السيطرة على العمل الأهلى وأموال الفقراء

التصنيفات: أرشيف صحفي, الحركات

الحكومة تنشيء صندوق الاستثمار الخيري بعد حصار العمل الأهلي بالقوانين المكبلة

عندما وصلتنا الضجة المثارة حوله وعلامات الاستفهام التي أحاطت به توقفنا عند ما عرف بمبادرة صندوق الاستثمار الخيريأعلنت وزارة الصحة ودار الإفتاء المصرية عن تأسيسه بمساندة من وزارة التضامن الاجتماعي؟!!

توقفنا في محاولة للفهم.. كيف تقوم جهات حكومية (أو حتى شخصيات مازالت تمثل الحكومة) بإنشاء مؤسسة أهلية تقبل تبرعات الناس وزكاة أو عشور أموالهم لتنفق من (استثمارها) على فقرائهم في العلاج والتعليم؟ والمفروض أن للدولة ميزانية توجه لهذه الخدمات. توقفنا في محاولة لفهم.. ما يمكن أن تؤدى إليه وجود مثل هذه المؤسسات، خاصة بعد إعلان وزارة التضامن بعدها مباشرة عن إشهار مؤسسة (قومية) للحج والعمرة لتنظيم رحلات الحج والعمرة بأفضل الشروط والأسعار وتحت إشراف الوزارة وهذه الشروط والأسعار وضعتها الوزارة نفسها؟!

السؤال هنا: هل هذه (المبادرات) هي محاولة من الحكومة (للسيطرة) على العمل الأهلى.. بقطع أصابعه الممتدة لأقصى قرى الصعيد وأطراف الحدود حيث لا وجود لخدماتها أو الشعور بهيبتها؟!

أم ترى هذه (المبادرات) هي مرحلة وسطى لكي تتخلى الحكومة عن دورها الأساسي في تقديم الخدمات للمواطنين خاصة أن هذه المبادرات قد ظهرت مباشرة بعد إعلان رئيس الوزراء تحويل التأمين الصحي إلى شركة قابضة.

أموال الزكاة

لنذكر هنا ما أثير عقب الإعلان عن تأسيس صندوق الاستثمار الخيري بأيام قليلة داخل مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، فقد أفتى المجمع بعدم جواز إخراج الزكاة لأي نوع من أنواع الصناديق الخيرية الاستثمارية. ويوضح د. عبد المعطي بيوميعضو المجمع أن هذا الرفض يعود إلى أن مال الزكاة من حق الفقير يصرفه في حاجته، ولا يعرف حاجة الفقير سوى الفقير نفسه.

 

وهنا تراجع المفتي د. علي جمعة” – خلال جلسة المجمع نفسها على قسمين الأول : الصدقات التي يحبس أصلها ويستثمر في مجالات شتى كالصناعة والزراعة والتجارة والخدمات ونموها والعائد منها يختص بالإنفاق على تطوير الخدمة الطبية وتوسعها في إنشاء المستشفيات والأجهزة الطبية والبحث العلمي والروائي، والقسم الثاني : أموال الزكاة على أن تصرف فورًا للإنسان وليس للبنيان.

ليؤكد المؤكد أن الصندوق ليس له علاقة بأموال الزكاة ولا مصاريفها. وإنما ستجمع أمواله من الصدقات الجارية والتبرعات، وسيتم استثمارها وينفق عائدها على علاج الفقراء وإنشاء المرافق العامة الطبية التي لا تستطيع الدولة القيام بها.

ولابد أن نعلق وماذا تفعل الدولة وأين أموالها أي أموالنا؟

قبل أن تجمع الصداقة والزكاة فليقولوا لنا أين ذهبت التبرعات التي جمعتها الحكومة لصالح ضحايا قطار الصعيد والعبّارة؟.

ويعلق الشيخ جمال قطب عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف قائلاً: المسألة ليست في أن يكون الوزير أو المسئول بشخصه أو بصفته عضوًا بمجلس أمناء الصندوق، فالمشكلة تكمن في أنه يستطيع تغيير سياسة الصندوق، وهذا يثير مخاوف الناس وشكوكهم خاصة أننا وحتى الآن، لم نعرف على وجه الدقة أين ذهبت أموال التبرعات التي جمعتها الحكومة من الناس من قبل لضحايا قطار الصعيد والعبارة وغيرها، وكيف تم توزيعها ، كل هذه الشكوك تؤخر قيام الشخصية المعنوية لهذا (الصندوق) مما يجعل المشروع هلاميًا غير مكتمل الأركان.

المستفيدون والاستثمارات

وإذا تركنا مسألة تمويل الصندوق وأموال الزكاة وتوقفنا عند أهداف الصندوق وأنشطته والمستفيدين منه سنجد العديد من التساؤلات، ففي تصريحات وزير التضامن الاجتماعي أوضح أن الصندوق سيقوم بتمويل مختلف الأغراض الخيرية في مناطق مختلفة في مصر، تشمل: إغاثة من الكوارث وشراء الأدوية وتغطية تكاليف العمليات الجراحية وتمويل العيادات الصحية، وتمويل الموضوعات (المعقدة) مثل أطفال الشوارع وبناء وإصلاح الملاجيء وتمويل مشروعات تنمية المجتمعات العشوائية، وبنوك للطعام ورعاية المسنين وغيرها بالإضافة إلى تمويل مشروعات بناء القدرات للجمعيات الأهلية التي تتعامل مع مشروعات الحد من الفقر !!

فهذه الأهداف تجعلنا نتساءل عن أولويات إنفاق ما تم جمعه في الصندوق حتى الآن (5 مليارات جنيه) على هذه الأنشطة، ومن سيحدد تلك الأوليات وعلى أي اعتبارات، وكيف سيحدد المستفيدون على مستوى الجمهورية وفق أى أولويات أو معايير خاصة مع ما أوضحه وزير التضامن الاجتماعي من أن الصندوق سيخدم الأفراد المحرومين والمعوزين ماليًا وسيعمل عندما تعجز قنوات المساعدة الأخرى عن مساعدة هؤلاء، وأن المستفيدين من الصندوق هم تلك الشرائح التي فقدت كل أمل ولم يتبق لها سوى (العناية الإلهية) !!

وأسئلة أخرى يثيرها هذا الصندوق عن كيفية استثمار أمواله (أموال المتبرعين المصريين)، وما هي تلك الأوجه المضمونة العائد المأمونة من مخاطر السوق، ومن سيختارها ويراجعها ويقومها.. و.. و.. و..؟!!

وعن مخاطر السوق لابد أن نتذكر أنه سبق المضاربة بأموال المعاشات وحققت خسائر فادحة وهي أموال مملوكة لأصحابها وليس للدولة، كما لابد أن نذكر أن ديون الحكومة المصرية لصناديق التأمينات والمعاشات ۲۷۰ مليار جنيه حتى ديسمبر ٢٠٠٦.

برز العمل الأهلى تحت ضغط الفقر وانسحاب الدولة وقصور عملية التنمية.

هذه الأسئلة وغيرها حاولت أن أجد لها إجابة لدى وكيلة وزارة التضامن الاجتماعي للجمعيات الأهلية عزيزة يوسف وأوضحت لي أن وجود عدد كبير من رجال الأعمال (الذين ساهموا بأموالهم في الصندوق) ضمن مجلس أمناء الصندوق سيجعل لهم القدرة على متابعة هذه الأموال واستثمارها (بجدية)، ومنهم من سيتبرع بفكره وخبرته في الاستثمار، وسيخصص جزء من استثمارات الصندوق لتقديم الدعم الفني والمادي للجمعيات الأهلية التي تعمل في مجال الحد من الفقر لأنها هي التي تستطيع الوصول إلى المستهدفين (ملحوظة: المفروض أن هذا هو عمل الوزارة نفسها)، حيث سنقوم الآن بعمل قاعدة بيانات عن المستفيدين من كل جمعية، وأنشطتها والجهات المانحة حتى نستطيع أن نقسم عدد المستفيدين على عدد الجمعيات فلا يضطر المستفيد الواحد للجري وراء كل جمعية ليحصل على احتياج من احتياجاته، بل سنجعل كل مستفيد يتجه إلى جمعية واحدة فقط توفر له كل احتياجاته (أيضًا المفروض أن هذا عمل الوزارة).

وأكدت عزيزة يوسف أيضًا أن ما يضمن الشفافية في عمل هذا الصندوق هو العدد الكبير لعدد أعضاء (الجمعية العمومية) للصندوق بما يكفل الرقابة الذاتية لعمله، وأن الهدف من وجود الوزير (بشخصه وليس بصفته) في مجلس أمناء الصندوق هي من أجل مزيد من التعاون مع المجتمع المدني والتكامل بين الدور الحكومي والأهلي في مساعدة الفقراء، (وهل يحمل تاريخ الوزير أي تعاون مع المجتمع المدني؟).

1/ 2 كلمة

ردًا على سيدات ورجال الجمعيات الخيرية: الخلاف مع وزير التضامن محسوم مقدمًا لصالح الوزير، فالقول ما قاله مصيلحي، ولا صوت في المعركة يعلو على صوت مصیلحی، وقد سبق له إخضاع المخابز والمطاحن والصوامع والملاجيء، وهو شديد الاعتزاز برأى مصيلحى لأنه يحب مصيلحي حبًا جمًا لدرجة أنه يردد دائمًا لو لم أكن مصيلحى لوددت أن أكون مصيلحى.

أحمد رجب

[email protected]

عند هذه النقطة أتوقف أخيرًا مع أحمد سيف الإسلام مدير مكتب هشام مبارك ليعلق هنا على هذا الصندوق أن يثبت لنا أن عمله لن يكون بديلاً عن التزام الدولة بتقديم الخدمات للمواطنين، والعبرة ألاّ تستخدمه الجهات الحكومية كبديل لتقديم هذه الخدمات، المفروض أن يكون دوره مكملاً ومساندًا وليس بديلاً.

لا نعرف أين أموال الصناديق الخاصة ولا كيف تدار ولا أين أموال المعاشات والتأمينات الاجتماعية فهل سنعرف شيئًا عن الصندوق الخيري؟

ويكمل سيف الإسلام: هل يضرب هذا الصندوق وأنشطته المثل في تفعيل النص الدستوري الذي ينص على ضرورة تحديد (كيفية) مشاركة المنتفعين من المرافق العامة في مراقبة عملها، المراقبة الشعبية، وليس الرقابة الحكومية فقط، وهو النص الذي لا تفعله الحكومة نفسها عند إدارة المستشفيات أو المدارس أو مرفق النقل أو غيرها رغم أنها ملزمة بضرورة وضع نص لكيفية هذه المراقبة الشعبية، فلا أحد يعرف كيف تدار الصناديق الخاصة داخل الجامعات وغيرها، ولا نعرف قواعد الصرف وقواعد الاختيار للمستفيدين، والمعايير التي يتم اختراقها بسبب الكوارث، وكيف تجمع نقود الصندوق وما هي ميزانية وآليات مراجعة هذه الميزانية، وآليات تصحيح الأخطاء الوارد حدوثها، وعلى الصندوق أن يثبت هنا أن لا دخل للإدارة الحكومية في اختيار الجهات الأهلية التي سيتم التعامل معها، بحيث لا تسيطر الإدارة الحكومية على العمل الأهلى.

الدولة بقوانينها وتدخلاتها تسعى جاهدة لقطع أصابع العمل الأهلى التي امتدت حتى لأقاصي الصعيد.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي