مجموعتين، ذهبت الأولى إلى وزارة العدل – حيثُ كان هناك اعتصام للنساء المحاميات – والأخرى إلى منزل آية الله طلقانی (وكان آنذاك أكثر القيادات شعبية بعدَ الخوميني بالإضافة إلى كونه حليفًا لليسار). وعقدت المجموعة الأولى مؤتمرًا خارجَ وزارة العدل، مجددات مطالبهن ومعلناتٍ تأييدهنَّ للمحاميات، كما تظاهرت أيضًا المجموعة الثانية وطالبت طلقائي بتأييد مطالب النساء.
وقد ساهمت عدةُ عوامل في إطلاقِ هذا التحرك الضخم بتلك الصورة التي فاجأت الجميع. فعلاوةُ على الشائعات المتعلقة بإلغاء قانون حماية الأسرة (الذي ألغي فعليًا فيما بعد)، والهجمة الموجهة إلى النساء العاملات والشابات من الطبقات الوسطى والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى. ففي خطابه هذا استنكر الخوميني يومَ المرأة العالمي واصمًا إياهُ بأنه بدعة غربية لا علاقة للمرأة الإيرانية بها، وأكد على ضرورة تحجب المرأة الإيرانية، الأمر الذي تمَّ تفسيره باعتباره تمهيدًا للفرضِ الإجباري للحجاب.
ولم يقتصر تحرك 8 مارس على طهران وحدها، بل امتدت المؤتمراتُ والمسيراتُ إلى مدن إيرانية أخرى، وعلى سبيل المثال اشتركت ۳۰۰۰ امرأة في مظاهرة بمدينة شيزار حيثُ أعلنَّ تضامنهنَّ مع النساء في كل أنحاءِ العالم.
وقد تجاهلَ النظام بالطبع هذه الأحداث، واتهمَ القائمات بها بالعمالة للنظام القديم، وبأنهن نساءٌ فاجرات، وردًا على ذلك استمرت المظاهرات لثلاثةِ أيام متتالية، وقامت العناصرُ السلفية المتزمتة و “البلطجية ” بتفريقها، مستخدمةً الضرب والطعن بالسكاكين، ومع ازدياد عدد الجرحي، تمَّ إيقاف المظاهرات، خشية أن تستفيدَ منها العناصر المعادية للثورة. كما تراجع النظامُ مؤقتًا، ووعدَ بالنظرِ في هذه المطالب. وفي تلك الفترة ظهرت على صفحات الجرائد العديد من المناظرات حولَ قضايا المرأةَ وحقوقها، وما إذا كان مغزى الحجاب هو مجرد خباء للجسد .. أي ظاهري، أم يمكن فهمه على أنه معنوي يخصُّ شخصية وأخلاق المرأة.. الخ. وكان المناخ كله يعكس انتصارًا جزئيًا للمرأة، وإن كان مؤقتًا. فسرعانَ ما أوقفت هذه المساجلات كليةً بعد أن دعمت القوى السلفية مواقعها داخل الدولة في العام التالي.
ومعَ ذلك، فقد خرجت المرأةُ الإيرانية من هذه التجربة وهي أكثر تنظيمًا وقوة، فتشكلت منظمتانِ جديدتان من بين القوى التي نشطت في هذه الأحداث، أما المنظمة الأولى، ” اتحادُ المرأة الوطني. “فقامت بإصدارِ جريدةٍ نصفِ شهرية بعنوان ” المرأة في الكفاح“، وقد اتسع انتشارُ هذا التنظيم على المستوى القومي وصارت له مراكز في معظم الولايات والمدن الرئيسية. أما المنظمة الأخرى، “تحرير المرأة ” فكانت أقل نجاحًا في الانتشار. وبعد عامٍ من التأسيس اضطرت لإخلاء مكاتبها واللجوء للعمل السري بشكل كامل. وكانت تصدرُ هذه الجريدة النصف شهريةً حتى صيف ١٩٨١، حين أدت موجة الإعدامات والاعتقالات إلى توقف كل نشرات المعارضة.
وكانت هاتان المنظمتان تنتميان إلى اليسار من الناحية الأساسية. أما التنظيمات النسائية الأخرى، فكانت تنتمي أساسًا إلى الطبقة البرجوازية، ومنها من تشكل خلال الأربعينات. كما لم تقم بأي نشاط جماهيري ولم تُصدر صحفًا. ومن ناحية أخرى، كانت هناك المنظمات النسائية الإسلامية، التي تشكلت أساسًا لدعم النظام في صفوف المرأة التقليدية.
وكانت الظاهرةُ الثانية لتطور حركة المرأة الإيرانية في أعقاب الثورة، هي تشكيلُ المنظمات النسائية المرتبطة بمواقع العمل بالمهن المحددة. وكان اتحادُ المحاميات من أبرزِ تلك المنظمات النسائية المهنية، وقامَ بتنظيمِ العديد من الاعتصامات والأعمال الاحتجاجية الجماهيرية، كما كان يتمتعُ بتأييد القوى الديمقراطية واليسارية. ولكن ما لبثت أن تحولت قضيةُ المرأة المحامية إلى مجرد قضية جزئية صغيرة، وذلك في ظل الحملة اللاحقة التي استهدفت تصفيةَ المؤسسة القضائية المدنية برمتها، وبالتالي، ضاع كفاحُ المحاميات في وسطِ دمارِ مهنة المحاماة ذاتها في إيران.
ومن المنظمات النسائية الأخرى، تلكَ التي تشكلت في البنك المللي ووزارة العمل ومكتب الاتصالات ومنظمة التخطيط وكثير من الوزارات والمنظمات العامة، وبعض من المصانع الموجود بها نسبة عالية من النساء. ورفعت هذه الجمعيات مطالب تتعلقُ بوسائل رعاية الأطفال وبالمساواة في الأجر وبعلاوات الوضع.. الخ“. وكانت أولئكَ النساء هن اللاتي خرجنَ إلى الشوارع في مظاهرات عفوية ضد التحجب الإجباري للموظفة الحكومية الذي تم فرضه في يوليو ١٩٨٠، على أن النظام كان قد نجح، آنذاك، في قمع وإسكات كثيرٍ من النساء اللاتي نشطن في تنظيم زميلاتهن وبلورة مطالبهن. وقد اتسعت فيما بعدُ عملية الطرد والتشتيت هذه لتشمل جزءً ضخمًا من المجتمع .
من ناحية أخرى، قامت مجموعاتٌ كبيرة من الشابات، والطالبات، والمدرسات، بالاحتجاج على عدد من المشاكل التي نتجت عن الثورة، من أهمها مشكلة البطالة التي عانى منها بشكل خاص صغارُ السن “وعامة أظهرت النساءُ العاملات بالمجال التعليمي أعظم درجات الكفاح، ففي أكثر من مناسبة تم الاعتصام بمكاتب وزارة التعليم في المدن من قبل الشابات، وأحيانًا تم احتجاز كبار المسؤولين كرهائن لتسهيل المفاوضات” ، وضمت هذه الحركةُ بشكل أساسي الخريجات اللاتي حُرمن من التوظيف بعد انتهاء خدمتهن العسكرية، وأيضًا طالبات المدارس الفنية اللاتي حُرمن من التعليم، وتم رفدهن بعد إصرار النظام على حل التعليم المختلط، ونتيجةً لعدم توفير الحكومة الموارد لتأسيس مؤسساتٍ تعليمية مستقلة، اضطررن إلى ترك الدراسة أو تغيير التخصص، إذا وجدن المدرسة التي تقبلهن)، ومع تفاقم الأوضاع القمعية انصبت أهدافُ هذه المظاهرات والاحتجاجات على المطالبة بحرية الكلمة ورفض الرقابة على الصحف.
وفي أغسطس ۱۹۷۹، انتهى شهر العسل الديمقراطي مع النظام الجديد، الذي قامَ بالاستيلاء على المكاتب الرئيسية لتنظيمي فدائيي ومجاهدي الشعب في طهران. وقد قام التنظيمان بإخلاءِ مكاتبهما تجنبًا لحدوث مجازر. واضطرا إلى اللجوء إلى العمل السري. ولكن نتيجةً للمناخ الثوري في البلد، لم يتمكن النظامُ من تصفية منظمات اليسار، فاستمرت في بيع نشراتها وإقامة الأكشاك لعرض مطبوعاتها وعمل معارض فوتوغرافية… معلنةً بذلك عن هويتها بوضوح، وأصبحت الهجمات اليومية للفرق الدينية السلفية المعادية لليسار، فاستمرت في بيع نشراتها وإقامة الأكشاك لعرضِ مطبوعاتها وعمل معارض فوتوغرافية… معلنةً بذلك عن هويتها بوضوح؟، وأصبحت الهجماتُ اليومية للفرق الدينية السلفية المعادية لليسار على الأكشاك والأشخاص الذين يقومون ببيع جرائد التنظيمات اليسارية، تتراوحُ في قسوتها وعنفها حسبَ التغيرات في المناخ السياسي العام في البلد . كما تراوحت الهجماتُ على مكاتب اليسار وجرائد المعارضة الأخرى بين ضرب العاملين وإهانتهم إلى الحرق والتدمير“.
وفي سبتمبر، اضطرت أخرُ الجرائد القومية الثلاث التي تصدرُ يوميًا، والتي ظلت خارج سيطرة النظام، إلى إغلاق أبوابها، وخرجت مظاهرةٌ كبيرة تألفت من نصف مليون شخص، بدعوةٍ من الجبهة الوطنية الديمقراطية، احتجاجًا على تشديد الرقابة على الصحف وعلى الهجمات المتزايدة على الحقوق الديمقراطية..
ولم يكن من الواضح تمامًا هوية تلك العصابات الفاشية المعروفة باسم “أحزاب الله“. فلقد كانت أعمالهم في حرق الكتب وتخريب اجتماعات ومظاهرات اليسار والاعتداء على المشاركين فيها، يتمُّ التغاضي عنها من قبل قوات الأمن حديثة التشكل، المسماة بالحرس الثوري (الباسدران). وكانوا يتشكلون من الشباب الذي أظهر ولاءً شديدًا للخوميني وللشعارات الدينية، بينما كانوا يعملون في اللجان المحلية، المعروفة بلجان الإمام. وقد تم تطهير هذه اللجان (كوميتيه) في الشهور الأولى اللاحقة للثورة وإخضاعها لسيطرة الحزب الإسلامي الجمهوري تحت قيادة آية الله باهيشتي، الذي أصبح فيما بعد وزيرًا العدل.
وتطور هذا التنظيم ليكون فيما بعد أكبر تنظيمٍ جماهيري، ويتمتع بشبكةٍ من المؤسسات الدينية في كافة أنحاء البلاد ..
وفي صيف 1979، وبالرغم من الوعود الخاصة بالدعوة لجمعية تشريعية، انعقد مجلسُ خبراء ليقوم ببعض التعديلات في الدستور الذي تم تشريعه بشكل سري، وتكون هذا المجلس من 70 عضوًا بدلاً من الـ ٣٠٠ عضو المتوقعين، وكان خاضعًا لهيمنة رجال الدين ومؤيديه من السلفيين. وكانت نتيجة هذا الاجتماع هي الوثيقة التي على أساسها تم تشييد نظام حكم النخبة الدينية تحتَ قيادة الخوميني، والتي أعطت له الحق في طرد الرئيس المنتخب وحل البرلمان وقتما يشاء. وتضمنت هذه الوثيقة بنودًا خاصة بالمرأة، من بينها عدم إعطائها حق الوصاية على أطفالها.
وقد عارض اليسار والقوى العلمانية وكثير من ممثلي القوى الدينية المستنيرة (مثل باذرجان وبني صدر) هذا الدستور. وقامَ اليسار والقوى الأخرى، باستثناء القوى الإسلامية الليبرالية، بمقاطعة الاستفتاء على الدستور. أما في المناطق غير الفارسية فقد قوبل بالهجوم والعنف، ولكن بالرغم من مقاطعة القوى الديمقراطية ورفض القوميات الأخرى ( التي تُشكلُ نصف عدد سكان إيران)، خرجت النتيجة بالموافقة. ونصب الخوميني دكتاتورًا مطلقًا فوق الجميع. وإن كان تدخلُ النظام بأجهزته الجديدة الفتية في تحديد هذه النتيجة واردًا بل أكيدًا، إلا أن الأحداث والقوى المتصارعة في الواقع كانت تدفعُ أيضًا بمثل هذه النتيجة.
ففي نوفمبر (الشهر السابق للاستفتاء هاجمت مجموعةٌ من الطلاب المنتمين للحركة الإسلامية، السفارة الأمريكية واحتجزت الرهائن الأمريكية بتشجيعٍ وتوجيه من رجال الدين والباسدار في الحكم. وقد فجر هذا العمل كل المشاعر المعادية للامبيرالية والغرب التي تمت في عهد الشاه. وقد نتج عنه استقالة باذرجان وقيام مجلس الثورة الموجه من قبل رجال الدين بالحكم بصورةٍ مباشرة. وانتهزت قيادةُ الحزب الإسلامي الجمهوري هذا الوضع لاستثمار المشاعر المعادية للامبيرالية والغرب، لدى الجماهير الإيرانية، من أجل عزل الجناح الإسلامي الليبرالي الذي كان له بعض الوجود بالحكم من ناحية، ولتوجيه – الضربات العنيفة لليسار الذي كان هو دائمًا المعبر الأساسي عن هذه الشعارات من ناحية أخرى. فتمكنوا في نهاية المطاف من الانفراد بالسلطة والقيادة السياسية للبلاد.
ومنذ البداية. أدرك الخوميني، ذلك السياسي المحنك، أن تأييده الكامل للطلبة يدعمُ وضعه كقائدٍ للثورة دون منازع. وأنه سوف يؤدي إلى إطفاء لهيب المعارضة والسخط المتنامي من جراء أسلوب حكم نظامه للبلاد. مما يجعلُ في إمكان النظام تجاهل مشاكل البطالة المتصاعدة والتضخم وقمع الأقليات القومية، والرقابة المتزايدة والاعتقال وحالات الإعدام والهجوم على حقوق المرأة، وذلك عن طريق تحويل الأنظار والاهتمام إلى المعركة الجديدة مع “إبليس الكبير.” وقد تم التصدي للاعتراضات حول الطبيعة اللاديمقراطية للدستور عن طريق النداء من أجل الوحدة الوطنية، وضرورة دعم الصراع ضدَّ العدو الرئيسي. الامبريالية الأمريكية“.
وأسفرَ هذا الحادث عن عدة مكاسب للقوى السلفية، فكانت نتيجة الاستفتاء على الدستور بالإيجاب، كما تم عزل الجناح الليبرالي الإسلامي الذي قامت جريدة ” الجمهورية الإسلامية“، جريدة الحزب الإسلامي الجمهوري، بالتشهير به. هذا وقامت تلكَ الجريدة بتغطية أحداث الرهائن ونشر الوثائق الموجودة بالسفارة، مما أكسبها شعبيةً كبيرة،ً وكان الحدثُ الوحيد الذي لم يكن في صالح القوى السلفية هو انتخاب ” بنی صدر” رئيسًا للجمهورية. وقد نتج ذلك نتيجة حجب حق الترشيح عن رجال الدين، والافتقاد إلى أي شخصيةٍ من خارجهم تضاهي شعبية بني صدر.
“على أنه في إبريل اللاحق، قام رجالُ الدين من مواقعهم بالحكم بشن حملة كُبرى ضد اليسار. ومع فوزهم، بمعظم مقاعد البرلمان، في الأغلب عن طريق التزوير، شرع السلفيون في عزل بني صدر وباقي الليبرالين في النظام. وتم قمع اليسار قمعًا كاملاً عن طريق الهجوم على الجامعات.. المنبرُ الوحيد الذي ظل مفتوحًا لليسار“.
وكان رجالُ الدين يعرفون جيدًا أنه ما دامت المجموعاتُ الإسلامية السلفية تشكلُ أقليةً بسيطة داخل الجامعات، فان إسكات المعارضة في هذه المؤسسات ممكنٌ فقط عن طريق إغلاقها. وهكذا .. ولمدة ثلاثة أيام ولياليها، من ١٩ – ٢١ إبريل١٩٨٠، هاجمت العصاباتُ المدعاة “بأحزاب الله“، الطلاب الذين حصنوا أنفسهم داخل مباني جامعة طهران لمنع إغلاق الجامعة. وبعد أن مات ٢٢ منهم وأصيبَ المئات، اضطر الطلبةُ أخيرًا للاستسلام وإخلاء المباني.
وأثناء الأيام والأسابيع التالية، تم اقتحامُ معاهد وجامعات أخرى في طهران وفي مدن إيرانية أخرى من قبل العصابات والبلطجية. وكانت أبشع حادثةٍ خارج طهران في الأهواز. فهناك قام ممثلُ الخوميني بالدعوة في ٢٢ إبريل، للصلاة على أرض الجامعة، وكان الهدف واضحًا، وهو تجميعُ الفرق الدينية المحلية وعمل مواجهة بينهم وبين الطلبة اليساريين, وكانت النتيجة قتل 6 من الطلاب وإصابة العديد منهم بإصابات خطيرة. وتم اعتقال أكثر من ألف طالب من الطلاب أكثرهم من النساء، بعد أن ضُربوا ضربًا مبرحًا واعتديَ عليهم جنسيًا. وبالنسبة لأولئك الذين فروا إلى المستشفيات القريبة نتيجةً لإصابتهم، فقد تم اللحاق بهم والاعتداء عليهم واعتقالهم هم وعدد من الأطباء. وبعد يومين من الاضطرابات التي حدثت في مباني البلدية، حيث تم حجز ٢٥٠ طالبًا، وقام الباسدار (الحرس الثوري)، بإطلاق النار على الطلبة، مما تسببَ في قتل خمسةٍ منهم وجرح العديد . ومما يؤسفُ له، أن الغضبَ الذي تولد عن هذا القمع الوحشي للجامعات، ثم تحويل مجراه عن طريق المطالبة بالوحدة الوطنية في أعقاب محاولة الإنقاذ الأمريكية الفاشلة للرهائن، فقد حدثت تلك العملية الأمريكية الفاشلة بعد بضعة أيام من إغلاق الجامعة، لتعيد تركيز الأنظار على القضية الأكثر مباشرة لتهديد الأمن القومي من قبل الولايات المتحدة.
وقد بات من الواضح، أن التكتيكات ذات الطابع النازي قد نجحت في ضرب كافة القوى اليسارية والديمقراطية مما اضطرها إلى اللجوء للعمل السري.
وسيطر الحزبُ الإسلامي الجمهوري على كافة المؤسسات العامة والحكومية، وقاموا بوضع رجالهم على رأس عديدٍ من المنظمات. وفي يونيو 1985 عقب انتخاب الرجاج (مرشح الحزب الاسلامي الجمهوري)، رئيسًا للوزارة، بدأ النظامُ في شن حملةٍ جديدةٍ واسعة المدى ضد معارضيه. فتحت دعوى ضرب بقايا الحكم الفاسد السابق وبسط الطابع الإسلامي على المؤسسات، والدعوة للثورة الثقافية، تم تبرير إغلاق الجامعات وطرد العديد وإقالتهم من عملهم، ولم يكونوا جميعًا، بأي حالٍ من الأحوال، من مؤيدي النظام السابق. وبالنسبة للمرأة، فقد طُرحَ الحجاب الإجباري من جديد في يونيو ١٩٨٠، وقد استخدمَ هذا القانون لطردِ العديد من النساءِ من عملهم وإغلاق فرصِ العمل أمامهن.
شهد ربيع وصيف 1979 العديد من الإجراءات المضادة للمرأة، فتم إلغاء قانون حماية الأسرة وخفض سن الزواج من 18 إلى 13 سنة، ومنع المتزوجات من الالتحاقِ بالمدارس الثانوية، ومنع اشتغال النساء بالقضاء. وبالرغم من التراجع الجزئي الذي تلا يوم المرأة العالمي، جاء الدستور الجديد ليصوغ دور المرأة كدور مربية وخادمة بالبيت.
وردت التنظيماتُ النسائية بتأسيس لجنة تضامنٍ مشتركة دعت لمؤتمر عام في نوفمبر 1979. ورغم مختلف محاولات التخريب، نجح المؤتمر نجاحًا باهرًا . كما صدر عنه بيان طالب بحقوق متساوية للمرأة في العائلة والمجتمع وبمشاركتها الكاملة في الشؤون السياسية والاجتماعية. وأفرد نصف البيان لمناقشة القضايا السياسية العامة انطلاقًا من أن قضية المرأة هي جزءٌ لا يتجزأ من قضية نضال الجماهير في سبيل تحررها من العبودية للامبريالية.
وقد شجع نجاحُ هذا المؤتمر على المضي قُدمًا في التحضير لاحتفال جديد بيوم المرأة العالمي لعام ۱۹۸۰ وانعقد بالفعل مؤتمرٌ حاشدٌ في جامعة طهران، كما عُقدت الندوات والاحتفالات في عددٍ كبيرٍ من المدن الأخرى.
ولكن كان للخلافات فيما بين المجموعات المختلفة أن تضعف من إمكانيات تطور العمل النسائي المشترك. كما أدى تصاعد الحملات القمعية ضد المعارضة الشعبية، أكرادًا وطلابًا ويسارًا إلى خفوت الطابع المتميز للنضال النسائي، حيثُ باتَ النضالُ من أجل الديمقراطية في مواجهة النظام الاستبدادي هو الطابع الرئيسي.
وفي الرابع من يوليو 1980، بعد بضعة أيام من تعيين الرجاج لرئاسة الوزارة، صدرَ “قانون الحجاب” وأصبح ارتداءُ الزي الإسلامي والحجاب إجباريًا على كافة النساء العاملات بالحكومة والمنظمات العامة.
ولم تكن التنظيماتُ النسائية على استعداد لتنظيم الحملة الضرورية لمجابهة مثل هذا القرار، ولكنهنّ شاركن في المظاهرات التي خرجت في اليوم التالي إلى مكتب رئيس الوزراء، والتي قوبلت بالضرب بالعصي وباعتداءات بلطجيةِ “أحزاب الله“، الذين أضافوا إلى جرائمهم جريمة الاعتداءات الجنسية، قولاً وفعلاً، وقد وافق بني صدر على مقابلة ممثلين عن اللجنة النسائية لسماع مطالبهن. ولكن عند ذهابهن، رفض إدخالهن وطولبنَ بتقديم المطالب التي تركزت في النقاط التالية: تغيير قوانين الزواج والطلاق، إزالة المعوقات أمام التعليم والعمل للمرأة، (خاصة في المجال القانوني– وبعد أن تم إعلان قرار منع دخول المرأة كلية الحقوق)، الإلغاء الفوري لقرار التحجب الإجباري. وكان آخر هذه المطالب يتعلقُ بإيقاف المضايقات والإهانات التي تتعرضُ لها النساء العاملات، مثل الطبيبات والمدرسات والموظفات..الخ. هذا وقد قامَ الحزب الإسلامي الجمهوري بقيادة حملة واسعة ضد المتظاهرات، متهمًا إياهن على صفحات جريدته بتأييد الشاه والامبريالية، وبأنهن مجرد دمى للغرب، داعراتٍ ومتبرجات..الخ.
وفي يوليو وأغسطس١٩٨٠، أنطلقت حملةٌ وحشية في الشارع ضد المرأة التي امتنعت عن ارتداء الحجاب والزي الإسلامي. وشهد العددُ اليومى للمصابات اللاتي تعرضن لهجوم “مجهولين” أثناء سيرهن في الشارع، ارتفاعًا متواصلاً، وترواحت الهجماتُ من الطعن بالسكاكين والضرب بالحجارة إلى استخدام الكيماويات وماء النار. ولم يتم القبض على أي من المهاجمين بالرغم من الانذارات الصورية التي قامت بها الحكومة. وتُعطى الكاتبة المثل التالي لأحد مظاهر هذا الإرهاب الوحشي، فتقولُ، ” وبينما كانت إحدي القريبات لصديقٍ لعائلتنا تستقلُّ السيارة مع زوجها أثناء الليل في بداية شهر أغسطس في طهران، أوقفها عددٌ من الرجال لتفتيش السيارة. وعندما اكتشف الرجال أنها ترتدي فستان بلا أكمام، أنذروها بأنها لا يُمكن أن تتركَ بلا عقاب على هذا الفعل، وأُعطيت حينئذ حق الاختيار بين عقابين، أحدهما هو طعنُ يدها عدة طعنات والآخر هو إلقاءُ ماء النار على يدها . وإزاء هذا الاختيار المفزع، أجهشت المرأةُ في البكاء ولكنها في الآخر فضلت الطعن على أمل أن يكون تأثيره أقل على المدى البعيد“.
ومع بداية الحرب مع العراق في سبتمبر ۱۹۸۰، هيأت الحملةُ العامة ضد المرأة لبضعة شهور، ثم انطلقت مرةً أخرى بحمية أشد بعد إقالة بني صدر، آخر العناصر المعتدلة من الحكم في يونيو من العام التالي. وصدرت توجيهاتٌ حكومية بخصوص منع تعيين أي امرأةٍ غير محجبة، سواء بالحكومة أو بالشركات والمؤسسات الخاصة، وصدرت تعليمات للمحلات في كافة المدن بالامتناع عن خدمة أي نساء غير محجبات، كما صدرت تعليمات أيضًا لشركات الطيران بعدم السماح للنساء غير المحجبات بالسفر على خطوطهم الجوية.
تدهور أوضاع المرأة في ظل الجمهورية الإسلامية: منذُ صيف 1979 والهجمات على حقوق المرأة في تصاعدٍ مستمر بالرغم من التوقفات اللحظية. وكان يومُ ٢٠ يونيو ١٩٨١ نقطة تحولٍ جديدة في الصراع الدموي من أجل السلطة بعد الثورة. فمع تبلور أقطاب الصراع وتزايد شعبية واتساع صفوف تنظيم مجاهدي الشعب، واستفحال التناقض داخل السلطة بين الأئمة من ناحيةٍ وبني صدر، ذو الشعبية الواسعة في صفوف الجيش من ناحيةٍ أخرى، كان الصدامُ الشاملُ حتميًا. وفي ذلك اليوم قام مجاهدو الشعب بقيادة مظاهراتٍ شعبية ضخمة وتصفية كافة مواقع الإسلام الليبرالي في السلطة، فقام مجاهدو الشعب من جانبهم بتنظيم محاولة للانتفاضة المسلحة بدأت بتفجير المركز الرئيسي للحزب الإسلامي الجمهوري في ٢٨ يونيو١٩٨١ . الأمر الذي أسفرَ عن قتل آية الله باهيشتي والعديد من الأعضاء القياديين للحزب. وكان من المخطط أن يتلو هذا التفجير هجومٌ مسلح على مباني (الباسدار) و“الكومينية.” وكان من شأن هذه الأعمال المسلحة لو تم تدعيمها بانتفاضةٍ جماهيرية كتلك التي حدثت في فبراير، أن تؤدي في الأغلب إلى إسقاط نظام الخوميني. ولم تنجح المحاولةُ بل ترتب عليها أفظعُ النتائج بالنسبة لكافة المعارضة اليسارية في إيران.
“ومثلت موجةُ الإعدامات وإطلاق النار في الشوارع والمجازر التي تلتها أفظع الفترات وأكثرها وحشية في تاريخ إيران. فكان يتم اعتقالُ الشباب والشابات في الشوارع، ثم يجري إعدامهم بعد أيامٍ في حوش السجن. وتم إعدام فتيات في سن ۱۱ و ۱۲ سنة بتهمة عدم إعطاء أسمائهن وعناوينهن، ومن ثم الشك في تعاونهن مع تنظيم “المجاهدين“. وكان تصريح النائب العام لطهران، آية الله غيلاني، حول تلك الجرائم التي ارتكبت ضد الأطفال، “أن الإسلام يعتبرُ الفتاة في التاسعة من عمرها قد أصبحت في سن المراهقة، وبالتالي راشدةً ومسؤولةً عن تصرفاتها“. كما جرى إعدام عدد من النساء والحوامل في الشهور اللاحقة. ووفقًا لتقريرٍ لتنظيم المجاهدين كانت إحدى حالات الحمل هذه في الشهر الثامن. وتصاعدت الاعتداءات في الشوارع، وحالات الضرب الوحشي والاعتقالات والتعذيب والإعدامات التي نُفذت في معارضي النظام خلال الشهور التالية وحتى شهر يونيو. وتتراوحُ الأرقام عن عدد حالات الإعدام في هذا العام بين ألفين وثمانية آلاف. ولا يُمكن للرقم الأدنى وهو الرقم الرسمى الذي اعترف به النظام، إلا أن يكون كسرًا من الرقم الحقيقي. ففي شهر سبتمبر وحده، تم إعدام ۷۰۰ رجل وامرأة وفقًا لقائمة الأسماء المنشورة بالجرائد. وكانت 15% من الأسماء المنشورة في هذا الشهر وفي الشهور الأخرى من النساء. وبجانب ذلك استمرت الاعتقالاتُ لتصل إلى رقم يتراوحُ بين عشرة آلاف (الرقم الرسمي) وخمسين ألفًا وفقًا للمعارضة.
وبعد ثلاث سنوات من هذه السياسات تم فرض الحجاب بصورةٍ تامة، ونجحت السلطة في فرض سياسة تحريم الاختلاط .. سواء في المدارس أو الجامعات أو أماكن العمل أو المصانع أو المعامل أو الشواطيء.. الخ.. ومن جراء منع المدرسين من التدريس بمدارس البنات، تُركت موادٌ كثيرة في تلك المدارس بلا تدريس، (كالرياضة والعلوم). وفي مجال التعليم العالي، وبعد أن مُنعت المرأة من دراسة الرياضة والعلوم والهندسية. كما سعى النظامُ إلى تعديل الكتب الدراسية ليتم تخصيص كتبٍ دراسية مختلفة للفتيات عن تلك التي للصبية. فيصرحُ وزير التعليم بأن احتياجات الفتيات التعليمي تختلفُ عن الصبية. فينبغي زيادةُ تعليم الحياكة للبنات والإقلال من الرياضةِ والعلوم والكيمياء… إلخ.
وفي المجال القانوني كان لإلغاء قانون حماية الأسرة تأثيره على وضع المرأة تأثيرًا بالغًا. كما فُرضت على المرأة قوانين أخرى وحشية تسمحُ للسلطات بتوجيه الاتهامات الجزافية للنساء، وتوقيع عقوبات الجلد والرجم والإعدام لأقل الشبهات. وكثيرًا ما الصقت المحاكمُ تهمًا تتعلقُ بالجنس بالنساء المناضلات لتبرير الحكم عليهن بالإعدام.
“قالت إحدى الصديقات الإيرانيات“: أن الخوميني قد جعل الكثير من النساء أكثرُ وعيًا بالاستغلال الواقع عليهن وحقوقهن، أكثر من أي فئة أخرى في إيران.” وإن كانت هذه العبارةُ تحمل آلام كل ما وقع على المرأة من اضطهادٍ، إلا أنها تعكسُ أيضًا واقع الإصدار على البقاء والنمو من قبل التنظيمات النسائية التي تشكلت في أعقاب الثورة. كما أصبحت قضيةُ المرأة قضيةً تتبناها كافةُ القوى الديمقراطية والليبرالية والثورية. لقد فرضت نفسها على الجميع بعد أن تجاهلتها في السابق مختلفُ القوى بما فيها اليسار التي طمستها ضمنَ نضالها العام. لقد تبين للكثير من النساء الفاعلات وللتنظيمات اليسارية، ضرورة وجود حركة نسائية منظمة ومستقلة تستطيعُ أن تنشر قضايا المرأة وتناضل من أجل حقوقها على مجالٍ واسع النطاق.