كانت أمي تركب الدراجة وتحمل كيسين من الذرة وزن كل واحد منهما 50 كيلوجرام، تجلبهم من مركز توزيع الطعام كما يفعل الرجال. كانت تستيقظ عند السادسة صباحاً كل يوم لتعلم الرجال والنساء مهارات ضرب الرصاص وأشياء أخرى معقدة ما كنت لأفهمها في ذلك الوقت. كانت تقودهم وتدربهم بنفسها ومن دون مقابل مادي وأرشدت بعضهم إلى مسارات مهنية في الشرطة كما التحق بعضهم بجيش جنوب السودان.
كُنت طفلة مشوشة جداً، إذ كانت العادات تصور المرأة كالحمار الذي يفمل كل شيء من غير كلل أو ضجر. رأيت النساء يخضعن ويتقبلن هذا المصير. كانت أمي لوحدها، أما النساء الأخريات كان لديهن أزواجهن وأبناءهن اللذين ينتظرونهن ليقمن بخدمتهم وتقديم طعام لم يتساءلوا عن المشقة والجهد المبذول لإعداده. كُنت أعلم بأنني –وفي يوم ما– سأتزوج وسأصبح خاضعة وسوف لن اشتكي. كان التفكير في هذا الأمر مخيف جداً ولكنني كنت انظر إلى أمي تكابد في الحياة بنفسها وتحفظ حقوقنا وتدافع عن شرف والدي في غيابه وتتحمل المسؤوليات الشاقة وتتعامل معها بسلاسة. لقد ألهمني ذلك وأدركت بأن المرأة تستطيع أن تتمكن من هذه الحياة.
لقد كنت أدعم المساواة بين الجنسين قبل أن أعرف معنى مصطلح المساواة. كنت أسعى وأكافح من أجل المساواة في الحقوق في المنزل والمجتمع والمدرسة وكنت أحارب الفتية المتنمرين والحقيرين من الأساتذة الذكور. كنت أريد أن تتم معاملة الفتيات والفتية بالمثل لذلك أخذت مسؤوليات في الفصل و انضممت إلى النقاشات والمناظرات ولعبت كرة القدم وقطعت الحشائش وكنست الأرض وقصصت شعري كالفتيان. كبرت وأنا أعتقد بأن المساواة هي العدل ولكنني الآن لا أعتقد ذلك. كنت قد تنازلت وقتئذ عن قوتي وحقوقي في كوني امرأة وأصبحت أشبه الرجال وأتصرف مثلهم. إن العدل بين الجنسين لا يعني باننا سنتصرف بذات الطريقة. إن القضية ليست بسباق بين الرجال والنساء للوصول إلى مرحلة من انعدام النوع الاجتماعي. بل هي تعني بان يعطى النساء والرجال ذات الفرص ولكن بأن يتعاملوا معها بطريقة تُراعي تفردهما.
أن تكوني امرأة ليس بالضعف بل على العكس إن النساء هن منتهى معنى القوة. إنهن يمتلئن بالذكاء والشغف و قد خلقن بطريقة تجعلهن يتحملن آلام جسيمة ويحافظن على ابتسامتهن المشرقة حتى نهاية اليوم. عندما يقررن القيام بشيء يفعلنه بإتقان. ما الذي قد يساوي كل ذلك؟ إن المساواة بالرجال ليست فقط غير منصفة للنساء، بل هي إهانة للنوع الاجتماعي. لماذا يتوجب علينا أن نصبح مثل الرجال وأن نساويهم لنحقق العظمة في الوقت الذي يمكننا فيه أن نكون نساء وأن ننجز بالمثل وبافتخار. كامرأة ناضجة اليوم، أعلم تماماً لماذا كانت أمي تثابر. لم يكن ذلك باختيارها، فقد دفعتها الظروف لتقف على قدميها بحذاءين كلٌ بمقاس مختلف. كان الحذاء الأكبر يجرها إلى الوحل في معظم الأوقات ولكنها ترفض أن تظل على الأرض. لم يكن لها بان تشبه أحداً وأن تبدو مثل أحد، كان عليها فقط أن تكون امرأة قوية.
في البلاد الإفريقية مثل جنوب السودان، وسمت المرأة بالضعف لأنها لا تستطيع تحمل الصعاب والقتال في الحرب كالرجل. يتوقع من المرأة بان تكون هادئة ومطيعة وتوافق على كل ما يجري من حولها وإن أبدت رأيها فسينظر إليها على أنها غير محترمة. من وضع هذه القوانين؟ من قال بان المرأة لا يمكن أن تكون سياسية أو متحدثة جيدة؟ هل تحتاج المرأة لان تصبح جندية؟ هل تعرفون كم من الأسر عالتها النساء من دون مساعدة من أي رجل؟ قال ألبرت آينشتاين ذات مرة: “إذا حكمتم على السمكة بقدرتها على تسلق الشجرة فإنها ستعيش طوال حياتها معتقدة بانها غبية“. إن الفروقات بين الرجال والنساء ليست عقبة، ولم تكن من قبل كذلك بالرغم من أن أنماط تفكيرنا تقود إلى ذلك.
أريد لمجتمعي بان يعي بان النساء مهمات وانه لا يجدر به معاملتهن كالحيوانات التي فقط تسمع وتشعر ولا تتكلم. إن أصوات النساء واضحة وصادحة ويمكن أن تصبح هي التغيير، بالتالي فهي تستحق بان تسمع. إن النساء ينظر إليهن كبنوك إنسانية ينتظر أن يؤتي مهرهن ليتم إطلاق سراحهن. النساء القليلات المتعلمات يخاف المجتمع منهن ويعتبرنهن تهديدات. لم يخلقنا الله إناثاً ليتم بيعنا وتزويجنا متى ما شاءت أسرتنا ومجتمعنا، أو ليتم إبقاؤنا في المنزل بعيداً عن العالم و الزج بنا في المطبخ بعيداً عن النقاشات التي تغير الحياة. وتستمر الحلقة فحينما تتخذ القرارات يتوقع منا الصمت والقبول. لابد لهذا الأمر بان ينتهي. نحن نستحق الأفضل. دعونا نصبح جزءا من المجتمع بطريقتنا الخاصة، وليس بأن نصبح مرغمات على ارتداء البنطلون ليتم سماعنا.
أريد بأن يفهم الجميع أمراً واحداً هو أن المساواة ليست منصفة وأن العدل ليس المساواة. تخيلوا بأن يعاملكم والديكم بالمثل تماماً، أي أن يرتدي الجميع تنورة أو يرتب الجميع شعره على شكل ذيل الحصان أو يرتدي البنطلون أو يحظى بقصة شعر صلعاء. في هذه النقطة حتماً سنختلف لأن معظم الفتية لا يلبسون تنورة أو يرتبون شعرهم على شكل ذيل الحصان، وكذلك لا تُفضل كل الفتيات قصة شعر صلعاء. هنالك ميول تظهر نتيجة للتنشئة والبيئة، فكل لديه ما يعجبه ولا يعجبه من نقاط قوة وضعف. إن فردية المرء تجعله مختلف، لذلك ما يناسبني قد لا يناسبكم لأننا مختلفون. إن المساواة تمحي اختلافاتنا وتستبدلها بامتيازات أخرى، فالمساواة حلوة وتبدو سهلة ولكنها خطيرة إذا فهمت بشكل خطأ.
في نهاية المطاف إن المساواة والعدل منفصلين و يحدثان نتائج كارثية ولكنهما إذا اجتمعا يصنعان التمازج والسلام، كما يكمل التعليم والفطنة السليمة بعضهما البعض. اعرف عدداً من النساء المتعلمات اللاتي يستخدمن تعليمهن ويحاولن بأن يثبتن بأنهن متساويات مع الرجال وولكنهن يفقدن الكثير من أنوثتهن في خلال الطريق. عندما قال نيلسون مانديلا: “علم امرأة تعلم أمة” لم يعني المساواة أو المحاربة مع الرجال. إن المرأة المتعلمة تعرف بانه لا يتحتم عليها أن تتم معاملتها كالرجال كي تزدهر وتبدع، فلكل منا طريقه في الحياة. لم تصبح أوبرا وينفري المرأة العظيمة التي نعرفها الآن لأنها ركزت على المساواة، بل لأنها احتفت بالمرأة التي في داخلها. إن اختلافاتنا هي ما تصنع تميزنا وعليه يمكن أن تصبح نقاط قوتنا إذا ما احتفينا بها وفعلناها. بعد التحول من طفلة حائرة إلى امرأة ناضجة ترى وتفهم الحياة بما هي عليه، فإنني سوف لن أطالب بحقوق متساوية مطلقا. اعلم الآن بأنه لكي يقترب الجميع من أهدافهم لابد أن نفهم بأن الناس مختلفون وإننا ينبغي أن نعطيهم الوقت والجهد والمصادر كي يصلوا إلى مقدراتهم القصوى بما هم عليه من نقاط قوة وضعف.