عندما نوقش قانون تيسير إجراءات التقاضي في الأحوال الشخصية، وخاصة مادة الخلع في مجلس الشعب أثار جدلاً واسعًا وساخنًا في مختلف وسائل الإعلام. وللأسف سادت في معظم هذه النقاشات – ومنها ما جرى في مجلس الشعب – صورة مهينة ليس فقط للنساء المصريات، بل وللرجال المصريين أيضًا. فالنساء تحولن إلى كائنات مشوهة همها استغلال الطرف الآخر في العلاقة الزوجية – التي من المفترض أن تكون مودة ورحمة – ثم “خلعه” بعد الاستيلاء على ما يملك، والبحث عن زوج جديد، تمهيدًا لخلعه بعد الزواج. والرجال تحولوا إلى كائنات ضعيفة لا يمكن لهم العيش مع نسائهم إلا بسطوة القانون، وأصبح حق النساء في الحصول على الطلاق عندما لا يستطعن الاستمرار في الحياة الزوجية هو الخطر الأعظم على “الرجولة” في مصر.
وبعد مرور حوالي العام على صدور القانون، وهدوء الضجة التي أثارها كان من المهم استكشاف ما آل إليه تطبيقه في الواقع. لذلك عقد مركز دراسات المرأة الجديدة ندوة حول مادة الخلع يوم الأحد 7 أكتوبر سنة ٢٠٠١ بمقر نقابة الصحفيين وتحدث فيها أ. عزة سليمان وأ. محمد عبد العظيم وأدار الندوة أ. أحمد سيف الإسلام حمد.
هل هناك اختلاف بين الخلع والطلاق؟
أوضح أ. محمد عبد العظيم أن الخلع ليس أمراً جديداً بل هو موجود في الإسلام وقد عبر عنه جميع الفقهاء وإن اختلفت المسميات بين الطلاق ببدل، إزالة عقدة النكاح بعوض. كما أوضح الفرق بين الخلع وطلب الطلاق للضرر فالخلع لا يلزم الزوجة بإثبات ضرر مادی واقع عليها من الزوج ولا يحتاج إلى أن تسوق أي مبرر لرغبتها في الطلاق سوى أنها تخشى ألا تقيم حق الله فيه، أما الطلاق للضرر فيلزم الزوجة أن تثبت نوع الضرر الواقع عليها – سواء أكان هذا الضرر مادياً أو معنوياً – بكل أشكال الإثبات من شهود ومحاضر ومستندات وغيرها. وفي الخلع يلزم القاضي الزوجة برد المهر الذي أخذته من الزوج مع تنازلها عن بعض حقوقها المادية كالمؤخر والنفقة الخاصة بها، أما في حالة إثباتها للضرر وقدرتها على الحصول على الطلاق فهي تحتفظ في هذه الحالة بحقوقها الشرعية كافة، أما عن مدة التقاضي في الخلع فالقانون ينص على ألا تزيد المدة على 60 يومًا بعكس الطلاق للضرر الذي يستلزم في بعض الأحيان سنين طويلة لإثبات الضرر لتتمكن الزوجة من الحصول على الطلاق.
مادة الخُلع في التطبيق
عرضت أ. عزة النتائج الأولية للبحث الذي يجريه مركز قضايا المرأة المصرية حول مادة الخلع بعد عام من تطبيقها في ست محافظات، محافظة (قنا، سوهاج، القاهرة، الفيوم، الجيزة، الإسكندرية). مشيرة إلى المشكلات التي تتعرض لها السيدات اللاتي يلجأن لرفع دعوى الخلع وأوضحت الفجوة الشاسعة بين القانون كنص وبين العراقيل التي تجدها السيدات عند الدخول عمليًا في القضايا، خاصة الضغوط الاجتماعية التي تتعامل مع قيام النساء بممارسة الخلع على أنها وصمة اجتماعية للأسرة والأبناء، وعدم التزام القضاة بالمذكرة التوضيحية مما يجعل السيدات يجدن صعوبة شديدة في السير في إجراءات هذه القضية. وأوضحت أن عدد قضايا الخلع خلال عام كامل بلغ 1751 قضية في محافظة القاهرة، و909 قضايا في الجيزة (بخلاف 48 قضية في دائرة الأجانب)، ١٢٥ قضية في سوهاج. جدير بالذكر أيضًا أن كل قضايا الخلع في محافظة سوهاج تم تحويلها إلى قضايا تطليق للضرر وذلك بسبب تخويف المحامين لصاحبات الدعوات من العار الذي سيلحق أبناءها وبناتها من جراء رفعها لهذه القضية.
كما أشارت أ. عزة إلى المخالفات التي تحدث في تطبيق هذا القانون، ومنها إطالة مدة التقاضي لأكثر من ستة أشهر (المدة التي حددها المشرع لعرض التصالح على الطرفين)، والإصرار على معرفة أسباب رفع المرأة لدعوى الخلع وعدم الاكتفاء بإقرارها ببغضها للحياة مع الزوج، ومشكلة إلزام المحكمة للمرأة بإحضار حكمين من الأزهر ودفع أمانة لهما ٢٠٠ جنيه مما يشكل عبئًا ماديًا عليها. هذا بخلاف الضغوط المعنوية التي تتعرض لها ومحاولة إحراجها للتنازل عن هذه القضية أو تحويلها لطلاق للضرر. من جانب آخر فإن بعض القضاة – وهم محكومون بالثقافة السائدة في المجتمع – لا يتقبلون فكرة رفض أية امرأة لرجل، مما يؤثر على التزامهم في بعض الأحيان بالمذكرة الإيضاحية، وتحويل كل القضايا المعروضة عليهم إلى التحقيق – تمنع المذكرة الإيضاحية تحويل أي قضية إلى التحقيق حتى لو ثبت كذب الزوجة في قيمة المقدم الذي دفعه الزوج لها، بل يتم عمل قضية منفصلة – مما يطيل من فترة التقاضي. هذا بخلاف كمية الإهانات التي تتعرض لها الزوجات في التحقيق من تسفيه لآرائين، والسخرية من شكلها أو جسدها. كما أن القاضي في بعض الدوائر يلزم الزوجة برد مؤخر الصداق رغم أنه بنص القانون يلزمها بالتنازل عن مؤخر الصداق وليس رده. وأنهت أ. عزة مداخلتها بالتنويه إلى أن كل ما سبق ما هي إلا محاولات للتقليل من استخدام هذه المادة والعودة لرفع قضايا التطليق للضرر وليس أدل على ذلك من محاولة التسهيل في قضايا التطليق العادية للضرر.
أكثر قضايا الخُلع رفعتها نساء فقيرات
أثار الحضور عددًا من التساؤلات منها دستورية هذا القانون، وهل يمكن الطعن في دستوريته وخاصة أن التقاضي فيه على درجة واحدة؟ وكيفية التعامل مع القضاة في حالة عدم التزامهم؟ علاقة الخلع بالحالة الاقتصادية للمرأة؟ ودور الجمعيات الأهلية في محاولة تغيير الوعي العام للمجتمع.
وفي تعقيبهما أوضح أ. محمد عبد العظيم بأن المشرع من حقه جعل التقاضي من مرحلة واحدة بشرط أن يصدر الحكم من هيئة قضائية متخصصة، وأضاف أ. أحمد سيف الإسلام أن هذا الإقرار ليس مبدأ ولا يمنع هذا إمكانية الطعن في عدم دستوريته
وأكدت أ. عزة أن عدد القضايا المرفوعة من السيدات الفقيرات أكثر بكثير من عدد القضايا المرفوعة من المناطق ذات المستوى المرتفع ماديًا وهذا دليل على أن القانون لا ينصف المرأة الغنية فقط كما أشيع.
وفي نهاية الندوة وتعليقًا على تساؤل من أحد الحضور “لقد صارعت المرأة من أجل الحصول على هذا القانون وهي الآن تتصيد له الثغرات فماذا تريد المرأة تحديدًا؟” أوضحت أ. عزة أن المطلوب هو تطبيق القانون بشكل صحيح، كما أكد أ. أحمد سيف الإسلام أن المرأة التي لا تريد الاستمرار في حياة زوجية من حقها التعبير عن ذلك بشكل صريح وهذا مطلب إنساني شديد البساطة ولا يحتاج إلى كل هذه الضجة التي أثيرت حوله.