العدد الخامس

العدد الخامس – يوليو 2022 لوتس

المحاميات يدفعن الثمن

مرتين: حارسات العدالة.. ماعت الجديدة

إصرار على الانتصار للحقوق رغم ما يتعرضن له من تمييز وتعنت وانتهاك مساحات

تســتيقظ ريهــام يوميــا يف الســاعة الثامنــة صباحــا، لتتوجــه إلــى الحكمــة مبكــرا في اﻷوقـات التـي لديهـا جلسـات، حتـى تقـدم يـد العـون لما يحتاجـون مسـاعدتها، قبـل أن تنتهـي مــن عملهــا مــع نهايــة اليــوم في أغلــب اﻷحيــان لتعـود مسـرعة إلـى البيـت لتقـوم بمهـام عملهـا المنزلـي، خاصـة وأنهـا مسـتقلة تعيـش بمفردهـا بعيــدة عــن أســرتها.

هـذه ليسـت حيـاة المحاميـة ريهـام عمـران (اسـم مســتعار) والتــي تعمــل في إحــدى المؤسســات الحقوقيــة التــي تقــدم الدعــم للمحبوسـيـن في قضايـا سياسـية، ولكنـه قـد يكـون نمـط حيـاة عشــرات المحاميــات اللاتــي قــررن الاشــتباك مـع هـذا الواقـع منـذ سـنوات، يـد في المحكمـة لتمـارس عملهـا، واﻷخـرى لتسـاعد نفسـها علـى الحيــاة.

فخـلال السـنوات الماضيـة، بـرز دور العديـد مـن المحاميــات الحقوقيــات مــع زيــادة المحبوســين الاحتياطيــن فس القضايــا السياســية المتنوعــة، لاسـيما المتهمـين مـن التيـارات المدنيـة والمدافعة عــن الحريــات، وأصبــح لهــن مســاحة كبيــرة فيمـا يتعلـق بتقـديم الدعـم القانونـي للسـجناء، مصــرات علــى اﻷنتصــار للعدالــة والحقــوق والحريــات رغــم أنهــن يدفعــن الثمــن مرتــين، ثمـن انهـن اختـرن الدفـاع عـن الحقـوق في زمـن تراجعـت فيـه الحقـوق والحريـات وثمـن كونهـن ســيدات في محــراب العدالــة.

في هــذا التقريــر، حاولنــا تســليط الضــوء علــى معانــاة فتيــات وســيدات يعملــن في مهنــة المحامــاة، يواجهــن الكثيــر مــن الصعوبــات اليوميــة، منهــا مــا هــو بســبب كونهــا امــرأة تواجـه مشـكلات أكثـر مـن غيرهـا مـن الرجـال، ومنهــا مــا هــو بســبب طبيعــة عملهــا الصعبــة والشــاقة والتــي تتطلــب تحديــات بعينهــا.

أزمــة المحاميــة الحقوقيــة لا تقتصــر علــى التـوازن الـذي تحـاول فعلـه بـين حياتهـا العمليـة وحياتهــا الخاصــة التــي تواجــه فيهــا صعبــات أيضــا بســبب كونهــا امــرأة مســتقلة، ولكــن أيضــا أزمتهــا وأزمــات العديــد منهــن، تتمثــل فيمــا يواجهــن مــن تعنــت أحيانــا، وتمييــز أحيـان أخـرى، ومحـاولات تهميـش مـن أطـراف عديــدة.

تقـول ريهـام: “سـأتحدث أولا عـن الخصوصيـة التـي يتـم انتهاكهـا، والتـي تبـدأ بمجـرد وصولنـا إلــى المحكمــة أو النيابــة في التجمــع الخامــس (مقــر نيابــة أمــن الدولــة العليــا)، مــن تفتيــش ذاتــي كان يحــدث في بعــض اﻷحيــان حتــى اســتطعنا مواجهتــه بأشــكال مختلفــة، وحتــى الإصــرار علــى تفتيــش حقائبنــا الشــخصية والتــي بالطبــع بهــا أشــياء خاصــة تخصنــا وحدنـا، وعلـى الرغـم مـن مـرور الحقائـب علـى أجهــزة الكشــف، إلا في بعــض الأحيــان يكــون هنـاك أصـرار علـى تفتيشـها يدويـا، ولا نعـرف أســباب ذلــك“.

“منــذ اللحظــة اﻷولــى ونحــن نعــرف أن هنــاك العديـد مـن التحديـات التـي تواجهنـا في عملنـا الحقوقــي، نعــرف ذلــك ونتصالــح معــه، ولكــن مــا نســعى إليــه هــو محاولــة التقليــل مــن هــذه التحديــات حتــى لا تؤثــر علينــا وبالتالــي يصــل التأثيــر إلــى مــن يريــدون المســاعدة“، تقــول المحاميــة.

وتضيــف: “إذا انتهينــا مــن فقــرة التفتيــش وانتهــاك الخصوصيــة، يأتــي دور غيــاب الخدمــات، لا يوجــد خدمــات داخــل المحاكــم والنيابـات، أو حمامـات نظيفـة، أو حتـى أماكـن مناسـبة للجلـوس والانتظـار، كلهـا أمـور ليسـت علـى مـا يـرام بالداخـل، ولكـن ليـس أمامنـا إلا تحمــل الظــروف حتــى القيــام بعملنــا“.

حقوقية: انتهاك خصوصية وتحرش لفظي وتعنت من الموظفين وبعض الزمالاء المحامين

علــى صعيــد أخــر، تتحــدث المحاميــة عــن تعرضهــا وغيرهــا مــن المحاميــات في العديــد مــن المـرات لمضايقــات وتحترش لفظــي وتعليقـات مسـتمرة علـى الملابـس أو الجلوس أو الوقـوف في أماكـن بعينهـا، وبالطبـع لا نسـتطيع الاشـتباك بشـكل أو بأخــر مــع هـذا النـوع مـن المضايقــات لأنهــا قــد تعرضنــا لمخاطــر أكبــر.

وقالــت المحاميــة: “الأســوأ هــو ليــس فقــط تعرضنــا لــكل هــذه المضايقــات مــن العاملــن في النيابــات والمحاكــم، ولكــن مــا نجــده مــن بعـض زملائنـا المحاميـن الرجـال مـن محـاولات تهميـش وتقليـل لدورنـا ومـا نقدمـه، قـد يصـل في بعـض اﻷحيـان إلـى تجاهـل مـا نقـوم بـه أو نطالـب بـه مـن أجـل السـجناء، طالمـا سيسـاعده في النهايــة علــى القيــام بعملــه هــو فقــط“.

مــن العمــل احلقوقــي والمحاميــات الحقوقيــات إلــى المحاميــات اللاتــي يعملــن علــى القضايــا السياسـية، لا يختلـف اﻷمـر كثيـرا، مـع محاميـة أخــرى تعمــل في القضايــا الجنائيــة في مكتبهــا الخاص، حيـث تحدثـت هـي اﻷخـرى عـن بعـض المضايقــات التــي تتعــرض لهــا بســبب عملهــا، التــي في بعــض اﻷحيــان تعيــق قيامهــا بدورهــا علــى أكمــل وجــه. كانــت أكثــر النقــاط التــي أثارتهــا المحاميــة، هــو مــا يتعلــق بالمســاحات الشــخصية، والتــي تــرى أن هنــاك تعنــت مــن البعــض تجاه المحاميــات فقــط.

محامية حقوقية: أسوأ ما في اﻷمر هو شعورنا بالعجز أمام أسر المحبوسين الذين ينتظرون حرية ذويهم

اﻷزمــة الحقيقيــة بحســب مــا ترويــه المحاميــة، أن “هــذا المنــاخ يضــر بمنظومــة العدالــة في مصـر، ﻷنـه يجعـل قيـام المحاميـن بأبسـط مهـام عملهـم يواجـه صعوبـات كثيـرة، مـا يؤثـر بطبيعة الحــال علــى الدفــاع وحــق المتهمــين، مضيفــة

“احنــا مــش بنتكلــم في منــاخ يســاعد علــى إنــك تشــتغل بشــكل كويــس وتضمــن البــراءة أو العدالـة لموكلـك، وأضـرار ده ممكـن توصـل ﻷن متهــم بــريء يتعاقــب بذنــب مــش ذنبــه“.

حكايـات لا تنتهـي ولا يسـعفها مئـات الصفحـات والمجلــدات، عــن بطــولات تقــوم بهــا محاميــات ســلاحهن القانــون في مواجهــة تعســف فقــط علــى النــوع الاجتماعــي، بحثــا عــن انتصــارات صغيـرة تشـعرهن باﻷنجاز، ولا يسـعنا أمـام كل مـا يحـدث تجاههـن سـوى أن نقـول لهـن “شـكرا علـى هـذا الـدور“.