قهرهن المجتمع بالمثل القائل : ” بيت أبويا يحبنى مستغنية وبيت جوزى يحبني عفية “
يقول المثل الشعبي “بيت أبويا يحبنى مستغنية وبين جوزى يحبني عفية” أى أنه ليس من حق المرأة أن تحتاج أو تمرض فهى عبء ثقيل لذا فهى آخر من يأكل وأول من يشبع وليس من حقها أن تمرض ، فهذه ليست شروط الأب والزوج فقط ، يمكن أن نضيف رغم كل ما يقال عن تمكين المرأة وحقوق المواطنة أن الدولة تحبها “مستغنية ومتعافية” فلا تمرض ولا تطلب وإن مرضت وطلبت علاجها حتى لو كان علاج آثار عنف وقع عليها ، أو كانت تسعى لحقها في الولادة الآمنة فهى وخاصة إن كانت فقيرة ستجد حقوقها كمواطنة وكإنسانة منهارة هذا إن كانت تعرف أن لها حقوقًا أصلاً
لمياء لطفى
ففي دراسة أجراها عدد من الباحثين بمركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية عن الخدمة العلاجية بمستشفى الجلاء للولادة رصدت عددًا من الانتهاكات الجسيمة لحقوق المريضات ، التي تعد انتهاكًا لأحد أركان المواطنة ، وهو الحق في العلاج ، وعن الدراسة ونتائجها تقول د. هانية شلقامي أستاذ باحث بالمركز “كانت الدراسة لرصد الخدمة العلاجية في حالات الولادة الطبيعية ، وطرحنا أسئلة حول القواعد المحددة التي تحكم عمل الطبيب ، وإذا ما كانت هناك قواعد مختلفة من طبيب لآخر حسب رؤيته وأسلوبه في العمل ، وقد استمر البحث لمدة ٢٨ يومًا تابعنا فيه عدد النساء الحوامل من لحظة دخولهن المستشفى وحتى اتمام عملية الولادة ، كما تابعنا حالات ما بعد الولادة وأجرينا لقاءات معهن ومع الأطباء ، واكتشفنا أن الخدمة الطبية جيدة جدًا، ولكننا نجزم أن الأطباء في مستشفى الجلاء للولادة يعملون مثلهم مثل كل الأطباء في المستشفيات العامة تحت ضغط ظروف شديدة الصعوبة حيث تتردد علي المستشفى يوميًا ٣٠٠ حالة وعدد الأطباء لا يتجاوز ۲۰ طبيبًا .
جملة اعتراضية
اسمحوا لنا بجملة اعتراضية لكنها ليست خارج الموضوع فقد أصدر وزير الصحة د. حاتم الجبلي قرارًا بالغاء تكليف الأطباء منذ بضعة أشهر ، ذلك القرار الذي أوقفه احتجاج الأطباء أنفسهم ودعم نقابتهم لاحتجاجهم ، كما صرح أكثر من مرة بأن عدد الخريجين في كليات الطب أكثر من الاحتياج لهم ولا تعرف هل احتياج المستشفيات الاستثمارية أم المستشفيات العامة التي يسيل عليها لعاب المستثمرين لشرائها ، وبالتالي فهم أى المستثمرون لا يحتاجون للعمالة الموجودة بها عمومًا والأطباء على وجه الخصوص – انتهت الجملة الاعتراضية
الضرب وحقن الطلق
تواصل د. هانية قائلة : ” رصدنا بعض أشكال التجاوزات التى لها آثار سلبية وخطيرة ومنها استخدام حقن تحمى الطلق والمفروض أن يستخدم هذا العقار بحذر شديد وبعد دخول الوالدة للمستشفى بفترة مع المراقبة والتركيز، ولكن ما يحدث في مستشفى الجلاء هو أنه يتم حقن كل النساء دون تمييز بعد مرور أقل من نصف ساعة على دخولهن، وما يحدث لهن مشاكل خاصة مع تكرار الولادات فقد يتسبب في حالات انفجار الرحم أو سقوطه أو يسبب نزيفًا حادًا .
وقد برر الأطباء التسرع في حقن النساء بحقن “تحمية الطلق” بنقص عدد الأسرة الموجودة في المستشفى بمعنى التعجيل في توليد الحامل حتى تخرج سريعًا وتترك سريرها لأخرى وإلا سيضطر الطبيب لوضع مريضتين وأحيانًا ثلاثة على سرير واحد انتظارًا لمرات الطلق الطبيعية دون تدخل .
وترى د. هانية أن المشكلة أن مصر ليس بها نظام صحى بل المسألة لا تعدو كونها لحظة علاجية المريض ليس مشاركًا فيها ، لحظة لا يتم فيها تمكين المريض صحيًا أو إنسانيًا ، وتحول الولادة إلى لحظة علاجية بحتة ، فالوالدة لا تنتظر خدمة جيدة فهى تشترى العقار بدون وعى بأضراره أو أثاره الجانبية ، وتضيف د. هانية : “النظام القائم في العلاج لا يضع حياة المواطن أمامه بشكل عام ، ولا يناقش تأثير العلاج الذي يتلقاه وهو في سن العشرين عندما يصل إلى سن الستين من عمره ،وبالتالي لا يضع لحظة الولادة في سياق صحة المرأة الإنجابية بل يعتبرها لحظة لإخراج الطفل من رحم الأم بغض النظر عن المضاعفات التي قد تحدث لها مستقبلاً بسبب الإهمال .
وتشير د. هانية إلى تعرض النساء أثناء الولادة للضرب، وبشكل اعلى من الطبيبات والممرضات وأحيانًا من الأطباء ولكن بنسب أقل ومبرر مقدمي الخدمة أن الضرب يجعل الوالدة مطيعة ويرجعوه أيضًا لضعف الإمكانات
وتؤكد د. هانية أن استمرار النظام العلاجي الطبي وليس النظام الصحي سيظل قائمًا بل سيزداد ترسيخه خاصة مع عدم وعى متلقى الخدمة بحقوقهم، بل هم وهم لا يتوقعون ولا يطالبون بأكثر من تلقى خدمة علاجية لحالة محددة
تواطؤ طبي
ومن زاوية أخرى تؤكد د. ماجدة عدلى – مركز النديم لعلاج ضحايا العنف – أن الانتهاك في حقوق المواطنة وحقوق الإنسان الواقع على النساء يبرز واضحًا في حالات العنف التي يتعرضن لها وتوضح قائلة : ” النساء المعنفات يتعرضن لمشاكل خاصة بتوثيق الإصابات ، وفقًا لقانون العقوبات من واجب الطبيب الإبلاغ عن وقوع جريمة في حالة استقبالنا لمصابة وشككنا أن الإصابات تحمل شبهة جنائية ، ولكن أخلاق المهنة تلزمنا بالاستئذان من المصابة ، التي قد تنكر في حالة التبليغ كما يعطيها القانون الحق في التنازل ، وهناك إشكاليات متعلقة بالفكر الذكوري الذي بسطوته عندما تذهب المرأة المصابة للقسم يتم رفض تحرير محضر لها ، بل وتتعرض للهجوم من وجهة نظر الفكر الذكورى الجالس على مقعد سلطة تحرير المحضر لأنها بتشتكي
-
زوجها ضربها بسقاطة ولم تبلغ
-
الأهل أيضًا لا يبلغون عن الإصابات العنيفة
جوزها وأبو عيالها ، والمستشفى بالتالي لن يعطيها تقريرًا طبيًا بدون محضر شرطة ، وكثيراً ما يحدث تواطؤ في حالات العنف الأسرى ضد النساء كأن يصدر التقرير الطبي بالعلاج لمدة ٢٠ يومًا لتصنيف القضية جنحة رغم أن المصابة تكون في حالة تحتاج للعلاج أكثر من ٢١ يوماً .
وتضيف د. ماجدة عدل قائلة :” ومن أشكال الانتهاك أيضًا أن الإصابات النفسية غير معترف بها ، فلا يوجد قانون يلزم النيابة في حالات العنف طلب تقرير طب نفسي ، ولا يوجد في قانون ممارسة مهنة الطب ولا في القانون الجنائي إلزام بطلب تقرير طب نفسي ، رغم الإحساس بالذنب والعنف والضغط النفسي الذي تتعرض له النساء .
ولأن نصف المجتمع ساقطين من قعر القفة” فنحن في حاجة لقانون يكسر التواطؤ المجتمعي والحكومي لتكريس العنف ضد النساء .
بالبوكس في عينيها
“ليس من حق الطبيب الإبلاغ عن حالات العنف، ولا يحق له إعطاء المصابة تقريرًا دون طلب الجهات التنفيذية أو القانونية المعنية” هذا ماقالته دكتورة بسمة موسى أستاذة جراحة الوجه والفكين بطب أسنان جامعة القاهرة – بل وتضيف : “إننى أضع في ملف المريضة تقريرًا بأسباب إصابتها وفقًا لأقوالها واضطر لكتابته رغم معرفتی أنه غير حقيقي ، ورغم يقيني أن ما أملته على ينتقص من حقوقها
-
لا يوجد قانون يجرم الأثر النفسى للعنف
لكننى ملتزمة بأخلاقيات مهنتي ، فالمصابات ترفضن اتهام الأزواج بممارسة العنف ضدهن بسبب القهر الواقع عليهن ، وعدم استقلالهن المادى، وعدم وجود قانون يحميهن ويوفر لهن مسكنًا مناسبًا وسريعًا في حالة الطلاق الذي ستظل بعده إن وقع لمدة طويلة في الشارع .
وتشرح د. بسمة قائلة :” يعنى أنا بييجى لى راجل وجایب معاه ست ضاربها ومكسر لها وشها ، مكسر فكها ، وضاربها علي عينيها ، ومكسر العضم اللي حوالين العين ، المشكلة إن الست دى أو غيرها بتييجي ومعاها اللي مارس العنف ضدها سواء جوزها أو أبوها أو أخوها ، في الحالة دى لا يمكن الست تتكلم ، وهو يصر على التواجد أثناء العلاج ، ويستمر في ممارسة قهره عليها ، حتى لو خرج من أوضة العمليات بيستمر حيالها بالرعب والقهر ، وعادة الستات يقدمن مبررات للإصابة زى إنها وقعت من فوق السلم ، أو إن النجفة وقعت عليها ، أو إنها اتزحلقت ، لكننا نعرف من خلال الدراسة أن الإصابة نتجت عن ضرب مباشر باليد أو بعصا غليظة .
وبأسی شدید تحکی د. بسمة حادثة استغرقت علاجها سبع ساعات في حجرة العمليات فتقول : ” مرة جت لى ست جوزها ضاربها بسقاطة الباب الحديد وكان وشها مشوه عينيها وفكها وأنفها واستغرقت العملية سبع ساعات لإعادة مجرد الملامح إلى طبيعتها ولم تتمكن السيدة من قول أي شيء لأن زوجها لم يتركها لحظة واحدة حتى إنه حاول دخول حجرة العمليات معنا بالقوة حتى يواصل إرهابه لها لكن أخوها هو الذي أخبرني بالحقيقة لكنه لم يقلها خشية أن يطلقها زوجها وتعود هي وولادها وهم جميعًا فقراء .
وتؤكد الدكتورة بسمة ضرورة بذل جهد لنشر الوعى بين النساء حتى يعرفن حقوقهن كمواطنات ولابد من السعى لتمكينهن من ممارسة هذه الحقوق