السياسة في الشئون العامة والخاصة:
النساء في العالم الشرق أوسطي(۱)(*)
الصورة الإثنوجرافية:
إن أحد أكثر الفروض شيوعًا في الأدبيات الإثنوجرافية التي تناقش الدلالة السياسية للنساء في المجتمع ككل يتمثل في أن القرارات التي تتخذها النساء ليس لها أية تبعات على مجموعة واسعة من المؤسسات. وتطرح ماری دوجلاس الحجة العامة في هذا الصدد بأوضح صورها على النحو التالي:
يضم التقسيم الاجماعى لعمل النساء على نحو أقل عمقًا من الرجال في المؤسسات المركزية– السياسية والقانونية والإدارية– في المجتمع. والنساء، في واقع الأمر، يخضعن إلى السيطرة. لكن مدي السيطرة الذي تمر النساء بتجربته أبسط وأقل تنوعاً. وباحتلالهن موقعًا متوسطًا، من خلال قليل من الصلات الإنسانية، تنحصر مسئولياتهن الاجتماعية في نطاق المنزل… كما أن علاقاتهن الاجتماعية تضم بالتأكيد ضغوطًا أقل وطأة في نطاقها من الضغوط المؤسسية أيضًا. ولا يشكل ذلك سوى الظرف الاجتماعي الذي تتقاسمه النساء مع الأفنان والعبيد. ويبدو تعريف مكانهن في البنية العامة للأدوار بوضوح في علاقته بنقطة أو اثنتين مرجعيتين، وليكن في علاقتهن مثلاً بالأزواج والآباء. أما بالنسبة إلى باقى جوانب حياتهن الاجتماعية، فتوجد على المستوى الشخصي، وهو مستوى غير بنيوي نسبيًا، مع نساء أخريات… وسوف أكون مخطئة، بطبيعة الحال، إذا قلت إن شبكة علاقات المرأة مع نساء أخريات هي شبكة غير بنيوية. إذ يسود بالتأكيد نموذج حساس، لكن دلالته بالنسبة إلى المجتمـع كـكـل أقل من دلالة علاقات الرجال مع بعضهــم البعـض فـي نـسـق الأدوار العامة (1970: 84).
ولا يجرى التسليم بهذا الافتراض دون انتقاد في أي مكان أكثر منه في التوصيف الإثنوجرافي للمجتمعات الرعوية والمتوطنة في الشرق الأوسط، حيث يؤكد التوصيف وجود عالمين ثنائيين ومنفصلين للرجال والنساء: عالم الرجال هو عالم الشئون العامة، وعالم النساء هو عالم الشئون الخاصة. وتمثل الفقرة التالية تعبيرًا نمطيًا عن تلك التأكيدات:
لا يقتصر عالم النساء على كونه عالمًا ضيقًا، كما الحال في أغلب الحضارات، بل هو عالم مزود بنسق معقد من أساليب التخفيف؛ أي تدابير ضمان السلامة التي توفر قدراً محدوداً من الوصول إلى عوالم النساء الأخريات. ويتجلى عالم النساء في مظهرين رئيسيين: البيت (الخيمة) وأنماط الاتصال الخاصة بين نساء مختلف البيوت. وبالنسبة إلى الرجال، نجد أن نفاذهم محدود إلى المظهر الأول (البيت)، وليس لديهم عمليًا نفاذ إلى المظهر الثاني (أنماط الاتصال)؛ وهو ما يجرى في موازاة افتقاد اهتمام الرجال بعالم النساء… ويتجلى عالم الرجال في مظهرين رئيسيين: ميدان كسب الرزق، وميدان الاتصال العام بما في ذلك الشئون العامة. ويُعد نفاذ النساء إلى الميدان الأول (ميدان كسب الرزق) محدودًا، وليس لديهن رسميًا نفاذ إلى الميدان الثاني– ووضع الجدات المسنات يُعتبر استثناء. لكن النساء مهتمات بدرجة كبيرة بشئون الرجال !! وما من شك في وجود نقطة التقاء اعتيادية بين العالمين، أي البيت، إذ إن البيت هو المكان الذي يشهد قدراً كبيرًا من التبادل على نحو مستمر (van Nieuwenhuijze 1965: 71).
وعلاوة على اشتمال الفقرة السابقة على أغلب النقاشات الأخرى حول الأدوار الجنسية التي نجدها في إثنوجرافيات الشرق الأوسط، وخاصة ما يتعلق بالتركيز على المجتمعات البدوية، لا تتأصل فيها فحسب الفكرة الشائعة بشأن انقسام عالم الإنسان إلى عالمين اجتماعيين تميزهما طبيعة الجنسين، وإنما أيضًا أن هذين العالمين الاجتماعيين يتسمان من حيث التعريف بكونهما العالم الخاص (عالم النساء) والعالم العام (عالم الرجال) (Asad 1970; Barth 1961; Cole 1971; Cunnison 1966; Marx 1967; Pehrson 1966; Peters 1966). يوصف عالم النساء دومًا بأنه عالم منزلى وضيق ومُقيّد؛ بينما يوصف عالم الرجال بأنه سياسي ورحب وقابل للاتساع. كما تنقسم السلطة أيضًا من زاوية هذه الثنائية. يُعتبر البيت موقع سلطة المرأة لجميع الأغراض الداخلية، إذ تُعد سلطتها في الشئون المنزلية حقيقة راسخة. أما بالنسبة إلى الأغراض الخارجية، فالبيت هو سلطة الرجل؛ ويكمن الفرض هنا في أن كل ما يربط الأسرة بالمجال العام هو بالتعريف سياسي، وبالتالي هو اهتمام ذكورى. كما نستدل من هذه الفرضية أن اهتمام النساء بشئون الرجال أكبر من اهتمام الرجال بشئون النساء.
تتأصل أيضًا في التقييمات الإثنوجرافية لهذين العالمين الاجتماعيين فكرة أن ما يُشكل اهتمام المرأة هو المنزلي وليس السياسي. وهو الأمر الذي يثير مجمل السؤال المتعلق بمعنى «القوة» و «السياسي»، ولماذا ينبغى ربطهما بأفكار مثل «الخاص (المنزلي)» و «العام (السياسي)». بتخصيص الخاص والعام للعالمين الاجتماعيين المختلفين للرجال والنساء، وهما العالمان الموصوفان لمجتمعات شرق أوسطية بعينها، يمكننى الجدال بأن علماء الاجتماع الغربيين قد فرضوا تصنيفاتهم الثقافية على العالم التجريبي بالشرق الأوسط، وأن مجمل مناقشة «القوة» في هذه المجتمعات تخضع لتأثير تلك التصنيفات.
ويميل أغلب الباحثين الأنثروبولوجيين، الذي يعملون في الشرق الأوسط، إلى رؤية القوة من منظور التقاليد الوظيفية الكلاسيكية. وباتباعهم رؤية رادكليفبراون، نجدهم يطرحون تعريفًا للنظام السياسي بوصفه صيانة أو ترسيخ «النظام الاجتماعي» داخل إطار إقليمي عن طريق الممارسة المنظمة لسلطة الإكراه من خلال استخدام، أو إمكانية استخدام، القوة المادية.
يستكشف بارث، على سبيل المثال، أنـواع العلاقات القائمة بين الأشخاص (الذكور فقط كما اتضح) من بين الباثان بوادی سوات (Swat Pathans)، وأسلوب تناولها ببراعة منظومة لبناء مواقع السلطة ومجموعة متنوعة من الجماعات السياسية. وتكمن مصادر السلطة / القوة الرئيسية بالنسبة إلى الأفراد في ملكية الأرض، بالضيافة، والسمعة الحسنة. وعادة ما يجرى تعريف الأوضاع الشرعية والحقوق من خلال اتفاقيات تعاقدية بين الأشخاص. وفي مثل هذه الظروف، يمكن النظر إلى هدف كل رجـل باعتباره تبنيًا للاستراتيجية التي تخدم مصالحه على نحو أفضل. «تُعد القوة البدنية، أو التهديد بها، في وادي سوات عقوبة مميزة في كثير من العلاقات» (Barth 1959: 35). ويذهب بارث إلى أن الباثان في سوات ينساقون إلى الولع بتعظيم الذات والارتفاع بالعقل إلى الحد الأقصى، ويعتبر أن النشاط السياسي لطبقة ملاك الأرض يمثل أساس النظام الاجتماعي. وكما أشار بوضوح، يمثل نموذج بارث مجتمعًا عنيفًا فوضويًا تدفعه النزاعات، وهو ما يعكس تبنى بارث لنموذج هوبس بشأن الطبيعة البشرية (Asad 1972: 74-94).
بانتقاده الموقف الوظيفي، يجادل أسعد حول التمييز بين القوة والسلطة. بالنسبة إلى أسعد، تشير القوة إلى العلاقة بين الأداة والشيء بوصفها وسيلة، أي التعارض بين المستغَل والمستغِل، بينما تشير السلطة إلى خضوع الوعى البشرى إلى حكم شرعي (وعلى نحو مشروط إلى أولئك الذين يحددون الحكم) (Asad 1972: 86). ويرى أسعد مشكلة الهيمنة السياسية من زاوية العلاقة الديالكتيكية، ويثير بديل مهم من زاوية الأسلوب الذي يميل الإثنوجرافيون إلى استخدامه عند النظر إلى الأنظمة السياسية. لكنه يميل أيضًا إلى اعتبار القوة والسلطة اهتمامًا قاصرًا على الرجال. «ترتكز السلطة الكلية لرأس الأسرة على حقيقة امتلاكه قوة ومسئولية معنوية أكبر مما لدى أي فرد آخر في الأسرة المعيشية (Asad 1970: 100-101).
ومع معرفة أن أغلب الإثنوجرافيين في الشرق الأوسط كانوا ذكورًا أوروبيين أو مريكيين، وبالتالي كان تيسر النفاذ إلى عالم النساء الاجتماعي محدودًا أمامهم– إن وُجد– لكونهم أجانب وذكور، يبدو أننا محاطون بالصورة المعيارية للمجتمع التي نقلها المبلغون الذكور إلى الإثنوجرافيين الذكور(2). ويُعبر ليندهارت عن هذا المأزق بقوة على النحو التالي:
وعلى الرغم من أن فصل النساء عـن الرجال الذين لا يرتبطون بهن ارتباطًا وثيقًا يُعد واحداً من الأشياء التي يجب أن تراها على الفور عين أي زائر إلى مدن وقرى ساحل الخليج العربي، فإن هذا الفصل يجعل من الصعوبة بالنسبة إلى الزائر أن يفور بأي معرفة دقيقة حول وضع المرأة. وبعيدًا عن صعوبة التحدث إلى النساء هناك من جانب الرجال، فمن غير اللائق حتى أن يسأل الرجال عن النساء، وبخاصة الأسئلة المتعلقة بأية تفاصيل حول حالات بعينها… يمكن بسهولة تضليل المرء، وخاصة عند تقييم مدى هيمنة الذكور (1972: 220).
نحن لا نعرف، من خلال الأدبيات الإثنوجرافية، سوى القليل جدًا حول كيفية رؤية نساء تلك المجتمعات لوضعهن، ومدى شعورهن بما لديهن من «قوة»، وكيف يستخدمنها. إذا كان لدينا معرفة أفضـل بـ «الحياة في عالم» النساء البدويات، قد يكون بمقدورنا أن نخلُص إلى صور مختلفة عن المجتمع وتعريفات السلطة. كما قد نسأل أيضاً عما يمكن أن تسهم فيه معرفتنا وفهمنا لعلاقات النساء والقوة، إذا كان علينا أن نُعيد التفكير في الأفكار المتعلقة بـ «القوة» وإدراك ملمحها الخاص بوصفها نوعًا خاصًا من العلاقات الاجتماعية وليس صفة متجسدة تضفي طبيعة مؤسسية على أنماط البنى الاجتماعية. وقد جادل بعض العلماء الاجتماعيين عبر الخطوط التالية:
تكمن المشكلة الأولية بشأن تعريف القوة الاجتماعية في إدراك ملامحها الخاصة بوصفها نوعًا خاصًا من العلاقات الاجتماعية، بوصفها تبادلاً للنفوذ. لكن تبادل النفوذ– المعيار الذي يقدم تعريفًا للاجتماعي ذاته– لا يجرى أبدًا تدميره بالكامل في علاقات القوة، ما عدا العنف البدني؛ أي عندما يتعامل فرد مع فرد آخر باعتباره شيئًا. ولا يمكننا أن نفصل علاقات القوة عن جذورها في التفاعل الاجتماعي. يسيطر أحد الفاعلين على الآخر فيما يتعلق بأوضاع وميادين– أو مجالات– للسلوك بعينها، بينما يهيمن الفاعل الآخر عادة في مجالات أخرى قائمة من السلوك (.Wrong n.d).
اقترحت أوليسن في دراسة غير منشورة أن مفهوم «النظام الذي تم التفاوض عليه» يُعد فكرة مفيدة لفهم تبادل النفوذ في مواقف التفاعل (Olsen 1973). وتجادل بأن الأشخاص في أى موقف تفاعلى يتفاوضون حول القواعد التي تقدم تعريفًا للعلاقة وتحيط بها.
وبافتراض أن الرجال والنساء ينخرطون في «تفاوض حول نظامهم الاجتماعي»- أي حول القواعد والأدوار الخاصة بالتفاعل الاجتماعي– فإننا يجب ألا نفقد البصيرة بشأن حقيقة أن العمل الاجتماعي يمثل دائمًا «عملاً قائمًا على موقف»، وتحيطه أبنية معْطاة ثقافيًا حول الواقع الاجتماعي، أو– كما يمكن أن تطرح شوتز (1962: 120-134)- المخزون الاجتماعي من المعرفة المتاحة. إن ما يتناسب وأغراض مناقشتنا أن ندرك أنه على الرغم من وجود عالمين اجتماعيين منفصلين، وما يترتب على ذلك من تفاوت توزيع المعرفة الاجتماعية– لدى الرجل ولدى المرأة– فإن هذه المعرفة تكون مبنية من زاوية الملاءمة، وتتقاطع الأبنية ذات الصلة بالنساء مع تلك الأبنية ذات الصلة بالرجال في عديد من النقاط. وبتطبيق ذلك على الوضع الإثنوجرافي، علينا أن نتساءل كيف يمكن أن تؤثر المرأة، بل وتؤثر بالفعل، على الرجال من أجل تحقيق أهـدافها. إن فكرة القوة التي يقضى بها ضمنًا هذا التصور بشأن النظام الذي تم التفاوض عليه تتمثل في إمكانية فرض عقوبات، إمكانية زيادة التأثير على أفعال الآخرين (فضلاً عن فِعل الفرد ذاته). والعقوبات ليست مجرد تهديد باستخدام القوة المادية، وإنما هي قدرات للتأثير على السلوك (الفِعل) الذي يقوم به الآخرون. إنها طرق لخلق خطوط ممكنة من الفِعل للآخرين وأيضًا للذات.
وبالنظر إلى القوة من هذا المنظور، فإننا مجبرون على إثارة مجموعة مختلفة من التساؤلات الإثنوجرافيـة؛ تساؤلات تعرضت إلى التجاهـل ربما بسبب عدم الاعتراف بعملية الحياة الاجتماعية، وهي عملية ديالكتيكية مستمرة، حيث ينخرط كل من الرجال والنساء في تبادل للنفوذ في مواجهة بعضهم لبعض. ما الأبنية المعيارية التي تعمل على تيسير «المفاوضات» والحد منها وحُكمها ؟ ما العقوبات المتاحة أمام النساء ؟ بأى الطرق يمكن للنساء أن تُنشىء، وهن يُنشئن بالفعل، بدائل للرجال عن طريق أفعالهن ؟ كيف تؤثر النساء على الرجال ؟ من يسيطر على من وحول ماذا ؟ كيف تجرى ممارسة السيطرة ؟ كيف تسيطر النساء على الرجال ؟ وعلى نساء أخريات ؟ ما مدى وعى النساء بقدرتهن على التأثير ؟ وبعبارة أخرى، ما الذي تفعله المرأة في هذا التبادل؟
في الجزء الباقي من هذا المقال، أود أن أشتبك مع الفكرة القائلة إن العالمين الاجتماعيين للرجال والنساء، على الرغم من عنصر الفصل بينهما، قابلين للتقلُص إلى مجالات للخاص والعام، مع قصر القوة على الذكور فيما يطلق عليه ميدان العمل العام. وباستخدام البيانات التي تشتمل عليها الدراسات الإثنوجرافية، التي أعدها رجال أو نساء، حول النساء في الشرق الأوسط، فإننى أطرح أن النساء يمكنهن ممارسة، بل ويمارسن، درجـة أكبر من القوة في مجالات الحياة الاجتماعية التي تحظى حتى الآن بالتقدير.
إن العمل التفصيلي والأكاديمي الذي قدمته إلزى ليشتنستادر عام 1935 بعنوان «النساء في أيام العرب» يطرح تحليلاً مهمًا عن الدور الذي قامت به النساء العربيات في حروب قبيلتهن، وبالتالي يقدم لنا رؤية عن حياة النساء ووضعهن في شبه الجزيرة العربية في الفترة السابقة على الإسلام(3). وعلى الرغم من أن المادة العلمية تتناول المجتمع البدوى في فترة الجاهلية، فإنها لا تزال تقدم معلومات حول أسلوب تصوير النساء في الحياة اليومية وكيف مارسن نفوذهن السياسي في عالم الرجال.
وفقًا للسرد في «أيام العرب»، كان نفوذ النساء محسوسًا بما يتجاوز الخيمة. فقد كانت المرأة تلعب دورًا مهمًا في السياسة العربية، من خلال الزواج، بكونها حلقة الوصل والوسيط الذي يمكن عبره تحقيق مصاهرات قوية بين القبائل. وكانت المرأة العجوز المتزوجة ذات المقام الرفيع تعمل مستشارة لابنها الذي كثيرًا ما كان يخضع لنصح أمه؛ بل وكانت تحاول، حيثما يمكن، الظفر بالنفوذ على ابنها كي تضع نهاية لعداوة ما. وتشير ليشتنستادر إلى أن:
فاطمة بنت القرشوب قد حاولت، وإن لم تحقق نجاحًا، أن تتوسط بين ابنها وقيس بن زُهرى، وهو ما يوضح أنها متيقنة من أن رأيها سيكون على الأقل مسموعًا. ومع ذلك، لم يقبل الابن في هذه الحالة نصيحة أمه؛ وأثبتت الأحداث أنها كانت على حق (1935: 65).
وفي زمن الحرب، كثيراً ما كانت النساء سبب المشاجرات والضغائن الكبرى؛ كما استخدمن أيضًا جاسوسات؛ وكان أسرهن في الحرب مصدر المطالبة بفدية كبيرة. ونظراً لأن النساء لم يكن بعيدات عن موقع المعركة، فقد كن قادرات على مراقبة فوران القتال وحث رجالهن بالتهليل والصباح. وفي حالات الكرب العظمي والخطر، حيث يكون على العرب اللجوء إلى حيلـة تستهدف إثارة الرغبة في القتال إلى أعلى درجة، كانوا يُعَرِضون نساءهم– وخاصة المنتميات إلى طبقة النبلاء– إلى الخطر بإجبارهن على الوقوع من فوق الجمال والمحفات بُغية التوضيح للمتحاربين أن عليهـم أن يقاتلـوا أو يموتوا (Lichtenstadter 1935:43).
وعند تلخيص تحليلها، تطرح ليشتنستادر أن المجتمع القَبَلي في فترة ما قبل الإسلام كان مجتمعًا يعامل النساء باحترام، وكان مجتمعًا يسمح للنساء بالمشاركة في الحياة العامة. «من حكايات الأيام، يمكن القول إن النساء العربيات قد شاركن قبل الإسلام في جزء من حياة قبيلتهـن، مارسن نفوذًا لم يفقدنه إلا في فترة تالية من تطور المجتمع الإسلامي» (1925: 81). كما أنه أثناء فترة الجاهلية، لم يكن مفصولات عن الرجال، بل كُن في تعامـل وثيق معهـم، بحيث كان بإمكانهن معرفة خطط الرجال ومشروعاتهم» (1935: 83). «وعلاوة على ذلك، كانت ظروف الحياة تتيح في فترات الكرب قبول النصيحة الماهرة بشغف واتباعها، بغض النظر عن قائلها، حتى إذا كانت من امرأة. وبهذا المعنى، فإن لدينا ما يبرر الحديث عن «نفوذ» المرأة دون أن نبالغ في أهميتها بالنسبة إلى الحياة العامة لدى القبيلة العربية» (1935: 85).
وتصف إمريس بيترز أيضًا الأسلوب الذي يمكن أن تستخدمه النساء، بل ويستخدمنه بالفعل، لممارسة النفوذ على الرجال في المجتمعات الرعوية، على سبيل المثال، بوصفهن وسيطات بين جماعاتهن وجماعات أخرى في ارتباطات الزواج؛ وبوصفهن مراقبات للمنتجات أو الممتلكات، وبوصفهن ممتلكات للسلطة في الميدان المنزلي.
وبهذا الصدد، فإن النقاط المحورية في أي ميدان من ميادين القوة هي النساء– مجتمع يهيمن عليه ظاهرًا الانحدار من سلالة الأب والموقع المحلى للأب والنزعة الأبوية، حيث تبرز الروح الذكورية بفجاجة. إن من يجمع الرجال معًا، من يعقد أواصر المصاهرات، ليس الرجال أنفسهم وإنما النساء اللاتي يرحلـن من أسرهن المعيشية التي ولدن فيهـا ليعشن في مكان آخر مع رجل، واللاتي يقمن، في هذا الوضع المهم، بإجراء التواصل بين جماعة وأخرى Peters 1966: 15).
ومن بين بدو قورنية، يتباهى الرجال بهيمنتهن على النساء (وهو الأمر المتوقع بالتأكيد لأن المُبلغين الذكور هـم الذين ينقلون المعلومات إلى الإثنوجرافيين الذكور)، لكنهم مقيدون في أفعالهم بسبب سيطرة النساء على إعداد الطعام وتقديم الضيافة والراحة والمأوى والسمعة الحسنة. قد يسيطر الرجال على الموارد الاقتصاديـة– الأرض والمياه والمواشي– أي الممتلكات الأساسية، لكن النساء يسيطرون على المنتجات. فالنساء يسيطرن على استخدام المنتجات وحصص استثمارها، ومن خلالها يكتسبن حقوقًا قانونية في الرجال. ونظراً لأن النساء محرومات من حقوق السيطرة على الممتلكات، فإنهن يلعبن مع ذلك دورًا محوريًا في المناورة. فالمرأة تملك الحق القانوني في الحماية والدعم ضد الزوج، بوصفها ابنة أو شقيقة الرجل الذي يتولى مسئولية مهر العروس. وتتوسط النساء بين الطرفين، ويقدمن طلباتهن إلى الرجال بوصفها حقوقًا، ويحصلن على دعم عام (Peters 1966; Mohsen 1967).
وتطرح ماركس النقطة نفسها حول بدو النجف– تعدد أدوار النساء التي تزيد من إمكاناتهن في التفاوض:
تمثل رابطة الزواج أداة شديدة الفعالية بين الجماعات، لأن المرأة التي تنقل الاتصالات ترتبط ارتباطًا وثيقًا وحميمًا بزوجها وأبنائها، وبوالدها وأشقائها الذكور. إنها تهتم بالجماعتين، من أعماق قلبها، وتعاني أكثر عند حدوث نفور بين الجماعتين. وفي الوقت نفسه، توجد المرأة داخل الجماعتين، وبالتالي بوسعها تأكيد نفوذها على مختلف الأقسام مـن خلال الرجال الذين ترتبط بهم ارتباطًا وثيقًا، وأيضًا من خلال النساء (1967: 157).
وبينما تجادل كانيسون بأن النساء لا يشغلن أي موقع رسمي للقوة أو السلطة بين عرب بجارا، فإنها تطرح أن:
النساء لديهن نفوذ عميق على السياسات من جانبين: أولهما أنهن مُحكِمات لسلوك الرجال، وبإمكانهن إنجاح أو تحطيم العمل السياسي المهني للرجل. وهن يفعلن ذلك بإنشاد أغاني المدح أو، على العكس، السخرية. فسُمعة الرجل الشجاع والرجل الجبان ذائعة. أما الرجل الذي لا يقع داخـل أي من الاتجاهين، فليس له أغنية. الأغـانى تكتسح البلد، وتبنى السمعة أو تهدمها. وثانيهما أن القرار السياسي الذي يتخذه الرجال في المخيم أو في السُرة (جماعـة من الأقارب) يؤثر من خلال نوع ردود الأفعال الذي يُرجح وجوده لدى نساء الجماعة (1966: 117).
وفي هذا الصدد، على الأقل بالنسبة إلى البجارا، للنساء دلالة في نسق الدور العام بالمجتمع. وتشير كانسيون أيضًا إلى أن أفكـار البجارا حول قيمة الرجولة تضم الأهداف وثيقة الصلة بالثروة والنساء والقوة.
إن وجود الماشية يجذب النساء، ويتيح للرجل اتخاذ أكثر من زوجة. فامتلاك الماشية يلعب دورًا مهمًا في العلاقات بين الرجال والنساء. إنه يقضى ضمنًا بأن الرجل يحظى بالصفات التي يعتبرها رجال ونساء البجارا، على السواء، أكثر إثارة للإعجاب. وجود القطيع يعني تيسر الوصول إلى النساء اللاتي يلعبن دورًا إيجابيًا في نشر فضائـل الرجل أو تحدى شرفه. وعلى الرغم من وجود حجاج دائمًا حول قدر المهر الذي يُدفع إلى العروس، لا يدور النقاش بين الأسرتين، وإنما يتفق الرجال بالأسرتين ويتعاونون لمحاولة تقليص المبلغ. وأم العروس، التي تحظى بمساندة من نساء الأسرة، تكون كثيرة المطـالب. والكلمة الأخيرة هي كلمة أم العروس. يمكنها أن تحاول وقف المصاهرة، التي لا ترغبها هي أو ابنتها، وذلك برفض تخفيض المهر. «علينا مطاردته بطلباتنا» (1966: 116).
ويصف بهرسون، عند دراسته لماري بالوش، الاستراتيـجـيـات الـتي تستخدمها النساء لتحقيق النفوذ على الرجال: (1) التلاعـب بالرجـال ضـد بعضهم البعـض؛ و (2) السعى للتحالف نساء أخريات ونيل دعمهـن؛ و (3) تقليل الاتصال بالأزواج (1966: 59).
وفي دراسة متخصصة أخرى بعنوان “La Femme Chaouia de L’Aures” (1929)، تلفت جودري انتباهنا إلى القوة التي يمكن أن تمارسها النساء على الرجال بوصفهن قديسات وساحرات ومشعوذات ومداويات. فالمرأة من أوريس لديها، مثل الرجل، طائفة والمرأة– مثلها مثل الرجل– تنسب نفسها إلى جماعة دينية. وتصف جودرى امرأة من المرابطين، تدعى تركية، على النحو التالي:
كانت هناك مرابطة ذات تأثير عظيم تسمى تركية، وكانت تقية وتمارس نفوذاً كبيراً على زبائنها الكثيرين. وكان هناك مرابط آخر ذكر، سیدی موسى، يرى تقلُص سلطته بعد شعور عدد من أتباعه بالانزعاج. وقرر أن يضع نهاية لهذه المباراة مع منافسته الخطيرة، وأعد خطة بسيطة للتخلص منها. لقد أغرى أحد أتباعه المخلصين وكلفه باختطاف تركية والزواج منها. ونظراً لأن المرابط لا يمكنه أن يدخل إلا إلى عائلة مرابط، فقد فقدت تركية، نتيجة هذا الزواج التعيس، كل السلطة التي كانت لديها (1929: 235).
الشعوذة هي وسيلة أخرى يمكن القول إن النساء يستخدمنها لممارسة نفوذهن على الذكور في مجتمع تشاويا. إن المرأة المشعوذة لديها قوة على الرجل أكبر من قوة قديس، وذلك بسبب قدرتها على التنبؤ بالمستقبل وتعزيز الحب وردع الشيطان وعلاج المرض.
ووفقا لجودرى:
يمكن القول إن الخوف الخرافي من النساء، والذي يملأ عقول البربر، قد أتاح للنساء فرض دين أقل شأنًا تكُن فيه واعـظات– وهو رد فعل لاحتياج جماعي (1929: 246).
إن جميع النساء العجائز مشعوذات، بشكل أو آخر، يتعلمـن حرفتهـن من أمهاتهن. ويعلمن النساء إعداد مستحضر سائل من شأنه «ترويض أي رجل». والرجال يخافون منهن، ويمنع بعض الرجال زوجاتهم من استقبالهن. تمتلك المشعوذة قوة على الذكر من خلال النساء. تقول إحدى أمثال الرجال في تشاويا.
يأتي الطفل الذكر إلى العالم ولديه 60 جني في جسده، لكن الطفلة تولد طاهرة. وفي كل عام يتخلص الولد من واحد من الجن، بينما تكتسب الفتاة واحدًا؛ وهذا هو السبب في أن النساء العجائز البالغات من العمر 60 عامًا ولديهم 60 جنيًا هن مشعوذات أكثر خبثًا من الشيطان نفسه.
إنها عمياء وتحيك مواد أكثر، إنها عرجاء وتقفز فوق الصخور، وصماء وتعرف جميع الاخبار (Gaudry 1929: 267).
وتشير دراسة جودري قضية لم تركز عليها كثير من الأعمال البحثية الميدانية الإثنوجرافية مؤخرًا في المجتمعات الشرق أوسطية– وهي مدى إدراك الرجال للنساء بوصفهن يمارسن قوة عليهم من خلال لغة القوة الخارقة للطبيعة. ومع ذلك، فإن الدراسة الأخيرة التي قدمتها كرابانزانو حول الحمادشا في المغرب تطرح الدلالة القوية التي تمتع بها «عيشة قانديشا، المرأة الشيطانة ذات القدم التي تشبه خف الجمل» على الرجال في الطقوس العلاجية (1972: 327-348).
إذا لم يكن أحد أتباع عيشة مطيعًا لها، ينزل به البلاء على الفور ويعاني من سوء الحظ الشديد أو الأذى الجسدي. ويُقال إن عيشة تُضل الحمادشا، أنصارهم بوجه خاص، وهم بدورهم يشعرون بفخر شديد من حميمية علاقاتهم معها (1972: 333).
وتجدر الإشارة إلى أن دراسات كل من جـودرى وكرابانزانو كانت داخل الثقافات البربرية ذات الطابع الإسلامي في شمال أفريقيا، حيث تهيمن عبادة القديس Gellner 1969, Geertz 1968). ومع ذلك، تؤكد الباحثتان الإثنوجرافيتان الخوف والمهابة الذي يعبر عنهما الرجال تجاه هذه الشخصيات النسائية الخارقة للطبيعة، كما تطرح الباحثتان خطوطًا من التساؤل من أجل إجـراء مزيد من البحث. إن ندرة الوصف الإثنوجرافي بشأن علاقة النساء بالنسق الديني، بشكل عام، وبالقوة الخارقة للطبيعة، بوجه خاص، تطرح تعاظـم افتقاد اهتمام الإثنوجرافيين أكثر منه افتقاد اهتمام الفاعلين في المجتمعات الإسلامية بالشرق الأوسط. ويبدو أن الحال ليس كذلك عند النظر إلى دراسات النساء في مجتمعات أفريقيا جنوب الصحراء (Le Beuf 1971; Hofer 1972). وربما إذا كان علينا أن نعود إلى دراسات إثنوجرافية أحدث، تركز بوجه خاص على النساء في المجتمعات الرعوية والمتوطنة في الشرق الأوسط، فقد نكتشف دليلاً يطرح أن النساء يمارسن بالفعل سيطرة في المجتمع بطرق عديدة(4).
وعلى نحو يبعث على الاقتناع، توضح أمينة فراج، في دراستها حول السيطرة الاجتماعية بين نساء مزابيت، كيف تجرى ممارسة السيطرة المعنوية والاجتماعية والدينية على النساء عن طريق نساء، من خلال مؤسسة دينية خاصة كلها من النساء تسمى أزابات. فحياة كل من الرجال والنساء مرهونة بسلوك النساء، وهناك إيمان راسخ بأن غضب الإله يصيب المجتمع المحلى برمته نتيجة أي سوء سلوك جنسي من جانب النساء(5). ونظرًا لتكرار غياب الرجال وطول مدته في المجتمع المحلى لأغراض التجارة، اكتسبت النساء أهمية متزايدة في آليات السيطرة الاجتماعية على النساء.
وعلى الرغم من تأثير التغيرات الاجتماعيـة أيضًا مـنذ الاستقلال علـى قوة الأزابات، فلا يزالون يمارسون سيطرة أكثر صـرامـة علـى النساء أكبر مما تفعله الأوزابـا (جماعة دينية من الذكور) علـى الرجال (Farrag 1971: 318).
ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، يثير الرجال حاليًا مطالب متزايدة تستهدف (تحديث) النساء، ومن ثم يخلقون وضعًا يتسم بعدم الاتساق والإبهام. إن هجمة أطروحة أمينة فراج تستهدف توضيح كيف يؤدى، على نحو فعال ورسمي، انتهاك قواعد بعينها إلى العقوبة من خلال المؤسسات الدينية التي كلها نساء، إضافة إلى العقوبات غير الرسمية المتمثلة في قوة الحموات والرأى العام والنميمة، بغض النظر عن المكانة الاجتماعية. إن التبعات المترتبة على مقال أمينة فراج، بالنسبة إلى الموضوع الرئيسي لهذه الورقة البحثية، تبدو واضحة بداهة. فبدلاً من صورة لعالمين اجتماعيين منفصلين– عالم الرجال وعالم النساء– حيث تُحال النساء إلى الميدان المنزلي الخاص، فإننا نجد أن المؤسسات التي جميعها نساء تكون مسئولة عن المعاقبة على انتهاك القواعد الاجتماعية– وهذا بالتأكيد أمر يدخل في الاهتمام العام.
وبالنظر إلى دراستهـا للنساء من منظور الشرائح الاجتماعية، نجد أن فانيسا ماهر، في دراسة حديثة بين نساء المدن في الأطلس المتوسـط بالمغرب، تقدم تحليلاً شاملاً للآليات الاجتماعية، سواء السياسية أو الأيديولوجية، والتي تحصر النساء داخل نمط الوضع التقليدي للعلاقات الاجتماعية، “حيث لا تعمل النساء من أجل الأجور لأن المشاركة في الميدان العام المتمثل في السوق تُعد غير أخلاقية” (1972: 15). ومع معرفة هذا الانفصال بين أدوار الرجال والنساء، تزداد ضرورة تبعية النساء للنساء، وخاصة في مراحل الحمل المتأخرة وفي باكورة فترة ولادة الطفل. ويجرى تشكُل روابط التعاون المؤنثة هذه بصورة مستقلة عن تلك الروابط التي تشكلت عن طريق تعاون عشيرة أقارب الذكر، وتعمل على إعادة توازن القوى بين الرجال والنساء. وتجادل فانيسا ماهر بأن مبادئ السوق وامتيازات القرابة والمكانة تناضل من أجل الهيمنة، مع نتيجة مفادها وجود نزاع بنيوى بين ضرورات الزواج الاجتماعية والمكافآت العليا نتيجة القرابة (العلاقات القائمة على المكانة)، وخاصة بالنسبة إلى النساء. والزواج هو نقطة النزاع الرئيسية؛ وتجادل فانيسا ماهـر بأن افتقاد النساء للسيطرة السياسية على حياتهن، فضلاً عن افتقاد القيمة الدينية بوصفهن مسلمات من الدرجة الثانية، يجعلهن مجبرات على التحول نحو المكائد والسحـر– وهي الأسلحة التي يتم استخدامها في صراع القوى بين الرجال وزوجاتهم.
وتستكشف نانسي تابر (1968) هذا الموضوع بعمق أكبر في دراستها حول مجتمع النساء الفرعي في شاهساتان الرعوية في إيران. في هذا المجتمع النسائي الفرعي، نجدها تصف كيف أسست النساء فيما بينهـن مجالاً من العلاقات يمكن خلاله أن تحرز النساء المكانة المتحققة في المجتمع المحلى بوصفهن قابلات وطاهيات في الاحتفالات وقائدات دينيات.
في لك تيرا (عشيرة أو جماعـة أسرية)… هناك امرأة أو اثنتان معروف أنهما عليمات بالشئون الدينية. ومن الشائع أنهن قمن بالحج، مع وجود قريب ذكر، إلى الضريح المقدس للإمام رضا في مشهد؛ ولهذا يُشار إليهن بلقب «مشادی». وفي واقع الأمر، يمكن مقارنة وضع المشادى بين النساء بوضع الحاج بين الرجال. والمشادي هن من بين نساء قليلات يؤدين الصلاة بانتظام، وضعهن شديد المحافظة، ويتبعن بصرامة العادات والسلوكيات الأخلاقية التقليدية في شاهساتان؛ وأحيانًا بالإشارة المرجعية إلى الوصايا القرآنية الافتراضية. وينشد جميع الرجال والنساء آراء مثل هذه المرأة في شئون قانون الأسرة والعادات، ولنصيحتها قيمة تعادل قيمة نصيحة الرجل (Tapper 1968: 17).
أما ثريا التركي، فتفترض في دراستها الرائدة لنساء المدن في جدة بالعربية السعودية (1973) أن المجتمعات التي يحول فيها فصل النساء دون مشاركتهن في الشئون العامة تشهد وجود شبكات من الصداقة وتبادل الهدايا. ومن المرجح أن هذه الشبكات تعمل على تمكين المشاركات من جمع معلومات حيوية، وهو الأمر الذي يعطيهن سيطرة غير رسمية كبيرة على القرارات التي عادة ما تكون من أوامر الرجل على وجه الحصر. وفي جدة، تمارس النساء سيطرة كبيرة على مصاهرات الزواج.
هذه السيطرة لها تبعات بعيدة المدى في مجتمع تهيمن فيه القرابة بوصفها مبدأ بنيويًا في السياسات المحلية والوطنية. ومن البديهي أن نفوذهن يجب أن يكون مستمداً من مصدر للقوة مختلف عن السيطرة على الموارد. وإننى أطـرح أن سيطرة النساء البارزة على المعلومات في الشئون المتعلقة بترتيب الزيجات تُشكل هذا المصدر. إن طبيعة الشبكات النسائية نفسها تيسر لهن الوصول بشكل شامـل تقريبًا إلى المعلومات التي تعتمد عليها قرارات أقاربهن الذكور. وباستخدام معارفهن ببراعة لتلبية اهتماماتهن في الزيجات المحتملة، تنجح النساء بالفعل في توجيه أو إعاقة جهود الرجال في بناء مصاهرات الزواج (1973 b: 5).
يؤكد لينهارت (1972) هذه الأطروحة في وصفه للزواج ووضع المرأة في مجتمع ساحل الخليج العربي. ونظراً لأن الشيوخ، الكبار والصغار، هم شخصيات سياسية، نجد أن لزيجاتهم بعدًا سياسيًا أوضح من زيجات باقي الناس. وهنا تحقق بعض النساء نفوذًا ملحوظًا وقوة. ويطرح لينهارت أن زواج الشيوخ من النساء البدويات يمكن أن يُشكل أحد الأسباب التي تجعل نساء عائلات الشيوخ تعيش بشكل عام حياة أقل انعزالاً عن حياة النساء الأخريات. وعندما تكون هذه النساء متمتعات بشخصيات قوية، يمكن لكبار النساء من الأسر الحاكمة الاضطلاع بدور مهم في الشئون العامـة. إحدى النساء الرائعات في ساحل الخليج العربي– وهي الشيخة حصة بنت المور، أم الحاكم الراهن في دبي وزوجة سلفه– تظهر في الشئون العامـة صراحة لتقود مجلسها (اجتماع عام)، ليس للنساء وإنما للرجال، وتجلس بمقابل الزائرين مثلها مثل الشيخ، كما يقول الناس. وعندما أصبح زوجها حاكمًا، يقال إن عددًا من الرجال زار مجلسها أكبر من عدد زوار مجلسه. لقد كانت هذه المرأة الرائعة شخصية متميزة، سواء في السياسة أو في مجال الأعمال التجارية. فمن ناحية، قامت بدور قيادي في نضال سياسي قاد إلى حرب أهلية، وما ترتب على ذلك من طرد الحزب الإصلاحي. ومن الناحية الأخرى، استعادت ثروة أسرة زوجها بتطوير الملكية والتجارة، فضلاً عن ذلك المشروع الربحي في دبي، وإن كان محفوفًا بالمخاطر، بشأن تهريب السلع مع بلاد فارس والهند (1972: 229-230).
قد يكون ذلك مثالاً متطرفًا حول الأهمية المحتملة للنساء القائدات في الشئون العامة؛ ومع ذلك فإنه يطرح علينا إعادة تقييـم استعارات الخاص والعام مـن زاوية المنزلي والسياسي. إن ما تطرحه دراسة لينهارت وغيرها من المواد الإثنوجرافية يتمثل في أن النساء يقتربن بالفعل من الشئون العامة، لكنهن يقمن بذلك من مواقع خاصة. ففي الشئون العامة، نجد فصلاً بين النساء والرجال، ويختلط الرجال على نحو واسع في دائرة السوق العامة. أما النساء، من الناحية الأخرى، فيختلطن بعدد كبير في مجموعات صغيرة أكثر شمولاً من مجتمع الرجال، وتتشكل بدرجة كبيرة من علاقات قرابة وثيقة الصلة وإن كانت أبعد، ومن نساء أخريات هن صديقات نساء الأسرة، وعلى سبيل المثال أزابات والمجتمعات النسائية الفرعية وأواصر التعـاون كما ناقشنا أعلاه. وتُعد الأسرة، في المجتمعات التي ناقشناها، إحدى التجمعات الأساسية من حيث جوانبها الاقتصادية والسياسية والمعنوية. وهنا، بمعنى ما، نجد أن المدى المتاح للنساء أكبر من المتاح للرجال، ويرجع ذلك إلى فصل النساء وعدم ملاءمة مناقشتهن في صحبة الرجال. تشكل النساء، بشكل عام، جزءاً ضروريًا من شبكة الاتصالات التي تمد الرجال بالمعلومات، كما تشكل بعض النساء داخل التراتبية الاجتماعيـة بؤرة التجمعات الأصغر من النساء والجسر الذي يربط بين اهتماماتهن والاهتمامات العامة لدى الرجال.
عندما نبدأ في دراسة دور النساء ووضعهن في المجتمع الشرق أوسطى من وجهة نظر النساء، ولوصف نظرة النساء إلى العوالم الاجتماعية التي تعيش وتتفاعل فيها، يصبح واضحًا أن خيالنا الإثنوجرافي حول المجالات المنزلية بوصفها خاصة ومؤنثة والمجالات العامة بوصفها سياسية ومذكرة إنما يقود إلى التضليل. وهو ما لا يعنى الجدال بأن النساء فقط هن من يستطعن فهم، أو يفهمن بالفعل، والإثنوجرافيا المتعلقة بالنساء، وإنما نقول ذلك لكي نقول فحسب إن معرفة وجهة نظر المرأة ودراسة فروضها المسلم بها جدلاً حول عوالمها الاجتماعية يكشف عن صورة أخرى– هي القوة والنفوذ العاملين في المجتمع. إنني اتخذ الموقف القائل إن وضع الإنسان لنفسه، على نحو تخيلي، في الذات الداخلية أو غيرها (بما في ذلك مجموعة من الذوات «الأخرى»، من بينها الباحث الإثنوجرافي) ليس ضروريًا فحسب، وإنما يُشكل أساس الحياة الاجتماعية ذاته (Berger and Luckman 1967; Schutz 1962; Mills 1967)، وبالإضافة إلى ذلك، وبإعادة تقييم فكرة القوة من وجهة نظر تبادل النفوذ، يمكننا أن نحدد على نحو إثنوجرافي تلك المواقف الخاصة التي يمكن أن تمارس النساء من خلالها نفوذًا على الرجال. وإذا ارتكزنا على الدليل المُقدم، ما تلك المواقف ؟
تكمن إحدى الموضوعات المهيمنة المتكررة في كافة أنحاء الإثنوجرافيات في الدور المهم الذي تقوم به النساء بوصفهن يشكلن روابط بنيوية بين جماعات القرابة داخل مختلف المجتمعات، حيث تُعد الأسرة والقرابة المؤسستين الأساسيتين في مجرى الحياة اليومية. وفي الوقت نفسه، تعمل المرأة– بوصفها ابنة وشقيقة وزوجة وأمًا– بمثابة «الوسيط المعلوماتي»، حيث تؤدى وظيفة الوساطة في العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمع الأكبر. وتبدو بداهة هنا الآثار المترتبة على القوة (تبادل النفوذ) من خلال شبكات العلاقات هذه، وتقع المرأة في موضع يؤهلها لنقل المعلومات، أو الاحتفاظ بها، إلى الأعضاء الذكور في دائرة الأقارب. وفي هذا الموقع، تؤثر المرأة على عملية صنع القرار المتعلق بالمصاهرات، مما يؤدى بالفعل إلى عقد علاقات زواج، وإبلاغ الأفراد الذكور في الأسرة بما يجرى في البيوت الأخرى. لكن «البيت» محل النقاش ليس بيت مجموعة عائلة أكبر. ويتوقف على هذه المجموعة العائلة تغير كثير من شئون المجتمع– اجتماعياً واقتصاديًا وسياسيًا.
وتدعم الإثنوجرافيا بالفعل فكرة العالمين الاجتماعيين المنفصلين. لكنها بدلاً من اعتبار ذلك حدًا صـارمًا على النساء، يطرح الدليل إمكانية اعتبار فصل النساء استبعادًا للرجال من مجال الاتصالات الموجودة بين النساء. وهو الأمر الذي يؤكد موضوعًا رئيسيًا آخر، يبرز من البيانات المتاحة لدينا، وخاصة من مصادر كتبتها نساء حول النساء، يتمثل في أن النساء يشكلن مجموعات تضامن شاملة، وأن هذه المجموعات تمارس سيطرة اجتماعية كبيرة (Farrag 1971; Maher 1972). ومن خـلال السعى أيضًا إلى التحالف والدعم من نساء أخريات في المجتمع المحلى، تتمكن نساء بعينهـن مـن تحقيق مكانة اجتماعية عليا في المجتمع المحلـى، ويمارسـن بـالتالي نفوذًا سياسيًا (Aswad 1967; Tapper 1968).
يبدو واضحاً من البيانات الإثنوجرافية التي لخصناها أعلاه أن النساء يشاركن بالفعل في الأنشطة العامة، الأنشطة التي تجد أصداءها وأغراضها في نطاق عريض من الشبكات الاجتماعية.
ويبرز نفوذ النساء على الرجال في مجال ثالث– الجانب الديني أو الخارق للطبيعة. أي في تلك المواقف التي يقر فيها الناس أن للنساء قوة تقترن بما هو خارق للطبيعة والخوف لدى الرجال من الشئون الجنسية للنساء؛ أو يمكننا التعبير عن هذا الوضع على نحو أفضل باعتبار أن النساء يشكلن تهديدًا محسوسًا فيما يتعلق باحترام الذكر لسوء سلوك النساء الجنسي. ومن خلال السحر والشعوذ ومعرفة العيب ومداواة المرض، تلعب النساء دورًا أساسيًا في التأثير على حياة الرجال.
وهناك نقطة أخيرة تجدر الإشارة إليها، وهي درجة تأثير سلوك نسائي بعينه على الصورة العامة للرجل– من خلال السخرية، من خلال النميمة، من خلال الشرف والعار (Schneider 1971; Cunnision 1966).
كان الدافع الرئيسي لهذا المقال يتمثل في ضحد الصورة الإثنوجرافيـة السائدة حول وضع النساء في مجتمعات رعوية ومتوطنة مختارة في الشرق الأوسط. وقد تناول المقال، بوجه خاص، السؤال التالي: بأي معنى يمكننا الحديث عن النساء اللاتي يمارسن قوة في تلك المجتمعات التي تنحدر صراحة من سلالة الأب والموقع المحلى للأب وتسود فيها النزعة الأبوية ؟ وقد أثار ذلك مجمل قضية مفهوم القوة كما يراه باحثو الإثنوجرافيا الغربيون في كتاباتهم حول المجتمع الشرق أوسطي– رؤية تطرح تعريفًا لميدان النشاط المذكر باعتباره ميدان العمل العام– في المدينة بالمعنى اليوناني، وميدان النشاط المؤنث بوصفه الميدان الخاص والمنزلي. ومع ذلك، فإن ما يجرى تعريفهما بوصفهما المجالين العام والخاص هو من تصنيفات العالم التي يطرحها الفاعلون الذين يعيشون في تلك المجتمعات وأقل من الصور الأدبية الخيالية التي يقدمها المراقبون الذين يسجلون أفعال الرجال والنساء في تلك المجتمعات(6).
يرتكز الأثر الأساسي الناجم عن الإثنوجرافيا في هذا المقال على السؤال التالي: ما نوع البيانات المتولدة في حالة ميدانية يعتمـد فيها تيسر الوصول إلى العوالم الاجتماعية للرجال والنساء على دور الجنس أساسًا بالنسبة إلى المراقب ؟ ونظرًا لأن أدوار الجنس تحيط بطريقة تفاعل الفاعلين مع بعضهم البعض في المجتمع، فمن الأهمية الأساسية إدراك أن أدوار الجنس تحيط أيضًا بطريقة تفاعل كل من الفاعل والباحث الإثنوجرافي مع بعضهما البعض. إن الجانب المرتبط بالجنس، فيما يتعلق بالتفاعل الاجتماعي، يضع الفاعـل والباحث الإثنوجرافي في مواقف تواصل تضم ما يسمى بـ «البيانات الخام» للإثنوجرافيا، وهي تحديدًا منتجات هذا التواصل. وبعبارة أخرى، يؤدى الموقف التفاعلي ذاته إلى إنتاج (أو توليد) البيانات التي تُستخدم لكتابة الإثنوجرافيات. إن الوعي بهذه الظاهرة يطرح بالنسبة إلى استراتيجية حول العمل الميداني تختلف تمامًا عن الاستراتيجية التي جرى التعبير عنها في الإثنوجرافيا المتعلقة بالشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بالسؤال المهم حول موقع النساء. وأود أن أطرح أننا، بوصفنا باحثين إثنوجرافيين، نصبح أكثر خيالاً في خلق نماذج أنشطتنـا وقواعدنا وروابطنا الشخصية التي تؤلف العمليات السياسية لأى مجتمع. إن الأوصاف التي أضفيتها على النساء– بوصفهن وسطاء للمعلومات، وبانيات للسُمعة ومحافظات عليها، وبوصفهن يملكن «قوة» خاصة بهن– ترتبط جميعها بالوجود على نحو أفضل في جميع الروابط. ينبغي أن نبتعد عن النماذج التبسيطية والآلية (أما تلك الموجودة ضمنًا لدى الباحثين الإثنوجرافيين– مثل الرؤية الهوبسية لدى بارث حول السياسة– أو النماذج الرسمية للمُبلغين). وينبغي أن نعى أن بياناتنا لا يجرى «جمعها» وإنما صنعهـا وإرساؤها داخل الأسس التفاعلية للعملية البحثية ذاتها. لقد أدى عدم الوعي بهذه الظاهرة إلى صورة إثنوجرافية غير مكتملة ومضلِلة حول النساء والقوة في الشرق الأوسط(7). وعلينا أن نسأل أنفسنا كيف وصلنا إلى فهم عالم الجنس الآخر ؟ وبوصفنا باحثين إثنوجرافيين، ما المعايير التي يمكننا من خلالها الحصول على بيانات منتقاة لتسجيل «الصورة الحقيقية» للمجتمع ؟
وبالنسبة إلى أغلب باحثى الإثنوجرافيا في الشرق الأوسط، هناك فرض ضمنى بأن «الواقع»، أي البيانات، موجود «هناك» ينتظر أن يوصف، ولا يحظى الوضع الاجتماعي للمُبلغ إلا بقدر ضئيل من الاهتمام، مادام المبلغ (ذكراً كان أو أنثى) «بوصفه حاملاً للثقافة » يجرى تبليغه مثل أي شخص آخر. ومع الأسف فإن هذه الرؤية تغفل المشكلات الأهم في العمل الميداني– أهمية التوزيع الاجتماعى للمعرفة (Berger and Luckman 1967; Maxnheim 1936; Schutz 1962). كما تنكر هذه الرؤية أيضًا وثاقة صلة الموقف التفاعلي باعتباره مصدر معارفنـا حول المجتمع؛ وقد كانت الآثار المترتبة على هذه النواقص بؤرة تركيز هذه الورقة البحثية.
لقد أشرت، من ناحية، إلى أننا عندما ندرس أدبيات الشرق الأوسط حول النساء، والتي كتبتها نساء، تتكون لدينا صورة إثنوجرافية عن النساء والقوة تختلف إلى حد كبير عن الصورة التي يقدمها الباحثون الإثنوجرافيين الذكور. ومن الناحية الأخرى، عندما قمت بدراسة الأدبيات المكتوبة من جانب باحثين إثنوجرافيين ذكور. اكتشفت وجود إشارات إلى أن النساء في تلك المجتمعات ليسوا ضعفاء بمثل ما خلُص إليه الباحثون الإثنوجرافيين أنفسهم. وبعبارة أخرى، هناك دليل داخـلى أن الصور التي لدينا غير مكتملة، وأن ديناميات القوة والسلطة أكثر براعة مما اعتقدناه، وأن منظورنا النظري حول وضع النساء في المجتمع الشرق أوسطى يجب أن يكون العالم الذي يتكون من الفطرة السليمة لدى الفاعلين أنفسهم.
شـهرت العالـم: مترجمة.
(*) من كتاب
Gerder in Cross- Cultural Perspective, (1997), Edited by Caroline B. Brettell and Carolyn F. Sargent. New Jersey: prentice- Hall, Inc.
(1) هذا المقال عبارة عن صيغة روجعت مرارًا لورقة بحثية مبكرة مقدمة إلى ندوة حول تفاعـل البدو–المقيمين في مجتمعات الشرق الأوسط، عقدتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة في الفترة 21-17 مارس 1972 (Nelson 1973). ومع ذلك، يرجع ظهور هذه الورقة البحثية في جزئه الأكبر، إلى المناقشات العديدة المُحفزة التي دخلت فيها عندما كنت في إجازة دراسية بمعهد الدراسات الدولية (1974-1973) مع جامعة كاليفورنيا– مای ن. دیاز، لوسل نويمان، إلفي ويتاكر، وخاصة فيرجينيا ي. أوليسون– الذين أجبرتني تعليقاتهـم الحادة والحاسمة على تحديد أفكارى بدرجة كبيرة. كما أود أن أتقدم إلى هيلدر د جيرتز بتقدير كبير لاقتراحه وجود رابطة أوثق بين الحجة المركزية التي تطرحها الورقة البحثية وعنوانها.
(2)يمكن إطلاق حجة مفادها أن النساء يشاركن بناء الرجل للعالم الاجتماعي، لكن ذلك يبدو بالنسبة لى فرضًا مسلمًا به جدلاً، ضمنيًا، أكثر من كونه حقيقة إثنوجرافية. وإلى أن نعرف أن الحال كذلك، ارتكازًا على الدليل الإثنوجرافي الذي يبرز من دراسات رؤى المرأة لعالمها الاجتماعي، فإننا نقوم بعمل تصميمات من المعلومات المنقولة من المُبلغين الذكور إلى الباحثين الإثنوجرافيين.
(3)على الرغم من أن تحليل ليشتنستادر مستمد من مواد مكتوبة وليس من ملاحظات شخصية، فإن بصيرتها تطرح موضوعات تبرز من دراسات إثنوجرافية أحدث (Lienhardt 1972). وقد لفت د. عبده (عبر اتصـال شخصی)، من جامعة الرياض، انتباهي إلى حقيقة أن النبي محمد كان يعمل لدى امرأة تعمل بالتجارة وتزوجها فيما بعد– خديجة. وقد علق قائلاً: «إذا تحدثنا بشكل عام، يمكن القول إن النساء البدويات في العربية السعودية يشاركن كالرجال في المجتمع أكثر مما تفعل نظيراتهن الحضريات». ويعزو عبده ذلك إلى النفوذ التركي الكبير على عزل النساء في المراكز الحضرية. كما أشار أيضًا إلى وجود أسواق نسائية خاصة في مدينة تدمر بالعربية السعودية، أسواق لا تبيع فيها سوى النساء. وقد أمكن رصد هذه الظاهرة أيضًا لدى البربر في الأطلس العلوى وجبال ريف في المغرب (Benet 1970: 182, 193; Mart 1970: 38).
(4الدليل على تعميماتي حول النساء والقوة في المجتمع العربي لا تزال صحيحة بالنسبة إلى البربر المستعربين في شمال أفريقيا يمكن إيجاده في عديد من المخطوطات الحديثة سواء المنشورة أو غير المنشورة (Alport 1970’ Benet 1970’ Hart 1970; Murphy 1970; Mason 1973; Joseph 1973). لقد تبادر إلى ذهنى، بعد تقديم هذا المقال، إعداد بحث مفيد حول هذا الموضوع بين البدو الرعاة في السودان. وأود أن أتوجه بالشكر إلى إليانور كيلي، من جامعة مانشتر، على موافقتها الكريمة على الإطلاع على أطروحتها غير المنشورة من جامعة لندن.
(5)يمكن تدعيم هذه الصورة للنساء من خلال وجودها في جزء آخر أيضًا من أفريقيا المسلمة، وهو ما يتجلى في المقتبس التالي من بنود أخبار (وكالة الأنباء الفرنسية) التي صدرت في عدد 23 يونيو 1923 من جريدة «سان فرانسیسکو کرونیکل»:
كانو، نيجيريا– تؤمر المرأة العزباء في نيجيريا بالزواج على الفور أو ترك شمال نيجيريا، لأن السلطات الدينية هناك تقول إن الجفاف الحالي في غرب أفريقيا سببه الدعارة واللاأخلاقية… وقد تمت الإفادة بأن عدداً كبيراً من النساء غير المتزوجات هربن من منازلهن بعد أن حصلن على أمر بالزواج أو الرحيل، وهو الأمر الذي أصدره الأمراء في المنطقة المسلمة. كما صدرت الأوامر إلى ملاك الأرض بعدم إفساح مجال للنساء العزباوات، ذلك أنه «بسبب الدعارة لم تهطل الأمطار»- كما قال أحد الأمراء.
(6) طرح أحد مؤرخي الشرق الأوسط عدم وجود مصطلح عربـي بـيـن البدو يعادل مفهوم المجال «العام». فالخيمة والمخيم ليسا مرادفين للعام والخاص (اتصال شخصی: Dols).
(7) يُعد النقاش الذي جرى مؤخرًا بين أبو زهرة (1970) وأنطون (1968)، حول معنى ومعيار الاحتشام في الشرق الأوسط، مثالاً ممتازاً لتعارض الصور الإثنوجرافية.
Abou-zahra, Nadia, 1979. On Modesty of Women in Arab Muslim Villagees : A Reply. American Anthropologist 72 (5): 1079-1088.
Alport, E. A. 1970. The Azab, In peoples and Cultures of the Middle East, Vol. II I sweet, New York: The Natural History press, pp. 225-241.
Al-Torki, Soraya. 1973a. Religion and Social Organization of Elite Families in Urban Saudi Arabia. Unpublished ph. D. dissertation. University of California, Berkeley
——— 1973b. Men-Women Relationship in Arab Societies. A Study of the Economic and political Conditions of the Status of Women. Unpublished research proposal.
Antoun, Richard. 1968. In the Modesty of Women in Arab Muslim Villages: A Study in the Accommodation of Traditions. American Anthropologist 70 (1): 671-697.
Asad, Talal 1970. The Kababish Atabs: Power, Authority and Consent in a Nomadic Tribe. London. C. Hurst.
—-. 1972 Market Model, Class Structure and Consent. Man 7 (1): 74-94.
Aswad, Barbara. 1967. Key and Peripheral Roles of Noble Women in a Middle East Plains Village, Anthropological Quarteryl 40 (3): 139-153.
Barth, Fredrik. 1959. Political Leadership among Swat Pathans. London School of Econmics Monographs on Social; Anthropology. 19 London.
—–. 1961 Nomads of South persia: Basseeri Tribe of the Khameseh Confederacy. Boston: Little, Brown.
Benet, Francisco. 1970. Explosive Markets: The Berber Highlands. In Peoples and Cultures of the Middle East, Vol. I. Louise Sweet, ed. New York: The Natural History Press. pp.173-203. Berger, peter, and T. Luckman. 1967. The Social Construction of Eaelity. New York: Doubleday (Center Book).
Bujra, Abdullah. 1966. The Relationship between the Sexes amongst the Bedouin in a Town. Unpublished paper delivered at the Mediterranean Social Science Conference, Athens.
Cole, Donald. 1971: Social and Economic Structure of the Al Murrah: A Saudi Arabian Bedouin tribe. Unpublished Ph. D. dissertation. University of California, Berkeley.
Crapanzano, Vincent. 1972. The Hamadsha. In Scholars, Saints and Sufis: Muslim Religious Institutions Since 1500. Nikki R. Keddie, ed. Berkeley: University of California Press, pp. 327-348.
Cunnision, Ian. 1966. The Baggara Arabs: Power and Lineage in a Sudanese Nomad Tribe. Oxford: Clarendon Press.
Douglas, Mary 170. Natural symbols: Explorations in Cosmology. New York: Random House (pantheon).
Evans-Pritchard,E. E. 1971. the Senusi of Cyrenaica. Oxford: Clarendon press.
Farrage, Amina. 1971. Social Contorl amongst the Mzabite Women of Peni-Isguen. Middle Eastern Studies, Winter (3): 317-327.
Gaudry. Mathea. 1929. La Femme Chaouia de L’Aures, Paris: Geuthner.
Geertz, Clifford, 1968. Islam Observed. New Haven, Ct: Yale University Press.
Gellner, Ernest. 1969. Saints of the Atlas. Chicago. University of Chicago Pres.
Hart, David M. 1970. Clan, Lineage, Local Community and the Feud in a Rifian Tribe. In Peoples and Cultures of Middle East, Vol. II. Louise Sweet, ed. New York: The Natural History Press, pp. 3-75 Hofer, Carol. 1972. Mende and Sherbro Women in High Office. Canadian Journal of African Studies 6 (2): 151-164.
Joseph, Roger. 1973. Choix ou Force: Une Etude sur la Manipulation Social Unpublished manuscript.
Lebeuf, Annie. 1971. The Role of Women in the Political Organization of African Societies. In Women of Tropical Africa. Denise Paulme, ed.
Berkeley University of California Press, pp. 93-119.
Lichtensdtadter, Ilse. 1935. Women in Aiyam :-Arab. London. The Royal Asiatic society Society.
Lienhardt, Peter A. 1972. Some Social Aspects of the Trucial States. In The Arabian Peninsula Society and Politics. D. Hopwood, ed. London: Allen and Unwion, pp. 219-229.
Maher, Vanessa. 1972. Social Stratification and the Role of women in the Middle Atlas of Morocco. Unpublished ph. D. dissertation. Cambridge University.
Mannheim, Karl. 1936. Ideogogy and Ytopia. New York: Harcourt, Brace (Harvest Books).
Marz., Emmanuel. 1967. Bedouin of the Negev. New York: Praeger.
Mason, John. n. d. Sex and Symbol in a Libyan Oasis. Unpublished manuscript.
Mohsen, Safia. 1967. Legal Status of Woment among the Awlad Ali. Anthropological Quarierly 40 (3): 153-166.
Mills, C. W. 1967. Situated Actions ans The Vocabulary of Motives. In power Politics and People. Oxford: Oxford University Press, pp. 439-452.
Murphy, Rebert F. 1970. Social Distance and the Veil. In Peoples and Cultures of the Middle East, Vol. I Louise Sweet, ed. New York: The Natural History press, pp. 290-314.
Nelson, Cynthia, 1973. Women and Power in Nomadic Societies of the Middle East In The Desert and the Town Nomads in the Greater Society. Cynthia Nelson, ed Berkeley. Institute of International Studies, University of California. pp. 43-59.
Nieuwenhuijze, C. A. O. Van. 1965. Social Stratification in the Middle East. The Hague: E. J. Brill.
Olesen, Virginia I. 1973. Notes on the Negotiation of Rules and Roles in Fieldwork Studies. Unpublished manuscript. San Francisco. Department of Social and Behavioral Sciences. University of California.
Pehrson, Robert. 1966. The Social Organization of the Marri Baluch. Viking Fund Publications in Anthropology, 53. New York.
Peters, Emrys. 1966. Consequences of the Segregation of the Sexes among the Arabs Unpublished paper delivered at the Mediterranean Social Science Council Conference, Athens.
Rosenfeld, henry. 1968. The Contradictions between property, kinship, and power as Reflected in the Marriage System of and Arab Village. In Contributions to Mediterranean Sociology. J. Peristiany, ed. The Hague. Mouton, pp. 247-360.
San Francisco Chronicle. June 23, 1973.
Schneider, Jane. 1971. Honor, Shame and Access to Resources in Mediterranean Societies. Ethnology 10 (1): 1-24.
Schutz., Alfred. 1962. Collected papers, Vol. II: The problem of Social Reality. The Hague: Martinus Nijhof.
Sweet, Louise. 1970. Peoples and Cultures of the Middle East. Vols. 1 & 2.
New York: The Natural History Press.
Tapper, Nancy. 1968. The Role of Women in Selected pastoral Islamic Society. Unpublished M. A. thesis. S.O.A.S. London.
Worng, Dennis H. n. d. Some Problems in Defining Social power, Unpublished manuscript.