العلاقة بين الأعمال البحثية وجهود جماعات مناصرة إلغاء ممارسة ختان الإناث
التصنيفات: غير مصنف
الشركاء: المرأة الجديدة
بقلم:
العلاقة بين الأعمال البحثية
وجهود جماعات مناصرة إلغاء ممارسة ختان الإناث
تتسم ورقة أوبرماير و رينولدز البحثية بالعمق وتثير الاهتمام، كما توفر لجميع المنخرطين في مناصرة إلغاء ممارسة التشويه الجنسي للإناث فرصة للتفكير والنقد الذاتي. لقد قدم المؤلفان عن حق نقدًا لانتقائية الخطاب ” الأوروبي ” حول الموضوع الذى يركز على شن حملات ضد هذه الممارسة، بينما يستبعد هذا الخطاب عديدًا من القضايا الأخرى الهامة فى مجال الصحة الإنجابية، فضلاً عن طرحه للقضية خارج سياقها، ومن ثم عرضها بصورة تبسيطية في (advocacy) ” الأدبيات الداعية إلى إلغاء هذه الممارسة “. ويتمثل الخطر الناجم عن ذلك في إضفاء صبغة معينة وطابعًا تمطيًا على المجتمعات التي تجري فيها ممارسة ختان الإناث – وهو ما يبدو واضحًا في التغطية الإعلامية المتزايدة للقضية. ويتميز مصطلح ” جراحة الأعضاء الجنسية للإناث ” الذى تم استخدامه فى الورقة البحثية سالفة الذكر بأنه أقل انفعالاً عن مصطلح “بتر الأعضاء التناسلية للإناث“. وهو أمر جيدًا، ولكنه يبدو عُرضة لنفس العجز المذكور في الورقة البحثية ويؤثر على المصطلحات الأخرى – وأعنى وصف عدد من الممارسات المختلفة بمصطلح واحد. كما أن مصطلح “جراحة الأعضاء التناسلية للإناث” لا يعبر أيضًا عن الفكرة القائلة بانتشار ممارسة هذه العملية بواسطة أناس بدون أي تدريب على الرعاية الصحية، بمن فيهم الحلاقين وغيرهم؛ ومن ثم فهو يثير الارتباك والتشوش مثله مثل المصطلحات الأخرى، بدلاً من أن يرتقى بالأمر ويعمل على تحسينه. أثار المؤلفان أيضًا نقطة هامة، تتمثل في محدودية الأدبيات التي تعمل على توثيق الآثار الناجمة عن “التشوية الجنسي للإناث” – سواء على الصحة أو الشئون الجنسية أو الحالة العامة للنساء. كما قدما أيضًا أطروحات واضحة حول أهمية إجراء المزيد من البحوث الدقيقة من أجل إمداد جماعات مناصرة إلغاء هذه الممارسة بالمعلومات. ومع كل، يمكن أن نسأل أنفسنا ألم تكن هذه الندرة من الأعمال البحثية تنطق تصدق أيضًا، في واقع الأمر، على أغلب مشكلات الصحة الإنجابية في الماضي، حتى أمكن الكشف عن القصص المتعلقة بالموضوع وعرضها على الرأي العام علانية، مع تشجيع الجهود الرامية إلى جمع بيانات مناسبة. ويتحدث المؤلفان بالتفصيل عن مدى محدودية الأدبيات حول موضوع الآثار الضارة لممارسة التشوية الجنسي للإناث، مشيران إلى أن غالبية الدراسات القليلة التي تتميز بدقتها المنهجية، تتحدث عن قلة حدوث مضاعفات طبية نتيجة لهذه الممارسة. ومع ذلك، يجدر التأكيد على ما أثاره المؤلفان من أن ذلك لا يعنى، في واقع الأمر، عدم معاناة الفتيات والنساء من الآثار الضارة المترتبة عن هذه الممارسة. وتعاني العديد من الدراسات حول هذا الموضوع، كما يشير المؤلفان، من ذلك المأزق الحتمي المتعلق بالاعتماد على “المضاعفات التى يتم الإبلاغ عنها” بدلاً من الاعتماد على مؤشرات المضاعفات التى تم تقييمها طبيًا. وبطبيعة الحال، فإن كثيرًا من نساء البلدان التي تنتشر فيها هذه الممارسة، لا يتيسر لديهن سوى نفاذ محدود إلى نظام الرعاية الصحية (أو لا يتقن به)؛ كما تفتقر هذه البلدان أيضًا إلى البيانات الإحصائيات حول الصحة والرعاية الصحية. وكما تطرح المؤشرات المستقاة من مختلف القصص في مصر، أن عدد كبير من الفتيات أو النساء اللاتي يعانين من الآثار السيئة لهذه الممارسة لا يتعاملن بالضرورة مع نظام الرعاية الصحية، وخاصة أن هذه الممارسة تُعد عُرفًا، ومن ثم تتوقع غالبيتهن وجود ألم مصاحب لها. إن مثل هذه الاعتبارات المنهجية والاجتماعية يمكن أن تمثل الأسباب الرئيسية للنقص فى الإبلاغ عن حجم المضاعفات ومداها. إن القيود المنهجية والأخلاقية التي يواجهها القائمون على إجراء دراسات حول الآثار الضارة لممارسة التشوية الجنسي للإناث، يمكن فى حد ذاتها أن تفسر إحجام الباحثين عن تناول الموضوع. فلا يمكن على سبيل المثال، إجراء تقييم إكلينيكي بأسلوب أخلاقي إلا إذا سعت النسوة موضوع البحث سعين للحصول على رعاية طبية تتطلب فحصًا من طبيب متخصص في مجال أمراض النساء، وهو الأمر الذي يحدث فقط إذا ما كانت هؤلاء النسوة متزوجات (۱). في أغلب الثقافات. على الرغم من أن الورقة البحثية تناولت بعد ذلك قضية اللذة الجنسية، فإن تعريف ” الآثار الضارة ” الذي استخدمه المؤلفان في القسم الخاص بالمضاعفات الصحية، يُعد شديد المحدودية، رغم أنه مشتق من الأدبيات المتاحة. ويبدو أن هذا التعريف يعتمد على الآثار الصحية التي يستند تعريفها بدرجة كبيرة على النموذج الطبي، دون وضع خبرات النساء وتصوراتهن بعين الاعتبار. ومع ذلك، ليست الحالات ذات الدلالة الاكلينيكية فقط هى التى ترتبط بصلة وثيقة بموضوعنا. وعلاوة على ذلك، تشتمل الورقة البحثية على بعض الفروض الضمنية حول العلاقة بين جهود جماعات مناصرة إلغاء ممارسة التشوية الجنسي وبين البحوث التي تم إجراؤها في هذا المجال، وهو أمر مطروح للنقاش. هل هناك حاجة لأن تدعم جماعات التعبئة لإلغاء الممارسة جهودها ببحوث وحيدة؟ تسهم البحوث بالتأكيد في تقوية جهود مناصرة إلغاء الممارسة وتمدها بالمعلومات وتضفى لها الشرعية، ولكنني لا أتفق على أنها تعد شرطًا مسبقًا لتحقيق دور جيد في هذا المجال. كما تبدو المسألة على نحو ضمني هنا. لقد كان تزايد الأنشطة الجيدة حول الصحة الإنجابية الذي تقوم به المجموعات على أرض الواقع العملي يرتكز لفترة طويلة على خبراتها الخاصة، وعلى ملاحظاتها من خلال عملها داخل المجتمع المحلي، وعلى مناقشاتها مع النساء حول خبراتهن، وعلى مدى حسها بالسياق السياسي الذي تعمل فيه، بالإضافة إلى مثابرتها على إثارة قضايا بعينها. وبالمثل، فعلى الرغم من أهمية توفر البحوث في الأدبيات الدولية، قد يكون من الخطأ المساواة بين المحصلة بشأن ” ما هو معروف ” حول ممارسة التشوية الجنسي للمرأة وبين ” ما هو منشور “. إن الخبرات المتراكمة التي اكتسبتها المجموعات والمؤسسات التى تعمل فى المجتمعات المحلية، واكتسبها العاملون في مجال الرعاية الصحية خلال ممارساتهم العملية، تمثل مصادر هامة للمعلومات التي لا تجد دومًا طريقها إلى الأدبيات المنشورة، عمليًا باللغتين الفرنسية والإنجليزية، أو إلى قواعد البيانات مثل “مدلاين“.(Medline) وتثير الورقة البحثية تساؤلات صحيحة وهامة بشأن العلاقة بين جهود مناصرة إلغاء ممارسة التشويه الجنسي للنساء، وبين الجهود المبذولة في بلدان بعينها. لقد أوضحت أحداث السنوات الأخيرة الماضية الدور المُساعد الذي تلعبه النقاشات والمؤتمرات الدولية فى اتجاه خلق مجالات متقدمة لمجموعات جديدة، كما أتاحت الفرصة للانفتاح السياسي الذي يمكن خلاله نشر القضايا الخلافية، مثل قضية التشويه الجنسي للإناث. وفي ذات الوقت، فإن جماعات المناصرة الدولية التي لا تحصل على معلومات حول أنشطة الجماعات المحلية والوطنية، أو لا تسعى إلى تعزيزها، لا تقوم إذن بدور مثمر. (يتأتى علينا منح الثقة أينما كانت واجبة، والإقرار بأن أولئك المنخرطين فى جهود التعبئة داخل البلدان التي تنتشر فيها ممارسة ختان الإناث ليسوا مجرد أدوات للحملات الدولية، ولا للخُطب الانفعالية ضد هذه الممارسة، لقد كانوا، في حالات كثيرة، يباشرون جهود التعبئة داخل مجتمعاتهم المحلية لعشرات السنين، ولكن عملهم ظل إلى وقت قريب لا يحظى بالإقرار داخل الدوائر الدولية). إننا نرحب بهذه الورقة البحثية التي تُذكرنا بأن عبء المسئولية يقع بالتساوي على عاتق أولئك المنخرطين في جهود التعبئة ضد ممارسة الختان، وذلك من أجل توثيق عملهم وتقييم فعالية برامجهم فى مجال تحسين صحة المرأة ورفاهها. كما أننا لا نختلف أيضًا على أهمية دعوة مجتمع البحوث إلى تقديم دراسات وأبحاث أفضل كيفًا وأكثر كمًا.الهوامش
1 – إحدى الدراسات الواردة بالورق البحثية كمرجع (المرجع رقم 7)، على سبيل المثال، هي الدراسة التي أجرتها ” الجمعية المصرية لرعاية الخصوبة ” لتأكيد صحة النتائج المأساوية حول انتشار ممارسة “بتر الأعضاء التناسلية للإناث” فى مصر، انطلاقًا من المسح الصحي والديموغرافى لعام ۱۹۹5؛ وقد اعتمدت هذه الدراسة على البيانات المستقاة من عيادات تنظيم الأسرة، التى ترتادها النسوة للحصول على وسائل منع الحمل.
شارك: