بعد أكثر من 70 عامًا من النضال النقابي
من اللافت للنظر داخل نقابة الصحفيين غياب الصحفيات عن المشاركة في العمل النقابي عدا بعض المبادرات الفردية المحدودة كما غاب تمثيل الصحفيات داخل مجلس النقابة في الدورتين السابقتين ۱۹۹۹ و ۲۰۰۳ مما لا يتناسب مع تزايد أعداد الصحفيات، حيث يبلغ عدد المقيدات بجداول النقابة 1409 صحفيات من إجمالي ٥١۲۰ عضوًا، وترتب على ذلك غياب قضايا الصحفيات النوعية من جدول أعمال مجلس نقابة الصحفيين بينما انخرطت المرأة المصرية في العمل الصحفي منذ أوائل القرن الماضي حيث شاركت أربع صحفيات هن: فاطمة اليوسف ومنيرة عبد الحكيم وفاطمة نعمة راشد ونبوية موسى في أول اجتماع للجمعية العمومية لنقابة الصحفيين الذي عقد في ٥/ 12/ 1941 بعد أن صدر المرسوم الملكي بإنشاء نقابة الصحفيين في 31/ 3/ 1941 بالقانون رقم 10 لسنة 1941 وفي العام 1954 فازت أمينة السعيد، أول صحفية، بعضوية مجلس نقابة الصحفيين واستمرت لتسع دورات متتالية حتى العام 1963، من بينهما خمس دورات شغلت منصب وكيل النقابة، ثم فازت نوال مذكور بعضوية مجلس النقابة في دورته الـ ٢٦ من 1968 إلى عام 1970 وفي الدورة الـ ٢٧ من ١٩٧١ إلى 1973 فازت أمينة شفيق بعضوية المجلس وفي الدورة الـ ٢٨ من ١٩٧٣ – 1975 فازت فاطمة سعيد، وفي الدورة الـ ٢٩ من ١٩٧٥ – ۱۹۷۷ فازت فاطمة سعيد وفي الدورة الـ 30 من ١٩٧٧ – ۱۹۷۹ فازت فاطمة سعيد وشغلت لأول مرة صحفية موقع أمين الصندوق وأمينة شفيق وبهيرة مختار، وفي الدورة 31 من ١٩٨٠ – ۱۹۸۱ فازت فاطمة سعيد واحتفظت أيضًا بأمانة الصندوق، وفي الدورة ٣٢ من ۱٩٨١ – ۱۹۸۳ فازت أمينة شفيق، وفي الدورة 33 من 1983 إلى 1985 فازت أمينة شفيق وشغلت منصب أمينة الصندوق، وفي الدورة الـ 34 من 1985 إلى ۱۹۸۷ فازت أمينة شفيق، وفي الدورة الـ 35 من 1987 إلى 1989 فازت سناء البيسي، وفي الدورة الـ 36 من ١٩٨٩ – ١٩٩١ ضم المجلس أمينة شفيق وسناء البيسي وفي الدورة 37 من 1991 إلى ۱۹۹3 فازت أمينة شفيق وشوكار الطويل، والدورة 39 من 1995 إلى 199۷ والدورة 40 من 1997 إلى 1999 فازت أمينة شقيق.
من الملاحظ مما سبق أن عددًا ليس بقليل من الصحفيات شاركن في مجالس نقابة الصحفيين دون انقطاع من العام 1954 إلي العام ١٩٩٩ عدا ثلاث دورات هي 23 و 24 هي الفترة من 1964 إلي 1967، وهذا التمثيل للصحفيات في مجالس نقابة الصحفيين لم يكن رمزيًا بل كان لأغلبهن حضور نقابي واضح بل منهن صحفيات انخرطن في العمل العام والسياسي بشكل واضح منذ وقت مبكر ولا تزال منهن صحفيات يقمن بدور فاعل في المجتمع بشكل عام.
هذه الإحصائيات السابقة تثير العديد من التساؤلات: هل تمثيل الصحفيات في المجالس المنتخبة لنقابة الصحفيين فحسب يكفي لإصلاح أوضاع الصحفيات ؟ أم انخراط الصحفيات في العمل النقابي ومشاركتهن في جميع الأنشطة والمعارك التي تدار للدفاع عن مهنة الصحافة والصحفيين يهم في خلق وبروز صحفيات نقابیات جادات؟ وما هي الأسباب وراء غياب الصحفيات عن العمل النقابي؟
التخلف الاقتصادي والفكري
ردًا علي هذه الأسئلة يقول الدكتور محمد فراج أبو النور الكاتب والصحفي : لا يمكن مناقشة عدم مشاركة الصحفيات في العمل العام بمعزل عن وضع المرأة في المجتمع بأسره، فتاريخيًا ثمه غياب واضح للمرأة في المشاركة السياسية والنقابية، بل العمل العام عمومًا، وهذا مرتبط بجملة من المفاهيم الخاطئة عن المرأة التي تكرس للنظرة الدونية للمرأة وأن دورها ينحصر داخل المنزل فحسب، ووضع المرأة الآن يزداد تعقيدًا بفعل تدهور الأوضاع الاقتصادية، وانتشار معدلات البطالة ووجود توجه لعدم عمل المرأة وعودتها للمنزل، وأيضًا انتشار نفوذ تيارات سياسية يمينية لها موقف غير إيجابي من قضايا النساء، وبالتالي انعكس هذا المناخ علي وضع الصحفيات والصحفيين من تدهور علي المستوى المهني والاقتصادى، وإن كانت معاناة الصحفيات أكبر بفعل الأوضاع الاجتماعية الضاغطة عليها كما أسلفنا، ناهيك عن التوجه إلي الحلول الفردية. جميع ما سبق أسهم في تقليص عدد الصحفيات في العمل النقابي ومجالس نقابة الصحفيين، وردًا علي سؤال حول تمكن عدد من الصحفيات من الفوز بالانتخابات منذ الخمسينات قال أبو النور إن المناخ في هذه الفترة كان مواتيًا، حيث كان هناك مشروع قومي تشابك معه المجتمع بأسره بدرجات متفاوتة، أيضًا معركة مواجهة الاستعمار هذا المناخ خلق مزاجًا ديمقراطيًا في الوسط الصحفي وإن لم يكن هناك مؤسسات ديمقراطية داخل الدولة، فضلاً عن وجود قوى في الحياة المحلية أسهم ذلك بشكل أساسي في فوز الصحفيات في الانتخابات، ولكن مع انهيار المشروع القومي الثمانينيات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها المجتمع، يمكن القول إنه أصبح هناك حالة من التخلف الاقتصادي والفكري امتدت آثارها داخل الوسط الصحفي الذي هو جزء من المجتمع.
د. محمد فراج أبو النور: التخلف الاقتصادي والفكرى وراء تراجع دور المرأة
وفي لقاء مع منال عجرمه قالت: إنه ثمة مناقشات تجري حاليًا بين عدد من الصحفيات للبحث عن آليات عمل للمرحلة القادمة تسهم في تفعيل دور الصحفيات نقابيًا وتدريب الصحفيات على إعداد الحملات الانتخابية وكيفية صياغة برنامج انتخابي وإدارة الحوارات مع الناخبين.
أما بسنت الجندي المحررة الاقتصادية بالأسبوع وخاضت انتخابات صندوق التكافل فأكدت ضرورة قيام الصحفيات اللاتي خضن المعركة الانتخابية بخوض المعركة مرة أخرى وخلق قنوات للتواصل مع جموع الصحفيين للقضاء علي التربيطات والتحالفات والتعصب للمؤسسات.
أما عبير سعدي الصحفية بالأخبار وخاضت انتخابات مجلس نقابة الصحفيين العام ۲۰۰۳ فتری بأن آراء الصحفية النقابية وانتخابات حرة موضوعية وديمقراطية هو الطريق لوصول الصحفيات لمجلس النقابة، وهذا لا يتعارض مع فكرة: إنشاء لجنة المرأة ولكن لا تقتصر على الصحفيات فحسب بل ينضم إليها صحفيون ولا تركز علي القضايا النوعية للمرأة فحسب برغم أهمية هذه القضايا، فعلى سبيل المثال هناك أقسام ومجالات في العمل الصحفي يمكن القول بأنها محظورة على الصحفيات، بالإضافة إلى اهتمام هذه اللجنة بالقضايا المتعلقة بعلاقات العمل والتي يعاني منها الصحفيون والصحفيات وتدريب الصحفيات سواء مهنيًا ونقابيًا وانتخابيًا، التركيز علي قضايا المرأة في المجتمع بشكل عام وكيف تتعامل الصحافة مع هذه القضايا، وهذا دور أساسي لنقابة الصحفيين، وفي حالة تمكننا من تصحيح صورة المرأة في الإعلام سوف نستطيع تغيير وضع الصحفيات في المؤسسات الصحفية وخلق مناخ أفضل يسهم في تفعيل دورهن النقابي.
عبير سعدی: لجنة لقضايا المرأة بمشاركة الصحفيين والصحفيات
معيار الكفاءة
بينما ترى أميمة كمال الصحفية بالأخبار بأن عدم مشاركة الصحفيات في العمل النقابي مرتبط بالمناخ العام داخل نقابة الصحفيين ورؤية الصحفيين والصحفيات للعمل النقابي، فمن الملاحظ أن غالبية الصحفيين أصبحوا يتعاملون مع النقابة باعتبارها مكانًا يقدم خدمات فحسب، أما فيما يتعلق بقضايا المهنة فمنوط بحلها مجلس النقابة والنقيب، بينما قوة النقابة وقدرتها على حل مشاكل الصحفيين والمهنة تتخذ من قوة الصحفيين والصحفيات ومدى تفاعلهم مع قضايا المهنة وحضورهم النقابي، وبالتالي لا يمكن مناقشة غياب الصحفيات عن العمل بعيدًا عن هذا المشهد، بالإضافة إلى ذلك نجد عائق الظرف الاقتصادي مما يضطر الصحفيين والصحفيات للبحث عن عمل إضافي لتوفير مطالب الحياة الأساسية. فضلاً عما سبق نجد ثمة عامل ثالث يتعلق بعدم حضور ومشاركة المرأة بدرجة كبيرة ومؤثرة في الحياة السياسية والنقابية في المجتمع بأسره، أما فيما يتعلق بعدم نجاح مرشحات في انتخابات مجلس النقابة 1999 و ۲۰۰۳ فترجع لأسباب عدة لعل أهمها كما ترى أميمة كمال هو أن الدعاية الانتخابية تتطلب قدرات مالية ضخمة ربما شكل ذلك عائقًا أمام بعض المرشحات إلى ذلك، وللأسف نجد البعض منهن خاض الانتخابات باعتبارها “وجاهة اجتماعية” ولم يكن لمعظمهن تاريخ نقابي أو تواجد على الساحة الصحفية وبالتالي يمكن أن يكون عدم الفوز يرجع لعوامل ذاتية في الأساس، حيث إنه من الملاحظ أن فكرة ترشيح ناخبات مقبولة في الوسط الصحفي، وهناك نماذج نقابية جادة تتمتع بتراث نقابي تمكنت من الفوز في الدورات السابقة ومنهن أمينة شفيق على سبيل المثال.
أميمة كمال: يوجد نماذج لصحفيات تمتعن بتراث نقابی عظیم
أما مدحت الزاهد رئيس تحرير صحيفة التجمع فيقول: إن عدم المشاركة النقابية ليست ظاهرة خاصة بالصحفيات، بل من الملاحظ حضور الصحفيات بكثافة في الأزمات والقضايا المحورية، منها مشاركتهن بشكل واضح في المعركة الخاصة بالقانون 93 وأيضًا المعركة لسنة 95 التي سبقت انتخابات المجلس الحالي.
مدحت الزاهد: اللجان النقابية داخل المؤسسات حل جذري لتفعيل مشاركة الصحفيين والصحفيات
أكد الزاهد أن تفعيل المشاركة النقابية تتطلب بشكل أساسي إنشاء لجان نقابية داخل المؤسسات الصحفية باعتبارها أصل التنظيم النقابي، وهي إحدى الآليات الرئيسية لتفعيل دور الصحفيين ومد جسور التواصل بين الصحفيين والصحفيات في مؤسساتهم والتنظيم النقابي، وبالتالي فإن غياب هذه اللجان يجعل جذور التفاعل الحقيقي مقطوعة مع القضايا المهنية، وتصبح مشاركة الصحفيين والصحفيات في العمل النقابي يغلب عليها الطابع الموسمي.