خواطر على الطريق
الصداقة
قال لي أحدهم أن كلمة الصداقة مشتقة من الصدق، وأعتقد أنه صائب تمامًا. فبدون الصدق كيف لنا أن نتخيل الصداقة؟ فالصداقة من أسمى العلاقات الإنسانية، وهي التي تشكل الأسرة التي نختارها بمحض إرادتنا، بعيدًا عن الأسرة المفروضة علينا بحكم روابط الدم. صحيح أن أسرتنا الطبيعية قد تكون ضمن دائرة أصدقائنا، ولكن الأمر ليس هكذا بالضرورة في جميع الأحوال. وعليه فإن من نختارهم كأصدقاء يمتلكون حقًا رفيعًا علينا، وهو أن نعاملهم بكل الصراحة المتشبعة بالحب والحرص، وبالتلقائية التي تبتعد عن النفاق، وباللغة المباشرة المستندة إلى التفاهم المتبادل.
من دواعي فخري أن لي صديقين ضمن أسرتي الطبيعية: أبي وابنتي، فقد كان – ولا يزال – لكليهما أثر لا يستهان به على مجريات حياتي، لعبا دور المستمع، والداعم، والصديق الحنون الذي لا يخشى أن يواجهك بعيوبك، ضعفك، وكبواتك أحيانًا.
أبي، يوسف درويش، تمر على وفاته هذه الأيام سنة كاملة افتقدته فيها، وافتقدت علاقتنا الصدوقة.
ابنتي، بسمة الجميلة الحزينة، كثيرًا ما أمدتني بحب وحكمة لا أمتلكها. ويظل في الجانب الآخر أصدقاء لا تربطني بهم صلة الدم، ولكنني قررت أنهم جزء من أسرتي الكبيرة، أصدقاء أدين لهم الوقوف صامدة في مواجهة الصعاب، والاستمرار في الحياة. هؤلاء الأصدقاء من جميع أطراف العالم، ومن مصر بالطبع. علموني أشياء كثيرة من ضمنها التسامح وعدم إطلاق الأحكام القيمية، ودفعوني إلى التحلي بالمودة، والحرص على الآخر، وتشاركوا معي الاستمتاع بالنميمة الحميدة، والتواجد لاستيعاب الآخر وما بداخله من آلام.
ينضم إلى هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر “بسمة، هاني، أميرة، جويل، ديدييه، مريام، محمد وآخرون“.
في مقال سابق، تحدثت عن الحب، ولكن هل يمكن أن ينفصل الحب عن الصداقة؟ أعتقد أن لا صداقة بدون حب، ولكن يمكن أن يكون هناك حب بدون صداقة، فكما أبديت سابقًا، أعتبر أن الحب حالة لا تخضع لأي منطق، أما الصداقة فهي اختيار طوعي، ومع ذلك حتي حينما ينتفي الحب، ويضع نفسه جانبًا، يمكن أن تبقي الصداقة كأحد التجليات والإحتاجات الإنسانية الأكثر تناسقاً مع النفس.
إلى جميع الأصدقاء – أي أصدقائي وأصدقاء الآخرين – أرجو أن تتمنوا الصداقة قدر ثمنها، فهي كنز لا يقدر بثمن، ويعوضنا عن كثير مما نفقد خلال رحلة الحياة.